*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وَهُوَ مَذمومٌ﴾ [القلم: 49]
*قوله {لَولا أَن تَدارَكَهُ}:* أَدْرَكَتْهُ.
قاله البغوي في تفسيره.
قال الواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين: أدركه.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: ويقال: تداركه الله تعالى برحمته: أي أدركه، وتداركته رحمة ربه {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّه}.
*قوله {نِعمَةٌ}:* أي رحمة.
يعني لولا أن أدركه الله برحمته؛ بأن ألهمه التوبة ووفقه إليها وقبلها منه، أي وفق يونس - عليه السلام -. كما وفق أباه آدم من قبل، قال تعالى {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
فرحمة الله أجل النعم. ونظيرتها قوله تعالى {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}: وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي: أي ولولا رحمة ربي بي لكنت من المشهدين عذاب جهنم.
قال سراج الدين النعماني في اللباب: {ولولا*نعمة*ربي} أي*رحمة*ربي، وإنعامه علي بالإسلام.
قال الكفوي في الكليات: {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَة}: يعني توفيق التوبة وقبولها.
قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {ولولا*نعمة*ربي*ل كنت*من المحضرين} أي:*ولولا*رحمة*رب ي*لكنت*من المحضرين*النار أي: الذين دخلوا النار.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لولا أن تداركه نعمة من ربه} فتاب.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ}: رحمة.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، والواحدي في الوجيز.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: {لَولا أَن تَدارَكَهُ}: ولكن تدار كه نعمة. يعني رحمة من ربه.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ثم قال تعالى: {لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ. . .}: أي رحمة فرحمه.*
قال السمرقندي في بحر العلوم: {لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} يعني: لولا النعمة والرحمة التي أدركته من الله تعالى.
قال الزمخشري في الكشاف: ونعمة ربه: أن أنعم عليه بالتوفيق للتوبة وتاب عليه.
قال القاسمي في محاسن التأويل: {لولاأن*تداركه*ن مة*من*ربه}*وهو قبول توبته ورحمته، وتضرعه وابتهاله.
*قوله {لَنُبِذَ}:* لطُرِحَ، ولألقيَ، ولترك، ولرمي به من بطن الحوت. وأصل النبذ: الطرح والالقاء، والترك، والرمي. تقول: نبذت كلامي: أي تركته.
ومنه ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر، وفيه: وَاللهِ لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا*فَنَبَذ *النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. أي فطرح، وألقى الناس خواتيمهم وكانت من ذهب.
ومنه ما رواه الشيخان، من حديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قُلْتُ لِلأَسْوَدِ: هَلْ سَأَلْتَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يُكْرَهُ*أَنْ*يُ نْتَبَذَ*فِيهِ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا*نَهى*النّ َبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ*أَنْ*ي ُنْتَبَذَ*فِيهِ قَالَتْ: نَهَانَا فِي ذَلِكَ، أَهْلَ الْبَيْتِ،*أَنْ* نَنْتَبِذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ*
قال اليفرني في الاقتضاب قوله: "نهى أن ينتبذ". [النبذ] أصله:الطرح*والرم ي والترك.
قال الطبري في تفسيره: وأما*النبذ*فإن أصله في كلام العرب*الطرح، ولذلك قيل للملقوط: المنبوذ؛ لأنه مطروح مرمي به، ومنه سمي النبيذ نبيذا، لأنه زبيب أو تمر يطرح في وعاء ثم يعالج بالماء.*
قال أبو الربيع سليمان بن بنين*في اتفاق المباني واختلاف المعاني: والنبذ*الطرح.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}: لينبذن*في الحطمة: أي*ليلقين*هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم صفة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها.
قاله ابن كثير في تفسيره.
ومنه {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}: أي*ألقيناهم*ي اليم وهو البحر هو مليم أي وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند.
قاله ابن كثير في تفسيره.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى (نبذناهم)*ألقينا م، وكل شيء ألقيته تقول فيه قد نبذته. ومن ذلك نبذت النبيذ، ومن ذلك تقول للملقوط منبوذ لأنه قد رمي به.
ومنه {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}: فنبذتها: أي*طرحتها*في العجل.
قاله القرطبي في تفسيره.
ومنه {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}: اطرح إليهم عهدهم.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان.
قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي ألق عهدهم إليه، وآذنهم بالحرب ولا تأخذهم على غرة.
ومنه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}: {فنبذوه وراء ظهورهم}: أي رموه وطرحوه.*
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.
قال أبو السعود في تفسيره: {فنبذوه}*النبذ*ال رمي*والإبعاد أي طرحوا ما أخذ منهم من الميثاق الموثق بفنون التأكيد وألقوه.
قال الزبيدي في تاج العروس: (النَّبْذُ: طَرْحُكَ الشيْءَ) مِن يدِك (أَمامَك أَو وَرَاءَك، أَو عَامٌّ) ، يُقَال: نَبَذَ الشيْءَ، إِذا رَمَاه وأَبْعَدَه، ومنه الحديث (فنبذ خاتمه) أي ألقاه من يده، وكل طرح نبذ. ونبذ الكتاب وراء ظهره: ألقاه.
انتهى
فمعنى قوله تعالى*{لَنُبِذَ}: لطرح بالفضاء من بطن الحوت.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره.
إلا أن الواحدي قال: لطرح حين ألقاه الحوت.
قال مجير الدين العليمي في تفسيره: لأُلقي*من*بطن الحوت.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: لألقي بوجه الأرض.
*قوله {بِالعَراءِ}:* أي بالأرض الفضاء، أي الصحراء.
وسميت " بالعراء " لأنها عارية، أي خالية من الشجر، ونحوه مما يستر. ونبه على العراء، لأنها أرض مهلكة.
قال الطبري في تفسيره: {لنبذ بِالعَراءِ}: وهو الفضاء من الأرض.
قال القرطبي في تفسيره: والعراء: الأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ولا شجر يستر.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والعَراء:*الأرضُ الفضاءُ التي لا يُسْتَتَرُ فيها بشيء. والجمع: أعْراء.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والعَراءُ بالمد: الفضاء لا سِتر به. قال الله تعالى: (لَنُبِذَبالعرا ).
قال الهروي في تهذيب اللغة: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِنَّمَا قيل لَهُ عَرَاء لِأَنَّهُ لَا شجر فِيهِ وَلَا شَيْء يغطيه. وَقيل: إِن*العَراءوَجه* الأَرْض*الْخَال ي وَأنْشد:
ورفعتُ رجلا لَا أَخَاف عِثَارها
ونبذت بِالْبَلَدِ*الع راءَ*ثِيَابِي.
قال الألوسي في روح المعاني: (لنبذ*بالعراء) بالأرض الخالية*من الأشجار أي في الدنيا.
انتهى
فمعنى قوله تعالى*{لَنُبِذَ بِالعَراءِ} يعني: لطرح بالصحراء. والصحراء هي الأرض التي لا يكون فيها نخل ولا شجر، يوارى فيها.*
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال الواحدي في الوجيز: {بالعراء} بالأرض الفضاء الواسعة لأنَّها خاليةٌ من البناء والإِنسان والأشجار.
قال الشوكاني في فتح القدير: أي لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات.
*قوله {وَهُوَ}:* يعني يونس بن متى - عليه السلام -.
*قوله {مَذمومٌ}:* أي ندعه مذموماً، بعد أن طرح وألقي بالعراء(1)، ولكنه نبذ غير مذموم، ودليليه ما بعده {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
وقوله {فَنَبَذناهُ بِالعَراءِ وَهُوَ سَقيمٌوَأَنبَت نا عَلَيهِ شَجَرَةً مِن يَقطينٍ}: فلو أن الله ذبذه مذموما لما قال: وأنبتنا عليه شجرة من يقطين.
وكل هذا من آثر رحمة الله ونعمته عليه، وفيه أن الأنبياء كغيرهم يفتقرون إلى رحمة الله وعفوه بلا ريب.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {وهو مَذمومٌ}: أي يذم:، ويلام بالذنب الذي أذنبه ويطرد من الرحمة. والجملة في محل نصب على الحال من ضمير نبذ.
قاله الشوكاني في فتح القدير.
قال السمرقندي في بحر العلوم: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يعني: يذم ويلام. ولكن كان رحمة من الله تعالى، حيث نبذ بالعراء*وهو سقيم وليس بمذموم.
قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: {لنبذ*بالعراء وهو مذموم:} غير مغفور له، فلما سبقت الرحمة، وغفرت له الزلة نبذ بالعراء وهو سقيم غير مذموم.
قال القرطبي في تفسيره: (لنبذ*بالعراء*وه *مذموم) أي لنبذ*مذموما ولكنه نبذ سقيما غير مذموم.*
*قال النسفي في مدارك التنزيل: {وهو*مذموم} معاتب بزلته لكنه رحم فنبذ غير*مذموم.
قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:*{لَوْلا*أَ نْ*تَدارَكَهُ*نِ عْمَةٌ*مِنْ*رَبّ ِهِ*لَنُبِذَبِا ْعَراء} حين نبذ- وهو مذموم، ولكنه نبد عير مذموم.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والمعنى أنه قد نبذ*بالعراء*وهو غير مذموم، ويدل على ذلك أن النعمة قد شملته.
قال الواحدي في البسيط: ولكن ربه منَّ عليه فنبذ*بالعراء*وهو *سقيم، وليس بمذموم*للنعمة التي تداركه.
قال العليمي في تفسيره: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يُذم ويلام بالذنب، ولكنه رُحم، فُنبذ غيرَ مذموم.
قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وَهُوَ*مَذْمُوم } أَي: نبذ غير*مَذْمُوم، وَلَوْلَا رَحْمَة ربه لَكَانَ*مذموما.
*
قال*البغوي في تفسيره: {لَنُبِذَ*بِالْع َراءِ}، لَطُرِحَ بِالْفَضَاءِ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ.
قال الزمخشري في الكشاف: وقد اعتمد في جواب «لولا» على الحال، أعنى قوله*وهو*مذموم يعنى أن حاله كانت على خلاف الذم حين نبذ*بالعراء، ولولا توبته لكانت حاله على الذم.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {لَنُبِذَ*بالعرآ ء*وَهُوَ مَذْمُومٌ}: أي: لولا أن الله رحمه وسمع دعاءه من بطن الحوت فأجابه لطُرِحَ بالفضاء من الأرض وهو مذموم.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: (لنبذ*بالعراء*وه *مذموم) هو جواب لولا، والمنفي هو الذم لا نبذه*بالعراء، فإنه قد قال في الصافات فنبذناه*بالعراء* فالمعنى لولا رحمة الله*لنبذ*بالعرا ء*وهو*مذموم، لكنه نبذوهو*غير مذموم.
المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وَهُوَ مَذمومٌ﴾ [القلم: 49].
لولا أن رحمة الله أدركته لنبذه الحوت إلى أرض خلاء وهو مَلُوم.
.......................
(1): قال الماوردي في النكت والعيون: {وهو مذموم} فيه وجهان: أحدهما: بمعنى مليم. الثاني: مذنب، قاله بكر بن عبد الله، ومعناه أن ندعه مذموماً.
....................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*