التغيير إحياء ومواجهة
لعله من نافلة القول أن نعلن ونكرر ما كرره الإمام ابن باديس بمقولته الخالدة : « لا بقاء للإسلام إلا بتعليم عقائده وأخلاقه وآدابه وأحكامه، ولا تعليم له إلا بتعليم لُغته[1]" فالتغيير إحياء ، إحياء ما خفي واندرس من علوم الدين والعمل بمقتضاها ومواجهة الفرق الضالة والفلسفات الوافدة والأفكار الهدامة .
ولعلنا ندرك أن عملية الإحياء تشمل تحقيق التراث الإسلامي ونشره وتعليمه والدفاع عنه وتصحيح التصورات والأوهام في النقل عن الله من خلال الاعتصام بالكتاب والسنة ، كما تشمل الأخذ بالنظرة الشمولية للعلوم الدينية بحيث تتكاتف وتتعاضد في دعم بعضها بعضا لتقديم حلول عملية لمشكلات المسلمين في العصر الحديث حتى نسير على بصيرة .
إن التغيير ليس مجرد حديث عن الإسلام أو حديث يغلب عليه الطابع الفقهي ، وليس إيمانا بعقيدة الإسلام وتشبث بتعاليمه بمنأى عن واقع الأمة ومعاناتها اليومية ومستقبلها وما يجابهها من تحديات ، وإنّما إيمان يصاحبه عمل صالح على الأرض لمصلحة الأمة ، وتحريك لهذا الواقع الراكد الآسن بميراث النبوة ، ومواجهة للتحديات بالعقل المؤمن الواثق بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
ومن مهام التغيير تنقية الدين من الانحراف والبدع ، وهذا ما يرشدنا إليه حديث: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ» [2] ، ففي هذا الحديث يخبر النبي ( e ) : أن الغالين يحرفون ما جاء به ، والمبطلين ينتحلون بباطلهم غير ما كان عليه ، والجاهلين يتأولونه على غير تأويله . وفساد الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاثة ، فلولا أن الله ( U ) يقيم لدينه من ينفي عنه ذلك ؛لجرى عليه ما جرى على أديان الأنبياء قبله من هؤلاء .[3]
ومن مهام التغيير إمداد التجربة الإنسانية النامية بما تحتاج إليه من أحكام تتلاءم مع ما يستجد من أوضاع جديدة أنتجتها المدنية الحديثة ؛ وفي هذا حفظ للدين من أن يتجرأ عليه العامة والخاصة تحت حجة توقف تدفق العطاء الحضاري للإسلام بتخلف أحكامه وقصورها عن ملاحقة كل جديد لم تتعرض له الشريعة في مرجعيتها الثابتة المتمثلة في القرآن والسُّنة والإجماع.
ومن مهام التغيير التصدي لإعصار الهجمات الشرسة التي تضرب الأمة الإسلاميّة من حين لآخر تريد أن تفتك بعقيدتها ، وثوابتها ، ومقدراته ، ولم يبق أمام تلك القوى الباغية سوى الدين آخر الحصون التي مازال المسلمون يتحصنون بها ويشكل عقبة كأداء أمام طغيانهم ؛ لابتناء أسسه على رفض الطغيان أولا ، ثُم للطموح العجيب الظاهر كل الظهور والواضح كل الوضوح في نصوصه وتشريعاته التي تأبى التبعية وتدعو أبناءه لقيادة العالم.
وهو بذلك يهدد بمبادئه ما يزعمونه بالحضارة الغربية المبنية أساسا على" اللذة وأولوية المتعة كأسلوب للحياة ."[4]
ومن مهامه كذلك مواجهة الفلسفات و الأفكار الغربية المنحرفة التي طغت على العالم الإسلاميّ عبر وسائل الإعلام ، و المراكز الثقافية الأجنبية ، والشخصيات المسلمة ذات الأدمغة المستعمرة ، والمنشآت الفاسقة .
وتعبير المنشآت الفاسقة من إبداعات الشيخ محمود شلتوت وهو تعبير شرعيّ يٌشار به إلى هذه المؤسسات التي تحارب منهج الله عز وجل في بلاد المسلمين ، وهي كل المنشآت الفاسقة التي وضع خططها الاستعمار في البلاد الإسلاميّة كيدا للإسلام ، واستعانوا على تنفيذها في بلاد الإسلام بمرضى القلوب الذين يسارعون فيهم ، ويستنصرونهم على إخوانهم ، وأوطانهم وإن حاربوا بها الله ورسوله والمؤمنين ... وهذه المنشأة يلبسها أهلها أثواب وأغراض متعددة : يلبسونها ثوب الثقافة والعلم ، وثوب الحضارة والفن ، وثوب العلاج والرحمة ، وثوب الاقتصاد والمال ، ... [5]
ولا ريب أن جعل عملية التغيير من أهداف وغايات تنشئة النواة الصلبة ( التي ستحمل راية التجديد والنهوض والمواجهة الشاملة يوما) والتحرك بها إلى الأمام في مواجهة تكتلات قوى الشر يعطي صورة عملية عن تعدد روافد التغيير وتنوع الأدوات والآليات التي من الممكن أن تتبع في البناء والمواجهة وهذا يفرض على أبناء التيار الإسلامي التعاون للنهوض بهذا الدين فالواجبات أكثر من الأوقات .فالتغيير ليس نزهة أو محاولة لتصحيح بعض الأفكار ولكنه بعث لأمة مستضعفة بسننية القرآن وميراث النبوة .


[1] - آثار ابن باديس: (ج4/ص126)

[2] - حديث حسن: أخرجه البزار (1/86 رقم 143 ) وأورده الهيثمي في المجمع (1/ 140 ) وقال :" وفيه عمرو بن خالد القرشي ، كذبه يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ونسبه إلى الوضع ، وقد رواه من الصحابة : علي ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وجابر بن سمرة ، ومعاذ ، وأبو هريرة (رضي الله عنهم )، وأورده ابن عدي من طرق كثيرة في الكامل في ضعفاء الرجال ج1 /ص145 وما بعدها ، وهو من جميع طرقه ضعيف كما صرح به الدارقطني وأبو نعيم ، ولكنه يمكن أن يتقوى بتعددها ويكون حسنا كما جزم به العلائي . يطالع في ذلك الغاية في شرح الهداية في علم الرواية ص64 .

[3] -( ابن القيم ) محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله :إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ، تحقيق: محمد حامد الفقي (بيروت : دار المعرفة_ط2_ 1395 ) ج1/ص159 .

[4] - مراد هوفمان : خواء الذات والأدمغة المستعمرة ، تعريب : عادل المعلم و نشأت جعفر ( القاهرة : مكتبة الشروق الدولية 1422) ص63

[5] - محمود شلتوت : من توجيهات الإسلام ( القاهرة : دار الشروق _ط6_ 1399 ) ص270-271