بسم الله وبعد :
فهذا مبحث في مسألة استحباب ذبيحة رجب الموسومة بالعتيرة، والفرع، قسمته على النحو التالي :
المطلب الأول : تعريف العتيرة والفرع :
المطلب الثاني : تحرير الأقوال، وبيان محل النزاع والخلاف :
المطلب الثالث : أدلة من قال بمشروعيتهما :
المسألة الأولى : أدلة ظاهرها وجوب الفرع والعتيرة لكنها محمولة على الاستحباب :
المسألة الثانية : أدلةٌ صرفت الأمر إلى الاستحباب :
المطلب الرابع : أدلة من أطلق القول بجواز العتيرة لكن في أي شهر بدون تقييد :
المطلب الخامس: أدلة من قال بنفي العتيرة وتأويل قوله :
المطلب الأول : تعريف العتيرة والفرع :
1/ أما العتيرة فهي الذبيحة التي كانوا يذبحونها في رجب، يعظّمون شهر رجب لأنه شهر محرم منفرد؛ وصارت في الإسلام تسمى بالرّجبية وكذلك العتيرة .
وهي في مطلق الشهر، لكن اختلفوا في وقت الأفضلية :
فقيل : أفضل ذلك العشر الأُوَل، وقيل الوسطى .
وقال الحربي في غريب الحديث حدثنا أبو بكر حدثنا أسامة عن ابن عون: سألت الشعبى عن العتيرة؟ قال: في عشر يبقين من رجب ".
قال أبو عبيد في غريبه (1/195) :" قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَأما العتيرة فَإِنَّهَا الرجبية وَهِي ذَبِيحَة كَانَت تذبح فِي رَجَب يتَقرَّب بهَا أهل الْجَاهِلِيَّة ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَام فَكَانَ على ذَلِك حَتَّى نسخ بعد , .... وَذَلِكَ أَن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا طلب أحدهم أمرا نذر لَئِن ظفر بِهِ لَيَذْبَحَن من غنمه فِي رَجَب كَذَا وَكَذَا وَهِي العتائر".
وتعقبه ابن قدامة فقال في المغني :" والصحيح إن شاء الله تعالى، أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر، جعلوا ذلك سنة فيما بينهم، كالأضحية في الأضحى، وكان منهم من ينذرها، كما قد تنذر الأضحية بدليل قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم :" على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة "،
وهذا الذي قاله النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بدء الإسلام تقرير لما كان في الجاهلية وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر، ثم نسخ ذلك بعد، ولأن العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة، فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي وقت كان لزمه الوفاء بنذره والله أعلم ".
وفي قول بعضهم :" كان ذلك في بدء الإسلام تقريرا لما كان في الجاهلية، ثم نُسخت "، نظر ووَهْم تتابعوا عليه، لأن النبي عليه السلام لم يقل ذلك في أول الإسلام كما ادّعوا، بل قاله قُبيْل وفاته بثلاثة أشهر بالضبط، في يوم عرفة من خطبة حجة الوداع كما سيأتي بأدلته .
2/ وأما الفرعة فهي أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه صغيرا لآلهتهم، إذا بلغت عددا معينا، فنُهُوا عن ذلك، وأمروا بذبحها لله تعالى، تفاؤلا وتبركا، لكن مع تفضيل ترك الفرع حتى يكبر، أو يُنحر كبير آخر بدله، لأمور :
إحداها : حتى لا تفجع الأم بوليدها .
والثاني : أنه لا فائدة من لحمه لشدة صغره .
والثالث : حتى لا تنقطع الاستفادة من لبن الأم بموْت وليدها،
وقد جمع هذه الأمور قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: فرِّعوا إِن شِئْتُم وَلَكِن لَا تذبحوه غراة حَتَّى يكبر"، وفي رواية :" وَلَكِن لَا تذبحوه صَغِيرا لَحْمه يلتصق كالغراة ". وَقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سُئل عَن الْفَرْع : حقّ وَإِن تتركه حَتَّى يكون ابْن مَخَاض وَابْن لبون زخزبا خيرٌ من أَن تكفأ إناءك وتوله نَاقَتك وتذبحه يلصق لَحْمه بوبره ".
قال ابن سلام في غريب الحديث (3/92) :" الفرع، هو أول شئ تنتجه الناقة، فكانوا يجعلونه لله، فقال النبي عليه السلام: هو حق، ولكنهم كانوا يذبحونه حين يولد فكره ذلك، وقال: دعه حتى يكون ابن مخاض أو ابن لبون فيصير له طعم ".
وقال أبو بكر (5/119) حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرع، في كل خمس شياه شاة » وقيل خمسين .