السؤال:
صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال عن أمه : ( واستأذنت ربي أن استغفر لها فلم يأذن لي ) ، سمعت من أحد العلماء قولا قال فيه ( إنه ليس في الحديث دلالة على أنها في النار) لكنه لم يبين كيفية قوله هذا. هل للعلماء أقوال في شرح هذا الحديث ؟ غير أنها في النار أو لا ؟ وهل لقول هذا العالم وجه أو سلف ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث رواه مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُ هُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي ) .
وهذا الحديث يدل على أن أم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت كافرة وأنها من أهل النار . و قد أجمع على ذلك العلماء المتقدمون .
ووجه الدلالة من الحديث : أن الله تعالى إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار للكفار ، فقال تعالى : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/ 113 ، فلولا أن أمه صلى الله عليه وسلم من هؤلاء لما نهاه الله تعالى عن الاستغفار لها .
وقد وردت نصوص أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في أمه أنها في النار .
فروى الإمام أحمد (23003) عَنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَزَلَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَهُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ رَاكِبٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَفَدَاهُ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَكَ؟ قَالَ: ( إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي فِي اسْتِغْفَارٍ لِأُمِّي ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنَ النَّارِ ).
صححه محققو المسند ، وكذا الألباني في "الإرواء" (3/224) .
وروى الإمام أحمد (16189) عَنْ أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيْنَ أُمِّي؟ قَالَ: ( أُمُّكَ فِي النَّارِ ) ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ؟ ، قَالَ: ( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي )" ، قال الهيثمي : " رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات " انتهى من "مجمع الزوائد" (1 /313) . وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (1/344) بشواهده .
فهذه نصوص صريحة واضحة في أن أم النبي صلى الله عليه وسلم في النار .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إنَّ الْخَبَرَ عَمَّا كَانَ وَيَكُونُ لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ؛ كَقَوْلِهِ فِي أَبِي لَهَبٍ: (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) وَكَقَوْلِهِ فِي الْوَلِيدِ: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) . وَكَذَلِكَ فِي: (إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ) وَ (إنَّ أُمِّي وَأُمَّك فِي النَّارِ) وَهَذَا لَيْسَ خَبَرًا عَنْ نَارٍ يَخْرُجُ مِنْهَا صَاحِبُهَا كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ إيمَانُهُمَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ ، وَمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ مُمْتَنِعًا " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 326).
ثانيا :
لا نعلم أحدا من أهل العلم خالف في أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر وأنهما في النار إلا بعض المتأخرين ، أما المتقدمون : فلا يعرف خلاف بينهم في ذلك .
قال القاري رحمه الله :
"وَأما الْإِجْمَاع : فقد اتّفق السّلف وَالْخلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَسَائِر الْمُجْتَهدين على ذَلِك من غير إِظْهَار خلاف لما هُنَالك ، وَالْخلاف من اللَّاحِق [يعني : المتأخر] لَا يقْدَح فِي الْإِجْمَاع السَّابِق" .
انتهى من "أدلة معتقد أبي حنيفة في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام" (ص 84) .
وينبغي ألا تأخذ هذه المسألة أكثر من حقها في البحث ، وكثرة الجدال .
وانظر جواب السؤال رقم : (47170) .
والله تعالى أعلم .
https://islamqa.info/ar/220100
قلت .
في السؤال
( سمعت من أحد العلماء قولا قال فيه ( إنه ليس في الحديث دلالة على أنها في النار)
لما احتج من يقول ان كل من مات على الشرك و الكفر انه في النار بقوله تعالى
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)
ان النهي عن الاستغفار عام لكل مشرك تبين من موته على الشرك انه من اصحاب الجحيم
و ان الاجماع منعقد على ان النهي عن الاستغفار عام لكل مشرك
و في ذلك دليل على ان كل مشرك في النار عينا كما ان النهي عن الاستغفار انما هو في اعيان المشركين
دفع قوله و رد بان ( النهي عن الاستغفار لا يلزم منه الحكم بالنار )
فاورد على من اصل هذا الاصل انه حكم على ام النبي صلى الله عليه و سلم بالنار بما لا يلزم على اصله السابق
و ذلك على ما فيه ؟ فانه يفتح الباب للمبتدعة على مصراعيه للطعن في اهل السنة ( فانا لله و انا اليه راجعون )
زد على ذلك ان الاجماع منعقد على دلالة الحديث على ان ام النبي صلى الله عليه و سلم في النار ( ليس في ذلك مخالف ) و ليس في الحديث الا ( النهي عن الاستغفار )
فدل ذلك على ان الاجماع منعقد على ان النهي عن الاستغفار مستلزم للحكم و القطع بالنار ( تامل ذلك جيدا )
ففي جواب السؤال
( وهذا الحديث يدل على أن أم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت كافرة وأنها من أهل النار . وقد أجمع على ذلك العلماء المتقدمون )
نرجع الى اصل الموضوع فقد طال فيه النزاع /
قوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)
دلالة الاية واضحة في ان النهي عن الاستغفار علق بامر اخروي ( تبين لهم انهم اصحاب الجحيم )
فدلت بوضوح لكل منصف طالب للحق على ان /
* المسلم في دار التكليف يتبين من بعض الناس انهم من اهل الجحيم . و في هذا شهادة للمعين بالنار . اذ لو لم يتبين ذلك في الدنيا لما ثبت النهي عن الاستغفار
* اجماع العلماء على ان النهي عام في كل مشرك . فمع دلالة الاية السابقة
اكبر برهان على ان من مات على الشرك فقد تبين منه انه من اهل الجحيم
* اجماع العلماء على دلالة حديث ( نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لامه ) انها من اهل النار . فيلزم على ما فهموه من الحديث ان ( النهي عن الاستغفار يلزم منه الحكم بالنار ) و الا لما كان في الحديث دلالة .
* النهي عن الاستغفار للمشرك ان لم يدل على انه من اهل الجحيم . فليس في قوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) دلالة على النهي اصلا
لان المخالف يقول انه
1) يدرك موت الرجل على الشرك
2) و لا يستطيع ان يدرك ان الرجل من اهل الجحيم
و النهي علق في الاية بالثاني لا بالاول
فيلزم ان لا يثبت عنده نهي في الاية . و هذا مخالف لاجماع العلماء و المفسرين على ثبوت النهي بالاية
فعموا الحكم لكل من مات على الشرك . فبالموت على الشرك يدرك الحكم الاخروي الذي علق عليه النهي في الاية
يقول الطبري في معرض تفسيره لقوله تعالى ( و لا تسال عن اصحاب الجحيم )
فإن في استحالة الشك من الرسول عليه السلام - في أن أهل الشرك من أهل الجحيم ، وأن أبويه كانا منهم . اه
فيستحيل الشك في ان اهل الشرك من اهل الجحيم . و ان كل من مات على الشرك فهو منهم . كما كان ابوي النبي صلى الله عليه و سلم منهم .
( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )
فهذه عقيدة كل مسلم ان ( من ) يشرك بالله فالجنة عليه حرام و ماواه النار و ما للظالمين من انصار .
و عقد القلب في ذلك انما يكون على كل من يشرك بالله . لا استثناء في ذلك فيكون في البعض دون البعض .
و الله تعالى اعلم