( ج3/ ص 477)
في الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة.
ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة.
وأجمعوا على أنه لا يتكرر إلا لعارض كالنذر.
واختلف هل هو على الفور أو التراخي؟ وهو مشهور
( ج3/ ص 477)
تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية، وأنها لا تختص بالزاد والراحلة يل تتعلق بالمال والبدن، لأنها لو اختصت للزم المعضوب أن يشد على الراحلة ولو شق عليه، قال ابن المنذر: لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة،
( ج3/ ص 477)
الناس قسمان، من يجب عليه الحج ومن لا يجب، الثاني العبد وغير المكلف وغير المستطيع.
ومن لا يجب عليه إما أن يجزئه المأتي به أو لا، الثاني العبد وغير المكلف.
والمستطيع إما أن تصح مباشرته منه أو لا، الثاني غير المميز.
ومن لا تصح مباشرته إما أن يباشر عنه غيره أو لا، الثاني الكافر.
فتبين أنه لا يشترط لصحة الحج إلا الإسلام.
( ج3/ 478)
قال ابن المنذر: اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل؟ فقال الجمهور: الركوب أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من المنفعة
.وقال إسحاق بن راهويه: المشي أفضل لما فيه من التعب.
ويحتمل أن يقال: يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فالله أعلم
( ج3/ ص 479)
ولم يخرج البخاري لمالك بن دينار وهو الزاهد المشهور البصري غير هذا الحديث الواحد المعلق في باب الحج على الرحل والغرض منه قوله فيه " وحملها على قتب " وهو بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة رحل صغير على قدر السنام
قوله في رواية أبان " على قتب " أي حملها على مؤخر قتب
( ج3/ ص 480)
وتسمية الحج جهادا إما من باب التغليب أو على الحقيقة، والمراد جهاد النفس لما فيه من إدخال المشقة على البدن والمال
( ج3/ ص 480)
كان أول من حج على رحل وليس تحته شيء عثمان بن عفان " وقوله فيه " ولم يكن شحيحا " إشارة إلى أنه فعل ذلك تواضعا واتباعا لا عن قلة وبخل.
وقد روى ابن ماجه هذا الحديث بلفظ آخر لكن إسناده ضعيف فذكر بعد قوله " على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم - ثم قال: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".
( ج3/ ص 481)
قال الأزهري: الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء.
وقال عياض: هذا من قول الله تعالى (فلا رفث ولا فسوق) والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع انتهى. والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، وإليه نحا القرطبي، وهو المراد بقوله في الصيام " فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث".
(فائدة) : فاء الرفث مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضي والضم في المستقبل والله أعلم
( ج3/ ص 485)
(ذا الحليفة) بالمهملة والفاء مصغرا مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم.
وقال غيره: بينهما عشر مراحل.
وقال النووي: بينها وبين المدينة ستة أميال، ووهم من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ.
وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر يقال لها بئر علي.
.
( ج3/ ص 485)
الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة، وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة، وفي قول النووي في " شرح المهذب " ثلاث مراحل نظر،
وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها، قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب، فوقع بينهم وبين بني عبيل - بفتح المهملة وكسر الموحدة وهم إخوة عاد - حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سبل فاجتحفهم أي استأصلهم فسميت الجحفة.
( ج3/ ص 486)
وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أن المكان الذي يقال له قرن موضعان: أحدهما في هبوط وهو الذي يقال له قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول.
وفي " أخبار مكة " للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع، وقيل له قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، وقد وقع ذكره في حديث عائشة في إتيان النبي صلى الله عليه وسلم الطائف يدعوهم إلى الإسلام وردهم عليه قال " فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب " الحديث ذكره ابن إسحاق في السيرة النبوية، ووقع في مرسل عطاء عند الشافعي " ولأهل نجد قرن، ولمن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل".
( ج3/ ص 486)
كالآفاقي الذي بين الميقات ومكة فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، وهذا خاص بالحاج
وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل
( ج3/ ص 487)
قال المحب الطبري: لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة، فتعين حمله على القارن، واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة.
وقال ابن الماجشون: يجب عليه الخروج إلى أدنى الحل، ووجهه أن العمرة إنما تندرج في الحج فيما محله واحد كالطواف والسعي عند من يقول بذلك، وأما الإحرام فمحله فيهما مختلف، وجواب هذا الإشكال أن المقصود من الخروج إلى الحل في حق المعتمر أن يرد على البيت الحرام من الحل فيصح كونه وافدا عليه، وهذا يحصل للقارن لخروجه إلى عرفة وهي من الحل ورجوعه إلى البيت لطواف الإفاضة فحصل المقصود بذلك أيضا.
( ج3/ ص 488)
واختلف فيمن جاوز الميقات مريدا للنسك فلم يحرم، فقال الجمهور: يأثم ويلزمه دم، فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا، وأما الإثم فلترك الواجب.
وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب، ومقابله قول سعيد بن جبير لا يصح حجه وبه قال ابن حزم.
وقال الجمهور: لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم، قال أبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيا، ومالك بشرط أن لا يبعد، وأحمد لا يسقط بشيء.
(تنبيه) : الأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة، فلو أحرم من طرفه الأقرب جاز.
( ج3/ ص 490)
( ذات عرق ) سمي بذلك لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان، والمسافة اثنان وأربعون ميلا وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة.
روى الشافعي من طريق طاوس قال " لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل المشرق " وقال في " الأم ": لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق، وإنما أجمع عليه الناس.
وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصا، وبه قطع الغزالي والرافعي في " شرح المسند " والنووي في " شرح مسلم " وكذا وقع في " المدونة " لمالك، وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في " الشرح الصغير " والنووي في " شرح المهذب " أنه منصوص، وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه أخرجه من طريق ابن جريج " أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن المهل فقال: سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فذكره، وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه بلفظ " فقال سمعت أحسبه يريد النبي صلى الله عليه وسلم " وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكا في رفعه.
قال ابن خزيمة: رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث.
وقال ابن المنذر: لم نجد في ذات عرق حديثا ثابتا انتهى.
لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا.
أما إعلال من أعله بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فقال ابن عبد البر: هي غفلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح، لكنه علم أنها ستفتح، فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق انتهى.
( ج3/ ص 492)
واستدل به على أن من ليس له ميقات أن عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتا من هذه المواقيت الخمسة، ولا شك أنها محيطة بالحرم
فعلى هذا فلا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتا من هذه المواقيت، فبطل قول من قال من ليس له ميقات ولا يحاذي ميقاتا
استحباب صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام من الميقات
( ج3/ ص 495)
قال البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " العقيق واد مبارك "
*لكن روى أبو أحمد بن عدي من طريق يعقوب بن إبراهيم الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا " تخيموا بالعقيق فإنه مبارك
*قوله "تخيموا بالخاء المعجمة والتحتانية أمر بالتخيم والمراد به النزول هناك
وذكر ابن الجوزي في " الموضوعات " عن حمزة الأصبهاني أنه ذكر في " كتاب التصحيف " أن الرواية بالتحتانية تصحيف وأن الصواب بالمثناة الفوقانية، ولما قاله اتجاه لأنه وقع في معظم الطرق ما يدل على أنه من الخاتم، وهو من طريق يعقوب بن الوليد عن هشام بلفظه، ووقع في حديث عمر تختموا بالعقيق فإن جبريل أتاني به من الجنة الحديث وأسانيده ضعيفة.
*روى الزبير بن بكار في " أخبار المدينة " أن تبعا لما رجع من المدينة انحدر في مكان فقال: هذا عقيق الأرض، فسمي العقيق.
( ج3/ ص 497)
قال ابن العربي: كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد.
( ج3/ ص 498)
قد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها عند إحرامها
وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف
وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران.
قد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم، وفي حديث ابن عمر الآتي قريبا " ولا يلبس - أي المحرم - من الثياب شيئا مسه زعفران " وفي حديث ابن عباس الآتي أيضا " ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة "
واستدل به على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه.
وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه، وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية " يجب مطلقا " وعلى أن المحرم إذا صار عليه المخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه خلافا للنخعي والشعبي حيث قالا: لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما
( ج3/ ص 500)
أما شم الريحان فقال سعيد بن منصور " حدثنا ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم بشم الريحان " وروينا في " المعجم الأوسط " مثله عن عثمان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر خلافه، واختلف في الريحان فقال إسحاق: يباح، وتوقف أحمد.
وقال الشافعي يحرم، وكرهه مالك والحنفية.
ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا.
( ج3/ 500)
ما النظر في المرآة فقال الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه " عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم " وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن إدريس عن هشام به، ونقل كراهته عن القاسم بن محمد.
( ج3/ ص 501)
قال ابن عبد البر: أجاز ذلك فقهاء الأمصار، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض، ولم ينقل عن أحد كراهته إلا عن ابن عمر، وعنه جوازه.
ومنع إسحاق عقده وقيل إنه تفرد بذلك، وليس كذلك فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال: لا بأس بالهميان للمحرم، ولكن لا يعقد عليه السير ولكن يلفه لفا.
( ج3/ ص 502)
قد وصل أثر عائشة سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها حجت ومعها غلمان لها وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء فأمرتهم أن يتخذوا التبابين فيلبسونها وهم محرمون.
وفي هذا رد على ابن التين في قوله: أرادت النساء لأنهن يلبسن المخيط بخلاف الرجال، وكأن هذا رأي رأته عائشة وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم
( ج3/ 502)
استدل به على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام، وجواز استدامته بعد الإحرام، وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور، وعن مالك يحرم ولكن لا فدية.
( ج3/ ص 506)
ال البيضاوي: سئل عما يلبس فأجاب بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز، وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر وأحصر، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه، إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فكان الأليق السؤال عما لا يلبس.
( ج3/ ص 507)
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذكر، وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس
المراد بتحريم المخيط ما يلبس على الموضع الذي جعل له ولو في بعض البدن فأما لو ارتدى بالقميص مثلا فلا بأس.
وقال الخطابي: ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر، قال: ومن النادر المكتل يحمله على رأسه.
( ج3/ ص 508)
لا فدية على من لبس الخفين إذا لم يجد النعلين، وعن الحنفية تجب، وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة.
( ج3/ ص 509)
قال العلماء: والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه، والاتصاف بصفة الخاشع، وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات.
( ج3/ ص 511)
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال:، ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر " تعني جدتها قال: ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلا كما جاء عن عائشة قالت " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه " انتهى.
( ج3/ ص 517)
خرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال " كانت تلبية عمر " فذكر مثل المرفوع وزاد " لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن " واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، قال الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث ابن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب: أجمع المسلمون جميعا على هذه التلبية، غير أن قوما قالوا: لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب، وهو قول محمد والثوري والأوزاعي، واحتجوا بحديث أبي هريرة يعني الذي أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم قال " كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك " وبزيادة ابن عمر المذكورة، وخالفهم آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كما في حديث عمرو بن معد يكرب
قال الشيخ أبو حامد: حكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم أنه كره الزيادة على المرفوع، وغلطوا بل لا يكره ولا يستحب.
نصب البيهقي الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي فقال: الاقتصار على المرفوع أحب، ولا ضيق أن يزيد عليها.
قال وقال أبو حنيفة إن زاد فحسن.
هو شبيه بحال الدعاء في التشهد فإنه قال فيه " ثم ليتخير من المسألة والثناء ما شاء " أي بعد أن يفرغ من المرفوع كما تقدم ذلك في موضعه.
( ج3/ ص 517)
لم يتعرض المصنف لحكم التلبية، وفيها مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة: الأول أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء، وهو قول الشافعي وأحمد.
ثانيها واجبة ويجب بتركها دم، حكاه الماوردي عن ابن أبي هريرة من الشافعية وقال إنه وجد للشافعي نصا يدل عليه، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة، وأغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب بتركها دم، ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال: التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة.
ثالثها واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج
وقال ابن المنذر قال أصحاب الرأي: إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم.
رابعها أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها حكاه ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر قالوا: هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة،
قول عطاء أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه قال: التلبية فرض الحج، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة، وحكى النووي عن داود أنه لا بد من رفع الصوت بها وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا.
( ج3/ ص 522)
*أورد البخاري في باب التلبية حديث ابن عباس " أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي .."
قال المهلب: هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي وأنه سيحج، إنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر " ليهلن ابن مريم بفج الروحاء " انتهى، وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم،
وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ " كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا إصبعيه في أذنيه مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية، قاله لما مر بوادي الأزرق " واستفيد منه تسمية الوادي، وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد، وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات مزارع هناك، وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس، أفيقال إن الراوي الآخر غلط فزاد يونس؟
قد اختلف أهل التحقيق في معني قوله " كأني أنظر " على أوجه: الأول هو على الحقيقة والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون فلا مانع أن يحجوا في هذا الحال كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائما في قبره يصلي، قال القرطبي: حببت إليهم العبادة فهم يتعبدون بما يجدونه من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون به، كما يلهم أهل الجنة الذكر.
ثانيها كأنه مثلت له أحوالهم التي كانت في الحياة الدنيا كيف تعبدوا وكيف حجوا وكيف لبوا، ولهذا قال: " كأني".
رابعها كأنها رؤية منام تقدمت له فأخبر عنها لما حج عندما تذكر ذلك، ورؤيا الأنبياء وحي، وهذا هو المعتمد عندي
قال ابن المنير في الحاشية: توهيم المهلب للراوي وهم منه، وإلا فأي فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض إنما ثبت أنه سينزل.
( ج3/ ص 524)
مطلق الإحرام على الإبهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم لما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك وهذا قول الجمهور، وعن المالكية لا يصح الإحرام على الإبهام وهو قول الكوفيين، قال ابن المنير: وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار بالترجمة إلى أن ذلك
لأن عليا وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الإحرام فلا يصح ذلك والله أعلم.
( ج3/ ص 527)
في هذه الرواية تبيين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع وهي قوله: " قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن - أي بالنساء - ثم يروحوا في الحج تقطر رءوسهم " انتهى، وكان من رأي عمر عدم الترفه للحج بكل طريق، فكره لهم قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر الميل إلى ذلك بخلاف من بعد عهده به، ومن يفطم ينفطم.
وقد أخرج مسلم من حديث جابر أن عمر قال: " افصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم".
( ج3/ ص 527)
قال المازري: قيل إن المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة، وقيل العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه، وعلى الثاني إنما نهى عنها ترغيبا في الإفراد الذي هو أفضل لا أنه يعتقد بطلانها وتحريمها.
وقال عياض: الظاهر أنه نهى عن الفسخ ولهذا كان يضرب الناس عليها كما رواه مسلم بناء على معتقده أن الفسخ كان خاصا بتلك السنة، قال النووي: والمختار أنه نهى عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه وهو على التنزيه للترغيب في الإفراد كما يظهر من كلامه، ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة ونفي الاختلاف في الأفضل
( ج3/ ص 528)
قال عياض: وجمهور الأئمة على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بالصحابة انتهى.
وقال ابن المنير في الحاشية: ظاهر كلام عمر التفريق بين ما دل عليه الكتاب ودلت عليه السنة، وهذا التأويل يقتضي أنهما يرجعان إلى معنى واحد، ثم أجاب بأنه لعله أراد إبطال وهم من توهم أنه خالف السنة حيث منع من الفسخ فبين أن الكتاب والسنة متوافقان على الأمر بالإتمام وأن الفسخ كان خاصا بتلك السنة لإبطال اعتقاد الجاهلية أن العمرة لا تصح في أشهر الحج انتهى.
( ج3/ ص 529)
أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال، لكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكمالها وهو قول مالك ونقل عن " الإملاء " للشافعي، أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين، ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون: عشر ليال من ذي الحجة، وهل يدخل يوم النحر أو لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: نعم.
وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه: لا.
وقال بعض أتباعه: تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ.
واختلف العلماء أيضا في اعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب؟ فقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين: هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها، وهو قول الشافعي