تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: علامات المنافق

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2014
    المشاركات
    631

    افتراضي علامات المنافق

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
    وبعد

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
    عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ
    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ
    معاني الكلمات
    الْآيَة : الْعَلَامَة ،
    المنافق: الذي يظهر خلاف ما يبطن
    خلة : خصلة
    الفجور: الميل عن القصد
    الجمع بين الحديثين
    قال النووي: الرِّوَايَةِ الْأُولَى : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا ) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( آيَة الْمُنَافِق ثَلَاث ) فَلَا مُنَافَاة بَيْنهمَا فَإِنَّ الشَّيْء الْوَاحِد قَدْ تَكُون لَهُ عَلَامَات كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ تَحْصُل بِهَا صِفَته ، ثُمَّ قَدْ تَكُون تِلْكَ الْعَلَامَة شَيْئًا وَاحِدًا ، وَقَدْ تَكُون أَشْيَاء . وَاَللَّه أَعْلَم([1]) .

    فَإِنْ قِيلَ ظَاهِره الْحَصْر فِي الثَّلَاث فَكَيْف جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر بِلَفْظِ " أَرْبَع مَنْ كُنَّ فِيهِ . . . الْحَدِيث " . أَجَابَ الْقُرْطُبِيّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اِسْتَجَدَّ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعِلْم بِخِصَالِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْده . وَأَقُول : لَيْسَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُض ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ عَدّ الْخَصْلَة الْمَذْمُومَة الدَّالَّة عَلَى كَمَالِ النِّفَاق كَوْنهَا عَلَامَة عَلَى النِّفَاق ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون الْعَلَامَات دَالَّات عَلَى أَصْل النِّفَاق ، وَالْخَصْلَة الزَّائِدَة إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى ذَلِكَ كَمُلَ بِهَا خُلُوص النِّفَاق ([2])
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ أَيْضًا وَالنَّوَوِيّ : حَصَلَ مِنْ مَجْمُوع الرِّوَايَتَيْن ِ خَمْس خِصَال ؛ لِأَنَّهُمَا تَوَارَدَتَا عَلَى الْكَذِب فِي الْحَدِيث وَالْخِيَانَة فِي الْأَمَانَة ، وَزَادَ الْأَوَّل الْخُلْف فِي الْوَعْد وَالثَّانِي الْغَدْر فِي الْمُعَاهَدَة وَالْفُجُور فِي الْخُصُومَة . قُلْت : وَفِي رِوَايَة مُسْلِم الثَّانِي بَدَل الْغَدْر فِي الْمُعَاهَدَة الْخُلْف فِي الْوَعْد كَمَا فِي الْأَوَّل ، ([3])
    وَقَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا الْحَدِيث عَدَّهُ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مُشْكِلًا مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذِهِ الْخِصَال قَدْ تُوجَد فِي الْمُسْلِم الْمُجْمَع عَلَى عَدَم الْحُكْم بِكُفْرِهِ . قَالَ : وَلَيْسَ فِيهِ إِشْكَال ، بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيح وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ : إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ خِصَال نِفَاق ، وَصَاحِبهَا شَبِيه بِالْمُنَافِقِي نَ فِي هَذِهِ الْخِصَال وَمُتَخَلِّق بِأَخْلَاقِهِمْ . قُلْت : وَمُحَصَّل هَذَا الْجَوَاب الْحَمْل فِي التَّسْمِيَة عَلَى الْمَجَاز ، أَيْ : صَاحِب هَذِهِ الْخِصَال كَالْمُنَافِقِ ، وَهُوَ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالنِّفَاقِ نِفَاق الْكُفْر . وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَاب عَنْهُ : إِنَّ الْمُرَاد بِالنِّفَاقِ نِفَاق الْعَمَل كَمَا قَدَّمْنَاهُ . وَهَذَا اِرْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ عُمَر لِحُذَيْفَة : هَلْ تَعْلَم فِيَّ شَيْئًا مِنْ النِّفَاق ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ نِفَاق الْكُفْر ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نِفَاق الْعَمَل([4]) .
    المعنى العام
    هذه خصال لا تليق بالمسلم الذي يطابق ظاهره باطنه ، الذي يتجنب الخداع والمراوغة ، وهي تمثل : آفة اللسن ، وآفة النية ، وآفة الجوارح .
    صفات لو اجتمعن بالمرء كان منافقا خالصا تكامل نفاقه فمن كانت فيه خصلة منهاكان فيه جزء من النفاق حتى يدعها ، إذا كان الكذب عادته وسجيته ، ، والغدر في العهود والنكث بعد إعطاء الأمان ، وعدم الوفاء بالعود ، والخلف في المواعيد ، وتبييت الخلف والعزم على عدم الوفاء ، والفجور في الخصومة والخروج على حدود الشرع والآداب ، وخيانة الأمانة ([5])

    النفاق نوعان : نفاق أكبر عقيدة : وهو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر وهذا حال منافقي المدينة كابن سلول ، وهؤلاء ساكنوا الدرك الأسفل من النار
    نفاق أصغر نفاق أخلاق" عمل" : وهو نفاق الأخلاق يظهر الحسن ويخفي ويبطن القبيح المقصود في الحديث
    قال أبو الزناد: ولم يُرد النبى - صلى الله عليه وسلم - بالنفاق المذكور فى هذين الحديثين النفاق الذى صاحبه فى الدرك الأسفل من النار، الذى هو أشد الكفر، وإنما أراد أنها خصال تشبه معنى النفاق، لأن النفاق فى اللغة أن يظهر المرء خلاف ما يبطن، وهذا المعنى موجود فى الكذب، وخلف الوعد، والخيانة.
    فإن قيل: قد قال - صلى الله عليه وسلم - فى حديث عبد الله بن عمرو: تمت كان منافقًا خالصًا - .
    قيل: معناه خالصًا فى هذه الخلال المذكورة فى الحديث فقطـ، لا فى غيرها، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48].
    وقد ثبت عن الرسول أنه يخرج مِن النار مَن فى قلبه مثقال حَبَّة من خردل من إيمان ([6])
    قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ) مَعْنَاهُ شَدِيد الشَّبَه بِالْمُنَافِقِي نَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَال ([7]).
    قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَال غَالِبَة عَلَيْهِ . فَأَمَّا مَنْ يَنْدُر فَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ . فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار فِي مَعْنَى الْحَدِيث . وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَام أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَاهُ عَنْ الْعُلَمَاء مُطْلَقًا فَقَالَ : إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْد أَهْل الْعِلْم نِفَاقُ الْعَمَل . وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : الْمُرَاد بِهِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثُوا بِإِيمَانِهِمْ ، وَكَذَبُوا ، وَاُؤْتُمِنُوا عَلَى دِينهمْ فَخَانُوا ، وَوَعَدُوا فِي أَمْر الدِّين وَنَصْره فَأَخْلَفُوا ، وَفَجَرُوا فِي خُصُومَاتهمْ . وَهَذَا قَوْل سَعِيد بْن جُبَيْر ، وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح . وَرَجَعَ إِلَيْهِ الْحَسَن الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه بَعْد أَنْ كَانَ عَلَى خِلَافه . وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ، وَرَوَيَاهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : وَإِلَيْهِ مَال كَثِير مِنْ أَئِمَّتنَا . وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّه قَوْلًا آخَر أَنَّ مَعْنَاهُ التَّحْذِير لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَاد هَذِهِ الْخِصَال الَّتِي يُخَاف عَلَيْهِ أَنْ تُفْضِي بِهِ إِلَى حَقِيقَة النِّفَاق . وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ : رَحِمَهُ اللَّه أَيْضًا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي رَجُل بِعَيْنِهِ مُنَافِق وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُوَاجِههُمْ بِصَرِيحِ الْقَوْل ، فَيَقُول : فُلَان مُنَافِق ، وَإِنَّمَا كَانَ يُشِير إِشَارَة كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَال أَقْوَام يَفْعَلُونَ كَذَا ؟ وَاَللَّه أَعْلَم ([8])..
    قال المناوي : وخص هذه الثلاث لاشتمالها على المخالفة في القول والفعل والنية التي هي أصول الديانات فنبه على فساد القول بالكذب وفساد الفعل بالخيانة وفساد النية بالخلف وليس يتجه عليه أن يقال هذه الخصال قد توجد في المسلم والإجماع على نفي نفاقه الذي يصيره في الدرك الأسفل لأن اللام إن كانت للجنس فهو إما على منهج التشبيه والمراد أن صاحبها شبيه بالمنافق متخلق بأخلاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه أو الإنذار والتخويف أو الاعتياد والاضطرار ومصيره ديدنا وخلقا كما يؤذن به حذف المفعول من حدث لدلالته على العموم فكأنه قال إذا حدث في كل شئ كذب فيه وإن كانت للعهد فذلك في منافقي زمن النبي صلى الله عليه وسلم عموما حدثوا بإيمانهم فكذبوا ووعدوا في نصر الدين فأخلفوا وائتمنوا في المال فخانوا ، أو منافق خاص وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بما يكره بل يستر فيقول : " ما بال أقوام يفعلون كذا " ونحو ذلك أو يقال النفاق ضربان شرعي وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان وعرفي وهو أن يكون سره خلاف علانيته وهو المراد هنا.
    قال الكرماني وتبعه ابن حجر.
    وأحسن الأجوبة حمله على النفاق العملي (حكى) أن رجلا من البصرة حج فجلس بمجلس عطاء بن أبي رباح فقال : سمعت الحسن يقول : من كان فيه ثلاث خصال لم أنحرج أن أقول إنه منافق.
    فقال له
    عطاء : إذا رجعت إليه فقل له : عطاء يقرئك السلام ويقول لك : ما تقول في أخوة يوسف إذ حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا أكانوا منافقين ؟ ففعل فسر الحسن وقال : جزاه الله خيرا ، وقال لأصحابه : إذا سمعتم مني حديثا فاصنعوا كما صنع أخوكم.
    حدثوا به العلماء فما كان صوابا فحسن وإذا كان غير ذلك فردوه علي. ([9])

    ثم إنه لا منافاة بين قوله : " ثلاث " وقوله في خبر يجئ : " أربع " بزيادة : " إذا عاهد غدر " فرب شئ واحد له علامات كل منها تحصل بها صفته شيئا وقد تكون العلامة واحدا وقد تكون أشياء أو أن الأربع ترجع إلى ثلاثة بإدخال " إذا عاهد غدر " في " إذا ائتمن خان " (ق) وكذا أحمد (ت ن) كلهم في باب الإيمان (عن أبي هريرة) زاد مسلم في روايته عنه عقب ثلاث : " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم " أي وإن عمل أعمال المسلمين من صوم وصلاة وغيرهما من العبادات. ([10])

    صفات المنافق
    الأولى : " إذا حدث كذب "
    أي كثير الكذب يغلب على حديثه الكذب ،أن يُحدِّث بحديث لمن يصدِّقه به وهو كاذب له قال صلى الله عليه وسلم : إيَّاكم والكَذِبَ ، فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفُجور ، وإنَّ الفجور يهدي إلى النارِ
    ما المقصود من كذب الحديث ؟
    قال المهلب: والمراد بالحديث، والله أعلم، من يكون الكذب غالبًا على كلامه، ومستوليًا على حديثه، والخيانة على أمانته، والخلف على مواعيده، فإذا كان هذا شأنه قويت العلامة والدلالة.
    وأمّا من كان الكذب على حديثه نادرًا فى خبره تافهًا، والخيانة فى أمانته شاذة يدعى العذر فيها، والخلف فى أوعاده، مثل ذلك معتذر بآفات منعته من الإنجاز فلا يقضى عليه بالنادر اليسير، إذ لا يمكن أن يسلم أحدٌ من كذب.
    وقد سُئل مالك بن أنس، عمن جُرب عليه كذب، قال: أى نوع من الكذب، لعله إذا حدَّث، عن غضادة عيش سلف زاد فى وصفه وأفرط فى ذكره، أو أخبر عَمَّا رآه فى سفره، أعيا فى خبره وأسرف، فهذا لا يضره، وإنما يضر من حدَّث عن الأشياء بخلاف ما هى عليه عامدًا للكذب.
    وكذلك الخلف فى الوعد، والخيانة فى الأمانة إذا كانت شاذة يدعى فيها العُذر.
    وذلك مغتفر له غير محكوم عليه فى انفاق أو سوء معتقد، وقد جُرَّب على من سلف من الأئمة بعض ذلك، فلم يضرهم، لأنه كان نادرًا. ([11])
    ( وَإِذَا وَعَدَ )
    أَيْ أَخْبَرَ بِخَيْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِذْ وَعَدَ يَغْلِبُ فِي الْخَيْرِ وَأَوْعَدَ فِي الشَّرِّ ، وَيُضَافُ الْخُلْفُ فِي الْوَعِيدِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ([12])
    .

    ( أَخْلَفَ )
    أَيْ جَعَلَ الْوَعْدَ خِلَافًا بِأَنْ لَمْ يَفِ بِوَعْدِهِ . وَوَجْهُ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّ الْإِخْلَافَ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ غَيْرُ الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ لَازِمُ التَّحْدِيثِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ ؛ لِأَنَّ ذَمَّ الْإِخْلَافِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ تَضْمِينُهُ الْكَذِبَ الْمَذْمُومَ إِنْ عَزَمَ عَلَى الْإِخْلَافِ حَالَ الْوَعْدِ لَا إِنْ طَرَأَ لَهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ عَلَامَةَ النِّفَاقِ لَا يَلْزَمُ تَحْرِيمُهَا إِذْ الْمَكْرُوهُ لِكَوْنِهِ يَجُرُّ إِلَى الْحَرَامِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَامَةً عَلَى الْمُحَرَّمِ ، وَنَظَائِرُهُ عَلَامَاتُ السَّاعَةِ فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ ([13])
    وخلف الوعد على نوعين :
    أحدُهُما : أنْ يَعِدَ ومِنْ نيته أنْ لا يفي بوعده ، وهذا أشرُّ الخلف ، ولو قال : أفعل كذا إنْ شاء الله تعالى ومن نيته أنْ لا يفعل ، كان كذباً وخُلفاً ، قاله الأوزاعيُّ .
    الثاني : أنْ يَعِدَ ومن نيته أنْ يفي ، ثم يبدو له ، فيُخلِفُ من غير عذرٍ له في الخلف ([14])
    ( وَإِذَا اُؤْتُمِنَ )
    بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ جُعِلَ أَمِينًا وفي رواية بتشديد التاء بقلب الهمزة الثانية واوا وإبدال تاء والإدغام([15])

    ( خَانَ )
    أَيْ فِي مَا اُؤْتُمِنَ .
    قال تعالى : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } ((1)) ، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أدِّ الأمانة إلى من ائتَمَنَكَ )) ، وقال في خطبته في حجة الوداع : (( مَنْ كانَت عندَه أمانةٌ ، فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها )) وقال - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق .
    أي تصرف فيها على خلاف الشرع ونقص ما ائتمن عليه ولم يؤده كما هو ، وصح عطف الوعد على ما قبله لأن إخلاف الوعد قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو لازم التحديث فتغايرا أو جعل الوعد حقيقة أخرى خارجة عن التحديث على وجه الادعاء لزيادة قبحه كما في عطف جبريل على الملائكة بادعاء بأنه نوع آخر لزيادة شرفه ([16])
    (وإذا عاهد غدر) أي نقض العهد،
    في " الصحيحين " عن ابن عمر ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( لِكُلِّ غادرٍ لواءٌ يومَ القيامَةِ يُعرف به )) ، وفي رواية : (( إنَّ الغادرَ يُنصبُ له لواءٌ يومَ القيامة ، فيقال : ألا هذه غَدرةُ فلان )) ، وخرَّجاه أيضاً من حديث أنس بمعناه .
    وخرَّج مسلم من حديث أبي سعيدٍ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( لِكلِّ غادرٍ لواء عندَ استه يومَ القِيامة )) .
    والغدرُ حرامٌ في كلِّ عهدٍ بين المسلم وغيره ، ولو كان المعاهَدُ كافراً ، ولهذا في حديث عبد الله بن عمرو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ قَتلَ نفساً مُعاهداً بغير حقها لم يَرَحْ ([17])
    رائحةَ الجنة، وإنَّ ريحها ليوجَدُ من مسيرة أربعين عاماً )) خرّجه البخاري
    وقد أمر الله تعالى في كتابه بالوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقُضوا منها شيئاً .
    وأما عهودُ المسلمين فيما بينهم ، فالوفاء بها أشدُّ ، ونقضُها أعظم إثماً ومِنْ أعظمها : نقضُ عَهدِ الإمام على مَنْ بايعه ، ورضِيَ به ، وفي
    " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهُم الله يومَ القيامةِ ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ ، فذكر منهم : ورجلٌ بايع إماماً لا يُبايعه إلاَّ لدنيا ، فإنْ أعطاه ما يريد ، وفَّى له ، وإلا لم يفِ له )) .
    ويدخل في العُهود التي يجب الوفاءُ بها ، ويحرم الغَدْرُ فيها : جميعُ عقود المسلمين فيما بينهم ، إذا تَرَاضَوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاءُ بها ، وكذلك ما يجبُ الوفاء به لله - عز وجل - ممَّا يعاهدُ العبدُ ربَّه عليه من نذرِ التَّبرُّرِ ونحوه . ([18]).

    (وإذا خاصم فجر) مال في الخصومة عن الحق وقال الباطل،
    ويعني بالفجور أنْ يخرج عن الحقِّ عمداً حتى يصير الحقُّ باطلاً والباطلُ حقاً ، وهذا مما يدعو إليه الكذبُ([19])

    قال البيضاوي : يحتمل أن يكون هذا مختصا بأبناء زمانه فإنه علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميز بين من آمن به صدقا ومن أذعن له نفاقا وأراد تعريف أصحابه بحالهم ليحذروهم ولم يصرح بأسمائهم لعلمه بأن منهم من يتوب فلم يفضحهم ولأن عدم التعيين أوقع في النصيحة وأجلب للدعوة إلى الإيمان وأبعد عن النفور والمخاصمة ويحتمل كونه عاما لينزجر الكل عن هذه الخصال على آكد وجه إيذانا بأنها طلائع
    النفاق الذي هو أسمج القبائح فإنه كفرتموه باستهزاء وخداع مع رب الأرباب ومسبب الأسباب فعلم من ذلك أنها منافية لحال المسلمين فينبغي للمسلم أن لا يرتع حولها فإن من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ويحتمل أن المراد بالمنافق العرفي وهو من يخالف سره عليه مطلقا ويشهد له قوله من كان فيه خصلة منهن إلخ لأن الخصائل التي تتم بها المخالفة بين السر والعلن لا يزيد على هذا فإن نقص منهاخصلة نقص الكمال ([20])
    وفي " الصحيحين " عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أبغضَ الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِمُ )) .
    وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّكم لتَختَصمون إليَّ ولعلَّ بعضَكُم أنْ يكونَ ألحنَ بحُجَّته من بعض ، وإنَّما أقضي على نحو مما أَسْمَعُ ، فمن قضيتُ له بشيءٍ من حقِّ أخيه ، فلا يأْخُذْهُ ، فإنَّما أقطع له قِطعةً مِنَ النَّار )) ([21])
    فإذا كان الرجلُ ذا قدرةٍ عند الخصومة - سواء كانت خصومتُه في الدِّين أو في الدنيا - على أنْ ينتصر للباطل ، ويُخيل للسَّامع أنَّه حقٌّ ، ويوهن الحقَّ ، ويخرجه في صورة الباطل ، كان ذلك مِنْ أقبحِ المحرَّمات ، ومن أخبث خصال النفاق ([22])
    فوائد
    - النفاق هو اختلافُ السرِّ والعلانية
    - علامات النفاق ما بين نية وقول وعمل
    - المقصود بالنفاق نفاق الأخلاق والعمل وهو ذريعة للنفاق الأكبر ولعياذ بالله
    - سُئِلَ الإمامُ أحمد : ما تقولُ فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟ فقال : ومن يأمنُ على نفسه النفاق ؟ وكان الحسن يُسمي من ظهرت منه أوصافُ النفاق العملي منافقاً
    - وقال الشعبي : من كذب ، فهو منافق.
    - الخلف بالعهد وأنت تنوي خلف العهد
    - مَنْ خَاصَمَ في باطلٍ وهو يعلَمُهُ لم يَزَلْ في سَخَطِ الله حتى يَنزِعَ([23])ومَنْ أعانَ على خصومةٍ بظلم ، فقد باء بغضب من الله([24])
    - مِنْ أعظم خِصال النفاق العملي : أنْ يعملَ الإنسان عملاً ،
    - ويُظهرَ أنَّه قصد به الخيرَ ، وإنَّما عمله ليتوصَّل به إلى غرض له سيِّئٍ ، فيتمّ له ذلك ، ويتوصَّل بهذه الخديعةِ إلى غرضه ، ويفرح بمكره وخِداعه وحَمْدِ النَّاس له على ما أظهره ، وتوصل به إلى غرضه السيِّئِ الذي أبطنه ([25])

    سبحانك اللهم وبحمد نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك


    ([1]) شرح النووي على مسلم 1/150

    ([2]) فتح الباري

    ([3]) السابق

    ([4]) شرح النووي على مسلم 1/150

    ([5]) الأحاديث النبوية المختارة بتصرف ص 34

    ([6]) شرح ابن بطال 1/73

    ([7]) شرح النووي على مسلم 1/150

    ([8]) شرح النووي على مسلم 1/150

    ([9]) قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم : وهذا كذب ، ثم قال : لا يصح عن عطاء ، والحسن لم يقل هذا من عنده وإنَّما بلغه عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - . فالحديث ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - لا شكَّ في ثبوته وصحته والذي فسره به أهلُ العلم المعتبرون أنَّ النفاقَ في اللغة هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير ، وإبطان خلافه ،

    ([10]) فيض القدير 1/84

    ([11]) شرح ابن بطال 1/75

    ([12]) تحفة الأحوذي 6/429

    ([13]) تحفة الأحوذي 6/429

    ([14]) جامع العلوم والحكم

    ([15]) فيض القدير 1/84

    ([16]) فيض القدير 1/84

    ([17])قال ابن حجر في " الفتح " عقيب ( 3166 ) : (( يرح : بفتح الياء والراء ، وأصله يراح أي وجد الريح ، وحكى ابن التبن ضم أوله وكسر الراء ، قال : والأول أجود ، وعليه الأكثر ، وحكى ابن الجوزي ثالثة وهو فتح أوله وكسر ثانيه من راح يريح )) .

    ([18]) جامع العلوم والحكم

    ([19]) جامع العلوم والحكم

    ([20]) فيض القدير1/594

    ([21]) متفق عليه

    ([22]) جامع العلوم والحكم

    ([23]) رواه أبو داود( 3597 )

    ([24])خرجه : ابن ماجه ( 2320 ) ، والحاكم 4/99 ، وإسناده لا بأس به في المتابعات .


    ([25]) جامع العلوم والحكم

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    بارك الله فيكم
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •