يقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله------من أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين ، وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين .

كما قال تعالى : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم .



وذلك أن الحق إذا جحد وعورض بالشبهات أقام الله تعالى له مما يحق به الحق ، ويبطل به الباطل من الآيات البينات بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة ، وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة .

فالقرآن لما كذب به المشركون ، واجتهدوا على إبطاله بكل طريق مع أنه تحداهم بالإتيان بمثله ، ثم بالإتيان بعشر سور ، ثم بالإتيان بسورة واحدة ، كان ذلك مما دل ذوي الألباب على عجزهم عن المعارضة ، مع شدة الاجتهاد ، وقوة الأسباب ، ولو اتبعوه من غير معارضة وإصرار على التبطيل ، لم يظهر عجزهم عن معارضته التي بها يتم الدليل .

وكذلك السحرة لما عارضوا موسى عليه السلام ، وأبطل الله ما جاءوا به ، كان ذلك مما بين الله تبارك وتعالى به صدق ما جاء به موسى عليه السلام ، وهذا من الفروق بين آيات الأنبياء وبراهينهم التي تسمى بالمعجزات ، وبين ما قد يشتبه بها من خوارق السحرة ، وما للشيطان من التصرفات ، فإن بين هذين فروقا متعددة ، منها ما ذكره الله تعالى في قوله : هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم .

ومنها ما بينه في آيات التحدي ، من أن آيات الأنبياء عليهم السلام لا يمكن أن تعارض بالمثل فضلا عن الأقوى ، ولا يمكن أحدا إبطالها بخلاف خوارق السحرة والشياطين ; فإنه يمكن معارضتها بمثلها وأقوى منها ويمكن إبطالها .

وكذلك سائر أعداء الأنبياء من المجرمين شياطين الإنس والجن ، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به على دينهم المخالف لدين الرسول ، ويموهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول - كان ذلك من أسباب ظهور الإيمان الذي وعد بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان .

قال الله تعالى : لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز .

وذلك بما يقيمه الله تبارك وتعالى من الآيات والدلائل التي يظهر بها الحق من الباطل ، والخالي من العاطل ، والهدى من الضلال ، والصدق من المحال ، والغي من الرشاد ، والصلاح من الفساد ، والخطأ من السداد ، وهذا كالمحنة للرجال التي تميز بين الخبيث والطيب . قال تعالى : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب .

وقال تعالى : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون .

والفتنة هي الامتحان والاختبار ، كما قال موسى عليه السلام :إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء .

أي امتحانك واختبارك تضل بها من خالف الرسل وتهدي بها من اتبعهم .

والفتنة للإنسان كفتنة الذهب إذا أدخل كير الامتحان ، فإنها تميز جيده من رديئه ، فالحق كالذهب الخالص ، كلما امتحن ازداد جودة ، والباطل كالمغشوش المضيء ، إذا امتحن ظهر فساده .

فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر ، وناظر عنه المناظر ، ظهرت له البراهين ، وقوي به اليقين ، وازداد به إيمان المؤمنين ، وأشرق نوره في صدور العالمين .

والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل ، ورام أن يقيم عوده المائل ،أقام الله تبارك وتعالى من يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، وتبين أن صاحبه الأحمق كاذب مائق ، وظهر فيه من القبح والفساد ، والحلول ، والاتحاد ، والتناقض والإلحاد ، والكفر ، والضلال ، والجهل والمحال ، ما يظهر به لعموم الرجال أن أهله من أضل الضلال ، حتى يظهر فيه من الفساد ما لم يكن يعرفه أكثر العباد ، ويتنبه بذلك من سنة الرقاد من كان لا يميز الغي من الرشاد ، ويحيا بالعلم والإيمان من كان ميت القلب لا يعرف معروف الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح]