يقول الشنقيطى رحمه الله فى قوله تعالى : ويخلق ما لا تعلمون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه يخلق ما لا يعلم المخاطبون وقت نزولها ، وأبهم ذلك الذي يخلقه ; لتعبيره عنه بالموصول ، ولم يصرح هنا بشيء منه ، ولكن قرينة ذكر ذلك في معرض الامتنان بالمركوبات تدل على أن منه ما هو من المركوبات ، وقد شوهد ذلك في إنعام الله على عباده بمركوبات لم تكن معلومة وقت نزول الآية : كالطائرات ، والقطارات ، والسيارات .

ويؤيد ذلك إشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في الحديث الصحيح . قال مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن عطاء بن ميناء ، عن أبي هريرة ، أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية ،
ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد " . اهـ .

ومحل الشاهد من هذا الحديث الصحيح قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها " ; فإنه قسم من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ستترك الإبل فلا يسعى عليها ، وهذا مشاهد الآن للاستغناء عن ركوبها بالمراكب المذكورة .

وفي هذا الحديث معجزة عظمى ، تدل على صحة نبوته - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كانت معجزاته - صلوات الله عليه وسلامه - أكثر من أن تحصر .

وهذه الدلالة التي ذكرنا تسمى دلالة الاقتران ، وقد ضعفها أكثر أهل الأصول ، كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله :


أما قران اللفظ في المشهور فلا يساوي في سوى المذكور

وصحح الاحتجاج بها بعض العلماء ، ومقصودنا من الاستدلال بها هنا أن ذكر : ويخلق ما لا تعلمون في معرض الامتنان بالمركوبات لا يقل عن قرينة دالة على أن الآية تشير إلى أن من المراد بها بعض المركوبات ، كما قد ظهرت صحة ذلك بالعيان . ------------------------------------------------و قال ابن عاشور: "الذي يظهر لي أن هذه الآية من معجزات القرآن الغيبية العلمية، وأنها إيماء إلى أن الله سيلهم البشر اختراع مراكب هي أجدى عليهم من الخيل والبغال والحمير، وتلك العجلات التي يركبها الواحد ويحركها برجليه..، وأرتال السكك الحديدية والسيارات.. ثم الطائرات التي تسير بالنفط المصفّى.., فكل هذه مخلوقات نشأت في عصور متتابعة لم يكن يعلمها من كانوا قبل عصر وجود كل منها, وإلهام الله الناس لاختراعها هو ملحق بخلق الله، فالله هو الذي ألهم المخترعين من البشر بما فطرهم عليه من الذكاء والعلم وبما تدرجوا فيسلّم الحضارة واقتباس بعضهم من بعض إلى اختراعها، فهي بذلك مخلوقة لله تعالى لأن الكلّ من نعمته"---------------------------
وقال الألوسي: "والعدول إلى صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار والتجدد.. فما لا تعلمون على ظاهره"----------------------------------------------------- ويقول الشيخ صالح ال الشيخ «أن تترك القلاص فلا يُسعى عليها» يعني أن تترك الجمال والرواحل التي اعتادها الناس فلا يسعون عليها ولا يتخذونها رواحل،-قد استعجب كثير من العلماء هل يترك الناس أن يترحّلوا على الإبل، فقال قائلون منهم: لعل ذلك أن تكون الإبل تكثر تكثر جدا حتى تكون نسبة المركوب فيها إلى ما لا يركب كلا شيء، فتكون القلوص قد تركت فلا يسعى عليها، وقد رأينا في هذا الزمان صدق خبر الرسول صَلَّى الله عليه وسلم.