تفكير الزوجة في غير زوجها
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال

♦ ملخص السؤال:
سائلة تسأل عن تعلُّق قلب المرأة برجلٍ آخر غير زوجها، وهل تأثم بذلك أو لا؟ خاصة وأنها لم يَصْدُرْ منها فعلٌ، وإنما هو تعلُّق قلبي فقط.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إذا كانت المرأة متزوجةً وتُحب شخصًا آخر، وهي في الوقت نفسه تُعامل زوجها بما يُرضي الله، ولا تقوم بأي تقصيرٍ تجاهه، لكنها لا تُحبه حبًّا قلبيًّا، لكن مجرد عِشرة أو تعوُّد كما يقال، وهي مِن حينٍ لآخر تتذكَّر ذاك الشخص؛ لأنها ما زالتْ تُحبه، ولم تستطعْ نسيانه، وتتذكَّر ذكرياتهما معًا وتسعد بذلك، مع العلم بأنها لا تُحاول إطلاقًا رُؤيته، أو البحث عنه، ولا تريد فِعل ذلك وفاءً لزوجها، فهل عليها ذنب أو تأثَم بذلك؟ وهل يحاسبها الله على ما في قلبها؟ وهل يعتبر ذلك خيانة لزوجها؟فقد سَمِعَتْ أن الميلَ القلبي لا حرَجَ فيه، ما دام لم يتحوَّل لتصرفات تُغضب الله تعالى.فأخبِروني بارك الله فيك

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:فعندما تأملتُ رسالتك أيتها الأخت الكريمة، ومشكلة تلك الزوجة، حضَرني قولُ أبي هريرة: "القلبُ مَلِكٌ والأعضاءُ جنوده، فإنْ طاب الملِكُ طابتْ جنودُه، وإذا خبث الملكُ خبثتْ جنوده"، وقد أشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم لهذا المعنى في الحديث الذي رواه البخاري ومسلمٌ، فقال ((ألا وإنَّ في الجسد مُضغةً: إذا صلحتْ صلح الجسدُ كله، وإذا فسدتْ فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب)).
ومَن تدبَّر الحكمة مِن جَعْل الشارع الحكيم عقد الزواج ميثاقًا غليظًا، تيقَّن أن قلب الزوجة يتعين أن يكون حِكْرًا على زوجها، وأن تعلُّق قلبِها بحب رجل غيره يُنافي مقصودَ الزواج، فالزوجُ بالنسبة لزوجته غايةُ أمَلِها في الرجال، ومِن ثَم وَجَبَ على تلك الزوجة مُقاوَمة ذلك الشعور، وعدم الاستسلام له، وأَخْذ النفْسِ بالحزم، والصبر على مُجاهَدة نفسها، ودَفْع تلك الخطرات عن قلبها، وأن تُراقِبَه مع كل خطرة وخطوة، فإنَّ الخطرة تولد فكرةً، إلى أن تَصيرَ عزيمةً جازمةً، فيَقَع الفِعْل.وهنا يجب التنبيه على أمرٍ هام، وهو: أن الله تعالى لا يُحاسبنا على الخطرات واللَّمَّات؛ لأنها ليستْ مِن كَسْبِنا، إلا أنه سبحانه يُحاسِب على الاسترسال معها، وترك النفس أسيرة لِهَواها، وعدم مدافعة الخطرات؛ لأنَّ كل ذلك مِن كسبِنا، ومِن ثَم نَبَّه النبي صلى الله عليه وسلم لهذا النوع وهو تَمنِّي القلب، فقال: ((كُتِبَ على ابن آدم نصيبه مِن الزنا، مُدركٌ ذلك لا محالة؛ فالعينانِ زناهما النظَر، والأذنان زِناهما الاستماعُ، واللسانُ زناه الكلامُ، واليدُ زناها البطشُ، والرِّجْل زناها الخُطَا، والقلبُ يَهوى ويتمنى، ويُصدِّق ذلك الفَرْج ويُكذبه)).
فشغلُ القلب والفكر بغير الزوج يُقلق النفس، ويُوتِّر الأعصاب، ويُكدِّر صفو الحياة الزوجية، ويقضي على السكينة فيها، بل قد يدفع الاسترسال والاستسهال مع القلب إلى ما فوقذلك؛ لأنها خطوة من خطوات الشيطان، وقد قال تعالى: ﴿ لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النور: 211].
قال الشيخ السعدي في "تفسيره" (1 / 94): "الواجبُ أن يكونَ الهوى تبعًا للدين، وأن يفعلَ كل ما يقدر عليه مِن أفعال الخير، وما يعجز عنه يلتزمه ويَنويه، فيُدرِكه بنيتِه، ولَمَّا كان الدخولُ في السلم كافة لا يُمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان؛ قال: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ [البقرة: 168]؛ أي: في العمل بمعاصي الله؛ ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 1688]، والعدو المبين لا يأمُر إلا بالسوءِ والفحشاء، وما به الضرر عليكم".فالحبُّ وإن كان أمرًا قدريًّا جِبِلِّيًّا، إلا أنَّ ما لا يحل منه يدفع بقدَر الله الشرعي، فتلجم النفس بلجام التقوى، وبعوامل الحسم التي تملكها الزوجة العاقلة وتقدر عليها، مِن قطع الاسترسال الذي يزيد الحبَّ اشتعالًا وتوغُّلًا واستغراقًا، وقطع العلائق مِن التفكير والنظر العقلي، وبهذا تفطم النفس عن هواها؛ كما قيل:
وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى
حُبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ


فَاصْرِفْ هَوَاهَا وَحَاذِرْ أَنْ تُوَلِّيَهُ
إِنَّ الهَوَى مَا تَوَلَّى يُصْمِ أَوْ يَصِمِ
أما ترْكُ النفس لما تَهْوى فيفسدها، وقد تصل لمرحلةٍ يَصْعُب معها الفطامُ.وتأمَّلي بارك الله فيك كلامَ الإمام ابن القيم في "الداء والدواء" (1/ 353-355) لتعلمي أن الميل القلبي لا عقاب عليه بشرط دفْعِه عن النفس وقطع خطراته وخطواته، قال: "وأما الخطراتُ فشأنُها أصعبُ، فإنها مبدأُ الخير والشر، ومنها تتولَّد الإرادات والهِمَم والعزائم، فمَن راعى خطراته ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومَنْ غلبَتْهُ خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومَن استهان بالخطرات قادَتْه قسْرًا إلى الهلكات، ولا تَزال الخطراتُ تتردَّد على القلب حتى تصيرَ مُنًى باطلة؛ ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 399].وأخسُّ الناس هِمةً، وأوضعهم نفسًا، مَن رَضِيَ مِن الحقائق بالأماني الكاذبة، واستَجْلَبَها لنفسه، وتحلى بها، وهي - لَعَمْرُ الله - رؤوس أموال المفلسين، ومتاجر البطالين، وهي قوتُ النفس الفارغة التي قد قنَعَتْ مِن الوصل بزورة الخيالِ، ومِن الحقائق بكواذب الآمال؛ كما قال الشاعر:
مُنًى إِنْ تَكُنْ حقًّا تَكُنْ أَحْسَنَ المُنَى
وَإِلَّا فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنًا رَغْدَا
وهي أضَرُّ شيءٍ على الإنسان، وتتولَّد مِن العجز والكسل، وتُولد التفريط والحسرة والندم، والمتمنِّي لما فاته مباشرة الحقيقة بحسه نحت صورتَها في قلبه وعانَقَها وضَمَّها إليه، فقنع بوصال صورةٍ وهمية خيالية صوَّرها فكرُه، وذلك لا يُجدي عليه شيئًا، وإنما مثَلُه مثَلُ الجائعِ والظمآن، يصور في وهمه صورةَ الطعام والشراب، وهو يأكُل ويَشرب.والسكون إلى ذلك واستِحلاؤه يدلُّ على خساسة النفس ووضاعتها، وإنما شرَفُ النفسِ وزكاتها وطهارتها وعلوها بأن ينفيَ عنها كل خطرة لا حقيقةَ لها، ولا يرضى أن يخطرها ببالِه، ويأنف لنفسه منها". ا هـ.
هذا، وننصح تلك الزوجةَ الفاضلة بالرضا بزوجها، والاكتفاء به، والحِرص على ذلك بالنظر للأَوْجُه المنيرة من شخصية زوجها، والاستعانة بالله؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يَستعفِفْ يعفُّه الله، ومَن يَستغنِ يُغنه الله، ومَن يَتصبَّر يُصبره الله، وما أُعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع مِن الصبر))؛ متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المهاجر مَن هَجَرَ ما نهى الله عنه، والمجاهِدُ مَن جاهَد هواه)).وسأُلَخِّص لها بعض النقاط التي تُعينها على تَخطِّي تلك المحنة:
• الحرصُ على شغل النفس بطاعة اللهِ، وبالمفيد مِن المباحات، وتجنُّب مخالَفَة أمره؛ فقد قال سبحانه: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].
• الرضا بالزوج ينسي بإذن الله ذلك؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((وارضَ بما قسم الله لك، تَكُنْ أغنى الناس))؛ رواه أحمد والترمذي.
• الإكثار مِن الدعاء المأثور: ((يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّتْ قلبي على دينك))، و((يا مُصَرِّفَ القلوب، صَرِّف قلوبنا على طاعتك))، و((اللهم إني أَمَتُك وبنت عبدك وبنت أَمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ في قضاؤُك، أسألُك بكل اسمٍ هو لك، سَمَّيتَ به نفسك، أو أنزلتَه في كتابك، أو علَّمتَه أحدًا مِن خلْقِك، أو استأثرتَ به في عِلْم الغيبِ عندك، أن تجعلَ القرآنَ ربيع قلبي، ونورَ صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي))، و((اللهم فاطرَ السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، ربَّ كل شيءٍ ومليكَه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك مِن شر نفسي وشر الشيطان وشركه، وأن أقترفَ على نفسي سوءًا أو أجرُّه إلى مسلمٍ))، ((اللهم إني أعوذ بك مِن شرِّ سَمعي، ومِن شر بصري، ومِن شر لساني، ومِن شر قلبي، ومِن شر مَنيِّي)).• الابتعاد عن كلِّ ما يُذكرها به، ولا يكون هذا إلا بقطع الخطرة، وأَخْذ النفس بالشدة.• مِن أنْفَعِ الدَّواء وأرجى الأسباب: صِدْقُ اللُّجوءِ إلى مَنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دعاه، ويكشف السوء، وأن تطرحَ نفسها بين يديه على بابه، مُستغيثةً به مُتضرِّعة متذلِّلة مستكينة؛ فمتَى وُفِّقَت لذلك، فَقَدْ قَرَعَت بابَ التوفيق.• تَعلُّق القَلْبِ بما لا مَطْمَعَ في حُصولِه نوعٌ مِن الجُنُون، وصاحِبُه بمنزلة مَن يَعشَقُ الشَّمس، ورُوحُه متعلِّقة بالصُّعود إليها، والدَّوران معها في فَلَكِها، وهذا معدودٌ عند جَميع العقلاء في زُمْرَةِ المجانين؛ قاله ابن القيم في "الهدي".أسأل الله أن يُعيذنا وجميع المسلمين مِن شر سمعنا، ومِن شر أبصارنا، ومِن شرِّ ألسنتنا، ومِن شرِّ قلوبنا، آمين