القراءة الموسعة
الباحث : حميد حمدان عوض المحمدي _المدينة المنورة
القراءة الموسعة في اللغة والاصطلاح :
في اللغة : وسع الشيء واتسع، والوسع: الجدة والطاقة، وأوسع الرجلُ إِذا كثر مَاله. قَالَ الله جلّ وعزّ: ( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ ) سورة البقرة ، والواسِعُ: ضِدُّ الضَّيِّقِ، وَيُقَال: إِنَّه لفي سَعَة من عيشه. ووسّعت الْبَيْت وَغَيره فاتّسع وَاسْتَوْسَعَ، وَفرس وَسَاعٌ إِذا كَانَ جواداً ذَا سَعَة فِي خَطْوه وذَرْعه ) الأزهري
وفي الاصطلاح :
أول من استخدم مصطلح ( القراءة الموسعة ) في تعليم اللغة الأجنبية أو الثانية هو ( هارولد بالمر ) أحد أبرز علماء اللسانيات التطبيقية في تعليم اللغات في بريطانيا في القرن العشرين، ويعرف القراءة الموسعة : بأنها سرعة القراءة لكتاب بعد كتاب مع تركيز انتباه القارئ للمعنى وليس للغة النص، واختار مصطلح ( القراءة الموسعة ) لتمييزه عن ( القراءة المكثفة ) ، والتي غالبا ما تشير الأولى إلى قراءة كثير من الصفحات والنصوص الأصيلة السهلة مع العناية بالمعاني، وتشير الثانية للنشاط الموجه داخل الفصول الدراسية لدراسة النصوص التعليمية وتنمية القدرة على الفهم الدقيق للمقروء بتمييز الأفكار الرئيسة والأفكار الفرعية، والتركيز على العناصر اللغوية، والتراكيب النحوية، ومعرفة عود الضمائر، والنبر والتنغيم، وعلامات الترقيم .
ومن تعاريف القراءة الموسعة أنها أحد أنماط القراءة الأربعة في تدريس اللغات ، وذكروا منها القراءة المكثفة، ( وقد عرف بعضهم القراءة الموسعة بأنها قراءة النصوص المعدلة وصولا إلى النصوص الأصيلة، واعترض عليه بأن هذا قد يشوه مصطلح ( القراءة الموسعة ) بإدخال مصطلحي ( النصوص الأصيلة والمعدلة ) فيه، واعتبرت هذه المواد والكتب بنوعيها وسيلة من وسائل القراءة التي تهدف إلى تعزيز قدرة الطالب على التمكن من اللغة والمهارات القرائية في مسار القراءة الموسعة ) .
وظهر من الباحثين من يسميها ( القراءة التكميلية) أو ( القراءة الممتعة ) أو ( القراءة الحرة الطوعية )، وعلى الرغم من تنوع المصطلحات إلا أنها لا تخرج عن مفهوم المصطلح الأول. ومعظم تعاريف القراءة الموسعة تنص على عنصرين أساسيين:
1ـ التركيز على قراءة كثير من النصوص السهلة والمشوقة، على أن يختارها الطلاب بأنفسهم، ولا يمارس بعدها تدريبات .
2ـ القراءة الموسعة وسيلة لتعلم اللغة الأجنبية أو الثانية بشكل عام ومهارات القراءة على وجه الخصوص.
الفرق بين القراءة المكثفة والقراءة الموسعة
هناك فرق بين التعلّم من أجل القراءة، والقراءة من أجل التعلم، وكلاهما شكلان صحيحان من أشكال القراءة لكنهما مختلفتان من حيث الأهداف والطريقة والنتائج، بما يشبه الأول دروس وتعليمات القيادة والثاني ممارسة القيادة ذاتها، وهو الفرق بين القراءة المكثفة والقراءة الموسعة .
فعندما يتعلم الطلاب من أجل القراءة، وهي القراءة المكثّفة فهم يقرؤون نصاً لتعلّم شيء ما عن اللغة بحدّ ذاتها، ربما كلمة جديدة أو قاعدة نحوية وما إلى ذلك وهي القراءة لغرض الدراسة النموذجية التي يقوم بها الطلاب في كتبهم الدراسية، وغالباً ما تحتوي على فقرات قصيرة، كثير من المفردات اللغوية التي لا يعرفها الطلاب، وعادةً ما تصاحبها نشاطات قبل وبعد القراءة، إلى جانب أسئلة الفهم
وعندما يقرأ الطلاب من أجل التعلم، فهم يمارسون مهارة القراءة للاطلاع على معلومات بطلاقة وسلاسة تعميق معرفتهم بعناصر اللغة التي تعرّفوا عليها سابقاً، واكتساب إحساس أفضل بالطريقة التي تلاءمت فيها تلك العناصر مع بعضها بشكل بيّن وواضح مما يسمح للطلاب بالتعامل مع اللغة بشكل أسرع ويعزز الفهم والمتعة لديهم .
وهذان الشكلان من أشكال القراءة ينحدران لإحدى الطرق الشائعة من طرائق تدريس اللغات للناطقين بغيرها في الميدان التعليمي ، وهي طريقة القراءة، وكان من شأن هذه الطريقة أن تجعل من القراءة المهارة الأساسية التي يدور حولها تعليم اللغة الثانية، ولم تنشأ استجابة لتغيرات في المفاهيم اللغوية أو نظريات علم النفس، فضلا عن إغفالها الحاجة إلى الاتصال الشفوي وضعف العناية والاهتمام بمهارتي الاستماع والتحدث
ولشرف القراءة ومكانتها أحدث الناس ما يعرف بالكتب الإضافية، وقوائم الكلمات الأكثر شيوعا في الاستخدام لكسر الجمود في هذه الطريقة، ولكن الحاجة لا زالت ماسة لتحويل هذه الطريقة من أساس نفعي إلى أساس فلسفي ، يتيح فرصة أكبر للمتعلمين الاطلاع على اللغة من مصادرها المكتوبة في برامج تعليم اللغات ، فظهر مفهومي القراءة المكثفة والقراءة الموسعة، وينبغي أن يتضح في ذهن معلم اللغة العربية الفرق بينهما .
وتعتبر القراءة المكثفة مهمة جدا لدارسي اللغة العربية من الناطقين بغيرها خصوصا في المستويات الأولي ويقصد بها ذلك النوع الذي يجري داخل الفصل، وتستهدف تنمية مهارات القراءة من خلال الكتب متعددة الموضوعات، وتتم تحت توجيه المعلم وإشرافه، بحيث يساعد الدارس علي تنمية مهاراته القرائية وثروته اللغوية .
وتعنى القراءة المكثفة بالتركيز على أساليب التدريس المبنية على السؤال والجواب، واستخدام الشرح بالعروض والتمثيل لتوصيل معاني الكلمات، بل تصف كذلك المفردات والقواعد التي يجب تدريسها، والترتيب الذي ينبغي أن تقدم فيه، وتهدف إلى تنمية قدرات الطلاب على الفهم التفصيلي، حيث ينصرف الانتباه إلى جزئيات نصية مقصودة من المفردات والتراكيب, ومراعاة رموز الترقيم والحركات الإعرابية ونطق المهارات الصوتية ، وينبغي أن تكون المادة القرائية لهذا النوع من القراءة أعلى قليلا من مستوى الدارس ومن سماتها البطء والتأني ، وقد تصاحبها القراءة الجماعية الجهرية، وقد يستعمل الطالب القاموس أثناءها .
ويشكل هذا النوع من القراءة العمود الفقري في برامج تعليم اللغة ،كما يعتبر كتاب القراءة المكثفة الكتاب الأساس في تعليم القراءة، وينبغي توظيف ما يتعلمه الدارس من معلومات أو يكتسبه من مهارات في المواقف الوظيفية الحقيقية، وألا تقتصر تدريبات التعرف على الجديد من المفردات أو التراكيب وإنما تمتد لتشمل أيضا بعض المفردات والتراكيب التي سبق تعليمها، ثم إن تزايد التدريب على المهارات الآلية حتى آخر موضوع قد يغرس في ضمير الدارس مفهوما قاصرا للقراءة، وقد يجعله أسير لهذه المهارات على حساب المهارات العقلية العليا من العناية بالمعاني والأفكار .
ومن أهداف مقرر القراءة المكثفة :
1ـ القراءة الصحيحة مع النبر والتنغيم.
2ـ دقة النطق وإخراج الحروف إخراجا صحيحا عند القراءة .
3ـ الانتقال الجيد من كلمة إلى أخرى ومن جملة إلى جملة ومن فقرة إلى فقرة .
4ـ استخدام علامات الترقيم استخداما سليما
5ـ تكوين رصيد من المفردات والتراكيب اللغوية التي تعين الدارس على التعبير المفيد .
6ـ التفريق بين الحركات المختلفة بيسر .
7ـ التمييز بين أنواع التنوين والمدود الثلاثة تمييزا واضحا
8ـ فهم معاني الدرس والاحتفاظ بأفكاره حية في الذهن
9ـ اكتشاف أخطاء الدارسين وعلاجها .
أما القراءة الموسعة فالهدف منها الفهم الكلي وتنمية قدرة الدارس على الاستقلال في تحصيل المعرفة وتذوق العمل الأدبي المتكامل، وتكون خارج الفصل ، ويقتصر دور المعلم فيها على مساعدة الدارسين في تمام الفهم ، ومناقشة ما قاموا بقراءته ، وتذليل ما صادفهم من صعوبات بأسلوب يؤكد تعويد المتعلمين الاعتماد على أنفسهم في قراءة عدد كبير من الصفحات ، وصولا بهم إلى قراءة الكتاب العربي ، وتظهر أهمية هذا النوع من القراءة لمثل هذه الفئات من المتعلمين في تحسين المهارات القرائية في كتب القراءة ذات الموضوع الواحد ، وتعزيز ما درسه الطالب في حصص القراءة المكثفة من مفردات وتراكيب .
وتحقق أغراضا مهمة , منها :
1ـ الفهم لكتاب الله تبارك وتعالى ، والأحاديث النبوية الشريفة ، وفهم كلام العرب من شعر وقصص ونثر وخطب وغير ذلك .
2ـ تنمية القدرة على التعامل اليومي بين العرب وغير العرب من المسلمين ، وفتح قنوات التواصل الثقافي والعلمي بين الطرفين ، مما يعمق من ترابط الشعوب المسلمة وتواصلها .
3ـ تنمية الذوق الأدبي والحس الحضاري في نفوس الدارسين من خلال السماح بالاتصال بمدونات الحضارة الإسلامية القديمة والإنجازات الحديثة، ودفع الجهود الماكرة التي تحاول دحر اللغة العربية كأحد أقوى مظاهر الوحدة بين الشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها .
ويستهدف تعليمها في برامج تعليم العربية للناطقين بلغات أخرى عدة أهداف من أهمها :
1ـ القراءة من أجل المتعة والتسلية والمشاركة .
2ـ تطوير وتحسين السرعة والطلاقة في القراءة .
3ـ توسيع ممارسة الطلاب للتحدث وطلاقة اللسان .
4ـ توسيع أفق الطلاب الثقافي وتعميق فهمهم للحياة باستخلاص المعاني من النصوص الوظيفية .
5ـ توسيع أفق الطلاب من خلال تنمية خيالهم وابتكاراتهم باستخلاص المعاني من النصوص الأدبية .
6ـ توسيع الثروة اللغوية من مفردات وتراكيب وإثراؤها .
7ـ توسيع مدارك الطلاب وتثقيفهم لتطوير مهارة الكتابة .
8ـ توسيع المعرفة اللغوية والتمكن من اللغة العربية .
9ـ الاستعمال الواعي للغة العربية في التعامل مع المصادر الثقافية الغنية في وسائل الاتصال والمعلومات الحديثة .
10 ـ الاستقلالية والاعتماد على النفس بقضاء بعض الوقت في المطالعة والقراءة الحرة .
وتمثل القراءة الحرة أحد الأنشطة القرائية المهمة التي بدأ التربويون الالتفات إليها في الآونة الأخيرة ، لما لها من أهمية كبيرة في شغل أوقات الفراغ بطريقة مفيدة ، بالإضافة إلى دورها كذلك في تحقيق التسلية والمتعة الهادفة ، ودورها كذلك في عملية التثقيف والتنمية الفكرية للفرد لا سيما في ظل تحديات العولمة التي تلقي بظلالها على العالم أجمع ... وقد جرت العادة أن يختار البرنامج المكثف ( برنامج لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ) في معهد اللغة العربية بجامعة الملك سعود كتابا للقراءة الموسعة ، يمضي فيه الطالب فصلا دراسيا كاملا ، وهذا في حد ذاته قد ينافي معنى القراءة الحرة أو الموسعة ، التي يفترض أن تشمل على أكبر قدر ممكن من الكتب الصحف والمجلات وغيرها مما يختاره ويحبذه الطالب بنفسه ، وهنا يبقى دور المعلم ميسرا ، يساعد الطلاب على اختيار النصوص ويهيئ بيئة مشجعة على القراءة الحرة .