اسم الله جل وعلا (الْعَلِيمُ) مشتمل على صفة العلم ، والعلم أُثبِت له جل وعلا كغيره من الصفات بالاسم كـ (الْعَلِيمُ) وبالصفة يعني المجردة وكذلك بالأفعال ، والأفعال تدل على حصول الحدث ، يعني تدل على حصول المصدر مع الزمن المقترن به ، وهذا كله يدل على أن العلم الحاصل لله جل وعلا هذا شيء زائد عن الذات ، يعني شيء متعلق بزمن ، والذات غير متعلقة بشيء من ذلك .فإذن دل على أن صفة العلم لله جل وعلا أنها كسائر الصفات لله تبارك وتعالى وهي أنها صفة مستقلة ذاتية قائمة بالذات لكن ليست هي عين الذات فـ (الْعَلِيمُ) من أسماء الله جل وعلا هو ذو العلم الواسع وليس معناه أنه (الْعَلِيمُ) بذاته وإنما هو (عليم) بالعلم .
يعبر المعتزلة عن ذلك بقولهم عليم بلا علم .
معنى قولهم (عليم بلا علم) يعني عليم بلا صفة زائدة عن ذاته هي العلم ، وهكذا يقولون في سائر الصفات سميع بلا سمع ، يعني بلا صفة زائدة هي السمع بصير بلا بصر وحفيظ بلا حفظ ، وهكذا ، يعني أن الأسماء إما أن يفسروها بمخلوقات منفصلة وإما أن يفسروها بالذات .
ومما ينبه عليه هنا أن أهل السنة يقولون (يعلم بعلم) وأما ما وقع في بعض الكتب من الكتب المنسوبة لأهل السنة ككتاب (الحيدة) مثلا من أنه جل وعلا (يعلم بلا علم) هذا غلط ، أو قولهم (إننا لا نطلق هذه العبارة بعلم أو بغير علم لعدم ورودها) كذلك هذا غلط .
والذي جاء في (الحيدة) هو كذلك و
في غيرها (أننا نقول يعلم لا نقول بعلم ولا بغير علم)
وهذا باطل
. لأن كونه جل وعلا يعلم معنى ذلك أن علمه متجدد بتجدد زمن الفعل ، لأن الفعل ينحل عن زمن وعن مصدر ، والمصدر مجرد من الزمن ، والزمن لا بد له من تجدد والذات لا يمكن أن تكون كذلك .
فإذن التجدد راجع إلى حصول هذه الصفة باعتبار متعلقاتها ، وإذا صارت هذه الصفة متجددة باعتبار متعلقاتها يعني باعتبار المعلوم صار ذلك بعلم زائد على الذات ، المقصود من ذلك أن في هذه الآيات رد على طائفة من الضلال في باب الصفات وهم الذين يقولون إن صفات الله جل وعلا هي بالذات وليست زائدة عن الذات . الصفات غير الذات ، نعم ، صفات الله جل وعلا القول فيها كالقول في الذات لكن ذاته جل وعلا هي المتصفة بالصفات .
فالصفات أمر زائد على الذات ولا يعقل أن توجد ذات ليست بمتصفة بالصفات بل الصفات تكون للذات ، وليس الذات وجودها عينه هو وجود الصفات ، بل ثم صفات وثم ذات .
نعم الصفات لا يمكن أن تقوم بنفسها بل لا بد لها من ذات تقوم بها، فإذن صفات الله جل وعلا ومنها (العلم) على ذلك ، وهذه مقدمة تصلح لجميع أنواع الصفات التي ستأتي .
قال سبحانه وتعالى هنا ?يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا?
وجه الدلالة هنا قوله (يَعْلَمُ) وكما ذكرت لكم ، الفعل المضارع ينحل عن مصدر وعن زمن .
يعني بالمصدر اللي هو الصفة
(يعلم) فيه العلم (العلم زائد زمن) فإذن فيه إثبات الصفة وهذا معنى كون الأفعال فيها إثبات الصفة لأن الفعل هو حدث وزيادة على الحدث وهو الزمن .
قوله ?يَعْلَمُ مَا يَلِجُ? وجه الدلالة أيضا أنه أتى بـ (مَا) وهي اسم موصول تدل على عموم ما كان في حيز صلتها ، يعني يعلم جميع الوالج في الأرض ، والوالج في الأرض متجدد ، متغير ؟
كذلك يعلم جميع الذي يخرج من الأرض وهذا متغير .
إذن فالعلم صفة لله جل وعلا ذاتية ، قائمة بذاته لكن المعلومات متجددة ، فإذن صفة العلم لله جل وعلا ثابتة أصلا وآحادها متعلقة بالمعلومات وبتجدد المعلومات .
هنا قال ?وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا?
كذلك ، وهذه الآية تدل على علم الله جل وعلا - كما ذكرت لكم غير مرة - على علم الله جل وعلا بالصغير وبالكبير ، وبالجزئيات وكذلك بالكليات ، وجه الدلالة أنه أتى بـ (مَا) وهي لفظ يدل على عموم الأشياء [ شرح الواسطية للشيخ صالح ال الشيخ]