تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الإرادة عند أهل السنة والجماعة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الإرادة عند أهل السنة والجماعة

    يقول الشيخ صالح ال الشيخ فى شرح الواسطية-صفة (الإرادة) و (المشيئة) لله جل وعلا الأدلة على إثباتها من الكتاب والسنة أكثر من أن تُحصر ، بل من الواجب عند أهل الفطر السليمة أن الله جل وعلا (يفعل) ما يشاء و (يفعل) ما يريد ، لأن ذلك من مقتضيات كونه ربا جل وعلا فإن الربوبية مقتضية لأن يفعل في ملكه ما يريد ، لأنه لو فُعِل في ملكه ما لا يريده كونا لكان في ذلك منازعة له في الربوبية .
    ولهذا فإن صفة (الإرادة) و (المشيئة) هذه لم ينكرها إلا طوائف من الفلاسفة الضلال وهم لا ينكرونها مطلقا وإنما ينكرون بعضها .
    والمتكلمون على وجه العموم يثبتونها بالعقل ، ودليلها من العقل عندهم (التخصيص) .
    و (الإرادة) عندهم (إرادة) قديمة وتعلقها بما (علم) الله جل وعلا أنه سيكون بـ (الإرادة) القديمة هذا التعلق بما سيحصل تعلقه بـ (القدرة) المحدِثة له يسمونه (تخصيصا) ويسمون (التخصيص) (الإرادة) .

    فإذن عندهم أن (الإرادة) هي تخصيص المقدورات بالمقدروات المعلومة أزلا لله جل وعلا بما خصصت به .
    ويعنون بـ (التخصيص) أنواعا من التخصيص منها أنها كانت في هذا الزمن دون غيره ،
    مثلا خلق الله الشيء المعين في هذا الوقت دون غيره لِمَ خلق في هذا الوقت دون غيره ؟
    -تخصيص المخلوق أو الحادث بما حدث له في زمن دون غيره هذا التخصيص عندهم هو معنى (الإرادة) .
    هذا من جهة التعلق بالزمن .

    كذلك من جهة الطول والِقصر والضخامة والضآلة ، من جهة تكامل الصفات فيه وغير تكامل الصفات فيه - يعني في المعيّن - طول مدة بقائه وقلة مدة بقائه ، انعدامه أو غير انعدامه ونحو ذلك ، كل هذه تسمى عندهم (تخصيصات) وهذا (التخصيص) في الأشياء هو الدليل العقلي الذي نصبوه على صفة (الإرادة) .
    ولا شك أن هذا الدليل من حيث هو استنتاج صحيح فإن التأمل في هذه الأشياء التي خلقها الله جل وعلا على اختلافها لا شك يُنتِجُ أن تلك التخصيصات المختلفة إنما جاءت من جهة (إرادة) الله جل وعلا لهذه الأشياء أن تكون على ما هي عليه .
    وقد أثبت شيخ الإسلام رحمه الله هذا الدليل في شرح العقيدة الأصفهانية وأثبته أيضا في تائيته القدرية حيث قال رحمه الله تعالى :
    وفي الكون تخصيص كثير يدل من
    له نوع عقل أنه بإرادةِ
    وهذا ولو كان صحيحا
    ، لكن القاعدة أن الصفات إنما تثبت بالنصوص ، فإذا جاء العقل مثبتا لصفة فإنما هو تابع لما دل عليه النص .
    وهذا هو ما يعتمده أهل السنة في الدلالات العقلية للصفات .
    يعني في إثبات الصفات عن طريق الدليل العقلي فإنهم قد يذكرونه وقد لا يذكرونه وذلك لاستغنائهم بالوحيين .
    ولا يعني ذلك أن إثبات الصفات لا يكون بطريق عقلي بل منها كثير يكون إثباته بطريق عقلي صحيح ولكن لا يذكر أهل السنة الطرق العقلية لأن الكتاب والسنة عندهم كافيان في إثبات الصفات لأن الله جل وعلا أعلم بنفسه والعقل معرض للخطأ ومعرض للزلل وأما النص فهو الكامل من كل جهاته .
    -- إرادة الله جل وعلا للأشياء هذه تنقسم إلى :
    - إرادة كونية قدرية ، يعني متعلقة بالكون بمخلوقات الله من حيث إيجادها وإعدامها ، من حيث تقلباتها وأحوالها .
    - وهناك الإرادة الشرعية الدينية وهذه المتعلقة بالأمر .
    فـ (الإرادة الكونية) متعلقة بالخلق و(
    الإرادة الشرعية الدينية) هذه المتعلقة بالأمر والله جل وعلا له الخلق والأمر .
    و (المشيئة) مشيئة الله جل وعلا -هي (الإرادة الكونية) فإذا قلنا (شاء الله كذا) يعني أراده (كونا)
    وإذا قلنا (أراد الله كذا) فهذا يحتمل أن يكون المراد من (الكونيات) أو أن يكون المراد من (الشرعيات) .
    وأما (المشيئة) فليس ثَم دليل لا في الكتاب ولا في السنة على انقسامها إلى (مشيئة كونية ودينية) وإنما الذي ينقسم (الإرادة) .
    فإذن صارت (المشيئة) بعض الإرادة فـ (الإرادة) من أقسامها (المشيئة) ومن أقسامها (الإرادة) .
    فإذن صارت المشيئة بعض الإرادة فالإرادة من أقسامها المشيئة ومن أقسامها الإرادة الدينية الشرعية.

    وقوله جل وعلا ?وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
    فيها إثبات صفة (الإرادة) وفيها إثبات أن الذي (أراده) الله جل وعلا يفعله هذا صفة كمال له جل وعلا لأن كل المخلوقات لا تفعل ما تريده ، ليس كل شيء تريده تفعله بل قد تريد أشياء ولا تستطيع فعلها لتخلف (القدرة) .فإن المقدور المعيّن الذي سيحدث أو الذي يُراد أن يحدث يكون (بإرادة) جازمة و(بقدرة) تامة فإذا حصلت (الإرادة) الجازمة بتحقيقه وحصلت (القدرة) على إيقاعه حصل هذا الشيء وكان .
    وهذا يتخلف في المخلوق كثيرا فالمخلوقات فيها من جهة (الإرادة) صفة النقص وهي أنها (تريد) أشياء ولكن لا تحصل المرادات ، والذي يتفرد بأنه يفعل ما يريد وهو فعال لما يريد وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن هو الواحد القهار جل وعلا وهذا من مقتضيات كونه هو (المالك) (الأحد) (الفرد) (الصمد) الذي له هذا الملكوت العظيم جل وعلا وتقدس وتعاظم سبحانه .
    وقوله جل وعلا بعد ذلك في الآية الأخيرة في آية المائدة ?إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
    فيها أيضا صفة (الإرادة) و (الحكم) هنا راجع إلى الحكم الشرعي ، و (الإرادة) هنا أيضا فيما يظهر راجعة إلى (الإرادة الشرعية) .
    وقوله في الآية الأخيرة وَقَوْلِه فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلام
    هذه (الإرادة الكونية) فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ إرادة كونية أن يهديه ، أما (الإرادة الشرعية) فالله جل وعلا مريد أن يهتدي الناس وأن يحصل منهم الإسلام لأنه أمرهم بذلك فمن يرد الله أن يهديه كونا يشرح صدره للاسلام ومن يرد كوناً أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصًعد في السماء .
    إذا تبين لك ذلك -فالإرادة -عند أهل السنة والجماعة أو المشيئة صفة قائمة بالله جل وعلا من صفاته جل وعلا الذاتية.
    يعني أنه جل وعلا لم يزل مريدا لم يزل شائيا ، فإنه لم تنفك عنه هذه الصفة وهي صفة المشيئة و الإرادة .
    وهي مع ذلك متعلقة من جهة الأفراد بكل فرد حصل في ملكوت الله .
    فإذن هي من حيث النوع قديمة ، ومن حيث الأفراد متجددة ، فكل شيء يحدث في ملكوت الله هو بإرادته جل وعلا الكونية و بمشيئته جل وعلا .
    وهذه الصفة قائمة بالله جل وعلا ومتعلقة بالذي حدث حال حدوثه ،.
    فالإرادة إذن ، الله جل وعلا لم يزل مريدا وهذا من أوائل اعتقاد أهل السنة والجماعة في ذلك .
    أما غير أهل السنة والجماعة فيقولون إن الإرادة قديمة .
    هذا قول الأشاعرة والماتريدية ، يقولون الإرادة و المشيئة يعني الإرادة الكونية والمشيئة وحتى الإرادة الشرعية عندهم قديمة .
    ما معنى كونها قديمة ؟
    عندهم أن الإرادة وهي التوجه بتخصيص بعض المخلوقات بما خصصت به زمانا أو مكانا أو صفات هذا التخصيص أو هذا التوجه للتخصيص قديم من جهة الإرادة قديم ، إرادته قديمة .
    الإرادة عندهم لها جهتان :
    - جهة يسمونها (صلوحية) يعني راجعة إلى ما يصلح وما لا يصلح ، فيقولون من جهة الصلوحية فالإرادة تابعة للعلم .
    - ولها جهة ثانية يسمونها الجهة (التنجيزية) يقولون هي من جهة التنجيز تابعة للقدرة .
    يريدون بذلك مخالفة أهل الاعتزال ، لأن المعتزلة - يأتي إن شاء الله كلامهم في ذلك - يخالفون في هذا ويجعلون (الإرادة) راجعة - هم يثبتون صفة الإرادة ويجعلونها راجعة - إلى العلم من جهة القدم ، وأما الذي حدث إذا حدث فإنهم يجعلون (الإرادة) حادثة في ذلك الوقت ، وليس عندهم إرادة التي هي صفة قديمة كما عند الأشاعرة وإذا أثبتوها فإنهم يرجعونها إلى العلم .

    الأشاعرة عندهم هذا التفصيل ، وكل الأمرين عندهم قديم ليس بمتجدد الآحاد مثل (الكلام) .
    صفة (الكلام) عندهم - صفة قديمة ، ما عندهم كلام يحدث ، الله جل وعلا تكلم عندهم بالقرآن في الأزل ، وكلامه جل وعلا انتهى ، تكلم بما شاء ثم انتهى من الكلام ، كذلك (الإرادة) يقولون أراد ما شاء في الأزل ، ولا تتعلق (الإرادة) بالأشياء تجديدا .
    هل معنى ذلك أن لا يريد هذه الأشياء ؟
    لا ، يقولون يريدها
    ولكن (الإرادة) هنا جهتها تنجيزية ، يعني تنجيز وإنفاذ للإرادة القديمة .
    أهل السنة والجماعة يخالفون في هذا فيقولون إن إرادة الله جل وعلا متجددة ، فما من شيء يحدث في ملكوت الله إلا وقد شاءه الله جل وعلا حال كونه ، كما أنه جل وعلا شاءه في الأزل .
    فمشيئته في الأزل بمعنى إرادة إحداثه في الوقت الذي جعل الله جل وعلا ذلك الشيء يحدث فيه .
    فإرادته للأشياء جل وعلا القديمة ليست إرادة ومشيئة تنفيذية في وقتها .
    فلهذا نقول الإرادة من حيث هي صفة : قديمة ، لكن من حيث تعلقها بالمعين هذه متجددة ، فلا نقول إن الله جل وعلا شاء أن يخلق أحمد - مثلا - شاء أن يخلق أحمد منذ القدم في الأزل شاء أن يخلق أحمد - هذا من الناس - في ذلك الحين ، ولكن لم يخلق إلا بعد كذا وكذا من الزمن .
    نقول هو جل وعلا شاء أن يخلق أحمد إذا جاء وقت خلقه ، فإذا شاء الله أن يخلقه خلقه ، وأما الصفة القديمة صفة (الإرادة) فهي متعلقة به جل وعلا يعني مريد لم يزل مريدا ، وتعلق (الإرادة) به بتجدد تعلق الحوادث .
    ولهذا نقول إن إرادة الله جل وعلا ومشيئته المعينة للشيء المعين هذه هي التي نعني بها بتجدد الأفراد ، ومن حيث هي صفة فإن الله جل وعلا لم يزل متصف بتلك الصفة .
    وسبب هذا الخلاف بينهم أن أهل السنة والجماعة يقولون بأن الله جل وعلا لم يزل حيا فعالا لما يريد ، فلا ينفون عن الله جل وعلا الإحداث والخلق في ما شاء جل وعلا من الزمان .
    بخلاف المبتدعة من الأشاعرة والماتريدية والمتكلمة فإنهم يقولون الله جل وعلا متصف بالصفات لكنه لم تظهر آثار تلك الصفات إلا في وقت معين .
    نعم متصف بالخلق لكنه لم يخلق زمانا طويلا ثم بعد ذلك خلق ، متصف بالعلم ولا معلوم ، متصف بالقدرة ولم تظهر آثار القدرة إلا بعد أن وجد مقدور وهكذا --
    .
    فإذن عند أهل السنة والجماعة أن إرادة الله جل وعلا أزلية لم يزل الله جل وعلا كذلك ، الله جل وعلا هو (الأول) وصفاته كذلك ، لم يزل متصفا بتلك الصفات ، ومقتضى ذلك أن يكون لتلك الصفات آثار في ملكوته .إذن يتضح لنا مما سبق أن هذا البحث واضح بحمد الله ألا وهو صفة (المشيئة) و (الإرادة) لله جل وعلا على مذهب أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وقولهم فيها واضح سهل ميسورلا يكاد أحد لا يفهمه ممن عنده نوع عقل كما قال شيخ الإسلام ، يعني أي واحد عنده بعض العقل يفهم هذا القول ، المشئية متعلقة بكل شيء و (الإرادة) منها شرعي ديني ومنها كوني قدري وهذا مذهب أهل السنة والجماعة[
    اللالئ البهية في شرح العقيدة الواسطية باختصار ]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    يقول شيخ الاسلام فى معرض كلامه على الجهمية --والإرادة التي يثبتونها لم يدل عليها سمع ولا عقل . فإنه لا تعرف إرادة ترجح مرادا على مراد بلا سبب يقتضي الترجيح . ومن قال من الجهمية والمعتزلة " إن القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح " فهو مكابر .

    وتمثيلهم ذلك بالجائع إذا أخذ أحد الرغيفين والهارب إذا سلك أحد الطريقين حجة عليهم . فإن ذلك لا يقع إلامع رجحان أحدهما إما لكونه أيسر في القدرةوإما لأنه الذي خطر بباله وتصوره أو ظن أنه أنفع . فلا بد من رجحان أحدهما بنوع ما إما من جهة القدرة وإما من جهة التصور والشعور . وحينئذ يرجح إرادته والآخر لم يرده . فكيف يقال إن إرادته رجحت أحدهما بلا مرجح ؟ أو أنه رجح إرادة هذا على إرادة ذاك بلا مرجح ؟ وهذا ممتنع يعرف امتناعه من تصوره حق التصور .

    ولكن لما تكلموا في مبدأ الخلق بكلام ابتدعوه خالفوا به الشرع والعقل احتاجوا إلى هذه المكابرة كما قد بسط في غير هذا الموضع . وبذلك تسلط عليهم الفلاسفة من جهة أخرى . فلا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا .

    ومعلوم بصريح العقل أن القادر إذا لم يكن مريدا للفعل ولا فاعلا ثم صار مريدا فاعلا فلا بد من حدوث أمر اقتضى ذلك .

    والكلام هنا في مقامين . أحدهما في جنس الفعل والقول هل صار فاعلا متكلما بمشيئته بعد أن لم يكن أو ما زال فاعلا متكلما بمشيئته . وهذا مبسوط في مسائل الكلام والأفعال في مسألة القرآن وحدوث العالم .

    والثاني إرادة الشيء المعين وفعله كقوله تعالى { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } وقوله { فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما } وقوله { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا } وقوله { وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له } وقوله { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله } وقوله { قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته } .

    وهو سبحانه إذا أراد شيئا من ذلك فللناس فيها أقوال .

    قيل : الإرادة قديمة أزلية واحدة وإنما يتجدد تعلقها بالمراد ونسبتها إلى الجميع واحدة ولكن من خواص الإرادة أنها تخصص بلا مخصص . فهذا قول ابن كلاب والأشعري . ومن تابعهما .

    وكثير من العقلاء يقول : إن هذا فساده معلوم بالاضطرار حتى قال أبو البركات : ليس في العقلاء من قال بهذا .

    وما علم أنه قول طائفة كبيرة من أهل النظر والكلام . وبطلانه من جهات : من جهة جعل إرادة هذا غير إرادة ذاك ومن جهة أنه جعل الإرادة تخصص لذاتها . ومن جهة أنه لم يجعل عند وجود الحوادث شيئا حدث حتى تخصص أو لا تخصص . بل تجددت نسبة عدمية ليست وجودا وهذا ليس بشيء فلم يتجدد شيء . فصارت الحوادث تحدث وتتخصص بلا سبب حادث ولا مخصص .

    والقول الثاني : قول من يقول بإرادة واحدة قديمة مثل هؤلاء لكن يقول : تحدث عند تجدد الأفعال إرادات في ذاته بتلك المشيئة القديمة كما تقوله الكرامية وغيرهم .

    وهؤلاء أقرب من حيث أثبتوا إرادات الأفعال
    . ولكن يلزمهم ما لزم أولئك من حيث أثبتوا حوادث بلا سبب حادث وتخصيصات بلا مخصص وجعلوا تلك الإرادة واحدة تتعلق بجميع الإرادات الحادثة وجعلوها أيضا تخصص لذاتها ولم يجعلوا عند وجود الإرادات الحادثة شيئا حدث حتى تخصص تلك الإرادات الحدوث .

    والقول الثالث---قول الجهمية والمعتزلة الذين ينفون قيام الإرادة به . ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة أو يفسرونها بنفس الأمر والفعل أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل كقول البصريين .

    وكل هذه الأقوال قد علم أيضا فسادها .


    والقول الرابع : أنه لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة . فنوع الإرادة قديم وأما إرادة الشيء المعين فإنما يريده في وقته .

    وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها ثم بعد ذلك يخلقها . فهو إذا قدرها علم ما سيفعله وأراد فعله في الوقت المستقبل لكن لم يرد فعله في تلك الحال فإذا جاء وقته أراد فعله فالأول عزم والثاني قصد .

    وهل يجوز وصفه بالعزم فيه قولان . أحدهما المنع كقول القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى ; والثاني الجواز وهو أصح . فقد قرأ جماعة من السلف { فإذا عزمت فتوكل على الله } بالضم . وفي الحديثالصحيح من حديث أم سلمة : { ثم عزم الله لي } . وكذلك في خطبة مسلم : { فعزم لي } .

    وسواء سمي " عزما " أو لم يسم فهو سبحانه إذا قدرها علم أنه سيفعلها في وقتها وأراد أن يفعلها في وقتها . فإذا جاء الوقت فلا بد من إرادة الفعل المعين ونفس الفعل ولا بد من علمه بما يفعله .

    ثم الكلام في علمه بما يفعله هل هو العلم المتقدم بما سيفعله وعلمه بأن قد فعله هل هو الأول فيه قولان معروفان . والعقل والقرآن يدل على أنه قدر زائد كما قال { لنعلم } في بضعة عشر موضعا وقال ابن عباس : إلا لنرى .

    وحينئذ فإرادة المعين تترجح لعلمه بما في المعين من المعنى المرجح لإرادته . فالإرادة تتبع العلم .

    وكون ذلك المعين متصفا بتلك الصفات المرجحة إنما هو في العلم والتصور ليس في الخارج شيء .


    ومن هنا غلط من قال " المعدوم شيء " حيث أثبتوا ذلك المراد في الخارج . ومن لم يثبته شيئا في العلم أو كان ليس عنده إلا إرادة واحدة وعلم واحد ليس للمعلومات والمرادات صورة علمية عند هؤلاء . فهؤلاء نفوا كونه شيئا في العلم والإرادة وأولئك أثبتوا كونه شيئا في الخارج .

    وتلك الصورة العلمية الإرادية حدثت بعد أن لم تكن . وهي حادثة بمشيئته وقدرته كما يحدث [ الحوادث ] المنفصلة بمشيئته وقدرته . فيقدر ما يفعله ثم يفعله .

    فتخصيصها بصفة دون صفة وقدر دون قدر هو للأمور المقتضية لذلك في نفسه . فلا يريد إلا ما تقتضي نفسه إرادته بمعنى يقتضي ذلك ولا يرجح مرادا على مراد إلا لذلك .

    ولا يجوز أن يرجح شيئا لمجرد كونه قادرا . فإنه كان قادرا قبل إرادته وهو قادر على غيره .

    فتخصيص هذا بالإرادة لا يكون بالقدرة المشتركة بينه وبين غيره ولا يجوز أيضا أن تكون الإرادة تخصص مثلا على مثل بلا مخصص . بل إنما يريد المريد أحد الشيئين دون الآخر لمعنى في المريد والمراد لا بد أن يكون المريد إلى ذلك أميل وأن يكون في المراد ما أوجب رجحان ذلك الميل
    والقرآن والسنة تثبت القدر وتقدير الأمور قبل أن يخلقها وأن ذلك في كتاب وهذا أصل عظيم يثبت العلم والإرادة لكل ما سيكون ويزيل إشكالات كثيرة ضل بسببها طوائف في هذا المكان في مسائل العلم والإرادة . [ مجموع الفتاوى- تفسير سورة العلق]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    يعني في إثبات الصفات عن طريق الدليل العقلي فإنهم قد يذكرونه وقد لا يذكرونه وذلك لاستغنائهم بالوحيين .
    ولا يعني ذلك أن إثبات الصفات لا يكون بطريق عقلي بل منها كثير يكون إثباته بطريق عقلي صحيح ولكن لا يذكر أهل السنة الطرق العقلية لأن الكتاب والسنة عندهم كافيان في إثبات الصفات لأن الله جل وعلا أعلم بنفسه والعقل معرض للخطأ ومعرض للزلل وأما النص فهو الكامل من كل جهاته .
    عند أهل السنة والجماعة: اليقين بما جاء به الكتاب والسنة، حفظ الله أهل السنة ونصرهم على عدوهم.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    عند أهل السنة والجماعة: اليقين بما جاء به الكتاب والسنة، حفظ الله أهل السنة ونصرهم على عدوهم.
    نعم بارك الله فيكِ

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإرادة عند أهل السنة والجماعة

    السؤال
    في مراتب القدر المشيئة ملازمة للخلق، فمالدليل أنها ليست قديمة وليست ملازمة للكتابة؟ فيكون الترتيب: العلم، ثم المشيئة، والكتابة، ثم الخلق. أقصد أن الأفعال المستقبلية قد علمت، وكتبت، وستخلق بمشيئة الله تعالى السابقه عند كتابتها، مثال الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت) في التقديرات التي أطلع عليها الملائكة، أنه قد كتب في اللوح المحفوظ أنه سيمحي ما كتب التقديرات بمشيئة الله السابقة . مثال آخر لو سرقت أملاك مسلم بمشيئة الله، ثم أعاده الله إليه بمشيئته؛ يكون قد أراد الله وشاء عند الكتابة بأنها تسرق ثم ترد.
    الجواب
    الحمد لله.
    الإرادة نوعان: قديمة ، وحادثة أي متجددة، فالله تعالى لم يزل مريدا ، ويريد ، متى شاء.
    فإذا قدر الله الأشياء وعلمها وكتبها، أراد حدوثها مستقبلا، ولم يرد فعلها في الحال.
    ثم يريدها عند إيجادها بالفعل، كما قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس/ 82 ، وقال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا الكهف/82، وقال: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ الزمر/38 .
    فإرادة الشيء المعين : تكون عند إيجاده.
    ولو كانت الإرادة أزلية فحسب للزم أحد أمرين:
    1-أن يوجد الشيء المعين في الأزل.
    2- أو أن يوجد في وقته دون سبب يقتضي تخصيصه بهذا الوقت. والمتكلمون يقولون إن المتجدد هو التعلق، وليس الصفة، فرارا من القول بتجدد الصفات الذي أسموه حلول الحوادث، لكن إن كان التعلق أمرا وجوديا، فقد قام بالصفة ما هو حادث، ووقعوا فيما فروا منه، وإن كان التعلق أمرا عدميا أو اعتباريا لا وجود له، -وهو المعتمد عندهم- فوجوده كعدمه، فيلزم أن الشيء المعين ، قد خُصص بغير مخصص.
    وقد ألزم الرازي أصحابه الأشاعرة القول بحلول الحوادث، أو ارتكاب المحال، وذلك من وجوه، منها ما يتعلق بالإرادة.
    قال الرازي: "وكذا أيضا: الإرادة الأزلية : كانت متعلقة بترجيح وجود شيء على عدمه في ذلك الوقت المعين، فإذا ترجح ذلك الشيء في ذلك الوقت، امتنع بقاء ذلك التعلق؛ لأن ترجيح المترجح محال" انتهى من "الأربعين في أصول الدين"، ص117.
    وفي بيان نوعي الإرادة، وبيان مذاهب الناس في ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    "وهو سبحانه إذا أراد شيئا من ذلك ، فللناس فيها أقوال:
    قيل: الإرادة قديمة أزلية واحدة ، وإنما يتجدد تعلقها بالمراد، ونسبتها إلى الجميع واحدة . ولكن من خواص الإرادة أنها تخصص بلا مخصص. فهذا قول ابن كلاب والأشعري. ومن تابعهما. وكثير من العقلاء يقول: إن هذا فساده معلوم بالاضطرار، حتى قال أبو البركات: ليس في العقلاء من قال بهذا، وما علم أنه قول طائفة كبيرة من أهل النظر والكلام.
    وبطلانه من جهات: من جهة جعل إرادة هذا، غير إرادة ذاك، ومن جهة أنه جعل الإرادة تخصص لذاتها، ومن جهة أنه لم يجعل عند وجود الحوادث شيئا حدث حتى تُخصص أو لا تخصص، بل تجددت نسبة عدمية ليست وجودا، وهذا ليس بشيء، فلم يتجدد شيء، فصارت الحوادث تحدث وتتخصص بلا سبب حادث ولا مخصص.
    والقول الثاني: قول من يقول بإرادة واحدة قديمة، مثل هؤلاء، لكن يقول: تحدث عند تجدد الأفعال إرادات في ذاته، بتلك المشيئة القديمة كما تقوله الكرامية وغيرهم. وهؤلاء أقرب من حيث أثبتوا إرادات الأفعال. ولكن يلزمهم ما لزم أولئك من حيث أثبتوا حوادث بلا سبب حادث، وتخصيصات بلا مخصص، وجعلوا تلك الإرادة واحدة تتعلق بجميع الإرادات الحادثة، وجعلوها أيضا تخصص لذاتها، ولم يجعلوا عند وجود الإرادات الحادثة شيئا حدث حتى تخصص تلك الإرادات الحدوث.
    والقول الثالث: قول الجهمية والمعتزلة الذين ينفون قيام الإرادة به، ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة، أو يفسروها بنفس الأمر والفعل، أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل كقول البصريين. وكل هذه الأقوال قد علم أيضا فسادها.
    والقول الرابع: أنه لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة. فنوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشيء المعين فإنما يريده في وقته.
    وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها. فهو إذا قدرها علم ما سيفعله، وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يرد فعله في تلك الحال، فإذا جاء وقته أراد فعله، فالأول عزم والثاني قصد. وهل يجوز وصفه بالعزم؟
    فيه قولان. أحدهما: المنع، كقول القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى.
    والثاني الجواز: وهو أصح. فقد قرأ جماعة من السلف فإذا عزمتُ فتوكل على الله بالضم. وفي الحديث الصحيح من حديث أم سلمة: "ثم عزم الله لي" . وكذلك في خطبة مسلم [في صحيحه]: "فعزم لي" .
    وسواء سمي " عزما " أو لم يسم؛ فهو سبحانه إذا قدرها، علم أنه سيفعلها في وقتها، وأراد أن يفعلها في وقتها، فإذا جاء الوقت، فلا بد من إرادة الفعل المعين ونفس الفعل، ولا بد من علمه بما يفعله.
    ثم الكلام في علمه بما يفعله: هل هو العلم المتقدم بما سيفعله؟ وعلمه بأن قد فعله، هل هو الأول؟
    فيه قولان معروفان. والعقل والقرآن يدل على أنه قدر زائد كما قال: لنعلم في بضعة عشر موضعا، وقال ابن عباس: إلا لنرى.
    وحينئذ ؛ فإرادة المعيّن تترجح ، لعلمه بما في المعين من المعنى المرجح لإرادته، فالإرادة تتبع العلم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (16/ 301-304).
    فالحاصل :
    أنه لابد من إرادة عند إيجاد الشيء المعين، وإلا لوجد دون مخصص.
    ثم لا محذور في تجدد الإرادة، والخلق، والكلام، وغير ذلك من صفاته تعالى، فهو جل وعلا يتكلم بكلام بعد كلام، ويخلق خلقا بعد خلق، ويريد إرادة بعد إرادة، ويريد الشيء عند تقديره، ويريده عند إيجاده بالفعل.
    والله أعلم.
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإرادة عند أهل السنة والجماعة

    السؤال
    عند أهل السنة صفة المشية لله تتجدد بحسب الأفعال الإختيارية ، فهل صفة الإرادة لله تعالى من الصفات الذاتية أو الفعلية ؟

    الجواب
    الحمد لله.
    أولًا :
    " الإرادة والمشيئة صفتان ثابتتان بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
    قوله تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا الأنعام/125.
    وقوله: إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ المائدة/1 .
    وقوله: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ الإنسان/30 .
    وقوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء آل عمران/26 .
    الدليل من السنة:
    حديث أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكَّل الله بالرحم ملكاً ... فإذا أراد الله أن يقضي خلقها؛ قال ... رواه البخاري (6595) ، ومسلم (2646).
    وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد الله بقوم عذاباً؛ أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على أعمالهم رواه مسلم (2879) .
    حديث إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء رواه مسلم (2846) .
    قال شيخ الإسلام - بعد أن سرد بعض الآيات السابقة وغيرها -: " وكذلك وصف نفسه بالمشيئة، ووصف عبده بالمشيئة وكذلك وصف نفسه بالإرادة، ووصف عبده بالإرادة ومعلوم أنَّ مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد، ولا إرادته مثل إرادته .. " ، انتهى من " التدمرية "(25).
    ويجب إثبات صفة الإرادة بقسميها الكوني والشرعي؛ فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة "، انتهى ، انظر: "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" لعلوي بن عبد القادر السقاف ( ص49 ).
    ثانيًا :
    صفة الإرادة والمشيئة عند أهل السنة نوعها قديم ، وأما الإرادة للشيء المعين فإنما يريده الله في وقته ، فهي من الصفات الذاتية الفعلية .
    قال ابن تيمية : " فنوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشىء المعين : فإنما يريده في وقته، وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها، فهو إذا قدرها علم ما سيفعله، وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يُرد فعله في تلك الحال، فإذا جاء وقته، أراد فعله، فالأول عزم، والثاني قصد "، انتهى .
    وقال مبينًا أقوال الناس في الإرادة : " "وهو سبحانه إذا أراد شيئا من ذلك، فللناس فيها أقوال:
    قيل: الإرادة قديمة أزلية واحدة، وإنما يتجدد تعلقها بالمراد، ونسبتها إلى الجميع واحدة، ولكن من خواص الإرادة: أنها تخصص بلا مخصص، فهذا قول ابن كلاب والأشعري ومن تابعهما ... .
    والقول الثاني: قول من يقول بإرادة واحدة قديمة، مثل هؤلاء، لكن يقول تحدث عند تجدد الأفعال إرادات في ذاته بتلك المشيئة القديمة، كما تقوله الكرامية وغيرهم ... .
    والقول الثالث: قول الجهمية والمعتزلة الذين ينفون قيام الإرادة به، ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة، أو يفسرونها بنفس الأمر والفعل، أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل، كقول البصريين ... .
    والقول الرابع: أنه لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة، فنوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشيء المعين، فإنما يريده في وقته، وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها، فهو إذا قدرها علم ما سيفعله، وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يرد فعله في تلك الحال، فإذا جاء وقته أراد فعله، فالأول عزم، والثاني قصد " ، انتهى ، انظر : " مجموع الفتاوى "(16/ 301 - 303) ، " موقف ابن تيمية من الأشاعرة " (3/ 1059).
    ويقول الشيخ صالح آل الشيخ : " الإرادة من حيث هي صفة: قديمة، لكن من حيث تعلقها بالمعين هذا متجددة، فلا نقول إن الله جل وعلا شاء أن يخلق أحمد - مثلا - شاء أن يخلق أحمد منذ القدم، في الأزل شاء أن يخلق أحمد - هذا من الناس - في ذلك الحين، ولكن لم يُخلق إلا بعد كذا وكذا من الزمن.
    نقول هو جل وعلا شاء أن يخلق أحمد إذا جاء وقت خلقه، فإذا شاء الله أن يخلقه خلقه، وأما الصفة القديمة صفة (الإرادة) فهي متعلقة به جل وعلا، يعني : مريد ، لم يزل مريدا، وتعلق (الإرادة) به بتجدد تعلق الحوادث.
    ولهذا نقول : إن إرادة الله جل وعلا ، ومشيئته المعينة ، للشيء المعين : هذه هي التي نعني بها بتجدد الأفراد، ومن حيث هي صفة ، فإن الله جل وعلا لم يزل متصف بتلك الصفة.
    وسبب هذا الخلاف بينهم : أن أهل السنة والجماعة يقولون بأن الله جل وعلا لم يزل حيا ، فعالا لما يريد، فلا ينفون عن الله جل وعلا الإحداث والخلق ، في ما شاء جل وعلا من الزمان.
    بخلاف المبتدعة من الأشاعرة والماتريدية والمتكلمة : فإنهم يقولون الله جل وعلا متصف بالصفات، لكنه لم تظهر آثار تلك الصفات إلا في وقت معين. نعم متصف بالخلق ، لكنه لم يخلق زمانا طويلا ثم بعد ذلك خلق، متصف بالعلم ولا معلوم، متصف بالقدرة ولم تظهر آثار القدرة إلا بعد أن وجد مقدور وهكذا.
    فإذن عند أهل السنة والجماعة أن إرادة الله جل وعلا أزلية ، لم يزل الله جل وعلا كذلك، الله جل وعلا هو (الأول) وصفاته كذلك، لم يزل متصفا بتلك الصفات، ومقتضى ذلك أن يكون لتلك الصفات آثار في ملكوته "، انتهى ، من "شرح الواسطية " (182 - شاملة).
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإرادة عند أهل السنة والجماعة

    الرد على الاشاعرة فى هذه المسألة :
    إن الذي ذهب إليه الأشاعرة من نفي الأفعال الاختيارية القائمة بذات الرب أمر محدث مخالف لأدلة الشرع والعقل وبيان ذلك.
    إن الله تعالى قال: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] فكلمة (إذا) ظرفية تمحض الفعل الماضي للاستقبال، ففي الآية إثبات إرادة مستقبلة تتعلق بالمراد
    أما من جهة العقل، فيقال لهم: أنتم تسلمون قدم الإرادة والقدرة، وحدوث المخلوقات بعد أن لم تكن، فما الذي أوجب حدوثها في وقت دون آخر؟ فإما أن يوجد سبب لحدوثها, أو لا يوجد، لا يجوز أن يقال بلا سبب, إذ حدوث الشيء بلا سبب ممتنع بداهة، فلم يبق إلا القول بأن لذلك سبباً معيناً، ويردون ذلك إلى الإرادة القديمة, والقدرة، فيجاب عن قولهم بوجهين:-
    الأول: لو كان ذلك كذلك للزم وجود المرادات والمقدورات أزلاً، إذ القدرة التامة والإرادة التامة ثابتتان لله، والمرادات لم تحدث أزلاً اتفاقاً.
    الثاني: إنه لابد من القول بوجود فعل حادث – لأن نسبة الإرادة إلى جميع الأوقات سواء فلا يعقل أن تخصص الإرادة أحد المتماثلين إلا بسبب يوجب التخصيص .
    ثم فر بعض الأشاعرة إلى القول بأن هناك تعلقاً تنجيزياً حادثاً للإرادة أي أن المتجدد هو التعلق بين الإرادة والمراد.
    والجواب: إما أن يكون هذا التعلق أمراً وجودياً أو عدمياً. فإن كان عدمياً فلم يتجدد شيء، والعدم لا شيء، فيكون هذا القول قولاً غير معقول، إذ حدوث التعلق الذي هو نسبة وإضافة من غير حدوث أمر وجودي يوجبه ممتنع، وإن كان وجودياً بطل قولهم من أصله فيلزمهم إثبات إرادة فعلية مستقبلة.
    وإثبات الإرادة المستقبلة لا ينافي إثبات إرادة أزلية إذ هي من لوازم ذاته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كون الشيء واجب الوقوع لكونه قد سبق به القضاء وعلم أنه لابد من كونه لا يمتنع أن يكون واقعاً بمشيئته وقدرته وإرادته – وإن كانت من لوازم ذاته كحياته وعلمه – فإن إرادته للمستقبلات هي مسبوقة بإرادته للماضي، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]، وإنما أراد هذا الثاني بعد أن أراد قبله ما يقتضي إرادته، فكان حصول الإرادة السابقة بالإرادة اللاحقة" .
    فمن هذا العرض يتبين أن أهل السنة يثبتون إرادة أزلية, ذاتية, وإرادات مستقبلية, فعلية، وأن الأشاعرة يثبتونها صفة ذاتية فقط؛ فراراً من القول بحلول الحوادث!.
    ساق شيخ الإسلام الخلاف في الإرادة للشيء وفعله، في مثل قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]، وقوله: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا [الكهف: 82]، وقوله: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16] وقوله: وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ [يونس: 107] فقال: "وهو سبحانه إذا أراد شيئاً من ذلك فلنا فيها أقوال:
    قيل: الإرادة قديمة أزلية واحدة، وإنما يتجدد تعلقها بالمراد، ونسبتها إلى الجميع واحدة، ولكن من خواص الإرادة أنها تخصص بلا مخصص، فهذا قول ابن كلاب, والأشعري ومن تابعهما.....
    والقول الثاني: قول من يقول بإرادة واحدة قديمة، مثل هؤلاء، لكن يقول تحدث عند تجدد الأفعال إرادات في ذاته بتلك المشيئة القديمة، كما تقوله الكرامية وغيرهم...
    والقول الثالث: قول الجهمية والمعتزلة الذين ينفون قيام الإرادة به، ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة، أو يفسرونها بنفس الأمر والفعل، أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل كقول البصريين...
    والقول الرابع: أنه لم يزل مريداً بإرادات متعاقبة، فنوع الإرادة قديم, وأما إرادة الشيء المعين فإنما يريده في وقته، وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها فهو إذا قدرها علم ما سيفعله، وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يرد فعله في تلك الحال، فإذا جاء وقته أراد فعله، فالأول عزم، والثاني قصد" .
    وفي موضع آخر يذكر الخلاف في المشيئة والإرادة هل هي قديمة أو حادثة ويذكر أن للصفاتية في ذلك ثلاثة أقوال:
    أحدها: أنها ليست إلا قديمة، وهو قول ابن كلاب, والأشعري، وأتباعهما.
    الثاني: أنها حادثة.
    الثالث: أنها قديمة، وحادثة، وهو قول طوائف من الكرامية، وأهل الحديث، والصوفية، وغيرهم، وهؤلاء يقولون: إن الله متكلم في الأزل، وأنه يتكلم إذا شاء، كما صرح بذلك الأئمة كأحمد وغيره .
    فالأشاعرة والكلابية جعلوا الإرادة واحدة قديمة، وإنما يتجدد تعلقها بالمراد، ويشبه هذا مذهبهم في الخلق, حين قالوا الفعل هو المفعول، حتى لا يقولوا بحلول الحوادث.
    وقد رد شيخ الإسلام على الأشاعرة في قولهم السابق فقال: "وكثير من العقلاء يقول: إن هذا فساده معلوم بالاضطرار، حتى قال أبو البركات: ليس في العقلاء من قال بهذا، وما علم أنه قول طائفة كبيرة من أهل النظر والكلام. وبطلانه من جهات: من جهة جعل إرادة هذا غير إرادة ذاك، ومن جهة أخرى جعل الإرادة تخصص لذاتها، ومن جهة أنه لم يجعل عند وجود الحوادث شيئاً حدث حتى تخصص أو لا تخصص، بل تجددت نسبة عدمية، ليست وجوداً، وهذا ليس بشيء. فلم يتجدد شيء، فصارت الحوادث تحدث, وتتخصص بلا سبب حادث, ولا مخصص" .
    فالأشاعرة جعلوا الإرادة واحدة، كما جعلوا العلم واحداً، حتى لا يقولوا بتجدد العلم والإرادة . ولاشك أن مشكلة الأشاعرة هنا مرتبطة بمذهبهم الأصلي في مسألة الصفات الاختيارية التي تقوم بالله، وهم لما التزموا نفي ذلك في صفات الفعل كالاستواء, والمجيء, والغضب, والرضا, وغيرها، أثر ذلك في إثباتهم لهذه الصفات السبع.
    بقي في مسألة الإرادة أن شيخ الإسلام في شرحه لمذهب أهل السنة في الإرادة لما ذكر الفرق بين الإرادة القدرية الشاملة السابقة، وإرادة فعل الشيء في وقته، ذكر العزم والقصد، ثم ذكر أن هناك خلافاً في العزم، هل يوصف الله به على قولين:
    أحدهما: المنع، كقول القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى.
    والثاني: الجواز.
    ثم قال عن الثاني "وهو أصح، فقد قرأ جماعة من السلف: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ [آل عمران: 159] بالضم ، وفي الحديث الصحيح من حديث أم سلمة: ((ثم عزم الله لي)) ، كذلك في خطبة مسلم: ((فعزم لي))، وسواء سمي عزماً أو لم يسم فهو سبحانه إذا قدرها علم أن سيفعلها في وقتها، وأراد أن يفعلها في وقتها، فإذا جاء الوقت فلابد من إرادة الفعل المعين، ونفس الفعل, ولابد من علمه بما يفعله"
    [الموسوعة العقدية]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •