تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 14 من 16 الأولىالأولى ... 45678910111213141516 الأخيرةالأخيرة
النتائج 261 إلى 280 من 301

الموضوع: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

  1. #261
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

    " المجلد الرابع عشر " عمدة القاري لبدر الدين العيني رحمه الله
    اليوم : السبت الموافق 26/ ربيع الثاني / 1442 هجري
    الموافق : 12/ ديسمبر / 2020 ميلادي



    .....
    المجلد الرابع عشر
    ( 14 / 6)
    وَهِي الَّتِي تسمى: العضباء،والجدعاء: وَهِي الَّتِي سبقت فشق ذَلِك على الْمُسلمين. فَقَالَ رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من قدر الله أَن لَا يرفع شَيْئا فِي هَذِه الدُّنْيَا إلاَّ وَضعه) ،وَقيل: المسبوقة هِيَ العضباء، وَهِي غير الْقَصْوَاء.
    .........
    (14/8 )
    وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: إِن الَّذِي نزل فِي القليب بِسَهْم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاجِية بن جُنْدُب سائق بدن رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ: وَقد زعم بعض أهل الْعلم: كَانَ الْبَراء بن عَازِب،يَقُول: أَنا الَّذِي نزلت بِسَهْم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وروى الْوَاقِدِيّ من طَرِيق خَالِد بن عبَادَة الْغِفَارِيّ،قَالَ: (أَنا الَّذِي نزلت بِالسَّهْمِ) ،والتوفيق بَين هَذِه الرِّوَايَات أَن يُقَال: إِن هَؤُلَاءِ تعاونوا فِي النُّزُول فِي القليب.
    ..........
    (14/12)
    (أَلَسْت أسعى فِي غدرتك) ،أَي: أَلَسْت أسعى فِي دفع شَرّ جنايتك ببذل المَال وَنَحْوه،وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ بَينهمَا قرَابَة. قلت: قد ذكرنَا أَنه كَانَ ابْن أخي عُرْوَة، وَكَأن الْكرْمَانِي لم يطلع على هَذَا، فَلهَذَا أبهمه. وَفِي الْمَغَازِي: عُرْوَة؟ وَالله مَا غسلت يَدي من غدرتك، وَلَقَد أورثتنا الْعَدَاوَة فِي ثَقِيف. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَهل غسلت سوأتك إلاَّ بالْأَمْس؟قَوْله: (وَكَانَ الْمُغيرَة صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَتلهُمْ) . وَبَيَانه مَا ذكره ابْن هِشَام،وَهُوَ: أَنه خرج مَعَ ثَلَاثَة عشر نَفرا من ثَقِيف من بني مَالك، فغدر بهم فَقَتلهُمْ وَأخذ أَمْوَالهم،فتهايج الْفَرِيقَانِ: بَنو مَالك والأحلاف رَهْط الْمُغيرَة، فسعى عُرْوَة بن مَسْعُود عَم الْمُغيرَة حَتَّى أخذُوا مِنْهُ دِيَة ثَلَاثَة عشر نفسا واصطلحوا، وَذكر الْوَاقِدِيّ الْقِصَّة،وحاصلها: أَنهم كَانُوا خَرجُوا زائرين الْمُقَوْقس بِمصْر فَأحْسن إِلَيْهِم وَأَعْطَاهُمْ وَقصر بالمغيرة، فحصلت لَهُ الْغيرَة مِنْهُم، فَلَمَّا كَانُوا بِالطَّرِيقِ شربوا الْخمر، فَلَمَّا سَكِرُوا وناموا وثب الْمُغيرَة فَقَتلهُمْ وَلحق بِالْمَدِينَةِ فَأسلم.
    ...........
    (14/17)
    وحَكَمَ عَلى الْمُسْلِمِينَ أنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَم الْكَوَافِرِ أنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأتَيْنِ قَرِيبَةَ بِنْتَ أبي أُمَيَّةَ وابْنَةَ جَرْوَلٍ الخُزَاعِيِّ فتَزَوَّجَ قَرِيبَة مُعَاوِيَةُ وتَزَوَّجَ الأخْرَى أبُو جَهْمٍ فلَمَّا أبَى الكُفَّارُ أنْ يُقِرُّوا بِأدَاء مَا أنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أزْواجِهِمْ أنْزَلَ الله تَعَالَى {وإنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أزْوَاجِكُمْ إلَى الكُفَّارِ فَعاقَبْتُم} (الممتحنة: 11) . والعَقْبُ مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى منْ هاجَرَتِ امْرَأتُهُ مِنَ الكُفَّارِ فأمَرَ أنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ المُسْلِمِينَ مَا أنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِساءِ الْكُفَّارِ الَّلاتي هاجَرْنَ وَمَا نَعْلَمُ أحَداً مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إيمانِهَا وبَلَغَنا أنَّ أَبَا بَصِيرِ بنَ أسِيدٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُؤْمِنَاً مُهَاجِراً فِي الْمُدَّةِ فكَتَبَ الأخْنَسُ بنُ شرِيق إِلَى النَّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْألُهُ أبَا بَصِيرٍ
    .......
    (14/20 )
    وَقَالَ ابْن الْقيم فِي (الْهَدْي) : وَقد حفظ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحلف فِي أَكثر من ثَمَانِينَ موضعا)
    .......
    (14/24)
    الْفرق بَين الِاسْم والمسمى إِنَّمَا يظْهر من قَوْلك: رَأَيْت زيدا، فَإِن المُرَاد بِالِاسْمِ الْمُسَمّى لِأَن المرئي لَيْسَ (ز ي د) فَإِذا قلت: سميته زيدا، فَالْمُرَاد غير الْمُسَمّى، لِأَن مَعْنَاهُ سميته بِمَا يتركب من هَذِه الْحُرُوف،وَفِي قَوْلك: زيد حسن، لفظ مُشْتَرك أَن تَعْنِي بِهِ هَذَا اللَّفْظ حسن، وَأَن تَعْنِي بِهِ الْمُسَمّى حسن،وَأما قَول من قَالَ: لَو كَانَ الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى لَكَانَ من قَالَ: نَار، احْتَرَقَ فَمه، فَهُوَ بعيد. لِأَن الْعَاقِل لَا يَقُول إِن زيدا الَّذِي هُوَ: زَاي وياء ودال، هُوَ الشَّخْص. وَقَالَ محيي السّنة فِي (معالم التَّنْزِيل) : الْإِلْحَاد فِي أَسْمَائِهِ تَسْمِيَته بِمَا لَا ينْطق بِهِ كتاب وَلَا سنة. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي فِي كِتَابه (مَفَاتِيح الْحجَج) : أَسمَاء الله تُؤْخَذ توقيفاً ويراعى فِيهَا الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، فَكل اسْم ورد فِي هَذِه الْأُصُول وَجب إِطْلَاقه فِي وَصفه تَعَالَى، وَمَا لم يرد فِيهِ لَا يجوز إِطْلَاقه فِي وَصفه، وَإِن صَحَّ مَعْنَاهُ. وَقَالَ الرَّاغِب: ذهبت الْمُعْتَزلَة إِلَى أَنه يَصح أَن يُطلق على الله تَعَالَى كل اسْم يَصح مَعْنَاهُ فِيهِ، والأفهام الصَّحِيحَة البشرية لَهَا سَعَة ومجال فِي اخْتِيَار الصِّفَات. قَالَ: وَمَا ذهب إِلَيْهِ أهل الحَدِيث هُوَ الصَّحِيح، وَلَو ترك الْإِنْسَان وعقله لما جسر أَن يُطلق عَلَيْهِ عَامَّة هَذِه الْأَسْمَاء الَّتِي ورد الشَّرْع بهَا، إِذْ كَانَ أَكْثَرهَا على حسب تعارفنا يَقْتَضِي أعراضاً،إِمَّا كمية نَحْو: الْعَظِيم وَالْكَبِير، وَإِمَّا كَيْفيَّة نَحْو الْحَيّ والقادر،أَو زَمَانا نَحْو: الْقَدِيم وَالْبَاقِي،أَو مَكَانا نَحْو: الْعلي والمتعالي،أَو أنفعالاً نَحْو: الرَّحِيم والودود، وَهَذِه معانٍ لَا تصح عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على حسب مَا هُوَ مُتَعَارَف بَيْننَا، وَإِن كَانَ لَهَا معانٍ معقولة عِنْد أهل الْحَقَائِق، من أجلهَا صَحَّ إِطْلَاقهَا عَلَيْهِ، عز وَجل. وَقَالَ الزّجاج: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَدعُوهُ لما لم يصف بِهِ نَفسه،فَيَقُول: يَا رَحِيم لَا يَا رَقِيق،وَيَقُول: يَا قوي لَا يَا خَلِيل،وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحسن ابْن الْحسن الْحَلِيمِيّ: أَن أَسمَاء الله الَّتِي ورد بهَا الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْعلمَاء على تَسْمِيَته بهَا منقسمة بَين عقائد خمس: الأول: إِثْبَات الْبَارِي لتقع بِهِ مُفَارقَة التعطيل. الثَّانِي: إِثْبَات وحدانيته لتقع بِهِ الْبَرَاءَة من الشّرك. الثَّالِث: إِثْبَات أَنه لَيْسَ بجوهر وَلَا عرض لتقع بِهِ الْبَرَاءَة من التَّشْبِيه. الرَّابِع: إِثْبَات إِن وجود كل مَا سواهُ كَانَ من قبل إبداعه واختراعه إِيَّاه لتقع الْبَرَاءَة من قَول من يَقُول بِالْعِلَّةِ والمعلول. الْخَامِس: إِثْبَات أَنه مُدبر مَا أبدع ومصرفه على مَا يَشَاء، لتقع بِهِ الْبَرَاءَة من قَول الْقَائِلين بالطبائع أَو بتدبير الْكَوَاكِب، أَو بتدبير الْمَلَائِكَة، عَلَيْهِم السَّلَام. وَزعم ابْن حزم أَن من زَاد شَيْئا فِي الْأَسْمَاء على التِّسْعَة وَالتسْعين من عِنْد نَفسه فقد ألحد فِي أَسْمَائِهِ، لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،قَالَ: مائَة إلاَّ وَاحِدًا، فَلَو جَازَ أَن يكون لَهُ إسم زَائِد لكَانَتْ مائَة
    .......
    (14/25)
    حْتج أَبُو حنيفَة فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بقول شُرَيْح: لَا حبس عَن فَرَائض الله تَعَالَى، أخرجه الطَّحَاوِيّ عَن سُلَيْمَان بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن أبي يُوسُف عَن عَطاء ابْن السَّائِب عَنهُ، وَرِجَاله ثِقَات، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) بأتم مِنْهُ،وَمَعْنَاهُ: لَا يُوقف مَال وَلَا يزوى عَن ورثته وَلَا يمْنَع عَن الْقِسْمَة بَينهم، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس،قَالَ: سَمِعت رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: بَعْدَمَا أنزلت سُورَة النِّسَاء وَأنزل فِيهَا الْفَرَائِض، نهى عَن الْحَبْس. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا،وَقَالَ: وَفِي سَنَده ابْن لَهِيعَة وَأَخُوهُ عِيسَى وهما ضعيفان. قلت: مَا لِابْنِ لَهِيعَة؟وَقد قَالَ ابْن وهب: كَانَ ابْن لَهِيعَة صَادِقا،وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: وحَدثني الصَّادِق الْبَار وَالله ابْن لَهِيعَة؟وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: مَا كَانَ مُحدث مصر إلاَّ ابْن لَهِيعَة؟وَعنهُ: مَن مثل ابْن لَهِيعَة بِمصْر فِي كَثْرَة حَدِيثه وَضَبطه وإتقانه؟ وَلِهَذَا حدث عَنهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) بِحَدِيث كثير. وَأما أَخُوهُ عِيسَى فَإِن ابْن حبَان ذكره فِي (الثِّقَات) ،وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا شُرَيْح، وَهُوَ قَاضِي عمر وَعُثْمَان وَعلي الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قد روى عَنهُ هَذَا، وَوَافَقَ أَبَا حنيفَة فِي هَذَا عَطاء بن السَّائِب وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد وَزفر بن الْهُذيْل. فَإِن قلت: مَا تَقول فِي وقف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أوقاف الصَّحَابَة بعد موت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟قلت: أما وقف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّمَا جَازَ، لِأَن الْمَانِع وُقُوعه حبسا عَن فَرَائض الله، وَوَقفه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يَقع حبسا عَن فَرَائض الله تَعَالَى،لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) . وَأما أوقاف الصَّحَابَة بعد مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاحْتمل أَن ورثتهم أمضوها بِالْإِجَازَةِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِر. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَو صَحَّ هَذَا الْخَبَر لَكَانَ مَنْسُوخا. قلت: النّسخ لَا يثبت إلاَّ بِدَلِيل، وَلم يبين دَلِيله فِي ذَلِك، فمجرد الدَّعْوَى غير صَحِيح.
    الَ ابْن حزم: هَذَا الْخَبَر مُنكر وبلية من البلايا وَكذب بِلَا شكّ. قلت: قَوْله: هَذَا بلية وَكذب وتهافت عَظِيم، وَكَيف يَقُول هَذَا القَوْل السخيف، وَالْحَال أَن رِجَاله عُلَمَاء ثِقَات، فيونس من رجال مُسلم، والبقية من رجال (الصَّحِيح) على مَا لَا يخفى، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
    ........
    كتاب " الوصايا "
    (14/30)
    حث على الْوَصِيَّة، واحتجت بِهِ الظَّاهِرِيَّة أَنَّهَا وَاجِبَة،وَقَالَ الزُّهْرِيّ: جعل الله الْوَصِيَّة حَقًا مِمَّا قل أَو كثر،قيل لأبي مجلز: على كل مثر وَصِيَّة؟قَالَ: كل من ترك خيرا،وَقَالَ ابْن حزم: وروينا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن بن عبد الله،قَالَ: كَانَ طَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر يشددان فِي الْوَصِيَّة، وَهُوَ قَول عبد الله بن أبي أوفى وَطَلْحَة بن مصرف وَالشعْبِيّ وطاووس وَغَيرهم. قَالَ: وَهُوَ قَول أبي سُلَيْمَان وَجَمِيع أَصْحَابنَا،وَقَالَت: طَائِفَة لَيست الْوَصِيَّة بواجبة. كَانَ الْمُوصى مُوسِرًا أَو فَقِيرا، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ،وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: أما السّلف الأول فَلَا نعلم أحدا قَالَ بِوُجُوبِهَا. وَقَالَ النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ: الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين على النّدب،وَقَالَ الضَّحَّاك وطاووس: الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين وَاجِبَة بِنَصّ الْقُرْآن إِذا كَانُوا لَا يَرِثُونَ: وَقَالَ طَاوُوس: من أوصى لأجانب وَله أقرباء انتزعت الْوَصِيَّة فَردَّتْ للأقرباء. وَقَالَ الضَّحَّاك: من مَاتَ وَله شَيْء وَلم يوصِ لأقربائه فقد مَاتَ عَن مَعْصِيّة لله، عز وَجل، وَقَالَ الْحسن وَجَابِر بن زيد وَعبد الْملك بن يعلى،فِيمَا ذكره الطَّبَرِيّ: إِذا أوصى رجل لقوم غرباء بِثُلثِهِ وَله أقرباء، أعطي الغرباء ثلث المَال
    وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: الْوَصِيَّة مُسْتَحبَّة لِأَنَّهَا إِثْبَات حق فِي مَاله فَلم تكن وَاجِبَة كَالْهِبَةِ وَالْعَارِية، وَلَيْسَ الِاسْتِدْلَال على وجوب الْوَصِيَّة بِحَدِيث الْبَاب بِصَحِيح، لِأَن ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث لم يوصِ، ومحال أَن يُخَالف مَا رَوَاهُ لَو كَانَ وَاجِبا، وردَّ ذَلِك بِأَنَّهُ إِن ثَبت فَالْعِبْرَة لما رُوِيَ لَا بِمَا رأى. وَأجِيب عَنهُ: بِأَن فِي ذَلِك نسبته إِلَى مُخَالفَة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحاشاه من ذَلِك، فَإِذا رُوِيَ عَنهُ أَنه لم يوصِ على أَن الحَدِيث لم يدل على الْوُجُوب لمَانع عَن ذَلِك ظهر عِنْده لِأَن أُمُور الْمُسلمين مَحْمُولَة على الصّلاح والسداد، وَلَا سِيمَا مثل هَذَا الصَّحَابِيّ الْجَلِيل الْمِقْدَار. فَإِن قلت: ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) أَنه قَالَ: (لم أَبَت لَيْلَة إلاَّ ووصيتي مَكْتُوبَة عِنْدِي) . قلت: يُعَارضهُ مَا أخرجه ابْن الْمُنْذر وَغَيره: عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع،قَالَ: قيل لِابْنِ عمر فِي مرض مَوته: أَلا توصي؟قَالَ: أما مَا لي فَالله يعلم مَا كنت أصنع فِيهِ، وَأما رباعي فَلَا أحب أَن يُشَارك وَلَدي فِيهَا أحد، فَإِذا جَمعنَا بَينهمَا بِالْحملِ على أَنه كَانَ يكْتب وصيبته ويتعاهدها، ثمَّ صَار ينجز مَا كَانَ يُوصي بِهِ مُعَلّقا،وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله: الله يعلم مَا كنت أصنع فِي مَالِي،
    .........
    (14/30 )
    وَفِي رِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَآخَرين من رِوَايَة مَسْرُوق عَن عَائِشَة،قَالَت: (مَا ترك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، درهما وَلَا دِينَارا وَلَا شَاة وَلَا بَعِيرًا وَلَا أوصى بِشَيْء) . قَوْله: (إلاَّ بغلته الْبَيْضَاء) ، إعلم أَنه كَانَت لَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،سِتّ بغال: بغلة شهباء: يُقَال لَهَا الدلْدل، أهداها لَهُ الْمُقَوْقس. وَبغلة يُقَال لَهَا فضَّة، أهداها لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو الجذامي، فَوَهَبَهَا لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَبغلة بعثها صَاحب دومة الجندل. وَبغلة أهداها لَهُ ابْن الْعلمَاء ملك أَيْلَة،وَيُقَال لَهَا: إيلية،وَقَالَ مُسلم: كَانَت بَيْضَاء. وَبغلة أهداها لَهُ النَّجَاشِيّ. وَبغلة أهداها لَهُ كسْرَى، وَلَا يثبت ذَلِك، وَلم يكن فِيهَا بَيْضَاء، إلاَّ الأيلية، وَلم يذكر أهل السّير بغلة بقيت بعده، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إلاَّ الدلْدل. قَالُوا: إِنَّهَا عمرت بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كَانَت عِنْد عَليّ بن أبي طَالب، وتأخرت أَيَّامهَا حَتَّى كَانَت بعد عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد عبد الله بن جَعْفَر، وَكَانَ يحش لَهَا الشّعير لتأكله لِضعْفِهَا، وَفِي (الْمرْآة) وَبقيت إِلَى أَيَّام مُعَاوِيَة، فَمَاتَتْ بينبع، وَالظَّاهِر أَن الَّتِي فِي الحَدِيث هِيَ إِيَّاهَا، لِأَن الشهبة غَلَبَة الْبيَاض على السوَاد،وَمِنْه تسمى: الشَّهْبَاء بَيْضَاء.
    ........
    (14/35)
    وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز إلاَّ فِي الثُّلُث. وَيُوضَع الثُّلُثَانِ لبيت المَال. وَقَالَ ابْن بطال: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على من قَالَ كالحنفية بِجَوَاز الْوَصِيَّة بِالزِّيَادَةِ على الثُّلُث لمن لَا وَارِث لَهُ،وَلذَلِك احْتج بقوله تَعَالَى: {وَأَن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله} (الْمَائِدَة: 94) . وَالَّذِي حكم بِهِ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الثُّلُث هُوَ الحكم بِمَا أنزل الله، فَمن تجَاوز مَا حَده فقد أَتَى مَا نهى عَنهُ، ورد عَلَيْهِ بِأَن البُخَارِيّ لم يرد هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الاستشهاد بِالْآيَةِ على أَن الذِّمِّيّ إِذا تحاكم إِلَيْنَا ورثته لَا تنفذ من وَصيته إلاَّ الثُّلُث، لأَنا لَا نحكم فيهم إلاَّ بِحكم
    لْإِسْلَام،لقَوْله تَعَالَى: {وَإِن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله ... } (الْمَائِدَة: 94) . الْآيَة. قلت: الْعجب من البُخَارِيّ أَنه ذكر عَن الْحسن أَنه لَا يرى للذِّمِّيّ بِالْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ من الثُّلُث، فليت شعري مَا وَجه ذكر هَذَا، وَالْحَال أَن حكم الْمُسلم كَذَلِك عِنْده، وَعند غير الْحَنَفِيَّة. وأعجب مِنْهُ كَلَام ابْن بطال الَّذِي تمحل فِي كَلَامه بالمحال وَاسْتحق الرَّد على كل حَال، وَأبْعد من هَذَا وَأكْثر استحقاقاً بِالرَّدِّ هُوَ صَاحب (التَّوْضِيح) حَيْثُ يَقُول: وعَلى قَول ابْن حنيفَة رد البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَلذَلِك صدر بقول الْحسن، ثمَّ بِالْآيَةِ، فسبحان الله كَيفَ يرد على أبي حنيفَة بقول الْحسن، فَمَا وَجه ذَلِك؟ لَا يُدرى
    .......
    (14/40)
    قَوْله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا وَصِيَّة لوَارث وَلَا إِقْرَار لَهُ بدين) ،وَمذهب مَالك كمذهب أبي حنيفَة: إِذا اتهمَ وَهُوَ اخْتِيَار الرَّوْيَانِيّ من الشَّافِعِيَّة،وَعَن شُرَيْح وَالْحسن بن صَالح: لَا يجوز إِقْرَار الْمَرِيض لوَارث إلاَّ لزوجته بصداقها،وَعَن الْقَاسِم وَسَالم وَالثَّوْري: لَا يجوز إِقْرَار الْمَرِيض لوَارِثه مُطلقًا،وَزعم ابْن الْمُنْذر: أَن الشَّافِعِي رَجَعَ إِلَى قَول هَؤُلَاءِ، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَالْعجب من البُخَارِيّ أَنه خصص الْحَنَفِيَّة بالتشنيع عَلَيْهِم وهم مَا هم منفردون فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَلَكِن لَيْسَ هَذَا إلاَّ بِسَبَب أَمر سبق فِيمَا بَينهم، وَالله أعلم.
    ........
    (14/44)
    ن النَّبِي،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قضى بِالدّينِ قبل الْوَصِيَّة وَأَنْتُم تقرأون الْوَصِيَّة قبل الدّين) ،وَأخرجه أَحْمد أَيْضا وَلَفظه: عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قضى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَن الدّين قبل الْوَصِيَّة) الحَدِيث، وَهَذَا إِسْنَاده ضَعِيف لِأَن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الله الْأَعْوَر،قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سَمِعت أبي يَقُول: الْحَارِث الْأَعْوَر كَذَّاب،وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يحْتَج بحَديثه،وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: الْحَارِث كَذَّاب. فَإِن قلت: لَيست من عَادَة البُخَارِيّ أَن يُورد الضَّعِيف فِي مقَام الِاحْتِجَاج بِهِ. قلت: بلَى، وَلَكِن لما رأى أَن الْعلمَاء عمِلُوا بِهِ، كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم، اعْتمد عَلَيْهِ لاعتضاده بالِاتِّفَاقِ على مُقْتَضَاهُ
    ........

  2. #262
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    تابع / عمدة القاري لبدر الدين العيني رحمه الله
    اليوم / الثلاثاء
    الموافق / 15/ ديسمبر / 2020 ميلادي

    .......
    (14/47)
    قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أنزل عَلَيْهِ: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} (الشُّعَرَاء: 412) . يَا معشر قُرَيْش اشْتَروا أَنفسكُم من الله لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا يَا بني عبد منَاف اشْتَروا أَنفسكُم من الله لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا يَا عَبَّاس بن عبد الْمطلب لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا؟) الحَدِيث،قَالَ الطَّحَاوِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أمره الله عز وَجل أَن ينذر عشيرته الْأَقْرَبين، دَعَا عشائر قُرَيْش، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه الثَّانِي، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه الثَّالِث، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه الرَّابِع، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه الْخَامِس، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه السَّادِس، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد آبَائِهِ الَّذين فَوق ذَلِك، إلاَّ أَنه مِمَّن جمعته وإياه قُرَيْش وَقد ذكرنَا عَن الطَّحَاوِيّ فِي أول الْبَاب، أَنه ذكر فِي هَذَا الْبَاب خَمْسَة أَقْوَال، وسَاق دَلِيل كل وَاحِد مِنْهُم، ثمَّ ذكر أَن الصَّحِيح من ذَلِك كُله القَوْل الَّذِي ذهب إِلَيْهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وأبطل بَقِيَّة الْأَقْوَال، وَصرح بِبُطْلَان مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، فَهَذَا الَّذِي سلكه هُوَ طَرِيق الْمُجْتَهدين المستنبطين للْأَحْكَام من الْكتاب وَالسّنة، فَلذَلِك ترك تَقْلِيده لأبي حنيفَة وصاحبيه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
    ........
    (14/48)
    فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: إِذا وقف وقف على وَلَده دخل فِيهِ ولد وَلَده وَولد بَنَاته مَا تَنَاسَلُوا، وَكَذَلِكَ إِذا أوصى لِقَرَابَتِهِ يدْخل فِيهِ ولد الْبَنَات،والقرابة عِنْد أبي حنيفَة: كل ذِي رحم، فَسقط عِنْده ابْن الْعم والعمة وَابْن الْخَال وَالْخَالَة، لأَنهم لَيْسُوا بمحرمين،والقرابة عِنْد الشَّافِعِي: كل ذِي رحم محرم وَغَيره، وَلم يسْقط عِنْده ابْن الْعم وَلَا غَيره، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : صحّح أَصْحَابه أَنه لَا يدْخل فِي الْقَرَابَة الْأُصُول وَالْفُرُوع وَيدخل كل قرَابَة وَإِن بعد. وَقَالَ مَالك: لَا يدْخل فِي ذَلِك ولد الْبَنَات وَقَوله: لقرابتي وعقبي،كَقَوْلِه: لوَلَدي،وَقَوله: وَلَدي،يدْخل فِيهِ: ولد الْبَنِينَ. وَمن يرجع إِلَى عصبَة الْأَب وصلبه، وَلَا يدْخل ولد الْبَنَات. وَحجَّة من أَدخل ولد الْبِنْت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن ابْني هَذَا سيد فِي الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا) . وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} (الحجرات: 31) . والتولد من جِهَة الْأُم كالتولد من جِهَة الْأَب،وَقد دلّ الْقُرْآن على ذَلِك قَالَ تَعَالَى: {وَمن ذُريَّته دَاوُد} إِلَى أَن قَالَ: {وَعِيسَى} (الْأَنْعَام: 48) . فَجعل عِيسَى من ذُريَّته وَهُوَ ابْن بنته، وَلم يفرق فِي الِاسْم بَين ابْنه وَبَين بنته. وَأجِيب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا سمى الْحسن ابْنا على وَجه التخنن، وَأَبوهُ فِي الْحَقِيقَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِلَيْهِ نسبه،وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَبَّاس: (أتركوا لي أبي) ، وَهُوَ عَمه وَإِن كَانَ الْأَب حَقِيقَة خِلَافه وَعِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، جرى عَلَيْهِ اسْم الذُّرِّيَّة على طَرِيق الاتساع.

    .........
    (14/52)
    وَقَالَ ابْن الْأَثِير: (المخرف) ، بِالْفَتْح يَقع على النّخل، وعَلى الرطب،وَقَالَ الْخطابِيّ: (المخراف) الثَّمَرَة سميت مخرافاً لما يجتني من ثمارها،كَمَا يُقَال: امْرَأَة مذكار. قَالَ: وَقد يَسْتَوِي هَذَا فِي نعت الذُّكُور وَالْإِنَاث،وَيُقَال: (المخراف) ، الشَّجَرَة وَهُوَ الصَّوَاب، وَتَكَلَّمُوا فِيهِ كثيرا، وَالْحَاصِل أَن المخراف هُنَا اسْم حَائِط سعد ابْن عبَادَة
    .........
    أَن ثَوَاب الصَّدَقَة عَن الْمَيِّت يصل إِلَى الْمَيِّت وينفعه. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ مُخَصص لعُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وَأَن لَيْسَ للانسان إلاَّ مَا سعى} (النَّجْم: 93) . قلت: يلْزمه أَن يَقُول أَيْضا بوصول ثَوَاب الْقِرَاءَة إِلَى الْمَيِّت.
    .........
    (14/53)
    وَقَالَ ابْن بطال: وَاتفقَ مَالك والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَأكْثر الْعلمَاء على: أَنه يجوز للصحيح أَن يتَصَدَّق بِكُل مَاله فِي صِحَّته، إلاَّ أَنهم استحبوا أَن يبقي لنَفسِهِ مِنْهُ مَا يعِيش بِهِ خوف الْحَاجة، وَمَا يَتَّقِي من الْآفَات مثل الْفقر وَغَيره، فَإِن آفَات الدُّنْيَا كَثِيرَة، وَرُبمَا يطول عمره وَيحصل لَهُ الْعَمى أَو الزمانة مَعَ الْفقر. لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أمسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك) ،ويروى: (أمسك عَلَيْك ثلث مَالك) ، فحض على الْأَفْضَل،وَقَالَ ابْن التِّين: وَمذهب مَالك أَنه يجوز إِذا كَانَ لَهُ صناعَة أَو حِرْفَة يعود بهَا على نَفسه وَعِيَاله، وإلاَّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِك، وَأما إِذا وقف بعض مَاله فَهُوَ وقف الْمشَاع، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَمَالك، لِأَن الْقَبْض لَيْسَ بِشَرْط عِنْدهم،عِنْد مُحَمَّد: لَا يجوز وقف الْمشَاع فِيمَا يقبل الْقِسْمَة، لِأَن الْقَبْض شَرط عِنْده، وَأما وقف بعض رَقِيقه فَإِن فِيهِ حكمين. أَحدهمَا: أَنه مشَاع، وَالْحكم فِيهِ مَا ذكرنَا. وَالْآخر: أَنه وقف الْمَنْقُول، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِيمَا يتعارف وَقفه للتعامل بهَا.
    .........
    (14/53 )
    أما مَذْهَب أبي حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يرى بِالْوَقْفِ أصلا، فضلا عَن صِحَة وقف الْمَنْقُول، وَأما مَذْهَب أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُمَا يريان وقف الْمَنْقُول بطرِيق التّبعِيَّة، كآلات الْحَرْث والثيران، وَعبيد الأكرة تبعا للضيعة كالبناء يَصح وَقفه تبعا للْأَرْض لَا وَحده، وَأما الْمَنْقُول بِغَيْر التّبعِيَّة كوقف الْقدر والفأس والطست وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد مُحَمَّد للتعارف
    ..........
    (14/55)
    قَالَ ابْن الْمُنْذر: أما الْعتْق عَن الْمَيِّت فَلَا أعلم فِيهِ خَبرا ثَبت عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ثَبت عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا أعتقت عبدا عَن أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن، وَكَانَ مَاتَ وَلم يوص، وَأَجَازَ ذَلِك الشَّافِعِي،قَالَ بعض أَصْحَابه: لما جَازَ أَن يتَطَوَّع
    النَّفَقَةِ، وَهِي مَال، فَكَذَا الْعتْق. وَفرق غَيره بَينهمَا،فَقَالَ: إِنَّمَا أجزناها للْأَخْبَار الثَّابِتَة، وَالْعِتْق لَا خير فِيهِ
    ..........
    (14/58)
    قَالَه ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَالْحسن وَالسُّديّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان. قَوْله: {حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} (النِّسَاء: 31) . قَالَ مُجَاهِد،يَعْنِي: الْحلم،وَقَالَ الْجُمْهُور من الْعلمَاء: الْبلُوغ فِي الْغُلَام تَارَة يكون بالحلم، وَهُوَ أَن يرى فِي مَنَامه مَا ينزل بِهِ المَاء الدافق الَّذِي يكون مِنْهُ الْوَلَد، وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،قَالَ: حفظت من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتم بعد احْتِلَام وَلَا صمَات يَوْم إِلَى اللَّيْل أَو يستكمل خمس عشرَة سنة،وَأخذُوا ذَلِك من حَدِيث عبد الله بن عمر: عرضت على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَأَنا ابْن أَربع عشرَة، فَلم يجزني، وَعرضت عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق، وَأَنا ابْن خمس عشرَة فأجازني.
    من كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} (النِّسَاء: 21 31) . بِقدر قِيَامه عَلَيْهِ،وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب حَدثنَا حُسَيْن عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،فَقَالَ: لَيْسَ لي مَال ولي يَتِيم. (فَقَالَ: كل من مَال يَتِيمك غير مُسْرِف وَلَا مبذر وَلَا متأثل مَالا، وَمن غير أَن تَقِيّ مَالك،أَو قَالَ: تفدي مَالك) ، وَفِي كَيْفيَّة الْأكل بِالْمَعْرُوفِ أَن يَأْكُل بأطراف أَصَابِعه وَلَا يسرف وَلَا يلبس من ذَلِك، قَالَه السّديّ. وَقَالَ النَّخعِيّ: لَا يلبس الْكَتَّان وَلَا الْحلَل وَلَكِن مَا يستر الْعَوْرَة وَيَأْكُل مَا يسد الجوعة. وَقيل: هُوَ أَن يَأْكُل من ثَمَر نخله وَلبن مواشيه، وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، فَأَما الذَّهَب وَالْفِضَّة فَلَا، فَإِن أَخذ مِنْهُ شَيْئا فَلَا بُد أَن يردهُ عَلَيْهِ، قَالَه الْحسن وَجَمَاعَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِن كَانَ غَنِيا فَأَجره على الله، وَإِن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ وَينزل نَفسه منزلَة الْأَجِير فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ، وَقَالَ عمر بن الْخطاب،رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نزلت نَفسِي من مَال الله تَعَالَى بِمَنْزِلَة
    مَال الْيَتِيم، فَإِن اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت، وَإِن افْتَقَرت أكلت بِالْمَعْرُوفِ، وَإِذا إيسرت قضيت. وَقَالَ الْفُقَهَاء: لَهُ أَن يَأْكُل أقل الْأَمريْنِ أُجْرَة مثله، أَو قدر حَاجته. وَاخْتلفُوا: هَل يرد إِذا أيسر؟ على قَوْلَيْنِ،عِنْد الشَّافِعِيَّة: أَحدهمَا: لَا، لِأَنَّهُ أكل بِأُجْرَة عمله، وَكَانَ فَقِيرا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْدهم، لِأَن الْآيَة أَبَاحَتْ الْأكل من غير بدل،وَقَالَ ابْن وهب: حَدثنِي نَافِع بن أبي نعيم الْقَارِي: قَالَ: سَأَلت يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَرَبِيعَة عَن قَول الله تَعَالَى: {وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} (النِّسَاء: 6) . قَالَا: ذَلِك فِي الْيَتِيم إِن كَانَ فَقِيرا أنْفق عَلَيْهِ بِقدر فقره، وَلم يكن للْوَلِيّ مِنْهُ شَيْء، وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ أَن هَذِه الْآيَة محكمَة،وَقيل: مَنْسُوخَة بقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} (الْبَقَرَة: 881) . وَلَا يَصح ذَلِك،قلت: الْقَائِل بِأَنَّهَا مَنْسُوخَة زيد بن أسلم. قَوْله: {فأشهدوا عَلَيْهِم} (النِّسَاء: 6) . يَعْنِي: بعد بلوغهم الْحلم وإيناس الرشد، وَالْإِشْهَاد من بَاب النّدب خوف الْإِنْكَار مِنْهُم،وَقيل: إِن الْإِشْهَاد من بَاب النّدب خوف الْإِنْكَار مِنْهُم،وَقيل: إِن الْإِشْهَاد مَنْسُوخ بقوله: {وَكفى بِاللَّه حسيباً} (النِّسَاء: 6) .
    ........
    (14/61 )
    ذكر أَبُو عبد الله الرَّازِيّ أَنْوَاع السحر ثَمَانِيَة. الأول: سحر الْكَذَّابين والكشدانيين الَّذين كَانُوا يعْبدُونَ الْكَوَاكِب السَّبْعَة الْمُتَحَيِّرَة ، وَهِي السيارة، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُدبرَة للْعَالم، وَأَنَّهَا تَأتي بِالْخَيرِ وَالشَّر، وهم الَّذين بعث الله إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبْطلًا لمقالتهم، وردا لمذاهبهم. الثَّانِي: سحر أَصْحَاب الأوهام والنفوس القوية. الثَّالِث: الِاسْتِعَانَة بالأرواح الأرضية وهم الْجِنّ، خلافًا للفلاسفة والمعتزلة،وهم على قسمَيْنِ: مُؤمنُونَ وكفار، وهم الشَّيَاطِين، وَهَذَا النَّوْع يحصل بأعمال من الرقي والدخن، وَهَذَا النَّوْع الْمُسَمّى بالعزائم وَعمل تسخير. الرَّابِع: التخيلات وَالْأَخْذ بالعيون والشعبذة،وَقد قَالَ بعض الْمُفَسّرين: إِن سحر السَّحَرَة بَين يَدي فِرْعَوْن إِنَّمَا كَانَ من بَاب الشعبذة. الْخَامِس: الْأَعْمَال العجيبة الَّتِي تظهر من تركيب الْآلَات المركبة. السَّادِس: الِاسْتِعَانَة بخواص الْأَدْوِيَة،يَعْنِي: فِي الْأَطْعِمَة والدهانات. السَّابِع: تعلق الْقلب، وَهُوَ أَن يدعى السَّاحر أَنه عرف الإسم الْأَعْظَم، وَأَن الْجِنّ يطيعونه وينقادون لَهُ فِي أَكثر الْأُمُور. الثَّامِن: من السحر: السَّعْي بالنميمة بالتصريف من وُجُوه خُفْيَة لَطِيفَة، وَذَلِكَ شَائِع فِي النَّاس، وَإِنَّمَا أَدخل كثير من هَذِه الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة فِي فن السحر للطافة مداركها، لِأَن السحر فِي اللُّغَة عبارَة عَمَّا لطف وخفي سَببه،وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث: (إِن من الْبَيَان لسحراً) . وَسمي السّحُور لكَونه يَقع خفِيا آخر اللَّيْل، وَالسحر الرية، وَهِي مَحل الْغَدَاء، وَسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إِلَى أَجزَاء
    ........
    (14/62)
    قَالَ الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام: إِذا أردْت معرفَة الْفرق بَين الصَّغِيرَة والكبيرة فاعرض مفْسدَة الذَّنب على مفاسد الْكَبَائِر الْمَنْصُوص عَلَيْهَا، فَإِذا نقصت عَن أقل مفاسد الْكَبَائِر فَهِيَ من الصَّغَائِر، وَإِن ساوت أدنى مفاسد الْكَبَائِر أَو أربت عَلَيْهِ فَهِيَ من الْكَبَائِر، فَمن شتم الرب، عز وَجل، أَو رَسُوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو استهان بالرسل أَو كذب وَاحِدًا مِنْهُم أَو ضمح الْكَعْبَة المشرفة بالعذرة أَو ألْقى الْمُصحف فِي القاذورات فَهِيَ من أكبر الْكَبَائِر، وَلم يُصَرح الشَّرْع بذكرها،وَقَالَ بَعضهم: كل ذَنْب قرن بِهِ وَبِه لأعيد أَو حد أَو لعن فَهُوَ كَبِيرَة، وَرُوِيَ هَذَا عَن الْحسن أَيْضا،وَقيل: الْكَبِيرَة مَا يشْعر بتهاون مرتكبها فِي دينه. وَعَن ابْن مَسْعُود،رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: الْكَبَائِر جَمِيع مَا نهى الله عَنهُ من أول سُورَة النِّسَاء إِلَى قَوْله: {إِن تجتنبوا كباشر مَا تنهون عَنهُ} (النِّسَاء . وَعَن ابْن عَبَّاس: كل مَا نهى الله عَنهُ فَهِيَ كَبِيرَة، وَبِه قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني وَغَيره،وَعَن عِيَاض: هَذَا مَذْهَب الْمُحَقِّقين، لِأَن كل مُخَالفَة فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلال الله تَعَالَى كَبِيرَة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَمَا أَظُنهُ صَحِيحا عَنهُ،أَي: عَن ابْن عَبَّاس،يَعْنِي: عدم التَّفْرِقَة بَين الصَّغِيرَة والكبيرة،فَإِنَّهُ قد فرق بَينهمَا فِي قَوْله: {أَن تجتنبوا كَبَائِر} (النِّسَاء: 13) . {وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إلاَّ اللمم} (النَّجْم: 23) . فَجعل من المنهيات كَبَائِر وصغائر، وَفرق بَينهمَا فِي الحكم لما جعل تَكْفِير السَّيِّئَات فِي الْآيَة، مَشْرُوطًا باجتناب الْكَبَائِر، وَاسْتثنى اللمم من الْكَبَائِر وَالْفَوَاحِش، فَكيف يخفي مثل هَذَا الْفرق على حَبر الْقُرْآن؟ فَالرِّوَايَة عَنهُ لَا تصح،أَو: هِيَ ضَعِيفَة، وَالْمَشْهُور انقسام الْمعاصِي إِلَى صغائر وكبائر، وَادّعى بَعضهم أَنَّهَا كلهَا كَبَائِر
    ........
    (14/63)
    إِن السحر لَهُ حَقِيقَة، وَذكر الْوَزير أَبُو المظفر يحيى بن مُحَمَّد بن هُبَيْرَة فِي كِتَابه (الْأَشْرَاف على مَذَاهِب الْأَشْرَاف) : أَجمعُوا على أَن السحر لَهُ حَقِيقَة إلاَّ أَبَا حنيفَة. فَإِنَّهُ قَالَ: لَا حَقِيقَة لَهُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَعِنْدنَا أَن السحر حق، وَله حَقِيقَة يخلق الله تَعَالَى عِنْده مَا شَاءَ، خلافًا للمعتزلة وَأبي إِسْحَاق الإسفرايني من الشَّافِعِيَّة،حَيْثُ قَالُوا: إِنَّه تمويه وتخيل. قَالَ: وَمن السحر
    مَا يكون بخفة الْيَد كالشعوذة، والشعوذي الْبَرِيد لخفة سيره، وَقَالَ ابْن فَارس: وَلَيْسَت هَذِه الْكَلِمَة من كَلَام أهل الْبَادِيَة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَمِنْه مَا يكون كلَاما يحفظ، ورقى من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقد يكون من عهود الشَّيَاطِين، وَيكون أدوية وأدخنة وَغير ذَلِك. وَقَالَ الرَّازِيّ فِي (تَفْسِيره) عَن الْمُعْتَزلَة: إِنَّهُم أَنْكَرُوا وجود السحر. قَالَ: وَرُبمَا كفَّروا من اعْتقد وجوده. قَالَ: وَأما أهل السّنة فقد جوزوا أَن يقدر السَّاحر أَن يطير فِي الْهَوَاء، وَأَن يقلب الْإِنْسَان حمارا وَالْحمار إنْسَانا، إلاَّ أَنهم قَالُوا: إِن الله يخلق الْأَشْيَاء عِنْدَمَا يَقُول السَّاحر تِلْكَ الرقى والكلمات الْمعينَة، فَأَما أَن يكون الْمُؤثر فِي ذَلِك هُوَ الْفلك والنجوم، فَلَا خلافًا للفلاسفة والمنجمين والصابئة. ثمَّ اسْتدلَّ على وُقُوع السحر، وَأَنه بِخلق الله بقوله تَعَالَى: {وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إلاَّ بِإِذن الله} (الْبَقَرَة: 201) . وَمن الْأَخْبَار أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سحر، وَأَن السحر عمل فِيهِ.


    .........
    (14/63)
    هَل يجوز تعلم السحر أم لَا؟فَقَالَ الرَّازِيّ: إِن الْعلم بِالسحرِ لَيْسَ بقبيح وَلَا مَحْظُور، اتّفق الْمُحَقِّقُونَ على ذَلِك، فَإِن الْعلم لذاته شرِيف، وَلِأَنَّهُ لَو لم يعلم مَا أمكن الْفرق بَينه وَبَين المعجزة، وَالْعلم بِكَوْن المعجز معجزاً وَاجِب، وَمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب فَهُوَ وَاجِب، فَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون تَحْصِيل الْعلم بِالسحرِ وَاجِبا،كَيفَ: يكون حَرَامًا وقبيحاً، هَذَا لَفظه بِحُرُوفِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَفِيه نظر من وُجُوه. الأول: قَوْله: الْعلم بِالسحرِ لَيْسَ بقبيح، إِن عَنى بِهِ لَيْسَ بقبيح عقلا فمخالفوه من الْمُعْتَزلَة يمْنَعُونَ ذَلِك،وَإِن عَنى لَيْسَ بقبيح شرعا فَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين ... } (الْبَقَرَة: 201) . الْآيَة تبشيع لتعلم السحر. وَفِي (الصَّحِيح) : (من أَتَى عرافاً أَو كَاهِنًا فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَفِي السّنَن: (من عقد عقدَة وَنَفث فِيهَا فقد سحر) . الثَّانِي: قَوْله: وَلَا مَحْظُورًا، اتّفق الْمُحَقِّقُونَ على ذَلِك، وَكَيف لَا يكون مَحْظُورًا مَعَ مَا ذكرنَا من الْآيَة والْحَدِيث، والمحققون هم عُلَمَاء الشَّرِيعَة، وَأَيْنَ نصوصهم على ذَلِك؟الثَّالِث: قَوْله: وَلِأَنَّهُ لَو لم يعلم ... إِلَى آخِره، كَلَام فَاسد،لِأَن أعظم معجزات رَسُولنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْقرَان الْعَظِيم،الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه: {تَنْزِيل من حَكِيم حميد} (فصلت: 24) . الرَّابِع: قَوْله: وَالْعلم بِكَوْنِهِ معجزاً، وَهَذَا الْعلم لَا يتَوَقَّف على علم السحر أصلا، ثمَّ من الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمُسلمين وعامتهم كَانُوا يعلمُونَ المعجز ويفرقون بَينه وَبَين غَيره، وَلم يَكُونُوا يعلمُونَ السحر وَلَا تعلموه وَلَا علموه، وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء أَن تعلم السحر وتعليمه من الْكَبَائِر. وَفِي (التَّلْوِيح) : وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: تعلمه لَيْسَ بِحرَام، بل يجوز ليعرف وَيرد على فَاعله ويميز عَن الْكَرَامَة للأولياء. قلت: الظَّاهِر أَن مُرَاده من بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي الرَّازِيّ، وَقد ردينا عَلَيْهِ، وَمِنْهُم الْغَزالِيّ.
    .........
    (14/64)
    خْتلفُوا فِيمَن يتَعَلَّم السحر ويستعمله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يكفر بذلك،وَعَن بعض الْحَنَفِيَّة: إِن تعلمه ليتقيه أَو ليجتنبه فَلَا يكفر، وَمن تعلمه مُعْتَقدًا جَوَازه أَو أَن يَنْفَعهُ، كفر وَكَذَا من اعْتقد أَن الشَّيَاطِين تفعل لَهُ مَا يَشَاء فَهُوَ كَافِر. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا تعلم السحر،قُلْنَا لَهُ: صف لنا سحرك، فَإِن وصف مَا يُوجب الْكفْر مثل مَا اعتقده أهل بابل من التَّقَرُّب إِلَى الْكَوَاكِب السَّبْعَة، وَأَنَّهَا تفعل مَا يلْتَمس مِنْهَا، فَهُوَ كَافِر، وَإِن كَانَ لَا يُوجب الْكفْر فَإِن اعْتقد إِبَاحَته فَهُوَ كَافِر.

    ......
    (14/64)
    هل يسْأَل السَّاحر حل سحره؟ فَأَجَازَهُ سعيد بن الْمسيب فِيمَا نَقله عَنهُ البُخَارِيّ،وَقَالَ عَامر الشّعبِيّ: لَا بَأْس بالنشرة، وَكره ذَلِك الْحسن الْبَصْرِيّ. وَفِي (الصَّحِيح) عَن عَائِشَة،قَالَت: يَا رَسُول الله! هلا تنشرت؟فَقَالَ: الله فقد شفاني وخشيت أَن أفتح على النَّاس شرا. وَحكى الْقُرْطُبِيّ عَن وهب،قَالَ: يُؤْخَذ سبع وَرَقَات من سدر فتدق بَين حجرين ثمَّ يضْرب بِالْمَاءِ، وَيقْرَأ عَلَيْهَا آيَة الْكُرْسِيّ، وَيشْرب مِنْهَا المسحور ثَلَاث حسوات، ثمَّ يغْتَسل بباقيه، فَإِنَّهُ يذهب مَا بِهِ، وَهُوَ جيد للرجل الَّذِي يُؤْخَذ عَن امْرَأَته. قلت: النشرة،بِضَم النُّون: ضرب من الرّقية، والعلاج يعالج بِهِ من كَانَ يظنّ أَن بِهِ مساس الْجِنّ، سميت نشرة لِأَنَّهُ ينشر بهَا عَنهُ مَا خامره من الدَّاء،أَي: يكْشف ويزال.

    ............
    (14/71)
    وجعَلَ ابنُ عُمَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِ عُمَرَ سُكْنَى لِذَوِي الحَاجَةِ مِنْ آلِ عَبْدِ الله
    أَي: جعل عبد الله بن عمر الَّذِي خصّه من دَار عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سُكْنى لِذَوي الْحَاجة من آل عبد الله بن عمر،يَعْنِي: من كَانَ مُحْتَاجا إِلَى السُّكْنَى من أَهله يسكن فِيمَا خصّه من دَار عمر الَّتِي تصدق بهَا وَقَالَ: لَا تبَاع، وَلَا توهب، كَذَا ذكره ابْن سعد.
    ...........
    (14/73)
    وروى الْبَغَوِيّ فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) من طَرِيق بشر بن بشير الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه،قَالَ: لما قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة استنكروا المَاء،وَكَانَت لرجل من بني غفار عين يُقَال لَهَا: رومة، وَكَانَ يَبِيع مِنْهَا الْقرْبَة بِمد،فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تبيعنيها بِعَين فِي الْجنَّة؟) فَقَالَ: يَا رَسُول الله! لَيْسَ لي وَلَا لِعِيَالِي غَيرهَا، فَبلغ ذَلِك عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فاشتراها بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم، ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَقَالَ: أَتجْعَلُ لي مَا جعلته لَهُ؟) قَالَ: نعم. قَالَ: قد جَعلتهَا للْمُسلمين. انْتهى. وَإِذا كَانَت عينا فَلَا مَانع أَن يحْفر فِيهَا عُثْمَان بِئْرا، وَيحْتَمل أَن الْعين الْمَذْكُورَة كَانَت تجْرِي إِلَى بِئْر فوسعها عُثْمَان أَو طواها، فنسب حفرهَا إِلَيْهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: رومة،بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو: كَانَ ركية ليهودي يَبِيع الْمُسلمين ماءها، فاشتراها مِنْهُ عُثْمَان بِعشْرين ألف دِرْهَم،وَذكر الْكَلْبِيّ: أَنه كَانَ يَشْتَرِي مِنْهَا قربَة بدرهم قبل أَن يَشْتَرِيهَا عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فصدقوه بِمَا قَالَ) أَي: بِالَّذِي قَالَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،

  3. #263
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : السبت
    الموافق : 4 / جمادى أول / 1442 هجري
    الموافق : 19/ ديسمبر /2020 ميلادي

    تابع / كتاب " عمدة القاري " لبدر الدين العني رحمه الله


    (14/86)
    قَالَ يُونُس بن عبد الْأَعْلَى: قَالَ لنا وهب: أم حرَام إِحْدَى خالات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة،قَالَ أَبُو عمر: فَأَي ذَلِك كَانَ فَأم حرم محرم مِنْهُ. وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ غَيره: إِنَّمَا كَانَت خَالَة لِأَبِيهِ أَو لجده، وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض الْعلمَاء أَن هَذَا مَخْصُوص بسيدنا رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يحمل دُخُوله عَلَيْهَا: أَنه كَانَ قبل الْحجاب،إلاَّ أَن قَوْله: تفلي رَأسه، يضعف هَذَا. وَزعم ابْن الْجَوْزِيّ أَنه سمع بعض الْحفاظ يَقُول: كَانَت أم سليم أُخْت آمِنَة من الرضَاعَة وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على الْخلْوَة بهَا، فَلَعَلَّ ذَاك كَانَ مَعَ ولد أَو خَادِم أَو زوج أَو تَابع، وَالْعَادَة تَقْتَضِي المخالطة بَين المخدوم وَأهل الْخَادِم، سِيمَا إِذا كنَّ مسنَّات، مَعَ مَا ثَبت لَهُ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعِصْمَة، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قبل الْحجاب، لِأَنَّهُ كَانَ فِي سنة خمس، وَقتل أَخِيهَا حرَام الَّذِي كَانَ رَحمهَا لأَجله كَانَ سنة أَربع. وَقَالَ أَبُو عمر: حرَام ابْن ملْحَان قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة، قَتله عَامر بن الطُّفَيْل
    .........
    (14/86)
    كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد منع الْمُسلمين من الْغَزْو فِي الْبَحْر شَفَقَة عَلَيْهِم، واستأذنه مُعَاوِيَة فِي ذَلِك فَلم يَأْذَن لَهُ، فَلَمَّا ولي عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، استأذنه فَأذن لَهُ. وَقَالَ: لَا تكره أحدا، من غزاه طَائِعا فاحمله، فَسَار فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو ذَر وَعبادَة بن الصَّامِت وَمَعَهُ زَوجته أم حرَام بنت ملْحَان وَشَدَّاد بن أَوْس وَأَبُو الدَّرْدَاء فِي آخَرين، وَهُوَ أول من غزا الجزائر فِي الْبَحْر، وَصَالَحَهُ أهل قبرس على مَال، وَالأَصَح أَنَّهَا فتحت عنْوَة، وَلما أَرَادوا الْخُرُوج مِنْهَا قدمت لأم حرَام بغلة لتركبها فَسَقَطت عَنْهَا، فَمَاتَتْ. هُنَالك، فقبرها هُنَالك يعظمونه ويستسقون بِهِ،وَيَقُولُونَ: قبر الْمَرْأَة الصَّالِحَة.
    ............
    (14/92)
    قَالَ مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ عنْ أبِيهِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمانِ
    أَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَن مُحَمَّد بن فليح روى هَذَا الحَدِيث عَن أَبِيه فليح بِإِسْنَادِهِ هَذَا، فَلم يشك كَمَا شكّ يحيى بن صَالح،بقوله: أرَاهُ فَوْقه عرش الرَّحْمَن، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن فليح عَن أَبِيه،وَقَالَ الجياني فِي نُسْخَة أبي الْحسن الْقَابِسِيّ: قَالَ البُخَارِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن فليح وَهُوَ وهم لِأَن البُخَارِيّ لم يدْرك مُحَمَّدًا هَذَا إِنَّمَا يروي عَن أبي الْمُنْذر وَمُحَمّد بن بشار عَنهُ،وَالصَّوَاب: قَالَ مُحَمَّد بن فليح مُعَلّق كَمَا روته الْجَمَاعَة
    ...........
    (14/97)
    {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله} (النِّسَاء: 001) . قَالَ: كَانَ رجل من خُزَاعَة يُقَال لَهُ ضَمرَة بن الْعيص بن ضَمرَة بن زنباع الْخُزَاعِيّ، لما أمروا بِالْهِجْرَةِ، وَكَانَ مَرِيضا، فَأمر أَهله أَن يفرشوا لَهُ على سَرِير ويحملوه إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،قَالَ: فَفَعَلُوا، فَأَتَاهُ الْمَوْت وَهُوَ بِالتَّنْعِيمِ، فَنزلت هَذِه الْآيَة. وَقد قيل فِي ضَمرَة هَذَا: أَبُو ضَمرَة بن الْعيص،قَالَ أَبُو عمر: وَالصَّحِيح أَنه ضَمرَة لَا أَبُو ضَمرَة،روينَا عَن زيد بن حَكِيم عَن الحكم بن أبان قَالَ: سَمِعت عِكْرِمَة يَقُول: اسْم الَّذِي خرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ضَمرَة بن الْعيص،قَالَ عِكْرِمَة: طلبت اسْمه أَربع عشرَة سنة حَتَّى وقفت عَلَيْهِ. فَإِن قلت: مَا الْمُنَاسبَة بَين التَّرْجَمَة وَالْآيَة؟قلت: يُدْرِكهُ الْمَوْت، أَعم من أَن يكون بقتل، أَو وُقُوع من دَابَّته أَو غير ذَلِك
    .........
    (14/112)
    وَقَالَ الطَّيِّبِيّ،قَوْله: (أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر) ،أَي: يخلق لأرواحهم بَعْدَمَا فَارَقت أبدانهم هياكل على تِلْكَ الْهَيْئَة تتَعَلَّق بهَا وَتَكون خلفا عَن أبدانهم، فيتوسلون بهَا إِلَى نيل مَا يشتهون من اللَّذَّات الحسية. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَاخْتلفُوا فِيهِ،فَقيل: لَيست للأقيسة والعقول فِي هَذَا حكم، فَإِذا أَرَادَ الله أَن يَجْعَل الرّوح، إِذا خرجت من الْمُؤمن أَو الشَّهِيد، فِي قناديل أَو جَوف طير أَو حَيْثُ شَاءَ كَانَ ذَلِك، وَوَقع وَلم يبعد، لَا سِيمَا على القَوْل بِأَن الْأَرْوَاح أجساد فَغير مُسْتَحِيل أَن يصور جُزْء من الْإِنْسَان طائراً، أَو يَجْعَل فِي جَوف طَائِر فِي قناديل تَحت الْعَرْش. وَقد اخْتلفُوا فِي الرّوح. فَقَالَ كثير من أَرْبَاب علم الْمعَانِي وَعلم الْبَاطِن والمتكلمين: لَا نَعْرِف حَقِيقَته وَلَا يَصح وَصفه. وَهُوَ مَا جهل الْعباد بِعِلْمِهِ،وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى: {قل الرّوح من أَمر رَبِّي} (الْإِسْرَاء: 58) . وَقَالَ كَثِيرُونَ من شُيُوخنَا: هُوَ الْحَيَاة،وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ أجسام لَطِيفَة مشاكلة للجسم يحيى بحياته، أجْرى الله الْعَادة بِمَوْت الْجِسْم عِنْد فِرَاقه، وَلِهَذَا وصف بِالْخرُوجِ وَالْقَبْض وبلوغ الْحُلْقُوم،قَالَ الشَّيْخ: هَذَا هُوَ الْمُخْتَار، وَقد تعلق بِهَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله بعض القائلي بالتناسخ وانتقال الْأَرْوَاح وتنعيمها فِي الصُّور الحسان المرفهة وتعذيبها فِي الصُّور القبيحة المسخرة، وَزَعَمُوا أَن هَذَا هُوَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب، وَهَذَا بَاطِل مَرْدُود لإبطاله مَا جَاءَت الشَّرَائِع من إِثْبَات الْحَشْر والنشر وَالْجنَّة وَالنَّار.
    ..........
    (14/116)
    أَن من قَالَ: إِن شَاءَ الله، وتبرأ من مَشِيئَته وَلم يُعْط الْحَظ لنَفسِهِ فِي أَعماله، فَهُوَ حري أَن يبلغ أمله، وَيُعْطى أمْنِيته، وَلَيْسَ كل من قَالَ قولا وَلم يسْتَثْن فِيهِ الْمَشِيئَة بِوَاجِب أَن لَا يبلغ أمله، بل مِنْهُم من شَاءَ الله بإتمام أمله، وَمِنْهُم من يَشَاء أَن لَا يتمه، بِمَا سبق فِي علمه، لَكِن هَذِه الَّتِي أخبر عَنْهَا سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا مِمَّا لَو اسْتثْنى لتم أمله، فَدلَّ هَذَا على أَن الأقدار فِي علم الله، عز وَجل، على ضروب، فقد يقدر للْإنْسَان الرزق وَالْولد والمنزلة إِن فعل كَذَا، أَو قَالَ أَو دَعَا، فَإِن لم يفعل وَلَا قَالَ لم يقدر ذَلِك الشَّيْء. وأصل هَذَا فِي قصَّة يُونُس، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فلولا أَنه كَانَ من المسبحين للبث فِي بَطْنه، فَبَان بِهَذَا أَن تسبيحه كَانَ سَبَب خُرُوجه من بطن الْحُوت، وَلَو لم يسبح مَا خرج مِنْهُ.
    .......
    (14/117)
    قَالَ حكماء الْإِسْلَام: للْإنْسَان قوًى ثَلَاث: الْعَقْلِيَّة والغضبية والشهوية، وَكَمَال الْقُوَّة الغضبية الشجَاعَة، وَكَمَال الْقُوَّة الشهوية الْجُود، وَكَمَال الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة الْحِكْمَة. وَالْأَحْسَن إِشَارَة إِلَيْهِ لِأَن حسن الصُّورَة تَابع لاعتدال المزاج، واعتدال المزاج تَابع لصفاة النَّفس الَّذِي بِهِ جودة القريحة، وَهَذِه الثَّلَاث هِيَ أُمَّهَات الْأَخْلَاق
    ........
    (4/118)
    م يروِ عَن عمر بن مُحَمَّد بن جُبَير غير الزُّهْرِيّ، وَقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَفِيه رد على من زعم أَن شَرط البُخَارِيّ أَن لَا يروي الحَدِيث الَّذِي يُخرجهُ أقل من اثْنَيْنِ، عَن أقل من اثنني، فَإِن هَذَا الحَدِيث مَا رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن جُبَير غير وَلَده، ثمَّ مَا رَوَاهُ عَن عمر غير الزُّهْرِيّ، هَذَا مَعَ تفرد الزُّهْرِيّ بالرواية عَن عمر مُطلقًا.
    ............
    من جَوَامِع الْكَلم إِذْ أصُول الْأَخْلَاق: الْحِكْمَة وَالْكَرم والشجاعة، وَأَشَارَ بِعَدَمِ الْكَذِب إِلَى كَمَال الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة،أَي: الْحِكْمَة وبعدم الْجُبْن إِلَى كَمَال الْقُوَّة الغضبية أَي: الشجَاعَة وبعدم الْبُخْل إِلَى كَمَال الْقُوَّة الشهوية أَي: الْجُود، وَهَذِه الثَّلَاث هِيَ أُمَّهَات فواضل الْأَخْلَاق، وَالْأول هُوَ مرتبَة الصديقين، وَالثَّانِي هُوَ مرتبَة الشُّهَدَاء، وَالثَّالِث هُوَ مرتبَة الصَّالِحين أللهم اجْعَلْنَا مِنْهُم.
    قلت : اللهم آمين .
    ............
    (14/132)
    وَقَالَ الطَّبَرِيّ والسهيلي: أول من حفر الْخَنَادِق منوجهر بن أيرج، وَكَانَ فِي زمن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
    .........
    (14/140)
    الْيَمَامَة،بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم: وَهِي مَدِينَة من الْيَمين على مرحلَتَيْنِ من الطَّائِف، سميت باسم جَارِيَة زرقاء كَانَت تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْيَمَامَة بِلَاد،وَكَانَ اسْمهَا: الجو، فسميت باسم هَذِه الْمَرْأَة لِكَثْرَة مَا أضيف إِلَيْهَا. أَو ذكر الجاحظ أَن الْيَمَامَة كَانَت من بَنَات لُقْمَان بن عَاد، وَأَن اسْمهَا عنز، وَكَانَت زرقاء،وَقَالَ المَسْعُودِيّ: هِيَ يمامة بنت رَبَاح بن مرّة، وَيَوْم الْيَمَامَة هُوَ الْيَوْم الَّذِي كَانَت فِيهِ الْوَقْعَة بَين الْمُسلمين وَبَين بني حنيفَة أَصْحَاب مُسَيْلمَة الْكذَّاب، وَكَانَت فِي ربيع الأول من سنة اثْنَتَيْ عشرَة من الْهِجْرَة فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقيل: كَانَت فِي أَوَاخِر سنة إِحْدَى عشرَة،وَالْجمع بَين الْقَوْلَيْنِ: أَن ابتداءها كَانَ فِي السّنة الْحَادِيَة عشرَة وانتهاءها فِي السّنة الثَّانِيَة عشرَة، وَقتل فِيهَا جمَاعَة من الْمُسلمين وهم أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ من حَملَة الْقُرْآن وَمن الصَّحَابَة،مِنْهُم: ثَابت بن قيس ابْن شماس، وَكَانَت راية الْأَنْصَار مَعَ ثَابت هَذَا، وَكَانَ رَأس الْعَسْكَر خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ بَنو حنيفَة نَحوا من أَرْبَعِينَ ألفا والمسلمون نَحوا من
    وَقتل من بني حنيفَة نَحْو من إِحْدَى وَعشْرين ألفا، وَفِيهِمْ مُسَيْلمَة الْكذَّاب، قَتله وَحشِي بن حَرْب قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَمَاه بِحَرْبَة فأصابته وَخرجت من الْجَانِب الآخر، وسارع إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَة سماك بن حرثة فَضَربهُ بِالسَّيْفِ فَسقط.
    وَفِي كتاب (الرِّدَّة) لِلْوَاقِدِي بِإِسْنَادِهِ عَن بِلَال أَنه رأى سَالم مولى أبي حُذَيْفَة،وَهُوَ قافل إِلَى الْمَدِينَة من غَزْوَة الْيَمَامَة: أَن دِرْعِي مَعَ الرّفْقَة الَّذين مَعَهم الْفرس الأبلق تَحت قدرهم، فَإِذا أَصبَحت فَخذهَا وأدِّها إِلَى أَهلِي، وَإِن عَليّ شَيْئا من الدّين فمرهم أَن يقضوه عني، فَأخْبرت أَبَا بكر بذلك،فَقَالَ: نصدق قَوْلك ونقضي عَنهُ دينه الَّذِي ذكرته.
    ..........
    (14/144)
    وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَلَا أعلم رجلا جمع لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَوَيْهِ إلاَّ الزبير بن الْعَوام وَسعد بن أبي وَقاص،كَانَ يَقُول لَهُ: (إرم فدَاك أبي وَأمي) . وَإِنَّمَا كَانَ يَقُول لغَيْرِهِمَا: (إرم فدَاك أبي، أَو فدتك أُمِّي) ، وَهِي كلمة تقال للتبجيل لَيْسَ على الدُّعَاء وَلَا على الْخَبَر،
    .........
    (14/145)
    وَقَالَ ابْن بطال: زعم بعض الْمُعْتَزلَة أَن بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزبير وَحده معَارض لقَوْله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الرَّاكِب شَيْطَان) ، وَنهى أَيْضا عَن أَن يُسَافر الرجل وَحده،قَالَ الْمُهلب: وَلَيْسَ بَينهمَا تعَارض لاخْتِلَاف الْمَعْنى فِي الْحَدِيثين، وَهُوَ أَن الَّذِي يُسَافر وَحده لَا يأنس بِأحد وَلَا يقطع طَرِيقه بمحدث يهون عَلَيْهِ مؤونة السّفر، كالشيطان الَّذِي لَا يأنس بِأحد وَيطْلب الْوحدَة ليغويه. وَأما سفر الزبير فَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ كَانَ كالجاسوس يتجسس على قُرَيْش مَا يُرِيدُونَ من حَرْب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يُنَاسِبه إلاَّ الْوحدَة، على أَنه خرج فِي مثل هَذَا الْأَمر الخطير لحماية الدّين وَإِظْهَار طَاعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يزل، كَانَ عَلَيْهِ حفظ من الله تَعَالَى ببركة دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَيْنَ هَذَا من ذَلِك؟ أَلا يرى أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما بلغه أَن سَعْدا بنى قصراً أرسل شخصا وَحده ليهدمه؟ وَذكر ابْن أبي عَاصِم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل عبد الله بن أنس سَرِيَّة وَحده؟ وَبعث عَمْرو بن أُميَّة وَحده عينا؟وَذكر ابْن سعد: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل سَالم بن عُمَيْر سَرِيَّة وَحده، وَحمل الطَّبَرِيّ الحَدِيث على جَوَاز السّفر للرجل الْوَاحِد إِذا كَانَ لَا يهوله هول، وإلاَّ فَمَمْنُوع من السّفر وَحده خشيَة على عقله أَو يَمُوت فَلَا يدْرِي خَبره أحد وَلَا يشهده، كَمَا قَالَ عمر،رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَرَأَيْتُم إِذا سَافر وَحده فَمَاتَ، من أسأَل عَنهُ؟قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي عَن السّفر وَحده نهي تَأْدِيب وإرشاد إِلَى مَا هُوَ الأولى. وَقَالَ ابْن التِّين: وَحمله الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد على السّفر الَّذِي يقصر فِيهِ الصَّلَاة.
    .......
    إِن كَانَ الشوم فَفِي ثَلَاث: فِي الْفرس الحَدِيث. قلت: الشؤم فِي الْفرس الَّذِي يرتبط لغير الْجِهَاد ويقتنى للفخر وَالْخُيَلَاء، وَالْخَيْل الَّتِي أعدت للْجِهَاد هِيَ الْمَخْصُوصَة بِالْخَيرِ وَالْبركَة.
    ..........
    (14/146)
    انَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فرسا، كل وَاحِد مِنْهَا كَانَ مُسَمّى باسم مَخْصُوص معِين،مثل: السكب والمرتجز واللحيف،وَكَانَ لَهُ حمَار يُسمى: يَعْفُور، وَغَيره،وَكَانَ لَهُ بغلة تسمى: دُلْدُل،وَكَانَت لَهُ لقاح تسمى: الْحِنَّاء والسمراء وَغَيره ذَلِك ... وَكَانَت لَهُ نَاقَة تسمى: القصوى،وَالْأُخْرَى: العضباء، وَغَيرهمَا. . وَكَانَت لَهُ غنم مِنْهَا سَبْعَة أعنز كل وَاحِدَة مِنْهَا مُسَمَّاة باسم،وشَاة تدعى: عيثة.
    .........
    انَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فرسا، كل وَاحِد مِنْهَا كَانَ مُسَمّى باسم مَخْصُوص معِين،مثل: السكب والمرتجز واللحيف،وَكَانَ لَهُ حمَار يُسمى: يَعْفُور، وَغَيره،وَكَانَ لَهُ بغلة تسمى: دُلْدُل،وَكَانَت لَهُ لقاح تسمى: الْحِنَّاء والسمراء وَغَيره ذَلِك ... وَكَانَت لَهُ نَاقَة تسمى: القصوى،وَالْأُخْرَى: العضباء، وَغَيرهمَا. . وَكَانَت لَهُ غنم مِنْهَا سَبْعَة أعنز كل وَاحِدَة مِنْهَا مُسَمَّاة باسم،وشَاة تدعى: عيثة.
    ...........
    وَوَقع فِي (السِّيرَة) لِابْنِ هِشَام: أَن اسْم فرس أبي قَتَادَة الحزوة،
    (فَركب فرسا لَهُ يُقَال لَهُ: الجرادة) ، بِفَتْح الْجِيم وَتَخْفِيف الرَّاء، وَوَقع فِي (السِّيرَة) لِابْنِ هِشَام: أَن اسْم فرس أبي قَتَادَة الحزوة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي بعْدهَا وَاو،وَقَالَ بَعضهم: إِمَّا أَن يكون لَهَا إسمان، وَإِمَّا أَن أَحدهمَا تَصْحِيف، وَالَّذِي فِي (الصَّحِيح) هُوَ الْمُعْتَمد. قلت: دَعْوَى التَّصْحِيف غير صَحِيحَة،وَلَا مَانع أَن يكون لَهَا إسمان:
    ........
    (14/147)
    أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه،يَعْنِي: قَالَ بَعضهم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : وَصَحَّ عَن البُخَارِيّ أَنه بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة،وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَلم يتحققه،وَالْمَشْهُور هُوَ الأول يَعْنِي: بِالْحَاء الْمُهْملَة مُصَغرًا، وَبِه جزم الْهَرَوِيّ والدمياطي،وَقيل: الَّذِي قَالَه البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل أَخُو أبي بن عَبَّاس،وَلَفظه عِنْد ابْن أبي مَنْدَه: كَانَ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد سعد بن سعد وَالِد سهل ثَلَاثَة أَفْرَاس،فَسمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسميهن: لزازا، يَعْنِي بِكَسْر اللَّام وبزايين الأولى خَفِيفَة،و: الظرب، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة. و: اللخيف،وَحكى سبط ابْن الْجَوْزِيّ: أَن البُخَارِيّ ضَبطه بِالتَّصْغِيرِ وَالْخَاء الْمُعْجَمَة،قَالَ: وَكَذَا حَكَاهُ ابْن سعيد عَن الْوَاقِدِيّ،وَقَالَ: أهداه لَهُ ربيعَة بن أبي الْبَراء مَالك بن عَامر العامري، وَأَبوهُ الَّذِي يعرف بملاعب الأسنة، فأثابه عَلَيْهِ فَرَائض من نعم بني كلاب،وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: أهداه لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو الجذامي من أَرض البلقاء.
    .......
    (14/148)
    قَالَ ابْن عَبدُوس، فِي (أَسمَاء خيله ودوابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) : كَانَ أَخْضَر من العفر وَهُوَ التُّرَاب. وَفِي (التَّلْوِيح) : وَزعم شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد التوني أَنه شبه فِي عَدْوِهِ باليعفور وَهُوَ الظبي، أهداه لسيدنا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُقَوْقس،وَأهْدى لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو حمارا يُقَال لَهُ: يعقور،وَقَالَ ابْن عَبدُوس: هما وَاحِد،ورد عَلَيْهِ الدمياطي فَقَالَ: عفير أهداه الْمُقَوْقس، ويعفور أهداه فَرْوَة بن عَمْرو، وَقيل بِالْعَكْسِ، ويعفور،بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الْفَاء: وَهُوَ ولد الظبي، كَأَنَّهُ سمي بذلك لسرعته. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: نعق يَعْفُور منصرف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حجَّة الْوَدَاع،وَقيل: طرح نَفسه فِي بِئْر يَوْم مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذكره السُّهيْلي

    (14/150)
    وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: أَن ركُوب الفحولة أفضل للرُّكُوب من الْإِنَاث لشدتها وجرأتها، وَمَعْلُوم أَن الْمَدِينَة لم تخل من إناث الْخَيل وَلم ينْقل عَن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا جملَة أَصْحَابه أَنهم ركبُوا غير الفحول، وَلم يكن ذَلِك إلاَّ لفضلها إِلَّا مَا ذكر عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ لَهُ فرس أُنْثَى بلقاء، وَذكر سيف فِي (الْفتُوح) : أَنَّهَا الَّتِي ركبهَا أَبُو محجن حِين كَانَ عِنْد سعد مُقَيّدا بالعراق، وَذكر الدَّارَقُطْنِي ّ فِي (سنَنه) عَن الْمِقْدَاد،قَالَ: غزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر على فرس لي أُنْثَى، وروى الْوَلِيد بن مُسلم فِي الْجِهَاد لَهُ من طَرِيق عبَادَة بن نسي، بِضَم النُّون وَفتح السِّين الْمُهْملَة،اَوْ ابْن محيريز: أَنهم كَانُوا يستحبون إناث الْخَيل فِي الغارات والبيات، وَلما خَفِي من أُمُور الْحَرْب، ويستحبون الفحولة فِي الصُّفُوف والحصون، وَلما ظهر من أُمُور الْحَرْب، وَرُوِيَ عَن خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ لَا يُقَاتل إلاَّ على أُنْثَى، لِأَنَّهَا تدفع الْبَوْل، وَهِي أقل صهيلاً، والفحل يحْبسهُ فِي جريه حَتَّى ينفتق ويؤذي بصهيله،وروى أَبُو عبد الرَّحْمَن عَن معَاذ بن الْعَلَاء عَن يحيى بن أبي كثير يرفعهُ: عَلَيْكُم بإناث الْخَيل، فَإِن ظُهُورهَا عز وبطونها كنز،وَفِي لفظ: ظُهُورهَا حرز.
    .........
    (14/155)
    وَفِي (التَّوْضِيح) : خَالف أَبُو حنيفَة عَامَّة الْعلمَاء قَدِيما وحديثاً،وَقَالَ: لَا يُسهم للفارس إلاَّ سهم وَاحِد،وَقَالَ: أكره أَن أفضل بَهِيمَة على مُسلم، وَخَالفهُ أَصْحَابه فَبَقيَ وَحده،وَقَالَ ابْن سَحْنُون: انْفَرد أَبُو حنيفَة بذلك دون فُقَهَاء الْأَمْصَار. قلت: لم ينْفَرد أَبُو حنيفَة بذلك، بل جَاءَ مثل ذَلِك عَن عمر وَعلي وَأبي مُوسَى، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. فَإِن قلت: الْوَاقِدِيّ فِيهِ مقَال. قلت: مَا لِلْوَاقِدِي؟فقد قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: سَمِعت مصعباً الزبيرِي، وَسُئِلَ عَن الْوَاقِدِيّ،فَقَالَ: ثِقَة مَأْمُون، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمسَيبِي حِين سُئِلَ عَنهُ، وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام الْوَاقِدِيّ ثِقَة، وَعَن الدَّاودِيّ،قَالَ: الْوَاقِدِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث، وَلَئِن سلمنَا أَن فِيهِ مقَالا فَفِي أَكثر أَحَادِيث هَؤُلَاءِ أَيْضا مقَال. فَحَدِيث أبي دَاوُد الَّذِي رَوَاهُ عَن أَحْمد فِيهِ المَسْعُودِيّ فِيهِ مقَال، واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عتبَة بن عبد الله بن مَسْعُود. وَحَدِيث أبي رهم فِيهِ قيس بن الرّبيع، قَالَ فِي (التَّنْقِيح) : ضعفه بعض الْأَئِمَّة، وَأَبُو رهم مُخْتَلف فِي صحبته. وَحَدِيث أبي كَبْشَة الْأَنمَارِي فِيهِ مُحَمَّد بن عمرَان الْعَبْسِي،قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَفِيه عبد الله بن بشر،قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة،وَقَالَ يحيى الْقطَّان: لَا شَيْء،وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَالدَّارَقُطْن ِيّ: ضَعِيف.
    وَقَالَ ابْن حزم: للراجل وراكب الْبَغْل وَالْحمار والجمل سهم وَاحِد فَقَط، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي سُلَيْمَان،وَقَالَ أَحْمد: للفارس ثَلَاثَة أسْهم ولراكب الْبَعِير سَهْمَان.
    ولاَ يُسْهَمُ لأِكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ
    هُوَ من بَقِيَّة كَلَام مَالك، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمّد بن الْحسن وَأهل الظَّاهِر. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَإِسْحَاق: يُسهم لفرسين، وَهُوَ قَول ابْن وهب وَابْن الجهم من الْمَالِكِيَّة،وَقَالَ ابْن أبي عَاصِم: وَهُوَ قَول الْحسن وَمَكْحُول وَسَعِيد بن عُثْمَان،وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لم يقل أحد أَنه يُسهم لأكْثر من فرسين إلاَّ شَيْئا رُوِيَ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى الْأَشْدَق،قَالَ: يُسهم لمن عِنْده أَفْرَاس: لكل فرس سَهْمَان وَهُوَ شَاذ
    ........
    (14/157)
    (أَنا النَّبِي لَا كذب) ،زعم ابْن التِّين أَن بعض أهل الْعلم كَانَ يرويهِ: لَا كذب، بِنصب الْبَاء ليخرجه عَن أَن يكون مَوْزُونا،وَفِيه إِثْبَات لنبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ قَالَ: أَنا لَيْسَ بكاذب فِيمَا أَقُول، فَيجوز على الانهزام، وانتسابه إِلَى جده لرؤيا كَانَ عبد الْمطلب رَآهَا دَالَّة على نبوته مَشْهُورَة عِنْد الْعَرَب وعبررها لَهُ سيف ابْن ذِي يزن، فِيمَا ذكره ابْن ظفر. قلت: قصَّته أَن عبد الْمطلب لما وَفد على سيف بن ذِي يزن فِي جمَاعَة من قُرَيْش أخبر سيف أَن يكون فِي وَلَده نَبِي، وَكَانَ ذَلِك مِمَّا يناقله أهل الْيمن كَابِرًا عَن كَابر إِلَى أَن بلغ سَيْفا. وَقيل: لِأَن شهرة جده كَانَت أَكثر من شهرة أَبِيه، لِأَنَّهُ توفّي شَابًّا فِي حَيَاة أَبِيه.

    .........
    (14/160)
    وَقد أجمع الْعلمَاء على جَوَاز الْمُسَابقَة بِلَا عوض، لَكِن قصرهَا مَالك وَالشَّافِعِيّ على الْخُف والحافر والنصل، وَخَصه بعض الْعلمَاء بِالْخَيْلِ، وَأَجَازَهُ عَطاء فِي كل شَيْء.
    وَأما الْمُسَابقَة بعوض فَإِن كَانَ المَال شرطا من جَانب وَاحِد بِأَن يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: إِن سبقتني فلك كَذَا وَإِن سبقتك فَلَا شَيْء لي، فَهُوَ جَائِز. وَحكي عَن مَالك أَنه: لَا يجوز، لِأَنَّهُ قمار، وَلَو شَرط المَال من الْجَانِبَيْنِ حرم بِالْإِجْمَاع إلاَّ إِذا أدخلا ثَالِثا بَينهمَا. وَقَالا للثَّالِث: إِن سبقتنا فالمالان لَك، وَإِن سبقناك فَلَا شَيْء لَك، وَهُوَ فِيمَا بَينهمَا أَيهمَا سبق أخذا لجعل عَن صَاحبه، وَسَأَلَ أَشهب مَالِكًا عَن الْمُحَلّل،قَالَ: لَا أحبه، وَلنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،قَالَ: (من أَدخل فرسه بَين فرسين وَهُوَ لَا يَأْمَن إِن سبق فَلَيْسَ قماراً، وَإِن أَمن إِن يسْبق فَهُوَ قمار) . فَلهَذَا يشْتَرط أَن يكون فرس الْمُحَلّل أَو بعيره مكافياً بفرسيهما، أَو بعيريهما، وَإِن لم يكن مكافئاً كَانَ أَحدهمَا بطيئاً فَهُوَ قمار،وَقَالَ مُحَمَّد: إِدْخَال الثَّالِث إِنَّمَا يكون حِيلَة إِذا توهم سبقه، كَذَا فِي (التَّتِمَّة) : وَيشْتَرط فِي الْمُسَابقَة فِي الْحَيَوَان تَحْدِيد الْمسَافَة، وَكَذَا فِي المناضلة بِالرَّمْي.
    والمسابقة بالأقدام تجوز إِذا كَانَ المَال مَشْرُوطًا من جَانب وَاحِد، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول،وَقَالَ فِي الْمَنْصُوص: لَا يجوز، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد.
    وَلَا تجوز الْمُسَابقَة فِي البغال وَالْحمير، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول،وَمَالك وَأحمد: إِذا كَانَ بِجعْل، وَعَن الشَّافِعِي،فِي قَول: تجوز.

  4. #264
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الأثنين
    الموافق / 6جمادى الأول /1442 هجري
    الموافق / 21/ ديسمبر / 2020 ميلادي
    تابع / عمدة القاري لبدر الدين العيني

    (14/160)
    وَقد أجمع الْعلمَاء على جَوَاز الْمُسَابقَة بِلَا عوض، لَكِن قصرهَا مَالك وَالشَّافِعِيّ على الْخُف والحافر والنصل، وَخَصه بعض الْعلمَاء بِالْخَيْلِ، وَأَجَازَهُ عَطاء فِي كل شَيْء.
    وَأما الْمُسَابقَة بعوض فَإِن كَانَ المَال شرطا من جَانب وَاحِد بِأَن يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: إِن سبقتني فلك كَذَا وَإِن سبقتك فَلَا شَيْء لي، فَهُوَ جَائِز. وَحكي عَن مَالك أَنه: لَا يجوز، لِأَنَّهُ قمار، وَلَو شَرط المَال من الْجَانِبَيْنِ حرم بِالْإِجْمَاع إلاَّ إِذا أدخلا ثَالِثا بَينهمَا. وَقَالا للثَّالِث: إِن سبقتنا فالمالان لَك، وَإِن سبقناك فَلَا شَيْء لَك، وَهُوَ فِيمَا بَينهمَا أَيهمَا سبق أخذا لجعل عَن صَاحبه، وَسَأَلَ أَشهب مَالِكًا عَن الْمُحَلّل،قَالَ: لَا أحبه، وَلنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،قَالَ: (من أَدخل فرسه بَين فرسين وَهُوَ لَا يَأْمَن إِن سبق فَلَيْسَ قماراً، وَإِن أَمن إِن يسْبق فَهُوَ قمار) . فَلهَذَا يشْتَرط أَن يكون فرس الْمُحَلّل أَو بعيره مكافياً بفرسيهما، أَو بعيريهما، وَإِن لم يكن مكافئاً كَانَ أَحدهمَا بطيئاً فَهُوَ قمار،وَقَالَ مُحَمَّد: إِدْخَال الثَّالِث إِنَّمَا يكون حِيلَة إِذا توهم سبقه، كَذَا فِي (التَّتِمَّة) : وَيشْتَرط فِي الْمُسَابقَة فِي الْحَيَوَان تَحْدِيد الْمسَافَة، وَكَذَا فِي المناضلة بِالرَّمْي.
    والمسابقة بالأقدام تجوز إِذا كَانَ المَال مَشْرُوطًا من جَانب وَاحِد، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول،وَقَالَ فِي الْمَنْصُوص: لَا يجوز، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد.
    وَلَا تجوز الْمُسَابقَة فِي البغال وَالْحمير، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول،وَمَالك وَأحمد: إِذا كَانَ بِجعْل، وَعَن الشَّافِعِي،فِي قَول: تجوز.
    ..........
    (14/163)
    وأيلة، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللَّام وَفِي آخِره هَاء، إخر الْحجاز وَأول الشَّام، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة خمس عشرَة مرحلة. وَقَالَ أَبُو عبيد: الأيلة،على وزن: فعلة، مَدِينَة على شاطيء الْبَحْر فِي منصف مَا بَين مصر وَمَكَّة، وَاسم ملكهَا الَّذِي أهْدى البغلة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يوحنا بن روبة) ،وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان عِنْد مُسلم: وَجَاء اسْم رَسُول بن الْعلمَاء صَاحب إيلة إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب، وَأهْدى لَهُ بغلة بَيْضَاء. قلت: الظَّاهِر أَن عُلَمَاء اسْم أم يوحنا،وَاسم البغلة: دُلْدُل، وَالصَّحِيح أَن دُلْدُل أهداها لَهُ الْمُقَوْقس،وَقَالَ مُسلم: كَانَت البغلة الَّتِي أهداها صَاحب أَيْلَة بَيْضَاء،وَيُقَال لَهَا: إيلية
    ...........
    (14/164)
    وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا دَال على أَن النِّسَاء لَا جِهَاد عَلَيْهِنَّ،وأنهن غير داخلات فِي قَوْله تَعَالَى: {انفروا خفافاً وثقالاً} (التَّوْبَة: 14) . وَهُوَ إِجْمَاع،وَلَيْسَ فِي قَوْله: (جهادكن الْحَج) أَنه لَيْسَ لَهُنَّ أَن يتطوعن بِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنه الْأَفْضَل لَهُنَّ، وَسَببه أَنَّهُنَّ لسن من أهل الْقِتَال لِلْعَدو، وَلَا قدرَة لَهُنَّ عَلَيْهِ وَلَا قيام بِهِ، وَلَيْسَ للْمَرْأَة أفضل من الاستتار وَترك مُبَاشرَة الرِّجَال بِغَيْر قتال، فَكيف فِي حَال الْقِتَال الَّتِي هِيَ أصعب؟ وَالْحج يمكنهن فِيهِ بمجانبة الرِّجَال، والاستتار عَنْهُن، فَلذَلِك كَانَ أفضل لَهُنَّ من الْجِهَاد
    ..........
    (14/166)
    كنُود، امْرَأَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، كَانَ مُعَاوِيَة أَخذهَا مَعَه لما غزا قبرس فِي الْبَحْر سنة ثَمَان وَعشْرين، وَكَانَ مُعَاوِيَة أول من ركب الْبَحْر للغزاة فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وقرظة بن عبد عَمْرو بن نَوْفَل بن عبد منَاف، صرح بذلك خَليفَة بن خياط فِي (تَارِيخه) وَغَيره،وَقد وهم من قَالَ: إِنَّهَا بنت قرظة بن كَعْب الْأنْصَارِيّ، وَذكر البلاذري فِي (تَارِيخه) : أَن قرظة بن عبد عَمْرو مَاتَ كَافِرًا ولبنتها رُؤْيَة، وَكَذَا لأَخِيهَا مُسلم بن قرظة الَّذِي قتل يَوْم الْجمل مَعَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
    .......
    (14/168)
    كنُود، امْرَأَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، كَانَ مُعَاوِيَة أَخذهَا مَعَه لما غزا قبرس فِي الْبَحْر سنة ثَمَان وَعشْرين، وَكَانَ مُعَاوِيَة أول من ركب الْبَحْر للغزاة فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وقرظة بن عبد عَمْرو بن نَوْفَل بن عبد منَاف، صرح بذلك خَليفَة بن خياط فِي (تَارِيخه) وَغَيره،وَقد وهم من قَالَ: إِنَّهَا بنت قرظة بن كَعْب الْأنْصَارِيّ، وَذكر البلاذري فِي (تَارِيخه) : أَن قرظة بن عبد عَمْرو مَاتَ كَافِرًا ولبنتها رُؤْيَة، وَكَذَا لأَخِيهَا مُسلم بن قرظة الَّذِي قتل يَوْم الْجمل مَعَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
    ..........
    (14/167)
    اخْتلف فِي الْمَرْأَة: هَل يُسهم لَهَا؟قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: يُسهم للنِّسَاء، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْهم لَهُنَّ بِخَيْبَر، وَأخذ الْمُسلمُونَ بذلك وَبِه، قَالَ ابْن حبيب،وَقَالَ الثَّوْريّ والكوفيون وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ: لَا يُسهم لَهُنَّ وَلَكِن يرْضخ لَهُنَّ محتجين بقول ابْن عَبَّاس فِي (صَحِيح مُسلم) لنجدة: كن النِّسَاء يجدين من الْغَنِيمَة وَلم يضْرب لَهُم بِسَهْم. وَذكر التِّرْمِذِيّ: أَن بعض أهل الْعلم،قَالَ: يُسهم للذِّمِّيّ، إِذا شهد الْقِتَال مَعَ الْمُسلمين، وروى عَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْهم لقوم من الْيَهُود قَاتلُوا مَعَه،قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِي ّ وَإِسْحَاق. وَالْمَجْنُون المطبق لَا يُسهم لَهُ كَالصَّبِيِّ،وَقيل: يُسهم لَهُ، وَالظَّاهِر أَنه لَا يُسهم لَهُ كالمفلوج الْيَابِس.
    وَاخْتلفُوا فِي الْأَعْمَى والمقعد، وأقطع الْيَدَيْنِ لاختلافهم، هَل يتَمَكَّن لَهُم نوع من أَنْوَاع الْقِتَال كإدارة الرَّأْي إِن كَانُوا من أَهله، وكقتال المقعد رَاكِبًا، وَالْأَعْمَى يناول النبل، وَنَحْو ذَلِك، ويكثرون السوَاد فَمن رأى لمثل ذَلِك أثرا فِي اسْتِحْقَاق الْغَنِيمَة أسْهم لَهُم. وَأما الَّذِي يخرج وَبِه مرض فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّة فِيهِ خلاف: هَل يُسهم لَهُ أم لَا؟ فَإِن مرض بعد الإدراب فَفِيهِ خلاف، الْأَكْثَرُونَ يسهمون لَهُ، وَلم يَخْتَلِفُوا أَن من مرض بعد الْقِتَال يُسهم لَهُ، وَإِن كَانَ مَرضه بعد حوز الْغَنِيمَة
    ........
    (14/168)
    قَالَ أَبُو عمر فِي (الِاسْتِيعَاب) : أم سليط امْرَأَة من المبايعات حضرت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد،وَقَالَ غَيره: وَلَا يعرف اسْمهَا، وَلَيْسَ فِي الصحابيات من يشاركها فِي هَذِه الكنية. قلت: ذكرهَا ابْن سعد فِي (طَبَقَات النِّسَاء) ،وَقَالَ: هِيَ أم قيس بنت عبيد بن زِيَاد بن ثَعْلَبَة من بني مَازِن تزَوجهَا أَبُو سليط بن أبي حَارِثَة عَمْرو بن قيس من بني عدي بن النجار، فَولدت لَهُ سليطاً،وَفَاطِمَة فَلذَلِك كَانَ يُقَال لَهَا: أم سليط، وَذكر أَنَّهَا شهِدت خَيْبَر وحنيناً وغفل عَن ذكر شهودها خَيْبَر
    ..........
    (14/175)
    وَعَن الْحسن أَيْضا: اصْبِرُوا على المصائب وَصَابِرُوا على الصَّلَوَات الْخمس،وَقَالَ مُحَمَّد ابْن كَعْب: إصبروا على دينكُمْ وَصَابِرُوا لوعدي الَّذِي وعدتكم عَلَيْهِ وَرَابطُوا عدوي وَعَدُوكُمْ حَتَّى يتْرك دينه لدينكم واتقوني فِيمَا بيني وَبَيْنكُم لَعَلَّكُمْ تفلحون غَدا إِذا لقيتموني. وَفِي (تَفْسِير ابْن كثير) : قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: أمروا أَن يصبروا على دينهم الَّذِي ارْتَضَاهُ الله لَهُم، وَهُوَ الْإِسْلَام، وَلَا يَدعُوهُ لسراء وَلَا لضراء وَلَا لشدَّة وَلَا لرخاء حَتَّى يموتوا مُسلمين، وَأَن يصابروا الْأَعْدَاء الَّذين يملون دينهم
    ..........
    (14/177)
    من الْهم والحزن " قَالَ الْخطابِيّ أَكثر النَّاس لَا يفرقون بَين الْهم والحزن وهما على اخْتِلَافهمَا فِي الِاسْم يتقاربان فِي الْمَعْنى إِلَّا أَن الْحزن إِنَّمَا يكون على أَمر قد وَقع والهم إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يتَوَقَّع وَلم يكن بعد وَقَالَ الْقَزاز الْهم هُوَ الْغم والحزن تَقول أهمني هَذَا الْأَمر وأحزنني وَيحْتَمل أَن يكون من همه الْمَرَض إِذا أذابه وأنحله مَأْخُوذ من هم الشَّحْم إِذا أذابه وَالشَّيْء مهموم أَي مذاب
    ........
    (14/178)
    وَقَيْصَر لقب هِرقل مَلَكَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة، فَفِي ملكه مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
    ........
    (14/179)
    هَل فِيكُم من رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بدل: من صحب، وَهُوَ رد لقَوْل جمَاعَة من المتصوفة الْقَائِلين: إِن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يره أحد فِي صورته، ذكره السَّمْعَانِيّ، وَقَالَ ابْن بطال: يشْهد لهَذَا الحَدِيث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ)
    ...........
    (14/181)
    الَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ فِي يَوْم أحد قَوْله: (وَفِي أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل) ، واسْمه قزمان وَهُوَ مَعْدُود فِي الْمُنَافِقين، وَكَانَ تخلف يَوْم أحد فَعَيَّرَهُ النِّسَاء وقلن لَهُ: مَا أَنْت إِلَّا امْرَأَة، فَخرج فَكَانَ أول من رمى بِسَهْم ثمَّ كسر جفن سَيْفه. ونادى: يَا آل الْأَوْس قَاتلُوا على الأحساب، فَلَمَّا خرج مر بِهِ قَتَادَة بن النُّعْمَان فَقَالَ لَهُ: هَنِيئًا لَك الشَّهَادَة، فَقَالَ: إِنِّي وَالله مَا قَاتَلت على دين، مَا قَاتَلت إلاَّ على الْحفاظ، ثمَّ قتل نَفسه، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ليؤيد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر
    ........
    (182)
    (لَا يدع لَهُم شَاذَّة) ، بشين وذال معجمتين، والفاذة، بِالْفَاءِ وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة، قَالَ الْخطابِيّ: الشاذة هِيَ الَّتِي كَانَت فِي الْقَوْم ثمَّ شذت مِنْهُم، والفاذة من لم يخْتَلط مَعَهم أصلا، فوصفه بِأَنَّهُ لَا يبقي شَيْئا إِلَّا أَتَى عَلَيْهِ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الشاذة والفاذة مَا صغر وَكبر ويركب كل صَعب وَذَلُول، وَيُقَال: أنث الْكَلِمَتَيْنِ على وَجه الْمُبَالغَة، كَمَا قَالُوا: عَلامَة ونسابة،
    .......
    (14/183)
    قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل الْعَرَب من ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي كتاب الزبير: حَدثنِي إِبْرَاهِيم الْحزَامِي حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن عمرَان عَن مُعَاوِيَة بن صَالح الْحِمْيَرِي عَن ثَوْر عَن مَكْحُول قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْعَرَب كلهَا بَنو إِسْمَاعِيل إِلَّا أَربع قبائل: السّلف والأوزاع وحضرموت وَثَقِيف،
    وَفِي الحَدِيث دلَالَة على رُجْحَان قَول من قَالَ من أهل النّسَب: إِن الْيمن من ولد إِسْمَاعِيل وَأسلم من قحطان.
    .....
    (14/182)
    مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي رَاشد الحبراني عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رأى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يَرْمِي بقوس فارسية، فَقَالَ: إرم بهَا، ثمَّ نظر إِلَى قَوس عَرَبِيَّة، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِهَذِهِ وأمثالها فَإِن بِهَذِهِ يُمكن الله لكم فِي الْبِلَاد ويزيدكم فِي النَّصْر، وَذكر الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن بن عَائِشَة، أَنَّهَا قَالَت: قَالَ قَالَ أهل الْعلم، إِنَّمَا نهى عَن الْقوس الفارسية لِأَنَّهَا إِذا انْقَطع وترها لم ينْتَفع بهَا صَاحبهَا، والعربية إِذا انْقَطع وترها كَانَت لَهُ عَصا ينْتَفع بهَا.
    ........ز
    (14/184)
    القَوْل بِأَنَّهُمَا مَاتَا كَافِرين غير جيد،لما قيل: إِن الله أحياهما لأَجله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل الْوَجْه فِي هَذَا أَن هَذَا القَوْل بالتفدية لأجل إِظْهَار الْبر والمحبة، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وللأبوة حُرْمَة كَيفَ كَانَت،وَعَن مَالك: من آذَى مُسلما فِي أَبَوَيْهِ الْكَافرين عُوقِبَ وأدب لحرمتهما عَلَيْهِ
    ......
    (14/196)
    وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي لِبَاسه على عشرَة أَقْوَال: الأول: محرم بِكُل حَال. الثَّانِي: يحرم إلاَّ فِي الْحَرْب. الثَّالِث: يحرم إلاَّ فِي السّفر. الرَّابِع: يحرم إلاَّ فِي الْمَرَض. الْخَامِس: يحرم إلاَّ فِي الْغَزْو. السَّادِس: يحرم إلاَّ فِي الْعلم. السَّابِع: يحرم على الرِّجَال وَالنِّسَاء. الثَّامِن: يحرم لبسه من فَوق دون لبسه من أَسْفَل وَهُوَ الْفرش، قَالَه أَبُو حنيفَة وَابْن الْمَاجشون. التَّاسِع: يُبَاح بِكُل حَال. الْعَاشِر: محرم، وَإِن خلط مَعَ غَيره كالخز.
    وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف النَّاس فِي لِبَاسه فأجازته طَائِفَة وكرهته أُخْرَى: فَمِمَّنْ كرهه: عمر بن الْخطاب وَابْن سِيرِين وَعِكْرِمَة وَابْن محيريز،وَقَالُوا: الْكَرَاهَة فِي الْحَرْب أَشد لما يرجون من الشَّهَادَة، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة. وَمِمَّنْ أجَازه فِي الْحَرْب أنس،روى معمر عَن ثَابت قَالَ: رَأَيْت أنس بن مَالك لبس الديباج فِي فزعة فزعها النَّاس،وَقَالَ أَبُو فرقد: رَأَيْت على تجافيف أبي مُوسَى الديباح وَالْحَرِير،وَقَالَ عَطاء: الديباج فِي الْحَرْب سلَاح، وَأَجَازَهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَعُرْوَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ،وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَذكر ابْن حبيب عَن ابْن الْمَاجشون: أَنه اسْتحبَّ الْحَرِير فِي الْجِهَاد وَالصَّلَاة بِهِ حِينَئِذٍ للترهيب على الْعَدو والمباهاة
    ........
    (14/198)
    (أول جَيش من أمتِي يغزون الْبَحْر) أَرَادَ بِهِ جَيش مُعَاوِيَة،وَقَالَ الْمُهلب: مُعَاوِيَة أول من غزا الْبَحْر،وَقَالَ ابْن جرير: قَالَ بَعضهم: كَانَ ذَلِك فِي سنة سبع وَعشْرين، وَهِي غَزْوَة قبرص فِي زمن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ ذَلِك فِي سنة ثَمَان وَعشْرين،وَقَالَ أَبُو معشر: غَزَاهَا فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ، وَكَانَت أم حرَام مَعَهم، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (جَامع المسانيد) : أَنَّهَا غزت مَعَ عبَادَة بن الصَّامِت فوقصتها بغلة لَهَا شهباء، فَوَقَعت فَمَاتَتْ،وَقَالَ هِشَام ابْن عمار: رَأَيْت قبرها ووقفت عَلَيْهِ بالسَّاحل بفاقيس.

    (14/200)
    (أول جَيش من أمتِي يغزون مَدِينَة قَيْصر) ، أَرَادَ بهَا الْقُسْطَنْطِين ِيَّة كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَذكر أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة غزا بِلَاد الرّوم حَتَّى بلغ قسنطينية،وَمَعَهُ جمَاعَة من سَادَات الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، وَكَانَت وَفَاة أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ هُنَاكَ قَرِيبا من سور الْقُسْطَنْطِين ِيَّة وقبره هُنَاكَ تستسقي بِهِ الرّوم إِذا قحطوا. وَقَالَ صَاحب (الْمرْآة) : وَالأَصَح أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة غزا القسنطينية فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين،وَقيل: سير مُعَاوِيَة جَيْشًا كثيفاً مَعَ سُفْيَان بن عَوْف إِلَى الْقُسْطَنْطِين ِيَّة فأوغلوا فِي بِلَاد الرّوم، وَكَانَ فِي ذَلِك الْجَيْش ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَتُوفِّي أَبُو أَيُّوب فِي مُدَّة الْحصار. قلت: الْأَظْهر أَن هَؤُلَاءِ السادات من الصَّحَابَة كَانُوا مَعَ سُفْيَان هَذَا وَلم يَكُونُوا مَعَ يزِيد بن مُعَاوِيَة، لِأَنَّهُ
    لم يكن أَهلا أَن يكون هَؤُلَاءِ السادات فِي خدمته. وَقَالَ الْمُهلب: فِي هَذَا الحَدِيث منقبة لمعاوية لِأَنَّهُ أول من غزا الْبَحْر، ومنقبة لوَلَده يزِيد، لِأَنَّهُ أول من غزا مَدِينَة قَيْصر. انْتهى. قلت: أَي منقبة كَانَت ليزِيد وحاله مَشْهُور؟فَإِن قلت: قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،فِي حق هَذَا الْجَيْش: مغْفُور لَهُم. قلت: لَا يلْزم، من دُخُوله فِي ذَلِك الْعُمُوم أَن لَا يخرج بِدَلِيل خَاص، إِذْ لَا يخْتَلف أهل الْعلم أَن قَوْله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مغْفُور لَهُم، مَشْرُوط بِأَن يَكُونُوا من أهل الْمَغْفِرَة حَتَّى لَو ارْتَدَّ وَاحِد مِمَّن غَزَاهَا بعد ذَلِك لم يدْخل فِي ذَلِك الْعُمُوم، فَدلَّ على أَن المُرَاد مغْفُور لمن وجد شَرط الْمَغْفِرَة فِيهِ مِنْهُم، وَقَيْصَر لقب هِرقل ملك الرّوم، كَمَا أَن كسْرَى لقب من ملك الْفرس، وخاقان من ملك التّرْك، وَالنَّجَاشِي من ملك الْحَبَشَة.
    ........
    (14/200)
    فَقَالَ الْخطابِيّ: التّرْك هم بَنو قنطوراء، وَهِي اسْم جَارِيَة كَانَت لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، ولدت أَوْلَادًا جَاءَت من نسلهم التّرْك. وَقَالَ كرَاع: التّرْك هم الَّذين يُقَال لَهُم: الديلم،وَقَالَ ابْن عبد الْبر: التّرْك هم ولد يافث، وهم أَجنَاس كَثِيرَة أَصْحَاب مدن وحصون، وَمِنْهُم فِي رُؤُوس الْجبَال والبراري لَيْسَ لَهُم عمل سوى الصَّيْد، وَمن لم يصد ودج دَابَّته وصيره فِي مصران يَأْكُلهُ، ويأكلون الرخم والغربان
    (14/201)
    وَلَيْسَ لَهُم دين، وَمِنْهُم من يتدين بدين الْمَجُوسِيَّة، وهم الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُم من يتهود وملكهم يلبس الْحَرِير وتاج الذَّهَب ويحتجب كثيرا وَفِيهِمْ سحرة. وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: التّرْك بَنو عَم يَأْجُوج وَمَأْجُوج،وَقيل: أصل التّرْك أَو بَعضهم من حمير،وَقيل: إِنَّهُم بقايا قوم تبع، وَمن هُنَاكَ يسمون أَوْلَادهم بأسماء الْعَرَب العاربة، فَهَؤُلَاءِ من كَانَ مثلهم يَزْعمُونَ أَنهم من الْعَرَب وألسنتهم عجمية وبلدانهم غير عَرَبِيَّة، دخلُوا إِلَى بِلَاد الْعَجم واستعجموا. وَقيل: التّرْك من ولد أفريدون بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَسموا تركا لِأَن عبد شمس بن يشجب لما وطىء أَرض بابل أَتَى بِقوم من أحامرة ولد يافث، فاستنكر خلقهمْ وَلم يحب أَن يدخلهم فِي سبي بابل،فَقَالَ: اتركوهم،فسموا: التّرْك. وَقَالَ صاعد فِي (كتاب الطَّبَقَات) : أما التّرْك فأمة كَثِيرَة الْعدَد فخمة المملكة، ومساكنهم مَا بَين مَشَارِق خُرَاسَان من مملكة الْإِسْلَام وَبَين مغارب الصين وشمال الْهِنْد إِلَى أقْصَى الْمَعْمُور فِي الشمَال، وفضيلتهم الَّتِي برعوا فِيهَا واحرزوا خصالها الْحُرُوف ومعالجة آلاتها. قلت: التّرْك والصين والصقالبة ويأجوج وَمَأْجُوج من ولد يافث بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِاتِّفَاق النسابين،وَكَانَ ليافث سَبْعَة أَوْلَاد مِنْهُم ابْن يُسمى: كور، فالترك كلهم من بني كومر،وَيُقَال: التّرْك هُوَ ابْن يافث لصلبه وهم أَجنَاس كَثِيرَة ذَكَرْنَاهُمْ فِي (تاريخنا الْكَبِير) . وَقَالَ المَسْعُودِيّ فِي (مروج الذَّهَب) : فِي التّرْك استرخاء فِي المفاصل واعوجاج فِي سيقانهم ولين فِي عظامهم، حَتَّى إِن أحدهم ليرمي بالنشاب من خَلفه كرميه من قدامه، فَيصير قَفاهُ كوجهه وَوَجهه كقفاه
    وَذكر الْبكْرِيّ فِي (أَخْبَار التّرْك) : كَانَ أَعينهم حدق الْجَرَاد يتخذون الدرق يربطون خيولهم بالحبل، وَفِي لفظ: حَتَّى يُقَاتل الْمُسلمُونَ التّرْك يلبسُونَ الشّعْر. انْتهى
    .........
    (14/208)
    قتل الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي عَام اليرموك فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ذكره ابْن عبد الْبر فِي (الِاسْتِيعَاب) وَقَالَ أَيْضا: كَانَ الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي يُقَال لَهُ: ذُو النُّور ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى هِشَام الْكَلْبِيّ: أَنه إِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ وَفد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِن دوساً قد غلب عَلَيْهِم الزِّنَا، فَادع الله عَلَيْهِم. فَقَالَ رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم اهد دوساً،ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله ابعثني إِلَيْهِم وَاجعَل لي آيَة يَهْتَدُونَ بهَا،فَقَالَ: أللهم نوّر لَهُ، فسطع نور بَين عَيْنَيْهِ،فَقَالَ: يَا رب أَخَاف أَن يَقُولُوا، مثلَة فتحولت إِلَى طرف سَوْطه، فَكَانَت تضيء فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة،فَسُمي: ذُو النُّور
    .........

  5. #265
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    (14/209)
    وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كَرَامَة الْكتاب خَتمه. وَعَن ابْن الْمقنع من كتب إِلَى أَخِيه كتابا وَلم يختمه، فقد استخف بِهِ،قَوْله: (فَاتخذ خَاتمًا من فضَّة) وَكَانَ اتِّخَاذه الْخَاتم سنة سِتّ، وَأَيْضًا كَانَ إرْسَاله بِكِتَاب إِلَى هِرقل فِي سنة سِتّ، وَكَانَ بعث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة نفر إِلَى الْمُلُوك فِي يَوْم وَاحِد،مِنْهُم: دحْيَة بن خَليفَة أرْسلهُ إِلَى قَيْصر ملك الرّوم وَمَعَهُ كتاب، قَالَه الْوَاقِدِيّ، وَذكر الْبَيْهَقِيّ أَنه كَانَ فِي سنة ثَمَان. قَوْله: (خَاتمًا) فِيهِ أَربع لُغَات: بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا وخيتام وخاتام،وَالْجمع: خَوَاتِيم. قَوْله: (من فضَّة) ،يدل على أَنه لَا يجوز: من ذهب،لما رُوِيَ من حَدِيث بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن خَاتم الذَّهَب،وَلما روى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب: أمرنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع ونهانا عَن سبع،وَفِيه: نَهَانَا عَن خَوَاتِيم الذَّهَب أَو عَن أَن نتختم بِالذَّهَب. فَإِن قلت: روى الطَّحَاوِيّ وَأحمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث مُحَمَّد بن مَالك الْأنْصَارِيّ مولى الْبَراء بن عَازِب قَالَ رَأَيْت على الْبَراء خَاتمًا من ذهب،فَقيل لَهُ: قَالَ: قسم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنيمَة فألبسنيه. وَقَالَ: إلبس مَا كساك الله وَرَسُوله،فَقَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب إِلَى قوم إِلَى إِبَاحَة لبس خَوَاتِيم الذَّهَب للرِّجَال، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذَا الحَدِيث،وَأَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: عِكْرِمَة وَالْأَعْمَش وَأَبا الْقَاسِم الْأَزْدِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن الْبَراء وَحُذَيْفَة وَسعد وَجَابِر بن سَمُرَة وَأنس ابْن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قلت: خالفهم فِي ذَلِك آخَرُونَ مِنْهُم: سعيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِي ّ وعلقمة وَمَكْحُول وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق،فَإِنَّهُم قَالُوا: يكره ذَلِك للرِّجَال. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور، وَبِحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،أخرجه مُسلم: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لبس القسي والمعصفر وَعَن تختم الذَّهَب ... الحَدِيث.
    ..........
    (14/210)
    اتخذ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،خَاتمًا من ورق ثمَّ نقش عَلَيْهِ: مُحَمَّد رَسُول الله،ثمَّ قَالَ: لَا ينقش أحد على خَاتمِي هَذَا. وَأخرجه مُسلم عَن ابْن أبي شيبَة،وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صنع خَاتمًا من ورق،فنقش فِيهِ: مُحَمَّد رَسُول الله،ثمَّ قَالَ: لَا تنقشوا عَلَيْهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح،وَمَعْنَاهُ أَنه نهى أَن ينقش أحد على خَاتمه: مُحَمَّد رَسُول الله،وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث أنس: كَانَ نقش خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،ثَلَاثَة أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وَالله سطر. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا على مَا سَيَأْتِي، وَقَالَ شَيخنَا،رَحمَه الله: نَهْيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن ينقش أحد على نقش خَاتمه خَاص بحياته، وَيدل عَلَيْهِ لبس الْخُلَفَاء الْخَاتم بعده، ثمَّ تَجْدِيد عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خَاتمًا آخر بعد فَقْدِ ذَلِك الْخَاتم فِي بِئْر أريس، وَنقش عَلَيْهِ ذَلِك النقش.
    .........
    (14/214)
    وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ أول حصون خَيْبَر فتحا حصن ناعم، وَعِنْده قتل مَحْمُود بن سَلمَة، ألقيت عَلَيْهِ رحى مِنْهُ فَقتلته.
    ......
    (14/221)
    وَذكر عِيَاض: أجمع الْعلمَاء على وجوب طَاعَة الإِمَام فِي غير مَعْصِيّة وتحريمها فِي الْمعْصِيَة،وَقَالَ ابْن بطال: احْتج بِهَذَا الْخَوَارِج فَرَأَوْا الْخُرُوج على أَئِمَّة الْجور وَالْقِيَام عَلَيْهِم عِنْد ظُهُور جَوْرهمْ،وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: أَنه لَا يجب الْقيام عَلَيْهِم عِنْد ظُهُور جَوْرهمْ وَلَا خلعهم إلاَّ بكفرهم بعد إِيمَانهم، أَو تَركهم إِقَامَة الصَّلَوَات، وَأما دون ذَلِك من الْجور فَلَا يجوز الْخُرُوج عَلَيْهِم إِذا استوطن أَمرهم وَأمر النَّاس مَعَهم، لِأَن فِي ترك الْخُرُوج عَلَيْهِم تحصين الْفروج وَالْأَمْوَال وحقن الدِّمَاء، وَفِي الْقيام عَلَيْهِم تفرق الْكَلِمَة، وَلذَلِك لَا يجوز الْقِتَال مَعَهم لمن خرج عَلَيْهِم عَن ظلم ظهر مِنْهُم،وَقَالَ ابْن التِّين: فَأَما مَا يَأْمر بِهِ السُّلْطَان من الْعُقُوبَات فَهَل يسع الْمَأْمُور بِهِ أَن يفعل ذَلِك من غير ثَبت أَو علم يكون عِنْده بِوُجُوبِهَا؟قَالَ مَالك: إِذا كَانَ الإِمَام عدلا كعمر بن الْخطاب أَو عمر بن الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لم تسمع مُخَالفَته وَإِن لم يكن كَذَلِك وَثَبت عِنْده الْفِعْل جَازَ،وَقَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه: مَا أَمر بِهِ الْوُلَاة من ذَلِك غَيرهم يسعهم أَن يفعلوه فِيمَا كَانَ ولايتهم إِلَيْهِ،وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد: لَا يسع الْمَأْمُور أَن يَفْعَله حَتَّى يكون الْآمِر عدلا، وَحَتَّى يشْهد بذلك عِنْده عدل سَوَاء إلاَّ فِي الزِّنَا فَلَا بُد من ثَلَاثَة سَوَاء، وَرُوِيَ نَحْو الأول عَن الشّعبِيّ، رَحمَه الله
    ..............
    (14/222)
    الَ الْخطابِيّ: كَانَت قُرَيْش وَمن يليهم من الْعَرَب لَا يعْرفُونَ الْإِمَارَة وَلَا يطيعون غير رُؤَسَاء قبائلهم، فَلَمَّا ولي فِي الْإِسْلَام الْأُمَرَاء أنكرته نُفُوسهم وَامْتنع بَعضهم من الطَّاعَة، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا القَوْل ليعلمهم أَن طَاعَة الْأُمَرَاء الَّذين كَانَ يوليهم وَجَبت عَلَيْهِم لطاعة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ هَذَا الْأَمر خَاصّا بِمن بَاشرهُ الشَّارِع بتولية الإِمَام بِهِ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ، بل هُوَ عَام فِي كل أَمِير عدل للْمُسلمين وَيلْزم مِنْهُ نقيض ذَلِك فِي الْمُخَالفَة وَالْمَعْصِيَة.
    .......
    (14،/225)
    ا حُكيَ أَن الْحسن الْبَصْرِيّ وعامر الشّعبِيّ حضرا مجْلِس عمر بن هُبَيْرَة،فَقَالَ لَهما: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يكْتب إِلَيّ فِي أُمُور، فَمَا تريان؟فَقَالَ الشّعبِيّ: أصلح الله الْأَمِير، أَنْت مَأْمُور والتبعة على آمُرك،فَقَالَ الْحسن: إِذا خرجت من سَعَة قصرك إِلَى ضيق قبرك فَإِن الله تَعَالَى ينجيك من الْأَمِير، وَلَا ينجيك الْأَمِير من الله تَعَالَى، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
    .........
    (14/228)
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: سَبَب خفائها أَن لَا يفتتن النَّاس بهَا لما جرى تحتهَا من الْخَيْر، ونزول الرضْوَان والسكينة وَغير ذَلِك، فَلَو بقيت ظَاهِرَة مَعْلُومَة لخيف تَعْظِيم الْأَعْرَاب والجهال إِيَّاهَا وعبادتهم إِيَّاهَا، وَكَانَ خفاؤها رَحْمَة من الله تَعَالَى
    ..........
    (14/224)
    زمن الْحرَّة) ، وَهِي الْوَاقِعَة الَّتِي كَانَت بِالْمَدِينَةِ فِي زمن يزِيد بن مُعَاوِيَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ، ووقعة الْحرَّة حرَّة زهرَة، قَالَه السُّهيْلي. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وَأَبُو عبيد وَآخَرُونَ: هِيَ حرَّة وأقم، أَطَم شَرْقي الْمَدِينَة،و: الْحرَّة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وَهِي فِي الأَصْل كل أَرض كَانَت ذَات حِجَارَة سود محرقة والحرار فِي بِلَاد الْعَرَب كَثِيرَة وأشهرها ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ حرَّة، قَالَه ياقوت. وَسبب وقْعَة الْحرَّة أَن عبد الله بن حَنْظَلَة وَغَيره من أهل الْمَدِينَة وفدوا إِلَى يزِيد فَرَأَوْا مِنْهُ مَا لَا يصلح، فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَة فخلعوه وَبَايَعُوا عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،وَأرْسل إِلَيْهِم يزيدُ مسلمَ بن عقبَة الَّذِي قيل فِيهِ: مُسْرِف بن عقبَة، فأوقع بِأَهْل الْمَدِينَة وقْعَة عَظِيمَة، قتل من وُجُوه النَّاس ألفا وَسَبْعمائة، وَمن أخلاط النَّاس عشرَة آلَاف سوى النِّسَاء وَالصبيان
    ........
    (14/225)
    ابْن حَنْظَلَة) وَهُوَ عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر الَّذِي يعرف أَبوهُ بغسيل الْمَلَائِكَة، وَذَلِكَ أَن حَنْظَلَة قتل شَهِيدا يَوْم أحد، قَتله أَبُو سُفْيَان بن حَرْب،وَقَالَ: حَنْظَلَة بحنظلة، يَعْنِي بِأَبِيهِ حَنْظَلَة الْمَقْتُول ببدر، وَأخْبر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن الْمَلَائِكَة غسلته،وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لامْرَأَة حَنْظَلَة: مَا كَانَ شَأْنه؟قَالَت: كَانَ جنبا وغسلت إِحْدَى شقي رَأسه، فَلَمَّا سمع لَهِيعَة خرج. فَقتل. فَقَالَ رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله، وعلقت امْرَأَته تِلْكَ اللَّيْلَة بابنة عبد الله بن حَنْظَلَة، وَمَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله سبع سِنِين، وَقد حفظ عَنهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ابْن حَنْظَلَة هُوَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذ ليزِيد واسْمه عبد الله، أَو المُرَاد بِهِ نفس يزِيد، لِأَن جده أَبَا سُفْيَان كَانَ يكنى أَيْضا بِأبي حَنْظَلَة، لَكِن على هَذَا التَّقْدِير يكون لفظ الْأَب محذوفاً بَين الْأَب وحَنْظَلَة تَخْفِيفًا، كَمَا أَنه مَحْذُوف معنى، لِأَنَّهُ نِسْبَة إِلَى الْجد أَو جعله مَنْسُوبا إِلَى الْعم اسْتِخْفَافًا واستهجاناً واستبشاعاً لهَذِهِ الْكَلِمَة الْمرة. انْتهى. قلت: الْكرْمَانِي خبط هَهُنَا خبط عشواء وتعسف فِي هَذَا الْكَلَام من غير أصل، وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ.
    ......
    (14/225)
    من ثلاثيات البخاري الحديث الحادي عشر
    حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجرةِ فلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ يَا ابنَ الأكْوَعِ ألاَ تُبَايِعُ قَالَ قُلْتُ قدْ بايَعْتُ يَا رسُولَ الله قَالَ وأيْضَاً فبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أبَا مُسْلِمٍ على أيِّ شَيءٍ كُنْتُم تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ قَالَ على المَوْتِ.
    .........
    (14/226)وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هُوَ بالماضي هُنَا أشبه لقَوْله: مَا أذكر. قَوْله: (إلاَّ كالثغب) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَيجوز فتحهَا، وَهُوَ المَاء المستنقع فِي الْموضع المطمئن، وَالْجمع ثغاب شبه بَقَاء الدُّنْيَا بباقي غَدِير ذهب صَفوه، وَبَقِي كدره، وَإِذا كَانَ هَذَا فِي زمن ابْن مَسْعُود، وَقد مَاتَ هُوَ قبل مقتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوُجُود تِلْكَ الْفِتَن الْعَظِيمَة فَمَاذَا يكون اعْتِقَاده فِيمَا جَاءَ بعد ذَلِك، ثمَّ بعد ذَلِك وهلم جراً؟
    ............
    (14/232)
    وَفرق التِّرْمِذِيّ بَين اللِّوَاء والراية حَيْثُ ترْجم أَولا،وَقَالَ: بَاب الألوية،ثمَّ روى من حَدِيث جَابر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة وَلِوَاؤُهُ أَبيض،ثمَّ ترْجم ثَانِيًا وَقَالَ: بَاب فِي الرَّايَات، ثمَّ روى من حَدِيث الْبَراء، فَقَالَ حِين سُئِلَ عَن راية رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَت سَوْدَاء مربعة من نمرة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا، وروى أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِي ّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه،قَالَ: كَانَت راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَاء وَلِوَاؤُهُ أَبيض، وروى الشَّيْخ بن حَيَّان من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،قَالَت: كَانَ لِوَاء رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَن رجل من قومه عَن آخر مِنْهُم،قَالَ: رَأَيْت راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صفراء، وروى ابْن عدي من حَدِيث ابْن عَبَّاس،قَالَ: كَانَت راية رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَاء وَلِوَاؤُهُ أَبيض مَكْتُوب بِهِ: لَا إلاه إلاَّ الله مُحَمَّد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث جَابر: أَن راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت سَوْدَاء. وروى ابْن أبي عَاصِم فِي (كتاب الْجِهَاد) من حَدِيث كرز بن أُسَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه عقد راية بني سليم حَمْرَاء، وروى أَيْضا من حَدِيث مزيدة،يَقُول: كنت جَالِسا عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعقد راية الْأَنْصَار وَجعلهَا صفراء
    ............
    (14/228)\قَالَ ابْن التِّين: جَوَامِع الْكَلم الْقُرْآن لِأَنَّهُ يَقع فِيهِ الْمعَانِي الْكَثِيرَة بالألفاظ القليلة، وَكَذَلِكَ يَقع فِي الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة الْكثير من ذَلِك. وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ إيجاز الْكَلَام فِي إشباع الْمعَانِي. قلت: الْإِضَافَة فِي: جَوَامِع الْكَلم، من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف،هِيَ: الْكَلِمَة الموجزة لفظا المتسعة معنى،يَعْنِي: يكون اللَّفْظ قَلِيلا وَالْمعْنَى كثيرا. وَقَالُوا: فِيهِ الْحَث على اسْتِخْرَاج تِلْكَ الْمعَانِي وتبيين تِلْكَ الدقائق المودعة فِيهَا. وَقَالَ ابْن شهَاب،فِيمَا ذكره الْإِسْمَاعِيلِ يّ: بَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم: أَن الله تَعَالَى يجمع لَهُ الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب فِي الْكتب قبله فِي الْأَمر الْوَاحِد أَو الْأَمريْنِ أَو نَحْو ذَلِك،

  6. #266
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم / السبت
    الموافق : 11/ جمادى الأول / 1442 هجري
    الموافق : 26/ ديسمبر / 2020 ميلادي

    ...................
    (14/243)
    رِوَايَة مُحَمَّد بن بشر هَذِه وَصلهَا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَنهُ،وَلَفظه: كره رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو، وَأَرَادَ بِالْقُرْآنِ الْمُصحف، لِأَن الْقُرْآن الْمنزل على الرَّسُول الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف الْمَنْقُول عَنهُ نقلا متواتراً بِلَا شُبْهَة، وَهَذَا لَا يُمكن السّفر بِهِ، فَدلَّ على أَن المُرَاد بِهِ الْمُصحف الْمَكْتُوب فِيهِ الْقُرْآن.
    وتابَعَهُ ابنُ إسْحَاقَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
    .........
    (14/245)
    وَإِنَّمَا ذكر الْمُتَابَعَة لأجل زِيَادَة من زَاد فِي الحَدِيث: مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو زاعماً أَنَّهَا مَرْفُوعَة لِأَنَّهَا لم تصح عِنْده وَلَا عِنْد مَالك مَرْفُوعَة،وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: رَوَاهُ بَعضهم من حَدِيث ابْن مهْدي والقعنبي عَن مَالك، فأدرج هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث، وَقد اخْتلف عَن القعْنبِي فِي هَذِه الزِّيَادَة فَمرَّة بيَّن أَنَّهَا قَول مَالك، وَمرَّة يدرجها فِي الحَدِيث، وَرَوَاهُ يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِ ي عَن مَالك يذكر هَذِه الزِّيَادَة الْبَتَّةَ، وَقد رفع هَذِه الْكَلِمَات أَيُّوب وَاللَّيْث وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان الْحزَامِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر،وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن مَالِكًا شكّ: هَل هِيَ من قَول سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا؟ فَجعل بتحريه هَذِه الزِّيَادَة من كَلَامه على التَّفْسِير، وإلاَّ فَهِيَ صَحِيحَة من قَول سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة غَيره.
    وقَدْ سافَرَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابُهُ فِي أرْضِ العَدُوِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ القُرْآنَ
    أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الْكَلَام أَن المُرَاد بِالنَّهْي عَن السّفر بِالْقُرْآنِ السّفر بالمصحف خشيَة أَن يَنَالهُ الْعَدو لَا السّفر بِالْقُرْآنِ نَفسه، وَقد ذكرنَا آنِفا أَن السّفر بِنَفس الْقُرْآن لَا يُمكن، وَإِنَّمَا المُرَاد بالقران الْمُصحف،وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَا حجَّة فِيمَا ذكره البُخَارِيّ، وَقد روى مُفَسرًا نهي أَن يُسَافر بالمصحف، رَوَاهُ ابْن مهْدي عَن مَالك وَعبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِ يّ: مَا كَانَ أغْنى البُخَارِيّ عَن هَذَا الأستدلال، لم يقل أحد أَن من يحسن الْقُرْآن لَا يَغْزُو الْعَدو فِي دَاره،وَقيل: الِاسْتِدْلَال بِهَذَا على التَّرْجَمَة ضَعِيف، لِأَنَّهَا وَاقعَة عين، ولعلهم تعلمُونَ تلقيناً وَهُوَ الْغَالِب حِينَئِذٍ،فعلى هَذَا يقْرَأ: يعلمُونَ، بِالتَّشْدِيدِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي. قَوْله: (يعلمُونَ) ، من الْعلم، وَفِي بعض الرِّوَايَة من التَّعْلِيم، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : لَكِن رَأَيْته فِي أصل الدمياطي بِفَتْح الْيَاء،وَأجَاب الْمُهلب: بِأَن فَائِدَة ذَلِك أَنه أَرَادَ أَن يبين أَن نَهْيه عَن السّفر بِهِ إِلَيْهِم لَيْسَ على الْعُمُوم وَلَا على كل الْأَحْوَال، وَإِنَّمَا هُوَ فِي العساكر والسرايا الَّتِي لَيست مَأْمُونَة، وَأما إِذا كَانَ فِي الْعَسْكَر الْعَظِيم فَيجوز حمله إِلَى أَرضهم، وَلِأَن الصَّحَابَة كَانَ بَعضهم يعلم بَعْضًا لأَنهم لم يَكُونُوا مستظهرين لَهُ، وَقد يُمكن أَن يكون عِنْد بَعضهم صحف فِيهَا قُرْآن يعلمُونَ مِنْهَا، فاستدل البُخَارِيّ أَنهم فِي تعلمهمْ كَانَ فيهم من يتَعَلَّم بِكِتَاب، فَلَمَّا جَازَ تعلمه فِي أَرض الْعَدو بِكِتَاب وَبِغير كتاب كَانَ فِيهِ إِبَاحَة لحمله إِلَى أَرض الْعَدو إِذا كَانَ عسكراً مَأْمُونا، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة، وَلم يفرق مَالك بَين الْعَسْكَر الْكَبِير وَالصَّغِير فِي ذَلِك، وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن أبي حنيفَة الْجَوَاز مُطلقًا. قلت: لَيْسَ كَذَلِك،الْأَصَح هُوَ الأول: وَقَالَ ابْن سَحْنُون. قلت لأبي: أجَاز بعض الْعِرَاقِيّين الْغَزْو بالمصاحف فِي الْجَيْش الْكَبِير بِخِلَاف السّريَّة،قَالَ سَحْنُون: لَا يجوز ذَلِك لعُمُوم النَّهْي، وَقد يَنَالهُ الْعَدو فِي غَفلَة.
    .......
    (14/244)
    وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن اللَّيْث عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر عَن رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ ينْهَى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو، وَيخَاف أَن يَنَالهُ الْعَدو، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر،قَالَ: قَالَ رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسافروا بِالْقُرْآنِ، فَإِنِّي لَا أَمن أَن يَنَالهُ الْعَدو. وَأخرجه أَبُو دَاوُد،وَترْجم أَولا بقوله: بَاب فِي الْمُصحف يُسَافر بِهِ إِلَى أَرض الْعَدو،ثمَّ قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن مَالك عَن نَافِع: أَن عبد الله بن عمر،قَالَ: نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو. وَقَالَ مَالك: أرَاهُ مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو. وَأخرجه ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان وَأَبُو عمر: قَالَا: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك بن أنس عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو. قَالَ أَبُو عمر: قَالَ يحيى بن يحيى الأندلسي، وَيحيى بن بكير وَأكْثر الروَاة عَن مَالك،قَالَ مَالك: أرَاهُ مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو، وَجعلُوا التَّعْلِيل من كَلَامه وَلم يرفعوه، وَأَشَارَ إِلَى أَن ابْن وهب تفرد بِرَفْع هَذِه الزِّيَادَة. انْتهى. قلت: رفع هَذِه الزِّيَادَة مُسلم وَابْن مَاجَه، كَمَا ذَكرْنَاهُ، فصح أَن هَذِه الزِّيَادَة مَرْفُوعَة وَلَيْسَت بمدرجة، وَأما نِسْبَة هَذِه الزِّيَادَة إِلَى مَالك فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فَإِنَّهَا لَا تعادل رِوَايَة مُسلم من طَرِيق اللَّيْث وَأَيوب بنسبتها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَئِن سلمنَا التَّسَاوِي فَيحْتَمل أَن مَالِكًا كَانَ يجْزم بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَولا، ثمَّ لما شكّ فِي رَفعهَا جعلهَا تَفْسِيرا من عِنْده، وَالله أعلم.
    ........
    (14/244)
    حُرْمَة أكل لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة. وَاخْتلفت الْأَحَادِيث فِي سَبَب النَّهْي على خَمْسَة أوجه. الأول: مَا ذكره مُسلم فِي حَدِيث أنس: (فَإِنَّهَا رِجْس أَو نجس) . وَالثَّانِي: كَونهَا حمولة للنَّاس على مَا ذكر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: (نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَت حمولة) ، وَهُوَ وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَهُوَ مَذْكُور فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمُتَّفق عَلَيْهِ، لَا أَدْرِي أنهى عَنهُ من أجل أَنَّهَا كَانَت حمولة للنَّاس، فكره أَن تذْهب حمولتهم أَو حرمه، وَفِي بعض طرقه فِي (المعجم الْكَبِير) للطبراني: (حرمتهَا مَخَافَة قلَّة الظّهْر) ،وَفِي حَدِيث ابْن عمر عِنْد مُسلم: (وَكَانَ النَّاس احتاجوا إِلَيْهَا) . وَالثَّالِث: كَونهَا لم تخمس، فَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى الْمُتَّفق عَلَيْهِ،فَقَالَ فِيهِ: (وَلَا تَأْكُلُوا من لُحُوم الْحمر شَيْئا) . قَالَ: فَقَالَ نَاس: إِنَّمَا نهى عَنْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا لم تخمس،وَقَالَ آخَرُونَ: (نهى عَنْهَا أَلْبَتَّة) . الرَّابِع: كَونهَا جلالة فروى ابْن مَاجَه فِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: (إِنَّمَا حرمهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلْبَتَّة من أجل أَنَّهَا كَانَت جلالة تَأْكُل الْعذرَة) . وروى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث غَالب بن أبحر: (فَإِنَّمَا حرمتهَا من جوال الْقرْيَة) . وَالْخَامِس: كَونهَا انتهبت. وَلم تقسم، فروى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث ثَعْلَبَة بن الحكم،قَالَ: فَسَمعته ينْهَى عَن النهبة، فَأمر بالقدود فاكقئت من لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَالتَّعْلِيل بِالنَّجَاسَةِ قَاض على هَذِه الْعِلَل كلهَا فهيء مُؤثرَة بِنَفسِهَا وَذهب قوم، مِنْهُم عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبيد بن الْحسن وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى إِلَى إِبَاحَة أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيث أبحر أَو ابْن أبحر،أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله! إِنَّه لم يبْق من مَالِي شَيْء أَسْتَطِيع أَن أطْعمهُ أَهلِي إلاَّ حمر لي،قَالَ: (فأطعم أهلك من سمين مَالك، فَإِنَّمَا كرهت لكم جوال الْقرْيَة) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِي ّ، وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ،مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم: يحرم أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث الْبَاب، وَمَا جَاءَ بِهِ نَحوه، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة، وَحَدِيث أبحر مُخْتَلف فِي إِسْنَاده اخْتِلَافا شَدِيدا.
    حُرْمَة أكل لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة. وَاخْتلفت الْأَحَادِيث فِي سَبَب النَّهْي على خَمْسَة أوجه. الأول: مَا ذكره مُسلم فِي حَدِيث أنس: (فَإِنَّهَا رِجْس أَو نجس) . وَالثَّانِي: كَونهَا حمولة للنَّاس على مَا ذكر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: (نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَت حمولة) ، وَهُوَ وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَهُوَ مَذْكُور فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمُتَّفق عَلَيْهِ، لَا أَدْرِي أنهى عَنهُ من أجل أَنَّهَا كَانَت حمولة للنَّاس، فكره أَن تذْهب حمولتهم أَو حرمه، وَفِي بعض طرقه فِي (المعجم الْكَبِير) للطبراني: (حرمتهَا مَخَافَة قلَّة الظّهْر) ،وَفِي حَدِيث ابْن عمر عِنْد مُسلم: (وَكَانَ النَّاس احتاجوا إِلَيْهَا) . وَالثَّالِث: كَونهَا لم تخمس، فَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى الْمُتَّفق عَلَيْهِ،فَقَالَ فِيهِ: (وَلَا تَأْكُلُوا من لُحُوم الْحمر شَيْئا) . قَالَ: فَقَالَ نَاس: إِنَّمَا نهى عَنْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا لم تخمس،وَقَالَ آخَرُونَ: (نهى عَنْهَا أَلْبَتَّة) . الرَّابِع: كَونهَا جلالة فروى ابْن مَاجَه فِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: (إِنَّمَا حرمهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلْبَتَّة من أجل أَنَّهَا كَانَت جلالة تَأْكُل الْعذرَة) . وروى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث غَالب بن أبحر: (فَإِنَّمَا حرمتهَا من جوال الْقرْيَة) . وَالْخَامِس: كَونهَا انتهبت. وَلم تقسم، فروى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث ثَعْلَبَة بن الحكم،قَالَ: فَسَمعته ينْهَى عَن النهبة، فَأمر بالقدود فاكقئت من لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَالتَّعْلِيل بِالنَّجَاسَةِ قَاض على هَذِه الْعِلَل كلهَا فهيء مُؤثرَة بِنَفسِهَا وَذهب قوم، مِنْهُم عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبيد بن الْحسن وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى إِلَى إِبَاحَة أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيث أبحر أَو ابْن أبحر،أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله! إِنَّه لم يبْق من مَالِي شَيْء أَسْتَطِيع أَن أطْعمهُ أَهلِي إلاَّ حمر لي،قَالَ: (فأطعم أهلك من سمين مَالك، فَإِنَّمَا كرهت لكم جوال الْقرْيَة) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِي ّ، وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ،مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم: يحرم أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث الْبَاب، وَمَا جَاءَ بِهِ نَحوه، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة، وَحَدِيث أبحر مُخْتَلف فِي إِسْنَاده اخْتِلَافا شَدِيدا.
    ........
    (14/250)
    وَقَالَ ابْن حزم فِي (مَرَاتِب الْإِجْمَاع) : إِن كَانَ أَبَوَاهُ يضيعان بِخُرُوجِهِ ففرضه سَاقِط عَنهُ إِجْمَاعًا وإلاَّ فالجمهور يوقفه على الاستيذان، والأجداد كالآباء والجدات كالأمهات،وَعند الْمُنْذِرِيّ: هَذَا فِي التَّطَوُّع، أما إِذا وَجب عَلَيْهِ فَلَا حَاجَة إِلَى إذنهما، وَإِن منعاه عصاهما، هَذَا إِذا كَانَا مُسلمين، فَإِن كَانَا كَافِرين فَلَا سَبِيل لَهما إِلَى مَنعه وَلَو نفلا، وطاعتهما حِينَئِذٍ مَعْصِيّة. وَعَن الثَّوْريّ: هما كالمسلمين،وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون هَذَا كُله بعد الْفَتْح وَسُقُوط فرض الْهِجْرَة وَالْجهَاد وَظُهُور الدّين، وَأَن يكون ذَلِك من الْأَعْرَاب وَغير من تجب عَلَيْهِ الْهِجْرَة، فرجح بر الْوَالِدين على الْجِهَاد. فَإِن قلت: هَل ينْدَرج فِي هَذَا الْمديَان؟قلت: قَالَ الشَّافِعِي،فِيمَا ذكره ابْن المناصف: لَيْسَ لَهُ أَن يَغْزُو إلاَّ بِإِذْنِهِ سَوَاء كَانَ مُسلما أَو غَيره، وَفرق مَالك بَين أَن يجد قَضَاء وَبَين أَن لَا يجد، فَإِن كَانَ عديماً فَلَا يرى بجهاده بَأْسا، وَإِن لم يسْتَأْذن غَرِيمه، فَإِن كَانَ مَلِيًّا وَأوصى بِدِينِهِ إِذا حل أعْطى دينه وَلَا يَسْتَأْذِنهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَا يتَوَقَّف على الْإِذْن مُطلقًا، وَالله أعلم.
    .........
    (14/250)
    (وتر) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق فِي جَمِيع الرِّوَايَات،وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: رُبمَا صحف من لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: وبر، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه جزم بذلك،وَقَالَ: وَهُوَ مَا ينْزع من الْجمال يشبه الصُّوف. قَالَ ابْن التِّين: فصحف. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَفِي المُرَاد بالأوتار ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم كَانُوا يقلدون الْإِبِل أوتار القسي لِئَلَّا تصيبها الْعين بزعمهم، فَأمروا بقطعها إعلاماً بِأَن الأوتار لَا ترد من أَمر الله تَعَالَى شَيْئا. الثَّانِي: لِئَلَّا تختنق الدَّابَّة بهَا عِنْد الركض، ويحكى ذَلِك عَن مُحَمَّد بن الْحسن من أَصْحَابنَا،وَعَن أبي عبيد مَا يرجحه فَإِنَّهُ قَالَ: نهى عَن ذَلِك لِأَن الدَّوَابّ تتأذى بذلك ويضيق عَلَيْهَا نَفسهَا ورعيها، وَرُبمَا تعلّقت بشجرة فاختنقت أَو تعوقت عَن السّير. الثَّالِث: أَنهم كَانُوا يعلقون فِيهَا الْأَجْرَاس، وَيدل عَلَيْهِ تبويب البُخَارِيّ كَمَا ذَكرْنَاهُ،وَقد حمل النَّضر بن شُمَيْل الأوتار فِي هَذَا الحَدِيث على معنى: التار،فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا تَطْلُبُوا بهَا دُخُول الْجَاهِلِيَّة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهَذَا تَأْوِيل بعيد. وَقَالَ النَّوَوِيّ: ضَعِيف وَمَال وَكِيع إِلَى قَول النَّضر،فَقَالَ: الْمَعْنى لَا تركبوا الْخَيل فِي الْفِتَن فَإِن من ركبهَا لم يسلم أَن يتَعَلَّق بِهِ وتر يطْلب بِهِ.
    ..........
    (14/253)
    عَن أبي هُرَيْرَة،رَفعه: الجرس مزمار الشَّيْطَان، وَهَذَا يدل على أَن الْكَرَاهَة فِيهِ لصورته لِأَن فِيهِ شبها بِصَوْت الناقوس وشكله. فَإِن قلت: الْكَرَاهَة فِيهِ للتَّحْرِيم أَو للتنزيه؟قلت: قَالَ النَّوَوِيّ وَغَيره: الْجُمْهُور على النَّهْي كَرَاهَة تَنْزِيه،وَقيل: كَرَاهَة تَحْرِيم،وَقيل: يمْنَع مِنْهُ قبل الْحَاجة، وَيجوز إِذا وَقعت الْحَاجة. وَعَن مَالك: تخْتَص الْكَرَاهَة من القلائد بالوتر وَيجوز بغَيْرهَا إِذا لم يقْصد دفع الْعين، هَذَا كُله فِي تَعْلِيق التمائم وَغَيرهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ قُرْآن وَنَحْوه، فَأَما مَا فِيهِ ذكر الله فَلَا نهي عَنهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجْعَل للتبرك لَهُ والتعوذ بأسمائه وَذكره، وَكَذَلِكَ لَا نهي عَمَّا يعلق لأجل الزِّينَة مَا لم يبلغ الْخُيَلَاء أَو السَّرف.
    .............
    (14/254)
    رَوْضَة خَاخ " بخاءين معجمتين بَينهمَا ألف وَقَالَ السُّهيْلي كَانَ هشيم يصحفها فَيَقُول خاج بخاء وجيم وَذكر البُخَارِيّ أَن أَبَا عوَانَة كَانَ يَقُولهَا كَمَا يَقُول هشيم وَذكر ياقوت مائَة وَثَلَاثِينَ رَوْضَة فِي بِلَاد الْعَرَب مِنْهَا رَوْضَة خَاخ وَهُوَ مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة
    .........
    (14/256)
    وَقَالَ الدَّاودِيّ الجاسوس يقتل وَإِنَّمَا نفى الْقَتْل عَن حَاطِب لما علم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُ وَلَكِن مَذْهَب الشَّافِعِي وَطَائِفَة أَن الجاسوس الْمُسلم يُعَزّر وَلَا يجوز قَتله وَإِن كَانَ ذَا هَيْئَة عُفيَ عَنهُ لهَذَا الحَدِيث وَعَن أبي حنيفَة وَالْأَوْزَاعِي ّ يوجع عُقُوبَة ويطال حَبسه وَقَالَ ابْن وهب من الْمَالِكِيَّة يقتل إِلَّا أَن يَتُوب وَعَن بَعضهم أَنه يقتل إِذا كَانَت عَادَته ذَلِك وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون وَقَالَ ابْن الْقَاسِم يضْرب عُنُقه لِأَنَّهُ لَا تعرف تَوْبَته وَبِه قَالَ سَحْنُون وَمن قَالَ بقتْله فقد خَالف الحَدِيث وأقوال الْمُتَقَدِّمين وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فَإِن كَانَ كَافِرًا يكون ناقضا للْعهد وَقَالَ أصبغ الجاسوس الْحَرْبِيّ يقتل وَالْمُسلم وَالذِّمِّيّ
    يعاقبان إِلَّا أَن يظاهرا على الْإِسْلَام فيقتلان وَفِيه كَمَا قَالَ الطَّبَرِيّ إِذا ظهر للْإِمَام رجل من أهل السّتْر أَنه قد كَاتب عدوا من الْمُشْركين ينذره مِمَّا أسره الْمُسلمُونَ فيهم من عزم وَلم يكن مَعْرُوفا بالغش لِلْإِسْلَامِ وَأَهله وَكَانَ ذَلِك من فعله هفوة وزلة من غير أَن يكون لَهَا أَخَوَات يجوز الْعَفو عَنهُ كَمَا فعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بحاطب من عَفوه عَن جرمه بَعْدَمَا اطلع عَلَيْهِ من فعله
    .......
    (14/257)
    فَنظر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ " أَي للْعَبَّاس قَمِيصًا أَي نظر يطْلب قَمِيصًا لأَجله فوجدوا قَمِيص عبد الله بن أبي بن سلول وَكَانَ الْعَبَّاس طوَالًا كَأَنَّهُ الْفسْطَاط وَكَانَ أَبوهُ عبد الْمطلب أطول مِنْهُ وَكَانَ ابْنه عبد الله إِذا مَشى مَعَ النَّاس كَأَنَّهُ رَاكب وَالنَّاس مشَاة وَكَانَ الْعَبَّاس أطول مِنْهُ فَلم يَجدوا قَمِيصًا قدره إِلَّا قَمِيص عبد الله بن أبي بن سلول وَهُوَ معنى قَوْله يقدر عَلَيْهِ بِضَم الدَّال من قدرت الثَّوْب عَلَيْهِ قدرا فانقدر أَي جَاءَ على الْمِقْدَار قَوْله " إِيَّاه " أَي قَمِيص عبد الله قَوْله " فَلذَلِك " أَي فلأجل ذَلِك نزع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَمِيصه من بدنه فألبسه عبد الله بعد وَفَاته مُكَافَأَة على صَنِيعه وَهُوَ معنى قَوْله قَالَ ابْن عُيَيْنَة أَي سُفْيَان بن عُيَيْنَة كَانَت لَهُ أَي لعبد الله عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَد أَي نعْمَة فَأحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُكَافِئهُ وَفِيه أَن الْمُكَافَأَة تكون فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات وَفِيه كسْوَة الْأُسَارَى وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَلَا يتركون عُرَاة فتبدو عَوْرَاتهمْ وَلَا يجوز النّظر إِلَى عورات الْمُشْركين
    ......
    (14/268)
    رَأَيْت عَمْرو بن دِينَار وَأَيوب وعمار الدهني اجْتَمعُوا فتذاكروا الَّذين أحرقهم عَليّ،فَقَالَ أَيُّوب: فَذكر الحَدِيث،قَالَ: فَقَالَ عمار: لم يحرقهم وَلَكِن حفر لَهُم حفائر وَحرق بَعْضهَا إِلَى بعض ثمَّ دخن عَلَيْهِم،وَقَالَ عَمْرو بن دِينَار: أَرَادَ بذلك الرَّد على عمار الدهني فِي إِنْكَاره أصل التحريق،وَقَالَ الْمُهلب: لَيْسَ نَهْيه عَن التحريق على التَّحْرِيم، وَإِنَّمَا هُوَ على سَبِيل التَّوَاضُع، وَالدَّلِيل على أَنه لَيْسَ بِحرَام سمل الشَّارِع أعين الرُّعَاة بالنَّار، وتحريق الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الْفُجَاءَة بالنَّار فِي مصلى الْمَدِينَة بِحَضْرَة الصَّحَابَة، وتحريق عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْخَوَارِج بالنَّار، وَأكْثر عُلَمَاء الْمَدِينَة يجيزون تحريق الْحُصُون على أَهلهَا بالنَّار، وَقَول أَكْثَرهم بتحريق المراكب، وَهَذَا كُله يدل على أَن معنى الحَدِيث على النّدب،وَمِمَّنْ كره رمي أهل الشّرك بالنَّار: عَمْرو بن عَبَّاس وَابْن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ قَول مَالك، وَأَجَازَهُ عَليّ، وَحرق خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَاسا من أهل الرِّدَّة،فَقَالَ عمر للصديق: إنزع هَذَا الَّذِي يعذب بِعَذَاب الله،فَقَالَ الصّديق: لَا أنزع سَيْفا سَله الله على الْمُشْركين، وَأَجَازَ الثَّوْريّ رمي الْحُصُون بالنَّار. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَا بَأْس أَن يدخن عَلَيْهِم فِي المطمورة إِذا لم يكن فِيهَا إلاَّ الْمُقَاتلَة ويحرقوا ويقتلوا كل قتال، وَلَو لَقِينَاهُمْ فِي الْبَحْر رميناهم بالنفط والقطران،
    ........
    (14/273)
    جَوَاز الاغتيال على من أعَان على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيد أَو مَال أَو رَأْي، وَكَانَ أَبُو رَافع يعادي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويؤلب النَّاس عَلَيْهِ. وَفِيه: جوز التَّجَسُّس على الْمُشْركين وَطلب غرتهم
    .........
    (14/274)
    نهى عَن تمني لِقَاء الْعَدو لما فِيهِ من الْإِعْجَاب والاتكال على الْقُوَّة، وَلِأَن النَّاس يَخْتَلِفُونَ فِي الصَّبْر على الْبلَاء ألاَ يُرى الَّذِي أحرقته الْجراح فِي بعض الْمَغَازِي مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقتل نَفسه، وَقَالَ الصّديق،رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لِأَن أعافَى فأشكر أحب إِلَيّ من أَن أبتلى فأصبر. وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،أَنه قَالَ لأبنه: يَا بني! لَا تدعوَنَّ أحدا إِلَى المبارزة، وَمن دعَاك إِلَيْهَا فَاخْرُج إِلَيْهِ،لِأَنَّهُ بَاغ وَالله تَعَالَى قد ضمن نصر من بغى عَلَيْهِ وَأما أَقْوَال الْعلمَاء فِيهِ فقد ذكر ابْن الْمُنْذر أَنه: أجمع كل من يحفظ عَنهُ الْعلم من الْعلمَاء على أَن للمرء أَن يبارز وَيَدْعُو إِلَى البرَاز بِإِذن الإِمَام غير الْحسن الْبَصْرِيّ، فَإِنَّهُ كرهها، هَذَا قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأحمد وَإِسْحَاق. وأباحته طَائِفَة وَلم يذكرُوا إِذن الإِمَام وَلَا غَيره، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، فَإِن طلبَهَا كَافِر يسْتَحبّ الْخُرُوج إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يحسن مِمَّن جرب نَفسه وَيَأْذَن الإِمَام،وَسُئِلَ مَالك عَن الرجل يَقُول بَين الصفين: من يبارز؟قَالَ: ذَلِك إِلَى نِيَّته، إِن كَانَ يُرِيد بذلك وَجه الله تَعَالَى فأرجو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس، قد كَانَ فعل ذَلِك من مضى،وَقَالَ أنس بن مَالك: قد بارز الْبَراء ابْن مَالك مرزبان فَقتله،وَقَالَ أَبُو قَتَادَة: بارزت رجلا يَوْم حنين فَقتلته، فَأَعْطَانِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سلبه وَلَيْسَ فِي خَبره أَنه اسْتَأْذن فِيهِ
    .......
    (14/275)
    ي رِوَايَة مُسلم، وَهلك فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، ومعناهما وَاحِد، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر أَولا قبل موت كسْرَى بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ علم أَنه يَمُوت ثمَّ لما مَاتَ،قَالَ: قد مَاتَ كسْرَى،وَالْآخر: أَن يفرق بَين الْمَوْت والهلاك، فموته قد وَقع فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبر بذلك، وَأما هَلَاك ملكه فَلم يَقع إلاَّ بعد مَوته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَوْت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا هلك ملكه فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَتَمَامه وتلاشيه فِي أَيَّام عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
    وَهَكَذَا جرى، اقتسم الْمُسلمُونَ كنوزهما فِي سَبِيل الله، وَهَذِه معْجزَة ظَاهِرَة، والكنوز جمع: كنز، وَهُوَ المَال المدفون وَالَّذِي يجمع ويدخر. وَاعْلَم أَن الْهَلَاك فِي كسْرَى عَام وَفِي قَيْصر خَاص، لِأَن معنى الحَدِيث: لَا قَيْصر بعده فِي أَرض الشَّام، وَقد دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقيصر لما قَرَأَ كِتَابه أَن يثبت الله ملكه، فَلم يذهب ملك الرّوم أصلا إلاَّ من الْجِهَة الَّتِي خلا مِنْهَا. وَأما كسْرَى فَإِنَّهُ مزق كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا عَلَيْهِ أَن يمزق ملكه كل ممزق فَانْقَطع إِلَى الْيَوْم وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
    ...........

    (14/276)
    حكى الطَّبَرِيّ عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ: جاؤوا بِرَأْس كَعْب بن الْأَشْرَف إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي كتاب (شرف الْمُصْطَفى) : أَن الَّذين قتلوا كَعْبًا حملُوا رَأسه فِي المخلاة، فَقيل: إِنَّه أول رَأس حمل فِي الْإِسْلَام. وَقيل: بل رَأس أبي غرَّة الجُمَحِي الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ) فَقتله وَاحْتمل رَأسه إِلَى الْمَدِينَة فِي رمح، وَأما أول مُسلم حمل رَأسه فِي الْإِسْلَام فعمرو بن الْحمق، وَله صُحْبَة.
    ........
    (14/287)
    وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إختلف السّلف: هَل يعلم الرجل الشجاع نَفسه عِنْد لِقَاء الْعَدو؟ فَقَالَ بَعضهم: ذَلِك جَائِز على مَا دلّ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث، وَقد أعلم حَمْزَة بن عبد الْمطلب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَفسه يَوْم بدر بريشة نعَامَة فِي صَدره، وَأعلم نَفسه أَبُو دُجَانَة بعصابة بِمحضر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْم بدر معمماً بعمامة صفراء، فَنزلت الْمَلَائِكَة معتمين بعمائم صفر. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي قَوْله تَعَالَى: {بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين} . انهم أَتَوا مُحَمَّدًا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مسومين بالصوف، فسوم مُحَمَّد وَأَصْحَابه أنفسهم وخيلهم على سِيمَاهُمْ بالصوف.
    وَكره آخَرُونَ التسويم والأعلام فِي الْحَرْب، وَقَالُوا: فعلُ ذَلِك من الشُّهْرَة، وَلَا يَنْبَغِي
    للْمُسلمِ أَن يشهر نَفسه فِي الْخَيْر وَلَا فِي الشَّرّ، قَالُوا: وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ إِذا فعل شَيْئا لله تَعَالَى أَن يخفيه عَن النَّاس: {إِن الله لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء} (آل عمرَان: 5) . رُوِيَ هَذَا عَن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ.
    وَالصَّوَاب مَعَ الْفَرِيق الأول: أَنه لَا بَأْس بالتسويم والأعلام فِي الْحَرْب إِذا فعله من هُوَ من أهل الْبَأْس والشدة والنجدة، وَهُوَ قَاصد بذلك حث النَّاس على الثَّبَات وَالصَّبْر لِلْعَدو فِي الملاقاة، وَفِيه ترهيب الْعَدو إِذا عرفُوا مَكَانَهُ، وَأما إِذا لم يقْصد ذَلِك بل قصد بِهِ الافتخار فَهُوَ مَكْرُوه، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّن يُقَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا، وَإِنَّمَا يُقَاتل للذّكر.
    ......
    (14/302)
    (هُوَ الدخ) ، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وبالخاء الْمُعْجَمَة، وَحكى صَاحب (الْمُحكم) الْفَتْح، وَوَقع عِنْد الْحَاكِم: الزخ، بِفَتْح الزَّاي بدل الدَّال، وَفَسرهُ: بِالْجِمَاعِ، وَاتفقَ الْأَئِمَّة على تغليطه فِي ذَلِك، وَيَردهُ مَا وَقع فِي حَدِيث أبي ذَر وَأخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار، فَأَرَادَ أَن يَقُول: الدُّخان فَلم يسْتَطع، فَقَالَ: الدخ،
    وَحكى الْخطابِيّ: أَن الْآيَة كَانَت حِينَئِذٍ مَكْتُوبَة فِي يَد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يهتد ابْن صياد مِنْهَا إلاَّ لهَذَا الْقدر النَّاقِص على طَرِيق الكهنة، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لن تعدو قدرك) أَي: قدر مثلك من الْكُهَّان الَّذِي يحفظون من إِلْقَاء شياطينهم مَا يختطفونه مختلطاً صدقه بكذبه، وَحكى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: أَن السِّرّ فِي امتحان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُ بِهَذِهِ الْآيَة. الْإِشَارَة إِلَى أَن عِيسَى بن مَرْيَم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، يقتل الدَّجَّال بجبل الدُّخان، فَأَرَادَ التَّعْرِيض لِابْنِ صياد بذلك
    ...........
    (14/308)
    اسْتَعَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِصَفْوَان بن أُميَّة فِي هوَازن، واستعار مِنْهُ مائَة درع بأداتها، وَخرج مَعَه صَفْوَان حَتَّى قَالَت لَهُ هوَازن: تقَاتل مَعَ مُحَمَّد وَلست على دينه؟ فَقَالَ: رب من قُرَيْش خير من رب من هوَازن، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قتال صَفْوَان مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعَارض قَوْله: (إِنَّا لَا نستعين بمشرك) وَقَالَ بَعضهم: هِيَ تَفْرِقَة لَا دَلِيل عَلَيْهَا، وَلَا أثر. قلت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد علم بِالْوَحْي أَنه لَا بُد من إِسْلَامه، وَلِهَذَا أعْطى لَهُ من الْغَنَائِم يَوْم حنين شَيْئا كثيرا، ثمَّ أسلم وَالله أعلم. وَمن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ليؤيد ... الحَدِيث، اسْتحْسنَ الْعلمَاء الدُّعَاء للسلاطين بالتأييد، وَشبهه من أهل الْخَيْر من حَيْثُ تأييدهم للدّين لَا من أَحْوَالهم الْخَارِجَة.
    .....
    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    ختم وتلخيص المجلد الرابع عشر
    ويليه " المجلد الخامس عشر "
    من " عمدة القاري "






  7. #267
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الجمعة
    الموافق : 17/ جمادى اأول / 1442 هجري
    الموافق / 1/ 1/2021 ميلادي
    تابع / المجلد الخامس عشر من " عمدة القاري " للحافظ بدر الدين العيني رحمه الله

    ................
    (15/4 )
    باللغة الفارسية نِسْبَة إِلَى فَارس بن عامور بن يافث بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَذَا قَالَه عَليّ بن كيسَان النسابة، وَحكى الْهَمدَانِي قَالَ: فَارس الْكُبْرَى ابْن كومرث، وَمَعْنَاهُ: الْحَيّ النَّاطِق، وأليت بن أميم ابْن لاوذ بن سَام بن نوح، وَقَالَ: المَسْعُودِيّ: من النَّاس من رأى أَن فَارس ابْن لامور بن سَام بن نوح، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّهُم من ولد هذرام بن أرفخشذ بن سَام بن نوح، وَأَنه ولد بضعَة عشر ولدا رجَالًا كلهم، كَانَ فَارِسًا شجاعاً فسموا الْفرس بالفروسية، وَكَانَ
    دينهم الصابئة ثمَّ تمجسوا وبنوا بيُوت النيرَان، وَكَانُوا أهل رياسة وسياسة وَحسن مملكة وتدبير للحرب وَوضع الْأَشْيَاء موَاضعهَا، وَلَهُم الترسل والخطابة والنظافة وتأليف الطَّعَام وَالطّيب واللباس، وَمن كتبهمْ استملى النَّاس رسوم الْملك.
    ..........
    (15/5)
    قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ليبين لَهُم: أَي ليفقهوا عَنهُ مَا يَدعُوهُم إِلَيْهِ فَلَا تكون لَهُم حجَّة على الله،وَلَا يَقُولُوا: لم نفهم مَا خوطبنا بِهِ. انْتهى. وَكَانَ البُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعرف الْأَلْسِنَة لِأَنَّهُ أرسل إِلَى الْأُمَم كلهَا على اخْتِلَاف ألسنتهم، فَجَمِيع الْأُمَم قومه بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمُوم رسَالَته،فَاقْتضى أَن يعرف ألسنتهم ليفهم عَنْهُم ويفهموا عَنهُ وَالدَّلِيل على عُمُوم رسَالَته قَوْله تَعَالَى: {قل يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا} (الْأَعْرَاف: 851) . بل إِلَى الثقلَيْن، وهم على أَلْسِنَة مُخْتَلفَة.
    .......
    (15/5)
    (إِن جَابِرا قد صنع سوراً) وَهُوَ بِضَم السِّين وَسُكُون الْوَاو، وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يدعى إِلَيْهِ،وَقيل: الطَّعَام مُطلقًا وَهِي لَفْظَة فارسية،وَقيل: السؤر الْوَلِيمَة، بِالْفَارِسِيَّ ةِ،وَقيل: السُّور بلغَة الْحَبَشَة: الطَّعَام، لَكِن الْعَرَب تَكَلَّمت بهَا فَصَارَت من كَلَامهَا،وَأما السؤر بِالْهَمْزَةِ فَهُوَ: بَقِيَّة من مَاء أَو طَعَام أَو غير ذَلِك
    .......
    (15/8)
    رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة اللَّيْثِيّ الْمدنِي. قَالَ: دخلت مَعَ مسلمة بن عبد الْملك أَرض الرّوم. فَأتي بِرَجُل قد غل، فَسَأَلَ سالما،أَي: ابْن عبد الله بن عمر، عَنهُ،قَالَ: سَمِعت أبي يحدث عَن عَمْرو، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،قَالَ: إِذا وجدْتُم الرجل غل فأحرقوا مَتَاعه، وَفِيه صَالح بن مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ ضَعِيف، ضعفه يحيى وَالدَّارَقُطْن ِيّ،وَقَالَ البُخَارِيّ: يحتجون بِهَذَا الحَدِيث فِي إحراق رَحل الغال، وَهُوَ بَاطِل لَيْسَ لَهُ أصل، وَرُوَاته لَا يعْتَمد عَلَيْهِم، وَأَن الصَّحِيح هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ذكر التحريق
    قال البخاري : حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ وعنْ سالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وَقَالَ كانَ علَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلٌ يُقالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَماتَ فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ فِي النَّارِ فذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ فوَجَدُوا عَباءَةً قدْ غَلَّها
    ........
    (15/11)
    قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وللعرب أَرْبَعَة جبال اسْم كل وَاحِد ثبير، وَكلهَا حجازية، وَالْهجْرَة انْقَطَعت بعد فتح مَكَّة لِأَن الْمُؤمنِينَ كَانُوا يفرون بدينهم إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله مَخَافَة أَن يفتنوا، وَأما الْيَوْم فقد أظهر الله الْإِسْلَام وَالْمُؤمن يعبد ربه حَيْثُ شَاءَ وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة،
    ........
    (15/20)
    من جملَة مَا سَأَلت فَاطِمَة مِيرَاثهَا من خَيْبَر، وَقد ذكر الزُّهْرِيّ أَن بعض خَيْبَر صلح وَبَعضهَا عنْوَة، فَجرى فِيهَا الْخمس، وَقد جَاءَ فِي بعض طرق الحَدِيث فِي كتاب الْمَغَازِي،وَقَالَت عَائِشَة: إِن فَاطِمَة جَاءَت تسْأَل نصِيبهَا مِمَّا ترك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وفدك، وَمَا بَقِي من خمس خَيْبَر، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ البُخَارِيّ، وَاسْتغْنى بشهرة الْأَمر عَن إِيرَاده مكشوفاً بِلَفْظ الْخمس فِي هَذَا الْبَاب.

    ......
    (15/20)
    وَقَالَ ابْن التِّين: حكى ابْن بطال أَن طَائِفَة من الشِّيعَة تزْعم أَنه لَا يُورث،قَالُوا: وَلم تطالب فَاطِمَة بِالْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا طالبت بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحلهَا من غير علم
    أبي بكر، وَأنكر هَذَا،وَقَالُوا: مَا ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحلهَا شَيْئا وَلَا أَنَّهَا طالبت بِهِ. فَإِن قلت: رووا أَن فَاطِمَة طلبت فدك، وَذكرت أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقطعها إِيَّاهَا وَشهد عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على ذَلِك فَلم يقبل أَبَا بكر شَهَادَته، لِأَنَّهُ زَوجهَا. قلت: هَذَا لَا أصل لَهُ وَلَا يثبت بِهِ رِوَايَة أَنَّهَا ادَّعَت ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ أَمر مفتعل لَا يثبت
    ........
    (15/20)
    قَوْله: (لَا نورث) ،قَالَ الْقُرْطُبِيّ: جَمِيع الرواه لهَذِهِ اللَّفْظَة يَقُولُونَهَا بالنُّون: لَا نورث، يَعْنِي جمَاعَة الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام،كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث.
    وَقد صحف بعض الشِّيعَة هَذَا وَقَالَ: لَا يُورث، بياء آخر الْحُرُوف، وَمَا تركنَا صَدَقَة،بِالنّصب على أَن يَجْعَل: مَا، مَفْعُولا لما لم يسم فَاعله،و: صَدَقَة، تنصب على الْحَال،يكون معنى الْكَلَام: أَن مَا نَتْرُك صَدَقَة لَا يُورث، وَهَذَا مُخَالف لما وَقع فِي سَائِر الرِّوَايَات، وَإِنَّمَا فعل الشِّيعَة هَذَا واقتحموه لما يلْزمهُم على رِوَايَة الْجُمْهُور من فَسَاد مَذْهَبهم،لأَنهم يَقُولُونَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُورث كَمَا يُورث غَيره من الْمُسلمين مُتَمَسِّكِينَ بِعُمُوم الْآيَة الْكَرِيمَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا نورث بِفَتْح الرَّاء، وَالْمعْنَى على الْكسر أَيْضا صَحِيح.
    ثمَّ الْحِكْمَة فِي سَبَب عدم مِيرَاث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَنه لَا يظنّ بهم أَنهم جمعُوا المَال لورثتهم،وَقيل: لِئَلَّا يخْشَى على وارثهم أَن يتَمَنَّى لَهُم الْمَوْت فَيَقَع فِي مَحْذُور عَظِيم. وَقيل: لأَنهم كالآباء لأمتهم، فَمَا لَهُم لكل أَوْلَادهم، وَهُوَ معنى الصَّدَقَة.
    ........
    (15/22)
    دفع عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الصَّدَقَة الْمَذْكُورَة إِلَى عَليّ بن أبي طَالب وعباس عَمه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليتصرفا فِيهَا وينتفعا مِنْهَا بِقدر حَقّهمَا، كَمَا تصرف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا على جِهَة تَمْلِيكه لَهما. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لما ولي عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم يُغير هَذِه الصَّدَقَة عَمَّا كَانَت فِي أَيَّام الشَّيْخَيْنِ، ثمَّ كَانَت بعده بيد الْحسن ثمَّ بيد الْحُسَيْن ثمَّ بيد عَليّ بن الْحُسَيْن ثمَّ بيد الْحسن بن الْحسن ثمَّ بيد زيد بن الْحسن ثمَّ بيد عبد الله بن حُسَيْن ثمَّ وَليهَا بَنو الْعَبَّاس على مَا ذكره البرقاني فِي (صَحِيحه) وَلم يرو عَن أحد من هَؤُلَاءِ أَنه تَملكهَا وَلَا ورثهَا وَلَا ورثت عَنهُ، فَلَو كَانَ مَا يَقُوله الشِّيعَة حَقًا لأخذها عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَو أحد من أهل بَيته لما ولوها.
    .......
    (15/30)
    وَفِي رِوَايَة مُسلم: إقض بيني وَبَين هَذَا الْكَاذِب الْإِثْم الغادر الخائن،يَعْنِي: الْكَاذِب إِن لم ينصف، فَحذف الْجَواب. وَزعم الْمَازرِيّ أَن هَذِه اللَّفْظَة ننزه الْقَائِل وَالْمقول فِيهِ عَنْهَا وننسبها إِلَى أَن بعض الروَاة وهم فِيهَا، وَقد أزالها بعض النَّاس من كِتَابه تورعاً، وَإِن لم يكن الْحمل فِيهَا على الروَاة فأجود مَا يحمل عَلَيْهِ أَن الْعَبَّاس قَالَهَا إدلالاً عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة وَالِده، وَلَعَلَّه أَرَادَ ردع عَليّ عَمَّا يعْتَقد أَنه مخطىء فِيهِ، وَأَن هَذِه الْأَوْصَاف يَتَّصِف بهَا لَو كَانَ يَفْعَله عَن قصد، وَإِن كَانَ عَليّ لَا يَرَاهَا مُوجبَة لذَلِك فِي اعْتِقَاده، وَهَذَا كَمَا يَقُول الْمَالِكِي شَارِب النَّبِيذ نَاقص الدّين والحنفي يعْتَقد أَنه لَيْسَ بناقص وكل وَاحِد محق فِي اعْتِقَاده وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل لِأَن هَذِه الْقَضِيَّة جرت بِحَضْرَة عمر وَالصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلم يُنكر أحد مِنْهُم هَذَا الْكَلَام مَعَ تشددهم فِي إِنْكَار الْمُنكر، وَمَا ذَلِك إلاَّ أَنهم فَهموا بِقَرِينَة الْحَال أَنه تكلم بِمَا لَا يَعْتَقِدهُ. انْتهى. قلت: كل هَذَا لَا يُفِيد شَيْئا، بل يجب إِزَالَة هَذِه اللَّفْظَة عَن الْكتاب، وحاشا من عَبَّاس أَن يتَلَفَّظ بهَا وَلَا سِيمَا بِحَضْرَة عمر بن الْخطاب وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة، وَلم يكن عمر مِمَّن يسكت عَن مثل هَذَا لصلابته فِي أُمُور الدّين وَعدم مبالاته من أحد، وَفِي مَا قَالَه نِسْبَة عمر إِلَى ترك الْمُنكر وعجزه عَن إِقَامَة الْحق، فاللائق لحَال الْكل إِزَالَة هَذِه من الْوسط، فَلَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل غير طائل، فَافْهَم. قَوْله: (وهما يختصمان) أَي: الْعَبَّاس وَعلي يختصمان،أَي: يتجادلان ويتنازعان،
    وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي: أَن عليا وَالْعَبَّاس استبَّا يَوْمئِذٍ
    ...........
    (15/27)
    لَا يُنكر أَن يخفى على الْفَقِيه والعالم بعض الْأُمُور مِمَّا علمه غَيره، كَمَا خَفِي على فَاطِمَة التَّخْصِيص فِي ذَلِك،وَكَذَلِكَ يُقَال: إِنَّه خَفِي على عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ذَلِك وَكَذَلِكَ على الْعَبَّاس حَتَّى طلبا الْمِيرَاث،وَقد يُقَال: لم يخف ذَلِك عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَا ذهلا ونسيا حَتَّى ذكرهمَا أَبُو بكر فَرَجَعَا إِلَيْهِ،بِدَلِيل أَن عمر نشدهما بِاللَّه: هَل تعلمان ذَلِك؟فَقَالَا: نعم. وَفِيه: أَن فِي طلب فَاطِمَة مِيرَاثهَا من أَبِيهَا وَطلب الْعَبَّاس دَلِيلا على أَن الأَصْل فِي الْأَحْكَام الْعُمُوم وَعدم التَّخْصِيص حَتَّى يرد مَا يدل على التَّخْصِيص، وعَلى أَن الْمُتَكَلّم دَاخل فِي عُمُوم كَلَامه،حَيْثُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من ترك مَالا فلأهله، وَهَذَا قَول أَكثر أهل الْأُصُول، خلافًا للحنابلة وَابْن خويز منداد،وَعند كثير من الْقَائِلين بِالْعُمُومِ: إِن هَذَا الْخطاب وَسَائِر العمومات لَا يدْخل فِيهَا سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن الشَّرْع ورد بالتفرقة بَينه وَبَين أمته، وَلَو ثَبت الْعُمُوم لوَجَبَ تخصيصها،وَهَذَا الْخَبَر وَمَا فِي مَعْنَاهُ يُوجب تَخْصِيص الْآيَة: {وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف} (النِّسَاء: 11) . وَخبر الْآحَاد يخصص، فَكيف مَا كَانَ هَذَا سَبيله، وَهُوَ الْقطع بِصِحَّتِهِ؟ وَالله أعلم.
    ........
    (15/28)
    (تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى) ،وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ مَا بَين مُحَمَّد وَعِيسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام،وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: مَا بَين دَاوُد وَسليمَان،وَقَالَ الْكَلْبِيّ: الْجَاهِلِيَّة الأولى هِيَ الزَّمَان الَّذِي ولد فِيهِ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَت الْمَرْأَة من أهل ذَلِك الزَّمَان تتَّخذ الدرْع من اللُّؤْلُؤ فتلبسه ثمَّ تمشي وسط الطَّرِيق لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء غَيره وَتعرض نَفسهَا على الرِّجَال، فَكَانَ ذَلِك فِي زمن نمْرُود وَالنَّاس حِينَئِذٍ كلهم كفار.

    ..........
    (15/32)
    أَن هَذَا السَّيْف هُوَ ذُو الفقار لِأَن سبط ابْن الْجَوْزِيّ ذكر فِي (تَارِيخه) وَلم يزل ذُو الفقار عِنْده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وهبه لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قبل مَوته،ثمَّ انْتقل إِلَى آله وَكَانَت لَهُ عشرَة أسياف مِنْهَا: ذُو الفقار، تنفله يَوْم بدر.
    ...........
    (15/34)
    أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أرسل إِلَى عُثْمَان صحيفَة فِيهَا بَيَان أَحْكَام الصَّدقَات،وَقَالَ: مر سعاتك يعْملُونَ بهَا،أَي: بِهَذِهِ الصَّحِيفَة،ويروى: يعْملُونَ فِيهَا، أَي بِمَا فِيهَا.
    وَأما فعل عُثْمَان فِي صَدَقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن أبي حميد: حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة،قَالَ: لما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،جمع بني أُميَّة فَقَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت لَهُ فدك، وَكَانَ يَأْكُل مِنْهَا وَينْفق وَيعود على فُقَرَاء بني هَاشم ويزوج مِنْهَا أيمهم، وَأَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، سَأَلته أَن يَجْعَلهَا لَهَا فأبي، فَكَانَت كَذَلِك حَيَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قبض، ثمَّ ولي أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَانَت كَذَلِك
    .........
    (15/37)
    ن الْخمس والفيء مصرفهما وَاحِد، وَذهب الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وأصحابهما وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَإِسْحَاق وَالنَّسَائِيّ وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث وَالْفِقْه إِلَى التَّفْرِيق بَين مصرف الْفَيْء وَالْخمس،فَقَالُوا: بالخمس مَوْضُوع فِيمَا عينه الله فِيهِ من الْأَصْنَاف المسمين فِي آيَة الْخمس من سُورَة الْأَنْفَال لَا يتَعَدَّى بِهِ إِلَى غَيرهم، وَلَهُم مَعَ ذَلِك فِي تَوْجِيه قسمه عَلَيْهِم بعد وَفَاة سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلاف، وَأما الْفَيْء فَهُوَ الَّذِي يرجع النّظر فِي مصرفه إِلَى الإِمَام بِحَسب الْمصلحَة وَالِاجْتِهَاد.

    (15/39)
    تقرر الْإِجْمَاع على إِبَاحَة التَّسْمِيَة بأسماء الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتسَمى جمَاعَة من الصَّحَابَة بأسماء الْأَنْبِيَاء وَكره بعض الْعلمَاء فِيمَا حَكَاهُ عِيَاض التسمي بأسماء الْمَلَائِكَة وَهُوَ قَول الْحَارِث بن مِسْكين قَالَ وَكره مَالك التسمي بِجِبْرِيل وإسرافيل وَمِيكَائِيل وَنَحْوهَا من أَسمَاء الْمَلَائِكَة وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ مَا قنعتم بأسماء بني آدم حَتَّى سميتم بأسماء الْمَلَائِكَة
    .......
    (15/44)
    فَقَالَ أَبُو عبيد: وجدنَا الْآثَار عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده قد جَاءَت فِي افْتِتَاح الأَرْض ثَلَاثَة أَحْكَام. أَرض أسلم أَهلهَا عَلَيْهَا فَهِيَ لَهُم ملك، وَهِي أَرض عشر لَا شَيْء فِيهَا غَيره. وَأَرْض افتتحت صلحا على خراج مَعْلُوم فهم على مَا صولحوا عَلَيْهِ لَا يلْزمهُم أَكثر مِنْهُ. وَأَرْض أخذت عنْوَة وَهِي الَّتِي أختلف فِيهَا الْمُسلمُونَ،فَقَالَ بَعضهم: سبيلهم سَبِيل الْغَنِيمَة فَيكون أَرْبَعَة أخماسها حصصاً بَين الَّذين افتتحوها خَاصَّة، وَالْخمس الْبَاقِي لمن سمى االله،وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر، وَبِه أَشَارَ الزبير بن الْعَوام على عَمْرو بن الْعَاصِ حِين افْتتح مصر،قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ بَعضهم: بل حكمهَا وَالنَّظَر فِيهَا إِلَى الإِمَام إِن رأى أَن يَجْعَلهَا غنيمَة فيخمسها ويقسمها، كَمَا فعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك لَهُ، وَإِن رأى أَن يَجْعَلهَا مَوْقُوفَة على الْمُسلمين مَا بقوا كَمَا فعل عمر فِي السوَاد، فَذَلِك لَهُ،وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه وَالثَّوْري فِيمَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ وَقَالَ مَالك: يجْتَهد فِيهَا الإِمَام وَقَالَ فِي الْقنية: الْعَمَل فِي أَرض العنوة على فعل عمر،رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن لَا تقسم وتقر بِحَالِهَا، وَقد ألح بِلَال، وَأَصْحَاب لَهُ على عمر فِي قسم الأَرْض بِالشَّام،فَقَالَ: اللَّهُمَّ أكفنيهم فَمَا أَتَى الْحول وَقد بَقِي مِنْهُم أحد
    ......
    (15/49)
    انَ مَعَه سِتّمائَة ألف دِينَار وَقدم ابْن عَامر من الْبَصْرَة بِأَكْثَرَ من ذَلِك فَاجْتمع بَنو أُميَّة بِالْأَبْطح وَقَامَت عَائِشَة فِي النَّاس تحضهم على الْقيام بِطَلَب دم عُثْمَان وطاوعوها فِي ذَلِك وَخَرجُوا وتوجهوا نَحْو الْبَصْرَة وَكَانَت عَائِشَة تحمل فِي هودج على جمل اسْمه عَسْكَر اشْتَرَاهُ يعلى بن أُميَّة من رجل من عرينة بِمِائَتي دِينَار وَكَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي يدلهم على الطَّرِيق وَكَانُوا لَا يَمرونَ على مَاء وَلَا وَاد إِلَّا سَأَلُوهُ عَنهُ حَتَّى وصلوا إِلَى مَوضِع يُسمى حوءب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْهمزَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة وَهُوَ مَاء قريب من الْبَصْرَة فنبحت كلابه فَقَالُوا أَي مَاء هَذَا قَالَ الدَّلِيل هَذَا مَاء الحوءب فحين سَمِعت عَائِشَة بذلك صرخت بِأَعْلَى صَوتهَا وَضربت عضد بَعِيرهَا فأناخته فَقَالَت أَنا وَالله صَاحِبَة الحوءب ردوني ردوني تَقول ذَلِك فأناخوا حولهَا وهم على ذَلِك وَهِي تأبى الْمسير حَتَّى إِذا كَانَت السَّاعَة الَّتِي أناخت فِيهَا من الْغَد جاءها عبد الله بن الزبير فَقَالَ النَّجَاء النَّجَاء فقد أدرككم عَليّ ابْن أبي طَالب فَعِنْدَ ذَلِك رحلوا وَأما حَدِيث الحوءب فَأخْرجهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عَائِشَة قَالَت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لي ذَات يَوْم كَيفَ بإحداكن إِذا نبحتها كلاب الحوءب فَعرفت الْحَال عِنْد ذَلِك فَأَرَادَتْ الرُّجُوع وَأما عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ خرج فِي آخر شهر ربيع الآخر فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ من الْمَدِينَة فِي تِسْعمائَة مقَاتل وَقيل لما بلغ عليا مسير عَائِشَة وَطَلْحَة وزبير إِلَى الْبَصْرَة سَار نحوهم فِي أَرْبَعَة آلَاف من أهل الْمَدِينَة فيهم أَرْبَعمِائَة مِمَّن بَايعُوا تَحت الشَّجَرَة وَثَمَانمِائَة من الْأَنْصَار ورايته مَعَ ابْنه مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وعَلى ميمنته الْحسن بن عَليّ وعَلى ميسرته الْحُسَيْن بن عَليّ وعَلى الْخَيل عمار بن يَاسر وعَلى الرجالة مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وعَلى مقدمته عبد الله بن عَبَّاس ثمَّ اجْتَمعُوا كلهم عِنْد قصر عبيد الله بن زِيَاد وَنزل النَّاس فِي كل نَاحيَة وَقد اجْتمع مَعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عشرُون ألفا والتفت على عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَمن مَعهَا نَحْو من ثَلَاثِينَ ألفا وَقَامَت الْحَرْب على سَاقهَا فتصافوا وتصاولوا وتجاولوا وَكَانَ من جملَة من يبارز الزبير وعمار فَحمل عمار نَحوه بِالرُّمْحِ
    وَالزُّبَيْر كَاف عَنهُ لقَوْل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تقتلك الفئة الباغية وَقتل نَاس كثير وَرجع الزبير عَن الْقِتَال وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَ زِمَام الْجمل بيد كَعْب بن سور وَمَا كَانَ يَأْخُذ زِمَام الْجمل إِلَّا من هُوَ مَعْرُوف بالشجاعة مَا أَخذه أحد إِلَّا قتل وَحمل عَلَيْهِ عدي بن حَاتِم وَلم يبْق إِلَّا عقره ففقئت عين عدي وَاجْتمعَ بَنو ضبة عِنْد الْجمل وقاتلوا دونه قتالا لم يسمع مثله فَقطعت عِنْده ألف يَد وَقتل عَلَيْهِ ألف رجل مِنْهُم وَقَالَ ابْن الزبير جرحت على زِمَام الْجمل سَبْعَة وَثَلَاثِينَ جِرَاحَة وَمَا أحد أَخذ بِرَأْسِهِ إِلَّا قتل أَخذه عبد الرَّحْمَن بن عتاب فَقتل ثمَّ أَخذه الْأسود بن البحتري فَقتل وعد جمَاعَة وَغلب ابْن الزبير من الْجِرَاحَات
    ........
    (15/54)
    وَعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لم يحضر بَدْرًا لأجل ذَلِك وعد ابْن اسحاق الَّذين غَابُوا عَن بدر ثَمَانِيَة أَو تِسْعَة وهم عُثْمَان بن عَفَّان تخلف لذَلِك، وَطَلْحَة بن عبيد الله كَانَ بِالشَّام فَضرب لَهُ سَهْمه وأجره، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل كَانَ بِالشَّام أَيْضا، وَأَبُو لبَابَة بشير بن عبد الْمُنْذر رده رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الروحاء حِين بلغه خُرُوج النفير من مَكَّة فَاسْتَعْملهُ على الْمَدِينَة، والْحَارث بن حَاطِب بن عبيد رده أَيْضا من الطَّرِيق، والْحَارث بن الصمَّة انْكَسَرَ بِالرَّوْحَاءِ فَرجع، وخوات ابْن جُبَير لم يحضر الْوَقْعَة، وَأَبُو الصَّباح بن ثَابت خرج مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأصَاب سَاقه نصل حجر فَرجع، وَسعد بن مَالك تجهز ليخرج فَمَاتَ،وَقيل: إِنَّه مَاتَ فِي الروحاء فَضرب لكل وَاحِد مِنْهُم سَهْمه وأجره
    ...........
    (15/58)
    دلَالَة على أَن من حلف على فعل شَيْء أَو تَركه وَكَانَ الْحِنْث خيرا من التَّمَادِي على الْيَمين اسْتحبَّ لَهُ الْحِنْث، وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ. وَأَجْمعُوا على أَنه: لَا تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث، وعَلى أَنه يجوز تَأْخِيرهَا عَن الْحِنْث، وعَلى أَنه لَا يجوز تَقْدِيمهَا قبل الْيَمين. وَاخْتلفُوا فِي جَوَازهَا بعد الْيَمين، وَقبل الْحِنْث، فجوزها مَالك وَالْأَوْزَاعِي ّ وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ، وَاسْتثنى الشَّافِعِي التَّكْفِير بِالصَّوْمِ،فَقَالَ: لَا يجوز قبل الْحِنْث، وَأما التَّكْفِير بِالْمَالِ فَيجوز،وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأَشْهَب الْمَالِكِي: لَا يجوز تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث بِكُل حَال.
    ....
    (15/60)
    وَقَالَ الذَّهَبِيّ: ذُو الْخوَيْصِرَة الْقَائِل،فَقَالَ: يَا رَسُول الله إعدل،يُقَال هُوَ: حرقوص بن زُهَيْر رَأس الْخَوَارِج، قتل فِي الْخَوَارِج يَوْم النَّهر.
    ......
    (15/64)
    وَقَالَ ابْن جرير: وَكَانَ هَاشم توأم أَخِيه عبد شمس وَأَن هاشماً خرج وَرجله ملتصقة بِرَأْس عبد شمس، فَمَا تخلصت حَتَّى سَالَ بَينهمَا، دم، فتفاءل النَّاس بذلك أَن يكون بَين أولادهما حروب، فَكَانَت وقْعَة بني الْعَبَّاس مَعَ بني أُميَّة بن عبد شمس سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة من الْهِجْرَة.
    .........
    (15/65)
    هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة قد سادوا قَومهمْ بعد أَبِيهِم وَصَارَت إِلَيْهِم الرياسة،فَكَأَن يُقَال لَهُم: المجيرون، وَذَلِكَ لأَنهم أخذُوا لقومهم قُرَيْش الْأمان من مُلُوك الأقاليم ليدخلوا فِي التِّجَارَات إِلَى بلدانهم، فَكَانَ هَاشم قد أَخذ أَمَانًا من مُلُوك الشَّام وَالروم وغسان، وَأخذ لَهُم عبد شمس من النَّجَاشِيّ الْأَكْبَر ملك الْحَبَشَة، وَأخذ لَهُم نَوْفَل من الأكاسرة، وَأخذ لَهُم الْمطلب أَمَانًا من مُلُوك حمير، وَكَانَت إِلَى هَاشم السِّقَايَة والرفادة بعد أَبِيه، وَإِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيه الْمطلب نسب ذَوي الْقُرْبَى، وَقد كَانُوا شَيْئا وَاحِدًا،
    .........

  8. #268
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الثلاثاء
    الموافق : 21 / جمادى الأولى /1442 هجري
    الموافق : 5/ يناير / 2021 ميلادي

    (15/78)
    وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث غَالب بن أبجر أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله {لم يبْق فِي مَالِي شيى أطْعم أَهلِي إلاَّ حمر لي} فَقَالَ: أطْعم أهلك من سمين مَالك. قلت: الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة ترد ذَلِك كُله،وَقَالَ الْخطابِيّ: حَدِيث غَالب مُخْتَلف فِي إِسْنَاده فَلَا يثبت، وَالنَّهْي ثَابت،وَقَالَ عبد الْحق: لَيْسَ هُوَ بِمُتَّصِل الْإِسْنَاد،وَقَالَ السُّهيْلي: ضَعِيف لَا يُعَارض بِمثلِهِ حَدِيث النَّهْي.
    ............
    (15/78)
    وَعند الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يُؤْخَذ إلاَّ من أهل الْكتاب،وَعند مَالك: يجوز أَن تضرب الْجِزْيَة على جَمِيع الْكفَّار من كتابي ومجوسي ووثني وَغير ذَلِك، إلاَّ من ارْتَدَّ، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وفقهاء الشَّام.
    وقالَ ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ ابنِ أبِي نَجِيحٍ قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ مَا شأنُ أهْلِ الشَّامِ علَيْهِمْ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وأهلُ اليَمَنِ علَيْهِمْ دِينَار قالَ جُعِلِ ذالِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسارِ
    ........
    (15/79)
    سنة سبعين " فِيهَا حج مُصعب بن الزبير وَأَخُوهُ يَدعِي لَهُ بالخلافة بالحجاز وَالْعراق وَقدم بأموال عَظِيمَة ودواب وَظهر فَفرق الْجَمِيع فِي قومه وَغَيرهم وَنحر عِنْد الْكَعْبَة ألف بَدَنَة وَعشْرين ألف شَاة وأغنى سَاكِني مَكَّة وَعَاد إِلَى الْكُوفَة
    .........
    (15/80)
    أَن الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَغَيرهمَا رووا بِإِسْنَاد حسن عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ الْمَجُوس أهل كتاب يقرؤنه وَعلم يدرسونه فَشرب أَمِيرهمْ الْخمر فَوَقع على أُخْته فَلَمَّا أصبح دَعَا أهل الطمع فَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ إِن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ ينْكح أَوْلَاده بَنَاته فأطاعوه فَقتل من خَالفه فَأسْرى على كِتَابهمْ وعَلى مَا فِي قُلُوبهم فَلم يبْق عِنْدهم شَيْ
    ..........
    (15/83)
    أما الهرمزان فَكَانَ ملكا كَبِيرا من مُلُوك الْعَجم، وَكَانَت تَحت يَده كورة الأهواز، وكورة جندي سَابُور، وكورة السوس، وكورة السرق، وكورة نهر بَين، وكورة نهر تيري، ومناذر، بِفَتْح الْمِيم وَالنُّون وَبعد الْألف ذال مُعْجمَة وَفِي آخِره رَاء، وَكَانَ الهرمزان فِي الْجَيْش الَّذين أرسلهم يزدجر إِلَى قتال الْمُسلمين وهم على الْقَادِسِيَّة، وَهِي قَرْيَة على طَرِيق الْحَاج على مرحلة من الْكُوفَة، وأمير الْمُسلمين يَوْمئِذٍ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ رَأس جَيش الْعَجم رستم فِي مائَة ألف وَعشْرين ألفا يتبعهَا ثَمَانُون ألفا، وَمَعَهُمْ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ فيلاً، وَكَانَ الهرمزان رَأس الميمنة، وَزعم ابْن إِسْحَاق أَن الْمُسلمين كَانُوا مَا بَين السَّبْعَة آلَاف إِلَى الثَّمَانِية آلَاف، وَوَقع بَينهم قتال عَظِيم لم يعْهَد مثله، وأبلى فِي ذَلِك الْيَوْم جمَاعَة من الشجعان مثل طليحة الْأَسدي وَعَمْرو بن معدي كرب والقعقاع بن عَمْرو وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ وَضِرَار بن الْخطاب وخَالِد بن عرفطة وأمثالهم، وَكَانَت الْوَقْعَة بَينهم يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل الْمحرم عَام أَربع عشرَة، وَأرْسل الله تَعَالَى فِي ذَلِك الْيَوْم ريحًا شَدِيدَة أرمت خيام الْفرس من أماكنها، وَأَلْقَتْ سَرِير رستم مقدم الْجَيْش، فَركب بغلة وهرب، وأدركه الْمُسلمُونَ وقتلوه، وانهزمت الْفرس وَقتل الْمُسلمُونَ مِنْهُم خلقا كثيرا، وَكَانَ فيهم المسلسلون ثَلَاثِينَ ألف فَقتلُوا بكمالهم، وَقتل فِي المعركة عشرَة آلَاف،وَقيل: قريب من ذَلِك، وَلم يزل الْمُسلمُونَ وَرَاءَهُمْ إِلَى أَن دخلُوا مَدِينَة الْملك، وَهِي الْمَدَائِن الَّتِي فِيهَا إيوَان كسْرَى، وَكَانَ الهرمزان من جملَة الهاربين، ثمَّ وَقعت بَينه وَبَين الْمُسلمين وقْعَة، ثمَّ وَقع الصُّلْح بَينه وَبَين الْمُسلمين،ثمَّ نقض الصُّلْح ثمَّ: جمع أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْجَيْش وحاصروا هرمزان فِي مَدِينَة تستر، وَلما اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمر بعث إِلَى أبي مُوسَى فَسَأَلَ الْأمان إِلَى أَن يحملهُ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَوجه مَعَه الْخمس من غَنَائِم الْمُسلمين، فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ وَوَقع نظره عَلَيْهِ سجد لله تَعَالَى، وَجرى بَينه وَبَين عمر محاورات، ثمَّ بعد ذَلِك أسلم طَائِعا غير مكره، وَأسلم من كَانَ مَعَه من أَهله وَولده وخدمه، ثمَّ قربه عمر وَفَرح بِإِسْلَامِهِ،فَهَذِهِ قصَّة إِسْلَام هرمزان الَّذِي قَالَ فِي حَدِيث الْبَاب: فَأسلم الهرمزان، وَكَانَ لَا يُفَارق عمر حَتَّى قتل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فاتهمه بعض النَّاس بممالأة أبي لؤلؤه فَقتله عبيد الله بن عمر.
    .......
    (15/86)
    نهاوند
    الَّذِي بناها نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،وَكَانَت تسمى: نوح أوند،يَعْنِي: عمرها نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فأبدلوا الْحَاء هَاء، وَهِي مَدِينَة جنوبي هَمدَان وَلها أَنهَار وبساتين، وَهِي كَثِيرَة الْفَوَاكِه وَتحمل فواكهها إِلَى الْعرَاق لجودتها، مِنْهَا إِلَى هَمدَان أَرْبَعَة عشر فرسخاً، وَهِي من بِلَاد عراق الْعَجم فِي حد بِلَاد الجيل
    كَانَ عَامل كسْرَى الَّذِي على هَؤُلَاءِ الْجَيْش الغيرزان، وَيُقَال: بنْدَار، وَيُقَال: ذُو الحاجبين، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (كتاب الأذواء) : ذُو الحاجبين هُوَ خرزاد بن هُرْمُز من الْفرس أحد الْأُمَرَاء الْأَرْبَعَة الَّذين أَمرتهم الْأَعَاجِم على كورة نهاوند، وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة الَّتِي وَقعت على نهاوند وقْعَة عَظِيمَة، وَكَانَ الْمُسلمُونَ يسمونها فتح الْفتُوح، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق والواقدي: كَانَت وقْعَة نهاوند فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين، وَقَالَ سيف: كَانَت فِي سنة سبع عشرَة، وَقيل: فِي سنة تسع عشرَة، وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة أَربع وقعات، وَفِي الْوَقْعَة الثَّانِيَة قتل النُّعْمَان ابْن مقرن أَمِير الْجَيْش وَقَامَ مقَامه حُذَيْفَة بن الْيَمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
    ..........
    (15/86)
    لما انْتهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى تَبُوك أَتَاهُ بحنة بن روبة صَاحب أَيْلَة فَصَالحه وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَة، وَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كتابا فَهُوَ عِنْدهم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم! هَذِه أَمَنَة من الله وَمُحَمّد النَّبِي رَسُول الله لبحنة بن روبة وَأهل أَيْلَة)
    ......
    (15/89)
    (سبعين عَاما) ، وَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا،وَلَفظه: (أَلا من قتل نفسا معاهدة لَهَا ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله فقد أَخْفَر بِذِمَّة الله فَلَا يراح رَائِحَة الْجنَّة، وَأَن رِيحهَا ليوجد من مسيرَة سبعين خَرِيفًا) . وروى النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي بكرَة بِإِسْنَاد صَحِيح نَحوه، وَفِي (الْمُوَطَّأ) خَمْسمِائَة،قَالَ ابْن بطال: أما الْأَرْبَعُونَ فَهِيَ أقْصَى أَشد الْعُمر فِي قَول الْأَكْثَرين، فَإِذا بلغَهَا ابْن آدم زَاد عمله ويقينه واستحكمت بصيرته فِي الْخُشُوع لله تَعَالَى على الطَّاعَة والندم على مَا سلف، فَهَذَا يجد ريح الْجنَّة على مسيرَة أَرْبَعِينَ عَاما، وَأما السبعون فَهِيَ حد المعترك، ويعرض للمرء عِنْدهَا من الخشية والندم لاقتراب أَجله فيجد ريح الْجنَّة من مسيرَة سبعين عَاما، وَأما وَجه الْخَمْسمِائَةِ فَهِيَ فَتْرَة مَا بَين نَبِي وَنَبِي، فَيكون من جَاءَ فِي آخر الفترة واهتدى بِاتِّبَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كَانَ قبل الفترة وَلم يضرّهُ طولهَا، فيجد ريح الْجنَّة على خَمْسمِائَة عَام.
    ........
    (15/89)
    وَقَالَ أَحْمد: أَرْبَعَة أَحَادِيث تَدور على أَلْسِنَة النَّاس وَلَا أصل لَهَا عَن رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من آذَى ذِمِّيا فَأَنا خَصمه يَوْم الْقِيَامَة. وَمن بشر بِخُرُوج آذار بشر بِالْجنَّةِ. وَيَوْم نحركم يَوْم فطركم. وللسائل حق وَإِن جَاءَ على فرس.
    ....
    (15/90)
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: جَزِيرَة الْعَرَب هِيَ مَا بَين عدن إِلَى ريف الْعرَاق طولا، وَمن جدة إِلَى الشَّام عرضا،وَقيل: هَذَا عَام أُرِيد بِهِ الْخَاص، وَهُوَ الْحجاز.
    ......
    (15/90)
    قَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : وَهَذِه الْمَرْأَة الْيَهُودِيَّة الفاعلة للسم اسْمهَا زَيْنَب بنت الْحَارِث أُخْت مرحب الْيَهُودِيّ. قلت كَذَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن الزُّهْرِيّ،وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: مَا حملك على هَذَا؟قَالَت: قتلت أبي وَعمي وَزَوْجي وَأخي،قَالَ مُحَمَّد: فَسَأَلت إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر عَن هَذَا فَقَالَ: أَبوهَا الْحَارِث، وعمها بشار وَكَانَ أجبن النَّاس وَهُوَ الَّذِي أنزل من الرف، وأخوها زبير، وَزوجهَا سَلام بن مشْكم.
    ......
    (15/92)
    قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَاخْتلفت الْآثَار وَالْعُلَمَاء: هَل قَتلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا؟ فَوَقع فِي (مُسلم) : أَنهم قَالُوا: ألاَ نقتلها؟قَالَ: لَا، وَمثله عَن أبي هُرَيْرَة وَجَابِر،وَعَن جَابر من رِوَايَة أبي سَلمَة: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتلهَا،وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَفعهَا إِلَى أَوْلِيَاء بشر بن الْبَراء بن معْرور، وَكَانَ أكل مِنْهَا فَمَاتَ بهَا فَقَتَلُوهَا،وَقَالَ ابْن سَحْنُون: أجمع أهل الحَدِيث أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتلهَا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد. فَأمر بهَا فقتلت،وَفِي لفظ: قَتلهَا وصلتها وَفِي (جَامع معمر) عَن الزُّهْرِيّ: لما أسلمت تَركهَا.
    قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَاخْتلفت الْآثَار وَالْعُلَمَاء: هَل قَتلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا؟ فَوَقع فِي (مُسلم) : أَنهم قَالُوا: ألاَ نقتلها؟قَالَ: لَا، وَمثله عَن أبي هُرَيْرَة وَجَابِر،وَعَن جَابر من رِوَايَة أبي سَلمَة: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتلهَا،وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَفعهَا إِلَى أَوْلِيَاء بشر بن الْبَراء بن معْرور، وَكَانَ أكل مِنْهَا فَمَاتَ بهَا فَقَتَلُوهَا،وَقَالَ ابْن سَحْنُون: أجمع أهل الحَدِيث أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتلهَا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد. فَأمر بهَا فقتلت،وَفِي لفظ: قَتلهَا وصلتها وَفِي (جَامع معمر) عَن الزُّهْرِيّ: لما أسلمت تَركهَا.
    أَن الإِمَام مَالِكًا احْتج بِهِ على أَن الْقَتْل بالسم كَالْقَتْلِ بِالسِّلَاحِ الَّذِي يُوجب الْقصاص،وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا قصاص فِيهِ. وَفِيه: الدِّيَة على الْعَاقِلَة،قَالُوا: وَلَو دسه فِي طَعَام أَو شراب لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَلَا على عَاقِلَته،وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا فعل ذَلِك وَهُوَ مكره فَفِيهِ قَولَانِ فِي وجوب الْقود أصَحهمَا: لَا. وَفِيه: معْجزَة ظَاهِرَة لَهُ، عَلَيْهِ السَّلَام، حَيْثُ لم يُؤثر فِيهِ السم، وَالَّذِي أكل مَعَه مَاتَ. وَفِيه: أَن السم لَا يُؤثر بِذَاتِهِ بل بِإِذن الرب، جلّ جَلَاله، ومشيئته، ألاَ تَرَى أَن السم أثر فِي بشر وَلم يُؤثر فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَلَو كَانَ يُؤثر بِذَاتِهِ لأثر فيهمَا فِي الْحَال، وَالله أعلم.
    ......
    (15/93)
    وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع أهل الْعلم أَن أَمَان الصَّبِي غير جَائِز، وَالْمَجْنُون كَذَلِك لَا يَصح أَمَانه بِلَا خلاف كالكافر،وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِن غزا الذِّمِّيّ مَعَ الْمُسلمين فأمن أحدا فَإِن شَاءَ الإِمَام أَمْضَاهُ وإلاَّ فَيردهُ إِلَى مأمنه.
    ....
    (15/95)
    وَكَانَت الْعَرَب تسمي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصابيء، لِأَنَّهُ خرج من دين قُرَيْش إِلَى دين الْإِسْلَام.
    ......
    (15/94)
    وَقَالَ ابْن بطال: لَا خلاف أَن القَاضِي إِذا قضى بجور أَو بِخِلَاف قَول أهل الْعلم فَهُوَ مَرْدُود، فَإِن كَانَ على وَجه الِاجْتِهَاد والتأويل كَمَا صنع خَالِد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن الْإِثْم سَاقِط وَالضَّمان لَازم عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، إلاَّ أَنهم اخْتلفُوا فِي ضَمَان ذَلِك، فَإِن كَانَ فِي قتل أَو جراح فَفِي بَيت المَال، وَهَذَا قَول الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَت طَائِفَة: على عَاقِلَة الإِمَام أَو الْحَاكِم، وَهَذَا قَول الْأَوْزَاعِيّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ،وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَيْسَ على الْحَاكِم شَيْء من الدِّيَة فِي مَاله وَلَا على عَاقِلَته وَلَا فِي بَيت المَال. فَإِن قلت
    ......
    (15/95)
    وَقَالَ عُمَرُ إذَا قَالَ مَتْرَسْ فقدْ آمَنَهُ إنَّ الله يعْلَمُ الألْسِنَةَ كُلَّها وَقَالَ تَكَلَّمْ لَا بأسَ

    الَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق من طَرِيق أبي وَائِل،قَالَ: جَاءَنَا كتاب عمر وَنحن نحاصر قصر فَارس،فَقَالَ: إِذا حاصرتم قصراً فَلَا تَقولُوا: إنزلوا على حكم الله، فَإِنَّهُم لَا يَدْرُونَ مَا حكم الله، وَلَكِن أنزلوهم على حكمكم ثمَّ اقضوا فيهم،وَإِذا لَقِي الرجلُ الرجلَ فَقَالَ: لَا تخف، فقد أَمنه،وَإِذا قَالَ: مترس، فقد أَمنه،أَن الله يعلم الْأَلْسِنَة كلهَا وَلَفْظَة: مترس،كلمة فارسية وَمَعْنَاهَا: لَا تخف،لِأَن لفظ: م، كلمة النَّفْي عِنْدهم. وَلَفظ: ترس، بِمَعْنى الْخَوْف عِنْدهم،فَإِذا أَرَادوا أَن يَقُولُوا لوَاحِد: لَا تخف،يَقُولُونَ بلسانهم: مترس، وَاخْتلفُوا فِي ضَبطهَا،فضبطه الْأصيلِيّ: بِفَتْح الْمِيم وَالتَّاء وَسُكُون الرَّاء،
    ........
    (15/96)
    الَ الْوَلِيد: وَذكرت ذَلِك لسَعِيد بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ: قد صَالحهمْ مُعَاوِيَة أَيَّام صفّين، وصالحهم عبد الْملك بن مرواه لشغله بِقِتَال ابْن الزبير، يُؤَدِّي عبد الْملك إِلَى طاغية ملك الرّوم فِي كل يَوْم ألف دِينَار، وَإِلَى تراجمة الرّوم وأنباط الشَّام فِي كل جُمُعَة ألف دِينَار. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يعطيهم الْمُسلمُونَ شَيْئا بِحَال إلاَّ أَن يخَافُوا أَن يصطلحوا لِكَثْرَة الْعدَد، لِأَنَّهُ من مَعَاني الضرورات، أَو يُرْسل مُسلم فَلَا يخلى إلاَّ بفدية فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدى رجلا برجلَيْن،وَقَالَ ابْن بطال: وَلم أجد لمَالِك وَأَصْحَابه وَلَا الْكُوفِيّين نصا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. قلت: مَذْهَب أَصْحَابنَا أَن للْإِمَام أَن يصالحهم بِمَال يَأْخُذهُ مِنْهُم أَو يَدْفَعهُ إِلَيْهِم إِذا كَانَ الصُّلْح خيرا فِي حق الْمُسلمين،لقَوْله تَعَالَى: {وَإِن جنحوا للسلم فاجنح لَهَا} (الْأَنْفَال: 16) . وَالْمَال الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُم بِالصُّلْحِ يصرف مصارف الْجِزْيَة.
    .........
    (15/98)
    وَقد اعْترض بعض الْمُلْحِدِينَ على حَدِيث عَائِشَة،وَقَالُوا: كَيفَ يجوز السحر على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالسحر كفر وَعمل من أَعمال الشَّيَاطِين، فَكيف يصل ضَرَره إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ حياطة الله لَهُ وتسديده إِيَّاه بملائكته، وصون الْوَحْي عَن الشَّيَاطِين؟وَأجِيب: بِأَن هَذَا اعْتِرَاض فَاسد وعناد لِلْقُرْآنِ،لِأَن الله تَعَالَى قَالَ لرَسُوله: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} (الفلق: 1) . إِلَى قَوْله: فِي العقد،والنفاثات: السواحر فِي العقد، كَمَا ينفث الراقي فِي الرّقية حِين سحر، وَلَيْسَ فِي جَوَاز ذَلِك عَلَيْهِ مَا يدل على أَن ذَلِك يلْزمه أبدا أَو يدْخل عَلَيْهِ دَاخِلَة فِي شَيْء من ذَاته أَو شَرِيعَته، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ من ضَرَر السحر مَا ينَال الْمَرِيض من ضَرَر الْحمى والبرسام من ضعف الْكَلَام وَسُوء التخيل، ثمَّ زَالَ ذَلِك عَنهُ وأبطل الله كيد السحر، وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على عصمته فِي الرسَالَة، وَالله الْمُوفق
    ........
    (15/100)
    وَهَذِه السِّت الْمَذْكُورَة ظَهرت مِنْهَا الْخمس: موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفتح بَيت الْمُقَدّس، والموتان كَانَ فِي طاعون عمواس زمن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَاتَ فِيهِ سَبْعُونَ ألفا فِي ثَلَاثَة أَيَّام، واستفاضة المَال كَانَت فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد تِلْكَ الْفتُوح الْعَظِيمَة والفتنة استمرت بعده، وَالسَّادِسَة لم تَجِيء بعد، وروى ابْن دحْيَة من حَدِيث حُذَيْفَة مَرْفُوعا: أَن الله تَعَالَى يُرْسل ملك الرّوم، وَهُوَ الْخَامِس من أَوْلَاد هِرقل، يُقَال لَهُ: صمارة، فيرغب إِلَى الْمهْدي فِي الصُّلْح، وَذَلِكَ لظُهُور الْمُسلمين على الْمُشْركين، فيصالحه إِلَى سَبْعَة أَعْوَام، فَيَضَع {عَلَيْهِم الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} (التَّوْبَة: 92) . وَلَا يبْقى لرومي حُرْمَة، وَيكسر لَهُم الصَّلِيب، ثمَّ يرجع الْمُسلمُونَ إِلَى دمشق فَإِذا هم كَذَلِك إِذا رجل من الرّوم قد الْتفت فَرَأى أَبنَاء الرّوم وبناتهم فِي الْقُيُود، فَرفع الصَّلِيب وَرفع صَوته، وَقَالَ: ألاَ من كَانَ يعبد الصَّلِيب فلينصره، فَيقوم إِلَيْهِ رجل من الْمُسلمين فيكسر الصَّلِيب، وَيَقُول: الله أغلب وأعز، فَحِينَئِذٍ يغدرون وهم أولى بالغدر، فيجتمع عِنْد ذَلِك مُلُوك الرّوم خُفْيَة فَيَأْتُونَ إِلَى بِلَاد الْمُسلمين، وهم على غَفلَة مقيمين على الصُّلْح، فَيَأْتُونَ إِلَى أنطاكية فِي اثْنَي عشر ألف راية، تَحت كل راية اثْنَي عشر ألفا، فَعِنْدَ ذَلِك يبْعَث الْمهْدي إِلَى أهل الشَّام والحجاز والكوفة وَالْبَصْرَة وَالْعراق يستنصر بهم، فيبعث إِلَيْهِ أهل الشرق: أَنه قد جَاءَنَا عَدو من أهل خُرَاسَان شغلنا عَنْك، فَيَأْتِي إِلَيْهِ بعض أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة، فَيخرج بهم إِلَى دمشق وَقد مكث الرّوم فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا يفسدون وَيقْتلُونَ، فَينزل الله صبره على الْمُسلمين، فَيخْرجُونَ إِلَيْهِم فيشتد الْحَرْب بَينهم وَيسْتَشْهد من الْمُسلمين خلق كثير، فيا لَهَا من وقْعَة ومقتلة مَا أعظمها وَأعظم هولها، ويرتد من الْعَرَب يَوْمئِذٍ أَربع قبائل: سليم وفهد وغسان وطي، فيلحقون بالروم، ثمَّ إِن الله ينزل الصَّبْر والنصر وَالظفر على الْمُؤمنِينَ، ويغضب على الْكَافرين، فعصابة الْمُسلمين يَوْمئِذٍ خير خلق الله تَعَالَى والمخلصين من عباده، وَلَيْسَ فيهم مارد وَلَا مارق وَلَا شارد وَلَا مرتاب وَلَا مُنَافِق، ثمَّ إِن الْمُسلمين يدْخلُونَ إِلَى بِلَاد الرّوم وَيُكَبِّرُونَ على الْمَدَائِن والحصون،. فَتَقَع أسوارها بقدرة الله تَعَالَى، فَيدْخلُونَ الْمَدَائِن والحصون ويغنمون الْأَمْوَال ويسبون النِّسَاء والأطفال، وَتَكون أَيَّام الْمهْدي أَرْبَعِينَ سنة: عشر مِنْهَا بالمغرب، واثني عشر سنة بِالْمَدِينَةِ، واثني عشر سنة بِالْكُوفَةِ، وَسِتَّة بِمَكَّة، وَتَكون منيته فجاءة..
    ........
    (15/105)
    وَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْمُشْركين أَرَادوا أَن يشتروا جَسَد رجل من الْمُشْركين فَأبى، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يبيعهم إِيَّاه، وَقَالَ أَحْمد: لَا يحْتَج بِحَدِيث ابْن أبي ليلى، وَقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ صَدُوق وَلَكِن لَا يعرف صَحِيح حَدِيثه من سقيمه، وَذكر ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي: أَن الْمُشْركين سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبيعهم جَسَد نَوْفَل بن عبد الله بن الْمُغيرَة، وَكَانَ اقتحم الخَنْدَق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا حَاجَة لنا بِثمنِهِ وَلَا جسده، وَقَالَ ابْن هِشَام: بَلغنِي عَن الزُّهْرِيّ أَنهم بذلوا فِيهِ عشرَة آلَاف.
    ...........

    ويليه كتاب " بدء الخلق "

  9. #269
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الجمعة
    الموافق : 24/ جمادى الأولى / 1442 هجري
    الموافق : 8/ يناير / 2021 ميلادي

    " كتاب " بدء الخلق " من عمدة القاري " لبدر الدين العيني رحمه الله

    (15/110)
    وْله: (كَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره) وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد: وَلم يكن شَيْء قبله، وَفِي رِوَايَة غير البُخَارِيّ، وَلم يكن شَيْء مَعَه،وَوَقع هَذَا الحَدِيث فِي بعض الْمَوَاضِع: كَانَ الله وَلَا شَيْء مَعَه وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ، وَهِي زِيَادَة لَيست فِي شَيْء من كتب الحَدِيث نبه عَلَيْهِ الإِمَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية
    .......
    (15/110)
    حديث بدء الخلق
    عِيسَى هُوَ ابْن مُوسَى البُخَارِيّ أَبُو أَحْمد التَّيْمِيّ مَوْلَاهُم يلقب: غُنْجَار، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالجيم وَبعد الْألف رَاء، لقب بِهِ لاحمرار خديه، كَانَ من أعبد النَّاس، مَاتَ سنة سبع أَو سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع،
    ......
    (15/111)
    وَقَالَ الدَّاودِيّ: فِيهِ دلَالَة على أَن الْأَرْضين بَعْضهَا فَوق بعض مثل السَّمَوَات لَيْسَ بَينهَا فُرْجَة،وَحكى ابْن التِّين عَن بَعضهم: أَن الأَرْض وَاحِدَة،قَالَ: وَهُوَ مَرْدُود بِالْقُرْآنِ وَالسّنة. وروى الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الضُّحَى عَن مُسلم عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،أَنه قَالَ: {الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} (الطَّلَاق: 21) . قَالَ: سبع أَرضين فِي كل أَرض نَبِي كنبيكم وآدَم كآدمكم ونوح كنوحكم وَإِبْرَاهِيم كإبراهيمكم وَعِيسَى كعيسى،ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس صَحِيح، وَهُوَ شَاذ بِمرَّة لَا أعلم لأبي الضُّحَى عَلَيْهِ مُتَابعًا. وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس،قَالَ: لَو حدثتكم بتفسير هَذِه الْآيَة لكَفَرْتُمْ، وكفركم تكذيبكم بهَا، وَقد روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، أَن بَين كل سَمَاء وسماء خَمْسمِائَة عَام، وَأَن سمك كل سَمَاء كَذَلِك، وَأَن بَين كل أَرض
    وَأَرْض خَمْسمِائَة عَام.
    .........
    (15/115)
    قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: النسيء تَأْخِير حُرْمَة شهر إِلَى شهر آخر، كَانُوا يحلونَ الشَّهْر الْحَرَام ويحرمون مَكَانَهُ شهرا آخر حَتَّى رفضوا تَخْصِيص الْأَشْهر الْحرم، فَكَانُوا يحرمُونَ من شهور الْعَام أَرْبَعَة أشهر مُطلقًا، وَرُبمَا زادوا فِي الْأَشْهر فيجعلونها ثَلَاثَة عشر، أَو أَرْبَعَة عشر،قَالَ: وَالْمعْنَى: رجعت الْأَشْهر إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ وَعَاد الْحَج إِلَى ذِي الْحجَّة وَبَطل النسيء الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد وَافَقت حجَّة الْوَدَاع ذَا الْحجَّة، فَكَانَت حجَّة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قبلهَا فِي ذِي الْقعدَة
    .......
    (15/115)
    وَفِي (ذمّ النُّجُوم) للخطيب الْبَغْدَادِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن البحتري بن عبيد الله عَن أَبِيه عَن أبي ذَر عَن عمر مَرْفُوعا: لَا تسألوا عَن النُّجُوم. وَمن حَدِيث عبد الله بن مُوسَى عَن الرّبيع بن حبيب عَن نَوْفَل بن عبد الْملك عَن أَبِيه عَن عَليّ،رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نهاني رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن النّظر فِي النُّجُوم. وَعَن أبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس نَحوه. وَعَن الْحسن: أَن قَيْصر سَأَلَ قس بن سَاعِدَة الأيادي: هَل نظرت فِي النُّجُوم؟قَالَ: نعم نظرت فِيمَا يُرَاد بِهِ الْهِدَايَة وَلم أنظر فِيمَا يُرَاد بِهِ الكهانة. وَفِي (كتاب الأنواء) لأبي حنيفَة: الْمُنكر فِي الذَّم من النُّجُوم نِسْبَة الْأَمر إِلَى الْكَوَاكِب وَأَنَّهَا هِيَ المؤثرة، وَأما من نسب التَّأْثِير إِلَى خَالِقهَا وَزعم أَنه نصبها أعلاماً وصيرها آثاراً لما يحدثه فَلَا جنَاح عَلَيْهِ.
    .......
    (15/115)
    جرت عَادَة البُخَارِيّ أَنه إِذا ذكر آيَة أَو حَدِيثا فِي التَّرْجَمَة وَنَحْوهَا يذكر أَيْضا بالتبعية على سَبِيل الاستطراد مَاله أدنى مُلَابسَة بهَا تكثيراً للفائدة.
    والأبُّ مَا يأكُلُ الأنْعَامُ
    أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَحَدَائِق غلبا وَفَاكِهَة وأبَّاً} (عبس: 03، 13) . وَهَذَا أَيْضا تَفْسِير ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَنهُ قَالَ الْأَب مَا أَنْبَتَهُ الأَرْض مِمَّا تَأْكُله الدَّوَابّ وَلَا يَأْكُلهُ النَّاس وَمن طَرِيق عَطاء وَالضَّحَّاك الْأَب كل شَيْء ينْبت على وَجه الأَرْض وَزَاد الضَّحَّاك إلاَّ الْفَاكِهَة.
    ...........
    (15/119)
    وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَقد أنكر قوم سُجُود الشَّمْس وَهُوَ صَحِيح مُمكن. قلت: هَؤُلَاءِ قوم من الْمَلَاحِدَة لأَنهم أَنْكَرُوا مَا أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَبت عَنهُ بِوَجْه صَحِيح: وَلَا مَانع من قدرَة الله تَعَالَى أَن يمكَّن كل شَيْء من الْحَيَوَان والجمادات أَن يسْجد لَهُ
    ...........
    (15/120)
    مَا حَدثنَا ابْن الْأَعرَابِي حَدثنَا عَبَّاس الدوري حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد حَدثنَا عبد الْعَزِيز الْمُخْتَار عَن عبد الله الداناج: شهِدت أَبَا سَلمَة، حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،أَنه قَالَ: (إِن الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران يكوران فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة) . قَالَ الْحسن: وَمَا ذنبهما؟قَالَ أَبُو سَلمَة: أَنا أحَدثك عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت تَقول مَا ذنبهما؟ فَسكت الْحسن. وَأما مَا رُوِيَ عَن أنس فقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) : عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس مَرْفُوعا: (أَن الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران عقيران فِي النَّار) . وَذكره أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي بعض نسخ (أَطْرَافه) موهماً أَن ذَلِك فِي الصَّحِيح، وَذكر ابْن وهب فِي (كتاب الْأَمْوَال) : عَن عَطاء بن يسَار أَنه تَلا هَذِه الْآيَة: وَجمع {الشَّمْس وَالْقَمَر} (إِبْرَاهِيم: 33) . قَالَ: يجمعان يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يقذفان فِي النَّار فيكونان فِي نَار الله الْكُبْرَى،وَقَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ المُرَاد بكونهما فِي النَّار، تعذيبهما بذلك، وَلكنه تبكيت لمن لَكَانَ يعبدهما فِي الدُّنْيَا ليعلموا أَن عِبَادَتهم لَهما كَانَت بَاطِلَة. وَقيل: إنَّهُمَا خلقا من النَّار فأعيدا فِيهَا،وَيرد هَذَا القَوْل مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: (تكلم رَبنَا بكلمتين صير إِحْدَاهمَا شمساً وَالْأُخْرَى قمراً وَكِلَاهُمَا من النُّور ويعادان يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْجنَّة) . وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِ يّ: لَا يلْزم من جَعلهمَا فِي النَّار تعذيبهما، فَإِن الله فِي النَّار مَلَائِكَة وَغَيرهَا لتَكون لأهل النَّار عذَابا وَآلَة من آلَات الْعَذَاب.
    ........
    (15/125)
    قَالَ القَاضِي عِيَاض: اخْتلفُوا فِي الْإِسْرَاء إِلَى السَّمَوَات،فَقيل: إِنَّه فِي الْمَنَام، وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه أسرِي بجسده. قلت: اخْتلفُوا فِيهِ على ثَلَاث مقالات: فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه كَانَ فِي الْمَنَام مَعَ اتِّفَاقهم أَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَحي وَحقّ وَإِلَى هَذَا ذهب مُعَاوِيَة. وَحكي عَن الْحسن، وَالْمَشْهُور عَنهُ خِلَافه، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَا فقد جَسَد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،وَبِقَوْلِهِ: بَينا أَنا نَائِم،وَبقول أنس: وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَذكر الْقِصَّة،وَقَالَ فِي آخرهَا: فَاسْتَيْقَظت وَأَنا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام. وَذهب مُعظم السّلف إِلَى أَنه كَانَ بجسده وَفِي الْيَقَظَة، وَهَذَا هُوَ الْحق، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس فِيمَا صَححهُ الْحَاكِم وَعدد فِي (الشِّفَاء) عشْرين نفسا قَالَ بذلك من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأتباعهم، وَهُوَ قَول أَكثر الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء والمحدثين والمفسرين والمتكلمين. وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن الْإِسْرَاء بالجسد يقظة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَإِلَى السَّمَاء بِالروحِ، وَالصَّحِيح أَنه أسرِي بالجسد وَالروح فِي الْقِصَّة كلهَا،وَعَلِيهِ يدل قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} (الْإِسْرَاء: 1) . إِذْ لَو كَانَ مناماً لقَالَ: بِروح عَبده وَلم يقل بِعَبْدِهِ، وَلَا يعدل عَن الظَّاهِر والحقيقة إِلَى التَّأْوِيل إلاَّ عِنْد الاستحالة، وَلَيْسَ فِي الْإِسْرَاء
    بجسده وَحَال يقظته اسْتِحَالَة،وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ رُؤْيا عين رَآهَا لَا رُؤْيا مَنَام. وَأما قَول عَائِشَة: مَا فقد جسده، فَلم يحدث عَن مُشَاهدَة لِأَنَّهَا لم تكن حِينَئِذٍ زَوْجَة وَلَا فِي سنّ من يضْبط، ولعلها لم تكن ولدت، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تكون قد حدثت بذلك عَن غَيرهَا، فَلَا يرجح خَبَرهَا على خبر غَيرهَا، وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : وَمَا روى شريك عَن أنس أَنه كَانَ نَائِما، فَهُوَ زِيَادَة مَجْهُولَة، وَقد روى الْحفاظ المتقنون وَالْأَئِمَّة المشهورون كَابْن شهَاب وثابت الْبنانِيّ وَقَتَادَة عَن أنس، وَلم يَأْتِ أحد مِنْهُم بهَا، وَشريك لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْد أهل الحَدِيث.
    .........
    (15/128)
    وَذكر ابْن أبي خَالِد فِي كتاب (الاحتفال فِي أَسمَاء الْخَيل وصفاتها) : أَن الْبراق لَيْسَ بِذكر وَلَا أُنْثَى، وَوَجهه كوجه الْإِنْسَان وَجَسَده كجسد الْفرس، وقوائمه كقوائم الثور، وذنبه كذنب الغزال،وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: الْبراق دَابَّة أَبيض وَفِي فَخذيهِ جَنَاحَانِ يحفز بهما رجلَيْهِ، يضع حَافره فِي مُنْتَهى طرفه، وَقَالَ الزبيدِيّ فِي (مُخْتَصر الْعين) وَصَاحب (التَّحْرِير) : هِيَ دَابَّة كَانَت الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، يركبونها. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَاه يحْتَاج إِلَى نقل صَحِيح،ثمَّ قَالَ: لَعَلَّهُم حسبوا ذَلِك فِي قَوْله فِي حَدِيث آخر: فربطته بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا الْأَنْبِيَاء الْبراق،وَأظْهر مِنْهُ حَدِيث أنس فِي حَدِيث آخر: قَول جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،للبراق: فَمَا ركبك أحد أكْرم على الله مِنْهُ. وَعَن قَتَادَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ الرّكُوب على الْبراق شمس فَوضع جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،يَده على مفرقته ثمَّ قَالَ: ألاَ تَسْتَحي يَا براق مِمَّا تصنع؟ فوَاللَّه مَا ركبك عبد لله قبل مُحَمَّد أكْرم على الله مِنْهُ
    .........
    (15/130)
    وْله: (عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة) ،قَالَ يحيى بن معِين: لم يَصح لِلْحسنِ سَماع من أبي هُرَيْرَة،فَقيل ليحيى: قد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث: قَالَ: حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة. قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء،وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْحسن هَهُنَا روى عَنهُ بِلَفْظ: عَن، فَيحْتَمل أَن يكون بالواسطة.
    ............
    (15/130)
    لْحسن بن الرّبيع ضد الخريف ابْن سُلَيْمَان البَجلِيّ الْكُوفِي، يعرف بالبوراني، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو وبالراء. قَالَ أَبُو حَاتِم: كنت أَحسب الْحسن مكسور الْعُنُق لانحنائه حَتَّى قيل: إِنَّه لَا ينظر إِلَى السَّمَاء حَيَاء من الله تَعَالَى.
    .........
    ( 15/ 133)
    وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: أَن ظَاهر الْأَعْمَال من الْحَسَنَات والسيئات أَمَارَات وَلَيْسَت بموجبات، وَأَن مصير الْأُمُور فِي الْعَاقِبَة إِلَى مَا سبق بِهِ الْقَضَاء وَجرى الْقدر، وروى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: فرغ الله إِلَى كل عبد من خمس: من رزقه وأجله وَعَمله وأثره ومضجعه، يَعْنِي قَبره، فَإِنَّهُ مضجعه على الدَّوَام {وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت} (لُقْمَان: 43)
    ...........
    (15/135)
    وَقَالَ الطوفي: ذكر البُخَارِيّ الْحبّ فِي كِتَابه وَلم يذكر البغض، وَهُوَ فِي رِوَايَة غَيره، وَإِذا أبْغض عبدا نَادَى جِبْرِيل،عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِنِّي أبْغض فلَانا فَأَبْغضهُ،قَالَ: فَيبْغضهُ جِبْرِيل،ثمَّ يُنَادي فِي أهل السَّمَاء: أَن الله يبغض فلَانا فَأَبْغضُوهُ، فَيبْغضُونَهُ، ثمَّ يوضع لَهُ البغض فِي الأَرْض. قلت: هَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِ يّ من طَرِيق روح بن عبَادَة عَن ابْن جريج ...

  10. #270
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الثلاثاء
    الموافق : 12/ يناير / 2021 ميلادي
    الموافق : 28/ جمادى الأولى / 1442 هجري

    (15/135)
    وَقَالَ الطوفي: ذكر البُخَارِيّ الْحبّ فِي كِتَابه وَلم يذكر البغض، وَهُوَ فِي رِوَايَة غَيره، وَإِذا أبْغض عبدا نَادَى جِبْرِيل،عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِنِّي أبْغض فلَانا فَأَبْغضهُ،قَالَ: فَيبْغضهُ جِبْرِيل،ثمَّ يُنَادي فِي أهل السَّمَاء: أَن الله يبغض فلَانا فَأَبْغضُوهُ، فَيبْغضُونَهُ، ثمَّ يوضع لَهُ البغض فِي الأَرْض. قلت: هَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِ يّ من طَرِيق روح بن عبَادَة عَن ابْن جريج.

    ........
    (15/151)
    وَأَبُو رَجَاء عمرَان بن ملْحَان العطاردي الْبَصْرِيّ، أدْرك زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأسلم بعد فتح مَكَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يُهَاجر إِلَيْهِ، بلغ مائَة وَثَلَاثِينَ سنة.
    ....
    (15/ 153)
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا كَانَ النِّسَاء أقل سَاكِني الْجنَّة لما يغلب عَلَيْهِنَّ الْهوى والميل إِلَى عَاجل زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا، ولنقصان عقولهن، فيضعفن عَن عمل الْآخِرَة وَالتَّأَهُّب لَهَا لميلهن إِلَى الدُّنْيَا والتزين بهَا، وأكثرهن معرضات عَن الْآخِرَة سريعات الانخداع لراغبيهن من المعرضين عَن الدّين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إِلَى الْآخِرَة وأعمالها، وَأما الْفُقَرَاء فَلَمَّا كَانُوا فاقدي المَال الَّذِي يتوسل بِهِ إِلَى الْمعاصِي فازوا بِالسَّبقِ. فَإِن قلت: فقد ظهر فضل الْفقر فَلم استعاذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ؟قلت: إِنَّمَا استعاذ من شَرّ فتنته كَمَا استعاذ من شَرّ فتْنَة الْغنى. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الْجنَّة عزب وَلكُل رجل زوجان، فكي يكون وصفهن بالقلة فِي الْجنَّة وبالكثرة فِي النَّار؟قلت: ذكر الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَغَيره أَن الْإِكْثَار بِكَوْن النِّسَاء أَكثر أهل النَّار كَانَ قبل الشَّفَاعَة فِيهِنَّ، فعلى كَون زَوْجَيْنِ لكل رجل يكنَّ أَكثر أهل الْجنَّة.
    ........
    (15/155)
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَذْهَب أهل السّنة أَن تنعم أهل الْجنَّة على هَيْئَة تنعم أهل الدُّنْيَا إلاَّ مَا بَينهمَا من التَّفَاضُل فِي اللَّذَّة، وَدلّ الْكتاب وَالسّنة على أَن نعيمهم لَا انْقِطَاع لَهُ
    .......ز
    (15/160)
    وقالَ عِكْرِمَةُ حَصَبُ جَهَنَّمَ حَطَبٌ بالحَبَشِيَّةِ:
    وَقَالَ ابْن عَرَفَة: إِن كَانَ أَرَادَ بهَا حبشية الأَصْل سَمعتهَا الْعَرَب فتكلمت بهَا فَصَارَت حِينَئِذٍ عَرَبِيَّة، وإلاَّ فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن غير الْعَرَبيَّة،وَقَالَ الْخَلِيل: حصب مَا هيء للوقود من الْحَطب، فَإِن لم يهيأ لذَلِك فَلَيْسَ بحصب، وروى الْفراء عَن عَليّ وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،أَنَّهُمَا قرآها: (حطب) ، بِالطَّاءِ وروى الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا بالضاد الْمُعْجَمَة،قَالَ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنهم الَّذين تسجر بهم النَّار، لِأَن كل شَيْء هيجت بِهِ النَّار فَهُوَ حصب.
    ..........
    ( 15/166)
    بِالْمَعْرُوفِ " وَهُوَ اسْم جَامع لكل مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس وكل مَا ندب إِلَيْهِ الشَّرْع وَنهى عَنهُ من المحسنات والمقبحات وَهُوَ من الصِّفَات الْغَالِبَة أَي أَمر مَعْرُوف بَين النَّاس لَا ينكرونه وَالْمُنكر ضد الْمَعْرُوف وكل مَا قبحه الشَّرْع وَحرمه وَكَرِهَهُ فَهُوَ مُنكر فِيهِ الْأَدَب مَعَ الْأُمَرَاء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم قَول النَّاس فيهم ليكفوا عَنهُ هَذَا كُله إِذا أمكن فَإِن لم يُمكن الْوَعْظ سرا فليجعله عَلَانيَة لِئَلَّا يضيع الْحق لما روى طَارق بن شهَاب قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر " وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد بِإِسْنَاد حسن قَالَ الطَّبَرِيّ مَعْنَاهُ إِذا أَمن على نَفسه أَو أَن يلْحقهُ من الْبلَاء مَا لَا قبل لَهُ بِهِ رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَهُوَ مَذْهَب أُسَامَة وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِب على من رأى مُنْكرا من ذِي سُلْطَان أَن يُنكره عَلَانيَة كَيفَ أمكنه رُوِيَ ذَلِك عَن عمر
    وَأبي بن كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِب أَن يُنكر بِقَلْبِه وَيَنْبَغِي لمن أَمر بِمَعْرُوف أَن يكون كَامِل الْخَيْر لَا وصم فِيهِ وَقد قَالَ شُعَيْب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ إِلَّا أَنه يجب عِنْد الْجَمَاعَة أَن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر من لَا يفعل ذَيْنك وَقَالَ جمَاعَة من النَّاس يجب على متعاطي الكاس أَن ينْهَى جمَاعَة الْجلاس وَفِيه وصف جَهَنَّم بِأَمْر عَظِيم روى مُسلم عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا " يُؤْتى بجهنم يَوْم الْقِيَامَة لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها " وَلابْن وهب عَن زيد بن أسلم عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا " فَبَيْنَمَا هم يجرونها إِذْ شَردت عَلَيْهِم شَرْدَةً فلوا أَنهم أدركوها لأحرق من فِي الْجمع "

    ........
    (15/175)
    وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: لينته أَي: ليترك التفكر فِي هَذَا الخاطر، وليستعذ بِاللَّه من وَسْوَسَة الشَّيْطَان، فَإِن لم يزل التفكر بالاستعاذة فَليقمْ وليشتغل بِأَمْر آخر، وَإِنَّمَا أمره بذلك وَلم يَأْمُرهُ بِالتَّأَمُّلِ والاحتجاج لِأَن الْعلم باستغنائه عَن الموجد أَمر ضَرُورِيّ لَا يقبل المناظرة لَهُ، وَعَلِيهِ، وَلِأَن السَّبَب فِي مثله إحساس الْمَرْء فِي عَالم الْحس، وَمَا دَامَ هُوَ كَذَلِك لَا يزِيد فكره إلاَّ زيغاً عَن الْحق، وَمن كَانَ هَذَا حَاله فَلَا علاج لَهُ إلاَّ اللجاء إِلَى الله تَعَالَى والاعتصام بحوله وقوته. وَقَالَ الْمَازرِيّ: الخواطر على قسمَيْنِ، فالتي لَا تَسْتَقِر وَلَا تجلبها شُبْهَة هِيَ الَّتِي تدفع بالأعراض عَنْهَا، وعَلى هَذَا ينزل الحَدِيث، وعَلى مثلهَا يُطلق اسْم الوسوسة. وَأما الخواطر المستقرة الناشئة عَن الشُّبْهَة فَهِيَ لَا تنْدَفع إلاَّ بِالنّظرِ وَالِاسْتِدْلَا ل.
    ......
    (15/273)
    وَلَا تُرْسِلُوا صِبْيَانكُمْ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِنَّمَا خيف على الصّبيان فِي ذَلِك الْوَقْت لِأَن النَّجَاسَة الَّتِي يلوذ بهَا الشَّيَاطِين مَوْجُودَة مَعَهم غَالِبا. وَالذكر الَّذِي يستعصم بِهِ مَعْدُوم عِنْدهم، وَالشَّيَاطِين عِنْد انتشارهم يتعلقون بِمَا يُمكنهُم التَّعَلُّق بِهِ، فَلذَلِك خيف على الصّبيان فِي ذَلِك الْوَقْت وَالْحكمَة فِي انتشارهم حِينَئِذٍ أَن حركتهم فِي اللَّيْل أمكن مِنْهَا لَهُم فِي النَّهَار، لِأَن الظلام أجمع لَهُم من غَيره، وَكَذَلِكَ كل سَواد،وَيُقَال: إِن الشَّيَاطِين تستعين بالظلمة وَتكره النُّور وتشأم بِهِ.
    ........
    _(15/174)
    جَاءَ فِي (الصَّحِيح) : أَن الفويسقة جرت الفتيلة فأحرقت أهل الْبَيْت، وَهُوَ عَام يدْخل فِيهِ السراج وَغَيره، وَأما الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة فَإِن خيف حريق بِسَبَبِهَا دخلت فِي الْأَمر بالإطفاء، وَإِن أَمن ذَلِك كَمَا هُوَ من الْغَالِب فَالظَّاهِر أَنه لَا بَأْس بهَا لانْتِفَاء الْعلَّة، وَسبب ذَلِك أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على خمرة فجرت الفتيلة الْفَأْرَة فأحرقت من الْخمْرَة مِقْدَار الدِّرْهَم، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك نبه عَلَيْهِ ابْن الْعَرَبِيّ وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) عَن ابْن عَبَّاس،قَالَ: جَاءَت فَأْرَة فَأخذت تجر الفتيلة، فَجَاءَت بهَا وألقتها بَين يَدي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْخمْرَة الَّتِي كَانَ قَاعِدا عَلَيْهَا، فأحرقت مِنْهَا مَوضِع دِرْهَم.
    ........
    (15/175)
    وللتخمير فَوَائِد: صِيَانة من الشَّيَاطِين والنجاسات والحشرات وَغَيرهَا، وَمن الوباء الَّذِي ينزل فِي لَيْلَة من السّنة، وَفِي رِوَايَة أَن فِي السّنة لليلة وَفِي رِوَايَة يَوْمًا ينزل وباء لَا يمر بِإِنَاء لَيْسَ عَلَيْهِ غطاء أَو شَيْء لَيْسَ عَلَيْهِ وكاء إلاَّ نزل فِيهِ ذَلِك الوباء. قَالَ اللَّيْث بن سعد: والأعاجم يَتَّقُونَ ذَلِك فِي كانون الأول
    .......
    (15/175)
    هَل بِي جُنُون " قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا كَلَام من لم يتفقه فِي دين الله وَلم يتهذب بأنوار الشَّرِيعَة المكرمة وتوهم أَن الِاسْتِعَاذَة مُخْتَصَّة بالمجانين وَلم يعلم أَن الْغَضَب من نزغات الشَّيْطَان وَيحْتَمل أَنه كَانَ من الْمُنَافِقين أَو من جُفَاة الْأَعْرَاب انْتهى والاستعاذة من الشَّيْطَان تذْهب الْغَضَب وَهُوَ أقوى السِّلَاح على دفع كَيده وَفِي حَدِيث عَطِيَّة " الْغَضَب من الشَّيْطَان فَإِن الشَّيْطَان خلق من النَّار وَإِنَّمَا تطفأ النَّار بِالْمَاءِ فَإِذا غضب أحدكُم فَليَتَوَضَّأ " وَعَن أبي الدَّرْدَاء " أقرب مَا يكون العَبْد من غضب الله إِذا غضب " وَقَالَ بكر بن عبد الله " اطفئوا نَار الْغَضَب بِذكر نَار جَهَنَّم " وَفِي بعض الْكتب قَالَ الله تَعَالَى " ابْن آدم اذْكُرْنِي إِذا غضِبت أذكرك إِذا غضِبت " وروى الْجَوْزِيّ فِي ترغيبه عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ قَالَ إِبْلِيس أَنا جَمْرَة فِي جَوف ابْن آدم إِذا غضب حميته وَإِذا رَضِي منيته
    .......
    (15/180)
    وَقَالَ التَّيْمِيّ: مَعْنَاهُ: مَا زَالَ فِي حُذَيْفَة بَقِيَّة حزن على أَبِيه من
    من قتل المسلمين
    ....
    (15/180)
    وَعَن ابْن الْجَوْزِيّ: الرُّؤْيَا والحلم بِمَعْنى وَاحِد، لِأَن الْحلم مَا يرَاهُ الْإِنْسَان فِي نَومه، غير أَن صَاحب الشَّرْع خص الْخَيْر باسم الرُّؤْيَا وَالشَّر باسم الْحلم.
    .......
    (15/182)
    فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية،رَحمَه الله: لم يُخَالف أحد من طوائف الْمُسلمين فِي وجود الْجِنّ،وَجُمْهُور طوائف الْكفَّار على إِثْبَات الْجِنّ وَإِن وجد فيهم من يُنكر ذَلِك فَكَمَا يُوجد فِي بعض طوائف الْمُسلمين: كالجهمية والمعتزلة، من يُنكر ذَلِك، وَأَن كَانَ جُمْهُور الطَّائِفَة وأئمتها مقرين بذلك، وَهَذَا لِأَن وجود الْجِنّ قد تَوَاتَرَتْ بِهِ أَخْبَار الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، تواتراً مَعْلُوما بالاضطرار، وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابه (الشَّامِل) : اعلموا، رحمكم الله، إِن كثيرا من الفلاسفة وجماهير الْقَدَرِيَّة وكافة الزَّنَادِقَة أَنْكَرُوا الشَّيَاطِين وَالْجِنّ رَأْسا، وَلَا يبعد لَو أنكر ذَلِك من لَا يتدين وَلَا يتشبث بالشريعة، وَإِنَّمَا الْعجب
    من إِنْكَار الْقَدَرِيَّة مَعَ نُصُوص الْقُرْآن وتواتر الْأَخْبَار واستفاضة الْآثَار. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ فِي (شرح الْإِرْشَاد) : وَقد أنكرهم مُعظم الْمُعْتَزلَة وَدلّ إنكارهم إيَّاهُم على قلَّة مبالاتهم وركاكة ديانتهم، فَلَيْسَ فِي إثباتهم مُسْتَحِيل عَقْلِي، وَقد دلّت نُصُوص الْكتاب وَالسّنة على إثباتهم. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني: وَكثير من الْقَدَرِيَّة يثبتون وجود الْجِنّ قَدِيما، وينفون وجودهم الْآن، وَمِنْهُم من يقر بوجودهم وَيَزْعُم أَنهم لَا يُرون لرقة أجسامهم ونفوذ الشعاع فِيهَا،وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا لَا يُرون لأَنهم لَا ألوان لَهُم. وَقَالَ عبد الْجَبَّار المعتزلي: الدَّلِيل على إثباتهم السّمع دون الْعقل إِذْ لَا طَرِيق إِلَى إِثْبَات أجسام غَائِبَة، لِأَن الشَّيْء لَا يدل على غَيره من غير أَن يكون بَينهمَا تعلق
    .......
    (15/183)
    وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ الْجِنّ سكان الأَرْض وَالْمَلَائِكَة سكان السَّمَاء وهم عمارها. وَقَالَ إِسْحَاق بن بشر: حَدثنِي جُوَيْبِر وَعُثْمَان بإسنادهما أَن الله تَعَالَى خلق الْجِنّ وَأمرهمْ بعمارة الأَرْض، فَكَانُوا يعْبدُونَ الله تَعَالَى، فطال بهم الأمد فعصوا الله وسفكوا الدِّمَاء،وَكَانَ فيهم ملك يُقَال لَهُ: يُوسُف، فَقَتَلُوهُ فَأرْسل الله عَلَيْهِم جنداً من الْمَلَائِكَة كَانُوا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا كَانَ فيهم إِبْلِيس، وَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف، فهبطوا فنفوا بني الجان وأجلوهم عَنْهَا وألحقوهم بجزائر الْبَحْر، وَسكن إِبْلِيس والجند الَّذِي كَانُوا مَعَه الأَرْض فهان عَلَيْهِم الْعَمَل وأحبوا الْمكْث فِيهَا.
    ......
    (15/184)
    قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء الْحَنْبَلِيّ: الْجِنّ أجسام مؤلفة وأشخاص ممثلة،وَيجوز أَن تكون رقيقَة وَأَن تكون رقيقَة وَأَن تكون كثيفة خلافًا للمعتزلة فِي قَوْلهم: إِنَّهُم أجسام رقيقَة ولرقتها لَا نراهم قُلْنَا: الرقة لَيْسَ بمانعة عَن الرُّؤْيَة فِي بَاب الرُّؤْيَة، وَيجوز أَن تكون الْأَجْسَام الكثيفة مَوْجُودَة وَلَا نرَاهَا إِذا لم يخلق الله فِينَا الْإِدْرَاك،وَحكى أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ عَن القَاضِي أبي بكر: نَحن نقُول إِنَّمَا رَآهُمْ من رَآهُمْ لِأَن الله خلق لَهُم الرُّؤْيَة، وَأَن من لم يخلق لَهُ الرُّؤْيَة لَا يراهم وَأَنَّهُمْ أجساد مؤلفة وجثث،وَقَالَ كثير من الْمُعْتَزلَة: إِنَّهُم أجساد رقيقَة بسيطة. وَقَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار: أجسام الْجِنّ رقيقَة ولضعف أبصارنا لَا نراهم لَا لعِلَّة أُخْرَى، وَلَو قوى الله أبصارنا أَو كثف أجسامهم لرأيناهم. وَقَالَ السُّهيْلي: الْجِنّ ثَلَاثَة أَصْنَاف،كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث: صنف على صور الْحَيَّات، وصنف على صُورَة كلاب سود، وصنف ريح طيارة. أَو قَالَ: هفافة ذُو أَجْنِحَة، وهم يتصورون فِي صور الْحَيَّات والعقارب، وَفِي صور الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير، وَفِي صور الطير، وَفِي صور بني أَدَم. وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: وَلَا قدرَة للشياطين على تَغْيِير خلقهمْ والانتقال فِي الصُّور، وَإِنَّمَا يجوز أَن يعلمهُمْ الله كَلِمَات وَضَربا من ضروب الْأَفْعَال، إِذا فعله وَتكلم بِهِ نَقله من صُورَة إِلَى صور أُخْرَى. وَأما أَن يصور نَفسه فَذَاك محَال.
    ......
    (15/186)
    ي بَيَان أَن الْجِنّ هَل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون؟وَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَال: الأول: أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون، وَهَذَا قَول سَاقِط. الثَّانِي: أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَصِنْفًا لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون. الثَّالِث: أَن جَمِيعهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ. وَاخْتلفُوا فِي صفة أكلهم وشربهم،فَقَالَ بَعضهم: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لَا مضع وَلَا بلع، وَهَذَا قَول لَا يدل عَلَيْهِ دَلِيل،وَقَالَ آخَرُونَ: أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أُميَّة بن محشي،وَفِيه: مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه، فَلَمَّا ذكر الله تَعَالَى استقى مَا فِي بَطْنه. وَسُئِلَ وهب بن مُنَبّه عَن الْجِنّ: مَا هم؟ وَهل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون ويموتون؟فَقَالَ: هم أَجنَاس، فَأَما خَالص الْجِنّ فهم ريح لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يتناكحون وَلَا يتوالدون،وَمِنْهُم أَجنَاس يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون مِنْهُم: السعالي والغول والقطرب وَغير ذَلِك، رَوَاهُ أَبُو عمر بِإِسْنَادِهِ عَنهُ.
    .....
    (15/184)
    هَل لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب أم لَا؟وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ على قَوْلَيْنِ: فَقيل: لَا ثَوَاب لَهُم إلاَّ النجَاة من النَّار،ثمَّ يُقَال لَهُم: كونُوا تُرَابا مثل الْبَهَائِم، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، حَكَاهُ ابْن حزم وَغَيره عَنهُ،وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا: حَدثنَا دَاوُد عَن عمر والضبي حَدثنَا عفيف بن سَالم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن لَيْث بن أبي سليم،قَالَ: ثَوَاب الْجِنّ أَن يجاروا من النَّار،ثمَّ يُقَال لَهُم: كونُوا تُرَابا. القَوْل الثَّانِي: أَنهم يثابون على الطَّاعَة ويعاقبون على الْمعْصِيَة، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَنقل أَيْضا عَن الشَّافِعِي وَأحمد، وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،فَقَالَ: نعم، لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب. وَاتفقَ الْعلمَاء على أَن كَافِر الْجِنّ يعذب فِي الْآخِرَة لقَوْله تَعَالَى: {النَّار مثواكم} (الْأَنْعَام: 821) . وَاخْتلفُوا فِي مؤمني الْجِنّ، هَل يدْخلُونَ الْجنَّة؟على أَرْبَعَة أَقْوَال: وَالْجُمْهُور على أَنهم يدْخلُونَهَا، حَكَاهُ ابْن حزم فِي (الْملَل) عَن ابْن أبي ليلى، وَأبي يُوسُف وَجُمْهُور النَّاس. قَالَ: وَبِه نقُول، ثمَّ اخْتلفُوا هَل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ؟ فروى سُفْيَان الثَّوْريّ فِي (تَفْسِيره) عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك أَنهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ، وَعَن مُجَاهِد أَنهم يدْخلُونَهَا وَلَكِن لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون ويلهمون من التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس مَا يجده أهل الْجنَّة من لَذَّة الطَّعَام وَالشرَاب، وَذهب الْحَارِث المحاسبي إِلَى أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة، نراهم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يروننا عكس مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. القَوْل الثَّانِي: إِنَّهُم لَا يدْخلُونَ الْجنَّة بل يكونُونَ فِي ربضها يراهم الْإِنْس من حَيْثُ لَا يرونهم، وَهَذَا القَوْل مأثور عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، حَكَاهُ ابْن تَيْمِية، وَهُوَ خلاف مَا حَكَاهُ ابْن حزم. القَوْل الثَّالِث: أَنهم على الْأَعْرَاف. القَوْل الرَّابِع: الْوَقْف. وروى الْحَافِظ أَبُو سعيد عَن عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن الكنجرودي فِي (أَمَالِيهِ) بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْحسن عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن مؤمني الْجِنّ لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب) . فسألنا عَن ثوابهم،فَقَالَ: على الْأَعْرَاف، وَلَيْسوا فِي الْجنَّة. فَقَالُوا: مَا الْأَعْرَاف؟قَالَ: حَائِط الْجنَّة تجْرِي مِنْهُ الْأَنْهَار وتنبت فِيهِ الْأَشْجَار وَالثِّمَار،وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر جدا، ثمَّ إِن مؤمني الْجِنّ إِذا دخلُوا الْجنَّة هَل يرَوْنَ الله تَعَالَى؟ فقد وَقع فِي كَلَام عبد السَّلَام فِي (الْقَوَاعِد الصُّغْرَى) مَا يدل على أَنهم لَا يرَوْنَ الله تَعَالَى. وَأَن الرُّؤْيَة مَخْصُوصَة بمؤمني الْبشر، فَإِنَّهُ صرح بِأَن الْمَلَائِكَة لَا يرَوْنَ الله تَعَالَى فِي الْجنَّة، وَمُقْتَضى هَذَا أَن الْجِنّ لَا يرونه.


    .........
    الطَّبَرِيّ من طَرِيق الضَّحَّاك بن مُزَاحم، إِثْبَات ذَلِك، وَجُمْهُور الْعلمَاء سلفا وخلفاً على أَنه لم يكن من الْجِنّ نَبِي قطّ وَلَا رَسُول، وَلم تكن الرُّسُل إلاَّ من الْإِنْس، وَنقل هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن جريج وَمُجاهد والكلبي وَأبي عبيد والواحدي، وَذكر إِسْحَاق بن بشر فِي (الْمُبْتَدَأ) : عَن ابْن عَبَّاس أَن الْجِنّ قتلوا نَبيا لَهُم قبل آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، اسْمه يُوسُف، وَأَن الله تَعَالَى بعث إِلَيْهِم رَسُولا وَأمرهمْ بِطَاعَتِهِ. وَمن ذهب إِلَى قَول الضَّحَّاك يسْتَدلّ أَيْضا بقوله تَعَالَى: {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم ... }
    ..........
    وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي (كتاب النَّاسِخ والمنسوخ) : حَدثنَا مطلب بن زِيَاد عَن السّديّ،قَالَ: فِي الْجِنّ قدرية ومرجئة وشيعة، وَحكى السّديّ أَيْضا عَن أشياخه أَن فِي الْجِنّ الْمُؤمن وَالْكَافِر والمعتزلة والجهمية وَجَمِيع الْفرق.
    فَوَائِد: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: الشَّيَاطِين أَوْلَاد إِبْلِيس لَا يموتون إلاَّ مَعَه، وَالْجِنّ يموتون قبله. وَقَالَ إِسْحَاق: قَالَ أَبُو روق عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس،قَالَ: لما خلق الله شوما أَبَا الْجِنّ، وَهُوَ الَّذِي خلق من مارج من نَار،فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: تمنَّ. فَقَالَ: أتمنَّى أَن نَرى وَلَا نُرى، وَأَن نغيب فِي الثرى، وَأَن يصير كهلنا شَابًّا. فَأعْطِي ذَلِك، فهم يَرون وَلَا يُرون، وَإِذا مَاتُوا غَيَّبُوا فِي الثرى وَلَا يَمُوت كهلهم حَتَّى يعود شَابًّا،يَعْنِي: مثل الصَّبِي ثمَّ يرد إِلَى أرذل الْعُمر. وَسُئِلَ أَبُو الْبَقَاء العكبري الْحَنْبَلِيّ عَن الْجِنّ: (هَل تصح الصَّلَاة خَلفهم؟قَالَ: نعم، لأَنهم مكلفون، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل إِلَيْهِم.
    لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ ألَمْ يَأتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي} إِلَى قَوْلِهِ {عَمَّا يَعْمَلُون}
    .......
    ( 15/188)
    وَعَن ابْن عَبَّاس أَن هَؤُلَاءِ الْجِنّ كَانُوا سَبْعَة من جن نَصِيبين فجعلهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رسلًا إِلَى قَومهمْ،وَقيل: كَانُوا تِسْعَة،وَقيل: كَانُوا اثْنَي عشر ألفا. وَالسورَة الَّتِي كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرؤهَا سُورَة {إقرأ باسم رَبك} (العلق: 1) . وَذكر ابْن دُرَيْد من أَسمَاء هَؤُلَاءِ الْجِنّ خَمْسَة،وهم: سامر ومامر ومنسى وماسي والأحقب، وَذكر ابْن سَلام فِي (تَفْسِيره) عَن ابْن مَسْعُود: وَمِنْهُم: عَمْرو ابْن جَابر،وَذكر ابْن أبي الدُّنْيَا: زَوْبَعَة،وَمِنْهُم: سرق، وَفِي (تَفْسِير عبد بن حميد) : كَانُوا من نِينَوَى،وأتوه بنخلة وَقيل: بشعب الْحجُون.
    ......
    (15/189)
    وَقَالَ ابْن خالويه: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب أَسمَاء الْجنان وصفاتها إلاَّ مَا أذكرهُ. وعد لَهَا نَحوا من سبعين إسماً مِنْهَا: الشجاع الأرقم الْأسود الأفعى الأبتر الأعيرج الأصلة الصل الجان الْجنان والجرارة والرتيلاء، وَذكر الجاحظ أَيْضا أَنْوَاعهَا،مِنْهَا: المكللة الرَّأْس، طولهَا شبران أَو ثَلَاثَة إِن حَاذَى جحرها طَائِر سقط وَلَا يحس بهَا حَيَوَان إلاَّ هرب فَإِن قرب مِنْهَا حدر وَلم يَتَحَرَّك وَتقتل بصفيرها، وَمن وَقع عَلَيْهِ نظرها مَاتَ، وَمن نهشته ذاب فِي الْحَال، وَمَات كل من قرب من ذَلِك الْمَيِّت من الْحَيَوَان، فَإِن مَسهَا بعصا هلك بِوَاسِطَة الْعَصَا،وَقيل: إِن رجلا طَعنهَا بِرُمْح فَمَاتَ هُوَ ودابته فِي سَاعَة وَاحِدَة قَالَ: وَهَذَا الْجِنْس كثير بِبِلَاد التّرْك.
    .........
    (15/190)
    وروى مُسلم من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا أَن لهَذِهِ الْبيُوت عوامر فَإِذا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئا فَخَرجُوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِن ذهب وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ وَمعنى فَخَرجُوا عَلَيْهِ أَن يُقَال لَهُ أَنْت فِي حرج أَي ضيق إِن لَبِثت عندنَا أَو ظَهرت لنا أَو عدت إِلَيْنَا وَمعنى ثَلَاثًا أَي ثَلَاث مَرَّات وَقيل ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن كَانَت فِي الصحارى والأودية تقتل من غير إيذان لعُمُوم قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " خمس من الفواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم فَذكر مِنْهُنَّ الْحَيَّة وَجَاء فِي حَدِيث آخر " من تركهن مَخَافَة شرهن فَلَيْسَ منا " ثمَّ اعْلَم أَن ظَاهر الحَدِيث التَّعْمِيم فِي الْبيُوت وَعَن مَالك تَخْصِيصه ببيوت أهل الْمَدِينَة وَقيل يخْتَص ببيوت المدن دون غَيرهَا

    ............
    (15/190)
    إِشَارَة إِلَى شدَّة كفر الْمَجُوس لِأَن مملكة الْفرس وَمن أطاعهم من الْعَرَب كَانَت من جِهَة الْمشرق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَة وَكَانُوا فِي غَايَة الْقُوَّة وَالْكَثْرَة والتجبر حَتَّى أَن ملكهم مزق كتاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والدجال أَيْضا يَأْتِي من الْمشرق من قَرْيَة تسمى رستاباذ فِيمَا ذكره الطَّبَرِيّ وَمن شدَّة أَكثر أهل الْمشرق كفرا وطغيانا أَنهم كَانُوا يعْبدُونَ النَّار وَأَن نارهم مَا انطفأت ألف سنة وَكَانَ الَّذين يخدمونها وهم السَّدَنَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف رجل
    .......
    (15/193)
    وَقَالَ ابْن سَيّده الديك ذكر الدَّجَاج وَعَن الدَّاودِيّ وَقد يُسمى الديك دجَاجَة والدجاجة تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى
    ....
    (15/194)
    حَدِيث أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا ينهق الْحمار حَتَّى يرى شَيْطَانا أَو يمثل لَهُ شَيْطَان فَإِذا كَانَ كَذَلِك فاذكروا الله تَعَالَى وصلوا عَليّ " (فَائِدَة) قَالَ الدَّاودِيّ يَنْبَغِي أَن يتَعَلَّم من الديك خَمْسَة أَشْيَاء حسن الصَّوْت. وَالْقِيَام بِالسحرِ. والسخاء. والغيرة. وَكَثْرَة النِّكَاح
    ....
    (15/196)
    نصر بن عَليّ بن نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، طلبه المستعين للْقَضَاء،ثمَّ جاؤا بعهدة الْقَضَاء فَقَالَ: أخروها إِلَى الْعشي، فَلَمَّا خرج إِلَى صَلَاة الظّهْر عاودوه،وَقَالَ: سألتكم إِلَى الْعشي وَعَسَى أَن يَكْفِي الله. قَالُوا: ثمَّ دخل إِلَى منزله فصلى رَكْعَتَيْنِ وَسجد، وَسَأَلَ الله أَن يقبضهُ إِلَيْهِ فَمَاتَ وَهُوَ ساجد، رَحمَه الله تَعَالَى، سنة خمس وَمِائَتَيْ
    ........
    (15/200)
    قَالَ الْخطابِيّ مَا ملخصه: قَالَ بعض الجهلة المعاندين: كَيفَ يجْتَمع الدَّاء والشفاء فِي جناحي الذُّبَاب؟ وَكَيف تعلم الذُّبَاب ذَلِك من نَفسهَا حَتَّى تقدم الدَّاء وتؤخر الدَّوَاء؟ وَمَا أَدَّاهَا إِلَى ذَلِك؟ورد عَلَيْهِم: بِأَن عَامَّة الْحَيَوَان جمعت فِيهَا بَين الْحَرَارَة والبرودة والرطوبة واليبوسة فِي أَشْيَاء متضادة إِذا تلاقت تفاسدت لَوْلَا تأليف الله لَهَا، وَالَّذِي ألهم النحلة وَشبههَا من الْحَيَوَان إِلَى بِنَاء الْبيُوت وادخار الْقُوت هُوَ الملهم للذباب مَا ترَاهُ فِي الْكتاب.
    ......
    (15/202)
    قَالَ الْإِجْمَاع على قتل الْعَقُور مِنْهَا، وَاخْتلفُوا فِي قتل مَا لَا ضَرَر فِيهِ، فَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَمر الشَّارِع أَولا بقتلها كلهَا، ثمَّ نسخ ذَلِك وَنهى عَن قَتلهَا إلاَّ الْأسود البهيم، ثمَّ اسْتَقر الشَّرْع على النَّهْي عَن قتل جَمِيعهَا إلاَّ الْأسود،لحَدِيث عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ: لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها، رَوَاهُ أَصْحَاب (السّنَن) الْأَرْبَعَة. وَمعنى: البهيم، شَيْطَان بعيد عَن الْمَنَافِع قريب من الْمضرَّة، وَهَذِه أُمُور لَا تدْرك بِنَظَر، وَلَا يُوصل إِلَيْهَا بِقِيَاس، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى مَا جَاءَ عَن الشَّارِع،وَقد روى ابْن عبد الْبر عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْكلاب من الْجِنّ، وَهِي ضعفة الْجِنّ،وَفِي لفظ: السود مِنْهَا جن، والبقع مِنْهَا جن،وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هم سفلَة الْجِنّ وضعفاؤهم،وَقَالَ ابْن عديس: يُقَال: كلب جني، وَرُوِيَ عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم أَنَّهُمَا يكرهان صيد الْكَلْب الْأسود البهيم، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد وَبَعض الشَّافِعِيَّة،وَقَالُوا: لَا يحل الصَّيْد إِذا قَتله،وَعند أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يحل. وَقَالَ أَبُو عمر: الَّذِي تختاره أَن لَا يقتل مِنْهَا شَيْء إِذا لم يضر، لنَهْيه أَن يتَّخذ فِيهِ روح غَرضا،وَلِحَدِيث: الَّذِي سقى الْكَلْب،وَلقَوْله: فِي كل كبد حر أجر، وَترك قَتلهَا فِي كل الْأَمْصَار، وفيهَا الْعلمَاء وَمن لَا يسامح فِي شَيْء من الْمُنكر والمعاصي الظَّاهِرَة، وَمَا علمت فَقِيها من فُقَهَاء الْمُسلمين جعل اتِّخَاذ الْكلاب جرحة، وَلَا رد قاضٍ شَهَادَة متخذها، وَمذهب الشَّافِعِي تَحْرِيم اقتناء الْكَلْب لغير حَاجَة.
    .....
    (15/203)
    أَن القيراط لَهُ أصل لمقدار مَعْلُوم عِنْد الله تَعَالَى، وَالْمرَاد نقص جُزْء من أَجزَاء عمله. وَأما التَّوْفِيق بَين قِيرَاط فِي هَذَا الحَدِيث، وَبَين قيراطين فِي رِوَايَة أُخْرَى فباعتبار التَّغْلِيظ فِي القيراطين لما لم ينْتَه النَّاس، أَو بِاعْتِبَار كَثْرَة الْأَذَى من الْكَلْب وقلته، أَو باخْتلَاف الْمَوَاضِع فالقيراطان فِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة لزِيَادَة فَضلهَا، والقيراط فِي غَيرهَا، أَو القيراطان فِي الْمَدِينَة والقيراط فِي الْبَوَادِي،وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ: اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِمَا ينقص مِنْهُ،فَقيل: ينقص مِمَّا مضى من عمله،وَقيل: من مستقبله. وَاخْتلفُوا فِي مَحل نقصانها،فَقيل: قِيرَاط من عمل النَّهَار، وقيراط من عمل اللَّيْل،وَقيل: قِيرَاط من عمل الْفَرْض وقيراط من النَّفْل،وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أقرب مَا قيل فِي ذَلِك قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن جَمِيع مَا عمله من عمل ينقص لمن اتخذ مَا نهى عَنهُ من الْكلاب، بِإِزَاءِ كل يَوْم يمسِكهُ جزآن من أَجزَاء ذَلِك الْعَمَل،وَقيل: من عمل ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يمسِكهُ فِيهِ. الثَّانِي: يحط من عمله عملان، أَو من عمل يَوْم إِمْسَاكه، عُقُوبَة لَهُ على مَا اقتحم من النَّهْي.
    ..........


    ويليه " كتاب " أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

  11. #271
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الأحد
    الموافق : 3/ جمادى الثاني / 1442 هجري
    الموافق : 17/ يناير / 2021 ميلادي

    كتاب " أحاديث الأنبياء عليهم السلام " من " عمدة القاري " للعيني

    )15/210)
    {لَوْلَا حَوَّاء لم تخن أُنْثَى زَوجهَا} أَنَّهَا دعت آدم إِلَى الْأكل من تِلْكَ الشَّجَرَة،وَذكر الْمَاوَرْدِيّ أَنَّهَا: الْبر،وَقيل: التِّين،وَقيل: الكافور،وَقيل: الْكَرم،وَقيل: شَجَرَة الْخلد الَّتِي كَانَت الْمَلَائِكَة تَأْكُل مِنْهَا.
    .........
    (15/215)
    قابيل، وَقد قتل هُوَ أَخَاهُ هابيل وَكَانَ عمره عشْرين سنة وَعمر قابيل خَمْسَة وَعشْرين سنة،وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَأهل الْعلم مُخْتَلفُونَ فِي اسْم الْقَاتِل،فبعضهم يَقُول: هُوَ قين بن آدم،وَبَعْضهمْ يَقُول هُوَ: قاين بن آدم،وَبَعْضهمْ يَقُول: هُوَ قابيل، وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي سَبَب قَتله هابيل،فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو: إِن الله تَعَالَى أَمر بني آدم أَن يقربا قرباناً، وَأَن صَاحب الْغنم قرب أكْرم غنمه، وَصَاحب الْحَرْث قرب شَرّ حرثه، فَقبل الله قرْبَان الأول، وَقَالَ ابْن عَبَّاس،رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: كَانَ من شَأْنهمَا أَنه لم يكن مِسْكين يتَصَدَّق عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ القربان يقربهُ الرجل،فَبَيْنَمَا هما قاعدان إِذْ قَالَا: لَو قربنا؟ فقربا قرباناً فَتقبل من أَحدهمَا.
    ......
    (15/216)
    وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ: وَالْعجب من هَذِه الْأَقْوَال، وَقد اتّفق أَرْبَاب السّير أَن الْوَاقِعَة كَانَت بِالْهِنْدِ، وَأَن قابيل اغتنم غيبَة أَبِيه بِمَكَّة، فَمَا الَّذِي أَتَى بِهِ إِلَى جبل ثَوْر وحراء وهما بِمَكَّة؟ وَمَا الَّذِي أَتَى بِهِ إِلَى الْبَصْرَة وَلم تكن أسست؟ وَأَيْنَ الْهِنْد ودمشق والجابية؟ وَهل وضعت التواريخ إلاَّ ليتميز الصَّحِيح والسقيم والسالم والسليم؟ أللهم غفراً. قلت: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: أَنه قَتله على جبل نوذ بِالْهِنْدِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح،وَحكى الثَّعْلَبِيّ عَن مُعَاوِيَة بن عمار: سَأَلت الصَّادِق أَكَانَ آدم يُزَوّج ابْنَته من ابْنه؟فَقَالَ: معَاذ الله، وَإِنَّمَا هُوَ لما أهبط إِلَى الأَرْض ولدت حَوَّاء، عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِنْتا فسماها عنَاقًا، وَهِي أول من بغى على وَجه الأَرْض، فَسلط الله عَلَيْهَا من قَتلهَا. فولد لَهُ على إثْرهَا قابيل،فَلَمَّا أدْرك أظهر الله لَهُ جنية يُقَال لَهَا: حمامة، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن زَوجهَا مِنْهُ،فَلَمَّا أدْرك هابيل أهبط الله إِلَيْهِ من الْجنَّة حوراء اسْمهَا: بذلة، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن زَوجهَا مِنْهُ، فأعتب قابيل على أَبِيه،وَقَالَ: أَنا أسن مِنْهُ وَكنت أَحَق بهَا. قَالَ: يَا بني إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَيّ بذلك، فقربا قرباناً.
    ......
    (15/216)
    وَذكر الزَّمَخْشَرِيّ: أَمن اسْم أم نوح شمحا بنت آنوش، وَأرْسل الله نوحًا، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى ولد قابيل وَمن تَابعهمْ من ولد شِيث وَهُوَ ابْن خمسين سنة،وَقيل: ابْن ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة،وَقيل: ابْن ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة سنة،وَاخْتلفُوا فِي مقَامه على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: بِالْهِنْدِ، قَالَه مُجَاهِد. وَالثَّانِي: بِأَرْض بابل والكوفة، قَالَه الْحسن الْبَصْرِيّ،وَقَالَ ابْن جرير: كَانَ مولده بعد وَفَاة آدم بِمِائَة سنة وست وَعشْرين سنة،وَقَالَ مقَاتل: بَينه وَبَين آدم ألف سنة، وَبَينه وَبَين إِدْرِيس مائَة سنة. وَهُوَ أول نَبِي بعد إِدْرِيس، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،وَقَالَ مقَاتل: اسْمه السكن،وَقيل: السَّاكِن،وَقَالَ السّديّ: إِنَّمَا سمي سكناً لِأَن الأَرْض سكنت بِهِ. وَقيل: اسْمه عبد الْغفار، ذكره الطَّبَرِيّ، وَسمي نوحًا لِكَثْرَة نوحه وبكائه،وَقيل: إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَيْهِ: لِمَ تَنُوح؟ لِكَثْرَة بكائه،فَسُمي نوحًا وَيُقَال: إِنَّه نظر يَوْمًا إِلَى كلب قَبِيح المنظر،فَقَالَ: مَا أقبح صُورَة هَذَا الْكَلْب،فأنطقه الله عز وَجل وَقَالَ: يَا مِسْكين على من عبت؟ على النقش أَو على النقاش؟ فَإِن كَانَ على النقش فَلَو كَانَ خلقي بيَدي حسنته؟ وَإِن كَانَ على النقاش فالعيب عَلَيْهِ اعْتِرَاض فِي ملكه. فَعلم أَن الله تَعَالَى أنطقه، فناح على نَفسه وَبكى أَرْبَعِينَ سنة، قَالَه السّديّ عَن أشياخه، وَمَات نوح وعمره ألف سنة وَأَرْبَعمِائَة سنة، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب (أَعمار الْأَعْيَان) وَقيل: ألف وثلاثمائة سنة،وَقيل: ألف وَسَبْعمائة وَثَمَانِينَ سنة،قيل: إِنَّه مَاتَ بقرية الثَّمَانِينَ، وَهِي الْقرْيَة الَّتِي بناها عِنْد الجودي الَّذِي أرسيت عَلَيْهِ السَّفِينَة، وَهُوَ بِقرب موصل بالشرق، حَكَاهُ هَارُون بن الْمَأْمُون،وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: مَاتَ بِالْهِنْدِ على جبل نوذ،وَقيل: بِمَكَّة،وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن ساباط: قبر هود وَصَالح وَشُعَيْب ونوح، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَين زَمْزَم والركن وَالْمقَام،وَقيل: مَاتَ بِبَابِل،وَقيل: بِبَلَد بعلبك فِي الْبِقَاع،قَرْيَة يُقَال لَهَا: الكرك فِيهَا قبر يُقَال لَهُ: قبر نوح،وَيعرف الْآن: بكرك نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،وَقَالَ ابْن كثير: وَأما قَبره فروى ابْن جرير والأزرقي: أَنه فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَهَذَا أقوى وَأثبت من الَّذِي ذكره كثير من الْمُتَأَخِّرين من أَنه ببلدة بالبقاع تعرف بكرك نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،وَقَالُوا: ذكره الله فِي الْقُرْآن فِي مَوَاضِع،فَقيل: فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين موضعا،مِنْهَا مَا ذكره البُخَارِيّ من قَوْله: بَاب قَول الله عز وَجل: {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} (هود: 52)
    .......
    (15/225)
    وَكَانَ هود من قَبيلَة يُقَال لَهَا: عَاد بن عوص بن إرم بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وهم عَاد الأولى، وَكَانُوا عربا يسكنون فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة،وَأرْسل الله تَعَالَى هوداً إِلَيْهِم وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هوداً} (هود: 05) . أَي: وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد أَخَاهُم هوداً. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَخَاهُم وَاحِدًا مِنْهُم،وَقَالَ مقَاتل: أخوهم فِي النّسَب لَا فِي الدّين، وَكَانَ عَاد الَّذِي تسمت الْقَبِيلَة بِهِ ملكهم وَكَانَ يعبد الْقَمَر وَطَالَ عمره، فَرَأى من صلبه أَرْبَعَة آلَاف ولد، وَتزَوج ألف امْرَأَة، وَهُوَ أول من ملك الأَرْض بعد نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وعاش ألف سنة، ومائتي سنة،وَلما مَاتَ انْتقل الْملك إِلَى أكبر وَلَده وَهُوَ: شَدِيد بن عَاد، فَأَقَامَ خَمْسمِائَة سنة وَثَمَانِينَ سنة، ثمَّ مَاتَ فانتقل الْملك إِلَى أَخِيه شَدَّاد بن عَاد وَهُوَ الَّذِي بنى إرم ذَات الْعِمَاد، وَكَانَت قبائل عَاد الَّتِي تسمت بِهِ قد ملكوا الأَرْض بقوتهم وافتخروا {وَقَالُوا: من أشدُّ مِنَّا قوَّة} (فصلت: 51) . فَلَمَّا كثر طغيانهم بعث الله إِلَيْهِم هوداً وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هوداً قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره إِن أَنْتُم إلاَّ مفترون} (فصلت: 51) . يَعْنِي: تفترون على الله الْكَذِب باتخاذكم الْأَوْثَان لَهُ شُرَكَاء
    .....
    (15/226)
    عَن ابْن عَبَّاس: الْأَحْقَاف وَاد بَين عمان ومهرة،وَعَن مقَاتل: كَانَ منَازِل عَاد بِالْيمن فِي حَضرمَوْت بِموضع يُقَال لَهَا مهرَة، إِلَيْهَا تنْسب الْجمال المهرية،وَعَن الضَّحَّاك: الْأَحْقَاف جبال بِالشَّام،وَعَن مُجَاهِد: هِيَ أَرض حسمى،وَعَن قَتَادَة: ذكر لنا أَن عاداً كَانُوا حَيا بِالْيمن أهل رمال مشرفين على الْبَحْر بِأَرْض من بِلَاد الْيمن يُقَال لَهَا: الشحر،وَعَن الْخَلِيل: هِيَ الرمال الْعِظَام،وَعَن الْكَلْبِيّ: أحقاف الْجَبَل مَا نصب عَلَيْهِ المَاء زمَان الْغَرق كَانَ ينضب المَاء وَيبقى أَثَره.
    ........
    (15/226)
    نه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،لما دَعَا على قومه أرسل الله الرّيح عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوماً أَي: متتابعة، أَي ابتدأت غدْوَة الْأَرْبَعَاء وسكنت فِي آخر الثَّامِن
    وَاعْتَزل هود وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ فِي حَظِيرَة لَا يصيبهم مِنْهَا إلاَّ مَا يلين الْجُلُود وتلذ النُّفُوس،وَعَن مُجَاهِد: كَانَ قد آمن مَعَه أَرْبَعَة آلَاف،فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَلما جَاءَ أمرنَا نجينا هوداً وَالَّذين آمنُوا مَعَه} (هود: 85) . فَكَانَت الرّيح تقلع الشّجر وتهدم الْبيُوت وَمن لم يكن مِنْهُم فِي بَيته أهلكته فِي البراري وَالْجِبَال. وَقَالَ السّديّ: لما رَأَوْا أَن الْإِبِل وَالرِّجَال تطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فِي الْهَوَاء تبَادرُوا إِلَى الْبيُوت فَلَمَّا دخلواها دخلت الرّيح وَرَاءَهُمْ فأخرجتهم مِنْهَا ثمَّ أهلكتهم، ثمَّ أرسل الله عَلَيْهِم طيراً سُودًا فنقلتهم إِلَى الْبَحْر فألقتهم فِيهِ. ثمَّ إِن هوداً، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَقِي بعد هَلَاك قومه مَا شَاءَ الله ثمَّ مَاتَ وعمره مائَة وَخَمْسُونَ سنة، وَحكى الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس أَنه عَاشَ أَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ سنة، وَكَانَ بَينه وَبَين نوح ثَمَانمِائَة وَسِتِّينَ سنة.
    وَاخْتلفُوا: فِي أَي مَكَان توفّي؟فَقيل: بِأَرْض الشحر من بِلَاد حَضرمَوْت وقبره ظَاهر هُنَاكَ ذكره ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) ،وَعَن عبد الرَّحْمَن بن ساباط: بَين الرُّكْن وَالْمقَام وزمزم قبر تِسْعَة وَتِسْعين نَبيا، وَأَن قبر هود وَشُعَيْب وَصَالح وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي تِلْكَ الْبقْعَة،وَقيل: بِجَامِع دمشق فِي حَائِط الْقبْلَة، يزْعم بعض النَّاس أَنه قبر هود، وَالله أعلم. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: لم يكن بَين نوح وَإِبْرَاهِيم من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، إلاَّ هود وَصَالح.
    .........
    (15/228)
    بْن أبي نعم،بِضَم النُّون وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: البَجلِيّ، وَاسم الابْن عبد الرَّحْمَن أَبُو الحكم البَجلِيّ الْكُوفِي العابد، وَكَانَ من عباد أهل الْكُوفَة مِمَّن يصبر على الْجُوع الدَّائِم، أَخذه الْحجَّاج ليَقْتُلهُ وَأدْخلهُ بَيْتا ظلما وسد الْبَاب خَمْسَة عشر يَوْمًا، ثمَّ أَمر بِالْبَابِ فَفتح ليخرج ويدفن فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ قَائِم يُصَلِّي،فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج: سر حَيْثُ شِئْت، وَأما اسْم أبي نعم فَمَا وقفت عَلَيْهِ.
    .......
    (15/230)
    زيد الْخَيْر، لِأَنَّهُ لم يكن فِي الْعَرَب أَكثر من خيله،وَقَالَ أَبُو عبيد: وَكَانَ لَهُ شعر وخطابة وشجاعة وكرم، توفّي لما انْصَرف من عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحمى،وَقيل: توفّي فِي آخر خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،وَقَالَ أَبُو عمر: زيد الْخَيل هُوَ زيد بن مهلهل بن زيد بن منْهب الطَّائِي، قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة تسع، وَسَماهُ رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زيد الْخَيْر، وأقطع لَهُ أَرضين فِي ناحيته، يكنى أَبَا مُنْذر. وَفِي كتاب أبي الْفرج: توفّي بِمَاء الْحرم يُقَال لَهُ فردة،وَقيل: لما دخل على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرح لَهُ متكأ فأعظم أَن يتكيء عَلَيْهِ بَين يَدي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرده فَأَعَادَهُ ثَلَاثًا، وَعلمه دعوات كَانَ يَدْعُو بهَا فَيعرف بهَا الْإِجَابَة ويستسقي فيسقى،وَقَالَ: يَا رَسُول الله! أَعْطِنِي مائَة فَارس أغزو بهم على الرّوم، فَلم يلبث بعد انْصِرَافه إلاَّ قَلِيلا حَتَّى حُمَّ وَمَات، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة أسر عَامر بن الطُّفَيْل وجز ناصيته ثمَّ أعْتقهُ،وَقَالَ ابْن دُرَيْد: وَكَانَ لَا يدْخل مَكَّة إلاَّ معتمَّاً من خيفة النِّسَاء عَلَيْهِ.
    ............
    (15/231)
    (فَأقبل رجل) ،وَفِي رِوَايَة مُسلم: فجَاء رجل، هَذَا الرجل من بني تَمِيم يُقَال لَهُ ذُو الْخوَيْصِرَة،واسْمه: حرقوص بن زُهَيْر،قيل: ولقبه ذُو الثدية، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي كتاب (الأذواء) : ذُو الثدية أحد الْخَوَارِج الَّذين قَتلهمْ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بحروراء من جَانب الْكُوفَة،وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَآيَة ذَلِك أَن فيهم رجلا أسود إِحْدَى عضديه مثل ثدي الْمَرْأَة وَمثل الْبضْعَة يدَّرد،أَو يُقَال لَهُ: ذُو الثدي أَيْضا. وَذُو الثدية،وَهُوَ حبشِي واسْمه: نَافِع.
    .....
    (15/232)
    وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج إسمان أعجميان بِدَلِيل منع الصّرْف. قلت: الْعلَّة فِي منع الصّرْف العجمة والعلمية، وهم من ذُرِّيَّة آدم بِلَا خلاف، وَلَكِن اخْتلفُوا،فَقيل: إِنَّهُم من ولد يافث بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَه مُجَاهِد،وَقيل: إِنَّهُم جيل من التّرْك، قَالَه الضَّحَّاك. وَقيل يَأْجُوج من التّرْك وَمَأْجُوج من الجيل والديلم، ذكره الزَّمَخْشَرِيّ. وَقيل: هم من التّرْك مثل المغول، وهم أَشد بَأْسا وَأكْثر فَسَادًا من هَؤُلَاءِ،وَقيل: هم من آدم، وَلَكِن من غير حَوَّاء لِأَن آدم نَام فَاحْتَلَمَ فامتزجت نطفته بِالتُّرَابِ، فَلَمَّا انتبه أَسف على ذَلِك المَاء الذ خرج مِنْهُ، فخلق الله من ذَلِك المَاء يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وهم متعلقون بِنَا من جِهَة الْأَب دون الْأُم، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ عَن كَعْب الْأَحْبَار، وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ أَيْضا فِي (شرح مُسلم) وَغَيره، وَلَكِن الْعلمَاء ضَعَّفُوهُ،وَقَالَ ابْن كثير: وَهُوَ جدير بذلك إِذْ لَا دَلِيل عَلَيْهِ، بل هُوَ مُخَالف لما ذكرُوا من أَن جَمِيع النَّاس الْيَوْم من ذُرِّيَّة نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِنَصّ الْقُرْآن. قلت: جَاءَ فِي الحَدِيث أَيْضا امْتنَاع الِاحْتِلَام على الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد: حَدثنَا يحيى بن سعيد حَدثنِي سُلَيْمَان بن عِيسَى،قَالَ: بَلغنِي أَنهم عشرُون أمة: يَأْجُوج وَمَأْجُوج ويأجيج وأجيج والغيلانين والغسلين والقرانين والطوقنين وَهُوَ الَّذِي يلتحف أُذُنَيْهِ والقريطيين والكنعانيين والدفرانيين والجاجونين والأنطارنين واليعاسين، ورؤوسهم رُؤُوس الْكلاب،وَعَن عبد الله بن عمر بِإِسْنَاد جيد: الْإِنْس عشرَة أَجزَاء،تِسْعَة أَجزَاء: يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَسَائِر النَّاس جُزْء وَاحِد. وَعَن عَطِيَّة بن حسان: أَنهم أمتان، فِي كل أمة أَرْبَعمِائَة ألف أمة لَيْسَ فِيهَا أمة تشبه الْأُخْرَى،وَذكر الْقُرْطُبِيّ مَرْفُوعا: يَأْجُوج أمة لَهَا أَرْبَعمِائَة أَمِير، وَكَذَلِكَ مأجوج صنف مِنْهُم طوله مائَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا،ويروى: أَنهم يَأْكُلُون جَمِيع حشرات الأَرْض من الْحَيَّات والعقارب وكل ذِي روح من الطير وَغَيره، وَلَيْسَ لله خلق يَنْمُو نماءهم فِي الْعَام الْوَاحِد يتداعون تداعي الْحمام ويعوون عواء الْكلاب، وَمِنْهُم من لَهُ قرن وذنب وأنياب بارزة يَأْكُلُون اللَّحْم النِّيَّة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي (كتاب الْأُمَم) : هم أمة لَا يقدر أحد على استقصاء ذكرهم لكثرتهم وَمِقْدَار الرّبع العامر مائَة وَعِشْرُونَ سنة، وَأَن تسعين مِنْهَا ليأجوج وَمَأْجُوج وهم أَرْبَعُونَ أمة مختلو الْخلق والقدود، فِي كل أمة ملك ولغة، وَمِنْهُم من مَشْيه وثب، وَبَعْضهمْ يُغير على بعض، وَمِنْهُم من لَا يتَكَلَّم إِلَّا همهمة، وَمِنْهُم مشوهون، وَفِيهِمْ شدَّة وبأس، وَأكْثر طعامهم الصَّيْد، وَرُبمَا أكل بَعضهم بَعْضًا.
    ...............
    (15/233)
    وَذُو القرنين الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن الْمَذْكُور فِي أَلْسِنَة النَّاس بالإسكندر لَيْسَ الْإِسْكَنْدَر اليوناني، فَإِنَّهُ مُشْرك ووزيره أرسطاطاليس،والإسكندر الْمُؤمن الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن اسْمه: عبد الله بن الضَّحَّاك بن معد، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَنسب هَذَا القَوْل أَيْضا إِلَى عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،وَقيل: مُصعب بن عبد الله بن قنان بن مَنْصُور بن عبد الله بن الأزد بن عون بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ابْن قحطان،وَقد جَاءَ فِي حَدِيث: أَنه من حمير وَأمه رُومِية، وَأَنه كَانَ يُقَال لَهُ ابْن الفيلسوف لعقله،وَذكر ابْن هِشَام: أَن اسْمه الصعب بن مراثد وَهُوَ أول التبايعة وَقَالَ مقَاتل من حمير وَفد أَبوهُ إِلَى الرّوم فَتزَوج امْرَأَة من غَسَّان فَولدت لَهُ ذَا القرنين عبدا صَالحا،وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: اسْمه الاسكندر. قلت: وَمن هُنَا يُشَارك الْإِسْكَنْدَر اليوناني فِي الِاسْم، وَكثير من النَّاس يخطئون فِي هَذَا ويزعمون أَن الْإِسْكَنْدَر الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن هُوَ الْإِسْكَنْدَر اليوناني، وَهَذَا زعم فَاسد، لِأَن الْإِسْكَنْدَر اليوناني الَّذِي بنى الْإسْكَنْدَريّ َة كَافِر مُشْرك، وَذُو القرنين عبد صَالح ملك الأَرْض شرقاً وغرباً. حَتَّى ذهب جمَاعَة إِلَى نبوته مِنْهُم: الضَّحَّاك وَعبد الله بن عمر،وَقيل: كَانَ رَسُولا،وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: وَالصَّحِيح، إِن شَاءَ الله، كَانَ نَبيا غير مُرْسل، ووزيره الْخضر، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فأنَّى يتساويان.
    وَاخْتلفُوا فِي زَمَانه؟فَقيل: فِي الْقرن الأول من ولد يافث بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَه عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَنه ولد بِأَرْض الرّوم،وَقيل: كَانَ بعد نمْرُود، لَعنه الله، قَالَه الْحسن،وَقيل: إِنَّه من ولد إِسْحَاق من ذُرِّيَّة الْعيص، قَالَه مقَاتل،وَقيل: كَانَ فِي الفترة بَين مُوسَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام،وَقيل: فِي الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالأَصَح أَنه كَانَ فِي أَيَّام إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَاجْتمعَ بِهِ فِي الشَّام،وَقيل: بِمَكَّة، وَلما فَاتَهُ عين الْحَيَاة وحظي بهَا الْخضر، عَلَيْهِ السَّلَام، اغتم غماً شَدِيدا فأيقن بِالْمَوْتِ فَمَاتَ بدومة الجندل، وَكَانَ منزله، هَكَذَا رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،وَقيل: بِشَهْر زور،وَقيل: بِأَرْض بابل، وَكَانَ قد ترك الدُّنْيَا وتزهد، وَهُوَ الْأَصَح، وَقيل مَاتَ بالقدس، ذكره فِي (فَضَائِل الْقُدس) لأبي بكر الوَاسِطِيّ الْخَطِيب، وَكَانَ عدد مَا سَار فِي الأَرْض فِي الْبِلَاد مُنْذُ يَوْم بَعثه الله تَعَالَى إِلَى أَن قبض خَمْسمِائَة عَام،وَقَالَ مُجَاهِد: عَاشَ ألف سنة مثل آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: بَلغنِي أَنه عَاشَ سِتا وَثَلَاثِينَ سنة،وَقيل: ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة.
    وَاخْتلف لم سمي: ذَا القرنين، فَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما دَعَا قومه ضربوه على قرنه الْأَيْمن فَمَاتَ، ثمَّ بعث ثمَّ دعاهم فضربوه على الْأَيْسَر فَمَاتَ ثمَّ بعث. وَقيل: لِأَنَّهُ بلغ قطري الأَرْض الْمشرق وَالْمغْرب،وَقيل: لِأَنَّهُ ملك فَارس وَالروم،وَقيل: كَانَ ذَا ضفيرتين من شعر، وَالْعرب تسمي الْخصْلَة من الشّعْر قرنا،وَقيل: كَانَت لَهُ ذؤابتان،وَقيل: كَانَ لتاجه قرنان،وَعَن مُجَاهِد: كَانَت صفحتا رَأسه من نُحَاس،وَقيل: كَانَ فِي رَأسه شبه القرنين،وَقيل: لِأَنَّهُ سلك الظلمَة والضوء، قَالَه الرّبيع،وَقيل: لِأَنَّهُ أعْطى علم الظَّاهِر وَالْبَاطِن، حَكَاهُ الثَّعْلَبِ
    ........
    (15/235)
    قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ قَالَ رأيْتَهُ
    هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي عمر من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة عَن رجل من أهل الْمَدِينَة،أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رَسُول الله {قد رَأَيْت سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج} قَالَ: كَيفَ رَأَيْته؟قَالَ: مثل البُرد المحبَّر طَريقَة حَمْرَاء وَطَرِيقَة سَوْدَاء،قَالَ: قد رَأَيْته؟وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة عَن رجلَيْنِ عَن أبي بكرَة: أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ، فَذكر نَحوه،وَأخرجه الْبَزَّار من طَرِيق يُوسُف بن أبي مَرْيَم الْحَنَفِيّ عَن أبي بكرَة: أَن رجلا رأى السد. . فساقه مطولا. وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه أَيْضا فِي (تَفْسِيره) عَن سُلَيْمَان بن أَحْمد: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا أَبُو الجماهير حَدثنَا سعيد بن بشير عَن قَتَادَة عَن رجلَيْنِ عَن أبي بكرَة الثَّقَفِيّ: أَن رجلا أَتَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي قد رَأَيْته، يَعْنِي السد،فَقَالَ: كَيفَ هُوَ؟قَالَ: كالبُرد المحبَّر. قَالَ: قد رَأَيْته؟قَالَ: وَحدثنَا قَتَادَة أَنه قَالَ: طَريقَة حَمْرَاء من نُحَاس وَطَرِيقَة سَوْدَاء من حَدِيد
    وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد فِي (كتاب الْفِتَن) : حَدثنَا مسلمة بن عَليّ حَدثنَا سعيد ابْن بشير عَن قَتَادَة قَالَ رجل: يَا رَسُول الله! قد رَأَيْت الرَّدْم، وَأَن النَّاس يكذبونني. فَقَالَ: كَيفَ رَأَيْته؟قَالَ: رَأَيْته كَالْبردِ المحبر. قَالَ: صدقت، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد رَأَيْته لَيْلَة الْإِسْرَاء، لبنة من ذهب ولبنة من رصاص
    ......

    (15/239)
    وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: كَانَ اسْم أَب إِبْرَاهِيم الَّذِي سَمَّاهُ أَبوهُ: تارخ،فَلَمَّا صَار مَعَ نمْرُود قيمًا على خزانَة آلِهَته سَمَّاهُ: آزر،وَقيل: آزر اسْم صنم،وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: إِنَّه لقب لَهُ عيب بِهِ،وَمَعْنَاهُ: معوج،وَقيل: هُوَ بالقبطية الشَّيْخ الْهَرم،وَقَالَ الْجَوْهَرِي: آزر اسْم أعجمي،وَقَالَ البلاذري عَن الشرفي بن الْقطَامِي: إِن معنى آزر: السَّيِّد الْمعِين،وَقَالَ وهب: إسم أم إِبْرَاهِيم نونا بنت كرنبا من بني سَام بن نوح،وَقَالَ هِشَام: لم يكن بَين نوح وَإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، إلاَّ هود وَصَالح، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ بَين إِبْرَاهِيم وَهود سِتّمائَة سنة وَثَلَاثُونَ سنة، وَبَين نوح وَإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، ألف وَمِائَة وَثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ سنة. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: وَكَانَ بَين مولد إِبْرَاهِيم وَبَين الطوفان ألف سنة وَمِائَتَا سنة وَثَلَاث وَسِتُّونَ سنة، وَذَلِكَ بعد خلق آدم بِثَلَاثَة آلَاف سنة وثلاثمائة سنة وَسبع وَثَلَاثُونَ سنة، وَكَانَ مولد إِبْرَاهِيم فِي زمن نمْرُود بن كنعان، لَعنه الله تَعَالَى، وَلَكِن اخْتلفُوا فِي أَي مَكَان ولد؟فَقيل: بِبَابِل من أَرض السوَاد مَدِينَة نمْرُود، قَالَه ابْن عَبَّاس،وَعَن مُجَاهِد: بكوثا محلّة بكوفة،وَعَن عِكْرِمَة: بالسوس،وَعَن السّديّ: بَين الْبَصْرَة والكوفة،وَعَن الرّبيع بن أنس: بكسكر ثمَّ نَقله أَبوهُ إِلَى كوثا،وَعَن وهب: بحران، وَالصَّحِيح الأول، وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) كنية إِبْرَاهِيم أَبُو الأضياف،وَقد سَمَّاهُ الله بأسماء كَثِيرَة مِنْهَا: الأواه والحليم والمنيب،
    .........
    (15/240)
    وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَذَّة جماع الأقلف تزيد على لَذَّة جماع المختون،وَقَالَ ابْن عقيل: بشرة حَشَفَة الأقلف موقاة بالقلفة فَتكون بَشرَتهَا أرق وَمَوْضِع الْحس كلما رق كَانَ الْحس أصدق كراحة الْكَفّ، إِذا كَانَت موقاة من الْأَعْمَال صلحت للحس، وَإِذا كَانَت يَد قصار أَو نجار خَفِي فِيهَا الْحس، فَلَمَّا أبانوا فِي الدُّنْيَا تِلْكَ الْبضْعَة لأَجله أَعَادَهَا الله ليذيقها من حلاوة فَضله،قَالَ: والسر فِي الْخِتَان، مَعَ أَن القلفة مَعْفُو عَن مَا تحتهَا من النَّجس، أَنه سنة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد: أَنه لما حَضَره الْمَوْت دَعَا بِثِيَاب جدد فلبسها،ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،يَقُول: إِن الْمَيِّت يبْعَث فِي ثِيَابه الَّتِي يَمُوت فِيهَا، وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا وَصَححهُ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده،قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،يَقُول: إِنَّكُم تحشرون رجَالًا وركباناً وَتجرونَ على وُجُوهكُم، فَفِيهَا مُعَارضَة لحَدِيث الْبَاب ظَاهرا. قلت: أُجِيب بِأَنَّهُم يبعثون من قُبُورهم فِي ثِيَابهمْ الَّتِي يموتون فِيهَا، ثمَّ عِنْد الْحَشْر تتناثر عَنْهُم ثِيَابهمْ فيحشرون عُرَاة أَو بَعضهم يأْتونَ إِلَى موقف الْحساب عُرَاة ثمَّ يكسون من ثِيَاب الْجنَّة،وَبَعْضهمْ حمل قَوْله: يبعثون فِي ثِيَابه، على الْأَعْمَال،أَي: فِي أَعماله الَّتِي يَمُوت فِيهَا من خير أَو شَرّ. قَالَ تَعَالَى: {ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} (الْأَعْرَاف: 62) . وَقَالَ تَعَالَى: {وثيابك فطهر} (المدثر: 3) . أَي: عَمَلك أخلصه، وروى مُسلم عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،مَرْفُوعا: يبْعَث كل عبد على مَا مَاتَ عَلَيْهِ، وَحمله بَعضهم على الشُّهَدَاء الَّذين أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يزملوا فِي ثِيَابهمْ ويدفنوا بهَا، وَلَا يُغير شَيْء من حَالهم،وَقَالُوا: يحْتَمل أَن يكون أَبُو سعيد سمع الحَدِيث فِي الشُّهَدَاء فتأوله على الْعُمُوم،
    ........
    (15/241)
    وَذهب الْغَزالِيّ إِلَى حَدِيث أبي سعيد وَاحْتج بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بالغوا فِي أكفان مَوْتَاكُم، فَإِن أمتِي تحْشر فِي أكفانها، وَسَائِر الْأُمَم عُرَاة، رَوَاهُ أَبُو سُفْيَان مُسْندًا. وَأجِيب: عَنهُ،على تَقْدِير صِحَّته: إِنَّه مَحْمُول على أمتِي الشُّهَدَاء، وَاحْتج الْغَزالِيّ أَيْضا بِمَا رَوَاهُ أَبُو نصر الوائلي فِي (الْإِبَانَة) : من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر مَرْفُوعا: أَحْسنُوا أكفان مَوْتَاكُم، فَإِنَّهُم يتباهون بهَا ويتزاورون فِي قُبُورهم. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك يكون فِي البرزخ، كَمَا فِي نفس الحَدِيث، فَإِذا قَامُوا خَرجُوا،كَمَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إلاَّ الشُّهَدَاء.
    ......
    (15/245)
    اختتن إِبْرَاهِيم على رَأس ثَمَانِينَ سنة. وَاخْتلف فِي المُرَاد بالقدوم،فَقيل: مقيل لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام،وَقيل: هِيَ قَرْيَة بِالشَّام،وَقَالَ الْحَازِمِي: المخفف قَرْيَة كَانَت عِنْد حلب،وَقيل: هُوَ اسْم مجْلِس إِبْرَاهِيم بحلب،وَقَالَ ثَعْلَب: هُوَ اسْم مَوضِع،وَقَالَ ابْن وضاح: هُوَ جبل بِالْمَدِينَةِ،وَقَالَ ابْن دُرَيْد: قدوم،بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف: ثنية بالشراة، وَكَذَا قَالَ الْبكْرِيّ،وَحكى الْبكْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر اللّغَوِيّ: أَن الْمَكَان مشدد لَا يدْخلهُ الْألف وَاللَّام، وَمن رَوَاهُ فِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بِالتَّخْفِيفِ فَإِنَّمَا عَنى الْآلَة،وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر الروَاة بِالتَّخْفِيفِ،يَعْنِي بِهِ: الْآلَة، وَهُوَ قَول أَكثر أهل اللُّغَة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْقدوم الَّذِي ينحت بِهِ مخفف،وَلَا تَقول: قدوم، بِالتَّشْدِيدِ،وَقَالَ ابْن السّكيت: وَالْجمع قدوم.
    .......
    (15/249)
    مَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ: أما الْكَذِب فِيمَا طَرِيقه الْبَلَاغ عَن الله عز وَجل فالأنبياء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، معصومون عَنهُ، وَأما فِي غَيره فَالصَّحِيح امْتِنَاعه. فيؤول ذَلِك بِأَنَّهُ كذب بِالنِّسْبَةِ إِلَى فهم السامعين، أما فِي نفس الْأَمر فَلَا، إِذْ معنى سقيم إِنِّي سأسقم لِأَن الْإِنْسَان عرضة للأسقام أَو سقيم بِمَا قدر عَلَيْهِ من الْمَوْت أَو كَانَت تَأْخُذهُ الْحمى فِي ذَلِك الْوَقْت. وَأما: فعله كَبِيرهمْ
    ......
    (15/249)
    وَاسم هَذَا الْجَبَّار: عَمْرو بن امرىء الْقَيْس بن سبأ، وَكَانَ على مصر، ذكره السُّهيْلي، وَهُوَ قَول ابْن هِشَام فِي (التيجان) وَقيل: اسْمه صادوف، بِالْفَاءِ حَكَاهُ ابْن قُتَيْبَة، وَأَنه كَانَ على الْأُرْدُن،وَقيل: سُفْيَان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاوذ بن سَام بن نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،حَكَاهُ الطَّبَرِيّ وَيُقَال: إِنَّه أَخُو الضَّحَّاك الَّذِي ملك الأقاليم،وَقيل: إِنَّه ملك حران. وَقَالَ عُلَمَاء السّير: أَقَامَ إِبْرَاهِيم بِالشَّام مُدَّة فقحط الشَّام، فَسَار إِلَى مصر وَمَعَهُ سارة. وَكَانَ بهَا فِرْعَوْن، وَهُوَ أول الفراعنة، عَاشَ دهراً طَويلا، فَأتى إِلَيْهِ رجل،وَقَالَ: إِنَّه قدم رجل وَمَعَهُ امْرَأَة من أحسن النَّاس، وَجرى لَهُ مَعَه مَا ذكره فِي الحَدِيث
    .....
    (15/249)
    وَكَانُوا قبل الْإِسْلَام يعظمون أَمر الْجِنّ جدا، ويرون كل مَا يَقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم.
    ..........ز
    (15/249)
    (مهيا) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف مَقْصُورا، وَهَذِه رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي،وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: (مهين) ، بالنُّون فِي آخِره،وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: (مَهيم) ، بِالْمِيم فِي آخِره،وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ أَنَّهَا كلمة يستفهم بهَا مَعْنَاهَا: مَا حالك؟ وَمَا شَأْنك؟وَيُقَال: إِن إِبْرَاهِيم أول من قَالَ هَذِه الْكَلِمَة.
    ...........
    (15/249)
    (رد الله كيد الْكَافِر فِي نَحره) ، هَذَا مثل تَقوله الْعَرَب لمن أَرَادَ أمرا بَاطِلا فَلم يصل إِلَيْهِ،وَفِي رِوَايَة مُسلم: (كف الله يَد الْفَاجِر وَأَخْدَم خَادِمًا) .
    .........
    (15/250)
    وَقَالَ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : كل من كَانَ لَهُ من ولد إِسْمَاعِيل يُقَال لَهُ: ابْن مَاء السَّمَاء، لِأَن إِسْمَاعِيل ولد هَاجر وَقد رَبِّي بِمَاء زَمْزَم وَهِي من مَاء السَّمَاء،وَقيل: سموا بذلك لخلوص نسبه وصفائه، فَأشبه مَاء السَّمَاء،وَقَالَ عِيَاض: وَالْأَظْهَر عِنْدِي أَنه أَرَادَ بذلك الْأَنْصَار، نسبهم إِلَى جدهم عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة القطريف بن امريء الْقَيْس البطريق بن ثَعْلَبَة بن مَازِن من الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وعامر هَذَا هُوَ جد الْأَوْس والخزرج ابْنا حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء بن عَمْرو بن مزيقيا بن عَامر مَاء السَّمَاء. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَمَا ذكره إِنَّمَا يَأْتِي على الشاذ أَن الْعَرَب جَمِيعهَا من ولد إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إلاَّ قبائل استثنيت، أما الْأَنْصَار فليسوا من ولد إِسْمَاعِيل بن هَاجر، وَلَا يعلم لَهَا ولد غَيره. قلت: قَالَ الرشاطي: إِن الْأَنْصَار جزآن: الْأَوْس والخزرج أَخَوان رفعنَا نسبهما فِي: بَاب الْأَنْصَار، فذكرناها كَمَا ذكرهمَا الْآن،وأمهما: قيلة بنت الأرقم بن عَمْرو بن جَفْنَة،وَقيل: قيلة بنت كَاهِل بن عذرة بن سعد بن قضاعة، حكى ذَلِك ابْن الْكَلْبِيّ والهمداني،
    .........
    (15/251)\
    أَن الْوضُوء كَانَ مَشْرُوعا للأمم قبلنَا وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَذِهِ الْأمة وَلَا بالأنبياء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، لثُبُوت ذَلِك عَن سارة، وَذهب بَعضهم إِلَى نبوة سارة، وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا لَيست بنبية.
    .......
    (15/251)
    وَذكر بعض الْحُكَمَاء: أَن الوزغ أَصمّ أبرص وَأَنه لَا يدْخل بَيْتا فِيهِ زعفران، وَأَنه يلقح بِفِيهِ، وَأَنه يبيض،وَيُقَال لكبارها: سَام أبرص بتَشْديد الْمِيم، ويمج فِي الْإِنَاء فينال الْإِنْسَان من ذَلِك مَكْرُوه عَظِيم، وَإِذا تمكن من الْملح تمرغ فِيهِ، وَيصير ذَلِك مَادَّة لتولد البرص، وينحجز فِي الشتَاء أَرْبَعَة أشهر لَا يَأْكُل شَيْئا كالحية، وَبَينه وَبَين الْحَيَّة إلفة كإلفة العقارب والخنافس.
    ...........
    (15/254)
    (من جرهم) ، بِضَم الْجِيم وَالْهَاء، حَيّ من الْيمن وَهُوَ ابْن قحطان بن عَابِر بن شالخ بن إرفخشذ بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ جرهم وَأَخُوهُ قطورا أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّة ِ عِنْد تبلبل الألسن، وَكَانَ رَئِيس جرهم مضاض بن عَمْرو، وَرَئِيس قطورا السميدع،وَيُطلق على الْجَمِيع: جرهم،وَقيل: إِن أصلهم من العمالقة،وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: وَكَانَت جرهم يَوْمئِذٍ بوادٍ قريب من مَكَّة.
    ...........
    (15/259)
    وَذكر الْأَزْرَقِيّ فِي (تَارِيخ مَكَّة) : أَن ذَا القرنين طَاف مَعَ إِبْرَاهِيم بِالْبَيْتِ.
    ........
    (15/261)
    ين بِنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام وَبِنَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى. قَوْله: (أَرْبَعُونَ سنة) ،أَي: بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فِيهِ إِشْكَال، لِأَن إِبْرَاهِيم بنى الْكَعْبَة وَسليمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بنى بَيت الْمُقَدّس، وَبَينهمَا أَكثر من ألف سنة،وَالْجَوَاب عَنهُ مَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ: إِن الْآيَة الْكَرِيمَة والْحَدِيث لَا يدلان على أَن إِبْرَاهِيم وَسليمَان، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، ابتدآ وضعهما، بل كَانَ تجديداً لما أسس غَيرهمَا، وَقد رُوِيَ أَن أول من بنى الْبَيْت آدم، وعَلى هَذَا فَيجوز أَن يكون غَيره من وَلَده رفع بَيت الْمُقَدّس بعده بِأَرْبَعِينَ عَاما، ويوضحه من ذكره ابْن هِشَام فِي كِتَابه (التيجان) : إِن آدم لما بنى الْبَيْت أمره جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِالْمَسِيرِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَأَن يبنيه فبناه ونسك فِيهِ،وَقَالَ ابْن كثير: أول مَا جعله مَسْجِدا إِسْرَائِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا أَمر سُلَيْمَان بتجديده وإحكامه، لَا أَنه أول من بنى. وَذكر الثَّعْلَبِيّ: أَن دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بني إِسْرَائِيل أَن يتخذوا مَسْجِدا فِي صَعِيد بَيت الْمُقَدّس، فَأخذُوا فِي بنائِهِ لإحدى عشرَة سنة مَضَت من ملك دَاوُد، وَكَانَ دَاوُد ينْقل لَهُم الْحِجَارَة على عَاتِقه،فَأوحى الله إِلَى دَاوُد: إِنَّك لست بانيه وَلَكِن لَك ابْن أملكهُ بعْدك اسْمه سُلَيْمَان فأقضي إِتْمَامه على يَدَيْهِ،وَرُوِيَ عَن كَعْب الْأَحْبَار: أَن سُلَيْمَان بنى بَيت الْمُقَدّس على أساس قديم كَانَ اسسه سَام بن نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر أَبُو مُحَمَّد بن أَحْمد الوَاسِطِيّ فِي (تَارِيخ بَيت الْمُقَدّس) : أَن سُلَيْمَان اشْترى أرضه بسبعة قناطير ذَهَبا،وَقَالَ الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون الْمَسْجِد الْأَقْصَى أول مَا وضع بناءه بعض أَوْلِيَاء الله تَعَالَى قبل دَاوُد وَسليمَان، ثمَّ بناه دَاوُد وَسليمَان فزادا فِيهِ ووسعاه فأضيف إِلَيْهِمَا بِنَاؤُه،قَالَ: وَقد ينْسب هَذَا الْمَسْجِد إِلَى إيلياء فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ بانيه أَو غَيره، وَلست أحقق لِمَ أضيف إِلَيْهِ

  12. #272
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الثلاثاء
    الموافق : 5/ جمادى الثاني / 1442 هجري
    الموافق : 19/ يناير / 2021 ميلادي

    (15/265)
    وَقَالَ: فَخذ أَرْبَعَة من الطير وَهِي: الغرموق والطاووس والديك والحمامة، كَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، وَعنهُ: أَنه أَخذ وزاً ورألاً، وَهُوَ فرخ النعامة وديكاً وطاووساً. وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة: كَانَت حمامة وديكاً وطاووساً وغراباً. وروى مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: أَن الطُّيُور كَانَت طاووساً ونسراً وغرابا وحماماً.
    وَفِيه: إِشَارَة إِلَى أَحْوَال الدُّنْيَا: فالطاووس من الزِّينَة، والنسر من امتداد الأمل، والغراب من الغربة، وَالْحمام من النِّيَاحَة. وَقيل: مَوضِع النسْر: البط، وَمَوْضِع الْحمام: الديك، وَالْحكمَة فِي اخْتِيَار هَذِه الْأَرْبَعَة هِيَ: أَن الطاووس خَان آدم، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْجنَّة، والبطَّ خَان يُونُس صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قطع يقطينه، والغراب خَان نوحًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أرْسلهُ ليكشف حَال المَاء الَّذِي عَم الأَرْض فاشتغل بالجيفة، والديك خَان إلْيَاس فسلب ثَوْبه، فَلَا جرم أَن الله تَعَالَى غير صَوت الطاووس بِدُعَاء آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسلب السّكُون على البط بِدُعَاء يُونُس صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَجعل رزق الْغُرَاب الجيفة بِدُعَاء نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَألقى الْعَدَاوَة بَين الديك بِدُعَاء الياس صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
    .....
    (15/266)
    قَالَ عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير، فَاخْتَارَ الخفاش
    لاختصاصه بأَشْيَاء لَيست فِي الطُّيُور. الْحيض وَالْحَبل والطيران فِي الظلمَة وَعدم الرُّؤْيَة بِالنَّهَارِ وَله أَسْنَان. فَإِن قلت: لم خص أَرْبَعَة من الطير؟قلت: لأجل الإسطقسات الْأَرْبَع الَّتِي بهَا قوام الْعَالم. وَالْجِبَال كَانَت أَرْبَعَة من جبال الشَّام،وَقيل: جبل لبنان وسينين وطور سينين وطور زينا.
    .........
    (15/268)
    وَلُوط صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ ابْن هاران ابْن آزر وَهُوَ أخي إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ مِمَّن آمن بإبراهيم وَهَاجَر مَعَه إِلَى مصر ثمَّ عَاد مَعَه إِلَى الشَّام فَنزل إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فلسطين وَنزل لوط الْأُرْدُن ثمَّ أرْسلهُ الله إِلَى أهل سدوم، وَهِي عدَّة قرى،وَقَالَ مقَاتل: وبلادهم مَا بَين الشَّام والحجاز بِنَاحِيَة زغر، وَكَانَت اثْنَتَيْ عشرَة قَرْيَة وَتسَمى الْمُؤْتَفِكَات من الْإِفْك، وَكَانُوا يعْبدُونَ الْأَوْثَان ويأتون الْفَوَاحِش ويسافد بَعضهم بَعْضًا على الطَّرِيق، وَغير ذَلِك من الْمَفَاسِد وَذكر الله لوطاً فِي الْقُرْآن فِي سَبْعَة عشر موضعا وَهُوَ اسْم أعجمي وَفِيه العلمية والعجمة وَلكنه صرف لسكون وَسطه،وَقيل: اسْم عَرَبِيّ من: لَاطَ،لِأَن حبه لَاطَ بقلب إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: تعلق ولصق
    .....
    (15/270)
    وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (أَعمار الْأَعْيَان) : إِن إِسْحَاق عَاشَ مائَة وَثَمَانِينَ سنة،وَفِي قَول وهب بن مُنَبّه: عَاشَ مائَة وَخَمْسَة وَثَمَانِينَ سنة، وَدفن عِنْد قبر أَبِيه إِبْرَاهِيم فِي مزرعة حبرون.
    ......
    (15/268)
    الَ الْكرْمَانِي: فِيهِ، أَي فِي الْبَاب،يَعْنِي: روى ابْن عمر فِي حق إِسْحَاق وقصته حَدِيثا فَأَشَارَ البُخَارِيّ إِلَيْهِ إِجْمَالا وَلم يذكرهُ بِعَيْنِه، لِأَنَّهُ لم يكن بِشَرْطِهِ،وَقَالَ ابْن التِّين: لم يقف البُخَارِيّ على سَنَده فَأرْسلهُ،وَقَالَ بَعضهم: هَذَا كَلَام من لم يفهم مَقَاصِد البُخَارِيّ وَنَحْوه قَول الْكرْمَانِي قلت: هَذِه مناقشة بَارِدَة لِأَن كل من لَهُ أدنى فهم يفهم أَن مَا قَالَه ابْن التِّين والكرماني هُوَ الْكَلَام الْوَاقِع فِي مَحَله،وَهَذَا الَّذِي ذكره أوجه من كَلَامه الَّذِي ذكره بِالشَّكِّ والتردد حَيْثُ قَالَ: كَأَنَّهُ يُشِير بِحَدِيث ابْن عمر إِلَى مَا سَيَأْتِي فِي قصَّة يُوسُف،وَبِحَدِيث أبي هُرَيْرَة إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ فَلْينْظر المتأمل الحاذق فِي حَدِيث ابْن عمر الَّذِي فِي قصَّة يُوسُف: هَل يجد لما ذكره من الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَجها قَرِيبا أَو بَعيدا وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
    .......
    (15/270)
    وَنقل الْقُرْطُبِيّ أَن الْعَرَب تسمي الْعم أَبَا، وَقد اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة من جعل الْجد أَبَا،وحجب بِهِ الْأُخوة وَهُوَ قَول الصّديق: وَإِلَيْهِ ذهبت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، وَبِه يَقُول الْحسن الْبَصْرِيّ وطاووس وَعَطَاء، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَغير وَاحِد من عُلَمَاء السّلف وَالْخلف.
    ........
    (15/271)
    وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَقَامَ صَالح فِي قومه عشْرين سنة وَمَات وَهُوَ ابْن مائَة وثمان وَخمسين سنة،وَقيل: ابْن ثَلَاثمِائَة وست وَثَلَاثِينَ سنة، وَحَكَاهُ الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ الْأَظْهر،وَيُقَال: إِن صَالحا مَاتَ فِي الْيمن وقبره بِموضع يُقَال لَهُ الشبوه،وَذكر الْفربرِي: أَن صَالحا خرج مَعَ الْمُؤمنِينَ إِلَى الشَّام فسكنوا فلسطين وَمَات بهَا، وَكَانَ بَين صَالح وَبَين هود مائَة سنة، وَبَين صَالح وَبَين إِبْرَاهِيم سِتّمائَة سنة وَثَلَاثُونَ سنة.


    ............
    (15/273)
    {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هوداً} (الْأَعْرَاف: 37) . ثمَّ أيد كَلَامه بِمَا حَكَاهُ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ عَن أبي ذَر الْهَرَوِيّ: أَن نُسْخَة الأَصْل من البُخَارِيّ كَانَت وَرقا غير محبوك، فَرُبمَا وجدت الورقة فِي غير موضعهَا فنسخت على مَا وجدت فَوَقع فِي بعض التراجم إِشْكَال بِحَسب ذَلِك، وإلاَّ فقد وَقع فِي الْقُرْآن مَا يدل على أَن ثَمُود كَانُوا بعد عَاد، كَمَا أَن عاداً بعد قوم نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،قلت: الِاعْتِمَاد على هَذَا الْكَلَام مِمَّا يسْتَلْزم سوء التَّرْتِيب بَين الْأَبْوَاب وَعدم الْمُطَابقَة بَين الْأَحَادِيث والتراجم مَعَ الاعتناء الشَّديد فِي كتب البُخَارِيّ على تَرْتِيب مَا وَضعه المُصَنّف فِي تِلْكَ الْأَيَّام، وَلَا يسْتَلْزم وُقُوع قصَّة ثَمُود بعد قصَّة عَاد فِي الْقُرْآن لُزُوم رِعَايَة التَّرْتِيب فِيهِ.
    ........
    (15/275)
    (كَأبي زَمعَة) ، وَهُوَ الْأسود بن الْمطلب وَكَانَ ذَا عز ومنعة فِي قومه كعاقر النَّاقة، والتشبيه فِي هَذَا، وعاقر الناقر هُوَ قدار بن سالف،وَذكر السُّهيْلي: أَنه كَانَ ولد زنا وَهُوَ أَحْمَر ثَمُود الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فِي الشؤم، وَكَانَ أَحْمَر أشقر أَزْرَق سناطاً قَصِيرا،وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: اسْمه قديرة،وَقَالَ الْجَوْهَرِي: اسْمه قدار بِالدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ الْأَصَح وَقَالَ وهب: وَكَانَ فِي الْمَدِينَة ثَمَانِيَة رَهْط يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون فانضاف إِلَيْهِم قدار فصاروا تِسْعَة وَقَالَ وهب: وَكَانَت الثَّمَانِية حاكة وَكَانَ الَّذِي تولى عقرهَا قدار بن سالف، ورماها مصدع بن مهرج، وَذكرهمْ ابْن دُرَيْد فِي (الوشاح) ،فَقَالَ: قدار بن سالف بن جدع. ومصدع بن مهرج بن هزيل بن الْمحيا. وهزيل بن عنز بن غنم بن ميلع. وسبيع بن مكيف بن سيحان. وعرام بن نهبى بن لَقِيط. ومهرب بن زُهَيْر بن سبيع. وسبيع بن رغام بن ملدع، وعريد بن نجد ابْن مهان، ورعين بن عمر بن داعر.
    .......
    (15/277)
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: وأصل الْكَرم كَثْرَة الْخَيْر وَقد جمع يُوسُف، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَكَارِم الْأَخْلَاق مَعَ شرف النُّبُوَّة، وَكَونه ابْنا لثَلَاثَة أَنْبيَاء متناسلين وَمَعَ شرف رياسة الدُّنْيَا ملكهَا بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان، وَكَون قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْكَرِيم
    ابن الكريم
    ..........
    (15/277)
    يوسف فِيهِ سِتَّة أوجه: ضم السِّين وَكسرهَا وَفتحهَا مَعَ الْهَمْز وَتَركه. وَاخْتلفُوا فِيهِ: هَل هُوَ أعجمى أَو عَرَبِيّ؟ فالأكثرون على أَنه أعجمي، وَلِهَذَا لم ينْصَرف. وَقيل: عَرَبِيّ مَأْخُوذ من الأسف وَهُوَ الْحزن، أَو الأسيف وَهُوَ العَبْد، وَقد اجْتمعَا فِي يُوسُف، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَسُمي بِهِ. وَقَالَ مقَاتل: ذكر الله يُوسُف فِي الْقُرْآن فِي سَبْعَة وَعشْرين موضعا.
    .......
    (15/277)
    وَأما أَسمَاء أخوة يُوسُف: فروبيل، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره لَام، وَهُوَ أكبرهم، وشمعون، ولاوي، ويهودا، ورويالون.
    .........
    (15/284)
    وَكَانَ هَارُون أكبر من مُوسَى بِثَلَاث سِنِين،وَقَالَ مقَاتل: ذكر الله تَعَالَى مُوسَى فِي الْقُرْآن فِي مائَة وَثَمَانِية عشر موضعا، وَذكر الله هَارُون فِي أحد عشر موضعا، ومُوسَى، على وزن فعلى من الموس، وَهُوَ حلق الشّعْر وَالْمِيم أَصْلِيَّة،وَقَالَ اللَّيْث: اشتقاقه من المَاء وَالشَّجر: فمو مَاء وسا شجر
    .........
    (15/288)
    الضَّحى الحَرُّ
    أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى} (طه: 911) . وَفسّر الضُّحَى بِالْحرِّ،قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذَا خطاب لآدَم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،وَمعنى: لَا تظمأ: لَا تعطش فِيهَا،أَي: فِي الْجنَّة وَلَا تضحى أَي: وَلَا تشرق للشمس فيؤذيك حرهَا،وَقيل: لَا يصيبك حر الشَّمْس إِذْ لَيْسَ فِيهَا شمس،
    ..........
    (15/289)
    سره أهل التَّفْسِير،وَيُقَال: مَعْنَاهُ استعلمي خَبره، وَهُوَ خطاب لأخت مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من أمهَا،وَاسم أُخْته: مَرْيَم بنت عمرَان،وافقها فِي ذَلِك: مَرْيَم بنت عمرَان أم عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
    .......
    (15/289)
    وَكَانَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكث عِنْد شُعَيْب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي مَدين ثمانياً وَعشْرين سنة، عشر سِنِين مِنْهَا مهر امْرَأَته صفورا بنت شُعَيْب، ثمَّ أَقَامَ بعده ثَمَانِيَة عشر سنة عِنْده حَتَّى ولد لَهُ فِي مَدين، ثمَّ جَاءَ على قدر.
    .......
    (15/290)
    (وَقَالَ رجل مُؤمن) فِي اسْمه سِتَّة أَقْوَال: الأول: شمعان، بالشين الْمُعْجَمَة،قَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ: لَا يعرف شمعان بِالْمُعْجَمَةِ إِلَّا مُؤمن آل فِرْعَوْن. الثَّانِي: يُوشَع بن نون، وَبِه جزم ابْن التِّين، وَهُوَ بعيد لِأَن يُوشَع من ذُرِّيَّة يُوسُف، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلم يكن من آل فِرْعَوْن. الثَّالِث: حزقيل بن برحايا، وَعَلِيهِ أَكثر الْعلمَاء. الرَّابِع: حابوت، وَهُوَ الَّذِي التقطه إِذْ كَانَ فِي التابوت. الْخَامِس: حبيب ابْن عَم فِرْعَوْن، قَالَه ابْن إِسْحَاق. السَّادِس: حيزور قَالَه الطَّبَرِيّ،وَقَالَ مقَاتل: كَانَ قبطياً يكتم إيمَانه مائَة سنة من فِرْعَوْن، وَكَانَ لَهُ الْملك بعد فِرْعَوْن، وَكَانَ على بَقِيَّة من دين إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن خالويه فِي (كتاب لَيْسَ) : لم يُؤمن من أهل مصر إلاَّ أَرْبَعَة: آسِيَة، وحزقيل مُؤمن آل فِرْعَوْن، وَمَرْيَم بنت لابوس الْملك الَّتِي دلّت على عِظَام يُوسُف، والماشطة.
    ........
    (15/290)
    قَالَ ابْن مرْدَوَيْه،بِإِسْنَادِهِ عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: إِن الله ناجى مُوسَى بِمِائَة ألف كلة وَأَرْبَعين ألف كلمة فِي ثَلَاثَة أَيَّام، كلهَا وَصَايَا فَلَمَّا سمع مُوسَى كَلَام الْآدَمِيّين مقتهم مِمَّا وَقع فِي مسامعه من كَلَام الرب، وجويبر ضَعِيف. وَالضَّحَّاك لم يدْرك ابْن عَبَّاس.
    ........
    (15/294)
    (لن تراني) ،يَعْنِي: أعْطى جَوَابه بقوله: لن تراني،يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا،وَقد أشكل حرف: لن، هَهُنَا على كثير من النَّاس لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لنفي التَّأْبِيد، فاستدل بِهِ الْمُعْتَزلَة على نفي الرُّؤْيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَهَذَا أَضْعَف الْأَقْوَال لِأَنَّهُ قد تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن الْمُؤمنِينَ يرونه فِي دَار الْآخِرَة،وَقيل: إِنَّهَا لنفي التأييد فِي الدُّنْيَا جمعا بَين هَذِه وَبَين الدَّلِيل الْقَاطِع على صِحَة الرُّؤْيَة فِي الدَّار الْآخِرَة.
    ........
    (15/300)
    الخضر
    فالجمهور على أَنه نَبِي، وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَن أَشْيَاء فِي قصَّته تدل على نبوته، وروى مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ نَبيا،وَقيل: كَانَ وليا، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
    عَنهُ، أَنه كَانَ عبدا صَالحا،وَقيل: كَانَ ملكا بِفَتْح اللَّام، وَهَذَا غَرِيب جدا. النَّوْع الرَّابِع: فِي حَيَاته، فالجمهور، خُصُوصا مَشَايِخ الطَّرِيقَة والحقيقة وأرباب المجاهدات والمكاشفات، أَنه حَيّ يرْزق ويشاهد فِي الفلوات، وَرَآهُ عمر بن عبد الْعَزِيز وَإِبْرَاهِيم بن أدهم وَبشر الحافي ومعروف الْكَرْخِي وسري السَّقطِي وجنيد وَإِبْرَاهِيم الْخَواص وَغَيرهم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَفِيه دَلَائِل وحجج تدل على حَيَاته ذَكرنَاهَا فِي (تاريخنا الْكَبِير) . وَقَالَ البُخَارِيّ وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَأَبُو الْحُسَيْن الْمُنَادِي: إِنَّه مَاتَ،وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد} (الْأَنْبِيَاء: 43) . وَبِمَا روى أَحْمد فِي (مُسْنده) عَن جَابر بن عبد الله،قَالَ: قَالَ رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِقَلِيل أَو بِشَهْر: مَا من نفس منفوسة أَو: مَا مِنْكُم الْيَوْم من نفس منفوسة يَأْتِي عَلَيْهَا مائَة سنة وَهِي يَوْمئِذٍ حَيَّة. وَأجَاب الْجُمْهُور عَن الْآيَة بِأَنا مَا ادعينا أَنه يخلد، وَإِنَّمَا يبْقى إِلَى انْقِضَاء الدُّنْيَا، فَإِذا نفخ فِي الصُّور مَاتَ،لقَوْله تَعَالَى: {كل نفس ذائقة الْمَوْت} (آل عمرَان: 581،الْأَنْبِيَاء: 53،العنكبوت: 75) . وَعَن حَدِيث جَابر بِأَنَّهُ مَتْرُوك الظَّاهِر لِأَن جمَاعَة عاشوا أَكثر من مائَة سنة، مِنْهُم سلمَان الْفَارِسِي، فَإِنَّهُ عَاشَ ثَلَاثمِائَة سنة، وَقد شَاهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَكِيم بن حزَام عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة، وَغَيرهمَا، وَإِنَّمَا أَشَارَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى ذَلِك الزَّمَان لَا إِلَى مَا تقوم السَّاعَة، وَهُوَ الْأَلْيَق بِهِ، على أَنه قد عَاشَ بعد ذَلِك الزَّمَان خلق كثير أَكثر من مائَة سنة،وَأجَاب بَعضهم: بِأَن خضرًا، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ حِينَئِذٍ على وَجه الْبَحْر،وَقيل: هُوَ مَخْصُوص من الحَدِيث كَمَا خص مِنْهُ إِبْلِيس بالِاتِّفَاقِ.
    ......
    (15/301)
    مَّد بن سِيرِين فَإِن سَمَاعه من أبي هُرَيْرَة ثَابت. وَأما الْحسن فَلم يسمع من أبي هُرَيْرَة عِنْد الْمُحَقِّقين من الْحفاظ،وَيَقُولُونَ: مَا وَقع فِي بعض الرِّوَايَات من سَمَاعه عَنهُ فَهُوَ وهم. وَأما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ أخرجه عَنهُ عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هُنَا مَقْرُونا بِغَيْرِهِ وَمَاله فِي الْكتاب إلاَّ هَذَا،وَله حَدِيث آخر فِي: بَدْء الْخلق، مَقْرُونا بِابْن سِيرِين أَيْضا. وَأما خلاس فَفِي سَمَاعه عَن أبي هُرَيْرَة خلاف،فَقَالَ أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد: لم يسمع خلاس من أبي هُرَيْرَة،وَيُقَال: إِنَّه كَانَ على شَرطه عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَحَدِيثه عَنهُ فِي التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَجزم يحيى الْقطَّان أَن رِوَايَته عَنهُ من صحيفَة،وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم عَن أبي زرْعَة: كَانَ يحيى الْقطَّان يَقُول: رِوَايَته عَن عَليّ من كتاب، وَقد سمع من عمار وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،قيل: إِذا ثَبت سَمَاعه من عمار وَكَانَ على شرطة عَليّ، فَكيف يمْتَنع سَمَاعه من عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ؟وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال: وَقعت عِنْده صحيفَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَيْسَ بِقَوي، يَعْنِي فِي عَليّ، وَوَثَّقَهُ بَقِيَّة الْأَئِمَّة وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ أخرجه لَهُ مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، وَأَعَادَهُ سنداً ومتناً فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب، وَله حَدِيث آخر أخرجه فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور مَقْرُونا بِمُحَمد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة.

    .........ز
    (15/305)
    قَالَ ابْن كثير: الرِّوَايَات فِيهَا مُخْتَلفَة، وَالظَّاهِر أَنَّهَا مَأْخُوذَة من كتب بني إِسْرَائِيل، وَهُوَ مِمَّا يجوز نقلهَا، لَكِن لَا يصدق وَلَا يكذب، فَلهَذَا لَا يعْتَمد عَلَيْهَا إلاَّ مَا وَافق الْحق.
    قَالَ أَبُو العَالِيَةِ الْعَوَانُ النَّصَفُ بَيْنَ البِكْرِ والهَرِمَةِ
    ........
    (15/307)
    وَاخْتلف أهل السّير فِي مَوضِع قَبره،فَقيل: بِأَرْض التيه وَهَارُون كَذَلِك وَلم كَذَلِك. وَلم يدْخل مُوسَى الأَرْض المقدسة إلاَّ رمية حجر، رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن بن عَبَّاس،وَقَالَ: لَا يعرف قَبره، وَرَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبهم ذَلِك بقوله: إِلَى جَانب الطَّرِيق عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر، وَلَو أَرَادَ بَيَانه لبيَّن صَرِيحًا،وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَو علمت الْيَهُود قبر مُوسَى وَهَارُون لاتخذوهما إل هَين من دون الله،وَقيل: بِبَاب لد بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس،وَقيل: قَبره بَين عالية وعويلة عِنْد كَنِيسَة توماء،وَقيل: بالوادي فِي أَرض مَاء بَين بُصرى والبلقاء،وَقيل: قَبره بِدِمَشْق، ذكره ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب الْأَحْبَار، وَالأَصَح أَنه بالتيه قدر رمية حجر من الأَرْض المقدسة،وَعَن وهب: أَن الْمَلَائِكَة توَلّوا دَفنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَأَنه عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة،وَقَالَ وهب: وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ مَوته بعد موت هَارُون بِأحد عشر شهرا، وَكَانَ بَين وَفَاة إِبْرَاهِيم ومولد مُوسَى مِائَتَان وَخَمْسُونَ سنة
    ........
    (15/309)
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقد نقل الْإِجْمَاع على عدم النُّبُوَّة للنِّسَاء. قلت: وَقد نقل عَن الْأَشْعَرِيّ أَن من النِّسَاء من نبيء وَهن سِتّ: حَوَّاء وَسَارة وَأم مُوسَى وَهَاجَر وآسية وَمَرْيَم، وَقد ثَبت مَجِيء الْملك لبعضهن فِي الْقُرْآن،وَقد قَالَ الله تَعَالَى بعد أَن ذكر مَرْيَم والأنبياء بعْدهَا: {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين} (مَرْيَم: 85) . فَدخلت فِي عُمُومه،وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الصَّحِيح أَن مَرْيَم نبية لِأَن الله أوحى إِلَيْهَا بِوَاسِطَة الْملك وَأما آسِيَة فَلم يرد مَا يدل على نبوتها.
    .........الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

    " ختم المجلد الخامس عشر " ويليه المجلد السادس عشر .......

  13. #273
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الجمعة
    الموافق : 15/ جمادى الثاني / 1442 هجري
    الموافق : 29/ يناير / 2021 ميلادي

    : تابع / عمدة القاري لبدر الدين العيني رحمه الله

    المجلدالسادس عشر
    (16/4)
    واليقطين:القرع، وَعَن ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَمُقَاتِل: كل نبت يمتذ وينبسط على وَجهالأَرْض وَلَيْسَ لَهُ سَاق نَحْو القثاء والبطيخ والقرع والحنظل، وَقَالَ سعيد بنجُبَير: هُوَ كل نبت ينْبت ثمَّ يَمُوت فِي عَامه، وَقيل: هُوَ يفعيل من: قطنبِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ إِقَامَة زائل لَا إِقَامَة ثَابت، وَقيل: هُوَالدُّبَّاء. وَفَائِدَة الدُّبَّاء: أَن الذُّبَاب لَا يجْتَمع عِنْده، وَقيل:لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك لِتُحَبّ القرع؟ قَالَ: أجل، هِيَشَجَرَة أخي يُونُس، وَقيل: هِيَ التِّين، وَقيل: هِيَ شَجَرَة الموز يُغطي بورقهاويستظل بأغصانها وَيفْطر على ثمارها، وَقَالَ مقَاتل بن حَيَّان: كَانَ يستظلبِالشَّجَر َةِ. وَكَانَت وَعلة تخْتَلف إِلَيْهِ فيشرب من لَبنهَا. قَ
    .............
    (7/16)
    علىأَن الله تَعَالَى يطوي الزَّمَان لمن يَشَاء من عباده كَمَا يطوي الْمَكَان،وَهَذ َا لَا سَبِيل إِلَى إِدْرَاكه إلاَّ بالفيض الرباني، وَجَاء فِي الحَدِيث:إِن الْبركَة قد تقع فِي الزَّمن الْيَسِير حَتَّى يَقع فِيهِ الْعَمَل الْكثير،وَقَالَ النَّوَوِيّ: أَكثر مَا بلغنَا من ذَلِك من كَانَ يقْرَأ أَربع ختماتبِاللَّيْل ِ وأربعاً بِالنَّهَارِ. انْتهى، وَلَقَد رَأَيْت رجلا حَافِظًا قَرَأَثَلَاث ختمات فِي الْوتر فِي كل رَكْعَة ختمة فِي لَيْلَة الْقدر. قَ
    ...........
    (16/15)
    أطوفناللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة أَو تسع وَتِسْعين، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب فِيالْأَيْمَان وَالنُّذُور، فَقَالَ: تسعين، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان، فَقَالَ: سبعين، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد منرِوَايَة أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة: كَانَ لِسُلَيْمَان سِتُّونَ امْرَأَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمدوَأبي عوَانَة من طَرِيق هِشَام عَن ابْن سِيرِين، فَقَالَ: مائَة امْرَأَة، وَكَذَا
    عِنْدابْن مرْدَوَيْه من رِوَايَة عمرَان بن خَالِد عَن ابْن سِيرِين، وَقد مر وَجهالْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات فِي كتاب الْجِهَاد، وَقيل: إِن السِّتين كن حرائر وَمَا زَادعَلَيْهِنَّ كن سراري، أَو بِالْعَكْسِ، وَعَن وهب: كَانَ لِسُلَيْمَان ألف امْرَأَة ثَلَاثمِائَة مهيرةوَسَبْعمائ ة سَرِيَّة، وروى الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من طَرِيقأبي معشر عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: بلغنَا أَنه كَانَ لِسُلَيْمَان صلى اللهعَلَيْهِ وَسلم ألف بَيت من قَوَارِير على الْخشب، مِنْهَا ثَلَاثمِائَة صَرِيحَةوَسَبْع مائة سَرِيَّة.
    ............
    (16/16)
    وَقَالَالنَّوَو ِيّ: إِنَّه صلى اللهعَلَيْهِ وَسلم شبه الْمُخَالفين لَهُ بالفراش وتساقطهم فِي نَار الْآخِرَة بتساقطالْفراش فِي نَار الدُّنْيَا مَعَ حرصهم على الْوُقُوع فِي ذَلِك وَمنعه إيَّاهُم،وَالْج َامِع بَينهمَا اتِّبَاع الْهوى وَضعف التَّمْيِيز وحرص كل من الطَّائِفَتَيْن ِعلى هَلَاك نَفسه، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: هَذَا مثل كثير الْمعَانِي، وَالْمَقْصُود: أَن الْخلق لَايأْتونَ مَا يجرهم إِلَى النَّار على قصد الهلكة، وَإِنَّمَا يأتونه على قصدالْمَنْفَعَة وَاتِّبَاع الشَّهْوَة، كَمَا أَن الْفراش يقتحم النَّار لَا ليهلكفِيهَا بل لما يَصْحَبهُ من الضياء، وَقد قيل
    : إِنَّهَا لَا تبصر بِحَال وَهُوَ بعيد جدا.
    ............
    (16/17)
    أَنالفطنة والفهم موهبة من الله تَعَالَى وَلَا الْتِفَات لقَوْل من يَقُول: إِن الإجتهاد إِنَّمَا يسوغ عِنْدفقد النَّص، والأنبياء، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا يفقدون النَّص،فَإِنَّه ُم متمكنون من استطلاع الْوَحْي وانتظاره، وَالْفرق بَينهم وَبَين غَيرهمقيام الْعِصْمَة بهم عَن الْخَطَأ وَعَن التَّقْصِير فِي الِاجْتِهَاد، بِخِلَافغَيرهم.
    .............
    (16/18)
    وَحكىالثَّعْلَب ِيّ عَن ابْن الْمسيب: أَنه كَانَعبدا أسود عَظِيم الشفتين مشقق الْقَدَمَيْنِ من سودان مصر ذَا مشافر، وَقَالَالرّبيع: كَانَ عبدا نوبياً اشْتَرَاهُ رجلمن بني إِسْرَائِيل بِثَلَاثِينَ دِينَارا وَنصف دِينَار، وَقَالَ السُّهيْلي: كَانَ نوبياً من أَيْلَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ عبدا حَبَشِيًّا نجاراً، وَقيل: كَانَ خياطاً، وَقيل: كَانَ رَاعيا، وَقيل: كَانَ يحتطب لمَوْلَاهُ حزمة حطب، وَرُوِيَ أَنه كَانَ عبدالقصاب. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ قَاضِيا لبني إِسْرَائِيل فَكَانَ يسكن ببلدة أَيْلَةومدين، وَقَالَ مقَاتل: كَانَ اسْمأمه: تارات، وَفِي (تَفْسِيرالنَّس فِيّ) : وَاتفقَ الْعلمَاء أَنه كَانَحكيماً وَلم يكن نَبيا إلاَّ عِكْرِمَة فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول: إِنَّه كَانَنَبيا. قَالَ الْوَاقِدِيّ وَالسُّديّ: مَاتَ بأيلة، وَقَالَ قَتَادَة: بالرملة.
    ........
    (16/19)
    (مَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ) قَالَ السُّهيْلي، اسْم ابْنه: باران، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء، وَكَذَا قَالَهالطَّبَرِ يّ والعتبي، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: اسْمه أنعم، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: أشكم.
    .......
    (16/20)
    اخْتلفُوافِي اسْم الرسولين اللَّذين أرسلا أَولا، فَقَالَ ابْن إِسْحَاق: قاروص وماروص، وَقَالَ وهب: يحيى وَيُونُس، وَقَالَ مقَاتل: تومان ومالوس، وَقَالَ كَعْب: صَادِق وصدوق، وَاسم الرَّسُول الثَّالِث: شَمْعُون الصَّفَا رَأس الحواريين، وَهُوَ قَول أَكثرالْمُفَسّر ين، وَقَالَ كَعْب: اسْمه شلوم، وَقَالَمقَاتل: سمْعَان، وَقيل: بولص، وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثامَرْفُوع ا، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: السَّبق ثَلَاثَة: يُوشَع إِلَى مُوسَى، وَصَاحب يس إِلَىعِيسَى، وَعلي إِلَى مُحَمَّد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي إِسْنَاده حُسَيْنبن الْحسن الْأَشْقَر وَهُوَ ضَعِيف، وَاسم صَاحب يس: حبيب النجار، وَعَن السّديّ: كَانَ قصاراً، وَقيل: كَانَ إسكافاً، وَكَانَ اسْم ملك أنطاكية أنطيخس بن أنطيخسوَكَانَ يعبد الْأَصْنَام.
    .........
    (16/25)
    الدَّجَّال أَيْضا سمى بالمسيح؟ قلت: أما مَعْنَاهُ فِي عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،فَف ِيهِ أَقْوَال تبلغ ثَلَاثَة وَعشْرين قولا ذَكرنَاهَا فِي كتَابنَا (زين الْمجَالِس) . مِنْهَا: مَا قيل إِن أَصله الْمَسِيح على وزن مفعل، فأسكنت الْيَاءونقلت حركتها إِلَى السِّين طلبا للخفة، وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ لَا يمسح ذَا عاهة إلاَّ برىء وَلَا مَيتا إلاَّ حيى، وَعنهُ: لِأَنَّهُ كَانَ أَمسَح الرجل لَيْسَ لَهَا أَخْمص، والأخمص منلَا يمس الأَرْض من بَاطِن الرجل، وَعَن أبي عُبَيْدَة: أَظن أَن هَذِه الْكَلِمَة: مشيخاً، بالشين الْمُعْجَمَة فعربت،وَكَذَا تنطق بِهِ الْيَهُود، وَقيل: لِأَنَّهُ خرج من بطن أمه كَأَنَّهُ مَمْسُوح بالدهن، وَقيل: لِأَن زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَسحه. وَقيل: لحسن وَجههإِذْ الْمَسِيح فِي اللُّغَة جميل الْوَجْه، لِأَنَّهُ كَانَ يمسح الأَرْض لِأَنَّهُقد يكون تَارَة فِي الْبلدَانِ وَتارَة فِي المفاوز والفلوات، وَقَالَالدَّاود ِيّ: لِأَنَّهُ كَانَ يلبس المسوح.وَأما مَعْنَاهُ فِي الدَّجَّال، فَقيل: لِأَنَّهُ كَانَ يمسح الأَرْض أَي يقطعهَا. فَإِن قلت: قد ذكرتهَذَا الْمَعْنى فِي عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؟. قلت: إِنَّهكَانَ فِي هَذَا الْوَجْه اشْتِرَاك بِحَسب الظَّاهِر لِأَن الْمَسِيح فِي عِيسَىبِمَعْنى الْمَمْسُوح عَن الآثام وَعَن كل شَيْء فِيهِ قبح، فعيل بِمَعْنى مفعول، وَفِيالدَّجَّال : فعيل بِمَعْنى فَاعل، لِأَنَّهُيمسح الأَرْض، وَقيل: لِأَنَّهُلَا عين لَهُ وَلَا حَاجِب، وَقَالَ ابْن فَارس: مسيح أحد شقي وَجهه مَمْسُوح لَا عين لَهُ وَلَا حَاجِب،فَلذَلِك سمي بِهِ. وَقيل: الْمَسِيح الْكذَّاب وَهُوَ مُخْتَصّ بِهِ لِأَنَّهُ أكذبالْبشر، فَلذَلِك خصّه الله بالشوه والعور، وَقيل: الْمَسِيح المارد الْخَبيث وَهُوَ أَيْضا مُخْتَصّ بِهِبِهَذَا الْمَعْنى، وَيُقَال فِيهِ: مسيخ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة لِأَنَّهُ مُشَوه مثل الممسوخ، وَيُقَالفِيهِ: مسيح بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديدالسِّي ن للْفرق بَينه وَبَين الْمَسِيح ابْن مَرْيَم، عَلَيْهِ الصَّلَاةوَالسّ َلَام.
    ............
    (16/27)
    وغلو النَّصَارَى قَول بَعضهم فِي عِيسَى: هُوَ الله، وهم اليعقوبية إو: ابْن الله، وهم النسطورية، أَو ثَالِث ثَلَاثَة وهم المرقوسية، وغلوالْيَهُود فِيهِ قَوْلهم: إِنَّهلَيْسَ برشيد.
    .........
    (16/29)
    (لم يتَكَلَّم فِي المهد إلاَّ ثَلَاثَة) ، قَالَالْقُرْطُب ِيّ: فِي هَذَا الْحصْر نظر. قلت: لَيْسَ منالْأَدَب أَن يُقَال: فِي كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نظر، بلالَّذِي يُقَال فِيهِ: أَنه صلىالله عَلَيْهِ وَسلم، ذكر الثَّلَاثَة قبل أَن يعلم بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا،فَكَا نَ الْمَعْنى لم يتَكَلَّم إلاَّ ثَلَاثَة على مَا أُوحِي إِلَيْهِ، وإلاَّفقد تكلم من الْأَطْفَال سَبْعَة. مِنْهُم: شَاهد يُوسُف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّاروَا لْحَاكِم وَابْن حبَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس: لم يتَكَلَّم فِي المهد إلاَّ أَرْبَعَة، فَذكر مِنْهَا شَاهديُوسُف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْهُم: الصَّبِي الرَّضِيع الَّذِي قَالَ لأمه، وَهِي ماشطة بنتفِرْعَوْن، لما أَرَادَ فِرْعَوْن إِلْقَاء أمه فِي النَّار: إصبري يَا أُمَّاهُ فَأَنا على الْحق. أخرج الْحَاكِم نَحوه منحَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَمِنْهُم: الصَّبِي الرَّضِيع فِي قصَّة أَصْحَاب الْأُخْدُود: أَنامْرَأَة جِيءَ بهَا لتُلقى فِي النَّار، فَتَقَاعَسَتْ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّاهُ إصبري فَإنَّك على الْحق. وَمِنْهُم: يحيى صلىالله عَلَيْهِ وَسلم، أخرج الثَّعْلَبِيّ فِي (تَفْسِيره) : عَنالضَّحَّاك أَن يحيى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكلم فِي المهد. قَوْله: (جَاءَتْهُأمه) ، وَفِي رِوَايَةالْكشمي هني، فَجَاءَتْهُ أمه، وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي رَافع: كَانَ جريج يتعبد فِي صومعته فَأَتَتْهُ أمه، وَفِيرِوَايَة لِأَحْمَد: روىالحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن مَعَ أبي هُرَيْرَة، وَلَفظه: كَانَت أمه تَأتيه فتناديه فيشرف عَلَيْهَا فيكلمها،فَأَتَت ْهُ يَوْمًا وَهُوَ فِي صلَاته، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد من حَدِيثأبي رَافع: فَأَتَتْهُ أمه ذَات يَوْمفنادته، فَقَالَت: أَي جريجأشرف عَليّ أُكَلِّمك أَنا أمك. . قَوْله: (أجيبها أَو أُصَلِّي) ،وَفِي رِوَايَة أبي رَافع، فصادفته يُصَلِّي فَوضعت يَدهَا على حاجبهافَقَالَ: يَا جريج. فَقَالَ: يَا ربأُمِّي وصلاتي فَاخْتَارَ صلَاته، وَرجعت ثمَّ أَتَتْهُ فصادفته يُصَلِّي، فَقَالَت: يَا جريج أَنا أمك فكلمني. وَفِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن،رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنَّهَا جَاءَتْهُ ثَلَاث مَرَّات تناديه فِي كل مرّةثَلَاث مَرَّات، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج عِنْد الْإِسْمَاعِيلِ يّ: فَقَالَ: أُمِّي وصلاتي؟ لرَبي أوثر صَلَاتي على أُمِّي؟ فَإِنقلت: الْكَلَام فِي الصَّلَاة مُبْطلفَكيف هَذَا؟ قلت: كَانَالْكَلَام مُبَاحا فِي الصَّلَاة فِي شرعهم، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي صدرالْإِسْلَام، وَقيل: إِنَّهمَحْمُول على أَنه قَالَه فِي نَفسه، لَا أَنه نطق بِهِ. قَوْله: (حَتَّىتريه وُجُوه المومسات) ، وَفِيرِوَايَة الْأَعْرَج: حَتَّى تنظرفِي وُجُوه المياميس، وَفِي رِوَايَة أبي رَافع: حَتَّى تريه المومسة، بِالْإِفْرَادِ، وَفِي حَدِيثعمرَان: فَغضِبت فَقَالَت: أللهم لَايموتن جريج حَتَّى ينظر فِي وُجُوه المومسات، وَهِي جمع مومسة وَهِي الزَّانِيَة،
    .....

  14. #274
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    (16/40)
    اخوة لعلات
    ،بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق وهمالْأُخوة لأَب من أُمَّهَات شَتَّى، كَمَا أَن الْأُخوة من الْأُم فَقَط أَوْلَادأخياف، والأخوة من الْأَبَوَيْنِ أَوْلَاد أَعْيَان،
    وَمَعْنَاهُ: أَن أصولهم وَاحِدَة وفروعهممُخْتَلف َة يَعْنِي: أَنهم متفقون فِيمَا يتَعَلَّق بالاعتقاديات الْمُسَمَّاةبأص ول الديانَات كالتوحيد وَسَائِر مسَائِل علم الْكَلَام، مُخْتَلفُونَ فِيمَايتَعَلَّق بالعمليات وَهِي الفقهيات، وَيُقَال: سميت أَوْلَاد الرجل من نسْوَة شَتَّى: أخوة علات، لأَنهمأَوْلَاد ضرائر، والعلات الضرائر، وَقيل: لِأَن الَّتِي تزَوجهَا على الأولى كَانَت قبلهَا ثمَّ عل منهَذِه، والعلل الشّرْب الثَّانِي، يُقَال: علل بعد نهل، وَفِي (التَّهْذِيب) : هماأَخَوان من عِلّة، وهما ابْنا عِلّة، وهم بَنو عِلّة، وهم من علات
    .............
    (16/40)
    قَالَابْن الْجَوْزِيّ لَو تقدم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِمَامًا لوقع فِي النَّفسإِشْكَال ولقيل أتراه تقدم نَائِبا أَو مبتدئا شرعا فصلى مَأْمُوما لِئَلَّا يتدنسبغبار الشُّبْهَة وَجه قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَانَبِي بعدِي " انْتهى وَفِي صَلَاة عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامخلف رجل من هَذِه الْأمة مَعَ كَونه فِي آخر الزَّمَان وَقرب قيام السَّاعَةدلَالَ ة للصحيح من الْأَقْوَال أَنه الأَرْض لَا تَخْلُو عَن قَائِم لله بِحجَّة
    (16/42)
    والضب: دويبة تشبه الورن تَأْكُلهالْأَعْ رَاب، وَالْأُنْثَى ضبة، وَتقول الْعَرَب: هُوَ قَاضِي الطير والبهائم، يَقُولُونَ: اجْتمعت إِلَيْهِ أول مَا خلق الله الْإِنْسَان فوصفته لَهُ، فَقَالَالضَّب: تَصِفِينَ خلقا ينزل الطير منالسَّمَاء وَيخرج الْحُوت من المَاء، فَمن كَانَ لَهُ جنَاح فليطر، وَمن كَانَ ذَا
    مخلبفليحتفر
    ...........
    (16/46)
    وَسُئِلَمَالك عَن النتف؟ فَقَالَ: مَا أعلمهُحَرَامًا وَتَركه أحب إِلَيّ، وَالْإِذْن فِيهِ مُقَيّد بِغَيْر السوَاد، لماروى مُسلم من حَدِيث جَابر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: غيروه وجنبوه السوَاد. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: (يكون قوم فِي آخر الزَّمَان يخضبون كحواصل الْحمام لَا يَجدونَريح الْجنَّة) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضاوَصَححهُ. والْحَدِيث صَحِيح، وَلَكِن الْكَلَام فِي رَفعه وَوَقفه وعَلىتَقْدِيره تَرْجِيح وَقفه، فَمثله لَا يدْرك بِالرَّأْيِ، فَحكمه الرّفْعوَلِهَذَ ا اخْتَار النَّوَوِيّ أَن الصَّبْغ بِالسَّوَادِ يكره كَرَاهَة تَحْرِيم. وَعَن الْحَلِيمِيّ: أَنالْكَرَاهَة خَاصَّة بِالرِّجَالِ دون النِّسَاء، فَيجوز ذَلِك للْمَرْأَة لأجلزَوجهَا. وَقَالَ مَالك: الْحِنَّاء والكتم وَاسع والصبغ بِغَيْر السوَاد أحب إِلَيّ،وَيسْتَث ْنى من ذَلِك الْمُجَاهِد اتِّفَاقًا.
    وَقداخْتلف: هَل كَانَ،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يصْبغ؟ فَقَالَ ابْن عمر فِي الْمُوَطَّأ: أما الصُّفْرَة فَرَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِوَسلم يصْبغ بهَا، وَأَنا أحب أَن أصبغ، وَقيل: كَانَ يصفر لحيته، وَقيل: أَرَادَ بالصفرة فِي حَدِيث ابْن عمر صفرَة الثِّيَاب، وَقيل: صبغ مرّة، وَقَالَ مَالك: لم يصْبغ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا عَليّ وَلَا أبي بنكَعْب وَلَا ابْن الْمسيب، وَلَا السَّائِب بن يزِيد، وَلَا ابْن شهَاب. قَالَ: وَالدَّلِيلعلى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصْبغ أَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ أَبُو بكر،رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يصْبغ، فَلَو كَانَ صبغ لبدأت بِهِ. وَقَالَ مَالك: والصبغبِالسَّوَ ادِ مَا سَمِعت فِيهِ شَيْئا، وَغَيره من الصَّبْغ أحب إِلَيّ، والصبغبِالْحِنّ َاءِ والكتم وَاسع.
    .............
    (16/49)
    لكَهْفُالفَتْحُ فِي الجَبَلِ
    هُوَقَول الضَّحَّاك أخرجه عَنهُ ابْن أبي حَاتِم، وَاخْتلف فِي مَكَان الْكَهْف، فَقيل: بَين أَيْلَة وفلسطين، وَقيل: بِالْقربِ من أَيْلَة، وَقيل: بِأَرْض نِينَوَى، وَقيل: بالبلقاء، وَالْأَخْبَار الَّتِي تكاثرت أَنه بِبِلَاد الرّوم،وَهُوَ الصَّحِيح، فَقيل: بِالْقربِمن طرسوس، وَقيل: بِالْقربِمن إيلستين، وَكَانَ اسْم مدينتهم إفسوس، وَاسم ملكهم: دقيانوس، وَقَالَ السُّهيْلي: مدينتهم يُقَال إِنَّهَا على سِتَّة فراسخ من الْقُسْطَنْطِين ِيَّة،وَكَانَت قصتهم قبل غَلَبَة الرّوم على يونان، وَأَنَّهُمْ سيحجون الْبَيْت إِذانزل عِيسَى ابْن مَرْيَم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَذكر ابْنمرْدَوَيْه فِي (تَفْسِيره) :من حَدِيث حجاج بن أَرْطَأَة عَن الحكم بن عتيبة عَنمقسم عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَرْفُوعا: أَصْحَاب الْكَهْف أعوان الْمهْدي، وَذكر مقَاتل فِي (تَفْسِيره) اسْمالْكَهْف: مانجلوس.
    والرَّقِيمُالكِ تابُ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ
    ...........

  15. #275
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الخميس
    الموافق : 6 / رجب / 1442 هجري
    الموافق : 18/ 2 / 2021 ميلادي

    (16/65)
    إِذالم تستح من العتب وَلم تخش الْعَار فافعل مَا تحدثك بِهِ نَفسك، حسنا كَانَ أَوقبيحاً، وَلَفظه أَمر وَمَعْنَاهُ توبيخ. الثَّانِي: أَن يحمل الْأَمر على بَابهتَقول: إِذا كنت آمنا فِي فعلك أَن تَسْتَحي مِنْهُ لجريك فِيهِ على الصَّوَابوَلَيْ سَ من الْأَفْعَال الَّتِي يستحي مِنْهَا فَاصْنَعْ مَا شِئْت. الثَّالِث: مَعْنَاهُ الْوَعيد أَي: إفعلمَا شِئْت تجازى بِهِ. كَقَوْلِهعز وَجل: {اعْمَلُوامَا شِئْتُم} (فصلت:04) . الرَّابِع: لَا يمنعك الْحيَاء من فعلالْخَيْر. الْخَامِس: هُوَ على طَرِيق الْمُبَالغَةفِي الذَّم، أَي: تَرككالْحيَاء أعظم مِمَّا تَفْعَلهُ،
    .............
    (16/65)
    وَقَالَالْمَالِ كِي: الْمُخْتَارعِنْ دِي فِي: بيد أَن يَجْعَل حرف اسْتثِْنَاء بِمَعْنى: لَكِن، لِأَن معنى إلاَّمَفْهُوم مِنْهَا، وَلَا دَلِيل على إسميتها. وَالْمَشْهُور اسْتِعْمَالهَا متلوةبِأَن كَمَا فِي الحَدِيث، وَالْأَصْل فِيهِ: بيدأَن كل أمة ... فَحذف أَن، وَبَطل عَملهَا. قَالَأَبُو عبيد: وَفِيهلُغَة أُخْرَى: ميد، بِالْمِيم وَجَاء فِي الحَدِيث: أَناأفْصح الْعَرَب ميد أَنِّي من قُرَيْش، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: قيل: معنى: بيد، على أَنه، وَعَنالْمُزنِيّ: سَمِعتالشَّافِع ِي يَقُول بيد من أجل قَوْله اخْتلفُوا فِيهِ، معنى الِاخْتِلَاف فِيهِأَنه فرض يَوْم للْجمع لِلْعِبَادَةِ، ووكل إِلَى اختيارهم فمالت الْيَهُود إِلَىالسبت وَالنَّصَارَى إِلَى الْأَحَد، وهدانا الله إِلَى يَوْم الْجُمُعَة الَّذِيهُوَ أفضل الْأَيَّام.
    ....
    (16/85)
    النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُحتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ.
    الْقُرْطُبِيّ جزم أَنه: جَهْجَاه،الَّذِ ي وَقع ذكره فِي (صَحِيح مُسلم) من طَرِيق آخر عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (لَا تذْهب الْأَيَّام والليالي حَتَّى يملك رجل يُقَال لَهُ:الجهجاه، وَأخرجه عقيب حَدِيث القحطاني

  16. #276
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الثلاثاء
    الموافق : 11/ رجب / 1442 هجري
    الموافق : 23/ فبراير / 2021 ميلادي

    " المجلد السادس عشر " عمدة القاري / لبدر الدين العيني رحمه الله

    (16/88 )
    جَاءَ فِي الحَدِيث: (من دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَلَيْسَ منا وليتبوأ مَقْعَده منالنَّار) ، وتسميتها: دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة، لِأَنَّهَا كَانَت من شعارهم وَكَانَتتَأْخُذ حَقّهَا بالعصبية فجَاء الْإِسْلَام بِإِبْطَال ذَلِك وَفصل الْقَضَاءبِالْأ َحْكَامِ الشَّرْعِيَّة إِذا تعدى إِنْسَان على آخر حكم الْحَاكِم بَينهمَاوألزم كلاَّ مَا لزمَه. وَقَالَالسُّهيْ لي: من دَعَا بِدَعْوَىالْجَا هِلِيَّة يتَوَجَّه للفقهاء فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: يجلد مناسْتَجَابَ لَهَا بِالسِّلَاحِ خمسين سَوْطًا، اقْتِدَاء بِأبي مُوسَىالْأَشْعَ رِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عنهُ، فِي جلده النَّابِغَة الْجَعْدِيخمسين سَوْطًا حِين سمع: يَا لعامر..
    الثَّانِي: فِيهِ الْجلد دون الْعشْرَة أسواط لنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنيجلد أحد فَوق عشرَة أسواط. الثَّالِث: يُوكل إِلَى إجتهاد الإِمَام على حسب مَا يرَاهُ من سد الذريعةوإغلاق بَاب الشَّرّ، إِمَّا بالوعيد، وَإِمَّا بالسجن، وَإِمَّا بِالْجلدِقيل: فِي القَوْل الأول الَّذِي ذكرهالسُّهيْلي فِيهِ نظر، لِأَن أَبَا الْفرج الْأَصْبَهَانِي ّ وهيره ذكرُوا أَنالنَّابِغَة لما سمع: يَا لعامر،أَخذ عَصَاهُ وَجَاء مغيثاً، والعصا لَا تعد سِلَاحا يقتل
    ................
    (16/91)
    طاغوت، وَهُوَ الشَّيْطَان وكل رَأس فِي الضلال، وَكَانَ أهلالْجَاهِلِيّ َة إِذا أنتجت النَّاقة خَمْسَة أبطن آخرهَا ذكر بحروا أذنها، أَي: شَقواوحرموا ركُوبهَا ودرها فَلَا تطرد عَن مَاء وَلَا عَن مرعًى لتعظيم الطواغيت،وَتسَم ى تِلْكَ النَّاقة الْبحيرَة. وَأما السائبةفَهِيَ: أَن الرجل مِنْهُم كَانَ يَقُول:إِذا قدمت من سَفَرِي أَو بَرِئت من مرضِي فناقتي سائبة، وَجعلهَا كالبحيرة فِيتَحْرِيم الِانْتِفَاع بهَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَقد خصصه البُخَارِيّبقول ه: والسائبة الَّتِي كَانُوايسيبونها لآلهتهم،
    ............
    (16/92)
    وَقد روى الإِمَام أَحْمد وَأَبُو يعلى فِي (مسنديهما) بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث أبي رَيْحَانَة رَفعه: من انتسبإِلَى تِسْعَة آبَاء كفار، يزيدهم عزا وكرامة فَهُوَ عاشرهم فِي النَّار.
    وَقَالَ ابنُ عُمَرَ وأبُو هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِوَسلم إنَّ الكَرِيمَ ابنَ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمُ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُيَعْقُوبَ بنِ إسْحَاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله
    .........
    (16/95)
    لَى أَن أشهر أَسمَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّدوَأحمد، فمحمد من بَاب التفعيل للْمُبَالَغَة، وَأحمد من بَاب التَّفْضِيل، وَقيل: مَعْنَاهُمَاإِذ ا حمدني أحد فَأَنت أَحْمد، وَإِذا حمدت أحد فَأَنت مُحَمَّد، وَقَالَعِيَاض: كَانَ رَسُول الله، صلى اللهعَلَيْهِ وَسلم أَحْمد قبل أَن يكون مُحَمَّدًا، كَمَا وَقع فِي الْوُجُود، لِأَنتَسْمِيَته أَحْمد وَقعت فِي الْكتب السالفة، وتسميته مُحَمَّدًا وَقعت فِيالْقُرْآن الْعَظِيم، وَذَلِكَ أَنه حمد ربه قبل أَن يحمده النَّاس، وَكَذَلِكَفِي الْآخِرَة يحمد ربه فيشفعه فيحمده النَّاس، وَقد خص: بِسُورَة الْحَمد، ولواء الْحَمد، وبالمقام الْمَحْمُود، وَشرعلَهُ الْحَمد بعد الْأكل وَبعد الشّرْب وَبعد الدُّعَاء وَبعد الْقدوم من السّفر، وَسميتأمته: الحمادين، فَجمعت لَهُ مَعَانيالْحَمد وأنواعه، وَقيل: اسْمه فِيالسَّمَوَات أَحْمد وَفِي الْأَرْضين مَحْمُود، وَفِي الدُّنْيَا مُحَمَّد، وَقيل: الْأَنْبِيَاء كلهم حمادون لله تَعَالَى وَنَبِينَا أَحْمد، أَي: أَكثر حمداً لله مِنْهُم، وَقيل: الْأَنْبِيَاء كلهم محمودون وَنَبِينَا أَحْمد، أَي: أَكثر مناقباً، وَأجْمع للفضائل.
    ........
    (16/96)
    قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ عَن بَعضهم أَنلله تَعَالَى ألف اسْم وَكَذَا للرسول.
    وَقَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض لَا يعرف فِي الْعَرَب من تسمىمُحَمَّدًا قبل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا ثَلَاثَةمُحَمَّ د بن سُفْيَان بن مجاشع وَمُحَمّد بن أحيحة بن الجلاح وَمُحَمّد بن حمْرَانبن ربيعَة وَقد رد عَلَيْهِ وَمِنْهُم من عد سِتَّة ثمَّ قَالَ وَلَا سَابِع لَهُمثمَّ عدهم فَذكر مِنْهُم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَزَاد عَلَيْهِم مُحَمَّد بنخزاعي السّلمِيّ وَمُحَمّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ وَمُحَمّد بن برَاء الْبكْرِيّورد عَلَيْهِ أَيْضا بِجَمَاعَة تسموا بِمُحَمد وهم مُحَمَّد بن عدي بن ربيعَةالسَّعْدِ يّ روى حَدِيثه الْبَغَوِيّ وَابْن سعد وَابْن شاهين وَغَيرهم وَمُحَمّدبن اليحمد الْأَزْدِيّ ذكره المفجع الْبَصْرِيّ فِي كتاب المنقذ وَمُحَمّد بن خوليالْهَمدَانِ ي ذكره ابْن دُرَيْد وَمُحَمّد بن حرماز ذكره أَبُو مُوسَى فِي الزيلوَمُحَمّد بن عَمْرو بن مُغفل بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسرالْفَاء وباللام وَمُحَمّد الأسيدي وَمُحَمّد الْفُقيْمِي وَمُحَمّد بن يزِيد بنربيعَة وَمُحَمّد بن أُسَامَة وَمُحَمّد بن عُثْمَان وَمُحَمّد بن عتوارةاللَّيْثِ يّ
    ..........
    (16/97)
    مُحَمَّد، كثير الْخِصَال الحميدة، وألهم الله أَهله أَن يسموهبِهِ لما علم من حميد صِفَاته، وَفِي الْمثل الْمَشْهُور: الألقاب تنزل من السَّمَاء،
    ........
    (16/100)
    شاعت الكنى بَين الْعَرَب وَبَعضهَا يغلب على الإسم: كَأبي طَالبوَأبي لَهب وَنَحْوهَا، وَقد يكنى وَاحِد بكنية وَاحِدَة فَأكْثر وَمِنْهُم منيشْتَهر باسمه وكنيته جَمِيعًا، فالكنية وَالِاسْم واللقب كلهَا من الْأَعْلَام،وَل َكِن الكنية مَا يصدر بأب أَو أم، واللقب مَا يشْعر بمدح أَو ذمّ، وَكَانَالنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكنى: بِأبيالْقَاسِم وَهُوَ أكبر أَوْلَاده، وَعَن ابْن دحْيَة: كنى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي الْقَاسِملِأَنّ َهُ يقسم الْجنَّة بَين الْخلق يَوْم الْقِيَامَة، ويكنى أَيْضا بِأبيإِبْرَاهِي م، باسم وَلَده إِبْرَاهِيم الَّذِي ولد فِي الْمَدِينَة من مَارِيَةالْقبْط ِيَّة، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس: أَنه لما ولد إِبْرَاهِيم بن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِوَسلم من مَارِيَة جَارِيَته كَاد يَقع فِي نفس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِوَسلم، مِنْهُ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك أَبَا إِبْرَاهِيم، وَفِي رِوَايَة يَاأَبَا إِبْرَاهِيم، وَذكره ابْن سعد أَيْضا. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَله كنيةثَالِثَة وَهُوَ: أَبُو الأرامل.
    .....
    (16/103)
    وَفِي (عُيُونالْأَثر) : وَمِمَّنْ كَانَ يُشبههُ صلىالله عَلَيْهِ وَسلم: عبد الله بن عَامر بن كَعْب بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس،رَآهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَغِيرا، فَقَالَ: هَذَا يشبهنا، وَذكر فِي (الْمرْآة) : مِنْهُم مُسلم بن معتب، وَأنسبن ربيعَة بن مَالك البياضي الْبَصْرِيّ من بني أُسَامَة بن لؤَي، وَكَانَ أشبهالنَّاس برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خلقه وخلقه، وَكَانَ أنس بنمَالك إِذا رَآهُ عانقه وَبكى، وَقَالَ: من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِوَسلم فَلْينْظر إِلَى هَذَا، وَبلغ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان خَبره فاستقدمه،فَلَمّ َا دخل عَلَيْهِ قَامَ واعتنقه وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وأقطعه مَالاوأرضاً، فَرد المَال وَقبل الأَرْض.

    .........
    (16/106)
    مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِ يّ من وَجه آخر عَن حريز بن عُثْمَان، قَالَ: رَأَيْت عبدالله بن بسر صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحمص وَالنَّاس يسألونه،فدنوت مِنْهُ وَأَنا غُلَام، فَقلت: أَنْت رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم، قلت: أشيخ كَانَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم شَاب؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ. وَفِيرِوَايَة لَهُ: فَقلت لَهُ: أَكَانَ رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صبغ؟ قَالَ: يَا ابْن أخي، لم يبلغ ذَلِك. قَوْله: (شَعرَاتبيض) ، الشعرات جمعشَعْرَة، وَالْبيض بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة جمع أَبيض، وَقَالَالْكرْمَ انِي: شَعرَات جمع قلَّة فَلَا يكونزَائِدا على عشرَة. قلت: سَمِعت بعد الأساتذة الْكِبَار: أَن عدد الشعرات الْبيضالَّتِي كَانَت على عنفقته سَبْعَة عشر شَعْرَة، وَالله أعلم.
    ........
    (16/105)
    وَقَالَ عِيَاض: من روى أَنه لَيْسَ بالأبيض وَلَا الآدم فقد وهم، وَلَيْسَبصواب، ورد عَلَيْهِ بِأَن المُرَاد أَنه لَيْسَ بالأبيض الشَّديد الْبيَاض، وَلَابالآدم الشَّديد الأدمة، وَإِنَّمَا يخالط بياضه الْحمرَة، وَالْعرب قد تطلق علىمن كَانَ كَذَلِك أسمر، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث أنس أخرجه أَحْمدوَالْبَزّ َار وَابْن مَنْدَه بِإِسْنَاد صَحِيح: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ أسمر) ، وَفِي رِوَايَاتكَثِير َة مُخْتَلفَة، فَعِنْدَ النّظر يظْهر من مجموعها أَن المُرَاد بالسمرة: الْحمرَة الَّتِي تخالط الْبيَاض، وَأَن المُرَاد بالبياضالْمُثبت مَا يخالط الْحمرَة، والمنفي مَا لَا يخالطه، وَهُوَ الَّذِي تكرههُالْعَرَب وتسميه أمهق، وَبِهَذَا يظْهر أَن رِوَايَة الْمروزِي: أمهق، لَيْسَ بأبيض، مَقْلُوبَة على أَنه يُمكن تَوْجِيههبِمَا ذَكرْنَاهُ عَن الْكرْمَانِي آنِفا
    .........
    (16/106)
    حدَّثنا أبُو نَعَيْمٍ حدَّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَسألْتُ أنَسَاً هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ إنَّمَاكانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ..
    فَإِن قلت: روى ابْن عمر فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : أَنه رأىالنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يصْبغ من الصُّفْرَة. قلت: صبغ فِيوَقت وَتَركه فِي مُعظم الْأَوْقَات، فَأخْبر كل بِمَا رأى، وَكِلَاهُمَا صادقان. فَإِن قلت: هَذَاالحَدِيث يدل على أَن بعض الشيب كَانَ فِي صدغيه، وَفِي حَدِيث عبد الله بنبسر: كَانَ على عنفقته؟ قلت: يجمع بَينهمَا بِمَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق سعيد عَنقَتَادَة عَن أنس، قَالَ: (لم يخضبرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا كَانَ الْبيَاض فِي عنفقته وَفِيالصدغين وَفِي الرَّأْس نبذ، أَي: متفرق) ، فَإِن قلت: أخرجالْحَاكِم من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: (مَا شانه الله ببيضاء) . قلت: هَذَامَحْمُول على أَن تِلْكَ الشعرات الْبيض لم يتَغَيَّر بهَا شَيْء من حسنه صلى اللهعَلَيْهِ وَسلم.
    ...........
    أخرج مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة: أَن رجلا قَالَ لَهُ: أَكَانَ وَجه رَسُول الله، صلى اللهعَلَيْهِ وَسلم مثل السَّيْف؟ قَالَ: لَا بل مثل الشَّمْس وَالْقَمَر مستديراً، وَقد أَشَارَبقوله: مستديراً، إِلَى أَنه جمع التدويرمَعَ كَونه مثل الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الْإِشْرَاق واللمعان والصقال،فَكَأَن َّهُ نبه فِي حَدِيثه أَنه جمع الْحسن والاستدارة، وَهَذَا الحَدِيثيُؤَيّد الِاحْتِمَالَيْ نِ الْمَذْكُورين
    .....
    (16/107)
    وَاخْتلفُوا فِي الْعَمَل بقول الْقَائِف: فأثبته الشَّافِعِي وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث،وَالْم َشْهُور عَن مَالك إثْبَاته فِي الْإِمَاء ونفيه فِي الْحَرَائِر، ونفاهأَبُو حنيفَة مُطلقًا لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقفمَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} (الْإِسْرَاء:63) . وَلَيْسَ فِي حَدِيث المدلجيدَلِيل على وجوب الحكم بقول الْقَافة لِأَن أُسَامَة كَانَ نسبه ثَابتا من زيد قبلذَلِك، وَلم يحْتَج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك إِلَى قَول أحد،وَإِنَّمَا تعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِصَابَة مجزز كَمَا يتعجبمن ظن الرجل الَّذِي يُصِيب ظَنّه حَقِيقَة الشَّيْء الَّذِي ظَنّه، وَلَا يثبتالحكم بذلك، وَترك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِنْكَار عَلَيْهِلِأَنَّ هُ لم يتعاطَ فِي ذَلِك إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا.
    .............
    (16/116)
    انَ يتَكَلَّم بِكَلَام متتابع مَفْهُوم وَاضح على سَبِيل التأنيلِئَلَّا يلتبس على المستمع، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِ يّ عَن ابْنالْمُبَارك عَن يُونُس: إِنَّمَا كَانَ حَدِيث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلمفصلا يفهمهُ الْقُلُوب، وَاعْتذر عَن أبي هُرَيْرَة بِأَنَّهُ كَانَ وَاسعالرِّوَايَ ة كثير الْمَحْفُوظ، فَكَانَ
    لَا يتَمَكَّن من الْمهل عِنْد إِرَادَة التحديث، كَمَا قَالَبعض البلغاء: أُرِيد أَن أقتصر فتزدحم القوافي عَليّ
    ............
    (16/120)
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قصَّة نبع المَاء من أَصَابِعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلمتَكَرَّرت مِنْهُ فِي عدَّة مَوَاضِع فِي مشَاهد عَظِيمَة، ووردت من طرق كَثْرَةيُفِيد مجموعها الْعلم الْقطعِي الْمُسْتَفَاد من التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ، قَالَ: وَلم يسمع بِمثل هَذِه المعجزة من غير نَبينَا صلى اللهعَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ نبع المَاء من بَين عصبه وعظبه ولحمه وَدَمه.
    .....
    (16/120)
    وَهِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وَكَانَت فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّبِلَا خلاف، وَالْحُدَيْبِيَ ة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة مِثَال دويهية وَهِيبِئْر على مرحلة من مَكَّة مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: سميتالْحُدَيْبِ يَة بشجرة حدباء كَانَت هُنَاكَ، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: خرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَةمُعْتَم ِرًا لَا يُرِيد حَربًا، وَخرج مَعَه نَاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَاروَ من لحق بِهِ من الْعَرَب، وَكَانَ مَعَه من الْهَدْي سَبْعُونَ بَدَنَة،وَكَانُ وا خمس عشرَة مائَة
    .........
    (16/125)
    ي رِوَايَة مُسلم: فَعرفنَا: بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء الْمُشَدّدَة أَي:جعلنَا عرفاء نقباء على قَومهمْ. وَفِيه: دَلِيل لجَوَاز تَعْرِيف العرفاء على العساكر وَنَحْوهَا،وَفِ ي (سنَن أبي دَاوُد) : العرافة حق، وَلما فِيهِ من مصلحَة النَّاس وليتيسر ضبط الجيوشعلى الإِمَام وَنَحْوهَا باتخاذ العرفاء. فَإِن قلت: جَاءَ فِيالحَدِيث: العرفاء فِي النَّار. قلت: هُوَ مَحْمُول على العرفاء الْمُقَصِّرِينَ فِي ولايتهمالمرتكبي ن فِيهَا مَا لَا يجوز، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: فقرينا، بقاف وَرَاء وياء آخر الْحُرُوف،من الْقرى، وَهِي: الضِّيَافَة. وَقَالَ بَعضهم: وَلم أَقفعلى ذَلِك. قلت: لَا يلْزم من عدم وُقُوفه على ذَلِك الْإِنْكَار عَلَيْهِ،لِأَن من لم يقف على شَيْء أَكثر مِمَّن وقف عَلَيْهِ.
    ........
    (16/132)
    وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: لَعَلَّ المُرَاد بهما صنفان من التّرْك فَإِن أحد أصُولأَحدهمَا من خوز، وَأحد أصُول الآخر من كرمان. وَقَالَ ابْن دحْيَة: خوز، قيدناه فِي البُخَارِيّ بالزاي، وَقَيدهالْجِرْج َانِيّ: خور كرمان بالراء الْمُهْملَةمُضَ اف إِلَى كرمان، وَصَوَّبَهُ الدَّارَقُطْنِي ّ بالراء مَعَ الْإِضَافَة،وَح َكَاهُ عَن الإِمَام أَحْمد، وَقَالَ غَيره: تَصْحِيف، وَقيل: إِذا أضيف خور، فبالمهملة لَا غير، وَإِذا عطفت كرمان عَلَيْهِفبالزاي لَا غير. وَفِي (التَّلْوِيح) :هما جِنْسَانِ من التّرْك، وَكَانَ أول خُرُوج هَذَاالْجِنْس متغلباً فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فعاثوا فِيالْبِلَاد وأظهروا فِي الأَرْض الْفساد، وخربوا جَمِيع الْمَدَائِن حَتَّىبَغْدَاد، وربطوا خيولهم إِلَى سواري الْجَوَامِع، كَمَا فِي الحَدِيث، وعبرواالْفُرَات وملكوا أَرض الشَّام فِي مُدَّة يسيرَة، وعزموا على دُخُولهمْ إِلَىمصر، فَخرج إِلَيْهِم ملكهَا قطز المظفر، فَالْتَقوا بِعَين جالوت فَكَانَ لَهُعَلَيْهِم من النَّصْر وَالظفر كَمَا كَانَ لطالوت، فانجلوا عَن الشَّام منهزمين،وَرَأَو ا مَا لم يشاهدوه مُنْذُ زمَان وَلَا حِين، وراحوا خاسرين أذلاء صاغرين،وَالْحَم ْد لله رب الْعَالمين. ثمَّ إِنَّهُم فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين ملكعَلَيْهِم رجل يُسمى غازان، زعم أَنه من أهل الْإِيمَان، ملك جملَة من بِلَادالشَّام وعاث جَيْشه فِيهَا عيث عباد الْأَصْنَام، فَخرج إِلَيْهِم الْملكالنَّاصِر مُحَمَّد فكسرهم كسراً لَيْسَ مَعَه انجبار، وتفلل جَيش التتار، وَذهبمعظمهم إِلَى النَّار وَبئسَ الْقَرار. انْتهى كَلَام صَاحب (التَّلْوِيح) : قلت:هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ على الأَصْل وَالْوَجْه، لِأَن هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرهملَيْسُوا من خوز وَلَا من كرمان، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ من أَوْلَاد جنكز خَان،وَكَانَ ابْتِدَاء ملكه فِي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلم يزل فِي الترقيإِلَى أَن صَار يركب فِي نَحْو ثَمَان مائَة مقَاتل، وأفسد فِي الْبِلَاد وَكَانَقد استولى على سَمَرْقَنْد وبخارى وخوارزم الَّذِي كرسيها تبريز، والري وهمدان،وَلم يكن هُوَ دخل بَغْدَاد، وَإِنَّمَا خرب بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة هلاون بنطلوخان بن خرخان الْمَذْكُور، وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه، وَقتل منأَهله وقرابته خلق كثير، وَشعر بِنصب الْخلَافَة بعده، وَكَانَ قَتله فِي سنة سِتّوَخمسين وسِتمِائَة، ثمَّ بعد ذَلِك توجه هلاون إِلَى حلب فِي سنة سبع وَخمسينوسِتمِائ َة ودخلها فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة، وَبَقِي السَّيْفمبذولاً وَدم الْإِسْلَام ممطولاً سَبْعَة أَيَّام ولياليها، وَقتلُوا من أَهلهَاخلقا لَا يُحصونَ، وَسبوا من النِّسَاء والذراري زهاء مائَة ألف، ثمَّ رَحل هلاونمن حلب وَنزل على حمص وَأرْسل أكبر نوابه كتيعانو مَعَ إثني عشر طومان، كل طومانعشرَة آلَاف إِلَى مصر ليأخذها، وَكَانَ صَاحب مصر حِينَئِذٍ الْملك المظفر، فتجهزوَخرج وَمَعَهُ مِقْدَار اثْنَي عشر ألف نفس مقاتلين فِي سَبِيل الله، فتلاقوا علىعين جالوت، فنصره الله تَعَالَى على التتار وَهَزَمَهُمْ بعون الله ونصرته يَوْمالْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان من سنة ثَمَان وَخمسينوسِتمِائ َة، وَقتل كتيعانو فِي المعركة، وَقتل غَالب من مَعَه، وَالَّذين هربواقَتلهمْ الْعَرَب فِي البراري والمفاوز. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) تَابعالصَاحب (التَّلْوِيح) : إِنَّه فِي سنة ثَمَانمِائَة وَتِسْعين، وَيُسمى غازان إِلَىآخر مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قلت: هَذَا أَيْضا كَلَام فِيهِ خباط، وَهَذَا غازان، بالغينوَالزَّاي المعجمتين: يُسمىأَيْضا قازان، بِالْقَافِ مَوضِع الْغَيْن، واسْمه مَحْمُود، تولى مملكة جنكزخانفِي العراقين وَمَا والاهما بعد بيدوش طرغاي بن هلاون، وَكَانَ قتل لسوء سيرته،وقازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون مَاتَ فِي سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة، وَالْملكالنَّاص ِر مُحَمَّد بن قلاو لم يجْتَمع بقازان وَلَا حصلت بَينهمَا الملاقاة وَلَاوَقع بَينهمَا حَرْب، نعم خرج الْملك النَّاصِر لأجل حَرَكَة قازان فِي سنةسَبْعمِائة، ثمَّ عَاد لأجل الغلاء والشتاء المفرط وَالْبرد الشَّديد الَّذِي قتلغَالب الغلمان والأتباع، ثمَّ خرج فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَسَبْعمائة لأجل حَرَكَةالتتار، وَحصل الْقِتَال بَينه وَبَين قطلوشاه من أكبر أُمَرَاء قازان، فنصر اللهتَعَالَى النَّاصِر، وَانْهَزَمَ التتار وَعَاد عَسْكَر الْمُسلمين منصوراً
    ,,,,,,,,,,,,,
    (16/135)
    (فَلَا يجد أحدا يقبله) لعدم الْفُقَرَاء فِي ذَلِك الزَّمَان، قيل: يكون ذَلِك فِي زمن عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا وَقع فِي زمن عمربن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من طَرِيقيَعْقُوب بن سُفْيَان بِسَنَدِهِ إِلَى عمر بن أسيد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بنالْخطاب، قَالَ: إِنَّمَاولي عمر بن عبد الْعَزِيز ثَلَاثِينَ شهرا، لَا وَالله مَا مَاتَ حَتَّى جعل الرجليأتينا بِالْمَالِ الْعَظِيم، فَيَقُول: إجعلوا هَذَا حَيْثُ ترَوْنَ فِي الْفُقَرَاء، فَمَا نَبْرَححَتَّى يرجع بِمَالِه يتَذَكَّر من يَضَعهُ فِيهِ فَلَا يجده، قد أغْنى عمرالنَّاس. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ تَصْدِيق مَا روينَا فِي حَدِيث عدي بن حَاتِم، رَضِيالله تَعَالَى عَنهُ. انْتهى
    ..........

  17. #277
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الأحد
    الموافق : 16 / رجب / 1442 هجري
    الموافق 28/ فيراير / 2021 ميلادي

    تابع / المجلد السادس عشر من " عمدة القاري " لبدر الدين العيني رحمه الله

    (16/140)
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: دعواهما وَاحِدَة، أَي: يَدعِي كل مِنْهُمَا أَنه على الْحق وخصمه مُبْطل، وَلَا بُدأَن يكون أَحدهمَا مصيباً وَالْآخر مخطئاً، كَمَا كَانَ بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة،وَ كَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ الْمُصِيب ومخالفه مخطىء مَعْذُورفِي الْخَطَأ، لِأَنَّهُ بالإجتهاد، والمجتهد إِذا أَخطَأ لَا إِثْمعَلَيْهِ، وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِذا أَخطَأ فَلهُ أجر) .انْتهى. وَفِيه نظر، وَهُوَ مَوضِع التَّأَمُّل، بلالْأَحْسَن السُّكُوت عَن ذَلِك.
    ..........
    (16/141)
    رَوَاهُ أَبُو يعلى فِي مُسْنده بِإِسْنَاد حسن عَن عبد الله بنالزبير بِلَفْظ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ كذابا مِنْهُممُسَيْلم َة والعنسي وَالْمُخْتَار (قلت) وَمِنْهُمطليحة بن خويلد وسجاح التميمية والْحَارث الْكذَّاب وَجَمَاعَة فِي خلَافَة بنيالْعَبَّاس وَلَيْسَ المُرَاد بِالْحَدِيثِ من ادّعى النُّبُوَّة مُطلقًافَإِنَّه ُم لَا يُحصونَ كَثْرَة لكَون غالبهم من نشأة جُنُون أَو سَوْدَاء غالبةوَإِنَّمَا المُرَاد من كَانَت لَهُ شَوْكَة وسول لَهُم الشَّيْطَان بِشُبْهَة قلتخرج مُسَيْلمَة بِالْيَمَامَةِ وَالْأسود بِالْيمن فِي آخر زمن النَّبِي - صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقتل الْأسود قبل أَن يَمُوت النَّبِي - صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقتل مُسَيْلمَة فِي خلَافَة أبي بكر الصّديقرَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَخرج طليحة فِي خلَافَة أبي بكر ثمَّ تَابَ وَمَات علىالْإِسْلَام على الصَّحِيح فِي خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقيل أَنسجَاح تابت وَالْمُخْتَار بن عبيد الله الثَّقَفِيّ غلب على الْكُوفَة فِي أولخلَافَة ابْن الزبير
    ..............
    (16/150)
    وَقَالَ ابْن هِشَام: هُوَ مُسَيْلمَة بن ثُمَامَة ويكنى أَبَاثُمَامَة، وَقَالَ السُّهيْلي: هُوَمُسَيْلمَة بن ثُمَامَة بن كَبِير ابْن حبيب بن الْحَارِث بن عبد الْحَارِث بنهمان بن ذهل بن الدول بن حنيفَة، ويكنى: أَبَا ثُمَامَة، وَقيل: أَبَا هَارُون، وَكَانَ قد تسمى بالرحمان، وَكَانَ يُقَاللَهُ: رحمان الْيَمَامَة، وَكَانَ يعرفأبواباً من النيرنجات فَكَانَ يدْخل الْبَيْضَة فِي القارورة، وَهُوَ أول من فعلذَلِك، وَكَانَ يقص جنَاح الطير ثمَّ يصله وَيَدعِي أَن ظَبْيَة تَأتيه منالْجَبَل فيحلب لَبنهَا.
    .....
    (16/160)
    وَقَالَ الْخطابِيّ: انْشِقَاق الْقَمَر آيَة عَظِيمَة لَا يعادلها شَيْء من آيَاتالْأَنْبِي َاء، لِأَنَّهُ ظهر فِي ملكوت السَّمَاء، والخطب فِيهِ أعظم والبرهانبِهِ أظهر لِأَنَّهُ خَارج عَن جملَة طباع مَا فِي هَذَا الْعَالم من العناصر
    ..........
    (16/163 )
    قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ الرّيح الَّذِي يَأْتِي فَيَأْخُذ روح كلمُؤمن ومؤمنة، ويروى: حَتَّى تقوم السَّاعَة أَي: تقرب السَّاعَة، وَهُوَ خُرُوجالرّيح، ويروى: لَا تزَالطَائِفَة من أمتِي، وَهُوَ فِي مُسلم كَذَلِك، قَالَ البُخَارِيّ: وَأما هَذِه الطَّائِفَة فهم أهل الْعلم، وَقَالَ أَحْمدبن حَنْبَل: إِن لم يَكُونُوا أهل الحَدِيثفَلَا أَدْرِي من هم قَالَ القَاضِي: إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمد أهل السّنةوَالْجَمَ اعَة، وَمن يعْتَقد مَذْهَب أهل الْحق. وَقَالَ النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَن هَذِه الطَّائِفَة مفرقة من أَنْوَاعالْمُؤم نِينَ، فَمنهمْ شجعان مُقَاتِلُونَ، وَمِنْهُم فُقَهَاء، وَمِنْهُم محدثون،وَمِنْهُ م زهاد، وَمِنْهُم آمرون بِالْمَعْرُوفِ وناهون عَن الْمُنكر، وَمِنْهُمأَنْوَ اع إخرى من أهل الْخَيْر، وَلَا يلْزم أَن يَكُونُوا مُجْتَمعين بل قديَكُونُوا مُتَفَرّقين فِي أقطار الأَرْض. قَالَ: وَفِيهدَلِيل لكَون الْإِجْمَاع حجَّة، وَهُوَ أصح مَا يسْتَدلّ بِهِ من الحَدِيث. وَأما حَدِيث: (لَاتَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة) فضعيف.
    ,,,,,,,,
    (16/165)
    الْحسن بن عمَارَة، بِضَم الْعينالْمُهْمل َة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن المضرب البَجلِيّ الْكُوفِي الْفَقِيه، كَانَ على قَضَاءبَغْدَاد فِي خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسينوَمِائَة ، وَقَالَ بَعضهم: الْحسن بنعمَارَة أحد الْفُقَهَاء الْمُتَّفق على ضعف حَدِيثهمْ. قلت: سُفْيَانالثَّوْ ريّ من أقرانه، وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبدالرَّزَّاق بن همام وَأَبُو يُوسُف القَاضِي وَمُحَمّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّو َيحيى بن سعيد الْقطَّان وَآخَرُونَ من أكَابِر الْمُحدثين، وَفِي (التَّهْذِيب) : قَالَعِيسَى بن يُونُس الرَّمْلِيّ الفاخوري: سَمِعت أَيُّوب بن سُوَيْد يَقُول: كنتعِنْد سُفْيَان الثَّوْريّ فَذكر الْحسن بن عمَارَة فغمزه، فَقلت لَهُ: يَا أَبَا عبد الله! هُوَ عِنْدِي خير مِنْك. وَقَالَ: وَكَيفذَاك؟ قلت: جَلَست مِنْهُ غير مرّة فَيجْرِيذكرك فَمَا يذكرك إلاَّ بِخَير. قَالَأَيُّوب: مَا ذكر سُفْيَان الْحسن بنعمَارَة بعد ذَلِك إلاَّ بِخَير حَتَّى فارقته، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْمُؤمن الْمروزِي، قَالَ: سَمِعت عَليّ ابْن يُونُس الْمروزِي يَقُول: سَمِعت جرير بنعبد الحميد، يَقُول: مَا ظَنَنْتأَنِّي أعيش إِلَى دهر يحدث فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، ويسكت فِيهِ عَنالْحسن بن عمَارَة.
    ......
    (16/166)
    م تجر عَادَة البُخَارِيّ أَن يذكر فِي (صَحِيحه) حَدِيثا ضَعِيفا ثمَّ يُشِير إِلَيْهِ بالضعف، وَلَو ثَبتعِنْده ضعفه لاكتفى بِحَدِيث الْخَيل كَمَا اكْتفى بِهِ مُسلم فِي (صَحِيحه) وَالْكَلَامفِي سَمَاعه من الْحَيّ
    وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ البُخَارِيّ بذلك بَيَانضعف رِوَايَة الْحسن بن عمَارَة، وَأَن شبيباً لم يسمع الْخَبَر من عُرْوَة،وَإِنَّ مَا سَمعه من الْحَيّ وَلم يسمع عَن عُرْوَة، فَالْحَدِيث بِهَذَا ضَعِيفللْجَهْل بحالهم.
    ............
    (16/167)
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْحسن بن عمَارَةكَاذِب يكذب، فَكيف جَازَ النَّقْل عَنهُ؟ قلت مَا أثبت شَيْء بقوله من هَذَاالحَدِيث مَعَ احْتِمَال أَنه قَالَ ذَلِك بِنَاء على ظَنّه! انْتهى. قلت: قد أبشع فِيالْعبارَة فَلم يكن من دأب الْعلم أَن يذكر شخصا عَالما باتفاقهم فَقِيهامُتَقَدم ا فِي زَمَانه علماأ ورئاسة بهذ الْعبارَة الْفَاحِشَة، وَلَكِن الدَّاعِيفِي ذَلِك لَهُ ولأمثاله أريحية التعصب بِالْبَاطِلِ، وَقد ذكرنَا عَن قريب مَاقَالَه جرير بن عبد الحميد من الثَّنَاء عَلَيْهِ.
    .....
    (16/169)
    والعبارة السالمة من الِاعْتِرَاض أَن يُقَال: الصَّحَابِيّ من لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ مَاتَ علىالْإِسْلَام، ليخرج من ارْتَدَّ وَمَات كَافِرًا: كَابْن خطل وَرَبِيعَة بن أُميَّة وَمقيس بن صبَابَةوَنَحْوه م، وَمِنْهُم من اشْترط فِي ذَلِك أَن يكون حِين اجتماعه بِهِ بَالغا،وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ يخرج مثل الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما،وَنَحْوه من أَحْدَاث الصَّحَابَة.

    القَوْل الثَّانِي: إِنَّه من طَالَتْ صحبته لَهُ وَكَثُرت مُجَالَسَته مَعَطَرِيق التبع لَهُ وَالْأَخْذ عَنهُ، هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّع َن الْأُصُولِيِّين َ، وَقَالَ: إِن اسْمالصَّحَابِي ّ يَقع على ذَلِك من حَيْثُ اللُّغَة، وَالظَّاهِر قَالَ: وَأَصْحَاب الحَدِيث يطلقون إسم الصَّحَابَة على كل من روىعَنهُ حَدِيثا أَو كلمة يتوسعون حَتَّى يعدون من رَآهُ رُؤْيَة من الصَّحَابَةوَمن ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام لَكِن لم يره ثَانِيًا بعد عوده،فَالصَّحِي ح أَنه مَعْدُود فِي الصَّحَابَة لإطباق الْمُحدثين على عد الْأَشْعَثبن قيس وَنَحْوه مِمَّن وَقع لَهُ ذَلِك، وإخراجهم أَحَادِيثهم فِي المسانيد، وَقَالَالْآمِدِ يّ: الْأَشْبَه أَن الصَّحَابِيّ منرَآهُ وَحَكَاهُ عَن أَحْمد وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَاخْتَارَهُ ابْنالْحَاجِب أَيْضا، لِأَن الصُّحْبَة تعم الْقَلِيل وَالْكثير، وَفِي كَلَام أبيزرْعَة الرَّازِيّ وَأبي دَاوُد مَا يَقْتَضِي أَن الصُّحْبَة أخص من الرُّؤْيَة، فَإِنَّهُمَاقَا لَا فِي طَارق بن شهَاب: لَهُرُؤْيَة وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة، قَالَ شَيخنَا: وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) : عَن عَليّبن مُحَمَّد عَن شُعْبَة عَن مُوسَى السينَانِي قَالَ: أتيت أنس بن مَالك، رَضِيالله تَعَالَى عَنهُ، فَقلت: أَنْت آخرمن بَقِي من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قد بَقِي قوم من الْأَعْرَاب، فَأَما من أَصْحَابه فَأَنا آخرمن بَقِي، قَالَ ابْن الصّلاح: إِسْنَادهجيد.

    ...........
    (16/171)
    وَوَقع فِي حَدِيث جعدة بن هُبَيْرَة،وَرَو َاهُ ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِي ّ إِثْبَات الْقرن الرَّابِع، وَلَفظه: خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الْآخرُونَ أردى، وَرِجَاله ثِقَات إلاَّ أَن جعدةبن هُبَيْرَة مُخْتَلف فِي صحبته. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بننفير أحد التَّابِعين بِإِسْنَاد حسن، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليدركن الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُم لمثلكم أَو خير ثَلَاثًا،وَلنْ يخزى الله أمة أَنا أَولهَا والمسيح آخرهَا، وروى ابْن عبد الْبر من حَدِيثعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه: أفضل الْخلق إِيمَانًا قوم فِي أصلاب الرِّجَال يُؤمنُونَ بِيوَلم يروني. قلت: لَا يُقَاوم الْمسند الصَّحِيح وَالثَّانِي ضَعِيف
    .....
    (16/172)
    مِنْهُمْ أبُو بَكْرٍ عَبْدُ الله بنُ أبِيقُحَافَةَ التَّيْمِيُّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
    أَي: من الْمُهَاجِرين وَمن سادتهمأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَجزم البُخَارِيّ بِأَن اسْمه: عبد الله، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَفِي (التَّلْوِيح) : كَانَاسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة: عبد الْكَعْبَة، وَسمي فِي الْإِسْلَام: عبد الله، وَكَانَت أمه تَقول:
    (يَا رب عبدالْكَعْبَة ... اسْتمع بِهِ يَا ربه)
    (فَهُوَ بصخر أشبه)
    وصخر اسْم أبي أمه، وَاسْمهَا: سلمى بنت صَخْر بن مَالك بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بنمرّة بن كَعْب
    ..............
    (16/172)
    يلتقي مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِوَسلم، فِي مرّة ابْن كَعْب، أسلم أَبَوَاهُ وَأمه أَيْضا هَاجَرت، وَذَلِكَ مَعْدُودمن مناقبه لِأَنَّهُ انتظم إِسْلَام أَبَوَيْهِ وَجَمِيع أَوْلَاده، وَسمي أَيْضاالصّديق فِي الْإِسْلَام لتصديقه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكرابْن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لما أسرِي بِهِ قَالَ لجبريلعَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِن قومِي لَا يصدقوني، فَقَالَ لَهُجِبْرِيل: يصدقك أَبُو بكر، وَهُوَ الصّديق) ، وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانَ يُسمى الأوَّاه، وَكَانَيُسمى أَيْضا عتيقاً لقدمه فِي الْإِسْلَام. وَفِي الْخَيْر، وَقيل لحسنه وجماله،وَسُئِلَ أَبُو طَلْحَة لِمَ سُمي أَبُو بكر عتيقاً، فَقَالَ: كَانَت أمه لَا يعِيش لَهَا ولد، فَلَمَّا وَلدته اسْتقْبلتبِهِ الْبَيْت، ثمَّ قَالَت: اللَّهُمَّإِن هَذَا عتيقك من الْمَوْت فهبه لي، وَقَالَ ابْن الْمُعَلَّى، فَكَانَت أمهإِذا نقزته، قَالَت:
    (عَتيق مَا عَتيق ...ذُو المنظر الأنيق)
    (رشفت مِنْهُ ريق ...كالزرنب الْعَتِيق)
    وَقيل: سمي بالعتيق لِأَنَّهُ عَتيق منالنَّار، وَفِي (ربيع الْأَبْرَار) للزمخشري: قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ لأبي قُحَافَة ثَلَاثَة من الْوَلَد أَسمَاؤُهُم عَتيقومعتق ومعيتق، وَفِي (الوشاح) لِابْنِ دُرَيْد: كَانَ يلقب ذُو الْخلال لعباءة كَانَ يخلهاعلى صَدره، وَقَالَ السُّهيْلي: وَكَانَيلقب أَمِير الشَّاكِرِينَ، وَأجْمع المؤرخون وَغَيرهم على أَنه يلقب خَليفَةرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حاشى ابْن خالويه فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب (لَيْسَ) : الْفرقبَين الْخَلِيفَة والخالفة أَن الخالفة الَّذِي يكون بعد الرئيس الأول، قَالُوالأبي بكر: أَنْت خَليفَة رَسُول الله، صلىالله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِنِّي لستخَليفَة، وَلَكِنِّي خَلِيفَته، كنت بعده، أَي بقيت بعده واستخلفت فلَانا جعلتهخليفتي، وَقد ردوا عَلَيْهِ ذَلِك، وَولي أَبُو بكر الْخلَافَة بعد رَسُول الله،صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنتَيْن وَنصفا، وَقيل: سنتَيْن وَأَرْبَعَة أشهر إلاَّ عشر لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر إلاَّ خمس لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر وَسبع لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر واثني عشر يَوْمًا، وَقيل: عشْرين شهرا، واستكمل بخلافته سنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِوَسلم، فَمَاتَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة، وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطابفِي الْمَسْجِد وَدفن لَيْلًا فِي بَيت عَائِشَة مَعَ رَسُول الله، صلى اللهعَلَيْهِ وَسلم، وَنزل فِي قَبره عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَةبن عبيد الله وَابْنه عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، وَتُوفِّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَقيل: لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثمان، وَقيل: لثلاث بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث عشرَة منالْهِجْرَة.

    ..............
    (16/172)
    وَقَالُوا: من أنكر صُحْبَة أبي بكر فقد كفرلإنكاره كَلَام الله، وَلَيْسَ ذَلِك لسَائِر الصَّحَابَة.
    .....
    (16/175)
    وَنقل ابْن فورك عَن بعض الْمُتَكَلِّمين كلَاما فِي الْفرق بَين الْمحبَّة والخلة بِكَلَام طَوِيل ملخصه: الْخَلِيل يصل بالواسطة من قَوْله: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض} (الْأَنْعَام: 57) . والحبيبيصل لحبيبه بِهِ من قَوْله: {فَكَانَقاب قوسين أَو أدنى} (النَّجْم:9) . والخليل الَّذِي تكونمغفرته فِي حد الطمع من قَوْله: {وَالَّذِيأطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} (الشُّعَرَاء:28) . والحبيب الَّذِي مغفرتهفِي حد الْيَقِين من قَوْله عز وَجل: {ليغفر لَكالله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} (الْفَتْح:2) . والخليل، قَالَ: {وَلَا تخزني يَوْم يبعثون} (الشُّعَرَاء: 78) . والحبيبقيل لَهُ: يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي،فابتدأ بالبشارة قبل السُّؤَال، والخليل قَالَ فِي الْمحبَّة: حسبي الله، والحبيب قيل لَهُ: {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله} (الْأَنْفَال: 46) . والخليلقَالَ: {وَاجعَل لي لِسَان صدق} (الشُّعَرَاء: 78) . والحبيبقيل لَهُ: {ورفعنا لَك ذكرك} (الشَّرْح: 4) . أعطيبِلَا سُؤال. والخليل قَالَ: {واجنبني وبنيَّ أَن نعْبد الْأَصْنَام} (إِبْرَاهِيم: 53) . والحبيبقيل لَهُ: {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهبعَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} (
    .......
    (16/176)
    (وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام) أخوة الْإِسْلَام مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، نَحْو: أفضل من كل أخوة، ومودة لغير الْإِسْلَام. وَقيل: وَقع فِيبعض الرِّوَايَات: وَلَكِن خوة الْإِسْلَام، بِغَيْر الْألف، فَقَالَ ابْنبطال: لَا أعرف معنى هَذِه الْكَلِمَةوَلم أجد خوة بِمَعْنى خلة فِي كَلَام الْعَرَب، وَلَكِن وجدت فِي بعضالرِّوَايَات : وَلَكِن خلة الْإِسْلَام، وَهُوَالصَّوَاب . وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّ الْألف سَقَطت من الْكَاتِب فَإِن الْألف ثَابِتَة فِيسَائِر الرِّوَايَات، وَقَالَ ابْن مَالك فِي تَوْجِيهه: نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى النُّون فحذفت الْألف، وَجوزمَعَ حذفهَا ضم نون: لَكِن،وسكونها، وَلَا يجوز مَعَ إِثْبَات الْهمزَة إلاَّ سُكُون النُّون فَقَط. انْتهى. قلت: هَذَاتَوْجِيه بعيد لَا يُوَافق الْأُصُول.
    ........
    .......

  18. #278
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : السبت
    الموافق : 22/ رجب / 1442 هجري
    الموافق : 6/ مارس / 2021 ميلادي

    " ختم وتلخيص المجلد السادس عشر " من عمدة القاري " لبدر الدين العيني رحمه الله


    (16/185*)
    وَأَرَادَ بالموتتين: الْمَوْت فِي الدُّنْيَا وَالْمَوْت فِي الْقَبْر، وهما الموتتان المعروفتان المشهورتان، فَلذَلِك ذكرهمَا بالتعريف، وهما الموتتان الواقعتان لكل أحد غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُم لَا يموتون فِي قُبُورهم، بل هم أَحيَاء، وَأما سَائِر الْخلق فَإِنَّهُم يموتون فِي الْقُبُور ثمَّ يحيون يَوْم الْقِيَامَة. وَمذهب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة: أَن فِي الْقَبْر حَيَاة وموتاً فَلَا بُد من ذوق الموتتين لكل أحد غير الْأَنْبِيَاء. وَقد تمسك بقوله: (لَا يذيقك الله الموتتين) من أنكر الْحَيَاة فِي الْقَبْر، وهم الْمُعْتَزلَة وَمن نحا نحوهم، وَأجَاب أهل السّنة عَن ذَلِك بِأَن المُرَاد بِهِ نفي الْحَيَاة اللَّازِم من الَّذِي أثْبته عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
    ....
    (16/186)
    وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة هُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب، يكنى أَبَا الْقَاسِم وشهرته بِنِسْبَة أمه وَهِي من سبي الْيَمَامَة، وَاسْمهَا: خَوْلَة بنت جَعْفَر بن قيس بن مسلمة بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع بن ثَعْلَبَة ابْن دؤل بن حنيفَة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ برضوى، وَدفن بِالبَقِيعِ، ورضوى جبل بِالْمَدِينَةِ.
    ...........
    (16/186)
    خلاف بَين أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، فَمنهمْ من فضل عليا على عُثْمَان، وَالْأَكْثَرُون َ بِالْعَكْسِ، وَمَالك توقف فِيهِ.
    .....
    (16/188)
    أريس) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا سين مُهْملَة، وَهُوَ بُسْتَان بِالْمَدِينَةِ مَعْرُوف قريب من قبا. وَفِي هَذَا الْبِئْر سقط خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِصْبَع عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ منصرف، وَإِن جعلته إسماً لتِلْك الْبقْعَة يكون غير منصرف للعلمية والتأنيث.
    ....
    (16/202)
    عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، يجْتَمع مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عبد منَاف، وكنيته أَبُو عَمْرو الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْأَمر، وَفِيه قَولَانِ، أَيْضا: أَبُو عبد الله وَأَبُو ليلى، وَعَن الزُّهْرِيّ: أَنه كَانَ يكنى أَبَا عبد الله بِابْنِهِ عبد الله رزقه الله من رقية بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحكى ابْن قُتَيْبَة: أَن بعض من ينتقصه يكنيه: أبي ليلى يُشِير إِلَى لين جَانِبه، وَقد اشْتهر أَن لقبه: دو النورين، وَقيل للمهلب بن أبي صفرَة: لم قيل لعُثْمَان ذُو النورين؟ قَالَ: لِأَنَّهُ لم نعلم أحدا أسبل سترا على ابْنَتي نَبِي غَيره، وروى خَيْثَمَة فِي (الْفَضَائِل) وَالدَّارَقُطْن ِيّ فِي (الْأَفْرَاد) من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَنه ذكر عُثْمَان، فَقَالَ: ذَاك امْرأ يدعى فِي السَّمَاء ذُو النورين، وَأمه أروى بنت كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس ابْن عبد منَاف، وَأمّهَا أم حَكِيم الْبَيْضَاء بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
    وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ يَحْفِرُ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ

    .....
    (16/203)
    الْوَلِيد بن عقبَة، وَصرح بذلك فِي رِوَايَة معمر، وَكَانَ الْوَلِيد هَذَا أَخا عُثْمَان لأمه، وَعقبَة هُوَ ابْن أبي معيط بن أبي عَمْرو بن أُميَّة بن عبد شمس، وَكَانَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ولى الْوَلِيد الْكُوفَة، وَكَانَ عَاملا بالجزيرة على عربها، وَكَانَ على الْكُوفَة سعد بن أبي وَقاص، وَكَانَ عُثْمَان ولاه لما ولي الْخلَافَة بِوَصِيَّة من عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ عمر قد عَزله عَن الْكُوفَة كَمَا ذكرنَا. ثمَّ عزل عُثْمَان سَعْدا عَن الْكُوفَة، وَولى الْوَلِيد عَلَيْهَا وَكَانَ سَبَب الْعَزْل: أَن عبد الله بن مَسْعُود كَانَ على بَيت المَال فِي الْكُوفَة، فاقترض مِنْهُ سعد مَالا، فجَاء يتقاضاه فاختصما، فَبلغ عُثْمَان فَغَضب عَلَيْهِمَا وعزل سَعْدا واستحضر الْوَلِيد من الجزيرة وولاه الْكُوفَة.
    كْثرُوا فِيهِ من الْكَلَام فِي حَقه بِسَبَب مَا صدر مِنْهُ، وَكَانَ قد صلى بِأَهْل الْكُوفَة صَلَاة الصُّبْح أَربع رَكْعَات، ثمَّ الْتفت إِلَيْهِم فَقَالَ: أَزِيدكُم؟ وَكَانَ سكراناً، وَبلغ الْخَبَر بذلك إِلَى عُثْمَان، وَترك إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، فتكلموا بذلك فِيهِ وأنكروا أَيْضا عَن عُثْمَان عزل سعد بن أبي وَقاص مَعَ كَونه أحد الْعشْرَة، وَمن أهل الشورى، وَاجْتمعَ لَهُ من الْفضل وَالسّن وَالْعلم وَالدّين والسبق إِلَى الْإِسْلَام مَا لم يتَّفق مِنْهُ شَيْء للوليد بن عقبَة، ثمَّ لما ظهر لعُثْمَان سوء سيرته عَزله، وَلَكِن أخر إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ ليكشف عَن حَال من يشْهد عَلَيْهِ بذلك، فَلَمَّا ظهر لَهُ الْأَمر أَمر بِإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ،
    وَذكر المَسْعُودِيّ فِي (المروج) : أَن عُثْمَان قَالَ للَّذين شهدُوا: مَا يدريكم أَنه شرب الْخمر؟ قَالُوا: هِيَ الَّتِي كُنَّا نشربها فِي الْجَاهِلِيَّة، وَذكر الطَّبَرِيّ: أَن الْوَلِيد ولي الْكُوفَة خمس سِنِين، قَالُوا: وَكَانَ جوادا، فولَّى عُثْمَان بعده سعيد بن الْعَاصِ، فَسَار فيهم سيرة عادلة، وَكَانَت تَوْلِيَة عُثْمَان سعيد بن الْعَاصِ الْكُوفَة فِي سنة ثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَفتح سعيد هَذَا طبرستان فِي هَذِه السّنة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: لما ولَّى عثمانُ سعيدَ بنَ الْعَاصِ الْكُوفَة وقَدِمَهَا قَالَ: لَا أصعد الْمِنْبَر حَتَّى تغسلوه من آثَار الْوَلِيد الْفَاسِق فَإِنَّهُ نجس، فاغسلوه، ثمَّ ظَهرت بعد ذَلِك من سعيد بن الْعَاصِ هَنَات.

    ............
    (16/207)
    وروى مُسلم من طَرِيق مهْرَان بن أبي طَلْحَة: أَن عمر خطب فَقَالَ: رَأَيْت كَأَن ديكاً نقرني ثَلَاث نقرات وَلَا أرَاهُ إلاَّ حُضُور أَجلي
    هُوَ الرجل من كفار الْعَجم، وَهَذِه الْقِصَّة كَانَت فِي أَربع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين.
    واسمه فيروز
    .....
    (16/215)
    وَفِي (التَّلْوِيح) : وَمن خواصه أَي: خَواص عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيمَا ذكره أَبُو الشَّاء: أَنه كَانَ أقضى الصَّحَابَة، وَأَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تخلف عَن أَصْحَابه لأَجله، وَأَنه بَاب مَدِينَة الْعلم، وَأَنه لما أَرَادَ كسر الْأَصْنَام الَّتِي فِي الْكَعْبَة المشرفة أصعده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برجليه على مَنْكِبَيْه، وَأَنه حَاز سهم جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بتبوك فَقيل فِيهِ.

    ........
    (16/215)
    (عَليّ حوى سَهْمَيْنِ من غير أَن غزاغزاة تَبُوك، حبذا سهم مسهم)
    وَأَن النّظر إِلَى وَجهه عبَادَة، روته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَأَنه أحب الْخلق إِلَى الله بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أنس فِي حَدِيث الطَّائِر، وَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يعسوب الدّين، وَسَماهُ أَيْضا: رز الأَرْض، وَقد رويت هَذِه اللَّفْظَة مَهْمُوزَة وملينة، وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا معنى، فَمن: همز أَرَادَ الصَّوْت، وَالصَّوْت جمال الْإِنْسَان، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت جمال الأَرْض
    .......
    (16/216)
    قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكَانَت راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد ذَلِك فِي المواطن كلهَا مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة (قَالُوا يَا رَسُول الله {من يحمل رَايَتك يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: من عَسى أَن يحملهَا يَوْم الْقِيَامَة إلاَّ من كَانَ يحملهَا فِي الدُّنْيَا؟ عَليّ بن أبي طَالب؟) وَفِي كتاب أبي الْقَاسِم الْبَصْرِيّ من حَدِيث قيس بن الرّبيع عَن أبي هَارُون الْعَبْدي عَن أبي سعيد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَأُعْطيَن الرَّايَة رجلا كراراً غير فرار، فَقَالَ حسان: يَا رَسُول الله} أتأذن لي أَن أَقُول فِي عَليّ شعرًا؟ قَالَ: قل، قَالَ:
    (وَكَانَ عَليّ أرمد الْعين يَبْتَغِي ... دَوَاء فَلَمَّا لم يحسن مداويا)
    وَفتح خَيْبَر على يَدَيْهِ، وَقَتله مرْحَبًا الْيَهُودِيّ، وَغير ذَلِك.
    ............
    مما رأيته في زماننا
    تثبيط أهل الحق على طريق الحق
    قَائِل الْحق لَا يُبَالِي بِمَا يُقَال فِي حَقه من الأباطيل
    ........
    (16/217)
    وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (جَامع الْأُصُول) : إِذا أطلق المحدثون ابْن أبي ليلى، فَإِنَّمَا يعنون بِهِ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَإِذا أطلقهُ الْفُقَهَاء يعنون بِهِ عبد الرَّحْمَن
    .....
    ....
    .
    (16/218)
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: اخْتِلَاف الْأمة رَحْمَة، فلِمَ كرهه؟ قلت: الْمَكْرُوه الِاخْتِلَاف الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى النزاع والفتنة.
    .....
    (16/224)
    وسُمِّيَ الحَوَارِيُّونَ لِبَيَاضِ ثِيابِهِمْ
    هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ، أَرَادَ بِهِ حوارِي عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَقَالَ أَبُو أَرْطَأَة. كَانُوا قصَّارين فسموا بذلك لأَنهم كَانُوا يحورون الثِّيَاب، أَي: يبيضونها، وَقَالَ الضَّحَّاك: سموا حواريين لصفاء قُلُوبهم، وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك: سموا بذلك لأَنهم كَانُوا نورانيين، عَلَيْهِم أثر الْعِبَادَة ونورها وبهاؤها، وأصل الحوار عِنْد الْعَرَب الْبيض، وَمِنْه: الأحور والحوراء، ودقيق حوارِي، وَقَالَ قَتَادَة: هم الَّذين تصلح لَهُم الْخلَافَة، وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: الْحوَاري خَاصَّة الرجل الَّذِي يَسْتَعِين بِهِ فِيمَا ينوبه، وَقيل: الحواريون كَانُوا صيادين يصطادون السّمك، وَقيل: كَانُوا صباغين، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: كَانُوا أصفياء عِيسَى وأولياءه وأنصاره ووزراءه، وَكَانُوا اثْنَي عشر رجلا وأسماؤهم: بطرس ويعقوبس ويحنس واندرابيس وقبيلس وابرثلما ومنتا وأتوماس وَيَعْقُوب بن خلقانا ونشيمس وقنانيا ويوذس، فَهَؤُلَاءِ حواريو عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأما حواريو هَذِه الْأمة فَقَالَ قَتَادَة: إِن الحواريين كلهم من قُرَيْش: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَحَمْزَة وجعفر وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَعُثْمَان بن مَظْعُون وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
    ...........
    (16/225)
    قَالَ الصَّاغَانِي فِي (الْعباب) : اليرموك مَوضِع بِنَاحِيَة الشَّام وَهُوَ يفعول. قلت: هُوَ مَوضِع بَين أَذْرُعَات ودمشق، وَقَالَ سيف بن عمر: كَانَت وقْعَة اليرموك فِي سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة قبل فتح دمشق، وَتَبعهُ على ذَلِك ابْن جرير الطَّبَرِيّ، وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: كَانَت فِي رَجَب سنة خمس عشرَة، وَكَذَا نقل ابْن عَسَاكِر عَن أبي عبيد والوليد وَابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث وَأبي معشر: أَنَّهَا كَانَت فِي سنة خمس عشرَة بعد فتح دمشق، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ، كَانَت وقْعَة اليرموك يَوْم الْإِثْنَيْنِ لخمس مضين من رَجَب سنة خمس عشرَة، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَكَانَت من أعظم فتوح الْمُسلمين، وَكَانَ رَأس عَسْكَر هِرقل ماهان الأرمني، وَرَأس عَسْكَر الْمُسلمين أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت بَينهم خمس وقعات عَظِيمَة، فآخر الْأَمر نصر الله الْمُسلمين وَقتلُوا مِنْهُم مائَة ألف وَخَمْسَة آلَاف نفس، وأسروا أَرْبَعِينَ ألفا وقُتِل من الْمُسلمين أَرْبَعَة آلَاف، ختم الله لَهُم بِالشَّهَادَةِ، وَقتل ماهان على دمشق وَبعث أَبُو عُبَيْدَة الْكتاب والبشارة إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بحذيفة بن الْيَمَان مَعَ عشرَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وغنم الْمُسلمُونَ غنيمَة عَظِيمَة حَتَّى أصَاب الْفَارِس أَرْبَعَة وَعشْرين ألف مِثْقَال من الذَّهَب، وَكَذَلِكَ من الْفضة، وَكَانَ الْمُسلمُونَ خَمْسَة وَأَرْبَعين ألفا، وَقيل: سِتَّة وَسِتِّينَ ألفا، وَقد ذكرنَا أَن الْقَتْلَى مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف، وَكَانَت الرّوم فِي تِسْعمائَة ألف، وَكَانَ جبلة بن الإيهم مَعَ عرب غَسَّان فِي سِتِّينَ ألفا، وَالله أعلم
    .....
    (16/225)
    وَقَالَ أَبُو الشَّاء: وَمن خَواص طَلْحَة بن عبيد الله أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لم يره قَالَ: مَالِي لَا أرى الْمليح الفصيح؟ ولقبه: بالفياض، وَطَلْحَة الْخَيْر وَطَلْحَة الْجُود، وَلم يثبت مَعَه يَوْم أحد غَيره، وَعَن الْمبرد: كَانَ يُقَال لطلْحَة بن عبيد الله: طَلْحَة الطلحات، وَخلف مَالا جزيلاً: ثَلَاثِينَ ألف ألف، وَفِي الصَّحَابَة من اسْمه طَلْحَة نَحْو الْعشْرين.
    .......
    (16/230)
    وَادّعى الشريف المرتضي الموسوي فِي (غرره) : أَن خطْبَة عَليّ لابنَة أبي جهل مَوْضُوع فَلَا يَسْتَوِي سَمَاعه ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثَبت فِي (الصَّحِيح) فِي حَدِيث الْمسور بن مخرمَة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن الزبير وَصَححهُ. قَوْله: (وَهَذَا عَليّ ناكح بنت أبي جهل)
    ....
    (16/234)
    مَّاد بن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث بن سَلمَة بن مَالك أَبُو عبد الله الْخُزَاعِيّ الْمروزِي الْأَعْوَر الرفاء الفارض، أحد شُيُوخ البُخَارِيّ، وَفِي (التَّهْذِيب) : روى عَنهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، سكن مصر، وَمَات بسر من رأى مسجوناً فِي محنة سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. قَالَه أَبُو دَاوُد. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد نفطويه: كَانَ مُقَيّدا فجر بأقياده وَأُلْقِي فِي حُفْرَة لم يُكفن وَلم يصلَّ عَلَيْهِ، فعل ذَلِك بِهِ صَاحب ابْن أبي دؤاد؟ . وَفِي (التَّهْذِيب) : خرج نعيم إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا نيفاً وَأَرْبَعين سنة ثمَّ حمل إِلَى الْعرَاق فِي امتحان الْقُرْآن مَعَ الْبُوَيْطِيّ مقيدين، فَمَاتَ نعيم بالعسكر بسامرة،
    ........
    (16/235)
    ابن عمر رضي الله عنه
    وَقيل: كَانَ سَبَب مَوته أَن الْحجَّاج دس عَلَيْهِ من مس رجله بِحَرْبَة مَسْمُومَة فَمَرض بهَا إِلَى أَن مَاتَ.
    ......
    (16/236)
    (صَاحب النَّعْلَيْنِ) أَي: نَعْلي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ ابْن مَسْعُود هُوَ الَّذِي كَانَ يحمل نَعْلي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويتعاهدهما.
    وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خصص ابْن مَسْعُود بِنَفسِهِ اختصاصاً شَدِيدا، كَانَ لَا يَحْجُبهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَ وَلَا يخفي عَنهُ سره، وَكَانَ يلج عَلَيْهِ ويلبسه نَعْلَيْه ويستره إِذا اغْتسل ويوقظه إِذا نَام، وَكَانَ يعرف فِي الصَّحَابَة بِصَاحِب السوَاد والسواك،
    ......
    (16/240)
    أبي مُحَمَّد الْحسن وَأبي عبد الله الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وفضائلهما لَا تعد ومناقبهما لَا تحد. وَترك الْحسن الْخلَافَة لله تَعَالَى لَا لعِلَّة وَلَا لذلة وَلَا لقلَّة، وَكَانَ ذَلِك تَحْقِيقا لمعجزة جده رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ قَالَ: يُصْلِح الله بِهِ بَين طائفتين، وهما طائفته وَطَائِفَة مُعَاوِيَة، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مسموماً سنة تسع وَأَرْبَعين وَلم يكن بَين وِلَادَته وَحمل الْحُسَيْن إلاَّ طهر وَاحِد، وَأما الْحُسَيْن فَقتله سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين: ابْن أنس النَّخعِيّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ بكربلاء من أَرض الْعرَاق، وَيُقَال كَانَ مولد الْحسن فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَقيل: بعد ذَلِك، ومولد الْحُسَيْن فِي شعْبَان سنة أَربع من الْهِجْرَة فِي قَول الْأَكْثَرين.
    قَالَ نافِعُ بنُ جُبَيْرٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَانَقَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَسَنَ
    .............
    (16/242)
    مَّ إِن الله تَعَالَى جازى هَذَا الْفَاسِق الظَّالِم عبيد الله بن زِيَاد بِأَن جعل قَتله على يَدي إِبْرَاهِيم بن الأشتر يَوْم السبت لثمان بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسِتِّينَ على أَرض يُقَال لَهَا: الجازر، بَينهَا وَبَين الْموصل خَمْسَة فراسخ، وَكَانَ الْمُخْتَار بن أبي عُبَيْدَة الثَّقَفِيّ أرْسلهُ لقِتَال ابْن زِيَاد، وَلما قتل ابْن زِيَاد جِيءَ بِرَأْسِهِ وبرؤوس أَصْحَابه وطرحت بَين يَدي الْمُخْتَار، وَجَاءَت حَيَّة دقيقة تخللت الرؤوس حَتَّى دخلت فِي فَم ابْن مرْجَانَة وَهُوَ ابْن زِيَاد وَخرجت من منخره وَدخلت فِي منخره وَخرجت من فِيهِ، وَجعلت تدخل وَتخرج من رَأسه بَين الرؤوس، ثمَّ إِن الْمُخْتَار بعث بِرَأْس ابْن زِيَاد ورؤوس الَّذين قتلوا مَعَه إِلَى مَكَّة إِلَى مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة، وَقيل: إِلَى عبد الله بن الزبير، فنصبها بِمَكَّة وأحرق ابْن الأشتر جثة ابْن زِيَاد وجثث البَاقِينَ.
    .....
    (16/243)
    روى التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان من طَرِيق هَانِيء بن هانىء عَن عَليّ، قَالَ: كَانَ الْحسن أشبه برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين الرَّأْس إِلَى الصَّدْر وَالْحُسَيْن أشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ أَسْفَل فِي ذَلِك.
    ......
    (16/244)
    مَات على فرَاشه بحمص، وَقيل بِالْمَدِينَةِ، وَالْأول أصح سنة إِحْدَى وَعشْرين، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَالَ الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين احْتضرَ والنسوة يبْكين: دَعْهُنَّ تهريق دُمُوعهنَّ على أبي سُلَيْمَان، فَهَل قَامَت النِّسَاء عَن مثله؟ قلت: هَذَا غلط فَاحش يظْهر بِالتَّأَمُّلِ، وَقَالَ الزبير بن بكار: انقرض ولد خَالِد وَلم يبْق مِنْهُم أحد، وورثهم أَيُّوب بن سَلمَة.
    ........
    (16/247)
    إِنَّه أسلم زمن الْحُدَيْبِيَة وَأسْلمت أمه أَيْضا بعده، وَكتب مُعَاوِيَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَولي إمرة دمشق عَن عمر بن الْخطاب بعد موت أَخِيه يزِيد بن أبي سُفْيَان سنة تسع عشرَة، وَاسْتمرّ عَلَيْهَا بعد ذَلِك فِي خلَافَة عُثْمَان ثمَّ زمَان محاربته لعَلي وَالْحسن، ثمَّ اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين إِلَى أَن مَاتَ سنة سِتِّينَ، فَكَانَت ولَايَته مَا بَين إِمَارَة ومحاربة ومملكة أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة مُتَوَالِيَة.
    ........
    (16/248)
    زَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ فِي قَول أبي عُبَيْدَة، وَقيل: قبلهَا بِثَلَاث سِنِين، وَقيل: بِسنة وَنصف، وَهِي بنت سِتّ سِنِين وَبنى بهَا بِالْمَدِينَةِ بعد مُنْصَرفه من وقْعَة بدر فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة وَهِي بنت تسع سِنِين، وَمَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلها نَحْو ثَمَان عشرَة سنة، وَعَاشَتْ بعده قَرِيبا من خمسين سنة، وَأكْثر الناسُ الْأَخْذ عَنْهَا ونقلوا عَنْهَا من الْأَحْكَام والآداب شَيْئا كثيرا، حَتَّى قيل: إِن ربع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة منقولة عَنْهَا، رُوِيَ لَهَا عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث، وَلم تَلد للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسَأَلته أَن تكتني، فَقَالَ: إكتني بِابْن أختك، قَالَت: أم عبد الله.
    ........
    (16/252)
    من عَدِمَ المَاء وَالتُّرَاب يُصَلِّي على حَاله، وَللشَّافِعِيّ فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال، أَصَحهَا: أَنه يجب عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي وَيجب أَن يُعِيدهَا. وَالثَّانِي: تحرم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَتجب الْإِعَادَة. وَالثَّالِث: لَا تجب عَلَيْهِ وَلَكِن تسْتَحب وَيجب الْقَضَاء. الرَّابِع: تجب الصَّلَاة وَلَا تجب الْإِعَادَة، وَهَذَا مَذْهَب الْمُزنِيّ، وَعند أبي حنيفَة: يمسك عَن الصَّلَاة وَلَا يجب عَلَيْهِ التَّشَبُّه، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يجب التَّشَبُّه، وَلَا خلاف فِي الْقَضَاء
    .......
    (254)
    وَزعم مُحَمَّد بن الْحسن بن زبالة أَن الْإِيمَان اسْم من أَسمَاء الْمَدِينَة، وَاحْتج بِالْآيَةِ، وَلَا حجَّة لَهُ فِيهَا، لِأَن الْإِيمَان لَيْسَ بمَكَان
    .....
    (16/255)
    (بُعَاث) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة: وَهُوَ يَوْم من أَيَّام الْأَوْس والخزرج مَعْرُوف، وَقَالَ العسكري: روى بَعضهم عَن الْخَلِيل بن أَحْمد بالغين الْمُعْجَمَة، وَقَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي: صحفه ابْن المظفر، وَمَا كَانَ الْخَلِيل ليخفى عَلَيْهِ هَذَا الْيَوْم لِأَنَّهُ من مشاهير أَيَّام الْعَرَب، وَإِنَّمَا صحفه اللَّيْث وَعَزاهُ إِلَى الْخَلِيل نَفسه وَهُوَ لِسَانه، وَذكر النَّوَوِيّ أَن أَبَا عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى ذكره أَيْضا بغين مُعْجمَة، وَحكى الْقَزاز فِي (الْجَامِع) : أَنه يُقَال بِفَتْح أَوله أَيْضا، وَذكر عِيَاض: أَن الْأصيلِيّ رَوَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ ، يَعْنِي بِالْعينِ الْمُهْملَة والمعجمة، وَأَن الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بالغين الْمُعْجَمَة وَجها وَاحِدًا، وَهُوَ مَكَان، وَيُقَال: إِنَّه حصن على ميلين من الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن قرقول: يجوز صرفه وَتَركه. قلت: إِذا كَانَ اسْم يَوْم يجوز صرفه، وَإِذا كَانَ اسْم بقْعَة يتْرك صرفه للتأنيث والعلمية. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: بُعَاث، حصن لِلْأَوْسِ، وَقَالَ ابْن قرقول: وَهُوَ على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة، وَكَانَت بِهِ وقْعَة عَظِيمَة بَين الْأَوْس والخزرج قتل فِيهَا كثير مِنْهُم، وَكَانَ رَئِيس الأول فِيهِ حضير وَالِد أسيد بن حضير، وَكَانَ يُقَال لَهُ: حضير الْكَتَائِب وَكَانَ فارسهم، وَيُقَال: إِنَّه ركز الرمْح فِي قدمه يَوْم بُعَاث، وَقَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أفر؟ فَقتل يَوْمئِذٍ، وَكَانَ لَهُ حصن منيع يُقَال لَهُ: وأقم، وَكَانَ رَئِيس الْخَزْرَج يَوْمئِذٍ، وَكَانَ ذَلِك قبل الْهِجْرَة بِخمْس سِنِين، وَقيل: بِأَرْبَعِينَ سنة، وَقيل: بِأَكْثَرَ من ذَلِك. وَقَالَ فِي (الواعي) : بقيت الْحَرْب بَينهم قَائِمَة مائَة وَعشْرين سنة حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام. وَفِي (الْجَامِع) : كَأَنَّهُ سمى بعاثاً لنهوض الْقَبَائِل بَعْضهَا إِلَى بعض، وَقَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِي ّ: إِن سَبَب ذَلِك أَنه كَانَ من قاعدتهم أَن الْأَصِيل لَا يقتل بالحليف، فَقتل رجل من الْأَوْس حليفاً للخزرج، فأرادوا أَن يقيدوه فامتنعوا، فَوَقَعت بَينهم الْحَرْب لأجل ذَلِك.
    .....
    (16/255)
    قَالَ محيي السّنة: لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الِانْتِقَال عَن النّسَب الولادي، وَمَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن الْهِجْرَة أَمر ديني وَعبادَة مَأْمُور بهَا لانتسبت إِلَى داركم، وَالْغَرَض مِنْهُ التَّعْرِيض بِأَنَّهُ لَا فَضِيلَة أَعلَى من النُّصْرَة بعد الْهِجْرَة، وَبَيَان أَنهم بلغُوا من الْكَرَامَة مبلغا لَوْلَا أَنه من الْمُهَاجِرين لعد نَفسه من الْأَنْصَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،
    ......

    ......
    (16/265)
    (حَتَّى يَكُونُوا كالملح فِي الطَّعَام) يَعْنِي من الْقلَّة، وَوجه التَّشْبِيه بَين الْأَنْصَاروَال ْملح هُوَ أَن الْملح جُزْء يسير من الطَّعَام وَفِيه إِصْلَاحه، فَكَذَلِكالْأَن ْصَار وَأَوْلَادهمْ من بعدهمْ، جُزْء يسير بِالنِّسْبَةِ إِلَىالْمُهَاجِ رين وَأَوْلَادهمْ الَّذين انتشروا فِي الْبِلَاد وملكوا الأقاليم،فَلذَل ِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُخَاطبا للمهاجرين: (فَمن ولي مِنْكُم أمرا يضرُّ فِيهِ) أَي: فِي ذَلِك الْأَمر (أحدا أَو يَنْفَعهُ فليقبل من محسنهم) أَي: محسن الْأَنْصَار، وَالَّذين ملكوا من بعد النَّبِي صلىالله عَلَيْهِ وَسلم، من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين كلهم من الْمُهَاجِرين،و َكَذَلِكَ من بني أُميَّة وَمن بني الْعَبَّاس كلهم من أَوْلَاد الْمُهَاجِرين.
    ....
    (16/277)
    قَالَ الزبير: كَانَت خَدِيجَة تدعى فِي الْجَاهِلِيَّة الطاهرة، أمهَا فَاطِمَة بنتزَائِدَة بن الْأَصَم، والأصم اسْمه: جُنْدُب بن هرم بن رَوَاحَة بن حجر بن عبد معيص بن عَامر بنلؤَي، تزَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سنة خمس وَعشْرين منمولده فِي قَول الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو عمر: كَانَت إِذْ تزَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،بنت أَرْبَعِينَ سنة، وأقامت مَعَه أَرْبعا وَعشْرين سنة وَتوفيت وَهِي بنت أَربعوَسِتِّينَ سنة، وَسِتَّة أشهر، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،إِذْ تزَوجهَا ابْن إِحْدَى وَعشْرين سنة، وَقيل: ابْن خمس وَعشْرين، وَهُوَ الْأَكْثَر، وَقيل: ابْن ثَلَاثِينَ وَتوفيت قبل الْهِجْرَة بِخمْس سِنِين.

    (16/280)
    اخْتلفُوا فِي أول من بنى الْكَعْبَة، فَقيل: أول منبناها الْمَلَائِكَة ليطوفوا خوفًا من الله حِين قَالُوا: {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} (الْبَقَرَة: 03) . الْآيَة، وَقيل: أول من بناها آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ذكره ابْنإِسْحَاق، وَقيل: أول منبناها شِيث، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ فِي عهد آدم الْبَيْتالْمَعْ مُور فَرفع، وَقيل: رفع وَقتالطوفان، وَقيل: كَانَتتِسْعَة أَذْرع من عهد إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم يكن لَهَا سقف،وَلما بناها قُرَيْش قبل الْإِسْلَام زادوا فِيهَا تِسْعَة أَذْرع فَكَانَت ثَمَانعشرَة ذِرَاعا، وَرفعُوا بَابهَا من الأَرْض لَا يصعد إِلَيْهَا إِلَّا بدرج أَوسلم، وَذَلِكَ حِين سرق دويك مولى بني مليح مَال الْكَعْبَة، وَأول من عمل لَهَاغلقان تبع، ثمَّ لما بناها ابْن الزبير زَاد فِيهَا تِسْعَة أَذْرع أُخْرَىفَكَانَت سبعا وَعشْرين ذِرَاعا، وعَلى ذَلِك هِيَ إِلَى الْآن.
    ....
    (16/289)
    أَيَّام الْجَاهِلِيَّة وَهِي الْأَيَّام الَّتِي كَانَت قبلالْإِسْلَام، قَالَ بَعضهم: أَي مَا كَانَ بَين مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمبعث،وَفِيه نظر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَيَّامالْجَاهِ لِيَّة هِيَ مُدَّة الْفطْرَة الَّتِي كَانَت بَين عِيسَى وَرَسُول الله،عَلَيْهِمَ ا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَسميت بهَا لِكَثْرَة جهالاتهم. قلت: هَذَا هُوَالصَّوَاب.
    .....
    (16/290)
    عيد بن الْمسيب التَّابِعِيّ الْكَبِير الْفَقِيه، ومسيب هُوَ ابْن حزنبن أبي وهب بن عَمْرو ابْن عَائِذ بن عمرَان بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي،أَ بُو مُحَمَّد الْمدنِي، مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين فِي خلَافَة الْوَلِيد بن عبدالْملك وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه الْمسيب، بتَشْديدالْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَفْتُوحَة، وَحكى كسرهَا، وَكَانَ الْمسيب مِمَّن بَايعتَحت الشَّجَرَة وَكَانَ تَاجِرًا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَالْحفاظ: لم يروِ عَن الْمسيب إلاَّ ابْنه سعيد، قَالَ: وَفِيه رد على الْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ فِيمَا قَالَ:لم يخرج البُخَارِيّ عَن أحد مِمَّن لم يروِ عَنهُ
    إلاَّ راوٍ واحدٍ، قَالَ: وَلَعَلَّه أَرَادَ من غير الصَّحَابَة، وَالْمُسَيب هُوَ ابْنحزن، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وَفِي آخِره نون وَكَانَ منالْمُهَاجِرين وَمن أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحزن: (مَا اسْمك؟) قَالَ: حزن،قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنْت سهل؟) فَقَالَ:إسم سماني بِهِ أبي. ويروى أَنهقَالَ لَهُ: إِنَّمَا السهولة للحمار. قَالَ سعيد بن الْمسيب: فَمَا زَالَت الحزونة تعرف فِينَا حَتَّى الْيَوْم، وَفِيهأخرج البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب
    .....
    (16/292)
    وَقَالَ ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) : لَيْسَ منشَرِيعَة الْإِسْلَام صمت الْكَلَام، وَظَاهر الْأَخْبَار تَحْرِيمه. وَاحْتجبِحَدِيث أبي بكر وَبِحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. يرفعهُ: لَا يتم بعداحْتِلَام وَلَا يصمت يَوْم إِلَى اللَّيْل، أخرجه أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: فَإِن نذر ذَلِك لم يلْزمه الْوَفَاء، وَبِهَذَا قَالَالشَّافِعِ ي وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَلَا نعلم فِيهِ خلافًا. فَإِن قلت: روىالتِّرْمِذِي ّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: من صمت نجا. وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا مُرْسلا بِرِجَال ثقاة: أيسر الْعِبَادَة الصمت. قلت: الصمتالْمُبَاح المرغوب فِيهِ ترك الْكَلَام الْبَاطِل، وَكَذَا الْمُبَاح الَّذِي يجرإِلَى شَيْء من ذَلِك، والصمت الْمنْهِي عَنهُ ترك الْكَلَام عَن الْحق لمنيستطيعه، وَكَذَا الْمُبَاح الَّذِي يَسْتَوِي طرفاه
    .......
    (16/293)
    وَفِي رِوَايَة مُسلم: (إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن كَانَحَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت) وَفِيرِوَايَة: لَا تحلفُوا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِآبَائِكُمْ. قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن قيل:هَذَا الحَدِيث مُخَالف لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَفْلح وَأَبِيهِ إِن صدق) فَجَوَابه: إِن هَذِه كلمة تجْرِي على اللِّسَان لَا يقْصدبهَا الْيَمين، وَقَالَ غَيره: بل هِيَ منجملَة مَا يُزَاد فِي الْكَلَام لمُجَرّد التَّقْرِير والتأكيد، وَلَا يُرَاد بهَاالْقسم كَمَا تزاد صِيغَة النداء لمُجَرّد الِاخْتِصَاص دون الْقَصْد إِلَى النداء.
    ......
    (16/300)
    وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا من نسل الَّذين مسخوا فَبَقيَ فيهمذَلِك الحكم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: إِضَافَة الزِّنَا إِلَى غير الْمُكَلف وَإِقَامَة الْحُدُودفِي الْبَهَائِم عِنْد جمَاعَة أهل الْعلم مُنكر، وَلَو صَحَّ لكانوا من الْجِنّ،لِأَن الْعِبَادَات فِي الْجِنّ وَالْإِنْس دون غَيرهمَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُقَال: كَانُوا من الْإِنْس فمسخوا قردة وتغيرواعَن الصُّورَة الإنسانية فَقَط، وَكَانَ صورته صُورَة الزِّنَا وَالرَّجم وَلم يكنثمَّة تَكْلِيف وَلَا حدّ، وَإِنَّمَا ظَنّه الَّذِي ظن فِي الْجَاهِلِيَّة مَعَأَن هَذِه الْحِكَايَة لم تُوجد فِي بعض نسخ البُخَارِيّ، وَقَالَ الْحميدِي: فِي (الْجمع بَينالصَّحِيحَي ْنِ) : هَذَا الحَدِيث وَقع فِي بضعنسخ البُخَارِيّ، وَأَن أَبَا مَسْعُود وَحده ذكره فِي (الْأَطْرَاف) ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا فِي نسخ البُخَارِيّ أصلا، فَلَعَلَّهُ منالْأَحَادِيث المقحمة فِي كتاب البُخَارِيّ، وَقَالَ بَعضهم فِي الرَّد علىابْن التِّين بِأَنَّهُ: ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) : أَنالممسوخ لَا نسل لَهُ، وَيُعَكر عَلَيْهِ بِمَا ثَبت أَيْضا فِي صَحِيح مُسلم أَنالنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما أُوتِيَ بالضب، قَالَ: لَعَلَّه من الْقُرُون الَّتِي مسخت. وَقَالَ فِي الفأر: فقدت أمة منبني إِسْرَائِيل لَا أَرَاهَا إلاَّ الفار وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو إِسْحَاق الزّجاجوَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ حَيْثُ قَالَا: إِن الْمَوْجُود من القردة من نسلالممسوخ، وَأجِيب بِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذَلِك قبل الْوَحْيإِلَيْه ِ يحقيقة الْأَمر فِي ذَلِك، وَفِيه نظر لعدم الدَّلِيل عَلَيْهِ، وَقَالَفِي الرَّد على ابْن عبد الْبر بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون صُورَة الْوَاقِعَةصُور َة الزِّنَا، وَالرَّجم يكون ذَلِك زنا حَقِيقَة وَلَا حدا، وَإِنَّمَا أطلقذَلِك عَلَيْهِ لشبهه بِهِ، فَلَا يسْتَلْزم ذَلِك إِيقَاع التَّكْلِيف علىالْحَيَوَان. وَأجِيب: عَنهُ بِالْجَوَابِ الأول من جوابي الْكرْمَانِي فِي ذَلِك،وَقَالَ فِي الرَّد على الْحميدِي، بقوله: وَمَا قَالَه الْحميدِي مَرْدُود، فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُورفِي مُعظم الْأُصُول الَّتِي وقفنا عَلَيْهَا، ورد عَلَيْهِ بِأَن وقُوف الْحميدِيعلى الْأُصُول أَكثر وَأَصَح من وقُوف هَذَا الْمُعْتَرض، لِأَنَّهُ جمع بَين (الصَّحِيحَيْنِ) وَمثله أدرىبحالهما، وَلَو كَانَ فِي أصل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث لم يجْزم بنفيه عَنالْأُصُول قطعا وجزماً على أَنه غير مَوْجُود فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَقَالَهَذَا الْقَائِل أَيْضا: وتجويزالْحميدِي أَن يُزَاد فِي (صَحِيحالبُخَار يّ) مَا لَيْسَ مِنْهُ يُنَافِي مَاعَلَيْهِ الْعلمَاء من الحكم بتصحيح جَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه،وَمن اتِّفَاقهم على أَنه مَقْطُوع بنسبته إِلَيْهِ. قلت: فِيهِ نظر،لِأَن مِنْهُم من تعرض إِلَى بعض رِجَاله بِعَدَمِ الوثوق وبكونه من أهلالْأَهْوَاء، وَدَعوى الحكم بتصحيح جَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ فِيهِ غيرموجهة، لِأَن دَعْوَى الْكُلية تحْتَاج إِلَى دَلِيل قَاطع، وَيرد مَا قَالَهأَيْضا بِأَن النَّسَفِيّ لم يذكر هَذَا الحَدِيث فِيهِ.
    .......
    (16/305)
    وَاقْتصر البُخَارِيّ فِي ذكر نسبه الشريف علىهَذَا وَلم يذكرهُ إِلَى آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَن أهل النّسَب أَجمعُواعَلَيْه ِ إِلَى هُنَا، وَمَا وَرَاء ذَلِك فِيهِ اخْتِلَاف كثير جدا، وَاخْتلفُوافِيم َا بَين عدنان وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، من الْآبَاء، فَقيل: سَبْعَة آبَاء بَينهمَا، وَقيل: تِسْعَة، وَقيل: خَمْسَة عشر أَبَا، وَقيل: أَرْبَعُونَ، وَأخذُوا ذَلِك من كتاب رخيا وَهُوَ يورخ كَاتبإرمياء، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ قد حملا معد بن عدنان إِلَى جَزِيرَةالْعَرَ ب ليَالِي بخت نصر فَأثْبت رخيا فِي كتبه نِسْبَة عدنان فَهُوَ مَعْرُوفعِنْد أَخْبَار أهل الْكتاب وعلمائهم، مُثبت فِي أسفارهم، وَالَّذِي عَلَيْهِأَئِمَّ ة هَذَا الشَّأْن فِي نسب عدنان قَالُوا: عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب ابْن يشجب بننبت بن قيدار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن بن تارح وَهُوَ آزربن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن إرفخشذ بن سَام بن نوح،عَلَيْهِ السَّلَام، بن لامك بن متوشلخ بن أَخْنُوخ، وَهُوَ إِدْرِيس، عَلَيْهِالسَّلَ ام، ابْن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِالسَّلَ ام.
    1583 –
    ...........
    (16/309)
    ن وفادة الْجِنّ كَانَت سِتّ مَرَّات. الأولى: قيل فِيهَا: اغتيل واستظيروَالْتمس . الثَّانِيَة: كَانَت بالحجون. الثَّالِثَة: كَانَت بِأَعْلَى مَكَّة وانصاع فِي الْجبَال. الرَّابِعَة: كَانَتببقيع الْغَرْقَد وَفِي هَؤُلَاءِ اللَّيَالِي حضر ابْن مَسْعُود، وَخط عَلَيْهِ. الْخَامِسَة: كَانَتخَارج الْمَدِينَة وحضرها الزبير بن الْعَوام. السَّادِسَة: كَانَت فِيبعض أَسْفَاره وحضرها بِلَال بن الْحَارِث. وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: لما آيس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من خبر ثَقِيفانْصَرف عَن الطَّائِف رَاجعا إِلَى مَكَّة حَتَّى كَانَ بنخلة، قَامَ من جَوفاللَّيْل يُصَلِّي فَمر بِهِ النَّفر من الْجِنّ الَّذين ذكرهم الله فِيمَا ذكر ليسَبْعَة نفر من أهل جن نَصِيبين، فَاسْتَمعُوا لَهُ، فَلَمَّا فرغ من صلَاته ولواإِلَى قَومهمْ منذرين قد آمنُوا وَأَجَابُوا إِلَى مَا سمعُوا، فَقص الله خبرهمعَلَيْهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذصرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ}
    .....
    (16/310)
    للنَّاس فِي أكل الْجِنّ وشربهم ثَلَاثَةأَقْوَا ل: أَحدهَا: أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون، وَهَذَا قَولسَاقِط. الثَّانِي: أَن صنفامِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ، وَصِنْفًا مِنْهُم يَأْكُلُون وَلَا يشربون، وَعَنوهب: خَالص الْجِنّ ريح لَا يَأْكُلُونوَلَا يشربون وَلَا يتوالدون، وَمِنْهُم أَجنَاس يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَوي توالدون ويتناكحون مِنْهُم: السعاليوالغيلان والقطرب وَغَيرهَا. الثَّالِث: أَن جَمِيع الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ لظَاهِرالْأَحَا دِيث الصَّحِيحَة وعمومها، وَاخْتلف أَصْحَاب هَذَا القَوْل فِي أكلهموشربهم، فَقَالَ بَعضهم: أكلهموشربهم تشمم واسترواح لَا مضغ وَلَا بلع، وَهَذَا قَول لَا يرد عَلَيْهِ دَلِيل، وَقَالَبَعضهم: أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وَهَذَاالقَوْل هُوَ الَّذِي تشهد بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
    ,,,
    الحمد لله "
    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات "

  19. #279
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    الحمد لله
    اليوم : الأحد
    الموافق : 1/ شعبان / 1442 هجري
    الموافق : 14/3 / 2021 ميلادي

    " المجلد السابع عشر من " عمدة القاري " للحافظ بدر الدين العيني رحمه الله


    (17/17)
    وَابْن الْمسيب هُوَ سعيد يروي عَن أَبِيه الْمسيب ابْن حزن بن أبي وهب الْقرشِي المَخْزُومِي، وَقيل: قَالَ الْحفاظ: لم يرو عَن الْمسيب إلاَّ سعيد، وَالْمَشْهُور من شَرط البُخَارِيّ أَنه لَا يروي عَمَّن لَهُ راوٍ وَاحِد. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَعَلَّه أَرَادَ من غير الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

    ....
    (17/17)
    (لأَسْتَغْفِرَن لَك) قَوْله: وَنزلت: {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} (الْقَصَص: 56) . هَذَا ظَاهر أَنه نزل فِي قصَّة أبي طَالب، وروى أَحْمد من طَرِيق أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة أبي طَالب، قَالَ: فَأنْزل الله: {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} (الْقَصَص: 56) . وَهَذَا كُله ظَاهر على أَنه مَاتَ على غير الْإِسْلَام. فَإِن قلت: ذكر السُّهيْلي أَنه رأى فِي بعض كتب المَسْعُودِيّ أَنه أسلم. قلت: مثل هَذَا لَا يُعَارض مَا فِي الصَّحِيح، وَالله أعلم.
    ......
    (17/19)
    مَا الْحِكْمَة فِي إسرائه إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ إِلَى السَّمَوَات فَهَلا أسرِي بِهِ من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى السَّمَوَات قلت ليجمع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي تِلْكَ اللَّيْلَة بَين رُؤْيَة الْقبْلَتَيْنِ أَو لِأَن بَيت الْمُقَدّس كَانَ هِجْرَة غَالب الْأَنْبِيَاء قبله فَرَحل إِلَيْهِ ليجمع بَين أشتات الْفَضَائِل أَو لِأَنَّهُ مَحل الْمَحْشَر وغالب مَا اتّفق لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة يُنَاسب الْأَحْوَال الأخروية وَكَانَ الْإِسْرَاء إِلَيْهِ فَإِن قلت هَل كَانَت لَيْلَة الْإِسْرَاء هِيَ لَيْلَة الْمِعْرَاج أَيْضا أَو هما متغايرتان قلت قَالَ ابْن دحْيَة مَال البُخَارِيّ إِلَى أَنَّهُمَا متغايرتان لِأَنَّهُ أفرد لكل مِنْهُمَا تَرْجَمَة ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا دلَالَة فِي ذَلِك على التغاير عِنْده بل كَلَامه فِي أول الصَّلَاة ظَاهر فِي اتحادهما لِأَنَّهُ ترْجم بَاب كَيفَ فرضت الصَّلَاة لَيْلَة الْإِسْرَاء وَالصَّلَاة إِنَّمَا فرضت فِي الْمِعْرَاج فَدلَّ على اتحادهما عِنْده قلت فِيهِ تَأمل وَاخْتلف السّلف فِي هَذَا فَمنهمْ من ذهب إِلَى أَنَّهُمَا وَقعا فِي لَيْلَة وَاحِدَة فِي الْيَقَظَة بجسده وروحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد المبعث وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور من عُلَمَاء الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء والمتكلمين وَمِنْه من ذهب إِلَى أَن الْإِسْرَاء كَانَ فِي لَيْلَة والمعراج فِي لَيْلَة وَمِنْهُم من ذهب إِلَى أَن ذَلِك كُله وَقع مرَّتَيْنِ مرّة فِي الْمَنَام تَوْطِئَة وتمهيدا وَمرَّة ثَانِيَة فِي الْيَقَظَة فَقَالُوا الْإِسْرَاء فِي الْيَقَظَة والمعراج فِي الْمَنَام وَالَّذين قَالُوا الْإِسْرَاء
    فِي لَيْلَة والمعراج فِي لَيْلَة أُخْرَى وأنهما فِي الْيَقَظَة قَالُوا فِي الأول رَجَعَ من بَيت الْمُقَدّس وَفِي صبيحته أخبر قُريْشًا بِمَا وَقع وَفِي الثَّانِي أسرِي بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ عرج بِهِ من ليلته إِلَى السَّمَاء إِلَى آخر مَا وَقع وَمِنْهُم من قَالَ بِوُقُوع الْمِعْرَاج مرَارًا مِنْهُم الإِمَام أَبُو شامة واستندوا فِي ذَلِك إِلَى مَا أخرجه الْبَزَّار وَسَعِيد بن الْمَنْصُور من طَرِيق أبي عمرَان الْجونِي عَن أنس رَفعه قَالَ بَينا أَنا جَالس إِذْ جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَوَكَزَ بَين كَتِفي فقمنا إِلَى صَخْرَة مثل وَكري الطَّائِر فَقَعَدت فِي أَحدهمَا وَقعد جِبْرِيل فِي الآخر فارتفعت حَتَّى سدت الْخَافِقين
    حَكَاهُ ابْن الْأَثِير، وَحكى عِيَاض عَن الزُّهْرِيّ: أَنه كَانَ بعد المبعث بِخمْس سِنِين، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث جَابر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَا: ولد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَفِيه بعث، وَفِيه عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء، وَفِيه مَاتَ.
    ....
    (17/24)
    قَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ أَن الطست كَانَ فِيهِ شَيْء تحصل بِهِ زِيَادَة فِي كَمَال الْإِيمَان وَكَمَال الْحِكْمَة. فَإِن قلت: الملء الْمَذْكُور حَقِيقَة أم مجَاز؟ قلت: يجوزان أَن يكون حَقِيقَة، لِأَن تجسد الْمعَانِي جَائِز كَمَا جَاءَ فِي وزن الْأَعْمَال يَوْم الْقِيَامَة، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: لَعَلَّ ذَلِك من بَاب التَّمْثِيل، إِذْ تَمْثِيل الْمعَانِي قد وَقع كثيرا كَمَا مثلت لَهُ الْجنَّة وَالنَّار فِي عرض الْحَائِط، وَفَائِدَته كشف الْمَعْنَوِيّ بالمحسوس
    .....
    (17/25)
    ما ركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْبراق مَا فعل جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام؟ قلت: وَقع فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد أَحْمد، قَالَ: أَتَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْبُرَاقِ فَلم يزَال ظَهره هُوَ وَجِبْرِيل حَتَّى انتهيا إِلَى بَيت الْمُقَدّس، قيل: هَذَا لم يسْندهُ حُذَيْفَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيحْتَمل أَنه قَالَه عَن اجْتِهَاد، وَيحْتَمل أَن يكون جِبْرِيل رافقه فِي السّير لَا فِي الرّكُوب، وَقَالَ ابْن دحْيَة وَغَيره: مَعْنَاهُ: وَجِبْرِيل قَائِد أَو سائق أَو دَلِيل، قَالَ: وَإِنَّمَا جزمنا بذلك لِأَن قصَّة الْمِعْرَاج كَانَت كَرَامَة للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا مدْخل لغيره فِيهَا، ورد عَلَيْهِ مَا قَالَه بِمَا روى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حمله على الْبراق رديفا لَهُ وَفِي رِوَايَة الْحَارِث فِي مُسْنده اتى بِالْبُرَاقِ فَرَكبهُ خلف جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَسَار بهما، فَهَذَا صَرِيح فِي ركُوبه مَعَه، وَالله أعلم.
    ........
    (17/30)
    قَالَ الطَّيِّبِيّ: النّيل والفرات يخرجَانِ من أَصْلهَا ثمَّ يسيران حَيْثُ أَرَادَ الله تَعَالَى ثمَّ يخرجَانِ من الأَرْض ويسيران فِيهَا، وَهَذَا لَا يمنعهُ شرع وَلَا عقل، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث، فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ. قَالَ القَاضِي: يدل هَذَا على أَن أصل السِّدْرَة فِي الأَرْض لخُرُوج النّيل والفرات من أَصْلهَا. قلت: لَا يلْزم من خروجهما من أَصْلهَا أَن يكون أَصْلهَا فِي الأَرْض، بل الْأَوْجه مَا ذَكرْنَاهُ. قلت: اتَّفقُوا على أَن مبدأ النّيل من جبال الْقَمَر بِالْإِضَافَة، وبضم الْقَاف وَسُكُون الْمِيم، وَيُقَال: بِفَتْح الْقَاف وَالْمِيم: تَشْبِيها للقمر فِي بياضه يَنْبع من اثْنَي عشر عينا ثمَّ ينبعث مِنْهَا عشرَة أَنهَار أَحدهَا نيل مصر وَهُوَ أول الْعُيُون يجْرِي على بِلَاد الْحَبَشَة فِي قفار ومفاوز، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا نهر أطول مِنْهُ لِأَنَّهُ مسيرَة شَهْرَيْن فِي الْإِسْلَام وشهرين فِي النّوبَة وَأَرْبَعَة أشهر فِي الخراب، والفرات اسْم نهر بِالْكُوفَةِ قَالَه الْجَوْهَرِي، وَاخْتلفُوا فِي مخرجه على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه من جبل بِبَلَد الرّوم يُقَال لَهُ أفردخش، بَينه وَبَين قاليقلا مسيرَة يَوْم. وَالثَّانِي: أَنه من أَطْرَاف أرمينية.
    .......
    (17/31)
    وَاخْتلفُوا فِي سنّهَا يَوْمئِذٍ؟ فَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت بنت سِتّ سِنِين، وَعَن ابْن عَبَّاس: سبع سِنِين، وَالأَصَح أَنَّهَا كَانَت بنت تسع سِنِين لِأَنَّهُ تزَوجهَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَتُوفِّي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بنت ثَمَان عشرَة سنة. وَاخْتلفُوا: فِي أَي شهر دخل بهَا؟ فَذكر البلاذري أَنه فِي رَمَضَان، وَعَن ابْن إِسْحَاق والطبري: فِي ذِي الْقعدَة بعد مقدمه الْمَدِينَة بِثمَانِيَة أشهر، وَالأَصَح أَنه فِي شَوَّال، لما روى مُسلم وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن عَائِشَة، قَالَت: (تزَوجنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَوَّال وَبنى بِي فِي شَوَّال) ، الحَدِيث. قَوْله: (وبنائه بهَا) أَي: وَفِي بَيَان بِنَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعائشة، وَقد اعْترض على البُخَارِيّ بِأَن الْجَوْهَرِي قَالَ: الْعَامَّة تَقول: بنى بأَهْله، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا يُقَال: بنى على أَهله، ورد على الْمُعْتَرض بِأَن الفصحاء استعملوه بِالْبَاء، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول عَائِشَة: بنى بِي فِي شَوَّال، وَسَيَأْتِي قَول عُرْوَة فِي آخر الحَدِيث: وَبنى بهَا، وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الدَّاخِل على أَهله يضْرب عَلَيْهِ قبْلَة لَيْلَة الدُّخُول، ثمَّ قيل لكل دَاخل بأَهْله: بانٍ.
    .........

    .....

    ..............
    (17/42)
    (هاذَا الحِمالُ لَا حِمالَ خَيْبَرْهاذَا أبَرَّأ ربَّنا وأطْهَرْ)
    ويَقُولُ:
    (أللَّهُمَّ إنَّ الأجْرَ أجْرُ الآخِرَهْفارْحَ مْ الأنْصَارَ والمهاجِرَهْ)
    فتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمينَ لَمْ يَسُمَّ لِي قَالَ ابنُ شِهابٍ ولَمْ يَبْلُغْنا فِي الأحَادِيثِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمَثَّلِ بِبَيْتِ شِعْرٍ تامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ.
    ......
    (17/43)
    وَقَالَ بَعضهم: وَوَقع فِي شرح الْكرْمَانِي أَن ابْن إِسْحَاق سَمَّاهُ ربيعَة بن رفيع، وَهُوَ وهم من الْكرْمَانِي، فَإِن ربيعَة الْمَذْكُور آخر يُقَال لَهُ ابْن الدغنة لكنه سلمي، وَالْمَذْكُور هُنَا من القارة. قلت: لَا ينْسب الْكرْمَانِي إِلَى الْوَهم لِأَنَّهُ نقل عَن ابْن إِسْحَاق أَنه قَالَ: ابْن الدغنة اسْمه ربيعَة بن رفيع، وَلم يذكر أَنه سلمي أَو من القارة، فالوهم من غَيره، وَأما السّلمِيّ فَذكره أَبُو عمر، وَقَالَ: ربيعَة ابْن رفيع أهبان بن ثَعْلَبَة السّلمِيّ، كَانَ يُقَال لَهُ ابْن الدغنة، وَهِي أمه. فَغلبَتْ على اسْمه، شهد حنيناً ثمَّ قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بني تَمِيم وَهُوَ الَّذِي قتل دُرَيْد بن الصمَّة يَوْم حنين، وَآخر يُقَال لَهُ: ابْن دغنة، يُسمى حَابِس وَذكره أَبُو عمر وَذكره الذَّهَبِيّ عَنهُ، وَقَالَ حَابِس بن دغنة الْكَلْبِيّ لَهُ فِي أَعْلَام النُّبُوَّة وَله صُحْبَة ورؤية
    ......
    (17/45)
    وَقَالَ الْخطابِيّ: الثقافة حسن التلقي للأدب، يُقَال: غُلَام ثقف، وَقَالَ ابْن فَارس، وَيُقَال: رجل ثقف، قَوْله: (لقن) ، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْقَاف وبالنون: وَهُوَ السَّرِيع الْفَهم، وَيُقَال: اللقن الْحسن التلقي لما يسمعهُ

    ..............
    (17/47)
    (عَامر بن فهَيْرَة) ، بِضَم الْفَاء وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وبالراء مولى أبي بكر الصّديق، كَانَ مولداً من مولدِي الأزد، أسود اللَّوْن مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله بن سَخْبَرَة، فَأسلم وَهُوَ مَمْلُوك فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر وَأعْتقهُ، وَكَانَ حسن الْإِسْلَام وَكَانَ يرْعَى الْغنم فِي ثَوْر وَيروح بهَا على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر فِي الْغَار، وَشهد بَدْرًا وأحداً ثمَّ قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة، قَتله عَامر بن الطُّفَيْل، ويروى عَنهُ أَنه قَالَ: رَأَيْت أول طعنة طعنتها عَامر بن فهَيْرَة نورا خرج مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: وروى ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: زعم عُرْوَة بن الزبير أَن عَامر بن فهَيْرَة قتل يَوْمئِذٍ فَلم يُوجد جسده، يرَوْنَ أَن الْمَلَائِكَة دَفَنته، وَكَانَت بِئْر مَعُونَة سنة أَربع من الْهِجْرَة.
    ...........
    (17/48)
    (خريتاً) ، صفة بعد صفة، وَهُوَ بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق والخريت الماهر بالهداية، أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الخريت وَهَذَا مدرج فِي الْخَبَر من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَعَن الْخطابِيّ: الخريت مَأْخُوذ من خرت الإبرة كَأَنَّهُ يَهْتَدِي لمثل خرتها من الطَّرِيق، وخرت الإبرة بِالضَّمِّ: ثقبها، وَحكى عَن الْكسَائي: خرتنا الأَرْض إِذا عرفناها وَلم تخف علينا طرقها. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الخريت الماهر الَّذِي يَهْتَدِي لأخرات الْمَفَازَة وَهِي طرقها الْخفية
    .........
    (17/50)
    مار بن يَاسر) الْعَبْسِي أَبُو الْيَقظَان مولى بني مَخْزُوم وَأمه سميَّة بنت خياط، أسلم بِمَكَّة قَدِيما وَأَبوهُ وَأمه، قتل بصفين سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَدفن هُنَاكَ، وَكَانَ مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وبلال الْمُؤَذّن وَهُوَ ابْن رَبَاح، وحمامة أمه مولاة أبي بكر الصّديق، شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسكن بعده دمشق وَمَات بهَا سنة عشْرين وَدفن بِبَاب الصَّغِير، وَقيل: بِبَاب كيسَان، وَقيل: مَاتَ بحلب وَدفن بِبَاب الْأَرْبَعين.
    .........
    (17/66)
    فروى ابْن الْجَوْزِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشّعبِيّ، قَالَ: لما كثر بَنو آدم فِي الأَرْض وانتشروا أَرخُوا من هبوط آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ إِلَى زمَان يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ إِلَى خُرُوج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من مصر بني اسرائيل ثمَّ إِلَى زمَان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَانَ التَّارِيخ مِنْهُ إِلَى الطوفان، ثمَّ إِلَى نَار الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ إِلَى زمَان سُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ إِلَى زمَان عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن إِسْحَاق عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَحكى مُحَمَّد بن سعد عَن ابْن الْكَلْبِيّ: أَن حمير كَانَت تؤرخ بالتبابعة وغسان بالسد، وَأهل صنعاء بِظُهُور الْحَبَشَة على الْيمن، ثمَّ بِغَلَبَة الْفرس، ثمَّ أرخت الْعَرَب بِالْأَيَّامِ الْمَشْهُورَة: كحرب البسوس، وداحس والغبراء، وبيوم ذِي قار، والفجارات وَنَحْوهَا، وَبَين حَرْب البسوس ومبعث نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سِتُّونَ سنة. وَقَالَ ابْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه: أما الرّوم فَأَرختْ بقتل دَارا بن دَارا إِلَى ظُهُور الْفرس عَلَيْهِم، وَأما القبط فَأَرختْ ببخت نصر إِلَى فلابطرة صَاحِبَة مصر، وَأما الْيَهُود فَأَرختْ بخراب بَيت الْمُقَدّس، وَأما النَّصَارَى فبرفع الْمَسِيح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأما ابْتِدَاء تَارِيخ الْإِسْلَام فَفِيهِ اخْتِلَاف أَيْضا، فروى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي (تَارِيخ دمشق) : عَن أنس بن مَالك أَنه كَانَ التَّارِيخ من مقدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة فِي ربيع الأول، فأرخوا. وَعَن ابْن عَبَّاس: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة وَلَيْسَ لَهُم تَارِيخ، وَكَانُوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه فأقاموا على ذَلِك إِلَى أَن توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَانْقطع التَّارِيخ، وَمَضَت أَيَّام أبي بكر على هَذَا وَأَرْبع سِنِين من خلَافَة عمر على هَذَا، ثمَّ وضع التَّارِيخ، وَاخْتلفُوا فِي سَببه، فروى ابْن السَّمرقَنْدِي: أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتب إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه يأتينا مِنْك كتب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ، فأرخ لتستقيم الْأَحْوَال، فأرخ. وَقَالَ أَبُو الْيَقظَان: رفع إِلَى عمر صك مَحَله فِي شعْبَان، فَقَالَ: أَي شعْبَان هَذَا؟ الَّذِي نَحن فِيهِ أم الْمَاضِي أم الَّذِي يَأْتِي؟ وَقَالَ الْهَيْثَم ابْن عدي: أول من أرخ يعلى بن أُميَّة، كتب إِلَى عمر من الْيمن كتابا مؤرخاً فَاسْتَحْسَنَهُ وَشرع فِي التَّارِيخ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لما عزم عمر على التَّارِيخ جمع الصَّحَابَة فاستشارهم، فَقَالَ سعد بن أبي وَقاص: أرخ لوفاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ طَلْحَة: أرخ لمبعثه، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: أرخ لهجرته فَإِنَّهَا فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَقَالَ آخَرُونَ: لمولده، وَقَالَ قوم: لنبوته، وَكَانَ هَذَا فِي سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة، وَقيل: فِي سنة سِتّ عشرَة، وَاتَّفَقُوا على قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ اخْتلفُوا فِي الشُّهُور، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أرخ لرجب، فَإِنَّهُ أول الْأَشْهر الْحرم، وَقَالَ طَلْحَة: من رَمَضَان لِأَنَّهُ شهر الْأمة، وَقَالَ عَليّ: من الْمحرم لِأَنَّهُ أول السّنة.
    .........

  20. #280
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الأربعاء
    الموافق : 3/ شعبان / 1442 هجري
    الموافق : 17/ 3 / 2021 ميلادي

    " المجلد السابع عشر من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله


    (17/75)

    كَيْفيَّة إِسْلَام سلمَان ومكاتبته وقصته مَشْهُورَة وولاه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْعرَاق وَكَانَ يعْمل فِي الخوص بِيَدِهِ فيأكل مِنْهُ، عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة بِلَا خلاف. وَقيل ثَلَاثمِائَة وَخمسين، وَقيل إِنَّه أدْرك وَحي عِيسَى بن مَرْيَم، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَمَات بالمداين سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ.
    من رام هُرْمُز) ، بالراء وَضم الْمِيم وبالميم وبالزاي، وَقيل: إِنَّه بِفَتْح الْمِيم الأولى، وَهِي بَلْدَة بخوزستان، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالزاي من بِلَاد فَارس قريب عراق الْعَرَب، وروى ابْن عَبَّاس عَن سلمَان: أَنه قَالَ: كنت من أَصْبَهَان من قَرْيَة جي، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْيَاء، وَكَانَ أبي دهقاناً.

    ........
    حدَّثني الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ حدَّثنَا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ أخْبَرَنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ عَاصِمٍ الأحْوَلِ عنْ أبِي عُثْمَانَ عنْ سَلْمَانَ قَالَ فَتْرَةٌ بَيْنَ عِيسَى ومُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتُّمَائَةِ سَنَةٍ.
    ......
    (17/76)
    قَالَ الشّعبِيّ: بدر بِئْر لرجل يُسمى بدر بن الْحَارِث بن مخلد بن النَّضر بن كنَانَة، وَقيل: سميت بَدْرًا لاستدارتها كالبدر، وَقيل: لصفائها ورؤية الْبَدْر فِيهَا، وَقَالَ السُّهيْلي: احتفرها رجل من بني غفار ثمَّ من بني النجار، واسْمه بدر بن كلدة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: ذكرت هَذَا لعبد الله بن جَعْفَر وَمُحَمّد بن صَالح فأنكراه، وَقَالا: لأي شَيْء سميت الصَّفْرَاء؟ ولأي شَيْء سمي الْجَار؟ إِنَّمَا هُوَ اسْم الْموضع. قَالَ: وَذكرت ذَلِك ليحيى بن النُّعْمَان الْغِفَارِيّ فَقَالَ: سَمِعت شُيُوخنَا من غفار يَقُولُونَ: هُوَ ماؤنا ومنزلنا وَمَا ملكه أحد قطّ قد اسْمه بدر، وَمَا هُوَ من بِلَاد جُهَيْنَة إِنَّمَا هُوَ من بِلَاد غفار، قَالَ الْوَاقِدِيّ: هُوَ الْمَعْرُوف عندنَا. وَفِي (الإكليل) : بدر مَوضِع بِأَرْض الْعَرَب يُقَال لَهَا الأثيل بِقرب يَنْبع والصفراء وَالْجَار والجحفة، وَهُوَ موسم من مواسم الْعَرَب وَمجمع من مجامعهم فِي الْجَاهِلِيَّة، وَبهَا قليب وآبار ومياه تستعذب، وَعَن الزُّهْرِيّ: كَانَ بدر متجراً يُؤْتى فِي كل عَام. وَقَالَ الْبكْرِيّ: هِيَ على مائَة وَعشْرين فرسخاً من الْمَدِينَة، وَمِنْهَا إِلَى الْجَار سِتَّة عشر ميلًا، وَبِه عينان جاريتان عَلَيْهِمَا الموز وَالنَّخْل وَالْعِنَب
    .........
    (17/77)
    انَ سيماء الْمَلَائِكَة يَوْم بدر الصُّوف الْأَبْيَض وَكَانَ سيماؤهم أَيْضا فِي نواصي خيولهم وروى ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن أبي هُرَيْرَة: {مسومين} قَالَ: بالعهن الْأَحْمَر. وَقَالَ مَكْحُول: مسومين بالعمائم، وروى ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث عبد القدوس بن حبيب عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي قَوْله: مسومين، قَالَ: معلمين، وَكَانَت سيماء الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائم سود، وَيَوْم أحد عمائم حمر، وروى من حَدِيث حُصَيْن بن مُخَارق عَن سعد عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لم تقَاتل الْمَلَائِكَة إلاَّ يَوْم بدر، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا الأحمسي حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا هِشَام ابْن عُرْوَة عَن يحيى بن عباد أَن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ عَلَيْهِ يَوْم بدر عِمَامَة صفراء معتجراً بهَا، فَنزلت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم عمائم صفر، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي من لَا أتهم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَت سيماء الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائم بيض، قد أرسلوها فِي ظُهُورهمْ، وَيَوْم حنين عمائم حمر، وَلم تضرب الْمَلَائِكَة فِي يَوْم سوى يَوْم بدر، وَكَانُوا يكونُونَ عددا ومددا لَا يضْربُونَ، وَقَالَ عُرْوَة: كَانَت الْمَلَائِكَة يَوْمئِذٍ على خيل بلق وعمائمهم صفر، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: عمائمهم بيض، وَقَالَ الْحسن: عمِلُوا على أَذْنَاب خيلهم وَنَوَاصِيهمْ بصوف أَبيض
    ............
    (17/79)
    قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: ذكرهم الله بِمَا أنعم بِهِ عَلَيْهِم من إلقائه النعاس عَلَيْهِم أَمَانًا من خوفهم الَّذِي حصل لَهُم من كَثْرَة عدوهم وَقلة عَددهمْ، وَقَالَ أَبُو طَلْحَة: كنت مِمَّن أَصَابَهُ النعاس يَوْم أحد، وَلَقَد سقط السَّيْف من يَدي مرَارًا، وَلَقَد نظرت إِلَيْهِم يمتدون وهم تَحت الجحف، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: عَن أبي عَاصِم عَن أبي رزين عَن عبد الله بن عَبَّاس، أَنه قَالَ: النعاس فِي الْقِتَال أَمَنَة من الله، وَفِي الصَّلَاة وَسْوَسَة من الشَّيْطَان، وَقَالَ قَتَادَة: النعاس فِي الرَّأْس وَالنَّوْم فِي الْقلب، وَقَالَ سهل بن عبد الله: هُوَ يحل فِي الرَّأْس مَعَ حَيَاة الْقلب، وَالنَّوْم يحل فِي الْقلب بعد نُزُوله من الرَّأْس
    ......
    (17/83)
    وَاسم طالوت بالعبرانية: شاول، وَكَانَ دباغاً يعْمل الْأدم. قَالَه وهب، وَقَالَ عِكْرِمَة وَالسُّديّ: كَانَ سقاءً يسْقِي على حمَار لَهُ من النّيل فضلّ حمارُه، فَخرج فِي طلبه، وَقد ذكر الله تَعَالَى قصَّته فِي الْقُرْآن فِي سُورَة الْبَقَرَة، وملخصها: أَن الله عز وَجل بعث إِلَى بني إِسْرَائِيل نَبيا، يُقَال لَهُ أشمويل من ذُرِّيَّة هَارُون، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ قد غلب عَلَيْهِم جالوت ملك العمالقة، وَكَانُوا يسكنون سَاحل بَحر الرّوم بَين مصر وفلسطين، وَطلب بَنو إِسْرَائِيل من أشمويل أَن يَجْعَل عَلَيْهِم ملكاٌ يُقَاتل جالوت، فَسَأَلَ الله فأمَّر عَلَيْهِم طالوت. وَذَلِكَ أَن أشمويل حِين سَأَلَ الله ذَلِك أَتَى بعصا وَقرن فِيهِ دهن الْقُدس، وَقيل لَهُ: إِن الَّذِي يكون لكم ملكا يكون طوله طول هَذَا الْعَصَا، وَإِذا دخل عَلَيْك ينشف هَذَا الدّهن، فاتفق أَن طالوت حِين خرج فِي طلب حِمَاره دخل عَلَيْهِ، فَرَآهُ فقاسه فجَاء طول الْعَصَا ونشف الدّهن الَّذِي فِي الْقرن، وَلما رأى أشمويل ذَلِك قَالَ لَهُ: أَنْت ملك بني إِسْرَائِيل، وَأخْبرهمْ بذلك. وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَقَالَ لَهُم نَبِيّهم إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} (الْبَقَرَة: 247) . وقصته طَوِيلَة، فآخر الْأَمر اجْتمع عِنْده ثَمَانُون ألفا، فَقَالَ لَهُم طالوت بِأَمْر أشمويل: {إِن الله مبتليكم بنهر} (الْبَقَرَة: 249) . ليرى طاعتكم، وَهُوَ نهر الْأُرْدُن، وَقَالَ ابْن كثير: هُوَ النَّهر الْمُسَمّى بالشريعة {فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني} (الْبَقَرَة: 249) . يَعْنِي من أهل ديني وطاعتي {فَشَرِبُوا مِنْهُ إلاَّ قَلِيلا} (الْبَقَرَة: 249) . وهم ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر كَمَا ذكر فِي حَدِيث الْبَاب، وَكَانَ فيهم دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا وَقعت الْمُقَاتلَة بَين طالوت وجالوت عِنْد قصر أم حَكِيم بِقرب مرج الصفر بحوران من نواحي دمشق، قتل دَاوُد جالوت كَمَا أخبر الله فِي كِتَابه الْعَزِيز، وَمَا أشمويل بعد إنكسار جالوت وَكَانَ عمره اثْنَيْنِ وَخمسين سنة، ثمَّ إِن طالوت اشْتغل بالغزو حَتَّى قتل هُوَ وَأَوْلَاده جَمِيعًا، وَكَانَت مُدَّة ملكه أَرْبَعِينَ سنة، وَكَانَ أحلم النَّاس وأعلمهم وأطولهم، فَلذَلِك سمي: طالوت، وَقيل: أُوحِي إِلَيْهِ ونبيء، ذكره الزَّمَخْشَرِيّ ، وَالله أعلم. ثمَّ افْتَرَقت أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل فَملك سبط يهوذا، دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، ابْن إيشا،
    .....
    (17/90)
    قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مَوضِع بِنَاحِيَة الشَّام، وَقَالَ بَعضهم: من نواحي فلسطين، وَيُقَال: إِنَّه نهر. قلت: اليرموك مَوضِع بَين أَذْرُعَات ودمشق، وَكَانَت بِهِ وقْعَة عَظِيمَة بَين الْمُسلمين وأميرهم أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَين عَسْكَر الرّوم، وأرسلهم هِرقل وأميرهم يُسمى ماهان الأرمني، وَقَالَ سيف بن عمر: كَانَت وقْعَة يرموك فِي سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة قبل فتح دمشق، وَتَبعهُ على ذَلِك ابْن جرير الطَّبَرِيّ، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: كَانَت فِي سنة خمس عشرَة بعد فتح دمشق، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور، وَقتل فِيهَا من الْمُسلمين أَرْبَعَة آلَاف نفس وَمن الرّوم زهاء على مائَة ألف وَخَمْسَة آلَاف، وَأسر أَرْبَعُونَ ألفا، وَكَانَ فِي الْمُسلمين مائَة شخص مِمَّن شهد غَزْوَة بدر
    .......
    (17/97)
    عَلِيُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا مَرْثدٍ والزُّبَيْرَ وكُلُّنَا فارِسٌ قالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأتُوا رَوْضَةَ خاخٍ فإنَّ بِهَا امْرَأةً مِنَ المُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتابٌ مِنْ حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُشْرِكِينَ فأدْرَكْنَاهَا تَسيرُ علَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا الْكِتَاب فقالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فأنَخْنَاها فالْتَمَسْنَا فلَمْ نَرَ كِتابَاً فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لَنُجَرِّدَنَّك ِ فلَمَّا رأتِ الجِدَّ أهْوَتْ إلَى حُجْزَتِهَا وهْيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فأخْرَجَتْهُ فانْطَلَقْنَا بِهَا إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عُمَرُ يَا رسُولَ الله قَدْ خَانَ الله ورسُولَهُ والْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأضْرِبَ عُنُقَهُ فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حَمَلَكَ علَى مَا صَنَعْتَ قَالَ حاطِبٌ وَالله مَا بِي إِلَّا أكُونَ مُؤْمِنَاً بِاللَّه ورَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَدْتُ أنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ الله بِهَا عَنْ أهْلِي ومالِي ولَيْسَ أحَدٌ مِنْ أصْحَابِكَ إلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ الله بِهِ عنْ أهْلِهِ ومالِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَ ولاَ تَقُولُوا لَهُ إلاَّ خَيْرَاً فَقالَ عُمَرُ إنَّهُ قدْ خَانَ الله ورَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ فدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقالَ ألَيْسَ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَعَلَّ الله اطَّلَعَ إلَى أهْلِ بَدْرٍ فَقال اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فقدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الجَنَّةُ أوْ فَقَدْ غَفرْت لَكُمْ فدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ الله ورَسُولُهُ أعْلَمُ.
    ........
    (17/120)
    وَقَالَ اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب وَقعت الْفِتْنَة الأولى يَعْنِي مقتل عُثْمَان فَلم تبقى من أَصْحَاب بدر أحد ثمَّ وَقعت الْفِتْنَة الثَّانِيَة يَعْنِي الْحرَّة فَلم تبقى من أَصْحَاب الْحُدَيْبِيَة أحد ثمَّ وَقعت الثَّالِثَة فَلم ترْتَفع وَلِلنَّاسِ طباخ
    17/121)
    الْحرَّة " تَفْسِير للفتنة الثَّانِيَة يَعْنِي الْفِتْنَة الثَّانِيَة هِيَ وقْعَة الْحرَّة أَي حرَّة الْمَدِينَة وَهِي خَارِجهَا وَهُوَ مَوضِع الَّذِي قَاتل عَسْكَر يزِيد بن مُعَاوِيَة فِيهِ أهل الْمَدِينَة فِي سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ الْأَصَح أَنَّهَا كَانَت فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَكَانَ رَأس عَسْكَر يزِيد مُسلم بن عقبَة قَالَ الْمَدَائِنِي كَانَ فِي سَبْعَة وَعشْرين ألفا اثنى عشر ألف فَارس وَخَمْسَة عشر ألف راجل وَكَانُوا نزلُوا شَرْقي الْمَدِينَة فِي الْحرَّة وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود وَلما وَقع الْقِتَال انتصر مُسلم بن عقبَة وَقتل سَبْعمِائة من وُجُوه النَّاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن أهل الْمَدِينَة خلعوا يزِيد وولوا على قُرَيْش عبد الله بن مُطِيع وعَلى الْأَنْصَار عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر وأخرجوا عَامل يزِيد من بَين أظهرهم وَهُوَ عُثْمَان بن
    حَمَّد بن أبي سُفْيَان بن عَم يزِيد واجتمعوا على اجلاء بني أُميَّة من الْمَدِينَة فَاجْتمعُوا وهم قريب من الف رجل فِي دَار مَرْوَان بن الحكم والقصة فِي ذَلِك طَوِيلَة بسطناها فِي تاريخنا الْكَبِير

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •