(15/135)
وَقَالَ الطوفي: ذكر البُخَارِيّ الْحبّ فِي كِتَابه وَلم يذكر البغض، وَهُوَ فِي رِوَايَة غَيره، وَإِذا أبْغض عبدا نَادَى جِبْرِيل،عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِنِّي أبْغض فلَانا فَأَبْغضهُ،قَالَ: فَيبْغضهُ جِبْرِيل،ثمَّ يُنَادي فِي أهل السَّمَاء: أَن الله يبغض فلَانا فَأَبْغضُوهُ، فَيبْغضُونَهُ، ثمَّ يوضع لَهُ البغض فِي الأَرْض. قلت: هَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِ يّ من طَرِيق روح بن عبَادَة عَن ابْن جريج.
........
(15/151)
وَأَبُو رَجَاء عمرَان بن ملْحَان العطاردي الْبَصْرِيّ، أدْرك زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأسلم بعد فتح مَكَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يُهَاجر إِلَيْهِ، بلغ مائَة وَثَلَاثِينَ سنة.
....
(15/ 153)
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا كَانَ النِّسَاء أقل سَاكِني الْجنَّة لما يغلب عَلَيْهِنَّ الْهوى والميل إِلَى عَاجل زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا، ولنقصان عقولهن، فيضعفن عَن عمل الْآخِرَة وَالتَّأَهُّب لَهَا لميلهن إِلَى الدُّنْيَا والتزين بهَا، وأكثرهن معرضات عَن الْآخِرَة سريعات الانخداع لراغبيهن من المعرضين عَن الدّين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إِلَى الْآخِرَة وأعمالها، وَأما الْفُقَرَاء فَلَمَّا كَانُوا فاقدي المَال الَّذِي يتوسل بِهِ إِلَى الْمعاصِي فازوا بِالسَّبقِ. فَإِن قلت: فقد ظهر فضل الْفقر فَلم استعاذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ؟قلت: إِنَّمَا استعاذ من شَرّ فتنته كَمَا استعاذ من شَرّ فتْنَة الْغنى. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الْجنَّة عزب وَلكُل رجل زوجان، فكي يكون وصفهن بالقلة فِي الْجنَّة وبالكثرة فِي النَّار؟قلت: ذكر الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَغَيره أَن الْإِكْثَار بِكَوْن النِّسَاء أَكثر أهل النَّار كَانَ قبل الشَّفَاعَة فِيهِنَّ، فعلى كَون زَوْجَيْنِ لكل رجل يكنَّ أَكثر أهل الْجنَّة.
........
(15/155)
وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَذْهَب أهل السّنة أَن تنعم أهل الْجنَّة على هَيْئَة تنعم أهل الدُّنْيَا إلاَّ مَا بَينهمَا من التَّفَاضُل فِي اللَّذَّة، وَدلّ الْكتاب وَالسّنة على أَن نعيمهم لَا انْقِطَاع لَهُ
.......ز
(15/160)
وقالَ عِكْرِمَةُ حَصَبُ جَهَنَّمَ حَطَبٌ بالحَبَشِيَّةِ:
وَقَالَ ابْن عَرَفَة: إِن كَانَ أَرَادَ بهَا حبشية الأَصْل سَمعتهَا الْعَرَب فتكلمت بهَا فَصَارَت حِينَئِذٍ عَرَبِيَّة، وإلاَّ فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن غير الْعَرَبيَّة،وَقَالَ الْخَلِيل: حصب مَا هيء للوقود من الْحَطب، فَإِن لم يهيأ لذَلِك فَلَيْسَ بحصب، وروى الْفراء عَن عَليّ وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،أَنَّهُمَا قرآها: (حطب) ، بِالطَّاءِ وروى الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا بالضاد الْمُعْجَمَة،قَالَ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنهم الَّذين تسجر بهم النَّار، لِأَن كل شَيْء هيجت بِهِ النَّار فَهُوَ حصب.
..........
( 15/166)
بِالْمَعْرُوفِ " وَهُوَ اسْم جَامع لكل مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس وكل مَا ندب إِلَيْهِ الشَّرْع وَنهى عَنهُ من المحسنات والمقبحات وَهُوَ من الصِّفَات الْغَالِبَة أَي أَمر مَعْرُوف بَين النَّاس لَا ينكرونه وَالْمُنكر ضد الْمَعْرُوف وكل مَا قبحه الشَّرْع وَحرمه وَكَرِهَهُ فَهُوَ مُنكر فِيهِ الْأَدَب مَعَ الْأُمَرَاء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم قَول النَّاس فيهم ليكفوا عَنهُ هَذَا كُله إِذا أمكن فَإِن لم يُمكن الْوَعْظ سرا فليجعله عَلَانيَة لِئَلَّا يضيع الْحق لما روى طَارق بن شهَاب قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر " وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد بِإِسْنَاد حسن قَالَ الطَّبَرِيّ مَعْنَاهُ إِذا أَمن على نَفسه أَو أَن يلْحقهُ من الْبلَاء مَا لَا قبل لَهُ بِهِ رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَهُوَ مَذْهَب أُسَامَة وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِب على من رأى مُنْكرا من ذِي سُلْطَان أَن يُنكره عَلَانيَة كَيفَ أمكنه رُوِيَ ذَلِك عَن عمر
وَأبي بن كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِب أَن يُنكر بِقَلْبِه وَيَنْبَغِي لمن أَمر بِمَعْرُوف أَن يكون كَامِل الْخَيْر لَا وصم فِيهِ وَقد قَالَ شُعَيْب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ إِلَّا أَنه يجب عِنْد الْجَمَاعَة أَن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر من لَا يفعل ذَيْنك وَقَالَ جمَاعَة من النَّاس يجب على متعاطي الكاس أَن ينْهَى جمَاعَة الْجلاس وَفِيه وصف جَهَنَّم بِأَمْر عَظِيم روى مُسلم عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا " يُؤْتى بجهنم يَوْم الْقِيَامَة لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها " وَلابْن وهب عَن زيد بن أسلم عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا " فَبَيْنَمَا هم يجرونها إِذْ شَردت عَلَيْهِم شَرْدَةً فلوا أَنهم أدركوها لأحرق من فِي الْجمع "
........
(15/175)
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: لينته أَي: ليترك التفكر فِي هَذَا الخاطر، وليستعذ بِاللَّه من وَسْوَسَة الشَّيْطَان، فَإِن لم يزل التفكر بالاستعاذة فَليقمْ وليشتغل بِأَمْر آخر، وَإِنَّمَا أمره بذلك وَلم يَأْمُرهُ بِالتَّأَمُّلِ والاحتجاج لِأَن الْعلم باستغنائه عَن الموجد أَمر ضَرُورِيّ لَا يقبل المناظرة لَهُ، وَعَلِيهِ، وَلِأَن السَّبَب فِي مثله إحساس الْمَرْء فِي عَالم الْحس، وَمَا دَامَ هُوَ كَذَلِك لَا يزِيد فكره إلاَّ زيغاً عَن الْحق، وَمن كَانَ هَذَا حَاله فَلَا علاج لَهُ إلاَّ اللجاء إِلَى الله تَعَالَى والاعتصام بحوله وقوته. وَقَالَ الْمَازرِيّ: الخواطر على قسمَيْنِ، فالتي لَا تَسْتَقِر وَلَا تجلبها شُبْهَة هِيَ الَّتِي تدفع بالأعراض عَنْهَا، وعَلى هَذَا ينزل الحَدِيث، وعَلى مثلهَا يُطلق اسْم الوسوسة. وَأما الخواطر المستقرة الناشئة عَن الشُّبْهَة فَهِيَ لَا تنْدَفع إلاَّ بِالنّظرِ وَالِاسْتِدْلَا ل.
......
(15/273)
وَلَا تُرْسِلُوا صِبْيَانكُمْ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِنَّمَا خيف على الصّبيان فِي ذَلِك الْوَقْت لِأَن النَّجَاسَة الَّتِي يلوذ بهَا الشَّيَاطِين مَوْجُودَة مَعَهم غَالِبا. وَالذكر الَّذِي يستعصم بِهِ مَعْدُوم عِنْدهم، وَالشَّيَاطِين عِنْد انتشارهم يتعلقون بِمَا يُمكنهُم التَّعَلُّق بِهِ، فَلذَلِك خيف على الصّبيان فِي ذَلِك الْوَقْت وَالْحكمَة فِي انتشارهم حِينَئِذٍ أَن حركتهم فِي اللَّيْل أمكن مِنْهَا لَهُم فِي النَّهَار، لِأَن الظلام أجمع لَهُم من غَيره، وَكَذَلِكَ كل سَواد،وَيُقَال: إِن الشَّيَاطِين تستعين بالظلمة وَتكره النُّور وتشأم بِهِ.
........
_(15/174)
جَاءَ فِي (الصَّحِيح) : أَن الفويسقة جرت الفتيلة فأحرقت أهل الْبَيْت، وَهُوَ عَام يدْخل فِيهِ السراج وَغَيره، وَأما الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة فَإِن خيف حريق بِسَبَبِهَا دخلت فِي الْأَمر بالإطفاء، وَإِن أَمن ذَلِك كَمَا هُوَ من الْغَالِب فَالظَّاهِر أَنه لَا بَأْس بهَا لانْتِفَاء الْعلَّة، وَسبب ذَلِك أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على خمرة فجرت الفتيلة الْفَأْرَة فأحرقت من الْخمْرَة مِقْدَار الدِّرْهَم، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك نبه عَلَيْهِ ابْن الْعَرَبِيّ وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) عَن ابْن عَبَّاس،قَالَ: جَاءَت فَأْرَة فَأخذت تجر الفتيلة، فَجَاءَت بهَا وألقتها بَين يَدي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْخمْرَة الَّتِي كَانَ قَاعِدا عَلَيْهَا، فأحرقت مِنْهَا مَوضِع دِرْهَم.
........
(15/175)
وللتخمير فَوَائِد: صِيَانة من الشَّيَاطِين والنجاسات والحشرات وَغَيرهَا، وَمن الوباء الَّذِي ينزل فِي لَيْلَة من السّنة، وَفِي رِوَايَة أَن فِي السّنة لليلة وَفِي رِوَايَة يَوْمًا ينزل وباء لَا يمر بِإِنَاء لَيْسَ عَلَيْهِ غطاء أَو شَيْء لَيْسَ عَلَيْهِ وكاء إلاَّ نزل فِيهِ ذَلِك الوباء. قَالَ اللَّيْث بن سعد: والأعاجم يَتَّقُونَ ذَلِك فِي كانون الأول
.......
(15/175)
هَل بِي جُنُون " قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا كَلَام من لم يتفقه فِي دين الله وَلم يتهذب بأنوار الشَّرِيعَة المكرمة وتوهم أَن الِاسْتِعَاذَة مُخْتَصَّة بالمجانين وَلم يعلم أَن الْغَضَب من نزغات الشَّيْطَان وَيحْتَمل أَنه كَانَ من الْمُنَافِقين أَو من جُفَاة الْأَعْرَاب انْتهى والاستعاذة من الشَّيْطَان تذْهب الْغَضَب وَهُوَ أقوى السِّلَاح على دفع كَيده وَفِي حَدِيث عَطِيَّة " الْغَضَب من الشَّيْطَان فَإِن الشَّيْطَان خلق من النَّار وَإِنَّمَا تطفأ النَّار بِالْمَاءِ فَإِذا غضب أحدكُم فَليَتَوَضَّأ " وَعَن أبي الدَّرْدَاء " أقرب مَا يكون العَبْد من غضب الله إِذا غضب " وَقَالَ بكر بن عبد الله " اطفئوا نَار الْغَضَب بِذكر نَار جَهَنَّم " وَفِي بعض الْكتب قَالَ الله تَعَالَى " ابْن آدم اذْكُرْنِي إِذا غضِبت أذكرك إِذا غضِبت " وروى الْجَوْزِيّ فِي ترغيبه عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ قَالَ إِبْلِيس أَنا جَمْرَة فِي جَوف ابْن آدم إِذا غضب حميته وَإِذا رَضِي منيته
.......
(15/180)
وَقَالَ التَّيْمِيّ: مَعْنَاهُ: مَا زَالَ فِي حُذَيْفَة بَقِيَّة حزن على أَبِيه من
من قتل المسلمين
....
(15/180)
وَعَن ابْن الْجَوْزِيّ: الرُّؤْيَا والحلم بِمَعْنى وَاحِد، لِأَن الْحلم مَا يرَاهُ الْإِنْسَان فِي نَومه، غير أَن صَاحب الشَّرْع خص الْخَيْر باسم الرُّؤْيَا وَالشَّر باسم الْحلم.
.......
(15/182)
فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية،رَحمَه الله: لم يُخَالف أحد من طوائف الْمُسلمين فِي وجود الْجِنّ،وَجُمْهُور طوائف الْكفَّار على إِثْبَات الْجِنّ وَإِن وجد فيهم من يُنكر ذَلِك فَكَمَا يُوجد فِي بعض طوائف الْمُسلمين: كالجهمية والمعتزلة، من يُنكر ذَلِك، وَأَن كَانَ جُمْهُور الطَّائِفَة وأئمتها مقرين بذلك، وَهَذَا لِأَن وجود الْجِنّ قد تَوَاتَرَتْ بِهِ أَخْبَار الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، تواتراً مَعْلُوما بالاضطرار، وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابه (الشَّامِل) : اعلموا، رحمكم الله، إِن كثيرا من الفلاسفة وجماهير الْقَدَرِيَّة وكافة الزَّنَادِقَة أَنْكَرُوا الشَّيَاطِين وَالْجِنّ رَأْسا، وَلَا يبعد لَو أنكر ذَلِك من لَا يتدين وَلَا يتشبث بالشريعة، وَإِنَّمَا الْعجب
من إِنْكَار الْقَدَرِيَّة مَعَ نُصُوص الْقُرْآن وتواتر الْأَخْبَار واستفاضة الْآثَار. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ فِي (شرح الْإِرْشَاد) : وَقد أنكرهم مُعظم الْمُعْتَزلَة وَدلّ إنكارهم إيَّاهُم على قلَّة مبالاتهم وركاكة ديانتهم، فَلَيْسَ فِي إثباتهم مُسْتَحِيل عَقْلِي، وَقد دلّت نُصُوص الْكتاب وَالسّنة على إثباتهم. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني: وَكثير من الْقَدَرِيَّة يثبتون وجود الْجِنّ قَدِيما، وينفون وجودهم الْآن، وَمِنْهُم من يقر بوجودهم وَيَزْعُم أَنهم لَا يُرون لرقة أجسامهم ونفوذ الشعاع فِيهَا،وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا لَا يُرون لأَنهم لَا ألوان لَهُم. وَقَالَ عبد الْجَبَّار المعتزلي: الدَّلِيل على إثباتهم السّمع دون الْعقل إِذْ لَا طَرِيق إِلَى إِثْبَات أجسام غَائِبَة، لِأَن الشَّيْء لَا يدل على غَيره من غير أَن يكون بَينهمَا تعلق
.......
(15/183)
وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ الْجِنّ سكان الأَرْض وَالْمَلَائِكَة سكان السَّمَاء وهم عمارها. وَقَالَ إِسْحَاق بن بشر: حَدثنِي جُوَيْبِر وَعُثْمَان بإسنادهما أَن الله تَعَالَى خلق الْجِنّ وَأمرهمْ بعمارة الأَرْض، فَكَانُوا يعْبدُونَ الله تَعَالَى، فطال بهم الأمد فعصوا الله وسفكوا الدِّمَاء،وَكَانَ فيهم ملك يُقَال لَهُ: يُوسُف، فَقَتَلُوهُ فَأرْسل الله عَلَيْهِم جنداً من الْمَلَائِكَة كَانُوا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا كَانَ فيهم إِبْلِيس، وَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف، فهبطوا فنفوا بني الجان وأجلوهم عَنْهَا وألحقوهم بجزائر الْبَحْر، وَسكن إِبْلِيس والجند الَّذِي كَانُوا مَعَه الأَرْض فهان عَلَيْهِم الْعَمَل وأحبوا الْمكْث فِيهَا.
......
(15/184)
قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء الْحَنْبَلِيّ: الْجِنّ أجسام مؤلفة وأشخاص ممثلة،وَيجوز أَن تكون رقيقَة وَأَن تكون رقيقَة وَأَن تكون كثيفة خلافًا للمعتزلة فِي قَوْلهم: إِنَّهُم أجسام رقيقَة ولرقتها لَا نراهم قُلْنَا: الرقة لَيْسَ بمانعة عَن الرُّؤْيَة فِي بَاب الرُّؤْيَة، وَيجوز أَن تكون الْأَجْسَام الكثيفة مَوْجُودَة وَلَا نرَاهَا إِذا لم يخلق الله فِينَا الْإِدْرَاك،وَحكى أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ عَن القَاضِي أبي بكر: نَحن نقُول إِنَّمَا رَآهُمْ من رَآهُمْ لِأَن الله خلق لَهُم الرُّؤْيَة، وَأَن من لم يخلق لَهُ الرُّؤْيَة لَا يراهم وَأَنَّهُمْ أجساد مؤلفة وجثث،وَقَالَ كثير من الْمُعْتَزلَة: إِنَّهُم أجساد رقيقَة بسيطة. وَقَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار: أجسام الْجِنّ رقيقَة ولضعف أبصارنا لَا نراهم لَا لعِلَّة أُخْرَى، وَلَو قوى الله أبصارنا أَو كثف أجسامهم لرأيناهم. وَقَالَ السُّهيْلي: الْجِنّ ثَلَاثَة أَصْنَاف،كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث: صنف على صور الْحَيَّات، وصنف على صُورَة كلاب سود، وصنف ريح طيارة. أَو قَالَ: هفافة ذُو أَجْنِحَة، وهم يتصورون فِي صور الْحَيَّات والعقارب، وَفِي صور الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير، وَفِي صور الطير، وَفِي صور بني أَدَم. وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: وَلَا قدرَة للشياطين على تَغْيِير خلقهمْ والانتقال فِي الصُّور، وَإِنَّمَا يجوز أَن يعلمهُمْ الله كَلِمَات وَضَربا من ضروب الْأَفْعَال، إِذا فعله وَتكلم بِهِ نَقله من صُورَة إِلَى صور أُخْرَى. وَأما أَن يصور نَفسه فَذَاك محَال.
......
(15/186)
ي بَيَان أَن الْجِنّ هَل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون؟وَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَال: الأول: أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون، وَهَذَا قَول سَاقِط. الثَّانِي: أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَصِنْفًا لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون. الثَّالِث: أَن جَمِيعهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ. وَاخْتلفُوا فِي صفة أكلهم وشربهم،فَقَالَ بَعضهم: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لَا مضع وَلَا بلع، وَهَذَا قَول لَا يدل عَلَيْهِ دَلِيل،وَقَالَ آخَرُونَ: أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أُميَّة بن محشي،وَفِيه: مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه، فَلَمَّا ذكر الله تَعَالَى استقى مَا فِي بَطْنه. وَسُئِلَ وهب بن مُنَبّه عَن الْجِنّ: مَا هم؟ وَهل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون ويموتون؟فَقَالَ: هم أَجنَاس، فَأَما خَالص الْجِنّ فهم ريح لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يتناكحون وَلَا يتوالدون،وَمِنْهُم أَجنَاس يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون مِنْهُم: السعالي والغول والقطرب وَغير ذَلِك، رَوَاهُ أَبُو عمر بِإِسْنَادِهِ عَنهُ.
.....
(15/184)
هَل لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب أم لَا؟وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ على قَوْلَيْنِ: فَقيل: لَا ثَوَاب لَهُم إلاَّ النجَاة من النَّار،ثمَّ يُقَال لَهُم: كونُوا تُرَابا مثل الْبَهَائِم، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، حَكَاهُ ابْن حزم وَغَيره عَنهُ،وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا: حَدثنَا دَاوُد عَن عمر والضبي حَدثنَا عفيف بن سَالم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن لَيْث بن أبي سليم،قَالَ: ثَوَاب الْجِنّ أَن يجاروا من النَّار،ثمَّ يُقَال لَهُم: كونُوا تُرَابا. القَوْل الثَّانِي: أَنهم يثابون على الطَّاعَة ويعاقبون على الْمعْصِيَة، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَنقل أَيْضا عَن الشَّافِعِي وَأحمد، وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،فَقَالَ: نعم، لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب. وَاتفقَ الْعلمَاء على أَن كَافِر الْجِنّ يعذب فِي الْآخِرَة لقَوْله تَعَالَى: {النَّار مثواكم} (الْأَنْعَام: 821) . وَاخْتلفُوا فِي مؤمني الْجِنّ، هَل يدْخلُونَ الْجنَّة؟على أَرْبَعَة أَقْوَال: وَالْجُمْهُور على أَنهم يدْخلُونَهَا، حَكَاهُ ابْن حزم فِي (الْملَل) عَن ابْن أبي ليلى، وَأبي يُوسُف وَجُمْهُور النَّاس. قَالَ: وَبِه نقُول، ثمَّ اخْتلفُوا هَل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ؟ فروى سُفْيَان الثَّوْريّ فِي (تَفْسِيره) عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك أَنهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ، وَعَن مُجَاهِد أَنهم يدْخلُونَهَا وَلَكِن لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون ويلهمون من التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس مَا يجده أهل الْجنَّة من لَذَّة الطَّعَام وَالشرَاب، وَذهب الْحَارِث المحاسبي إِلَى أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة، نراهم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يروننا عكس مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. القَوْل الثَّانِي: إِنَّهُم لَا يدْخلُونَ الْجنَّة بل يكونُونَ فِي ربضها يراهم الْإِنْس من حَيْثُ لَا يرونهم، وَهَذَا القَوْل مأثور عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، حَكَاهُ ابْن تَيْمِية، وَهُوَ خلاف مَا حَكَاهُ ابْن حزم. القَوْل الثَّالِث: أَنهم على الْأَعْرَاف. القَوْل الرَّابِع: الْوَقْف. وروى الْحَافِظ أَبُو سعيد عَن عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن الكنجرودي فِي (أَمَالِيهِ) بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْحسن عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن مؤمني الْجِنّ لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب) . فسألنا عَن ثوابهم،فَقَالَ: على الْأَعْرَاف، وَلَيْسوا فِي الْجنَّة. فَقَالُوا: مَا الْأَعْرَاف؟قَالَ: حَائِط الْجنَّة تجْرِي مِنْهُ الْأَنْهَار وتنبت فِيهِ الْأَشْجَار وَالثِّمَار،وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر جدا، ثمَّ إِن مؤمني الْجِنّ إِذا دخلُوا الْجنَّة هَل يرَوْنَ الله تَعَالَى؟ فقد وَقع فِي كَلَام عبد السَّلَام فِي (الْقَوَاعِد الصُّغْرَى) مَا يدل على أَنهم لَا يرَوْنَ الله تَعَالَى. وَأَن الرُّؤْيَة مَخْصُوصَة بمؤمني الْبشر، فَإِنَّهُ صرح بِأَن الْمَلَائِكَة لَا يرَوْنَ الله تَعَالَى فِي الْجنَّة، وَمُقْتَضى هَذَا أَن الْجِنّ لَا يرونه.
.........
الطَّبَرِيّ من طَرِيق الضَّحَّاك بن مُزَاحم، إِثْبَات ذَلِك، وَجُمْهُور الْعلمَاء سلفا وخلفاً على أَنه لم يكن من الْجِنّ نَبِي قطّ وَلَا رَسُول، وَلم تكن الرُّسُل إلاَّ من الْإِنْس، وَنقل هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن جريج وَمُجاهد والكلبي وَأبي عبيد والواحدي، وَذكر إِسْحَاق بن بشر فِي (الْمُبْتَدَأ) : عَن ابْن عَبَّاس أَن الْجِنّ قتلوا نَبيا لَهُم قبل آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، اسْمه يُوسُف، وَأَن الله تَعَالَى بعث إِلَيْهِم رَسُولا وَأمرهمْ بِطَاعَتِهِ. وَمن ذهب إِلَى قَول الضَّحَّاك يسْتَدلّ أَيْضا بقوله تَعَالَى: {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم ... }
..........
وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي (كتاب النَّاسِخ والمنسوخ) : حَدثنَا مطلب بن زِيَاد عَن السّديّ،قَالَ: فِي الْجِنّ قدرية ومرجئة وشيعة، وَحكى السّديّ أَيْضا عَن أشياخه أَن فِي الْجِنّ الْمُؤمن وَالْكَافِر والمعتزلة والجهمية وَجَمِيع الْفرق.
فَوَائِد: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: الشَّيَاطِين أَوْلَاد إِبْلِيس لَا يموتون إلاَّ مَعَه، وَالْجِنّ يموتون قبله. وَقَالَ إِسْحَاق: قَالَ أَبُو روق عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس،قَالَ: لما خلق الله شوما أَبَا الْجِنّ، وَهُوَ الَّذِي خلق من مارج من نَار،فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: تمنَّ. فَقَالَ: أتمنَّى أَن نَرى وَلَا نُرى، وَأَن نغيب فِي الثرى، وَأَن يصير كهلنا شَابًّا. فَأعْطِي ذَلِك، فهم يَرون وَلَا يُرون، وَإِذا مَاتُوا غَيَّبُوا فِي الثرى وَلَا يَمُوت كهلهم حَتَّى يعود شَابًّا،يَعْنِي: مثل الصَّبِي ثمَّ يرد إِلَى أرذل الْعُمر. وَسُئِلَ أَبُو الْبَقَاء العكبري الْحَنْبَلِيّ عَن الْجِنّ: (هَل تصح الصَّلَاة خَلفهم؟قَالَ: نعم، لأَنهم مكلفون، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل إِلَيْهِم.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ ألَمْ يَأتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي} إِلَى قَوْلِهِ {عَمَّا يَعْمَلُون}
.......
( 15/188)
وَعَن ابْن عَبَّاس أَن هَؤُلَاءِ الْجِنّ كَانُوا سَبْعَة من جن نَصِيبين فجعلهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رسلًا إِلَى قَومهمْ،وَقيل: كَانُوا تِسْعَة،وَقيل: كَانُوا اثْنَي عشر ألفا. وَالسورَة الَّتِي كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرؤهَا سُورَة {إقرأ باسم رَبك} (العلق: 1) . وَذكر ابْن دُرَيْد من أَسمَاء هَؤُلَاءِ الْجِنّ خَمْسَة،وهم: سامر ومامر ومنسى وماسي والأحقب، وَذكر ابْن سَلام فِي (تَفْسِيره) عَن ابْن مَسْعُود: وَمِنْهُم: عَمْرو ابْن جَابر،وَذكر ابْن أبي الدُّنْيَا: زَوْبَعَة،وَمِنْهُم: سرق، وَفِي (تَفْسِير عبد بن حميد) : كَانُوا من نِينَوَى،وأتوه بنخلة وَقيل: بشعب الْحجُون.
......
(15/189)
وَقَالَ ابْن خالويه: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب أَسمَاء الْجنان وصفاتها إلاَّ مَا أذكرهُ. وعد لَهَا نَحوا من سبعين إسماً مِنْهَا: الشجاع الأرقم الْأسود الأفعى الأبتر الأعيرج الأصلة الصل الجان الْجنان والجرارة والرتيلاء، وَذكر الجاحظ أَيْضا أَنْوَاعهَا،مِنْهَا: المكللة الرَّأْس، طولهَا شبران أَو ثَلَاثَة إِن حَاذَى جحرها طَائِر سقط وَلَا يحس بهَا حَيَوَان إلاَّ هرب فَإِن قرب مِنْهَا حدر وَلم يَتَحَرَّك وَتقتل بصفيرها، وَمن وَقع عَلَيْهِ نظرها مَاتَ، وَمن نهشته ذاب فِي الْحَال، وَمَات كل من قرب من ذَلِك الْمَيِّت من الْحَيَوَان، فَإِن مَسهَا بعصا هلك بِوَاسِطَة الْعَصَا،وَقيل: إِن رجلا طَعنهَا بِرُمْح فَمَاتَ هُوَ ودابته فِي سَاعَة وَاحِدَة قَالَ: وَهَذَا الْجِنْس كثير بِبِلَاد التّرْك.
.........
(15/190)
وروى مُسلم من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا أَن لهَذِهِ الْبيُوت عوامر فَإِذا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئا فَخَرجُوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِن ذهب وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ وَمعنى فَخَرجُوا عَلَيْهِ أَن يُقَال لَهُ أَنْت فِي حرج أَي ضيق إِن لَبِثت عندنَا أَو ظَهرت لنا أَو عدت إِلَيْنَا وَمعنى ثَلَاثًا أَي ثَلَاث مَرَّات وَقيل ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن كَانَت فِي الصحارى والأودية تقتل من غير إيذان لعُمُوم قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " خمس من الفواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم فَذكر مِنْهُنَّ الْحَيَّة وَجَاء فِي حَدِيث آخر " من تركهن مَخَافَة شرهن فَلَيْسَ منا " ثمَّ اعْلَم أَن ظَاهر الحَدِيث التَّعْمِيم فِي الْبيُوت وَعَن مَالك تَخْصِيصه ببيوت أهل الْمَدِينَة وَقيل يخْتَص ببيوت المدن دون غَيرهَا
............
(15/190)
إِشَارَة إِلَى شدَّة كفر الْمَجُوس لِأَن مملكة الْفرس وَمن أطاعهم من الْعَرَب كَانَت من جِهَة الْمشرق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَة وَكَانُوا فِي غَايَة الْقُوَّة وَالْكَثْرَة والتجبر حَتَّى أَن ملكهم مزق كتاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والدجال أَيْضا يَأْتِي من الْمشرق من قَرْيَة تسمى رستاباذ فِيمَا ذكره الطَّبَرِيّ وَمن شدَّة أَكثر أهل الْمشرق كفرا وطغيانا أَنهم كَانُوا يعْبدُونَ النَّار وَأَن نارهم مَا انطفأت ألف سنة وَكَانَ الَّذين يخدمونها وهم السَّدَنَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف رجل
.......
(15/193)
وَقَالَ ابْن سَيّده الديك ذكر الدَّجَاج وَعَن الدَّاودِيّ وَقد يُسمى الديك دجَاجَة والدجاجة تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى
....
(15/194)
حَدِيث أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا ينهق الْحمار حَتَّى يرى شَيْطَانا أَو يمثل لَهُ شَيْطَان فَإِذا كَانَ كَذَلِك فاذكروا الله تَعَالَى وصلوا عَليّ " (فَائِدَة) قَالَ الدَّاودِيّ يَنْبَغِي أَن يتَعَلَّم من الديك خَمْسَة أَشْيَاء حسن الصَّوْت. وَالْقِيَام بِالسحرِ. والسخاء. والغيرة. وَكَثْرَة النِّكَاح
....
(15/196)
نصر بن عَليّ بن نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، طلبه المستعين للْقَضَاء،ثمَّ جاؤا بعهدة الْقَضَاء فَقَالَ: أخروها إِلَى الْعشي، فَلَمَّا خرج إِلَى صَلَاة الظّهْر عاودوه،وَقَالَ: سألتكم إِلَى الْعشي وَعَسَى أَن يَكْفِي الله. قَالُوا: ثمَّ دخل إِلَى منزله فصلى رَكْعَتَيْنِ وَسجد، وَسَأَلَ الله أَن يقبضهُ إِلَيْهِ فَمَاتَ وَهُوَ ساجد، رَحمَه الله تَعَالَى، سنة خمس وَمِائَتَيْ
........
(15/200)
قَالَ الْخطابِيّ مَا ملخصه: قَالَ بعض الجهلة المعاندين: كَيفَ يجْتَمع الدَّاء والشفاء فِي جناحي الذُّبَاب؟ وَكَيف تعلم الذُّبَاب ذَلِك من نَفسهَا حَتَّى تقدم الدَّاء وتؤخر الدَّوَاء؟ وَمَا أَدَّاهَا إِلَى ذَلِك؟ورد عَلَيْهِم: بِأَن عَامَّة الْحَيَوَان جمعت فِيهَا بَين الْحَرَارَة والبرودة والرطوبة واليبوسة فِي أَشْيَاء متضادة إِذا تلاقت تفاسدت لَوْلَا تأليف الله لَهَا، وَالَّذِي ألهم النحلة وَشبههَا من الْحَيَوَان إِلَى بِنَاء الْبيُوت وادخار الْقُوت هُوَ الملهم للذباب مَا ترَاهُ فِي الْكتاب.
......
(15/202)
قَالَ الْإِجْمَاع على قتل الْعَقُور مِنْهَا، وَاخْتلفُوا فِي قتل مَا لَا ضَرَر فِيهِ، فَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَمر الشَّارِع أَولا بقتلها كلهَا، ثمَّ نسخ ذَلِك وَنهى عَن قَتلهَا إلاَّ الْأسود البهيم، ثمَّ اسْتَقر الشَّرْع على النَّهْي عَن قتل جَمِيعهَا إلاَّ الْأسود،لحَدِيث عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ: لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها، رَوَاهُ أَصْحَاب (السّنَن) الْأَرْبَعَة. وَمعنى: البهيم، شَيْطَان بعيد عَن الْمَنَافِع قريب من الْمضرَّة، وَهَذِه أُمُور لَا تدْرك بِنَظَر، وَلَا يُوصل إِلَيْهَا بِقِيَاس، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى مَا جَاءَ عَن الشَّارِع،وَقد روى ابْن عبد الْبر عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْكلاب من الْجِنّ، وَهِي ضعفة الْجِنّ،وَفِي لفظ: السود مِنْهَا جن، والبقع مِنْهَا جن،وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هم سفلَة الْجِنّ وضعفاؤهم،وَقَالَ ابْن عديس: يُقَال: كلب جني، وَرُوِيَ عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم أَنَّهُمَا يكرهان صيد الْكَلْب الْأسود البهيم، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد وَبَعض الشَّافِعِيَّة،وَقَالُوا: لَا يحل الصَّيْد إِذا قَتله،وَعند أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يحل. وَقَالَ أَبُو عمر: الَّذِي تختاره أَن لَا يقتل مِنْهَا شَيْء إِذا لم يضر، لنَهْيه أَن يتَّخذ فِيهِ روح غَرضا،وَلِحَدِيث: الَّذِي سقى الْكَلْب،وَلقَوْله: فِي كل كبد حر أجر، وَترك قَتلهَا فِي كل الْأَمْصَار، وفيهَا الْعلمَاء وَمن لَا يسامح فِي شَيْء من الْمُنكر والمعاصي الظَّاهِرَة، وَمَا علمت فَقِيها من فُقَهَاء الْمُسلمين جعل اتِّخَاذ الْكلاب جرحة، وَلَا رد قاضٍ شَهَادَة متخذها، وَمذهب الشَّافِعِي تَحْرِيم اقتناء الْكَلْب لغير حَاجَة.
.....
(15/203)
أَن القيراط لَهُ أصل لمقدار مَعْلُوم عِنْد الله تَعَالَى، وَالْمرَاد نقص جُزْء من أَجزَاء عمله. وَأما التَّوْفِيق بَين قِيرَاط فِي هَذَا الحَدِيث، وَبَين قيراطين فِي رِوَايَة أُخْرَى فباعتبار التَّغْلِيظ فِي القيراطين لما لم ينْتَه النَّاس، أَو بِاعْتِبَار كَثْرَة الْأَذَى من الْكَلْب وقلته، أَو باخْتلَاف الْمَوَاضِع فالقيراطان فِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة لزِيَادَة فَضلهَا، والقيراط فِي غَيرهَا، أَو القيراطان فِي الْمَدِينَة والقيراط فِي الْبَوَادِي،وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ: اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِمَا ينقص مِنْهُ،فَقيل: ينقص مِمَّا مضى من عمله،وَقيل: من مستقبله. وَاخْتلفُوا فِي مَحل نقصانها،فَقيل: قِيرَاط من عمل النَّهَار، وقيراط من عمل اللَّيْل،وَقيل: قِيرَاط من عمل الْفَرْض وقيراط من النَّفْل،وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أقرب مَا قيل فِي ذَلِك قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن جَمِيع مَا عمله من عمل ينقص لمن اتخذ مَا نهى عَنهُ من الْكلاب، بِإِزَاءِ كل يَوْم يمسِكهُ جزآن من أَجزَاء ذَلِك الْعَمَل،وَقيل: من عمل ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يمسِكهُ فِيهِ. الثَّانِي: يحط من عمله عملان، أَو من عمل يَوْم إِمْسَاكه، عُقُوبَة لَهُ على مَا اقتحم من النَّهْي.