يقول بن القيم رحمه الله-ان نفس الايمان بالله والتقرب اليه هو غذاء الانسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه اهل الايمان لا كما يقوله المتكلفون انه تكليف ومشقة على خلاف مقصود القلب ولذته بل لمجرد الامتحان والابتلاء-- بل اوامر المحبوب قرة العيون وسرور القلوب-------------------------ويقول رحمه الله-في القلب شعثٌ لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبدا.ويقول رحمه الله ----------------عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها
علم لا يعمل به
وعمل لا اخلاص فيه ولا اقتداء
ومال لا ينفق منه فلا يستمتع به جامعة في الدنيا ولا يقدمه امامه الى الآخرة
وقلب فارغ من محبة الله والشوق اليه والأنس به
وبدن معطل من طاعته وخدمته
ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب وامتثال أوامره
ووقت معطل عن استدراك فارطه أو اغتنام بره وقربه
وفكر يجول فيما لا ينفع
وخدمة من لا تقربك خدمته الى الله ولا تعود عليك بصلاح دنياك
وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله وهو أسبر فى قبضته ولا يملك لنفسه حذرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا
وأعظم هذه الاضاعات اضاعتان هما أصل كل اضاعة - اضاعة القلب ، واضاعة الوقت فاضاعة القلب من ايثار الدنيا على الآخرة واضاعة الوقت من طول الأمل فاجتمع الفساد كله فى اتباع الهوى وطول الأمل والصلاح كله فى اتباع لهدى والاستعداد للقاء والله المستعان
العجب ممن تعرض له حاجة فيصرف رغبته وهمته فيها الي الله ليقضيها له ولا يتصدى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والاعراض وشفائه من داء الشهوات والشبهات ولكن اذا مات القلب لم يشعر بمعصيته.-------------------------------ويقول رحمه الله--
قلب المؤمن قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوساوس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء، والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا إلا خطفه. وقد مثل ذلك بمثال حسن، وهو ثلاثة بيوت: بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره، وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره وليس جواهر الملك وذخائره، وبيت خال صفر لا شئ فيه، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت، فمن أيها يسرق؟ فإن قلت من البيت الخالي كان محالا؛ لأن البيت الخالي ليس فيه شئ يسرق؛ ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما: إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب؟ وإن قلت: يسرق من بيت الملك كان ذلك كالمستحيل الممتنع؛ فإن عليه من الحرس واليزك وما لا يستطيع اللص الدنو منه، كيف وحارسه الملك بنفسه؟ وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث فهو الذي يشن عليه الغارات.

فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل ولينزله علىالقلوب فإنها على منواله-------ويقول رحمه الله-صاح بالصحابة واعظُ ( اقترب للناس حسابهم )- الأنبياء17- فجزعت للخوف قلوبهم فجرت من الحذر العيون (فسالت أوديةٌ بقدرها)-ويقول رحمه الله---------
قد نادت الدنيا على نفسها***لوكان في ذا الخلق من يسمـعُ

كم واثق بالعيش أهلكتــه***وجامع فرقت مايـــجمـــــــ ــع-------------------------------------------------------------------------ويقول رحمه الله
وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره ، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت ، فمدار تعبده عليها ، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية ، كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها ، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى ، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره ، فإن رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم ، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم ، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم ، فهذا هو العبد المطلق ، الذي لم تملكه الرسوم ، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات ، بل هو على مراد ربه ، ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه ، فهذا هو المتحقق ب "اياك نعد واياك نستعين حقا ، القائم بهما صدقا ، ملبسه ما تهيأ ، ومأكله ما تيسر ، واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته ، ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خاليا ، لا تملكه إشارة ، ولا يتعبده قيد ، ولا يستولي عليه رسم ، حر مجرد ، دائر مع الأمر حيث دار ، يدين بدين الآمر أنى توجهت ركائبه ، ويدور معه حيث استقلت مضاربه ، يأنس به كل محق ، ويستوحش منه كل مبطل ، كالغيث حيث وقع نفع ، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها ، وهو موضع الغلظةمنه على المخالفين لأمر الله ، والغضب إذا انتهكت محارم الله ، فهو لله وبالله ومع الله ، قد صحب الله بلا خلق، وصحب الناس بلا نفس ، بل إذا كان مع الله عزل الخلائق عن البين ، وتخلى عنهم ، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها ، فواها له ! ما أغربه بين الناس !
!!!!!!!!!!!وما أشد وحشته منهم ! ! !!!!!!!!!!! وما أعظم أنسه بالله وفرحه به ، وطمأنينته وسكونه إليه ! ! والله المستعان ، وعليه التكلان . --[رحم الله بن القيم]----------------------------ويقول رحمه الله------------- العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه ومدة سفره هي عمره الذي كتب له فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل سفره فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر فالكيس الفطن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه فيهتم بقطعها سالما غانما فإذا قطعها جعل الأخرى نصب عينيه ولا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه ويمتد أمله ويحصر بالتسويف والوعد والتأخير والمطل بل يعد عمره تلك المرحلة الواحدة فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته فإنه إذا تيقن قصرها وسرعة انقضائها هان عليه العمل فطوعت له نفسه الانقياد إلى التزويد فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره استقبلها كذلك فلا يزال هذا دأبه حتى يطوي مراحل عمره كلها فيحمد سعيه ويبتهج بما أعده ليوم فاقته وحاجته فإذا طلع صبح الآخرة وانقشع ظلام الدنيا فحينئذ يحمد سراه وينجاب عنه كراه فما أحسن ما يستقبل يومه وقد لاح صباحه واستبان فلاحه