تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 56

الموضوع: مجموعة نصائح تعليمية وتربوية (متجدد) .

  1. افتراضي مجموعة نصائح تعليمية وتربوية (متجدد) .



    بسم الله الرحمن الرحيم

    أخي الكريم - سلمك الله - هذه النصائح ( التعليمية والتربوية )
    أصلها : توجيهات لنفسي ولعدد من الأخوة جمعتني بهم مذاكرة علمية .
    أحببت جمعها في مكان واحد لعل الله ينفع بها .


    فهذه هي دونك :

    النصيحة التعليمية التربوية ( 1 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن أصول النجاح عند المعلم والطالب تقوم على أساسين :

    1- ( التعليم الراسخ ) .
    2- ( العلم النافع ) .

    فأما رسوخ العلم فيكون ؛ بحفظ أصول كل علم يطلبه العبد .

    وأما نفع العلم فيكون ؛ بأن يقوده علمه إلى العمل به .

    اعلموا أحبتي في الله – سلمكم الله – أن مشاركة الطالب في مجموعة علمية فيه دلالة على ( بذرة خير ) فيه .

    ولابد للبذرة إذا كانت مثمرة من مادة تغذيها ، وأرض تحتضنها ، وبيئة تناسبها ، فإذا اجتمعت هذه الثلاث خرجت الثمرة يانعة تسر الناظرين .

    - فأما المادة المغذية ، فهي التي تحقق له مقصوده من العلم الذي يريده فإن كان العلم صحيحا مستمدا من الكتاب والسنة فقد تم غذاؤه .

    - وأما الأرض التي تحتضن هذه البذرةفهي المعلم الناصح الذي يتدرج مع الطالب بما ينفعه ، فإن وفق له فقد كملت تربيته .

    - وأما البيئة المناسبة فهي همته وصحبته وترتيبه لوقته ؛ فمن كملت فقد اعتدل مناخه وحان قطاف ثمرته .

    والمتعلق بطالب العلم منها : الثالث ، فعليه أن يهتم :

    1- بهمته ، ومما يعينه على ذلك معرفته بحكم العلم الذي يطلبه ، وأجره وثوابه ، وثمرته التي تعود عليه وعلى الأمة .

    2- وبصحبته ، فإن الصاحب ساحب فليحرص على مرافقة طلاب العلم النبهاء الذين يعينونه على طلب العلم ويرغبونه فيه .

    3- وبترتيبه لوقته فإن مفتاح النجاح في حفظ الأوقات .

    وما التوفيق إلا من عند الله فلنستمد منه العون والتسديد .


    ***

  2. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية
    ( 2 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أسباب الحفظ

    " قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ – رحمه الله - :
    "
    بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر،
    فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟
    فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ:
    لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ
    "
    ( سير أعلام النبلاء : 10/86 ) .


    فتأمل – سلمك الله – كيف أرجع البخاري – رحمه الله – القوة في الحفظ إلى أمرين :

    الأول /نهمة الرجل : ومبناها على محبة العلم ورجاء الانتفاع منه وطلب ثوابه من الله .

    الثاني / مداومة المطالعة : ومبناها على الصدق في الطلب ، وحفظ الأوقات ، واختيار ما يستطيعه من العلم .

    وهنا تنبيه لطيف : جواباً عن سؤال أحد الأخوة :

    ما رأيك بالذي ينسخ الفوائد في الكمبيوتر يا شيخنا بدل الكتابة وجزاك الله خيرا .

    فقلت :

    هذا السؤال مفيد للغاية
    الكتابة في الدفتر أنفع من النسخ في الكمبيوتر
    لعدة أسباب من أهمها: التمعن أثناء التدوين مما يعيين على الفهم ويثبت الحفظ
    ولكي يعتاد الكتابة باليد؛
    ﻷن في ترتيب الكراسة وتحبيرها:
    تحبيب النفس بطلب العلم والدوام فيه
    وغير ذلك من الفوائد



    ***

  3. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية
    ( 3 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اعلم – أخي الحبيب – أن طلب العلم لا ينهض إليه العبد إلا بمصاحبة محركات القلوب الثلاثة :

    1- الحب .
    2- الخوف .
    3- الرجاء .


    - فبحب العلم الشرعي تنشأ بذرة التعلم في القلب .
    - وبالخوف يمتنع دخول الأسباب المفسدة لها إلى قلبه .
    - وبالرجاء تنمو بذرة التعلم حتى تبسق شجرة العلم في قلبه .


    لكن – هنا – ( اشتباه ) قد يعترض بعض طلاب العلم ، وهذا الاشتباه يقع بين : ( الرجاء النافع ) ، ( والأماني الكاذبة ) .

    فثمرة العلم المرجوة – تبعاً – هي بلوغ مراتب التحصيل العالية ؛ كطالب علم متقدم ، أو محقق مدقق ، أو عالم مجتهد ... ونحو ذلك .

    فالتطلع إلى الثمرة التبعية قد يكون ( أمنية كاذبة ) ينقطع بها الطالب عند تحصيله أول رسومها الظاهرة ، مثل :

    - تحصيله لقب : دكتور ، أوشيخ .
    - أو جلوسه على كرسي التدريس .


    فينقطع عن الطلب وتبدأ شجرته بالذبول فالأفول والموت .

    وقد يكون تطلعه ( رجاء نافعاً ) يكون لبذرة التعلم كالماء للشجرة ، أو كالروح للبدن به تحيا وتنمو .

    - فكلما قرب من منازلها الرفيعة زاد سعيه إليها .
    - وكلما حصَّل رسماً ظاهراً منها سعى في تحقيقه بالعمل الصالح والسمت النبوي .


    قال – تعالى - : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] .



    ***

  4. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية ( 4 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم

    طالب العلم والاصلاحات الأولية

    اعلم – أرشدك الله إلى طاعته – أن طالب العلم يحتاج إلى إصلاح نفسه حتى تنقاد له وتسعى معه في ميدان العلم .

    ومن أدوات سياسة النفس الإصلاحية :

    1- جدول علمي منضبط يرتب فيه طالب العلم مواده الدراسية .

    ومن فوائده :
    - أنه يحفظ به وقته ويحرز فيه عمره .
    - وأنه ينجز فيه مطلوبه من درسه .

    2- الحقيبة العلمية من القلم والكراس والقصاصات .... إلخ .

    ومن فوائدها :
    - أنها وعاء يحفظ به رأس ماله ، فالضبط كما يكون بالصدر يكون بالسطر .
    - أنها مادة بحثه ودرسه ومذاكراته في المستقبل .


    3- الخلوة وقت الدرس حتى ترتاض نفسه وتعتاد على الصبر فإنه من ثبت نبت كما قاله السلف .

    ومما يعين على ذلك :
    - تركيز طالب العلم على أصول العلم دون غرائبه .
    - تكييف نفسه مع طبيعة المادة العلمية .
    - التأني والصبر في فهم مستغلقات الفن
    ، وذلك :

    • بتكرار القراءة .
    • وبالسؤال .
    • وبالبحث .
    • وبالدعاء والاستغفار .


    فإن عسر عليه تركه إلى وقت آخر .

    {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}


    ***



  5. افتراضي


    النصيحة التعلمية التربوية ( 5 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم
    طالب العلم ومشروعه العلمي والدعوي

    اعلم أخي الحبيب – أرشدك الله إلى طاعته – أن طالب العلم بلا مشروع يرتب فيه طلبه ودرسه كسائر بلا طريق .

    وليس المطلوب ( التخصص المبكر ) فإن هذا من عيوب الطلب ، وإنما المقصود أن يجعل له هدفاً يناسب حاجته وإمكانياته .

    فالمشروع العلمي لطالب العلم من فوائده :

    - يعينه على تنظيمه لوقته .
    - يحدد من خلاله أولوياته .
    - يترقى بسببه في مدارجه .

    ومع الإخلاص والصدق يجد العبد التوفيق في كل مطالبه .


    ***



  6. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية ( 6 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم
    طالب العلم ومراتب التحصيل الناجح


    اعلم - أرشدك الله إلى طاعته – أن نجاح طالب العلم في طلبه
    يقوم على حسن بنائه العلمي ،
    وهو على وراتب :

    المرتبة الأولى
    / حسن تصور العلم . وذلك مؤسس على :
    1- ضبط تعاريف الحقائق الشرعية والمصطلحات العلمية في الفن الذي يطلبه .
    2- ضبط أصول وقواعد ذلك الفن .
    3- ضبط المسائل العلمية في الفن
    ، وذلك بجملة أمور :
    - معرفة أهم المسائل في كل باب .
    - ضبط أدلة وتعليلات كل مسألة .
    - اتقان ضوابط كل باب .
    - معرفة الأقسام والأنواع .
    - تمييز المسائل بعضها عن بعض .
    - حفظ متن معتبر يجمعها .


    المرتبة الثانية / القدرة على التعبير الصحيح عن الفن .
    وهي ملكة ( التعليم ) فمن لم يحسن التعبير عن الفن بعبارة نفسه الصحيحة لا يصلح للتدريس ولا ينبغي له التصدي للتعليم .
    قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " فإن التعبير فرع التصور فمن لم يتصور ما يقول لم يقل شيئاً إلا كان خطأ " ( مجموع الفتاةى : 20/451 ) .

    المرتبة الثالثة / القدرة على رد الشبه المعارضة للفن .
    وهي ملكة ( الاجتهاد ) وهي أمارة الرسوخ في العلم بالفن والتضلع فيه .

    وقد أشار إلى هذه المراتب على سبيل الإجمال
    شيخ الإسلام – رحمه الله – بقوله :
    " والمستدل قد يعجز عن نظم دليل على ذلك
    1- إما لعجزه عن تصوره .
    2- وإما لعجزه عن التعبير عنه .

    فإنه ليس كل ما تصوره الإنسان أمكن كل أحد أن يعبر عنه باللسان ، وقد يعجز المستمع عن فهمه ذلك الدليل .
    3- وإن أمكن نظم الدليل وفهمه فقد يحصل العجز عن إزالة الشبهات المعارضة . " ( مجموع الفتاوى : 3/ 319) .


    ***




  7. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية ( 7 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اعلم - أخي الحبيب وفقك الله – أن حاجة طالب العلم إلى الصبر ضرورية .

    - فالصبر رأس العلم .
    - وأساسه .
    - ومادة دوامه .


    قال – تعالى - : { وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ}[السجدة : 24] .

    فالصبر له ثلاثة مقامات شريفة في تحصيل العلم .

    المقام الأول / أنه رأس العلم ، من جهة أنه أمضى أسباب تحصيل العلم وأكثرها تأثيراً في نجاح طلاب العلم . بل هو الوسيلة التي لا يوصل إلى العلم دونها .

    المقام الثاني / أنه أساس العلم ، فمن لم يوطن نفسه على الصبر والتحمل لن يظفر بشيء منه ، وكما قيل : يظن أن العلم ينال بالراحة ولما يملأ منه الراحة .

    المقام الثالث / أنه مادة دوام تحصيل العلم ، فكل من ضعف صبره أنقطع طلبه للعلم ، فالصبر للعلم كالروح للبدن ، به ينال ويدرك .

    اصبر على مر الجفاء من معلم *** فإن رسوب العلم في نفراته
    ومن لم يذق مر التعلم ساعة *** تجرع ذل الجهل طول حياته
    ومن فاته التعليم وقت شبابه *** فكبر عليه أربعا لوفاته
    وذات الفتى والله بالعلم والتقى *** إذا لم يكونا لا اعتبار بذاته





    ***



  8. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية ( 8 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم


    طالب العلم وسرور القلب ونضارة الوجه

    قال ابن القيم – رحمه الله - : " ان النَّبِي دَعَا لمن سمع كَلَامه ووعاه وبلغه بالنضرة وَهِي الْبَهْجَة ونضارة الْوَجْه وتحسينه فَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي قَالَ نضر الله امرا سمع مَقَالَتي فوعاها وحفظها وَبَلغهَا فَرب حَامِل فقه الى من هُوَ افقه مِنْهُ ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُسلم اخلاص الْعَمَل لله ومناصحة ائمة الْمُسلمين وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ فَإِن دعوتهم تحيط من ورائهم وروى هَذَا الاصل عَن النَّبِي ابْن مَسْعُود ومعاذ بن جبل وَأَبُو الدَّرْدَاء وَجبير بن مطعم وانس بن مَالك وَزيد بن ثَابت والنعمان بن بشير قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن مَسْعُود حَدِيث حسن صَحِيح وَحَدِيث زيد بن ثَابت حَدِيث حسن وَأخرج الْحَاكِم فِي صَحِيحه حَدِيث جُبَير بن مطعم والنعمان بن بشير وَقَالَ فِي حَدِيث جُبَير على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم .

    وَلَو لم يكن فِي فضل الْعلم الا هَذَا وَحده لكفى بِهِ شرفا فَإِن النَّبِي دَعَا لمن سمع كَلَامه ووعاه وَحفظه وبلغه وَهَذِه هِيَ مَرَاتِب الْعلم اولها .

    وَثَانِيها سَمَاعه وعقله فَإِذا سَمعه وعاه بِقَلْبِه أَي عقله وَاسْتقر فِي قلبه كَمَا يسْتَقرّ الشَّيْء الَّذِي يوعى فِي وعائه وَلَا يخرج مِنْهُ وَكَذَلِكَ عقله هُوَ بِمَنْزِلَة عقل الْبَعِير وَالدَّابَّة وَنَحْوهَا حَتَّى لَا تشرد وَتذهب وَلِهَذَا كَانَ الوعي وَالْعقل قدرا زَائِدا على مُجَرّد إِدْرَاك الْمَعْلُوم .

    الْمرتبَة الثَّالِثَة تعاهده وَحفظه حَتَّى لاينساه فَيذْهب .

    الْمرتبَة الرَّابِعَة تبليغه وبثه فِي الامة ليحصل بِهِ ثَمَرَته ومقصوده وَهُوَ بثه فِي الامة فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَنْز المدفون فِي الارض الَّذِي لَا ينْفق مِنْهُ وَهُوَ معرض لذهابه فَإِن الْعلم مَا لم ينْفق مِنْهُ وَيعلم فَإِنَّهُ يُوشك ان يذهب فَإِذا انفق مِنْهُ نما وزكا على الانفاق .

    فَمن قَامَ بِهَذِهِ الْمَرَاتِب الاربع دخل تَحت هَذِه الدعْوَة النَّبَوِيَّة المتضمنة لجمال الظَّاهِر وَالْبَاطِن فَإِن النضرة هِيَ الْبَهْجَة وَالْحسن الَّذِي يكساه الْوَجْه من آثَار الايمان وابتهاج الْبَاطِن بِهِ وَفَرح الْقلب وسروره والتذاذه بِهِ فتظهر هَذِه الْبَهْجَة وَالسُّرُور والفرحة نضارة على الْوَجْه وَلِهَذَا يجمع لَهُ سُبْحَانَهُ بَين الْبَهْجَة وَالسُّرُور والنضرة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم ولقاهم نَضرة وسرورا فالنضرة فِي وُجُوههم وَالسُّرُور فِي قُلُوبهم فالنعيم وَطيب الْقلب يظْهر نضارة فِي الْوَجْه كَمَا قَالَ تَعَالَى تعرف فِي وُجُوههم نَضرة النَّعيم .

    وَالْمَقْصُود ان هَذِه النضرة فِي وَجه من سمع سنة رَسُول الله ووعاها وحفظها وَبَلغهَا فَهِيَ اثر تِلْكَ الْحَلَاوَة والبهجة وَالسُّرُور الَّذِي فِي قلبه وباطنه .

    وَقَوله : " رب حَامِل فقه الى من هُوَ افقه مِنْهُ " تَنْبِيه على فَائِدَة التَّبْلِيغ وان الْمبلغ قد يكون افهم من الْمبلغ فَيحصل لَهُ فِي تِلْكَ الْمقَالة مَا لم يحصل للمبلغ اَوْ يكون الْمَعْنى ان الْمبلغ قد يكون افقه من الْمبلغ فَإِذا سمع تِلْكَ الْمقَالة حملهَا على احسن وجوهها واستنبط فقهها وَعلم المُرَاد مِنْهَا .

    وَقَوله ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُسلم إِلَى آخِره اي لايحمل الغل وَلَا يبْقى فِيهِ مَعَ هَذِه الثَّلَاثَة فَإِنَّهَا تنفى الغل والغش وَهُوَ فَسَاد الْقلب وسخايمه فالمخلص لله إخلاصه يمْنَع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملَة لانه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إِلَى مرضاة ربه فَلم يبْق فِيهِ مَوضِع للغل والغش كَمَا قَالَ تَعَالَى كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من عبادنَا المخلصين فَلَمَّا اخلص لرَبه صرف عَنهُ دواعي السوء والفحشاء فَانْصَرف عَنهُ السوء والفحشاء وَلِهَذَا لما علم ابليس انه لَا سَبِيل لَهُ على اهل الاخلاص استثناهم من شرطته الَّتِي اشترطها للغواية والاهلاك فَقَالَ فبعزتك لاغوينهم اجمعين إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين قَالَ تَعَالَى إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين فالاخلاص هُوَ سَبِيل الْخَلَاص وَالْإِسْلَام هُوَ مركب السَّلامَة والايمان خَاتم الامان وَقَوله ومناصحة ائمة الْمُسلمين هَذَا ايضا منَاف للغل والغش فَإِن النَّصِيحَة لَا تجامع الغل إِذْ هِيَ ضِدّه فَمن نصح الائمة والامة فقد برِئ من الغل وَقَوله وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ هَذَا ايضا مِمَّا يطهر الْقلب من الغل والغش فَإِن صَاحبه للزومه جمَاعَة الْمُسلمين يحب لَهُم مَا يحب لنَفسِهِ وَيكرهُ لَهُم مَا يكره لَهَا ويسوؤه مَا يسؤوهم ويسره مَا يسرهم وَهَذَا بِخِلَاف من انجاز عَنْهُم واشتغل بالطعن عَلَيْهِم وَالْعَيْب والذم لَهُم كَفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وَغَيرهم فَإِن قُلُوبهم ممتلئة نحلا وغشا وَلِهَذَا تَجِد الرافضة ابعد النَّاس من الاخلاص اغشهم للائمة والامة واشدهم بعدا عَن جمَاعَة الْمُسلمين فَهَؤُلَاءِ اشد النَّاس غلا وغشا بِشَهَادَة الرَّسُول والامة عَلَيْهِم وشهادتهم على انفسهم بذلك فانهم لايكونون قطّ الا اعوانا وظهرا على اهل الاسلام فاي عَدو قَامَ للْمُسلمين كَانُوا اعوان ذَلِك الْعَدو وبطانته وَهَذَا امْر قد شاهدته الامة مِنْهُم وَمن لم يُشَاهد فقد سمع مِنْهُ مَا يصم الاذان ويشجي الْقُلُوب وَقَوله فَإِن دعوتهم تحيط من ورائهم هَذَا من احسن الْكَلَام وأوجزه وافخمه معنى شبه دَعْوَة الْمُسلمين بالسور والسياج الْمُحِيط بهم الْمَانِع من دُخُول عدوهم عَلَيْهِم فَتلك الدعْوَة الَّتِي هِيَ دَعْوَة الاسلام وهم داخلونها لما كَانَت سورا وسياجا عَلَيْهِم اخبر ان من لزم جمَاعَة الْمُسلمين احاطت بِهِ تِلْكَ الدعْوَة الَّتِي هِيَ دَعْوَة الاسلام كَمَا احاطت بهم فالدعوة تجمع شَمل الامة وتلم شعثها وتحيط بهَا فَمن دخل فِي جماعتها احاطت بِهِ وشملته " ( مفتاح دار السعادة : 1/ 71 – 73 ) .






    ***


  9. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية ( 9 ) . .

    كل علم ليس في القرطاس ضاع

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين .
    أما بعد :
    قال – تعالى - : {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52].

    قال القرطبي – رحمه الله - : "هذه الآية ونظائرها مما تقدم ويأتي تدل على تدوين العلوم وكتبها لئلا تنسى. فإن الحفظ قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان. وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع فيقيده لئلا يذهب عنه.

    وروينا بالإسناد المتصل عن قتادة أنه قيل له : أنكتب ما نسمع منك ؟ قال : وما يمنعك أن تكتب وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب ؛ فقال : {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} " (الجامع لأحكام القرآن: 11/206).

    قال أبو بكر الخطيب : ينبغي أن يكتب الحديث بالسواد ؛ ثم الحبر خاصة دون المداد لأن السواد أصبغ الألوان ، والحبر أبقاها على مر الدهور. وهو آلة ذوي العلم ، وعدة أهل المعرفة.

    ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال : رآني الشافعي وأنا في مجلسه وعلى قميصي حبر وأنا أخفيه ؛ فقال لم تخفيه وتستره ؟ إن الحبر على الثوب من المروءة لأن صورته في الأبصار سواد ، وفي البصائر بياض.

    وقال خالد بن زيد : الحبر في ثوب صاحب الحديث مثل الخلوق في ثوب العروس.

    وأخذ هذا أبو عبد الله البلوى فقال :

    مداد المحابر طيب الرجال ... وطيب النساء من الزعفران
    فهذا يليق بأثواب ذا ... وهذا يليق بثوب الحصان


    وذكر الماوردي أن عبد الله بن سليمان حكى ؛ رأى على بعض ثيابه أثر صفرة ؛ فأخذ من مداد الدواة وطلاه به ، ثم قال : المداد بنا أحسن من الزعفران ؛ وأنشد :

    إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدوي عطر الرجال

    قال الخليل بن أحمد – رحمه الله - :" ما كٌتِب قَرَّ، وما حُفظ فَرَّ " .

    وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله : " قيدوا العلم بالكتاب "
    ( السلسلة الصحيحة : 2026 ) .

    وبعده تتابعة وصايا الأئمة بتدوين العلم :

    - فقال الشعبي : اكتبوا ما سمعتم مني ولو على جدار .
    - وعن عامر قال اذا سمعت شيئا فاكتبه ولو على الحائط .
    - وقال ابن جريج : قيدوا العلم بالكتاب .
    - وعن أبي صالح الفراء قال : سألت ابن المبارك عن كتاب الحديث ، فقال : " لولا الكتاب ما حفظنا " .

    فالقلم والقرطاس لطالب العلم المجد .
    كالخزانة لصاحب المال ؛ كلما عظمت أمواله كثرت خزائنه .
    فلا يختار لحفظ علمه إلا أجود المداد ، وأنفس الأوراق
    .

    الْعِلْمُ صَيْدٌ وَالْكِتَابَةُ قَيْدُهُ *** قَيِّدْ صُيُودَكَ بِالْحِبَالِ الْمُوثِقَةْ
    فَمِنَ الْحَمَاقَةِ أَنْ تَصِيدَ غَزَالَةً *** وَتَفُكَّهَا بَيْنَ الْخَلاَئِقِ طَالِقَةْ



    ****

  10. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية ( 10 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخلاق الفاضلة بريد الحق

    اعلموا - سلمكم الله – أن الأخلاق الفاضلة بريد الحق إلى القلوب الغافلة .

    وما نقلت العلوم إلى القلوب بمثل الأخلاق الحسنة فهي مراكب فاضلة شريفة بها يسمو محمولها ويزداد بهاءا وزينة ، كما قال سُفْيَان الثَّوْرِي – رحمه الله - : «زَيِّنُوا الْحَدِيثَ بَأَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَزَيَّنُوا بِالْحَدِيثِ» .

    فعلى طالب العلم أن يتعاهد أخلاقه كما يتعاهد محفوظاته . بل عليه أن يتعلم الأخلاق الحسنة والهدي الفاضل كما يتعلم العلم ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْهَدْيَ كَمَا يَتَعَلَّمُونَ الْعِلْمَ» .

    وليجعل الطالب الأخلاق الحسنة أسس وأركان بنائه العلمي ، فخباء العلم بلا أوتاد الأخلاق لا يصمد عند زلازل المحن .

    ولهذا حرص علماؤنا على العناية بأخلاق طلابهم فهذا مالك بن أنس – رحمه الله – يوصي : «إِنَّ حَقًّا عَلَى مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وَخَشْيَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّبِعًا لِأَثَرِ مَنْ مَضَى قَبْلَهُ» .

    بل إن حاجة طالب العلم إلى الأدب والخلق أكثر من حاجته إلى المعلومات ، فعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِلَى أَدَبٍ حَسَنٍ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى خَمْسِينَ حَدِيثًا» .

    وعن عِيسَى بْنَ حَمَّادِ بْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ، يَقُولُ: - وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَرَأَى مِنْهُمْ شَيْئًا - فَقَالَ: «أَنْتُمْ إِلَى يَسِيرٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ» .

    ومن أجمل ما مثل به أفتقار العلم إلى الأدب ما قاله أَبَو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِي – رحمه الله -: " عِلْمٌ بِلَا أَدَبٍ كَنَارٍ بِلَا حَطَبٍ، وَأَدَبٌ بِلَا عِلْمٍ كَرُوحٍ بِلَا جِسْمٍ " .

    فشبه الأدب بوقود النار التي لا دوام لها دونه ، ومتى قطع عنها خبت وانطفئت .

    وقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم - : " وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ " رواه مسلم .

    اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال .


    ***

  11. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية ( 11 ) .

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الْعِلْمُ خزَانَةٌ مِفْتَاحُهَا الْمَسْأَلَةُ

    اعلم – أخي الفاضل – أن من نجابة طالب العلم حسن عنايته بالمسألة من جهة :

    1- السؤال النافع .
    2- والجواب السديد .


    إذ حقيقة العلم إدراك جملة من المسائل ، والمسائل مجموع مسألة .

    والمسألة مضمون : سؤال ، وجواب .

    فتحقيق السؤال النافع ، والجواب السديد تحقيق للعلم .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " وَمِنْ الْمَعْلُومِ : أَنَّ الِاعْتِرَاضَ وَالْقَدْحَ لَيْسَ بِعِلْمِ وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ صَاحِبِهِ : أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّيِّ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ " (مجموع الفتاوى:4/28).

    فعناية الطالب ( بالسؤال النافع ) طالباً ( الجواب السديد ) دليل على :

    - استمراره في الطلب .
    - وحرصه على التعلم .
    - وتوقد ذهنه .
    - واتساع مداركه .


    فالسؤال مفتاح العلم ، كما قال ابْنُ شِهَابٍ: «الْعِلْمُ خزَانَةٌ مِفْتَاحُهَا الْمَسْأَلَةُ» .

    وقد أمر الله – تعالى – بأخذ العلم عن طريق السؤال ، فقال : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .

    وكذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بذلك كما في قوله : " فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ " ( صحيح أبي داود : 364 ) .

    فطلب العلم : ( بالسؤال النافع ) من المناقب والفضائل ، كما قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ " ( رواه مسلم ) . أرادت : يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ أي : يسألن عنه .

    وقد كَانَ الْخَلِيلُ يَقُولُ: «الْعُلُومُ أَقْفَالٌ وَالسُّؤَالَاتُ مَفَاتِيحُهَا» .

    وَسَلِ الْفَقِيهَ تَكُنْ فَقِيهًا مِثْلَهُ ... مَنْ يَتَتَبَّعْ فِي عِلْمٍ بِفِقْهٍ يَمْهَرُ
    وَتَدَبَّرِ الَّذِي تَعْنِي بِهِ ... لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ بِغَيْرِ تَدَبُّرِ.


    ومن هنا أدرك العلماء أن العلم ينال ( بالسؤال النافع ) فانصرفت هممهم إليه :

    - فقد سُئِلَ الْأَصْمَعِيُّ بِمَ نِلْتَ مَا نِلْتَ؟ قَالَ: «بِكَثْرَةِ سُؤَالِي وَتَلَقُّفِي الْحِكْمَةَ الشَّرُودَ» .

    - وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
    أَلَا خَبِّرُونِي أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ... سَأَلْتُ وَمَنْ يَسْأَلْ عَنِ الْعِلْمِ يَعْلَمِ
    سُؤَالُ امْرِئٍ لَمْ يَعْقِلِ الْعِلْمَ صَدْرُهُ ... وَمَا السَّائِلُ الْوَاعِي الْأَحَادِيثَ كَالْعَمِ.


    ومن دقة نظر عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: « وَلَا تَجْزَعْ بِتَفْرِيعِ السُّؤَالِ؛ فَإِنَّهُ يُنَبِّهُكَ عَلَى عِلْمِ مَا لَمْ تَعْلَمْ» .

    والأشد من هذا أن ترك مذاكرة العلم بالسؤالات يؤول إلى نسيان العلم وذهابه ، فعن عَلِي بْن حَوْشَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَكْحُولًا يَقُولُ: " قَدِمْتُ دِمَشْقَ وَمَا أَنَا بِشَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ أَعْلَمُ مِنِّي بِكَذَا لِبَابٍ - ذَكَرَهُ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ -، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَهْلُهَا عَنْ مَسْأَلَتِي حَتَّى ذَهَبَ " .

    إِذَا كُنْتَ لَا تَدْرِي وَلَمْ تَكُ بِالَّذِي ... يُسَائِلُ مَنْ يَدْرِي فَكَيْفَ إِذًا تَدْرِي؟

    وفقني الله وإياكم إلى هداه .


    ***


  12. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية ( 12 ) .

    طالب العلم والصدق

    قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ " ( رواه مسلم ) .

    فالعبد مأمور بالصدق لأنه الطريق الوحيد إلى الله – تعالى – فمن لم يسلكه لن يصل إلى ربه : إلى رضاه وجنته .

    قال – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }[التوبة : 119] .

    قال أبو جعفر الطبري – رحمه الله - :" يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين، معرِّفَهم سبيل النجاة من عقابه، والخلاصِ من أليم عذابه: {يا أيها الذين آمنوا} ، بالله ورسوله {اتقوا الله} ، وراقبوه بأداء فرائضه، وتجنب حدوده {وكونوا} في الدنيا من أهل ولاية الله وطاعته، تكونوا في الآخرة {مع الصادقين} في الجنة. يعني: مع من صَدَق اللهَ الإيمانَ به، فحقَّق قوله بفعله، ولم يكن من أهل النفاق فيه، الذين يكذِّب قيلَهم فعلُهم.
    وإنما معنى الكلام: وكونوا مع الصادقين في الآخرة باتقاء الله في الدنيا، كما قال جل ثناؤه: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [سورة النساء: 69]
    " ( جامع البيان : 14/558 ) .

    وأولى الناس ( بالصدق ) طلاب العلم ؛ إذ العلم لا يستقيم إلا به ، كما قال يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ – رحمه الله - : «آلَةُ الْحَدِيثِ الصِّدْقُ ... " .

    وكان السلف الكرام يلقنون طلابهم الصدق قبل الحديث . بل ويشددون عليهم فيه حتى تتفهمه عقولهم وتطمئن به قلوبهم ويكون سجيتهم ، فعن بَقِيَّة ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ فَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو مَعِيَ ثَلَاثُونَ حَدِيثًا، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَوْزَاعِيُّ يُحَدِّثُهُ وَيَعُدُّهَا، قَالَ: فَلَمَّا جَازَ الثَّلَاثِينَ قَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ أَخِي، تَعَلَّمِ الصِّدْقَ قَبْلَ أَنْ تَعَلَّمَ الْحَدِيثَ» .

    وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: أَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيَّ ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، فَقَالَ: هَاتِ، فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يَعُدُّ، وَأَنَا لَا أَعْلَمُ، فَلَمَّا بَدَأْتُ بِالسَّادِسِ، قَالَ: «اذْهَبْ فَتَعَلَّمِ الصِّدْقَ، ثُمَّ اكْتُبِ الْحَدِيثَ» .

    وقُرِئَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ الْقَاضِي، وَأَنَا أَسْمَعُ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ قُلْتُ: " أَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ، قَالَ: مَا هُمَا؟ قَالَ، قُلْتُ: {دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ} مَا الْأَيْدِ؟ قَالَ: الْقُوَّةُ، قُلْتُ {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} قَالَ: الْقُوَّةُ وَالْأَبْصَارُ، الْعُقُولُ، هَكَذَا يُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ، قَالَ: قُلْتُ: مَا بَالُ إِحْدَاهُمَا ثَبَتَتْ فِيهِ الْيَاءُ وَالْأُخْرَى حُذِفَتْ؟ قَالَ: عَمَلُ الْكَاتِبِ، قَالَ: فَانْدَفَعْتُ أَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، قَالَ: قُلْتَ مَسْأَلَتَيْنِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: قُلْتُ «مَا أَحْسَبُ حَضَرَ الْمَجْلِسَ أَحَدٌ أَبْعَدُ مَنْزِلًا مِنِّي» ، قَالَ: «وَإِنْ كَانَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَالصِّدْقُ» .

    والسبب في ذلك الحرص ، وتلك العناية : أن مراتب العلم لا يفلح فيها إلا الصادق .
    قَالَ وَكِيعٌ: «هَذِهِ صَنَاعَةٌ لَا يَرْتَفِعُ فِيهَا إِلَّا صَادِقٌ» .

    وقال أَبَو بَكْرٍ الْمَرُّوذِي: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ: «بِمَ بَلَغَ الْقَوْمُ حَتَّى مُدِحُوا» ، قَالَ: «بِالصِّدْقِ» .

    فإن صدق اللسان وعفته أمارة على تقوى القلب وطهارته وبذلك يفلح العبد .

    يَلْقَاكَ بِالْخُلْفِ مَنْ فِي دِينِهِ عِوَجٌ ... وَلَيْسَ فِي دِينِ أَهْلِ الصِّدْقِ مِنْ عِوَجِ


    ***





  13. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية (13)

    غائلة العلم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قَالَ الْحَسَنُ، «غَائِلَةُ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ وَتَرْكُ الْمُذَاكَرَةِ» .

    اعلموا – أحبتي الكرام – أن القلب ليس كاغداً أو قرطاساً نُودع فيه العلم ، متى ما أردناه استخرجناه منه .
    بل القلب من جهة تحمله العلم كالعضلة ، تقوى أو تضعف بحسب تعاهدها بالتمارين أو تركها .


    والحافظة كذلك تقوى وتشتد بالتدريب ، وتضعف وتترهل بعدمه
    حتى تتفلت منها محفوظاتها، وتتسرب معلوماتها .


    وتدريب الحافظة يكون ( بالمذاكرة ) فبها تقوى الذاكرة وتشتد ،
    فقد روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ – رضي الله عنه – أنه قَالَ: «تَذَاكَرُوا الْحَدِيثَ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُهَيِّجُ الْحَدِيثَ» .

    وجاء عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أنه قَالَ:
    «إِنَّ إِحْيَاءَ الْحَدِيثِ مُذَاكَرَتُهُ، فَتَذَاكَرُوا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ يَرْحَمُكَ اللَّهُ كَمْ مِنْ حَدِيثٍ أَحْيَيْتَهُ فِي صَدْرِي قَدْ مَاتَ» .

    كما أنه بترك المذاكرة تسري غائلة النسيان على العلم فتذهبه ،
    فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ " أَنَّ دَغْفَلَ بْنَ حَنْظَلَةَ، قَالَ لِمُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ: «إِنَّ غَائِلَةَ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ» .

    وعن عَلِي – رضي الله عنه – أنه قال : «تَذَاكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا يَدْرُسْ» .

    وقَالَ الزُّهْرِي – رحمه الله - : «إِنَّمَا يُذْهِبُ الْعِلْمَ النِّسْيَانُ وَتَرْكُ الْمُذَاكَرَةِ» .

    ونحن اليوم في نعمة عظيمة من تيسر ( أسباب المذاكرة ) بالوسائل الحديثة
    التي تقرب البعيد وتيسر الصعب مع قلة نفقه ومؤونة ، بأيسر جهد وبلا تعب .


    فالطالب النبيه ، والشيخ الفطين هما من يستثمران هذه المجالس في مذاكرة العلم وإحياء سنة السلف الماضين بالمذاكرات العلمية
    التي هي عماد دوام العلم ونمائه . فـ «لَوْلَا النِّسْيَانُ لَكَانَ الْعِلْمُ كَثِيرًا» كما قَالَه الْحَسَنُ – رحمه الله - .

    وإن من البليات التي تصرف عن المذاكرة ( الإعجاب ) بالنفس .

    كما قَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ :

    الْعِلْمِ آفَتُهُ الْإِعْجَابُ وَالْغَضَبُ ... وَالْمَالُ آفَتُهُ التَّبْذِيرُ وَالنَّهْبُ

    فالواجب ثنائي بين ( الشيخ ) ، ( والطالب ) :

    - ( الشيخ ) يبذل ثمن العلم ،
    كما قَالَ عِكْرِمَةُ – رحمه الله - : «إِنَّ لِهَذَا الْعِلْمِ ثَمَنًا» قِيلَ: وَمَا ثَمَنُهُ؟
    قَالَ: «أَنْ تَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ» .

    لا تُؤْتِيَنَّ الْعِلْمَ إِلَّا امْرَأً ... يُعِينُ بِاللُّبِّ عَلَى دَرْسِهِ

    - ( والطالب ) يُعد نفسه لتلقي العلم ويؤهل نفسه لمذاكرة أهله،
    كما قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ – رحمه الله - : «مَنْ كَانَ حَسَنَ الْفَهْمِ رَدِيءَ الِاسْتِمَاعِ لَمْ يَقُمْ خَيْرُهُ بِشَرِّهِ».

    فمن ضياع العلم ترك الاستفادة من المشايخ حتى يذهب علمهم؛ فعن الزُّهْرِيِّ – رحمه الله - قَالَ:
    «إِنَّ لِلْعِلْمِ غَوَائِلَ فَمِنْ غَوَائِلِهِ أَنْ يُتْرَكَ الْعَالِمُ حَتَّى يُذْهَبَ بِعِلْمِهِ، وَمِنْ غَوَائِلِهِ النِّسْيَانُ وَمِنْ غَوَائِلِهِ الْكَذِبُ فِيهِ وَهُوَ شَرُّ غَوَائِلِهِ»

    إِذَا لَمْ يُذَاكِرْ ذُو الْعُلُومِ بِعِلْمِهِ ... وَلَمْ يَذْكُرْ عِلْمًا نَسِيَ مَا تَعَلَّمَا


    ***







  14. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (14)

    القرآن أصل العلم وأساسه

    اعلموا – أحبتي الكرام – :
    " أَنَّ أَصْلَ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَمَبْدَأَهُ وَدَلِيلَهُ الْأَوَّلَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا: هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ".
    ( مجموع الفتاوى : 2/1 ) .

    " وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الْعِلْمِ وَالْهُدَى:
    هُوَ الْإِيمَانُ بِالرِّسَالَةِ الْمُتَضَمِّنَة ِ لِلْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ:
    كَانَ ذِكْرُهُ طَرِيقَ الْهِدَايَةِ بِالرِّسَالَةِ - الَّتِي هِيَ الْقُرْآنُ وَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ - كَثِيرًا جِدًّا.
    كَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}
    وَقَوْلِهِ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} .
    وَقَوْلِهِ: {إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} "
    ( مجموع الفتاوى : 2/ 4) .

    علم من ذلك أن معدن ( العلم الإلهي ) ومنبعه وأساسه وأصله هو القرآن الكريم .
    فكل طلب للعلم لا يؤسس على ( القرآن ) فهو جهل وسفه وضلالة .

    قال ابن عبد البر – رحمه الله - : " " طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَفَهُّمُهُ وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ فَوَاجِبٌ طَلَبُهُ مَعَهُ وَلَا أَقُولُ: إِنَّ حِفْظَهُ كُلَّهُ فَرْضٌ وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَازِمٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَقِيهًا نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفَرْضِ " ( جامع بيان العلم وفضله : 2/1129 ) .

    ثم نقل عن " عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ – تَعَالَى -: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آل عمران: 79]
    قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا» .

    وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءَ – رضي الله عنه - : " لَنْ تَفْقَهَ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا " ،
    وَقَالَ مُجَاهِدٌ : " رَبَّانِيِّينَ فُقَهَاءُ " .

    إلى أن قال – أيضاً - : " الْقُرْآنُ أَصْلُ الْعِلْمِ " ( جامع بيان العلم وفضله : 2/1129 ) .

    وقد قال الشاطبي – رحمه الله - في الموافقات : " إن كتاب الله قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه. وهذا لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه؛ لأنه معلوم من دين الأمة. وإذا كان كذلك لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها، واللحاق بأهلها، أن يتخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي، نظراً وعملاً، لا اقتصاراً على أحدهما، فيوشك أن يفوز بالبغية، وأن يظفر بالطلبة، ويجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول. فإن كان قادراً على ذلك ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب وإلا فكلام الأئمة السابقين والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف، والمرتبة المنيفة..". ( الموافقات : 3/257).

    ولهذا قال شيخ الإسلام – رحمه الله - :
    " قَدْ فتح اللَّه عَلِي فِي هذا الحصن فِي هذه المرة من معاني الْقُرْآن،
    ومن أصول العلم بأشياء، كَانَ كثير من الْعُلَمَاء يتمنونها،
    وندمت عَلَى تضييع أَكْثَر أوقاتي فِي غَيْر معاني الْقُرْآن
    "
    ( ذيل طبقات الحنابلة : 4/ 519 ) .

    أَكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا *** وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا
    قومٌ.. قد اختـارَ الإلـهُ قلوبَهُـمْ *** لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا
    زُرِعَتْ حُروفُ النورِ.. بينَ شِفَاهِهِمْ *** فَتَضَوَّعَتْ مِسْكـاً يَفِيـضُ بَيَانَـا
    رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِـمْ *** لِيَكُونَ نُوراً في الظـلامِ... فَكَانـا
    سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا *** وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا



    ***

  15. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (15)

    ( الخطاب ) بين المقاصد والوسائل .

    اعلم – أخي الحبيب - : أن ( التفهيم ) في الخطاب في الأصل وسيلة وليس غاية .

    فالعلم له طرفان : ( حقيقة ) وهو : الحق . ( ووسيلة ) وهي : التفهيم .
    وتفهيم الحق له : ( طريق ) ، ( وقوالب لفظية) .

    فأما ( الطريق ) فهي : ثلاثة طرق رئيسية شرعية :

    الأول / الحكمة ، بأن يقترن الحق بالدليل .
    الثاني / الموعظة الحسنة ، بأن يقترن الحق بالترغيب والترهيب .
    الثالث / المجادلة بالتي هي أحسن ، بأن يزال عن الحق ما يشتبه على المعارض من المعاني والألفاظ .


    واشتباه المعاني يولد ( القياس الفاسد ) .
    واشتباه الألفاظ يولد ( التأويل الفاسد ) .

    وقد تجتمع في المخاطبين هذه الأصناف فيحتاج المتكلم في خطاب واحد إلى:
    الحكمة ، والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن .


    وأما ( قوالبه اللفظية ) فهي على نوعين :

    1- ألفاظ تعبدية ، لا يجوز تعديها .
    2- ألفاظ اختيارية ، يختار الحكيم ما يناسب المخاطب منها .


    ففرق بين ( الاصطلاحات ) : الشرعية ، والعلمية . التي تلتزم لسلامة ( الشرع ) ، (والعلوم ) .
    وبين ( أسلوب الخطاب اللفظي ) الذي يقصد لايصال الحق .

    فالأول الأصل فيه الالتزام .
    والثاني الأصل فيه الاختيار .


    ومن ضوابط الاختيار :

    1- أن يكون المقصود التفهيم بالعبارة السهلة الواضحة .
    2- مراعاة حال المخاطب – علمياً ، أو اجتماعياً - .
    3- مراعاة مقتضى الحال من إطناب أو توسط أو اختصار .


    فإن الأصل في العلم نفعه لا كثرته .

    ومن ركز على المنفعه حمله ذلك على ( سداد القول )
    وحقيقته : ما دل على المراد بلا زيادة ولا نقصان .

    يَقُولُ الله - تعالى - : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]

    " وَالسَّدِيدُ هُوَ الَّذِي يَسُدُّ مَوْضِعَهُ وَيُطَابِقُهُ
    فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ،
    وَسَدَادُ السَّهْمِ هُوَ مُطَابَقَتُهُ وَإِصَابَتُهُ الْغَرَضَ
    مِنْ غَيْرِ عُلُوٍّ وَلَا انْحِطَاطٍ وَلَا تَيَامُنٍ وَلَا تَيَاسُرٍ
    " .
    ( مختصر الصواعق : ص/ 388 ) .

    وجماع البيان التام في : ( العلم ) ، ( والصدق ) ، ( والفصاحة ).
    فمن أجتمع في كلامه ذلك فقد أعطى البيان حقه .

    - والكلام الكثير يذم في أحوال وأصناف ، منهم :

    الأول / من يزن العلم بكثرة الكلام .
    الثاني / من يتكلف العبارات ، ويطولها بلا مسوغات .
    الثالث / من يكون قصده تلميع نفسه لا إيصال الحق .

    ونحوهم .

    سلم الله الجميع
    وزادكم ربي توفيقاً وسداداً




    ***

  16. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (16)

    العلم والتواضع

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اعلموا - أحبتي الكرام - أن من سمات العلم النافع تعريف النفس بحقيقتها،
    والموفق كلما زاد علمه أزداد معرفة بنفسه ؛ بجهلها وظلمها .


    وحقيقة التواضع قبول الحق وترك الترفع على الخلق .

    " قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ:
    " سَأَلْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ التَّوَاضُعِ، فَقَالَ:
    أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ مِمَّنْ سَمِعْتَهُ وَلَوْ كَانَ أَجْهَلَ النَّاسِ لَزِمَكَ أَنْ تَقْبَلَهُ مِنْهُ
    "
    ( جامع بيان العلم وفضله : 1/569 ) .

    والأمر بالتواضع هو من خالص معين الوحي ،
    ففِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ: أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» .

    فإذا أردت الشرف يا طالب العلم فعليك بالتواضع ، كما قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَيْبَانَ: الشَّرَفُ فِي التَّوَاضُعِ .

    وَإِذَا مَا الشَّرِيفُ لَمْ يَتَوَاضَعْ ... لِلْأَخِلَّاءِ فَهُوَ عَيْنُ الْوَضِيعِ

    بل الحال كما قال أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِي ِّ – رحمه الله - :
    «يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

    من هدي السلف في التواضع :

    قال ابن القيم – رحمه الله - :
    " قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
    رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ قِرْبَةُ مَاءٍ،
    فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يَنْبَغِي لَكَ هَذَا. فَقَالَ: لَمَّا أَتَانِيَ الْوُفُودُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ.
    دَخَلَتْ نَفْسِي نَخْوَةٌ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَهَا
    .

    وَوَلِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِمَارَةً مَرَّةً. فَكَانَ يَحْمِلُ حِزْمَةَ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ. وَيَقُولُ: طَرِّقُوا لِلْأَمِيرِ.

    وَرَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَرَّةً. فَدَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ لِيَأْخُذَ بِرِكَابِهِ.
    فَقَالَ: مَهْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ! فَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِكُبَرَائِنَا.
    فَقَالَ: أَرِنِي يَدَكَ. فَأَخْرَجَهَا إِلَيْهِ فَقَبَّلَهَا.
    فَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا نَفْعَلُ بِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    "
    ( مدارج السالكين : 2/315 ).

    وَأَحْسَنُ مَقْرُونَيْنِ فِي عَيْنِ نَاظِرٍ ... جَلَالَةُ قَدْرٍ فِي ثِيَابِ تَوَاضَعِ


    ***



  17. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (17)

    نجاح الطالب في علو همته

    وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

    اعلم – سلمك الله – أن الهمة العالية هي المركب الذي يصل به الطالب إلى مقصوده .
    واللبيب هو من يتعاهد ( مركبه ) حتى يصل إلى مبتغاه .

    قال ابن القيم – رحمه الله - :
    " فالهمّة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور, لا يرضى بمساقطهم, ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم,
    فإن الهمّة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها, وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان
    "
    (مدارج السالكين: 3/171).

    وأعظم أسباب تحصيلها والظفر بها :

    1- الإخلاص .
    2- والصدق .
    3- والتوكل على الله .
    4- وكثرة الدعاء .
    5- وملازمة الاستغفار .
    6- وتلاوة القرآن .
    7- وكثرة الطاعات .
    8- والكف عن السيئات .
    9- وحفظ الأوقات .
    10- ومرافقة أصحاب الهمم العاليات .


    قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
    " وقد عرفت بالدليل أن الهمّة مولودة مع الآدميّ, وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات, فإذا حُثَّت سارت,
    ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم, أو كسلاً فالجأ إلى الموفِّق,
    فلن تنال خيراً إلا بطاعته, ولا يفوتك خيرٌ إلا بمعصيته
    "
    (لفتة الكبد إلى نصيحة الولد :ص/45) .

    حاول جَسيمات الأمور ولا تَقُل ... إن المحامد والعُلى أرزاقُ
    وارغب بنفسك أن تكون مقصراً ... عن غاية فيها الطِّلابُ سِباقُ


    وفي الختام :

    الزم الجادة في طلب العلم ، ولا تتركه ولو قل طلبك فقليل دائم خير من كثير منقطع .

    قال ابن القيم – رحمه الله - :
    - " كواكب همم العارفين فِي بروج عزائمهم سيارة لَيْسَ فِيهَا زحل .
    - يَا من انحرف عَن جادتهم كن فِي أَوَاخِر الركب ونم إِذا نمت على الطَّرِيق فالأمير يُرَاعِي السَّاقَة .
    - قيل لِلْحسنِ سبقنَا الْقَوْم على خيل دهم وَنحن على حمر معقرة فَقَالَ إِن كنت على طريقهم فَمَا أسْرع اللحاق بهم "
    ( الفوائد : ص/ 43 ) .

    ومشتت العزمات ينْفق عمره ... حيران لَا ظفر وَلَا إخفاق


    ****


  18. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (18)

    نواقض الهمة

    اعلم أخي الكريم أن ( الهمة ) يجري عليها ( النقض ) ، أو ( النقص )
    إذا باشر العبد الأسباب التي تشتت الإرادة وتفرقها ، أو تضعفها وتأخرها ، أو تمرضها وتعلها ، أو تقضي عليها وتميتها .

    واللبيب ( يصون همته ) كما يصون نفسه وماله وولده عن كل مفسد .

    ومن الأسباب التي تنقض الهمة أو تنقصها آفة عظيمه وداء خطير هو : ( الكسل ) .

    اعلم – سلمك الله – أن الكسل من الأمراض التي تعرض للإرادة فتضعفها،
    وربما استمر عليه العبد حتى تموت إرادة الخير في قلبه .


    ( والكسل ) شلل في الهمة حتى لا يقوى العبد معه على الانبعاث إلى أي عمل صالح ،
    وهو أشبه ما يكون ( بشلل الجوارح ) التي تنعدم حركتها لفساد القدرة .


    وقد قرن بينهما النبي - صلى الله عليه وسلم – مستعيذاً ، فقال:
    " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ " ( متفق عليه ) .

    قال ابن القيم – رحمه الله -:
    "وهما قرينان، فإنَّ تَخلُّفَ كمالِ العبد وصلاحِهِ عنه،
    إما أن يكون لِعدم قدرته عليه، فهو عجز،
    أو يكونَ قادراً عليه، لكن لا يُريدُ فهو كسل،
    وينشأ عن هاتين الصفتين، فواتُ كُلِّ خير، وحصولُ كلِّ شر
    "
    ( زاد المعاد: 2/361).

    وجاء في محاضرات الأدباء ( 1/ 448 ): " زوج العجز التواني فنتج بينهما ( الحرمان )" .

    أخطر أعراض هذا المرض :

    اعلم - سلمك الله - أن أبرز أعراض هذه الآفة وأخطرها هو : ( التسويف ) .

    قال ابن القيم – رحمه الله - :
    " كم جَاءَ الثَّوَاب يسْعَى إِلَيْك فَوقف بِالْبَابِ فَرده بواب سَوف وَلَعَلَّ وَعَسَى "
    ( الفوائد : ص/ 63 ) .

    ولا أدخر شغل اليوم عن كسل *** إلى غدٍ إن يوم العاجزين غد

    فلتحذر من التسويف ، وتتيقظ من الإمهال والتأخير ،
    وقد صح أن : " التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة "
    ( صحيح الجامع : 3009 ، والصحيحة 1794 ) .

    ترجو غداً وغداً كحاملة *** في الحيِّ لا يدرون ما تلد

    ومن أسباب هذا المرض :

    1- تضييع الزمان . وله صور ، منها :
    - كثرة الخلطة بلا مصلحة شرعية .
    - كثرة النوم .
    - دوام السهر في غير طلب العلم أو العبادة .
    - إدمان مطالعة شاشة الجوال بلا ثمرة مبعثراً وقته بين : المجموعات ، والمنتديات ، والصفحات .

    2- توهين قوة القلب . ولها صور ، منها :
    - انتهاك المحرمات والمنكرات .
    - عدم التحرز من صغائر الذنوب .
    - كثرة الضحك والمزاح .


    3- إثقال البدن . وله صور ، منها :
    - كثرة الأكل والشرب .
    - الإكثار من اللعب المفضي إلى تعب البدن .


    من أعظم أسباب الشفاء .

    1- الحرص على النافع من الأقوال والأعمال .
    2- الاستعانة بالله – تعالى – على ذلك توكلاً عليه بالقلب والدعاء .
    3- مجاهدة النفس والهوى والشيطان في الله ، كما قال – تعالى - :
    { وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [ العنكبوت: 69] .

    ومن الله التوفيق .


    ***


  19. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (19)

    برزخ الزهد حصن الكمالات العلمية والعملية

    اعلم – وفقك الله – أن حفظ كل كمال علمي أو عملي لا يتم إلا ( ببرزخ الزهد ) .

    والزهد : هو ترك ما لا ينفع في الآخرة .

    فحقيقة برزخ الزهد : هو ما يتركه طالب الرتب العالية من المباح الذي لا يكون عوناً على العلم أو العمل .

    قال ابن القيم – رحمه الله - :
    " قال لي – يوماً – شيخ الإسلام – قدس الله روحه – في شيء من المباح - :
    هذا ينافي المراتب العالية ، وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة .
    فالعارف يترك كثيراً من المباح برزخاً بين الحلال والحرام
    "
    ( مدارج السالكين : 2/26 ) .

    وطالب العلم طالب للرتب العالية،
    ومن كان هذا مطلبه تعين في حقه الترفع عن كثير من المباحات التي تحول دون بلوغه إلى مقصده
    .

    والمباح في أصله مساحة ترويح للنفس والبدن عن كد التكاليف ،
    وتعب الإلزامات تأخذ منه النفوس العالية صبابة تنفيس تنشطها لمواصلة طريق المعالي .

    ثم بعد ذلك تتحرز تلك النفوس عن المباحات تحرز المؤمنين عن السيئات
    إلا ما كان منها عوناً على مطلوبها ، ووسيلة إلى مقصودها
    .

    ( فالمعالي ) قرينة الكد والتعب . فلا تجتمع مع الراحة والدعة إلا كما تجتمع النار مع الماء.

    ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار

    فيا طالب الرتب العالية :
    اعلم أن كل خطوة تخطوها إلى ( المباح المحض ) تنزل بها درجة عن المعالي،
    فاحفظ خطاك وارقى إلى علاك .

    بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي ***ومن طلب العلا سهر الليالي
    ومن رام العلا من غير كد *** أضاع العمر في طلب المحال
    تروم العز ثم تنام ليلاً *** يغوص البحر من طلب اللآلي



    ***


  20. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (20)

    يقظة القلب

    اعلم – وفقك الله – أن أكثر الخلق في غفلة ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -:
    " سبحانك , ما أغفل هذا الخلق عما أمامهم : الخائف مقصر والراجي متوان " (الآداب الشرعية:1/480).

    سكران سكر هوى وسكر مدامة *** فمتى أفاقه من به السكران

    وحقيقتها غياب قلوبهم عما خلقوا له من عبادته ومحبته وطاعته والانقياد له .
    فإن كان العبد من أهل السعادة مرت على قلبه نسائم التوفيق موجبة له ( اليقظة ) .

    واليقظة : " انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين " ( المدارج ) .

    والسعيد من يعتني بهذه اليقظة مراعياً أسبابها وأحكامها،
    ومترقباً أوقاتها ، ومتطلعاً إلى نسماتها ، ومتشوقاً إلى لذاتها
    .

    وأول ذلك ( الانتباه ) وهو نسائم معرفية إيمانية تدهم القلب فتنكشف معها بعض حقائق الآخرة،
    وتتبدد معها بعض حجب الهوى والشهوة .

    وهذه النسائم هبات من الله – تعالى – تجري على العباد وفق مقتضى العلم والحكمة
    إلا أن من أسبابها على الجملة ( طهارة القلب )
    .

    فإذا باشرت تلك النسائم القلب وجد لها روعة ولذة لا تفصح عنها عبارة ، ولا تدل عليها إشارة .
    بل هي فوق ذلك كله فيالها من لحظة ما أعظمها وما أجلها . لذتها وبهاؤها وطيبها ليس من هذا العالم .
    بل هي من نفحات الآخرة .


    هذه الروعة توجب انزعاج القلب وعدم استقراره فهو مضطرب بين الطلب والهرب .
    إذ تلك النسائم تهيج القلب إلى طلب الرحلة إلى محالها التي هبت منها .
    كما أنها تكشف له عن المخاوف التي حوله ، والتي أمامه .


    وحقيقة هذا الانزعاج أنه ( بذرة الندم ) .

    وهنا يفترق كثير من الخلق بين موفق ومخذول ، فأما الموفق فيتعاهد تلك البذرة حتى تنمو شجرة التوبة،
    وهي شجرة السعادة الأبدية
    .

    وأما المخذول فسرعان ما تهجم عليه ريح الإلف والعادة فتخمد ناره وينطفي نوره ويرجع إلى أسر الشيطان والنفس
    " فالنفس داعية إلى المهالك , معينة للأعداء , طامحة إلى كل قبيح, متبعة لكل سوء, فهي تجري بطبعها في ميدان المخالفة "
    (إغاثة اللهفان:1/170).

    قال يحيى بن معاذ الرازي – رحمه الله - :
    " الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادما مع الخاسرين"

    وما يردع النفس اللجوج عن الهوى *** من الناس إلا حازم الرأي كامله


    ***


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •