الحمد لله الملك الحق المبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفاعل لكل مبتدأ ومبتدع ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم ! صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما رفعت منصب المنخفض لجلالك وجبرت بالسكون إليك كسر الجازم بوحدتك : في ذاتك ، وصفاتك ، وأفعالك .
اللهم ! إنّا نعوذ بك من فتنة القول ، ونعوذ بك من فتنة العمل ، ونعوذ بك من الرأي وغلطته ، ومن الظن وخبطته ، ومن الطبع وسَوْرَته . اللهم ! جنبنا معاندة الحق ، و مجانبة الصدق ، وشراسة الخُلُق ، والعُجْب بالعلم ، و البَهَت بالجهل ، والاستعانة باللجاج ،والإخلاد إلى العاجلة ، والخفوق مع كل ريح ، واتباع كل ناعق.
وبعد فقد وقع تحت يدي مقال مشهور منشور على عدة مواقع على الشبكة العنكبوتية بعنوان ( القول المبين في الدس على الإمام الشعراني إمام العارفين) يتحدث عن الدس على الشيخ عبد الوهاب الشعراني( 898-973ه) في كتبه ، وأنَّ كل ما وقع في كتب الشيخ من أمور تخالف العقل والنقل مدسوسة ومكذوبة على الشيخ ، واستدل كاتب المقال بعدة أشياء :
أولها - أن الشيخ الشعراني نفسه أشار إلى فتنة الدس في كتبه .
وثانيها - دعوة الشعراني إلى الاعتصام بالكتاب والسنة ومحاربته لرداءة أخلاق صوفية أهل زمانه .
وثالثها - نسخة الطبقات الوسطى تشهد بوجود الدس لخلوها من تخريفات الطبقات الكبرى .
ورابعها- خلو النسخة التي حققتها مكتبة الآداب من قصة الشيخ علي وحيش والحمارة .
وخامسها- وجود بعض الشخصيات في الطبقات مع أنهم ماتوا بعد انتهاء الشعراني من كتابة الطبقات الكبرى .
ثم بحثت عن اسم صاحب المقال فوجدت الرجل كتب المقال غُفلا من التوقيع ، فقلت في نفسي هلّا اتخذ لنفسه اسما مستعارا ، ومن الواضح أنه خشي على نفسه لأنه تطاول على علماء الدعوة السلفية في المملكة العربية السعودية ، وقد وقفت على اسم ذلك الشخص لأنه من محققي كتب الشيخ الشعراني وما ذكره في مقاله لخصه في إحدى مقدمات كتاب من كتب الشيخ . ولكنني أعرض عن ذكر اسمه احتراما لرغبته .ولكنني فوجئت أن الرجل ضل في مسألة استشهاده بالطبقات الوسطى ، كما أنه وضع عنوانا جانبيا مضللا داخل المقالة على النحو الآتي :" وأكثر ما دُسَّ عليه في الطبقات الكبرى ولقد أوضح ذلك في كتابه لطائف المنن والأخلاق فقال: . .." فقرأت النص فوجدت الرجل نقل صفحتين لم أجد فيهما ذكرا لكتاب الطبقات الكبرى فراجعته في موطنه لعل ذلك سقط منه أثناء الكتابة فلم أجد ذكرا له فتتبعت ما كتبه الشيخ الشعراني عن الدس عليه في جميع كتبه المطبوعة وفي بعض النسخ المخطوطة فأيقنت أن هذا الباحث مضلل وأنه نقل صفحتين لأنه يثق أن القارئ العربي يقرأ العناونين فحسب. ثم تساءلت مع نفسي هل يريد هذا الباحث أن يظهر ؟! أم أنه يمهد لظهوره ؟!

ثُمَّ رأيت بعد ذلك العجب العُجاب والعجيب والمعجب .. رأيت من يؤسس موقعا للشيخ على الفيس بوك يُقَدَّم فيه الشيخ الشعراني على أنه مؤسس السلفية في القرن العاشر الهجري ، وأن كل ما يخالف هذا الواقع الافتراضي فهو مدسوس على الشيخ !!
وليت الأمر وقف عند هذا الحد حيث تقدمت مجموعة من الهواة بتحقيق كتب الشيخ فقاموا بالعبث بها تحت حجة تخليصها من المدسوس !!فنسخة الطبقات الكبرى بتحقيق محي الدين الطعمي جاء فيها :" وفي الحقيقة إن الجزء الأول من الكتاب سلم من الدس، ولكن لم يسلم منه الجزء الثاني ، والذي امتلأ بتراجم المعاصرين له من شيوخ الصوفية ممن عاصرهم وممن كان قبله بقليل ، وقد وردت حكايات هي أقرب لقلة الأدب والخروج عن الدين رأينا حذفها من الكتاب !! وإخراجه في ثوب قشيب يليق بالإمام الشعراني _ ثم يقول لا فوض فوه _ ولعل هذه النسخة تكون أصح نسخة ظهرت لهذا الكتاب بعد تنقيتها من الخزعبلات والترهات والمدسوسات ." [1]
نعم هكذا تسير الأمور فما لا يعجب السيد محقق الكتاب يذهب إلى المهملات ويحذف بلا ضوابط علمية أو نصف علمية أو حتى ربع علمية .
وعلى نفس المنوال صدمتنا طبعة الآداب لكتاب الطبقات الكبرى للشعراني بتحقيق عبد الرحمن حسن محمود ؛ حيث كُتب على الغلاف من الخارج هذه العبارة المستفزة :" قوبلت هذه الطبعة على مخطوطة نادرة ، ومقابلة قراءة كاملة على طبعة بولاق عام 1292ه وعدة مخطوطات بمكتبة الأزهر الشريف وهي خالية تماما من التحريف والتخريف " .[2]
فما هي الضوابط العلمية التي جعلت هذه المخطوطة نادرة ؟! هل كتبت بخط المؤلف ؟! الإجابة : لا . هل كتبت من نسخة كتبها المؤلف ؟! الإجابة : لا . هل عليها تعليقات لأحد تلامذة الشيخ ؟! الإجابة لا . هل قريبة زمنيا من عصر الشيخ ؟! الإجابة : لا . فما الذي يجعلها فريدة ؟!!
وقد تتبعت التحريفات التي أشار إليها المحقق فوجدتها مجموعة تصحيفات ليس غير وما حذف من النسخة التي اعتمد عليها قصة واحدة من ترجمة الشيخ علي وحيش . ثم تبين لي أن الكتاب تمت مراجعته على نسخة مخطوطة وحيدة بها مخالفات للمطبوع والمخطوط من نسخ كتاب الطبقات كافة ، وفيها إضافات وتصحيحات من الطبقات الوسطى للشيخ فعلمت أنها نسخة شخصية تعبر عن شخصية مالكها وأنها كتبت في مرحلة متأخرة وأن كاتبها نقحها على الطبقات الوسطى . كما هالني كم الأخطاء والتصحيفات التي تعج بها هذه النسخة الفريدة العجيبة التي أهلت طبعة الكتاب لتكون أول طبعة محققة في العالم !!
الإشكالية هنا أن مسألة الدس على الشيخ حولت الموضوع إلى مسابقة في تخريب التراث العلمي للشيخ ، وحرمت الدارس من وجود مصدر علمي موثوق يمكن الاعتماد عليه ، وشوهت الفكرة الكلية التي يريد الشيخ أن يقوم بإيصالها .. وطمست هوية المنهج الذي يتبناه الشيخ ..
وقد تتبعت قضية الدس على الشيخ عبد الوهاب الشعراني بالبحث المستفيض ، كما تتبعت كتاب الطبقات الكبرى للشيخ ، وقرأت نصوصه في أكثر من مصدر مطبوع ومخطوط وعرضت هذه النصوص على الطبقات الوسطى ثم وجدت أن الأمر لا يستقيم بهذه الإجراءات وحدها ؛ فبدأت رحلة بحث مضنية عن المصادر التي اعتمد عليها الشيخ في كتابه ومنها ما هو مطبوع وما هو مخطوط ، وحاولت مراجعة النصوص في مصادرها الأصلية وقراءة النصوص في مواطنها قراءة هادئة ، فوقفت على كم هائل من النتائج نقدم منها في هذه العجالة ما يتعلق بقضية الدس على الشيخ عبد الوهاب الشعراني .
وعلى كل حال فهذا البحث ما هو إلا محاولة للتبصر والفهم قمت بها مخلصا مجاهدا فإن كانت نافعة فهذه مِنّة من الله عظيمة ، وإن كانت الأخرى فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وحسبي أنني ما قصرت وسع طاقتي والله وحده ولي التوفيق .
المطلب الأول – الدس مفهومه وأسبابه :
الدس إدخال الشيء بخفاء في شيء آخر، فكل شيء أخفيته تحت شيء فقد دسسته .[1] وهذا المعنى أراده الشيخ عبد الوهاب الشعراني من الدس عليه في كتابين من كتبه حيث أدخلت فيهما بخفاء أشياء ليست منها بغرض الإساءة إلى الشيخ تمهيدا لطرده خارج مصر . والدافع إلى ذلك من وجهة نظر الشيخ الحسد والحقد ، وفي هذا يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني : " ومما أنعم الله تبارك وتعالى به عليّ ذكري لمناقب جميع الحسدة والأعداء في كتاب الطبقات مع شدة مبالغتهم في إيذائي : فبعضهم سعى في قتلي مرات ، وبعضهم سعى في إخراجي من مصر ، وبعضهم دس في كتبي عقائد زائفة وأشاعها عني في مصر والحجاز ..." [2]
وما قاله الشعراني في هذا المساق سوف يبسطه في مساقات أخر وسوف نعود إليه حين الحديث عن طبيعة المادة التي دست عليه .
المطلب الثاني – الوعاء الزمني للدس على الشعراني :
ولد الشعراني سنة 898ه ، وتوفي سنة 973 ه ، وذكر في لطائف المنن أن فتنة الدس عليه في كتبه بدأت سنة 957ه[3] أي: أن هذه الفتنة وقعت له قبل وفاته بـستة عشر عاما وكان عمره وقتها تسعا وخمسين سنة، ولم يؤلف الشعراني كتابا بعد هذا التاريخ إلا ذكر فيه عملية الدس التي وقعت له .
لكننا لا بد أن نشير إلى سنة 947ه حيث كانت هناك إرهاصات تنذر بأن الشيخ بلغ المكانة التي يحسد عليها في نفوس الفقهاء ، ففي هذه السنة تحديدا والشيخ خارج القطر المصري في الحجاز لأداء فريضة الحج تم استفتاء الشيخ زورا في مسألة لا يعرف عنها الشيخ شيئا وأذاعوا عنه في الحجاز أن أفتى بمسألة خرق فيها إجماع الأئمة الأربعة ، وهي أنه أفتى بتقديم الصلاة عن وقتها إذا كان وراء العبد حاجة.[4]
والعجيب أن ذلك أشيع عنه في موسم الحج فانظر إلى نفوس أهل زمانه . وقد تم نشر هذه الفتوى المزيفة في الحجاز وطارت بها المكاتبات من مكة إلى القاهرة فلما عاد الشيخ إلى مصر وجد الناس ينظرون إليه شذرا .فصار يقول ما بال الناس؟! وحصل ضرر كبير لأصحابه وتلامذته .
المطلب الثالث – الجهة التي وقفت وراء الدس على الشعراني :
اتهم الشيخ عبد الوهاب الشعراني أكثر من جهة ، وتناقضت روايته حول من قام بالدس فتارة يتهم كاتب الزاوية الذي طرده الشيخ لخلاف نشب بينهما وتارة أخرى يتهم رجل من خارج الزاوية سطا على نسخة من أحد المغفلين من أصحابه وقام بالدس والتلفيق وفعل فعلته . ويؤكد في موضع آخر أن ثلاثة أنفس بجماعتهم في مصر كانوا يضمرون له العداء .
واختلاف روايات الشيخ أمر طبيعي لأنه يروي شيئا لم يره وإنما أخبره به أتباعه ، ونحن ندرك أن ثمة أكثر من جهة أخبرت الشيخ بمن قام بالدس ، والأمر كله قائم على التخمين ونقل الأخبار.. فلا تثريب على الشيخ إذا اختلفت الروايات التي يقصها عمن قام بالدس ، غير أنه كان واضحا حين نسب هذا الأمر جملة إلى أعدائه وحساده .
الأمر الآخر أن الشيخ وهو يحكي لنا عمن قام بالدس يتحدث في قصاصة ورقية صغيرة عن موقفين للدس يفصل بينهما عشر سنين لكنه يجمعهما في فكرة واحدة ، الموقف الأول هو حادثة الدس عليه عام سبعة وأربعين وهو في موسم الحج، والأخرى حادثة عام سبعة وخمسين بعد تأليف كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود . فمن الطبيعي وهو يستدعي من قام بالدس أن تتعدد روايته لأنه يتحدث في حقيقة الأمر عن موقفين ولا يتحدث عن موقف واحد .
وقد يقول قائل ومن هؤلاء ؟! والإجابة أن الشيخ الشعراني ذكرر في لطائف المنن أن " مدار جميع الأذى الذي وقع له طيلة عمره وقع من ثلاثة أنفس وجماعتهم وهم معروفون في البلد بين أصحابنا ، مع أن الثلاثة يكرهون بعضهم بعضا ، لكنهم اجتمعوا عليّ وصنفوا الأذى عليّ صنوف .. وقد بالغت في ذكر مناقب هؤلاء الثلاثة وذكرتهم بأحسن الذكر ،ضد ما فعلوا معي .[5]
نحن إذا أما ثلاثة رجال لكل واحد منهم أصحاب وتلاميذ ، وهؤلاء الثلاثة ليسوا من مذهب فقهي واحد أو أتباع طريقة صوفية واحدة لأنهم لا يحب بعضهم بعضا ولكنهم اجتمعوا على الشيخ ، وتلميذه عبد الرءوف المناوي ذكر في الكواكب الدرية أنهم من الفقهاء والصوفية .[6] ويمكننا ان نقسم هؤلاء إلى صنفين :
أولهما – طائفة الفقهاء ومجموعة من هؤلاء هي من حاولت تشويه الشيخ وليس من الضروري أن يكونوا من غير أتباع المذهب الشافعي الذي ينتمي إليه الشيخ بل الغالب المزاحم لليقين أنهم من أرباب الاتجاه السني في المذهب الشافعي وأنهم من تلامذة السخاوي الذي هاجم السيوطي وهاجمه السيوطي بضراوة ، إنهم بقية ذلك الصراع بين اتجاهين في المذهب الشافعي أحدهما صوفي والآخر سني ، والشعراني رشحه قربه من السطوحية أتباع السيد البدوي لأن يكون محطة لسهام هذا الاتجاه السني خصوصا وأن شيخ الإسلام ابن حجر في الدرر الكامنة جعل السطوحية قاعدة من قواعد التصوف الضال وأشار إلى أن مخالفتهم للشريعة في احتفالتهم الدينية واختلاط النساء بالرجال بلغ درجة لم تعد تحتمل ، فاستعمل ابن حجر تعبير قاعدة السطوحية كما كان الإمام الذهبي يستعمل تعبير القاعدة الفلسفية لوصم صوفية الاتجاه الفلسفي من الاتحادية .ولسنا نزعم أن أئمة الاتجاه السني في المذهب الشافعي هم من ألبوا عليه ودسوا عليه بل نزعم أنهم بعض كبار تلاميذ المذهب في هذا الوقت بدليل أنهم شحنوا الدنيا بالأسئلة التي وجهوها لعلماء المذهب في هذا الوقت وقد ردهم المشايخ ودافعوا عن الشعراني .
وثمة اتجاه آخر من داخل المذهب الشافعي وفي بقية المذاهب الفقهية الأخرى كان يرى في الأفكار التي طرحها الشعراني من حتمية الإفادة من المذاهب الإسلامية كافة والانعتاق من قبضة التمذهب والانخلاع من وطأة الحواشي والشروح والعودة إلى نور الأحاديث النبوية الشريفة دعوة صريحة إلى تفكيك المذهب الشافعي والمذاهب الأخرى .. وهذا يفتح الباب للتلفيق بين المذاهب وتتبع الرخص وهدم الجهاد العلمي الفقهي للأمة الإسلامية وللمذهب الشافعي على وجه الخصوص وفتح الباب لكل من هب ودب ووب لتأسيس اتجاه فقهي جديد يؤدي على المدى البعيد إلى نشأة عدة مئات من المذاهب الإسلامية واختلال الفتوى في العالم الإسلامي ؛ لذلك فإن دعوة الشعراني للانفتاح على المذاهب الإسلامية والعودة إلى الأحاديث النبوية مباشرة كان ينظر إليها بعدم الارتياح من المتمذهبين المتزمتين ومن بعض المخلصين الذين يعرفون عواقب الأمور .
ومن هذا كله يمكننا أن نفهم الأسباب التي دفعت بهؤلاء إلى إحداث فتنة سنة 947ه وتزوير فتوى للشيخ لا ينخرم بها إجماع الفقهاء وإنما إجماع الدنيا كلها . ونشر ذلك في موسم الحج في الحجاز ليكون أدعى لانتشار الفتوى في ربوع العالم الإسلامي فإذا ما طرد من مصر لايجد له بلدا لها شأن وفيها علماء يرضون باستقباله وإقامته بين ظهرانيهم .فيولي دبره إلى أي مكان صغير يقع خارج البلد ولاينتفع فيه أحد من علمه فتنقطع عنهم أخباره ويستريحون منه . وهذا التخطيط من الاستحالة أن يصدر من دراويش الصوفية إنه تخطيط نشم فيه رائحة مكر بعض طلبة الفقه .
ولكنهم عادوا بعد بعد مضي عشر سنين على فعلتهم الأولى في سنة957ه ونصبوا مخططهم بإحاكم فدسوا عليه في جبهتين محكمتين : في مقدمة كتاب كشف الغمة دسوا عليه مزعمة أنه بلغ درجة الاجتهاد المطلق في المذاهب الفقهية : يعني أنه يقول لإقرانه إنه قد أصبح المرجعية الفقهية العظمى في العالم الإسلامي. وهذا كفيل بإيغار صدورهم وتنحيتهم من الصراع مع الشيخ لينفرودا به وقاموا في أثناء ذلك بدس خبيث في كتاب آخر من أهم كتب الشيخ وهو كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود ، والشعراني حدثنا أنهم دسوا في الكتاب عقائد زائغة .
وثانيهما – صوفية زمانة : ولا يمكن أن ننسى الجماعات الصوفية التي نظرت للشعراني بعين الريبة ولم يعجبها أبدا أن يزداد عدد أتباعه عن أتباعهم خصوصا وأن الرجل ليس من نسل الحسن أو الحسين كل ما هنالك أنه من نسل محمد بن الحنفية ؟!! فكيف يزيد عدد أتباعه عن أتباعهم ؟!! وهذه من المسائل التي نصوا عليها في رسائلهم للباب العالي حيث ذكرو كثرة أتباعه في مصر وأن هذا يؤهله لمنازعة أولي الأمر سيطرتهم على البلاد والعباد .
ويبدو أنهم انتقصوه وشككوا في بلوغه درجة القطبية لأنه تزوج أربع نسوة ، فرد عليهم الشيخ بأن الانشغال بسنن النكاح من العبادات كما في لطائف المنن ، وأمعن في الكيد لهم فأشار في بعض كتبه نقلا عن محي الدين بن العربي أن من شأن القطب الغوث محبة النكاح لما فيه من التحقق بالعجز الذي هو أكبر أوصاف العبودية ."[7] ولا ننسى أن كاتب الزاوية الذي طره الشعراني حين انطلق بمدسوساته ذهب أول ما ذهب للشيخ البكري فأطلعه عليها.
جميع المصادر التي كتبها الشعراني بيده تؤكد أن هناك رجل واحد من المجاورين حدث بينه وبين الشيخ خلاف فقام الشيخ بطرده من الزاوية ، فقام هذا الرجل على أثر ذلك بالدس عليه في كتابين من كتبه : أحدهما هو كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود ، والذي يشير إليه الشيخ أحيانا باسم العهود . والآخر مقدمة كتاب كشف الغمة ... ثم ذهب هذا الرجل إلى أحد كبار المشايخ في عصر الشيخ وأطلعه على النسخ المحرفة وطلب منه أن يطلع المشايخ على حقيقة الشيخ الشعراني ، وانطلق على إثر ذلك إلى الأزهر فأطلع طلبة العلم على هذه المحرفات فثارت فتنة كبيرة في البلد .. هذه باختصار قصة الرجل الذي قام بالدس على الشعراني ..
وقد ذكرها الشيخ في أكثر من موضع لكننا ننقلها لكم من مقدمة مخطوطة العهود والمواثيق لوح رقم 8 ففيها تفصيل دقيق لما حدث ، وفي هذا يقول الشيخ : " إن بعض المجاورين عندي كان مواظبا على حضور درسي الفقه والتصوف ، ويكتب مؤلفاتي ، ثم وقع في ذنب اقتضى إخراجه من الزاوية ، وكان يسمعني وأنا أذكر للجماعة بعض مسائل وقع فيها أهل الشطح ، وأبين لهم فسادها ، وكان يكتبها أيام الاعتقاد في جانبي ،ليجتنب الوقوع فيها ،فلما أُخرج من الزاوية دس بعضها في هذا الكتاب ، وبعضها في غيره ، وسلكها حتى كأنها من كلام المؤلف ، ثم اجتمع بسيدي الشيخ أبي الحسن البكري ،وذكر أنها من كلامي ،وأني أرتضيها ، ثم دخل بها الجامع الأزهر ودار بها على طلبة العلم ، فلا يعلم عدد من وقع في عرضي إلا الله عز وجل .[8]
وثمة رواية أخرى لما حدث في لطائف المنن :" ثم إني لما صنفت كتابي البحر المورود في المواثيق والعهود ، وكتب عليه علماء المذاهب الأربعة بمصر ، وتسارع الناس لكتابته فكتبوا منه نحو أربعين نسخة ، غار من ذلك الحسدة ، فاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي فاستعاروا منه نسخته ، وكتبوا لهم منها بعض الكراريس ودسوا فيها عقائد زائغة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين ، وحكايات وسخريات عن جحا وابن الرواندي ، وسبكوا ذلك في غضون الكتاب في مواضع كثيرة ، حتى كأنهم المؤلف ، ثم أخذوا هذه الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتبيين في يوم السوق ، وهو مجمع طلبة العلم ،فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها ، فاشتراها من لا يخشى الله تعالى ثم دار بها على علماء الجامع الأزهر ممن كان كتب على الكتاب وممن لم يكتب فأوقع ذلك فتنة كبيرة ، ومكث الناس يلوثون بي في المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة .." لطائف المنن والأخلاق ج2/ ص 190-191
وهذا النص مهم وكاشف لحقيقة أن من قام بالدس كان رجلا واحدا من تلامذة الشيخ أعرض الشيخ عن ذكر اسمه .
المطلب الرابع – المادة المدسوسة على الشيخ :
ذكر الشيخ تفصيلا دقيقا لما تم دسه في نحو قوله :" ثم إني لما صنفت كتابي البحر المورود في المواثيق والعهود ، وكتب عليه علماء المذاهب الأربعة بمصر ، وتسارع الناس لكتابته فكتبوا منه نحو أربعين نسخة ، غار من ذلك الحسدة ، فاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي فاستعاروا منه نسخته ، وكتبوا لهم منها بعض الكراريس ودسوا فيها عقائد زائغة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين ، وحكايات وسخريات عن جحا وابن الرواندي ، وسبكوا ذلك في غضون الكتاب في مواضع كثيرة ، حتى كأنهم المؤلف ، ثم أخذوا هذه الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتبيين في يوم السوق ، وهو مجمع طلبة العلم ،فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها ، فاشتراها من لا يخشى الله تعالى ثم دار بها على علماء الجامع الأزهر ممن كان كتب على الكتاب وممن لم يكتب فأوقع ذلك فتنة كبيرة ، ومكث الناس يلوثون بي في المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة .." لطائف المنن والأخلاق ج2/ ص 190-191
نحن إذا أمام رجل مطرود من الزاوية منقلب على شيخه معرفته بالشيخ عبد الوهاب الشعراني كبيرة حتى إن الشيخ قد خصه بكتابة مؤلفاته ونسخها ، ثمة خلاف إذا وقع بين الشيخ وهذا الرجل المطرود رأى من خلاله هذا الرجل حتمية الانتقام من الشيخ ؛ لهذا حارب الشيخ على جبهتين :
الجبهة الأولى– أنه نشر في مقدمة كتابه كشف الغمة ما يدل على أن الشيخ الشعراني بلغ درجة الاجتهاد المطلق . وهذا وحده كان كافيا لفتح بوابات الجحيم على الشيخ الشعراني لأنه يؤلب عليه أقرانه ويشعل نيران الحسد والغيرة بين الشيخ ومشايخ عصره من كافة المذاهب الفقهية .
الجبهة الثانية – إثارة القلاقل مع صوفية أهل زمانه بالطعن في عقيدته من خلال الدس عليه في الأمور التي كان يعتذر بها عن شطحات رجال التصوف ، فقام هذا الرجل المطرود بجمع هذه الشطحات ودسها داخل عدد من عهود الكتاب ونسبها للشعراني نفسه .بعد أن حذف منها تأويلات الشعراني واعتذاراته . ودس فيها عدد آخر من حكايات وسخريات جحا وابن الرواندي . وهذا كله يقودنا إلى أن موضوع الدس كان يدور في جبهتين أساسيتين: جبهة مزعمة بلوغ الشيخ درجة الاجتهاد المطلق ، وجبهة شطحات المتصوفة .
المطلب الخامس – سبب العداء بين الشعراني وكاتب الزاوية الذي دس عليه في كتبه :
هذا الرجل المطرود لم يكن يريد أن يؤذي الشيخ فحسب ولكنه كان يسعى للانتقام منه وهدمه وتجريده من مكانته العلمية في نفوس الفقهاء والصوفية على سواء . وهذا الأمر يدفعنا إلى البحث عن سر العداء بين الشيخ وتلميذه ..
ويبدو أن الشيخ المطرود لم يطرد من الزاوية بسبب جريمة حسية وقعت منه ؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لانسحب هذا المطرود في هدوء واختفى عن الأنظار ، فما الشيءالذي جعل الشيخ يطرد تلميذه النجيب من الزاوية ؟!
لم يصرح الشعراني بذلك لكننا نقبنا في كتبه لنرى رأيه في مسألة طرد الشيخ للمريد بعد قبوله به واستقراره في خدمته ، ووقعنا على هذا النص الفريد العجيب الذي يقدّم لنا سببا منطقيا لطرد ذلك المجاور من زاوية الشيخ وهذا ما نجده في كتابه الكوكب الشاهق بقوله : " ومما يجب على الشيخ زجر المريد إذا نازعه في مسألة بل إخراجه برجله من الحلقة وطرده لأن علوم أهل الطريق لا تقبل المنازعة كطريق غيرهم فإنها وارثة نبوية فلا تذكر إلا للمؤمنين بها .. وقد أجمع الشيوخ على أنه لا ينبغي للمريد أن يتكلم في أحوال الطريق إلا بما شاهده وعاينة ، وأن الصمت عليه في حضرة شيخه واجب والكلام عليه حرام ،والنظر عليه في الأدلة والمعارضة لكلام شيخه محظور ، وكل شيخ ترك مريده يبحث ويستدل عليه فهو ساع في هلاكه وحجابه وطرده عن حضرة ربه ،فالأولى بالشيخ إذا رأى المريد يجنح إلى استعمال عقله بالنظريات أن يطرده من حضرته لئلا يفسد عليه بقية أصحابه .[1]
وهذا كافي جدا في بيان سبب العداء الذي نشب بين التلميذ والأستاذ ، فثمة معركة فكرية حدثت بين الشيخ وتلميذه الناسخ لكتبه خشي على إثرها الشيخ على تلامذته من صاحب هذا الفكر المخالف لما قامت عليه المدرسة فقام بطرده ، ولكن المطرود لم يتوقف عند هذا الحد ففعل فعلته وبارز شيخه ودس عليه في كتبه ما يؤلب عليه العامة والخاصة .
المطلب السادس – الكتب التي عبث بها الرجل المطرود :
لم يتسرب الدس إلى جميع كتب الشيخ عبد الوهاب الشعراني ، والشعراني نفسه أشار إلى كتابين قام هذا الرجل بالدس فيهما ، والكتابان هما : كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود ، والذي أحيانا يسميه المواثيق والعهود ، وأحيانا يسميه العهود على جهة الاختصار .. والكتاب الآخر هو كتاب كشف الغمة ، وعملية الدس في الكتابين ليست واسعة وإنما محدودة كما صرح بذلك الشيخ عبد الوهاب نفسه بمثل قوله : في مقدمة كتابه الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية : ... وأعيذها بالله تعالى من شر كل حاسد يدس فيها ما ليس من كلامي ، لينفر الناس من مطالعتها ، كما وقع لي ذلك في كتاب " العهود " وفي مقدمة كتاب " كشف الغمة عن جميع الأمة " ، فإن بعض الحسدة لما رأى إقبال الناس على هذين الكتابين غار من ذلك فاستعار له نسخة من كل كتاب ، ودس فيها ما ليس من كلامي ، وسلكه في غضونها حتى كأنه المؤلف ،ثم أعطى ذلك لبعض المتهورين في دينهم .وقال له أطلع العلماء على هذا الكلام المخالف لظاهر الشريعة الذي ألفه فلان ... مع أني بحمد الله سني محمدي وما ألفت شيئا من الكتب إلا بعد تبحري في علوم الشريعة واطلاعي على مذاهب المجتهدين وأدلتهم . فكيف أخالفهم ؟!
وأعرف بعض جماعة يظنون أني أعتقد ما دسوه في كتبي من العقائد الزائفة إلى وقتي هذا وما منهم أحد يجالسني قط ، فالله يغفر لهم أجمعين . فإياك أن تصغي لقولهم فإني بريء من جميع ما دسوه ، وبيني وبينهم يوم القيامة ."[1]
وقال الشيخ في موضع آخر في الطبقات الصغرى في ترجمة شهاب الدين بن عبد الحق السنباطي : " وطالع كتابي العهود من أوله إلى آخره ، وأعجب به ، ونقل منه على الكرسي عدة عهود وأنا أسمع ، ولما رماني بعض من لا يخشى الله تعالى ببعض بهتان انتصر لي فوق الكرسي ثلاث مجالس حتى رجع ذلك المفتري عني ." [2]
ومن الواضح أنه خص كتابه العهود هنا بالذكر لأنه هو المقصود بالدس ، وبيّن أن الشيخ قرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره ودافع عنه أشد المدافعة .
وفي مقدمة كتابه الأخلاق المتبولية ذكر الدس عليه في كتاب العهود بقوله :" و أسأل الله تعالى من فضله وكرمه أن يحفظ كتابي هذا من كل حاسد وعدو يدس فيه ما ليس من كلامي مما يخالف ظاهر الشريعة لينفروا الناس عنه كما فعلوا في كتابي العهود وثارت فتنة في الجامع الأزهر وغيره ، وما خمدت إلا بإرسال نسختي السليمة من الدس وعليها خطوط العلماء كما بينته في خطبة العهود .[3]
وإذا تركنا كتاب العهود ورجعنا إلى كتاب كشف الغمة الذي صرح أنه وقع الدس في مقدمته ، نجد الشيخ تحدث عنه في أكثر من مناسبة بلفظ صريح في كتاب الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية 1/ 17-18 وكتاب تنبيه المغترين ص 18 ، كما أنه ذكر موضوع الدس عليه في هذا الكتاب( وهو ادعائه بلوغ درجة الاجتهاد المطلق) في عدة مواطن ومن ذلك :
- ذكر الشيخ في الطبقات الصغرى في ترجمة نجم الدين الغيطي :" ولما افترى عليّ بعض الحسدة : أنني ادعيت الاجتهاد المطلق ، وأن أتباعي كثرت في مصر ، وكتبوا بذلك قصة إلى باب السلطان ، وقالوا : إن لم تخرجوا عبد الوهاب من مصر وإلا خِيف على المملكة منه ، انتصر لي رضي الله عنه ، ورد عني الأعداء أشد الرد ، وقال : أما وقوع الاجتهاد ممن يدعيه في كل عصر فهو ممكن ، ولا ينكره إلا جاهل ؛ فإن من شرط القاضي أن يكون مجتهدا .. وأما كثرة أتباعه : فلم يزل الفقراء لهم خلائق يتبعونهم ، وأما خشية المنازعة للملكة : فالحس يكذب هؤلاء الحسدة لأن الرجل لا يمشي في السوق إلا وحده ، وهو زاهد في الدنيا تعرض عليها فيردها ، فكيف يُتصور منه مزاحمة عليها ؟! "[5]
- وفي ترجمة نور الدين الطندتاي قال الشيخ :" ولما افترى علي بعض الحسدة أنني ادعيت الاجتهاد المطلق .. وكذلك لما دس بعض الحسدة في مؤلفاتي كلمات تخالف ظاهر الكتاب والسنة بادر غالب الناس إلى الكلام في عرضي إلا هو ." [6]
- وفي ترجمته لمحمد بن شهاب الدين الرملي ذكر أنه :" ... طالع كتابي المسمى بالعهود من أوله إلى آخره ، وكذلك " أسماء علوم القرآن " وهو ثلاثة آلاف علم ، فقدّم إليه بعض الحسدة سؤالا في مضمونه أنني ادعيت الاجتهاد المطلق ، فبادر بعض الناس وأنكر بلوغ أحد في هذا الزمان إلى مثل ذلك ، وتوقف وقال : ائتوني بالكتاب الذي فيه ذلك ، أو بينة عادلة ، فأعجزهم .[7]
وقد يقول قائل ولكن الشيخ في بعض المواطن عبر عن الدس بعبارة فضفاضة كقوله : " في هذا الكتاب وغيره" ، وهذا يفهم منه أن الدس ممكن أن يقع في جميع كتبه ، وهذا فهم سقيم لأن الغيرية لا تقتضي الإحاطة بجميع كتب الشيخ ، ويمكننا أن نصرفها بسهولة ويسر إلى كتاب واحد آخر ، والأمر يسير لأن الشيخ حدد ميدان الدس عليه بهذين الكتابين ليس غير في أكثر من موضع كما مر معنا آنفا فلا يوجود نزاع في هذه المسألة أصلا.
المطلب السابع _ كيفية مواجهة الدس على الشيخ بمنهجية الشعراني نفسه ؟! :
والآن ننتقل إلى الطريقة العلمية التي واجه بها الشعراني نفسه عملية الدس، بعيدا عن الهمجية في الهجوم على تراث الشيخ ، وهذه الطريقة تتمثل في عرض النسخة المدسوس فيها على نسخة أخرى موثوق فيها وهذا ما فعله الشعراني نفسه ، فالشيخ أنكر أن يكون هذا الكلام هو من كتبه وأرسل النسخ التي عنده والتي عليها توقيع العلماء فكانت خالية من التحريف والدس فظهرت براءته وسكنت الفتنة في الحال .وفي هذا يقول الشيخ في كتابه تنبيه المغترين في القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر:" أعيذه بكلمات الله التامة من شر كل عدو وحاسد يدس فيه ما ليس من كلامي ، مما يخالف ظاهر الكتاب والسنة .. كما وقع لي ذلك في كتابي المسمى "بالبحر المورود في المواثيق والعهود" وفي مقدمة كتابي المسمى "بكشف الغمة عن جميع الأمة" وحصل بسبب ذلك فتنة غظيمة في الجامع الأزهر وغيره ، وظن غالب المتهورين أن ما دسوه علي من العقائد الزائغة والمسائل الخارقة لإجماع المسلمين من جملة ما اعتقدته وتدينت به .. ثم لم تخمد تلك الفتنة حتى أرسلت النسختين الصحيحتين من العهود و من كشف الغمة إلى العلماء بالجامع الأزهر" .[8]
العلاج إذا عند الشعراني ينطلق من منهجية مقارنة النسخ بعضها على بعض ، ومن حسن حظ دارسي تراث الشيخ الشعراني أن مؤلفاته كانت تدرس في زاويته ، وعملية نسخ هذه المؤلفات كانت منتشرة بين طلبة العلم في هذه الحقبة ،فحيثما وجد طالب علم وجد معه الكتاب المنسوخ .
الحل الشعراني للمسألة حل سهل وعلمي في الوقت نفسه وهو من الأدوات التي رسخها المستشرقون في تحقيق النصوص ، وانتقل ذلك المنهج حديثا إلى محققي التراث الإسلامي فلم يعد هناك مبرر لتجاوز هذا المنهج في تراث الشعراني .ولكن هذا الإجراء المنهجي لم يسعف جماعات المخربين لتراث الشيخ الذين رأوا أن تنظيف كتب الشيخ من المدسوس يعني عندهم حذف الخرافات والانحرافات التي ذكرها الشيخ في كتابه ، وكأن الشيخ ترك كتبه بدون تنظيف ، وكأن الشيخ لم يبين ما دس عليه ولم يعرفه. ونسى هذا القطيع أن الشيخ كان ينقل بأمانة منقطعة النظير المعلومات المتوفرة لديه عن متصوفة عصره والتي تحمل في أطوائها توصيفا لرؤية المجتمع المصري للصوفية وتأطيرا فضفاضا من المجتمع لمفهوم كرامات أولياء الله الصالحين ، وهرجا ومرجا في إدخال المجاذيب والمجانين في بوتقة كبار رجالات الطريق إلى الله .


[1] - الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية 1/ 17-18

[2] - الطبقات الصغرى : عبد الوهاب الشعراني ( القاهرة : مكتبة الآداب 2003م) ص75

[3] - الأخلاق المتبولية 1/96

[4] - العهود المحمدية: عبد الوهاب الشعراني ( حلب : دار القلم العربي 1993م) ص5

[5] - المرجع السابق ص 111

[6] - المرجع السابق ص 113

[7] - المرجع السابق ص 119

[8] - تنبيه المغترين : عبد الوهاب الشعراني ( القاهرة : المكتبة التوفيقية : 18




[1] - الكوكب الشاهق في بيان المريد الصادق وغير الصادق : عبد الوهاب الشعراني ( القاهرة : دار المعارف 1991)ص50-51



[1] - مقاييس اللغة لابن فارس مادة ( دسّ ) ج2/ ص256 أساس البلاغة (1/ 286)

[2] - لطائف المنن : عبد الوهاب الشعراني ( دمشق : دار التقوى 2004م) ص818

[3] -وقال في المنن الكبرى : ووقع في سنة سبع وخمسين وتسعمائة أن شخصا ممن لا يخشى الله تبارك وتعالى زوّر علي أنني ادعيت الاجتهاد المطلق كاحد الأئمة الأربعة ،فلا تسأل يا أخي عن كثرة ما لاث الناس بعرض . ولعل شبهتهم في ذلك كثرة أجوبتي عن الأئمة ... وهذا الاجتهاد المطلق لم يدعه أحد بعد الأئمة الأربعة إلا ابن جرير الطبري ولم يسلم له ذلك " ص181

[4] - لطائف المنن والأخلاق للشعراني ج2 /ص 190

[5] - لطائف المنن : ص818

[6] - الكواكب الدرية 3/395-396

[7] - الكوكب الشاهق ص97

[8] - مخطوطة العهود والمواثيق لوح رقم 8




[1] - الطبقات الكبرى : عبد الوهاب الشعراني ، تهذيب محيي الدين الطعمي ( القاهرة : دار الروضة 2009) ج1/ص4

[2] - الطبقات الكبرى : عبد الوهاب الشعراني ، تحقيق عبد الرحمن حسن محمود ( القاهرة : مكتبة الآداب 1993) غلاف الكتاب.