{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة: 33]
قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 31):"تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها , وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم
وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين , وليس كذلك , فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق , كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
1 - " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى , فقالت عائشة:
يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * أن ذلك تاما , قال: إنه سيكون
من ذلك ما شاء الله ". الحديث.
" لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى , فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * أن ذلك تاما , قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ". الحديث.
رواه مسلم وغيره , وقد خرجته في " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " (ص 122) .
وقد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام ومدى انتشاره , بحيث لا يدع
مجالا للشك في أن المستقبل للإسلام بإذن الله وتوفيقه.
وها أنا أسوق ما تيسر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سببا لشحذ همم العاملين للإسلام , وحجة على اليائسين المتواكلين
2 - " إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي
سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ". الحديث.
رواه مسلم (8 / 171) وأبو داود (4252) والترمذي (2 / 27) وصححه، وابن ماجه (رقم 2952) وأحمد (5 / 278 و 284) من حديث ثوبان
وأحمد أيضا (4 / 123) من حديث شداد بن أوس إن كان محفوظا.
وأوضح منه وأعم الحديث التالي:
3 - " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا
أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر ".
رواه جماعة ذكرتهم في " تحذير الساجد " (ص 121) . ورواه ابن حبان في
" صحيحه " (1631 و 1632) .
وأبو عروبة في " المنتقى من الطبقات " (2 / 10 / 1) .
ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر
والطغيان، وهذا ما يبشرنا به الحديث: - عن أبى قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتابا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مدينة هرقل تفتح أولا. يعني قسطنطينية "..
رواه أحمد (2 / 176) والدارمي (1 / 126) وابن أبي شيبة في " المصنف " (47 / 153 / 2) وأبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (116 / 2)
والحاكم (3 / 422 و 4 / 508) وعبد الغني المقدسي في " كتاب العلم " (2 / 30 / 1) ، وقال: " حديث حسن الإسناد ".
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
و (رومية) هي روما كما في " معجم البلدان " وهي عاصمة إيطاليا اليوم.
وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقق
الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولابد، ولتعلمن نبأه بعد حين.
ولا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، وهذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث:
- " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا
شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم
يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت ".
رواه أحمد (4 / 273) حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثنا داود بن إبراهيم
الواسطي حدثنا حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال:
كنا قعودا في المسجد، وكان بشير رجلا يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟
فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: فذكره مرفوعا.
قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت له: إني أرجو أن يكون
أمير المؤمنين - يعني عمر - بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه.
ومن طريق أحمد رواه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (17 / 2) وقال: " هذا حديث صحيح، وإبراهيم بن داود الواسطي وثقه أبو داود الطيالسي

وابن حبان، وباقي رجاله محتج بهم في الصحيح ".
يعني " صحيح مسلم "، لكن حبيبا هذا قال البخاري: فيه نظر.
وقال ابن عدي: ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروي عنه، إلا أن أبا حاتم وأبا داود وابن حبان وثقوه، فحديثه حسن على
أقل الأحوال إن شاء الله تعالى، وقد قال فيه الحافظ: " لا بأس به ".
والحديث في " مسند الطيالسي " (رقم 438) : حدثنا داود الواسطي - وكان ثقة - قال: سمعت حبيب بن سالم به، لكن وقع في متنه سقط فيستدرك من " مسند
أحمد ".
وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 189) :
" رواه أحمد والبزار أتم منه والطبراني ببعضه في (الأوسط) ، ورجاله ثقات ".
ومن البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز، لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة ولم تكن بعد ملكين: ملك عاض وملك جبرية،
والله أعلم.
هذا وإن من المبشرات بعودة القوة إلى المسلمين واستثمارهم الأرض استثمارا يساعدهم على تحقيق الغرض، وتنبىء عن أن لهم مستقبلا باهرا حتى من الناحية
الاقتصادية والزراعية قوله صلى الله عليه وسلم:
6 - " لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ".
رواه مسلم (3 / 84) وأحمد (2 / 703 و 417) والحاكم (4 / 477) من
حديث أبي هريرة.
وقد بدأت تباشير هذا الحديث تتحقق في بعض الجهات من جزيرة العرب بما أفاض الله عليها من خيرات وبركات وآلات ناضحات تستنبط الماء الغزير من بطن أرض
الصحراء وهناك فكرة بجر نهر الفرات إلى الجزيرة كنا قرأناها في بعض الجرائد المحلية فلعلها تخرج إلى حيز الوجود، وإن غدا لناظره قريب.
هذا ومما يجب أن يعلم بهذه المناسبة أن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ".
رواه البخاري في " الفتن " من حديث أنس مرفوعا.
فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة وغيرها مثل أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه
بل هو من العام المخصوص، فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم
الكافرون) أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقا.