يقول الشيخ صالح ال الشيخ فى شرح الواسطية-صفة (الإرادة) و (المشيئة) لله جل وعلا الأدلة على إثباتها من الكتاب والسنة أكثر من أن تُحصر ، بل من الواجب عند أهل الفطر السليمة أن الله جل وعلا (يفعل) ما يشاء و (يفعل) ما يريد ، لأن ذلك من مقتضيات كونه ربا جل وعلا فإن الربوبية مقتضية لأن يفعل في ملكه ما يريد ، لأنه لو فُعِل في ملكه ما لا يريده كونا لكان في ذلك منازعة له في الربوبية .
ولهذا فإن صفة (الإرادة) و (المشيئة) هذه لم ينكرها إلا طوائف من الفلاسفة الضلال وهم لا ينكرونها مطلقا وإنما ينكرون بعضها .
والمتكلمون على وجه العموم يثبتونها بالعقل ، ودليلها من العقل عندهم (التخصيص) .
و (الإرادة) عندهم (إرادة) قديمة وتعلقها بما (علم) الله جل وعلا أنه سيكون بـ (الإرادة) القديمة هذا التعلق بما سيحصل تعلقه بـ (القدرة) المحدِثة له يسمونه (تخصيصا) ويسمون (التخصيص) (الإرادة) .
فإذن عندهم أن (الإرادة) هي تخصيص المقدورات بالمقدروات المعلومة أزلا لله جل وعلا بما خصصت به .
ويعنون بـ (التخصيص) أنواعا من التخصيص منها أنها كانت في هذا الزمن دون غيره ، مثلا خلق الله الشيء المعين في هذا الوقت دون غيره لِمَ خلق في هذا الوقت دون غيره ؟-تخصيص المخلوق أو الحادث بما حدث له في زمن دون غيره هذا التخصيص عندهم هو معنى (الإرادة) .
هذا من جهة التعلق بالزمن .
كذلك من جهة الطول والِقصر والضخامة والضآلة ، من جهة تكامل الصفات فيه وغير تكامل الصفات فيه - يعني في المعيّن - طول مدة بقائه وقلة مدة بقائه ، انعدامه أو غير انعدامه ونحو ذلك ، كل هذه تسمى عندهم (تخصيصات) وهذا (التخصيص) في الأشياء هو الدليل العقلي الذي نصبوه على صفة (الإرادة) .
ولا شك أن هذا الدليل من حيث هو استنتاج صحيح فإن التأمل في هذه الأشياء التي خلقها الله جل وعلا على اختلافها لا شك يُنتِجُ أن تلك التخصيصات المختلفة إنما جاءت من جهة (إرادة) الله جل وعلا لهذه الأشياء أن تكون على ما هي عليه .
وقد أثبت شيخ الإسلام رحمه الله هذا الدليل في شرح العقيدة الأصفهانية وأثبته أيضا في تائيته القدرية حيث قال رحمه الله تعالى :
وفي الكون تخصيص كثير يدل من
له نوع عقل أنه بإرادةِ
وهذا ولو كان صحيحا ، لكن القاعدة أن الصفات إنما تثبت بالنصوص ، فإذا جاء العقل مثبتا لصفة فإنما هو تابع لما دل عليه النص .
وهذا هو ما يعتمده أهل السنة في الدلالات العقلية للصفات .
يعني في إثبات الصفات عن طريق الدليل العقلي فإنهم قد يذكرونه وقد لا يذكرونه وذلك لاستغنائهم بالوحيين .
ولا يعني ذلك أن إثبات الصفات لا يكون بطريق عقلي بل منها كثير يكون إثباته بطريق عقلي صحيح ولكن لا يذكر أهل السنة الطرق العقلية لأن الكتاب والسنة عندهم كافيان في إثبات الصفات لأن الله جل وعلا أعلم بنفسه والعقل معرض للخطأ ومعرض للزلل وأما النص فهو الكامل من كل جهاته .-- إرادة الله جل وعلا للأشياء هذه تنقسم إلى :
- إرادة كونية قدرية ، يعني متعلقة بالكون بمخلوقات الله من حيث إيجادها وإعدامها ، من حيث تقلباتها وأحوالها .
- وهناك الإرادة الشرعية الدينية وهذه المتعلقة بالأمر .
فـ (الإرادة الكونية) متعلقة بالخلق و(الإرادة الشرعية الدينية) هذه المتعلقة بالأمر والله جل وعلا له الخلق والأمر .
و (المشيئة) مشيئة الله جل وعلا -هي (الإرادة الكونية) فإذا قلنا (شاء الله كذا) يعني أراده (كونا)
وإذا قلنا (أراد الله كذا) فهذا يحتمل أن يكون المراد من (الكونيات) أو أن يكون المراد من (الشرعيات) .
وأما (المشيئة) فليس ثَم دليل لا في الكتاب ولا في السنة على انقسامها إلى (مشيئة كونية ودينية) وإنما الذي ينقسم (الإرادة) .
فإذن صارت (المشيئة) بعض الإرادة فـ (الإرادة) من أقسامها (المشيئة) ومن أقسامها (الإرادة) .فإذن صارت المشيئة بعض الإرادة فالإرادة من أقسامها المشيئة ومن أقسامها الإرادة الدينية الشرعية.
وقوله جل وعلا ?وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
فيها إثبات صفة (الإرادة) وفيها إثبات أن الذي (أراده) الله جل وعلا يفعله هذا صفة كمال له جل وعلا لأن كل المخلوقات لا تفعل ما تريده ، ليس كل شيء تريده تفعله بل قد تريد أشياء ولا تستطيع فعلها لتخلف (القدرة) .فإن المقدور المعيّن الذي سيحدث أو الذي يُراد أن يحدث يكون (بإرادة) جازمة و(بقدرة) تامة فإذا حصلت (الإرادة) الجازمة بتحقيقه وحصلت (القدرة) على إيقاعه حصل هذا الشيء وكان .
وهذا يتخلف في المخلوق كثيرا فالمخلوقات فيها من جهة (الإرادة) صفة النقص وهي أنها (تريد) أشياء ولكن لا تحصل المرادات ، والذي يتفرد بأنه يفعل ما يريد وهو فعال لما يريد وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن هو الواحد القهار جل وعلا وهذا من مقتضيات كونه هو (المالك) (الأحد) (الفرد) (الصمد) الذي له هذا الملكوت العظيم جل وعلا وتقدس وتعاظم سبحانه .
وقوله جل وعلا بعد ذلك في الآية الأخيرة في آية المائدة ?إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
فيها أيضا صفة (الإرادة) و (الحكم) هنا راجع إلى الحكم الشرعي ، و (الإرادة) هنا أيضا فيما يظهر راجعة إلى (الإرادة الشرعية) .
وقوله في الآية الأخيرة وَقَوْلِه فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلام
هذه (الإرادة الكونية) فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ إرادة كونية أن يهديه ، أما (الإرادة الشرعية) فالله جل وعلا مريد أن يهتدي الناس وأن يحصل منهم الإسلام لأنه أمرهم بذلك فمن يرد الله أن يهديه كونا يشرح صدره للاسلام ومن يرد كوناً أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصًعد في السماء .
إذا تبين لك ذلك -فالإرادة -عند أهل السنة والجماعة أو المشيئة صفة قائمة بالله جل وعلا من صفاته جل وعلا الذاتية.
يعني أنه جل وعلا لم يزل مريدا لم يزل شائيا ، فإنه لم تنفك عنه هذه الصفة وهي صفة المشيئة و الإرادة .
وهي مع ذلك متعلقة من جهة الأفراد بكل فرد حصل في ملكوت الله .
فإذن هي من حيث النوع قديمة ، ومن حيث الأفراد متجددة ، فكل شيء يحدث في ملكوت الله هو بإرادته جل وعلا الكونية و بمشيئته جل وعلا .
وهذه الصفة قائمة بالله جل وعلا ومتعلقة بالذي حدث حال حدوثه ،.فالإرادة إذن ، الله جل وعلا لم يزل مريدا وهذا من أوائل اعتقاد أهل السنة والجماعة في ذلك .
أما غير أهل السنة والجماعة فيقولون إن الإرادة قديمة .
هذا قول الأشاعرة والماتريدية ، يقولون الإرادة و المشيئة يعني الإرادة الكونية والمشيئة وحتى الإرادة الشرعية عندهم قديمة .
ما معنى كونها قديمة ؟
عندهم أن الإرادة وهي التوجه بتخصيص بعض المخلوقات بما خصصت به زمانا أو مكانا أو صفات هذا التخصيص أو هذا التوجه للتخصيص قديم من جهة الإرادة قديم ، إرادته قديمة .
الإرادة عندهم لها جهتان :
- جهة يسمونها (صلوحية) يعني راجعة إلى ما يصلح وما لا يصلح ، فيقولون من جهة الصلوحية فالإرادة تابعة للعلم .
- ولها جهة ثانية يسمونها الجهة (التنجيزية) يقولون هي من جهة التنجيز تابعة للقدرة .
يريدون بذلك مخالفة أهل الاعتزال ، لأن المعتزلة - يأتي إن شاء الله كلامهم في ذلك - يخالفون في هذا ويجعلون (الإرادة) راجعة - هم يثبتون صفة الإرادة ويجعلونها راجعة - إلى العلم من جهة القدم ، وأما الذي حدث إذا حدث فإنهم يجعلون (الإرادة) حادثة في ذلك الوقت ، وليس عندهم إرادة التي هي صفة قديمة كما عند الأشاعرة وإذا أثبتوها فإنهم يرجعونها إلى العلم .
الأشاعرة عندهم هذا التفصيل ، وكل الأمرين عندهم قديم ليس بمتجدد الآحاد مثل (الكلام) .
صفة (الكلام) عندهم - صفة قديمة ، ما عندهم كلام يحدث ، الله جل وعلا تكلم عندهم بالقرآن في الأزل ، وكلامه جل وعلا انتهى ، تكلم بما شاء ثم انتهى من الكلام ، كذلك (الإرادة) يقولون أراد ما شاء في الأزل ، ولا تتعلق (الإرادة) بالأشياء تجديدا .
هل معنى ذلك أن لا يريد هذه الأشياء ؟
لا ، يقولون يريدها ولكن (الإرادة) هنا جهتها تنجيزية ، يعني تنجيز وإنفاذ للإرادة القديمة .أهل السنة والجماعة يخالفون في هذا فيقولون إن إرادة الله جل وعلا متجددة ، فما من شيء يحدث في ملكوت الله إلا وقد شاءه الله جل وعلا حال كونه ، كما أنه جل وعلا شاءه في الأزل .
فمشيئته في الأزل بمعنى إرادة إحداثه في الوقت الذي جعل الله جل وعلا ذلك الشيء يحدث فيه .
فإرادته للأشياء جل وعلا القديمة ليست إرادة ومشيئة تنفيذية في وقتها .
فلهذا نقول الإرادة من حيث هي صفة : قديمة ، لكن من حيث تعلقها بالمعين هذه متجددة ، فلا نقول إن الله جل وعلا شاء أن يخلق أحمد - مثلا - شاء أن يخلق أحمد منذ القدم في الأزل شاء أن يخلق أحمد - هذا من الناس - في ذلك الحين ، ولكن لم يخلق إلا بعد كذا وكذا من الزمن .
نقول هو جل وعلا شاء أن يخلق أحمد إذا جاء وقت خلقه ، فإذا شاء الله أن يخلقه خلقه ، وأما الصفة القديمة صفة (الإرادة) فهي متعلقة به جل وعلا يعني مريد لم يزل مريدا ، وتعلق (الإرادة) به بتجدد تعلق الحوادث .
ولهذا نقول إن إرادة الله جل وعلا ومشيئته المعينة للشيء المعين هذه هي التي نعني بها بتجدد الأفراد ، ومن حيث هي صفة فإن الله جل وعلا لم يزل متصف بتلك الصفة .
وسبب هذا الخلاف بينهم أن أهل السنة والجماعة يقولون بأن الله جل وعلا لم يزل حيا فعالا لما يريد ، فلا ينفون عن الله جل وعلا الإحداث والخلق في ما شاء جل وعلا من الزمان .
بخلاف المبتدعة من الأشاعرة والماتريدية والمتكلمة فإنهم يقولون الله جل وعلا متصف بالصفات لكنه لم تظهر آثار تلك الصفات إلا في وقت معين .
نعم متصف بالخلق لكنه لم يخلق زمانا طويلا ثم بعد ذلك خلق ، متصف بالعلم ولا معلوم ، متصف بالقدرة ولم تظهر آثار القدرة إلا بعد أن وجد مقدور وهكذا --.فإذن عند أهل السنة والجماعة أن إرادة الله جل وعلا أزلية لم يزل الله جل وعلا كذلك ، الله جل وعلا هو (الأول) وصفاته كذلك ، لم يزل متصفا بتلك الصفات ، ومقتضى ذلك أن يكون لتلك الصفات آثار في ملكوته .إذن يتضح لنا مما سبق أن هذا البحث واضح بحمد الله ألا وهو صفة (المشيئة) و (الإرادة) لله جل وعلا على مذهب أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وقولهم فيها واضح سهل ميسورلا يكاد أحد لا يفهمه ممن عنده نوع عقل كما قال شيخ الإسلام ، يعني أي واحد عنده بعض العقل يفهم هذا القول ، المشئية متعلقة بكل شيء و (الإرادة) منها شرعي ديني ومنها كوني قدري وهذا مذهب أهل السنة والجماعة[
اللالئ البهية في شرح العقيدة الواسطية باختصار ]