أخرج الطبراني في كبيره (929) والحاكم في مستدركه 1 / 354 و362 ، والبيهقي في سننه الكبير 3 / 395، وفي الصغير (1038) ، والشعب (9265) ومعرفة السنن والآثار (2073) وغيرهم من طريق عبدالله بن يزيد المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب عن شرحبيل بن شريك عن عُلَيّ بن رباح اللخمي قال: سمعت أبا رافع يحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من غسّل مسلما فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن حفر له فأجنه أجرى عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفّنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
وقال المنذري في الترغيب 4 / 174: رواه الطبراني في الكبير، ورواته محتج بهم في الصحيح.
وقال النووى فى " الأذكار " 1 / 131 : رواه الحاكم أبو عبد الله فى " المستدرك على الصحيحين " وقال : حديث صحيح على شرط مسلم . ( ولم يتعقبه النووي بشيء )
وقال الهيثمي في المجمع 3 / 21: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.
وقال الحافظ ابن حجر في الدراية بلفظ : - كبيرة - (1/230): "إسناده قوي".
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 3492 ) .
وقال في الضعيفة :
6781 - ( من غسل ميتاً فكتم عليه ؛ غفرالله له أربعين كبيرة... ).
شاذ بلفظ: " كبيرة".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" ( 1/ 293 - 294/ 929 ): حدثنا هارون بن ملول البصري: ثنا عبد الله بن يزيد المقرىء: ثنا سعيد بن أبي أيوب عن شرحبيل بن شريك عن علي بن رباح قال: سمعت أبا رافع يقول:... فذكره مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة، وعليه جرى بعض الحفاظ، فقال المنذري في " الترغيب " ( 4/ 170/ 1 )، وتبعه الهيثمي في " المجمع " ( 3/ 21 ): " رواه الطبراني في " الكبير "، ورواته محتج بهم في ( الصحيح ) ".
فأقول: هو كما قالا باستثثناء شيخ الطبراني، وهذه غالب عادتهم أنهم يغضون النظر عن شيوخ الطبراني إلا ما ندر ؛ حتى ولو كان ممن تكلم فيه أو جُهل، أو غير ذلك ؛ كالشذوذ أو المخالفة، وهذا هو العلة هنا، فقد رواه جماعة من الثقات بلفظ " مرة" مكان "كبيرة ". فمنهم: عبد الصمد بن الفضل، وعبد الله بن أحمد بن أبي ميسرة، عند الحاكم ( 1/ 4 35، 362 )، ومن طريقه البيهقي في" الشعب " ( 7/ 9/ 9265 )، وعباس بن عبد الله الترقفي عنده في " السنن ) " ( 3/ 395 )، والمقدمي وأبو صالح سعيد بن عبد الله سيامرد - ولم أعرفه - كلهم قالوا: " مرة "مخالفين ( هارون بن ملول ) في قوله: " كبيرة "! وهذا من أوضح الأمثلة للحديث الشاذ وأقواها - كما لا يخفى على العارفين بهذا الفن الشريف -.
على أن ( هارون ) هذا لم أجد من وثقه من المتقدمين، مثل الدارقطني وأمثاله من أئمة الجرح والتعديل، وإنما وثقه ابن الجوزي فقال:
" كان من عقلاء الناس، ثقة في الحديث ".
كما نقله الشيخ الأنصاري في كتابه القيم " بلغة القاصي والداني " ( ص 336 )، فإذا ثبتت ثقته ؛ فيكون حديثه شاذاً، وإلا ؛ كان منكراً. والله سبحانه وتعالى أعلم.
( تنبيه ): لقد اختلط على بعض الحفاظ المتأخرين وغيرهم ؛ هذا اللفظ الشاذ باللفظ المحفوظ في تخريج الحديث، فعزوا الأول إلى من روى الآخر، وهاك البيان:
1 - الحافظ الزيلعي، فإنه ساق الحديث في " نصب الراية " ( 2/ 256 ) من رواية البيهقي في " المعرفة " عن شيخه الحاكم، بإسناده عن عبد الصمد بن الفضل عن عبد الله ين يزيد بإسناده المتقدم عن أبي رافع مرفوعاً بلفظ: " كبيرة ". وقال:
"ورواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا هارون بن ملول المصري: ثنا عبد الله بن يزيد المقري به سنداً ومتناً. ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: على شرط مسلم ".
فأنت ترى أنه جعل لفظ الحاكم والبيهقي لفظاً واحداً هو: " كبيرة "! وهذا خلاف ما تقدم: أن روايتهما من طريق عبد الصمد بن الفضل هي بلفظ الجماعة المحفوظ:
"مرة".
وهكذا عزاه الإمام النووي في " المجموع " ( 5/ 186 ) للحاكم في " المستدرك "، وأقره على التصحيح.
وما عزاه الزيلعي لـ " معرفة البيهقي "، فهو وهم آخر، لا أدري هو منه أو من كاتب نسخته من " المعرفة "، فقد تقدمت روايته في " الشعب " من طريق شيخه عن عبد الصمد بن الفضل بلفظ: " مرة ". وكذلك وجدته فى نسخة مخطوطة عندي من " المعرفة " ( 2/ 139/ 2 )، مما يؤكد الوهم المذكور.
2 - الحافظ العسقلاني ؛ فإنه ذكر في " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " الطرف الأول من الحديث باللفظ الشاذ، وقال:
"إسناده قوي، أخرجه الحا كم والطبراني والبيهقي".
ومن الواضح أنه تلخيص لتخريج الزيلعي، لم يرجع إلى الأصول الثلاثة التي ذكرها. ليتبين له الفرق بين اللفظين!
3 - المعلق أو المعلقون على" نصب الراية " ؛ فإنهم شايعوا الأصل، بل ودعموه بنقل تقوية الحافظ لإسناده، دون أن ينتبهوا للفرق والشذوذ.
4 - الحافظ السيوطي، وابن عرّاق الكناني - كما يأتي قريباً - والمعلقان عليه.
5 - وأخيراً، المعلقون الثلاثة على " الترغيب " ( 4/ 232 ) ؛ فإنهم قالوا في تخريجهم
" حسن، قال الهيثمي... " فذكروا قوله: " رجاله رجال الصحيح، - كما تقدم -، وتصحيح الحاكم والذهبي، دون أن يفرقوا أيضاً!! وأنى لهم العلم الذي يمكنهم من ذلك ؟!
هذا، وفي مقابل هؤلاء أبو الفرج ابن الجوزي، فقد ساق في " موضوعاته " ( 2/ 85 ) حديثاً لأبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" من غسل ميتاً فستر عليه، وأدى الأمانة ؛ غفر له أربعين مرة... " الحديث.
وأعله بيوسف بن عطية، وقول ابن حبان:
" يقلب الأخبار، ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة".
فكان عليه أن يشير إلى حديث أبي رافع هذا المحفوظ ؛ حتى لا يتوهم القارئ أنه لا يوجد في الباب ما يغني عن حديت أبي هريرة هذا الواهي. ولذلك فقد أحسن السيوطي في " اللآلي " ( 2/ 8 - 9 ) في تعقبه إياه بحديث أبي رافع هذا، وتبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " ( 2/ 69 - 70 ) برواية البيهقي المتقدمة من طريق الترقفي، ولكنهما لم يحسنا بسكوتهما عن بيان صحة إسناده، وأساءا بذكرمتنه بلفظ: " كبيرة. "! مع لفظه في حديث أبي هريرة المشهود له بلفظ: " مرة " - كما نقلته آنفاً -، ولكنه تحرف عندهما إلى " كبيرة " ا!
وأقر ذلك كله المعلقان الأزهريان ( عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله محمد الصديق الغماري ) الذي وصف نفسه تحت اسمه: " من علماء الأزهر والقرويين، ومتخصص في علم الحديث والإسناد " ا!
وقال رحمه الله في موضع آخر :
6952 - ( مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ؛ طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنْ ذُنُوبِهِ ... ).
موضوع.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 8/ 337/ 8078 ) بسند صحيح عن معتمر بن سليمان عن أبي عبد الله الشامي عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً.
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 3/ 21 ):
" وفيه أبو عبد الله الشامي، روى عن أبي خالد ( ! )، ولم أجد من ترجمه ".
قلت: يغلب على ظني أنه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب في الزندقة، وقد قلب اسمه كثير من الرواة - وكذلك كنيته - إلى عدد هائل جداً، وبعضهم يكنيه بهذه الكنية ( أبو عبد الله )، ومنهم من يقول: ( أبو عبد الرحمن )، ومنهم من يقول: ( أبو قيس الشامي الدمشقي ). وهو: كذاب وضاع. انظر " تهذيب الكمال ".
( تنبيه ): ما تقدم نقله عن المجمع من قوله: ( أبي خالد ).. الظاهر أنه تحريف من الناسخ. والله أعلم.
وقد كنت ذكرت هذا كشاهد لحديث آخر في "الصحيحة" ( 2353 ) بلفظ قريب من هذا، ولم يتيسرلي يومئذ الكشف عن هوية ( أبي عبد الله الشامي ) هذا، ولا تنبهت للفرق الدقيق بين هذا الشاهد والمشهود له. فالحمد لله على توفيقه وأسأله المزيد من فضله.
وللحديث تتمة أشرت إليها بالنقط لم أستحب ذكرها هنا ؛ لثبوتها في غير ما حديث، فانظر الرقم المذكور آنفاً من " الصحيحة " و "أحكام الجناثز" ( ص 69 )، وراجع لزاماً التعليق على الحديث المشار إليه في "صحيح الترغيب" ( 3/ 368/3492 ).