تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 7 الأولىالأولى 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 121

الموضوع: معاني وغريب القرآن " موضوع متجدد "

  1. افتراضي

    قوله تعالى
    ﴿وَتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلًا لَمًّا﴾
    [الفجر: 19].

    *قوله {وَتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلًا}:* التُّراثَ: أي الميراث.
    قاله الماوردي في النكت والعيون، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، والسمرقندي في بحر العلوم، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والألوسي في روح المعاني.

    إلا أن السمعاني قال: التراث*والوارث بمعنى واحد، وهو الميراث.

    قال ابن جزي الغرناطي: التراث*هو ما يورث عن الميت من المال.

    قال الواحدي في الوجيز: يعني: ميراث اليتامى.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: أصله وراث، فقلبت الواو ألفا وتاء.

    *قوله {لَمًّا}:* يعني: شديدا.
    قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في البحر، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، وابن جزي الغرناطي في التسهيل.

    زاد البغوي: وهو أن يأكل نصيبه ونصيب غيره، وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان، ويأكلون نصيبهم.

    وزاد السمرقندي: كقولك: لممت الشيء إذا جمعته ومعناه يأكلون مال اليتيم،*أكلا*شدي دا سريعا.

    وزاد الواحدي: تجمعون المال كله في الأكل فلا تعطون اليتيم نصبه.
    *
    وزاد الطبري: لا تتركون منه شيئا، وهو من قولهم: لممت ما على الخوان أجمع، فأنا ألمه لما: إذا أكلت ما عليه فأتيت على جميعه.

    وقال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي جامعا، من لممت الشيء ألمه: ضممته لما، فالتقدير: ذا لم.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: تقول: لممت الشيء: جمعته وأصلحته، ومنه: لممت شعثه.

    قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {أكلا*لما} أي: بخلط الحلال بالحرام.
    وقال مجاهد: {لما} أي: سفا، فيجمع البعض إلى البعض ويسف سفا.
    ..................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

    كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب قرآن - حديث. عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

  2. افتراضي

    قوله تعالى
    {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً}: الحاقة (10).

    *قوله {رَابِيَةً}:* زائدة، عالية، مرتفعة، نامية. كل ذلك من معاني الربا أي الزيادة.

    ومنه قوله (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ): إِلَى رَبْوَةٍ: المكان المرتفع.
    قاله السيوطي في الاتقان في علوم القرآن.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: مكان مرتفع من الأرض.

    قال أبو بكر السجتاني: الربوة والربوة والربوة: الِارْتفَاع من الأَرْض.

    انتهى.

    فقوله تعالى (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً): نعت أي زائدة.
    قاله النحاس في إعراب القرىن

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: نامية زائدة شديدة من الرباء.

    قال الفراء في معاني القرآن: أخذة زائدة، كما تقول: أربيت إذا أخذ أكثر مما أعطاه من الذهب والفضة، فتقول : قد أربيت فربا رباك.

    قال الطبري: يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة، يعني أخذة زائدة شديدة نامية، من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا؛ يقال: أربيتَ فرَبا رِباك، والفضة والذهب قد رَبَوا.


    وذكر عبدالله بن حسنون السامري في اللغات، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن (أَخذَةً رابيَة): يعني شدية بلغة حمير.
    ..................


    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

    كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب قرآن - حديث. عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

  3. افتراضي

    *(معاني وغريب القرآن - للاشتراك 00966509006424)*

    قوله تعالى
    {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}: طه.

    *قوله {إِنَّ السَّاعَةَ}:* يعني القيامة.
    قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوسيط.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والسَّاعَةَ في هذه الآية القيامة بلا خلاف.

    *قوله {آتِيَةٌ}:* لا ريب فيها؛ كما قال {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: كائنة.*

    قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إن الساعة التي يبعث الله فيها الخلائق من قبورهم لموقف القيامة جائية.

    *قوله {أَكَادُ}:* قرب.

    قال الدعاس في إعراب القرآن: «أكاد» فعل مضارع ناقص من أفعال المقاربة واسمها مستتر تقديره أنا...

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ): مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ: أي قرب أن تمل.
    قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

    ومنه (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا): كِدْتَ: معنى كاد أي: قرب. وكدت أي قربت من الفعل.
    قاله السمعاني في تفسيره.

    ومنه (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا): أي قرب أن يصرفنا بدعوته عن عبادة الأصنام؛ لولا أن ثبتنا على عبادتها .

    ومنه (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ): أي يقرب. يقال: كاد يفعل اذا قرب ولم يفعل.
    قاله البغوي في تفسيره.

    ومنه (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ): يَكَادُ: يقرب. زيتها يضيء من صفائه.
    قاله صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.

    ومنه (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ): يقرب ضوء برق السحاب من أن يذهب بالبصر ويخطفه لشدة لمعانه.
    قاله الواحدي في الوسيط.

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: فقوله: أكاد أخفيها معناه قرب الأمر فيه من الإخفاء.

    انتهى.

    *قوله {أُخْفِيهَا}:* أي من شدة كتماني لها قرب أن أخفيها من نفسي؛ فكيف أظهرها لغيري. وهذا مما استأثر الله به؛ فقد حجبت عن أهل السماء والأرض؛ ولولا لطفه بنا لما أخبر أن ثم ساعة؛ ولكن أخبرنا ليتأهب العبد للرحيل.

    وقد أنكر الله على الكفار لما سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن موعد وقوع الساعة الساعة؛ وكأنه لقرابته منهم سيخبرهم بها، وأنه معني بطلب علمها، أو أنه عالم بها؛ فقال تعالى ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ): أَيَّانَ مُرْسَاهَا: متى ثبوتها. والشاهد قوله ( يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا): أي كأنك معني بطلب علمها، وأكثرت السؤال عنها فعلمتها؛ وليس لك، ولا لغيرك علمها.

    قال الطبري في تفسيره: أكاد أخفيها من نفسي، لئلا يطلع عليها أحد، وبذلك جاء تأويل أكثر أهل العلم.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {أكاد*أخفيها} أي أسترها من نفسي.

    قال السمرقندي في البحر: يعني: أسرها عن نفسي فكيف أعلنها لكم يا أهل مكة؟*

    وقال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: و (أبي) يقرأ: (إن الساعة آتية*أكاد*أخفيها ) من نفسي فكيف أظهركم عليها.

    قال الواحدي في الوجيز: {آتية*أكاد*أخفيه } أسترها للتهويل والتعظيم وأكاد*صلة.

    وقال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: {أكاد*أخفيها} : لا أظهر عليها أحدا غيري.

    قال نافع بن الأزرق في مسائله لعبدالله بن عباس - رضي الله عنها -: قال: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عز وجل: إن الساعة آتية*أكاد*أخفيها .
    قال: من كل أحد، وفيها كلمة عربية يا ابن الأزرق لعلك لا تحتملها.
    قال: بلى يا ابن عباس، فأخبرني بها.
    قال: نعم،*أخفيها*من علمي.
    قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
    قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
    فإن تدفنوا الداء لا نخفه*...*وإن تبعثوا الحرب لا نقعد.

    قال البغوي في تفسيره: قيل معناه إن* الساعة آتية أخفيها . و" أكاد "*: صلة . وأكثر* المفسرين قالوا : معناه : أكاد أخفيها من نفسي ، وكذلك في مصحف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود : أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق .
    وفي بعض القراءات : فكيف أظهرها لكم . وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون : كتمت سرك من نفسي ، أي : أخفيته غاية الإخفاء ، والله عز اسمه لا يخفى عليه شيء .
    وقال الأخفش : أكاد : أي : أريد ، ومعنى الآية : أن الساعة آتية أريد أخفيها .

    قال*الألوسي في روح المعاني: (أكاد*أخفيها)*أقر ب أن أخفي الساعة ولا أظهرها بأن أقول إنها آتية ولولا أن في الأخبار بذلك من اللطف وقطع الأعذار لما فعلت، وحاصلهأكاد*أبال في إخفائها فلا أجمل كما لم أفصل، والمقاربة هنا مجاز كما نص عليه أبو حيان أو أريد إخفاء وقتها المعين وعدم إظهاره وإلى ذلك ذهب الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم ومن مجيء كاد بمعنى أراد كما قال ابن جني في المحتسب قوله:
    كادت وكدت وتلك خير إرادة*...*لو عاد من لهو الصبابة ما مضى.

    وقيل (أخفيها): أي أظهرها.

    أي قرب أن أظهر أمر الساعة بحلولها ووقوعها.

    قال أبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أسترها وأظهرها، من الأضداد.

    قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أخفيها: أسترها وأظهرها أيضا من (أخفيت) وهو من الأضداد. و (أخفيها) : أظهرها لا غير، من خفيت أي استخرجت.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «أكاد*أخفيها» له موضعان موضع كتمان وموضع إظهار كسائر حروف الأضداد أنشدنى أبو الخطاب قول امرئ القيس بن عابس الكندي عن أهله فى بلده.
    وإن تدفنوا الداء لا نخفيه*...*وإن تبعثوا الحرب لا نقعد.
    أي لا نظهره. ومن يلغى الألف منها فى هذا المعنى أكثر، وقال علقمة ابن عبدة وقال بعضهم امرؤ القيس:
    خفاهن من أنفاقهن كأنما*...*خفاهن ودق من عشى مجلب.
    أي أظهرهن، ويقال: خفيت ملتى من النار، أي أخرجتها منها وكذلك خفايا الركايا، تقول خفيت ركية، أي استخرجتها.


    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أكادأخفيها*اضطر الناس في معناه، فقيل:*أخفيهابمعن ى أظهرها، وأخفيت هذا من الأضداد.
    وقال ابن عطية: هذا قول مختل، وذلك أن المعروف في اللغة أن يقال: أخفى بالألف من الإخفاء، وخفي بغير ألف بمعنى أظهر، فلو كان بمعنى الظهور لقال:*أخفيها*بفت همزة المضارع، وقد قرئ بذلك في الشاذ، وقال الزمخشري: قد جاء في بعض اللغات أخفى بمعنى خفي: أي أظهر، فلا يكون هذا القول مختلا على هذه اللغة، وقيل:أكاد*بمعنى أريد، فالمعنى أريد إخفاءها وقيل: إن المعنى إن الساعة آتية*أكاد، وتم هنا الكلام بمعنىأكاد*أنفذه *لقربها، ثم استأنف الإخبار فقال*أخفيها، وقيل: المعنى*أكاد*أخفي ها*عن نفسي فكيف عنكم، وهذه الأقوال ضعيفة، وإنما الصحيح أن المعنى أن الله أبهم وقت الساعة فلم يطلع عليه أحدا، حتى أنه كاد أن يخفي وقوعها لإبهام وقتها، ولكنه لم يخفها إذا أخبر بوقوعها، فالأخفى على معناه المعروف في اللغة، وكاد على معناها من مقاربة الشيء دون وقوعه وهذا المعنى هو اختيار المحققين*

    انتهى.

    *قوله {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ}: لِتُجْزَى*: لتحاسب. والجزاء: الحساب.

    قال الطبري: لتثاب كل نفس امتحنها ربها بالعبادة في الدنيا بما تسعى، يقول: بما تعمل من خير وشرّ، وطاعة ومعصية .

    *قوله {بِمَا تَسْعَى}*: أي: بما تعمل من خير وشر.
    قاله الواحدي في الوسيط.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: لتجزى كل نفس بما تسعى يعني: لتثاب كل نفس بما تعمل.

    قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( بِمَا تَسْعَى ): أي بما تعمل، وتكسب من الخير او الشر.
    والسعي العمل، والكسب، والقصد، والمضي، والمبادرة؛ كله من معاني السعي؛ ولم يقل بما تعمل؛ وذلك لأهمية التأهب للقيامة.

    فإذا تبين ذلك فلينظر العبد وجهته؛ وما يسعى إليه في دنياه، فإلى ماذا يقصد، ويمضي، ويبادر في حياته الدنيا؛ ففي الحديث (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا). (1).

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وتَسْعى معناه تكسب وتجترح.

    انتهى كلامه.

    قلت: ومن هذه المعاني؛ قوله تعالى {إن سعيكم لشتى}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني: أي إن عملكم لمختلف.

    إلا أبن أبا بكر قال: عملكم لمختلف.

    قال يحيى بن سلام في التصاريف: {إن سعيكم} يعني عملكم.

    قال الأزهري في الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: وأصل السعي العمل.

    قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والسعي: الكسب، وكل عمل من خير أو شر: سعي. والفعل كالفعل. وفي التنزيل (لتجزى كل نفس بما تسعى).

    ومنه { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ }: أي أدرك معه العمل.
    قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن.

    قال الفراء في معاني القرآن: يقول: أطاق أن يعينه على عمله وسعيه.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: وصل درجة العمل معه، وقضاء حوائجه.

    ومنه {فاسعوا إلى ذكر الله}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن:* بادروا بالنية والجد. ولم يرد العدو، ولا الإسراع في المشي.

    قال الزجاج في معانيه: معناه فاقصدوا إلى ذكر الله، وليس معناه العدو.

    قال الفراء في معانيه: والمضي والسعي والذهاب في معنى واحد لأنك تقول للرجل: هو يسعى في الأرض يبتغي من فضل الله.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يقول: إنما تجيء الساعة لتجزى كل نفس بما تعمل.

    انتهى.

    *قوله {فَلَا يَصُدَّنَّكَ}:* فلا يصدنك عنها يعني: لا يصرفنك عنها.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال القرطبي في تفسيره: أي لا يصرفنك عن الإيمان بها والتصديق لها.

    قال الواحدي في الوسيط: لا يمنعنك ولا يصرفنك، عنها.

    قال السمعاني في تفسيره: أي فلا يمنعنك عن التصديق بها.

    قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى {فَلَا يَصُدَّنَّكَ}:*ا صد الإعراض، والانصراف، والعدول عن الشيء. أي فلا يعرضنك، ولا يصرفنك، ولا يعدلنك، ولا يمنعنك؛ أي فلا يجعلك تعرض، وتنصرف، وتعدل عن الإيمان بها، والعمل لها؛ لا صديق حميم تحابيه، ولا عدو بعيد تخشاه؛ لأنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا في ذلك اليوم.

    ومنه قوله تعالى {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}: قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أي: يعرضون عنك إعراضا، وصد، أي: أعرض.

    قال الراغب في المفردات: الصدود والصد قد يكون انصرافا عن الشيء وامتناعا، نحو: يصدون عنك صدودا.، وقد يكون صرفا ومنعا نحو: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل.

    قال الكفوي في الكليات: والصد: هو العدول عن الشيء عن قلى يستعمل لازما بمعنى الانصراف والامتناع {يصدون عنك} {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله} ، ومتعديا بمعنى الصرف والمنع الذي يطاوعه الانصراف والامتناع {ولا يصدنك عن آيات الله} {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام}.

    انتهى.

    *قوله {عَنْهَا}:* أي عن الساعة.

    قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: فلا يصدنك عنها يريد الإيمان ويقال عن الساعة: عن إتيانها. وجاز أن تقول: عنها وأنت تريد الإيمان كما قال (ثم إن ربك للذين هاجروا) ثم قال (إن ربك من بعدها لغفور رحيم) يذهب إلى الفعلة.

    قال البغوي في تفسيره: والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف ، لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت.

    قال الطبري: يقول تعالى ذكره: فلا يردّنك يا موسى عن التأهُّب للساعة.

    انتهى.

    *قوله {مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا}:* يعني: من لا يقرّ بقيام الساعة، ولا يصدّق بالبعث بعد الممات، ولا يرجو ثوابا، ولا يخاف عقابا.
    قاله الطبري.

    *قوله {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}:* يقول: مراده خالف أمر الله.
    قاله البغوي.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: أي لا داعي لهم للصدّ عن الإيمان بالساعة إلا اتّباع الهوى دون دليل ولا شبهة ، بل الدليل يقتضي الإيمان بالساعة كما أشار إليه قوله { لِتُجزى كلُّ نفسسٍ بما تَسعى .

    *قوله {فَتَرْدَى}:* فتهلك؛ إن أنت أعرضت عن العمل للساعة.

    والمعنى إن صدك أحد عن الساعة والعمل لها تهلك، ويفوتك نعيم الآخرة؛ وتلك هي الخسارة الحق.

    قال الطبري: يقول: فتهلك إن أنت انصددت عن التأهب للساعة، وعن الإيمان بها، وبأن الله باعث الخلق لقيامها من قبورهم بعد فنائهم بصدّ من كفر بها.

    وقال البغوي: فلا يصرفنك عن الإيمان بالساعة.

    انتهى كلامه.

    فمعنى قوله تعالى (فَتَرْدَى): أي فتهلك.
    قاله ابن قتيبة في غريب القران، والسمرقندي في البحر، والبغوي، وابن كثير، والقرطبي، والسمعاني، وابن عطية في المحرر الوجيز،
    زاد القرطبي: وهو في موضع نصب بجواب النهي .

    زاد ابن قتيبة: والردى: الموت والهلاك.

    وزاد ابن كثير: وتعطب.

    قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ): أي قال الذي في الجنة لصاحبه الذي هلك فدخل النار: تالله إن كدت لَتُرْدِينِ أي لتهلكني بصحبتك، وإغوائك.

    قال النحاس في معاني القرآن: أي تهلكني.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي لتهلكني. يقال: أرديت فلانا، أي أهلكته. و"الردى": الموت والهلاك.

    ومنه (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى): تَرَدَّى: تفعل من الردى، وهو الهلاك.
    قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

    قال الراغب في المفردات: والردى: الهلاك، والتردي: التعرض للهلاك.

    انتهى.

    وهذا ما تيسر لي
    والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    ..................

    (1): رواه مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -.
    ..................

    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  4. افتراضي

    *(معاني وغريب القرآن - للاشتراك 00966509006424).*

    قوله تعالى
    ﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾[الجن: 13].

    *قوله {وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا}:* يعني الجن.

    *قوله {الهُدى}:* يعني القرآن. فهو هدى.

    ومنه قوله تعالى (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ).

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وأريد بالهدى القرآن إذ هو المسموع لهم ووصفوه بالهدى للمبالغة في أنه هاد .

    *قوله {آمَنّا بِه}:* يقول: صدّقنا به، وأقررنا أنه حق من عند الله.
    قاله الطبري في تفسيره.

    قال ابن كثير في تفسيره: {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به} يفتخرون بذلك ، وهو مفخر لهم ، وشرف رفيع وصفة حسنة.

    قلت ( عبدالرحيم ): برهان كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قوله تعالى (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ): ذِكْرُكُمْ: شرفكم.
    قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وابن قتيبة في غريب القرآن، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وغيرهم.

    قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: قال ثعلب: معناه: فيه شرفكم.

    وقوله {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}: أي شرف لكم وسوف تسالون عن القرآن.

    قال الطبري في تفسيره: يعني به أنه شرفٌ له ولقومه.

    قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ: أي شرف.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي شرف لكم؛ يعني القرآن.

    انتهى.

    *قوله {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ}:* يوم القيامة؛ لأنه يوم الحساب، والحساب فيه بمثاقيل الذر؛ {فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ . وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.

    *قوله {بَخسًا}:* أي نقصا. بلغة قريش.
    قال أبو عبيد القاسم بن سلام في لغات القبائل الواردة في القرآن، وذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات.

    فقوله تعالى (فَلا يَخافُ بَخسًا): أي نقصا.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والفراء في معاني القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وغيرهم.

    إلا أن الفراء قال: لا ينقص من ثواب عمله ولا رهقا.

    زاد ابن قتيبة: من الثواب.

    قال الطبري في تفسيره: (فلا يخاف بخسا): يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها.

    قلت (عبدالرحيم): وأصل البخس: النقصان؛ كما نص عليه النحاس في معاني القرآن، والخطابي في غريب الحديث، وغيرهم.

    قال ابن فارس في مجمل اللغة: بخس: البخس: النقصان، يقال: بخس المخ تبخيسا، إذا صار في السلامى والعين، وذلك حين نقصانه.

    قال عياض اليحصبي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار، وابن بطال الركبي في النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب: البخس النقصان.

    زاد ابن بطال: بخسه فى البيع: إذا نقصه.

    انتهى كلامه.

    قلت: ومنه قوله تعالى (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ): تَبْخَسُوا: تنقصوا.
    قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

    قال يحيى بن سلام في تفسيره: أي ولا تنقصوا الناس أشياءهم، يعني: الذي لهم، وكانوا أصحاب تطفيف ونقص في الميزان.

    قال الطبري في تفسيره: يقول: ولاتنقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أن توفوهم كيلا أو وزنا أو غير ذلك.

    قال الألوسي في روح المعاني :أي لا تنقصوا الناس بسبب نقص المكيال والميزان وعدم اعتدالهما أشياءهم التي يشترونها بهما.

    ومنه (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ): لَا يُبْخَسُونَ: أي لا ينقصون.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

    قال الفراء في معاني القرآن: يقول: من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب الدنيا عجل له ثوابه ولم يبخس أي لم ينقص في الدنيا.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: البخس: نقص الشيء على سبيل الظلم، قال تعالى: (وهم فيها لا يبخسون).

    ومنه (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: لا ينقص، قال: لا تبخسنى حقي، قال فى مثل: «تحسبها حمقاء وهى باخسة» أي ظالمة.

    قال الطبري: فليحذر عقابه في بخس الذي له الحق من حقه شيئا، أن ينقصه منه ظلما أو يذهب بهمنه تعديا، فيؤخذ به حيث لا يقدر على قضائه إلا من حسناته، أو أن يتحمل من سيئاته.

    ومنه (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ): أي باعوه، والبخس النقص.
    قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: بعته بخس: أي نقصان، منقوص، يقال: بخسني حقي أي نقصني. وهو مصدر بخست.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والبخس والباخس: الشيء الطفيف الناقص، وقوله تعالى: (وشروه بثمن بخس) قيل: معناه: باخس، أي: ناقص، وقيل: مبخوس أي: منقوص، ويقال: تباخسوا أي: تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضا.

    انتهى.

    *قوله {وَلا}:* يخاف.

    *قوله {رَهَقًا}:* أي ظلما. بلغة قريش.
    ذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن.

    قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: {فلا يخاف بخسا} : نقصا من حسناته.
    {ولا رهقا} : زيادة في سيئاته.

    قال البغوي في تفسيره: (ولا رهقا): ظلما. وقيل: مكروها يغشاه.

    قال الثعلبي في الكشف والبيان: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، ولا أن يزداد في سيئاته، ولا أن يؤخذ بذنب غيره، ولا أن يعاقب بغير جرم، وقيل: رهقا: مكروها يغشاه، وقيل: ذهاب كله نظيره قوله سبحانه وتعالى: فلا يخاف ظلما ولا هضما.

    قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: ورهقا: ما يرهقه أي ما يغشاه من المكروه.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: وأصل "الرهق": ما رهق الإنسان من عيب أو ظلم.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والرهَق : الإِهانة ، أي لا يخشى أن يبخس في الجزاء على إيمانه ولا أن يهان .

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ): قال النحاس في معاني القرآن: ومعنى يرهق: يغشى. والذلة: الهوان.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: يرهق: أي يغشى، والقتر جميع قترة، وفى القرآن: «ترهقها قترة»، وهو الغبار.

    ومنه (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا): أي لا تغشني.
    قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

    قال الزمخشري في الكشاف: يقال: رهقه إذا غشيه، وأرهقه إياه. أى: ولا تغشني عسرا من أمرى، وهو اتباعه إياه، يعنى: ولا تعسر على متابعتك، ويسرها على بالإغضاء وترك المناقشة.

    ومنه (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ): تَرْهَقُهُمْ: تغشاهم.
    قاله الطبري في تفسيره ، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والزجاج في معاني وإعراب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وأبو عبيدة في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

    زاد الطبري: ذلة من عذاب الله.

    زاد مقاتل بن سليمان، والسمرقندي: مذلة.

    وزاد أبو بكر السجستاني: ومنه قولهم: غلام مراهق أي قد غشي الاحتلام.

    انتهى كلامه.

    قلت(عبدالرحيم): قوله تعالى ( فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا)؛ نظيرتها قوله تعالى ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي ولا نقيصة.

    قال يحيى بن سلام في تفسيره: لا ينقص من حسناته.

    قال الطبري: لا يخاف أن يهضمه حسناته، فينقصه ثوابها.

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: الهضم: النقص، يقال فلان يهضمني حقي أي ينقصني، كذلك هذا شيء يهضم الطعام، أي ينقص ثقلته.

    قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي ولا يهضم فينقص من حسناته. يقال: هضمه واهتضمه إذا نقصه حقه.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    .................

    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  5. افتراضي

    *(معاني وغريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

    قوله تعالى
    ﴿وَلا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنّاسِ وَلا تَمشِ فِي الأَرضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختالٍ فَخورٍ﴾ [لقمان: 18].

    *قوله {وَلا تُصَعِّر خدك لِلنّاسِ}:* أي لا تمل بعنقك، وتعرض بوجهك تكبرا وتعاظما، وتجبرا، وتعط خدك الناس إذا خاطبتهم؛ فتحقرهم.

    لكن تواضع وأقبل عليهم بجميع وجهك؛ لأن المتكبر يميل بخده تكبرا.
    كما وصفه الله بقوله (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ): ثَانِيَ عِطْفِه: أي لاويا رقبته؛ كبرا وإعراضا عن الحق. والعِطف بالكسر: الرقبة.

    والصعر: الميل. يقال: أصعرُ إليه يعني: أميل.
    أفاده عياض اليحصبي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار، وغير واحد.

    قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: شالصعر:*الميل*في الخد خاصة. وقد صعر خده وصاعره، أي أماله من الكبر.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (ولا تصعر خدك): أي لا تُعْرِضْ بوجهك وتتكبرْ.*

    قال ابن منظور في لسان العرب: والتصعير: إمالة الخد عن النظر إلى الناس تهاونا من كبر كأنه معرض.

    قال الزبيدي في تاج العروس: قال ابن الأثير:*الأصعر*ا معرض*بوجهه كبرا.

    قال*العوفي السرقسطي في الدلائل في غريب الحديث: والصعر: ميل في العنق، وانقلاب في الوجه إلى أحد الشقين، يقال:*صعر*رأسه إذا مال في شق.

    قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: لا تتكبر فتحقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك.

    قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: أَي لَا تكبر على النَّاس.

    قال*السعدي في تفسيره: أي لا تُمِلْهُ وتعبس* بوجهك الناس، تكبُّرًا عليهم، وتعاظما.

    انتهى.

    *قوله {وَلا تَمشِ فِي الأَرضِ مَرَحًا}:* مَرَحًا: يعني مختالا.
    ولكن امش على الأرض هونا؛ كما قال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا): أي برفق وسكينة وتواضع ووقار؛ أي مشيا رويدا. والهون: الرفق.
    لذا قال بعدها (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ).

    والمرح: شدة الفرح حتى يجاوز قدره؛ فيجره إلى الخيلاء، والكبر، والتبختر.

    ونظيرتها قوله تعالى (وَلا تَمشِ فِي الأَرضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخرِقَ الأَرضَ وَلَن تَبلُغَ الجِبالَ طولًا)

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ*مَرَحً } أي: بالكبر والفخر. {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} أي: لا تقدر أن تقطعها حتى تبلغ آخرها.

    قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: مرحا: أي ذا اختيال وتكبر.

    انتهى كلامه.

    قال الجصاص في أحكام القرآن: المرح البطر وإعجاب المرء بنفسه وازدراء الناس والاستهانة بهم فنهى الله عنه إذ لا يفعل ذلك إلا جاهل بنفسه وأحواله وابتداء أمره ومنتهاه.

    قال النحاس في إعراب القرآن: والمرح في اللغة الأشر والبطر ويكون منه التختر والتكبّر.

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي لا تمش متبخترا مختالا.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي لا تمرح فى مشيك من الكبر.

    قال الواحدي في الوسيط: يقال:*صعر*خده وصاعر إذا أمال وجهه وأعرض تكبرا. يقول: لا تعرض عن الناس تكبرا عليهم.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: لا تمشي بالخيلاء، والمرح والبطر والأشر كله واحد، وهو أن يعظم نفسه في النعم.

    قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، وابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: المرح: شدة الفرح حتى يجاوز قدره.

    *قوله {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِب}:* فيه إثبات صفة المحبة لله - جل ذكره -.

    *قوله {كُلَّ مُختالٍ}:* مُختالٍ: متكبر بفعله.
    قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

    قال*في المنتخب من كلام العرب: مختال:*معجب بنفسه.

    *قوله {فَخور}:* الفخور: المتكبر بأقواله؛ الذي يكثر التباهي بما أوتي؛ على وجه الفخر والرياء.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: متكبر بقوله.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    .........................

    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

    - للمتابعة قناة التليجرام:
    https://t.me/abdelrehim19401940

    - فيسبوك: https://m.facebook.com/1733151126926511/?ref=bookmarks

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    139

    افتراضي

    جزاك الله خيراً

  7. افتراضي

    (معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

    قوله تعالى
    {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: الماعون (7).

    الماعون: كل ما ينتفع به؛ من قليل وكثير.

    فيشمل الزكاة وهو أعلى ما قيل في تفسير الآية،* ويشمل كذلك أدنى ما قيل فيه من الأواني والملح، حتى الإبرة.

    وهذا أجود من تخصيص الماعون بشيء دون آخر؛ لأن من أهل العلم من خصه بالزكاة فحسب، ومنهم من خصه بالماء، وقيل غير ذلك؛ ففي تأويلها اثنا عشر قولا.

    ويدخل فيه ما يستعار ولا تضرر في إعارته للغير؛ قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء؛ في قوله تعالى (ويمنعون الماعون) وقال ابن عباس : العارية. وحكاه جمع من أهل العلم عنه - رضي الله عنه -.

    لذا أوصي* بتعلم فقه العارية؛ وهي: هبة المنفعة بغير عوض، وهي قربة لله تعالى، وفيها أجر. ومن فقه مثل هذا، وما سنه الإسلام فيها؛ من آداب وشروط لأقبل الناس على صنع المعروف.

    فالماعون عام؛ يدخل فيه كل معروف؛ يمكن بذله.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: يمنعون إعارة ما لا تضر إعارته من الآنية وغيرها؛ لبخلهم.

    قال السعدي في تفسيره: {ويمنعون الماعون} أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، والدلو، والفأس، ونحو ذلك، مما جرت العادة ببذلها والسماحة به. فهؤلاء -لشدة حرصهم- يمنعون الماعون، فكيف بما هو أكثر منه.

    قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم, وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته، يقال للماء الذي ينـزل من السحاب ماعون.

    قال*أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: الماعون: فاعول من المعن، وهو الشيء القليل. تقول العرب: ما له معن، أي شيء قليل.

    قال الزَّبيدي في تاج العروس: والماعون: المعروف كله لتيسره وسهولته.
    وقال - أيضا -: والماعون: المنفعة والعطية.

    قال الأزدي في جمهرة اللغة: واشتقاق الماعون من المعن، أي الشيء اليسير.

    قال الكفوي في الكليات: الماعون: كل ما يستعار من قدوم أو شفرة أو قدر أو قصعة فهو ماعون.

    قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والماعون: اسم جامع لمنافع البيت، كالقِدْر والفأس ونحوها.

    قال الفيروزآبادى في القاموس المحيط: والماعون: المعروف، والمطر، والماء، وكل ما انتفعت به، كالمعن، أو كل ما يستعار من فاس وقدوم وقدر ونحوها، والانقياد، والطاعة، والزكاة، وما يمنع عن الطالب، وما لا يمنع، ضد.

    قال زين الدين الحنفي في مختار الصحاح: و (الماعون) اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس ونحوهما. والماعون أيضا الماء. والماعون أيضا الطاعة. وقوله تعالى: {ويمنعون الماعون} قال أبو عبيدة: الماعون في الجاهلية كل منفعة وعطية. وفي الإسلام الطاعة والزكاة. وقيل: أصل الماعون معونة والألف عوض عن الهاء.

    انتهى.

    فقوله تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: كالإبرة والفأس والقدر والقصعة.
    قاله الجلال المحلي في الجلالين.

    قال الواحدي في الوجيز {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: الزَّكاة وما فيه منفعةٌ من الفأس والقِدر والماء والملح.

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والماعون*اسم*لما *لا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني، ينسب مانعه إلى سوء الخلق ولؤم الطبيعة كالفأس والقدر والدلو والمقدحة والغربال والقدوم، ويدخل فيه الملح والماء والنار.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وصفٌ لهم بقلة النفع لعباد الله.

    قال القاسمي في محاسن التاويل: ويمنعون الماعون أي ما يعان به الخلق ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة وكل ما ينتفع به.

    قال الشوكاني في فتح القدير: ويمنعون الماعون. قال أكثر المفسرين: الماعون: اسم لما يتعاوره الناس بينهم: من الدلو والفأس والقدر، وما لا يمنع كالماء والملح.

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي يمنعون ما فيه منفعة.والماعون في الجاهلية ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر والقداحة
    وكل ما انتفع به من قليل أو كثير.

    قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء
    واختلف أهل العلم في معنى قوله تعالى: {الْمَاعُونَ}.
    فكان ابن مسعود يقول: العواري، الدلو، والقدر، والميزان.
    وقال ابن عباس: العارية.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وفي*الماعون*أربع ة أقوال: الأول أنه الزكاة، والثاني أنه المال بلغة قريش. الثالث أنه الماء، الرابع أنه ما يتعاطاه الناس بينهم كالآنية والفأس والدلو والمقص، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ فقال الماء والنار والملح وزاد في بعض الطرق الإبرة والخميرة.

    ثم قال - رحمه الله - بعد ان ذكر أقولا عدة -: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبرًا عاما، من غير أن يخص من ذلك شيئا أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاونونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق؛ لأن كل ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض.

    قلت ( عبدالرحيم ): ومنع الماعون: أي امساكه وعدم إعطاءه للغير؛ على وجه البخل والحرص فحسب؛ مع يسره وحقارته، وضمان رجوعه عليه عند اعارته؛ كما أنهم يمنعون إعانة الغير؛ ليته لضرر يلحقهم؛ إنما منعوا لمجرد المنع.

    قال ابن كثير في تفسيره: أي لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم .
    ...................

    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  8. افتراضي

    *آيات قد تفهم خطأ - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرَى المُجرِمينَ مُشفِقينَ مِمّا فيهِ وَيَقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحصاها وَوَجَدوا ما عَمِلوا حاضِرًا وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 49].

    *قوله {وَوُضِعَ الكِتاب}:* أي ووضعت الكتب.

    ف/ " الكتاب" اسم جنس؛ أفرد وأريد به كتب العباد التي تعرض على ربهم يوم القيامة؛ وذلك مصدقا لقوله تعالى (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ): يعني كتب الأعمال فتحت، وبسطت. من قولك: نشرت القماش: أي بسطته.

    فمعنى قوله تعالى {وَوُضِعَ الكِتاب}: يعني كتب أعمال*العباد توضع في أيدي الناس في أيمانهم وشمائلهم.
    قاله*البغوي في تفسيره.
    *
    قال السمرقندي في بحر العلوم: وقال تعالى:*ووضع*الكت ب، أي وضع كتاب كل امرئ منهم بيمينه أو بشماله.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الكتاب*اسم جنس، يراد به كتب الناس التي أحصاها الحفظة لواحد واحد.

    قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: والمراد الجنس وهو صحف الأعمال.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والكتاب*مراد*به* لجنس، أي وضعت كتب أعمال البشر، لأن لكل أحد كتابا، كما دلت عليه آيات أخرى منها قوله تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك.

    قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ): الْكِتَابَ: قال القرطبي في تفسيره: أي*الكتب.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: أي جنس*الكتاب.

    وقوله (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ): أي ووضعت كتب أعمال العباد؛ فيجيء الله لفصل القضاء ليجازيهم بما فيها؛ فحينها تشرق الأرض. (1).

    قال الواحدي في الوجيز: أي*الكتب*التي فيها أعمال بني آدم.

    وقوله (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ): قال ابن كثير في تفسيره: يعني:الكتب*المنز لة من عنده على أنبيائه.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    .............................. .......
    (1): قال ابن جرير الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: فأضاءت الأرض بنور ربها، يقال: أشرقت الشمس. إذا صفت وأضاءت, وأشرقت: إذا طلعت، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه.
    ...................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  9. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَمُ لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَولاهُ أَينَما يُوَجِّههُ لا يَأتِ بِخَيرٍ هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ [النحل: 76].

    *قوله {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَم}:* أَبكَمُ: أخرس؛ لا يتكلم.

    والأبكم معتل بأكثر من علة؛ فهو لا يفهم؛ لعلة الصمم.
    ولا يُفهِم غيره؛ لعلة الخرس.

    فإن قلت إن الأبكم يفهم بالإشارة؟
    فالجواب: هذا مثل للصنم؛ فأين له الحركة، والإشارة؟!.

    والأبكم* من ولد بهذه العلة، فهو لم يسمع كلاما للناس قط؛ فأنى له الكلمات؟!.

    كما أن الذي ولد أعمى يقال أكمه؛ لأنه لم ير شيئا في الوجود أبدا. (1).

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والأبكم*المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل.

    قال الأزدي في جمهرة اللغة: البكم:*الخرس*رجل أبكم من قوم بكم والأنثى بكماء.

    قال ابن فارس في مجمل اللغة: " بكم ":*البكم:*الخرس وهو الأبكم، ويقال: لا يكون أبكم إلا وهناك ضعف عقل.

    انتهى.

    فقوله تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَم}: أَبكَم: أي ولد أخرس.
    قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

    قال الطبري في تفسيره: وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تُعبد من دونه.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وهو مثل للأصنام والذي يأمر بالعدل هو*الله تعالى.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: (وضرب*الله*مثلار لين*أحدهما*أبكم) أي أخرس وهو الصنم.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وضرب*الله*مثلا*ر جلين*أحدهما*أبكم } أي: لا يتكلم؛ يعني: الوثن.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده من آثار رحمته ونعمته وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع.

    *ُقوله {لا يَقدِرُ عَلى شَيء}:* من مال ولا منفعة.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال*الواحدي في الوجيز: {لا يقدر على شيء} من الكلام لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه.

    *قوله {وَهُوَ}:* يعني الصنم، والوثن.

    يهتم به عابده؛ يحمله، وينقله معه في سفره، ويقوم على خدمته، وهو كالعدم.

    *قوله {كَلٌّ}:* كَلٌّ: يعني ثقيل وعالة ووبال؛ يريد الصنم المعبود من دون الله.

    وأصل الكل: الثقل. ومنه قول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ عندما نزل عليه الوحي: " فوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا،*فوالله إِنَّكَ*لَتَصِل الرَّحِمَ، وتصدق الحديث، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ..."(2).

    والشاهد:" وَتَحْمِلُ الْكَل ". (3).

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والكَلّ بفتح الكاف العالَة على الناس.

    قال ابن منظور في لسان العرب: هو، بالفتح:*الثقل*من* كل*ما يتكلف.

    قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: الكل: العيال والثقل. قال الله تعالى: (وهو*كل*على*مولاه ) والجمع الكلول.*
    *
    قال الصُحاري في الإبانة في اللغة العربية: وقولهم: فلان*كل*على*أهله كل*على*أهله أي عيال وثقل*عليهم، ومنه قوله تعالى: {وهو*كل*على*مولاه }.

    قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: قال: الكل: الثقل، ومولاه*- هاهنا: مالكه وصاحبه، يعني: الصنم هاهنا، لأنه يحتاج أن يحمله في النقل.

    قال السمرقندي في البحر: أي ثقل على وليه وقرابته، يعني: الصنم عيال ووبال على عابده.
    *
    قال البغوي في تفسيره: (وهو كل على مولاه) عابده، يحتاج إلى أن يحمله ويضعه ويخدمه.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي ثقل على*مولاه.

    إلا أن أبا بكر قال: ثقل*على*وليه وقرابته.

    قال البغوي في تفسيره: كَلٌ: ثقل ووبال.

    قال النحاس في معاني القرآن: يعني الوثن لأنه*كل*على*من عنده وثقل والمولى الولي.

    *قوله {عَلى مَولاه}:* أي وليه؛ وهو صاحبه، ومالكه، والقائم على خدمته.

    قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: الذي يلي أمره.

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: (وهو كل على مولاه): أي على وليه.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمولى: الذي يلي أمر غيره. والمعنى : هو عالة على كافله لا يدبّر أمر نفسه.

    *قوله {أَينَما يُوَجِّههُ}:* يرسله.
    قاله البغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات.

    زاد البقاعي: ويصرفه ذلك المولى.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أينما يوجهه} هذا العابد له؛ يعني: دعاءه إياه.

    *قوله {لا يَأتِ بِخَيرٍ}:* لأنه لا يفهم ما يقال له ، ولا يفهم عنه، هذا مثل الأصنام ، لا تسمع ، ولا تنطق ، ولا تعقل.
    قاله البغوي في تفسيره.

    *قوله { هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدل}:* يعني الصنم، أم الله الذي يأمر بالعدل والإحسان؟!.
    كما قال تعالى عن نفسه (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي).

    أما الصنم فهو أبكم، ولا يقدر على شيء قط، يحتاج إلى من يحمله، ويزيل عنه الغبار؛ أينما توجه، وتدعوه لا يستجيب، ولا ينفعك، ونفسه بنافعة، وهو مملوك؛ يملكه سيده وصانعه يملكه؛ يكسره أو يأكله (إن صنعه من عجوة) إن شاء.

    فكيف يعبد هذا السيد المالك وهو الكافر مثل هذا؟، وهو الذي يملك العقل والسمع والبصر واللسان، وسائر أعضائه التي يتحرك، ويبطش بها؟!.

    والصنم والأموات والقبور والأضرحة لا تملك شيئا من هذا (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ).

    ففي الواقع أن الذي يستحق العبادة - على زعم المشركين - هو السيد لأنه المالك، لا الصنم؛ لأنه هو الذي صنع الصنم أو اشتراه،
    وكذا المستحق بالعبادة على زعم عباد القبور هو الحي؛ لأن الميت ميت.

    وهذا توبيخ لعباد الأوثان والقبور والأضرحة. فليتوبوا إلى الله من شركهم وكفرهم؛ قبل حلول الأجل فيحرموا الجنة، ويخلدوا في الجحيم أبدا، وإن كانت حسناتهم أمثال الجبال؛ وتلك هي الخسارة الحق.
    قال الله (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).

    وقال (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

    انتهى.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لا يأت بخير هل يستوي} هذا الوثن {ومن يأمر بالعدل} وهو*الله*{وهو على صراط مستقيم} هو مثل قوله: {إن ربي على صراط مستقيم}.

    قال البغوي (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل)*يعني: الله تعالى قادر ، متكلم ، يأمر بالتوحيد.

    قال السمعاني في تفسيره: {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} عنى به نفسه، والله*تعالى يأمر بالعدل، ويفعل العدل.

    قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا) ضرب مثلا للصنم الذي يعبدون أنه لا يقدرعلى*شيء، (وهو*كل*على*مولاه ) أي يحمله، فقال: هل يستوي هذا الصنم (ومن يأمر بالعدل) فقال: لا تسووا بين الصنم وبين الله تبارك وتعالى.

    قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ولأنه ضرب لهذا المعنى مثلا آخر بعقب هذا الكلام فقال: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم أي: أخرس لا يقدر*على*شيء وهو*كل*على*مولاه* أي: عيال وثقل*على*قرابته ووليه أينما يوجهه لا يأت بخير.
    فهذا مثل آلهتهم، لأنها صم بكم عمي، ثقلعلى*من عبدها، في خدمتها والتعبد لها، وهي لا تأتيه بخير.
    ثم قال: (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهوعلى*صراط مستقيم) فجعل هذا المثل لنفسه.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فالأول مثَل الأصنام الجامدة التي لا تفقه وهي محتاجة إلى من يحرسها وينفض عنها الغبار والوسخ ، والثاني مثل لكماله تعالى في ذاته وإفاضته الخير على عباده.

    انتهى.

    المعنى الإجمالي للآية من كتاب* (المختصر في التفسير): وضرب الله سبحانه مثلاً آخر للرد عليهم هو مثل رجلين: أحدهما أبكم لا يسمع ولا ينطق ولا يفهم؛ لصممه وبكمه، عاجز عن نفع نفسه وعن نفع غيره، وهو حمل ثقيل على من يعوله، ويتولى أمره، أينما يبعثه لجهة لا يأت بخير، ولا يظفر بمطلوب، هل يستوي من هذه حاله مع من هو سليم السمع والنطق، نفعه مُتَعَدٍّ، فهو يأمر الناس بالعدل، وهو مستقيم في نفسه، فهو على طريق واضح لا لبس فيه ولا عِوَج؟! فكيف تُسَوون - أيها المشركون - بين الله المتصف بصفات الجلال والكمال وبين أصنامكم التي لا تسمع ولا تنطق، ولا تجلب نفعًا، ولا تكشف ضرًّا؟!.
    .................

    (1): قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والأبكم : الموصوف بالبَكم بفتح الباء والكاف وهو الخَرَس في أصل الخلقة من وقت الولادة بحيث لا يفهم ولا يُفهم . وزيد في وصفه أنه زَمِنٌ لا يقدر على شيء.

    (2): شطر من حديث رواه البخاري (4953)، ومسلم (160)؛ من حديث عائشة رضي الله عنها.

    (3): قال النووي في شرحه لمسام: وأما الكل فهو بفتح الكاف وأصله الثقل ومنه قوله تعالى*{وهو كل على مولاه} ويدخل في حمل الكلالإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال*وغير ذلك وهو من الكلال وهو الإعياء.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    ..........................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  10. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَلَولا أَن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئًا قَليلًا (74) إِذًا لَأَذَقناكَ ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينا نَصيرًا (75)﴾ [الإسراء].

    *قوله {وَلَولا أَن ثَبَّتناك}:* عصمناك.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره. وهو قول مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

    قال الواحدي في البسيط: {وَلَولا أَن ثَبَّتناك}: أي على الحق بعصمتنا إياك.

    *قوله {لَقَد كِدتَ}:* كِدتَ: أي قربت، وهممت، وأوشكت. و " كاد" من أفعال المقاربة.

    وفي الآية دليل بيّن أن العبد لا غنى له عن ربه* وتوفيقه طرفة عين؛ حتى لو كان أكرم الخلق على الله - صلوات الله وسلامه عليه -.

    كما قال تعالى في معرض منته (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).

    قال النسفي في مدارك التنزيل: لقاربت أن تميل إلى مكرهم. انتهى كلامه.

    فقوله تعالى {كِدتَ}: يعني قربت.

    ومثله كثير في القرآن؛ من ذلك* قوله تعالى (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ): أي قربت جهنم تميز (أصله: تتميز وحذفت التاء للتخفيف) أي تتمزق، وتتشق غيظا على الكفار.

    ومنه (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ): قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: يَكَادُ الْبَرْقُ: يقرب.

    ومنه (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ): أي قربوا ألا يفعلوا؛ لأنهم فعلوا عن اغماض.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: ووضع*«كاد»*لمقار بة*الفعل، يقال: كاد*يفعل: إذا لم يكن قد فعل، وإذا كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع، ويكون قريبا من أن لا يكون. نحو قوله تعالى: لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا.

    انتهى.

    *قوله {تَركَنُ إِلَيهِم}:* تَركَنُ: أي تميل.
    قاله القرطبي في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وغيرهم.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي تميل وتعدل وتطمئن.

    قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي كدت*تميل*إليهم.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: لقد كدت*
    تركن*إليهم*أي: هممت وقاربت أن*تميل*إلى مرادهم شيئا قليلا.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ): تَرْكَنُوا: تميلوا.

    قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: ولا تميلوا ، أيها الناس ، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم.

    قال الألوسي في روح المعاني: أي لا*تميلواإليهم أدنى ميل، والمراد بهم المشركون.

    *قوله {شَيئًا قَليلًا}:* ركونا قليلا؛ وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت.
    قاله النسفي في مدارك التنزيل.

    *قوله {إِذًا}:* لو ملت إليهم.

    قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: أي إن تحقق ركونك إليهم.

    *قوله {لَأَذَقناكَ}:* لاصبناك.
    ومنه قوله تعالى (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ): أَذَقْنَا: أصبنا.

    ومنه (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ): قال السمرقندي في بحر العلوم: وإذا*أذقنا*الناس ، يعني:*أصبنا الناس رحمة، يعني: المطر.

    *قوله { ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات}:* لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.
    قاله الطبري في تفسيره.

    قال البغوي في تفسيره: أي لو فعلت ذلك لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يعني: أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة .

    قلت (عبدالرحيم): قوله {ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات}: أي إن ركنت؛ أي ملت إلى هؤلاء المشركين لعذبناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات؛ فالعهدة عليك أضعاف ما على الناس، وقد أطلعه الله على ما لم يطلع عليه أحد، ولعظم وثقل نعمة الرسالة والنبوة.

    ونظيرتها قوله تعالى (وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الأَقاويلِ . لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ . ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ . فَما مِنكُم مِن أَحَدٍ عَنهُ حاجِزينَ).

    قال الجرجاني في درج الدرر: وإنما يضاعف الوعيد لتضاعف النعمة. انتهى كلامه.

    فقوله تعالى (ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات): من باب الحذف والاختصار (1)؛ ونظيرتها قوله (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ): أي أشربوا في قلوبهم حب عبادة العجل.

    وكما في قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ): فقوله: الحج: يعني وقت الحج.

    قال الفراء في معاني القرآن: وقت الحج هذه الأشهر.

    وكقوله (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ): وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ: يعني أهل القرية.
    فحذف اختصارا؛ وهي طريقة في اللغة معروفة؛ كقول من يسكن في طرف بلدة: أنا ذاهب إلى البلد: يعني وسط البلد؛ وإلا فهو في البلد؛ وإن كان في طرفها.

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا): المعنى: وأسال أهل القرية.
    قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: أراد أهل القرية. وكما قال (والعير التي أقبلنا فيها) أراد: أهل العير.

    انتهى.

    *قوله {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينا نَصيرًا}:* أي ناصرا يمنعك من عذابنا.
    قاله البغوي في تفسيره.

    انتهى.

    المعنى الإجمالي للآية (75)؛

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والمعنى لو ركنت إليهم في ذلك الشيء القليل إذن لأذقناك ضعف
    الحياة وضعف الممات، أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات
    لأنك أنت نبي ويضاعف لك العذاب على عذاب غيرك لو جنى هذه الجناية
    كما قال: (يا نساء*النبي*من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين)لأن*درجة*ا نبي*ودرجة*آله الذين وصفهم الله فوق*درجة*غيرهم.

    انتهى كلامه.

    ومن كتاب (المختصر في التفسير):
    ولو ملت إليهم فيما يقترحون عليك لأصبناك بعذاب مضاعف في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثم لا تجد نصيرًا يناصرك علينا، ويدفع عنك العذاب.
    .............................. ...
    (1): أنظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة - رحمه الله -.
    .................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  11. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ وَيَهدي مَن يَشاءُ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ [إبراهيم: 4].

    *قوله {وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِه}:* إِلّا بِلِسانِ قَومِه: أي بلغة قومه؛ الذين هو منهم.

    ونظيرتها قوله تعالى (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ): بِلِسَانِكَ: أي بلغتك؛ التي هي أفصح اللغات.

    قال القرطبي في تفسيره: أي سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه.

    قال سراج الدين النعماني في اللباب: «بلسانك» أي بلغتك. والباء للمصاحبة.

    قال الجلال المحلي في الجلالين: «بلسانك»: بلغتك لتفهمه العرب منك.

    قال ابن كثير في تفسيره: أي إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهلا واضحا بينا جليا بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها.

    قال أبو السعود في تفسيره: أى إنما أنزلنا الكتاب المبينبلغتك*كي يفهمه قومك.

    انتهى.

    فمعنى قوله تعالى (وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِه): إِلّا بِلِسانِ قَومِه: أي بلغة قومه.
    قاله الطبري في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والنحاس في معاني القرآن، والواحدي في البسيط، والسمرقندي في بحر العلوم، والزركشي في البرهان في علوم القرآن، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

    زاد الطبري: ما كانت.

    وزاد الزجاج: ليعقل عنه*قومه.

    وزاد السمرقندي: ليفهموه وليكون أبين لهم.

    وزاد الإيجي: الذي هو بعث فيهم.

    *قوله {لِيُبَيِّنَ لَهُم}:* يقول: ليفهمهم وتلزمهم الحجة.
    قاله*الفراء في معاني القرآن.

    *قوله {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ وَيَهدي مَن يَشاءُ}:* بعد أن يبين لهم الرسول، ويقيم عليهم الحجة بلسانهم.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: بعد البيان.

    *قوله {وَهُوَ}:* الله.

    *قوله {العَزيزُ}:* الذي لا يمنعه أحد عما أراده، وقضاه.

    قال الطبري في تفسيره: الذي لا يمتنع مما أراده من ضلال أو هداية من أرادَ ذلك به.

    *قوله {الحَكيم}:* حكيم له الحكمة البالغة؛ في الأمر عامة، وأن يضل من شاء ويهدي من شاء خاصة؛ فهي حكمة بالغة لا تدركها عقولكم إلا من شاء الله بوحي؛ وإلا فلا إلا التسليم والخضوع له في إضلاله من شاء، وهداية من شاء.

    وليس معناه: أن الله أجبر من ضل على الضلال - حاشاه -؛ ألا ترى إلى قوله تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)!.

    فأفعاله تعالى شأنه مبنية على الفضل والعدل؛ وهو يضل من يشاء عدلا، ويهدي من يشاء فضلا.

    وقد سبق بحمد الله الحديث عن هذه المسألة، وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة؛ فهم وسط في باب أفعال الله - سبحانه - بين الجبرية والقدرية. وذلك عند تعرضنا لتفسير سورة التوبة؛ فله الحمد الحسن والثناء الجميل.

    انتهى.

    قال الطبري في تفسيره: (الحكيم)*، في توفيقه للإيمان من وفَّقه له، وهدايته له من هداه إليه ، وفي إضلاله من أضلّ عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره.

    *فائدة:*

    قال السعدي في تفسيره: ويستدل بهذه الآية الكريمة على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام رسوله أمور مطلوبة محبوبة لله لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها إلا إذا كان الناس بحالة لا يحتاجون إليها، وذلك إذا تمرنوا على العربية، ونشأ عليها صغيرهم وصارت طبيعة لهم فحينئذ قد اكتفوا المؤنة، وصلحوا لأن يتلقوا عن الله وعن رسوله ابتداء كما تلقى عنهم الصحابة رضي الله عنهم.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    ..........................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

  12. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَه َا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}: النحل (80).

    *قوله {وَاللَّهُ جَعَلَ}:* جَعَلَ: معناه صير.
    قاله القرطبي في تفسيره.

    قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي صير، أو خلق.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ}: أي صيّر. و" الجعل " يطلق في التنزيل ويراد به عدة معان - وسأذكر طرفا يسيرا في حديثي عن هذه المسألة، ولو علت الهمة - يغفر الله لي التقصير - لذكرت فيها بحثا طويلا؛ لكن سأذكر ما يسر الله لي.

    فأقول مستعينا بالله:

    يأتي " الجعل " بمعنى: التصيير؛ كما في الآية التي نحن بصدده، وكما في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ):جعل ناه أي صيرنا قراءة هذا الكتاب عربيا. قاله البغوي في تفسيره.

    وقوله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً): قال ابن عطية في المحرر الوجيز:* وجعل بمعنى صير في هذه الآية لتعديها إلى مفعولين.

    وقوله (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِين َ . الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ): وقوله عِضِينَ مفعول ثان وجعل بمعنى صير، أي بألسنتهم ودعواهم.
    قاله ابن عطية في المحرر.

    وقوله (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ): أي صير الله الكعبة، وصير الأشهر الحرم، وصير الهدي، وصير القلائد.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: جعل الله الكعبة جعل بمعنى: صير.

    قال الأزدي في تهذيب اللغة: وَيُقَال جعلتُه أحذقَ النَّاس بِعَمَلِهِ، أَي صيّرته. انتهى كلامه.

    وقوله (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ): وجعل بمعنى صير. والأكابر جمع الأكبر.
    قاله القرطبي في تفسيره.

    وقوله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً): قال أبو حيان في البحر المحيط: والظاهر أن الليل والنهار مفعول أول لجعل بمعنى صير، وآيتين ثاني المفعولين.

    وكما في وقوله (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ): (كعصف)*في موضع نصب، على أنه مفعول ثان ل/*(فجعلهم) أي*صيرهم.
    قاله الزحيلي في التفسير المنير.

    ومنها: الخلق، وهو في التنزيل كثير جدا؛ كما في قوله (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا): يعني أنه خلق من آدم زوجته حوّاء.
    قاله الطبري في تفسيره.

    قال القرطبي في تفسيره: "جعل " بمعنى خلق.

    وقوله (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ): أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله والله خلق كل دابة من ماء أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبر عنه كقوله خلق السموات من عجل.
    قاله النسفي في تفسيره.

    وقوله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا): يعني: خلق لكم الليل لتقروا فيه من النصب والتعب، والنهار مبصرا يعني: خلق النهار مطلبا للمعيشة.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    ومنها: الوصف: ومنه قوله تعالى (وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الجن): قال السمعاني في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي وصفوا لله.

    وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير: جعلوا: بمعنى وصفوا.

    قال الشنقيطي في أضواء البيان:* لفظة " جعل " تأتي في اللغة العربية لأربعة معان ; ثلاثة منها في القرآن:
    الأول: إتيان جعل بمعنى اعتقد، ومنه قوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) أي: اعتقدوهم إناثا، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر.
    الثاني: جعل بمعنى صير، كقوله: (حتى جعلناهم حصيدا خامدين) وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضا.
    الثالث: جعل بمعنى خلق، كقوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) أي: خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور.
    والظاهر أن منه قوله هنا: الله الذي جعل لكم الأنعام أي: خلق لكم الأنعام، ويؤيد ذلك قوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم)، وقوله: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما الآية.
    الرابع: وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع، ومنه قوله:
    وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر.

    انتهى.

    *قوله {لَكُمْ}:* أيها الناس.
    قاله الطبري في تفسيره؛ إلا أنه قال: (والله جعل لكم) أيها الناس.

    *قوله {مِنْ بُيُوتِكُمْ}:* التي تقيمون بها دائما، أو في غالب أوقاتكم. وهي بيوت الحضر؛ كالتي تصنعونها من الحجر، والطين، والخشب، وما تحدثونه من بناء.

    قال البغوي في تفسيره: التي هي من الحجر والمدر.

    *قوله {سَكَنًا}:* موضعاً تسكنون فيه ويستر عوراتكم وحرمكم وذلك أنَّه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت.
    قاله الواحدي في الوجيز.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والسكن مصدر يوصف به الواحد، ومعناه يسكن فيها وإليها.

    قال البغوي في تفسيره {سَكَنًا}: أي مسكنا تسكنونه.

    قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أي موضعا تسكنون فيه.

    قال الطبري في تفسيره: تسكنون أيام مقامكم في دوركم وبلادكم.

    قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وهو بمعنى مسكون أي تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم*من*الحرك ة وهذا*من*جملة تعديد الله نعمه على الإنسان فإن الله سبحانه لو شاء لخلق العبد مضطربا دائما كالأفلاك ولو شاء لخلقه ساكنا أبدا كالأرض.

    *قوله {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ}:* أي من الشعر والصوف والوبر.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والأنعام اسم للإبل والبقر والغنم.

    *قوله {بُيُوتًا}:* كالخيام.

    فإن قلت: إن أكثر الناس اليوم لا يتخذون هذه المذكورات بيوتا؛ فأين محل المن بالنعمة؟.

    فالجواب: قل لمن يتخذها " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا "،
    وقل لمن اتخذ غيرها؛ كالمصانع؛ أي الأبنية (1): (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا).

    وقد نوه القرآن عن كل ما يحدثه الإنسان من مصنوعات؛ كما في سورة النعم (النحل) (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ): أي يخلق لكم ما لا تعلمونه، وما يريد. ومنة الله تدرك العباد أينما صنعوا، واتخذوا.

    *قوله {تَسْتَخِفُّونَ َا}:* خفيفة عليكم حملها. وهذا مشاهد؛ فالخيام - مثلا - يسهل حملها في السفر والحضر.

    قال السمعاني في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: وقوله: {تستخفونها} يعني: يخف عليكم حملها.

    قال الطبري في تفسيره: يقول: تستخفون حملها ونقله.

    قال السمرقندي في البحر: أي تستخفون حملها.

    قال الألوسي في روح المعاني: تستخفونها أي تجدونها خفيفة سهلة المأخذ فالسين ليست للطلب بل للوجدان كأحمدته وجدته محمودا.

    وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: استخفَّ الشَّيءَ: عدَّه أو وجده خفيفًا " {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَه َا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} ".

    *قوله {يَوْمَ}:* حين، ووقت. ويأتي" اليوم " بمعنى" حين ".

    ومنه قوله تعالى (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا): يَوْمَ حَصَادِه: أي حين حصاده، أو وقت حصاده.

    ومنه (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا): يَوْمَ وُلِدْت: يعني حين ولدت. ومثله: وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: يوم ولدت يعني: حين ولدت، ويوم أموت يعني: حين أموت.

    *قوله {ظَعْنِكُمْ}:* سيركم، وخروجكم ، وارتحالكم من بلادكم وأمصاركم لأسفاركم. والظعن: السفر، والترحال.

    يقال: ظعن الرجل: أي رحل.

    قال الحميري في شمس العلوم: " ظَعَن ": الظَّعْن والظَّعَن: السير، قال الله تعالى (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ).

    قال زين الدين الرازي في مختار الصحاح: (ظعن) سار.

    قال الأزدي في جمهرة اللغة: والظَّعَن والظَّعْن وَاحِد: ضد المُقام.

    قال ابن منظور في لسان العرب: ظعن: ظعن يظعن ظعنا وظعنا، بالتحريك، وظعونا: ذهب وسار.

    قال الأزهري في تهذيب اللغة: والظَعْنُ: سير الْبَادِيَة لنُجْعة أَو حُضُور مَاء أَو طلب مَرْتَع أَو تحوّل من مَاء إِلَى مَاء أَو من بلد إِلَى بلد. وَقد ظَعَنوا يَظْعَنون. وَقد يُقَال لكل شاخص لسفر فِي حجّ أَو غَزْو أَو مسير من مَدِينَة إِلَى أُخْرَى: ظاعِن، وَهُوَ ضدّ الْخَافِض، يُقَال: أظاعن أَنْت أم مُقيم؟.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {يوم ظعنكم} : يوم وقت ترحلكم.
    قاله الكفوي في الكليات.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره: {يوم ظعنكم} يعني: يوم سفركم.

    قال يحيى بن سلام في التصاريف: {تستخفونها يوم ظعنكم} يعني حين ظعنكم.

    قال الطبري في تفسيره: (يوم ظعنكم) من بلادكم وأمصاركم لأسفاركم، (ويوم إقامتكم) في بلادكم وأمصاركم.

    *قوله {وَيَوْمَ}:* أي وحين. على ما سبق بيانه.

    *قوله {إِقَامَتِكُم}:* في منازلكم، وما تستوطنونه.

    والمعنى: أي لا يثقل عليكم في الحالتين؛ حين إقامتكم؛ في غير السفر؛ وفي بلادكم، وما تستوطنونه.

    قال الطبري في تفسيره: في بلادكم وأمصاركم.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يعني: قراركم في غير سفر.

    قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: و {إقامتكم:} لبثكم في المنازل.

    قال البغوي في تفسيره: (ويوم إقامتكم)، في بلدكم؛ لا تثقل عليكم في الحالين.

    قال السمرقندي في البحر: (يوم ظعنكم ويوم إقامتكم): أي يوم انتقالكم وسفركم، ويوم نزولكم.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: تستخفونها في الحمل يوم ظعنكم يعني حين رحلتكم وأسفاركم وتستخفونها ويوم إقامتكم حين تقيمون في الأسفار وتستخفونها يعني الأبيات التي تتخذونها ولا يشق عليكم ضرب الأبنية.

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن البيوت التي يسكن الإنسان فيها على قسمين:
    القسم الأول: البيوت المتخذة من الخشب والطين والآلات التي بها يمكن تسقيف البيوت، وإليها الإشارة بقوله: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وهذا القسم من البيوت لا يمكن نقله، بل الإنسان ينتقل إليه.
    والقسم الثاني: القباب والخيام والفساطيط، وإليها الإشارة بقوله: وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يومظعنكم ويوم إقامتكم وهذا القسم من البيوت يمكن نقله وتحويله من مكان إلى مكان. واعلم أن المراد الأنطاع، وقد تعمل العرب البيوت من الأدم وهي جلود الأنعام أي يخف عليكم حملها في أسفاركم.

    *قوله {وَمِنْ أَصْوَافِهَا}:* الصوف: للغنم.

    *قوله {وَأَوْبَارِهَا} :* الوبر: للإبل. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «الفخر، والخيلاء الفدَّادِين أهل الوبر...»: أهل الوبر: يعني أهل الإبل.

    قال الأزدي الميورقي في* تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم: يعني أهل الإبل ذات الوبر فأقام المضاف إليه مقام المضاف.

    *قوله {وَأَشْعَارِهَا} :* الشعر: للمعز.

    قال النحاس في معاني القرآن: فالأصواف للضأن والأوبار للإبل والأشعار للمعز.

    *قوله {أَثَاثًا}:* قال القتيبي: الأثاث المال جميعه من الإبل والغنم والعبيد والمتاع.
    قاله البغوي في تفسيره.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن: الأثاث: متاع البيت.

    زاد ابن قتيبة: من الفرش والأكسية.

    وزاد الزجاج: ويقال لمتاع البيت أيضا، الأهرة، ويقال: قد أث يئيث أثا إذا صار ذا أثاث.

    قال الواحدي في الوجيز: {أثاثا} طنافس وأكسية وبسطا.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: متاع البيت أي من الأكسية والفرش.

    قال السمعاني في تفسيره: وهو ما يتأثث به أي: ينتفع به.

    قال الرازي في التفسير الكبير: وقوله: (أثاثا) الأثاث أنواع متاع البيت من الفرش والأكسية.

    *قوله {وَمَتَاعًا}:* تتمتعون به.
    قاله الواحدي في الوجيز.

    قلت ( عبدالرحيم): فيه مسألتان:

    الأولى: إذا كان الاثاث متاعا، فما فائدة التنبيه في المرة الثانية بقوله (ومتاعا)؟.

    فالجواب: فقد يملك الإنسان الأثاث وغيرها من النعم لكن لا يتمتع بها لعلة ما، أو مرض قلبي؛ كم يقتني للفخر والخيلاء.

    وفيه أنه ينبغي للعبد أن يتمتع ويمتع غيره بما أولاه الله - عز وجل- ولا يجعل ذلك مجرد اقتناء، لا ينتفع به؛ فيكون متاعه مؤى للشيطان؛ فعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان». رواه مسلم (2084).

    الثانية: فإن قيل: عطف المتاع على الأثاث والعطف يقتضي المغايرة، وما الفرق بين الأثاث والمتاع؟

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير:
    قلنا: الأقرب أن الأثاث ما يكتسي به المرء ويستعمله في الغطاء والوطاء، والمتاع ما يفرش في المنازل ويزين به.

    انتهى.

    *قوله {إِلَى حِينٍ}:* وقت فناءه، وموتكم.

    وفيه أنه ينبغي للعبد أن يعلم أن ما خوله الله من نعيم إنما هو لأجل مسمى فلا يركن إلى الدنيا وغن طابت؛ وقد نبه الله على هذا كي لا يفتن بالدنيا؛ فكانه قال هذه النعم مع أنني صيرتها لكم وسخرتها لكم لكن ليس للخلود في دار الفناء.

    قال الطبري في تفسيره: وقوله ( وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ) فإنه يعني: أنه جعل ذلك لهم بلاغا، يتبلَّغون ويكتفون به إلى حين آجالهم للموت.

    قال السمرقندي في البحر: (ومتاعا إلى حين): أي المنفعة تعيشون فيه إلى الموت. ويقال: تنتفعون بها إلى حين تبلى.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره: {إلى حين} إلى الموت.

    قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ومتاعا إلى حين} أي: متعة إلى حين آجالكم.

    قال السيوطي في الجلالين: وقت انقضاء آجالكم.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    ..........................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  13. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}: الإسراء (11).

    *قوله {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ}:* أي ويدعو الإنسان ربه بالشر كما يدعوه بالخير.

    ولو استجاب له في الشر لأهلكه؛ كما قال (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ): أي لو استجاب لهم في الشر؛ لقضي إليهم أجلهم؛ أي ماتوا؛ كما قال (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ): أي أمتناه.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ): أي لو عجل الله للناس الشر إذا دَعَوْا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم، واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الرزق والرحمة: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لماتوا.

    قال الفراء في معاني القرآن: يقول: لو أجيب الناس في دعاء أحدهم على ابنه وشيهه بقولهم: أماتك الله، ولعنك الله، وأخزاك الله لهلكوا.

    انتهى.

    فمعنى قوله تعالى (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ): أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى مَالِه، بما لو استُجيب له فيه، هلك.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

    قال مكي في تفسير المشكل: أي يدعو على نفسه بالشر عند غيظه.

    قال القرطبي: (دعاءه بالخير): أي كدعائه ربه أن يهب له العافية.

    قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: المعنى أن الإنسان ربما دعا على نفسه وولده وأهله بالشر غضبا كمايدعو لنفسه بالخير، وهذا لم يعر منه بشر.

    قال الطبري في تفسيره: ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشرّ، فيقول: اللهمّ أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه، كدعائه بالخير: يقول: كدعائه ربه بأن يهب له العافية، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده، يقول: فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشرّ كما يستجاب له في الخير هلك، ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك.
    قاله الطبري في تفسيره.

    قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) يريد كدعائه بالخير في الرغبة إلى الله عز وجل فيما لا يحب الداعي إجابته، كدعائه على ولده فلا يستجاب له في الشر وقد دعا به. فذلك أيضا من نعم الله عز وجل عليه.

    *قوله {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}:* ومن جملة عجلته؛ أن يستعجل ربه الإجابة؛ ولو في الشر.

    قال البغوي في تفسيره: (وكان الإنسان عجولا): بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه .

    قال السعدي: وهذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله -بلطفه - يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر. { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ }.

    قلت ( عبدالرحيم): قوله تعالى {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}: فيه عظة لأهل الإيمان؛ وهي أنهم لا يستعجلون ربهم في إجابة الدعاء؛ ولو كان بمباح.

    فهم مع تضرعهم لربهم، وإقبالهم عليه فيما يسألونه؛ يسلّمون له، ويدَعون ربهم يختار لهم؛ فهو علام الغيوب، وولي الذين آمنوا؛ أرحم بالعبد منه بنفسه.

    فكم من باب تظنه خيرا، وهو عند الله شر محض. وقد تحسب بابا شرا وهو سر سعادتك في الدارين.

    فقد فرض الله القتال في سبيله لما فيه من الخيرات العظام في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل؛ ومع ذلك تكرهه النفوس؛ وهو خير محض كله؛ خير لهم لا يدانيه خير؛ قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ): والله يعلم ما لا تعلمونه في الأمر عامة، وما قضاه لكم خاصة.

    وقد يكون عطب المرء وهلاكه فيما طلبه، ورغبه. فكم من عبد استعجل ربه حتى أساء به الظن؛ فقُضي إليه أجلُه؛ كمن يلحّ على ربه بضجر أن يرزقه السفر إلى بلد ما، وإذ به ينقلب إلى الدار الآخرة، أو يرجع مهشم الرأس مقطع الأطراف.

    فالعبد بين أمرين: الأول: أن يعظم الرغبة في الله، ويجد في دعاءه؛ وبهذا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    والثاني: يمتثل ما شرعه ربه من آداب الدعاء، فلا يتضجر، ولا يستعجل؛ وفي الحديث: " يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ". (3)
    ..............................

    (1): للشيخ السعدي رحمه الله تفسير قيم؛ في تفسير هذه الآية - آية البقرة - فراجعه إن شئت -.

    (2): رواه البخاري (6340)، ومسلم (2735)؛ من حديث أبي هريرة مرفوعا.

    ..........................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  14. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَاترُكِ البَحرَ رَهوًا إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقونَ﴾ [الدخان: 24].

    *قوله {وَاترُكِ}:* يا موسى - عليه السلام -.

    *قوله {البَحرَ}:* بعد نجاتك ومن معك من عدوكم؛ فرعون وملائه.

    والمعنى اترك البحر الذي انفلق لك بضربك إياه بالعصى.

    *قوله {رَهوًا}:* ساكنا. والرهو: السكون.

    وذلك لما شق الله البحر لموسى - عليه السلام - ومن معه فجاوزوه؛ فأراد - لعل ذلك - موسى عليه السلام أن يضربه مرة أخرى كي يحول البحر بينه وبين فرعون؛ فأوحى الله إليه ألا تفعل؛ بل اتركه ساكنا؛ ليكون كصيد الفخ لفرعون؛ أي ليكون استدراجا منا له لنغرقه وقومه؛ فكان (إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقون).

    أي لا تضربه، ولا تأمره أن يعود؛ وقد ذلل الله ذلك لموسى؛ فقد ضرب الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا؛ وهذا أمر من الله وتوجيه أنه لا يحرك ساكنا ولا يسكن متحركا إلا بأمر منه تعالى.

    يريد: اتركه على حالته التي أصبح كل ناحية منه كالطود العظيم؛ أي الجبل العظيم؛ لا تضربه مرة أخرى ليعود؛ إنما نريده هادئا؛ استدراجا منا كي يدخله فرعون وقومه فيطبق عليهم مرة أخرى؛ فيغرقوا.

    قال البغوي في تفسيره: (رهوا)*ساكنا على حالته* وهيئته، بعد أن ضربته ودخلته، معناه: لا تأمره أن يرجع، اتركه حتى يدخله آل فرعون، وأصل*" الرهو "*:* السكون.

    قال الطبري في تفسيره: وقوله*( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا )*يقول: وإذا* قطعت البحر أنت وأصحابُك، فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته.*

    انتهى.

    فمعنى قوله تعالى (وَاترُكِ البَحرَ رَهوًا): رَهوًا: أي ساكنا.
    قاله الفراء في معاني القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والنفسي في مدارك التنزيل، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وغيرهم.

    زاد ابن الجوزي: على حاله بعد أن انفرق.

    وزاد أبو عبيدة: أره على نفسك أي ارفق بها ولا تخرق. يقال: عيش راه، قال بشر بن أبى خازم:
    فإن أهلك عمير فرب زحف*...*يشبه نقعه*رهوا*ضبابا.

    وزاد أبو بكر: كهيئته بعد أن ضربه موسى عليه السلام، وذلك أن موسى لما سأل ربه أن يرسل*البحر*خوفا من فرعون أن يعبر في أثره، قال الله جل وعز: {واتركالبحر*رهوا *إنهم جند مغرقون} . ويقال*رهوا: منفرجا.

    قال الألوسي في روح المعاني: يقال رها*البحر*يرهو رهوا*سكن ويقال: جاءت الخيل*رهوا*أي ساكنة، قال الشاعر:
    والخيل تمزع*رهوا*في أعنتها*...*كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد.
    ويقال افعل ذلك*رهوا*أي ساكنا على هينة وأنشد غير واحد للقطامي في نعت الركاب:
    يمشين*رهوا*فلا الأعجاز خاذلة*...*ولا الصدور على الأعجاز تتكل.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: (واترك البحر رهوا): ساكنا*أراد*موسى* ليه السلام لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق فأمر بأن يتركهساكنا*على هيئته قارا على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق ببسالا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم وقيل الرهو الفجوة الواسعة أي اتركه مفتوحا على حاله منفرجا.

    *قوله {إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقون}:* نغرقهم في ذلك البحر الذي تجاوزوه رهوا.
    قاله الواحدي في الوجيز.

    قال البغوي في تفسيره: أخبر موسى* أنه يغرقهم ليطمئن قلبه في تركه البحر كما جاوزه.

    *المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):*
    وأمره إذا اجتاز البحر هو وبنو إسرائيل أن يتركه ساكنًا كما كان، إن فرعون وجنده مهلكون بالغرق في البحر.
    ..........................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  15. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}: الفرقان (54).

    *قوله {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا}:* مِنَ الْمَاءِ: من النطفة.
    قاله البغوي.

    قال ابن ابي زمنين: خلق من النطفة إنسانا.

    *قوله {فَجَعَلَهُ نَسَبًا}:* يعني قرابة النسب.

    *قوله {وَصِهْرًا}:* يعني قرابة النكاح.

    قال الزمخشري في أساس البلاغة: " ص هـ ر ": بينهم صهر وصهورة وهو حرمة الزواج.

    قال برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ*ف المغرب في ترتيب المعرب: النسب ما لا يحل نكاحه والصهر الذي يحل نكاحه كبنات العم والخال وأشباههن من القرابة التي يحل تزوجها.

    قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: قوله تعالي: {فجعله نسبًا وصهرًا} أي قريبًا من جهة النكاح. والأصهار: أقارب الزوج أو الزوجة.

    قال السمعاني في تفسيره: النسب نسبة من قرابة، والصهر خلطة من غير النسب.

    قال الفراء في معاني القرآن: فأما النسب فهو النسب الذي لا يحل نكاحه، وأما الصهر فهو النسب الذي يحل نكاحه كبنات العم والخال وأشباههن من القرابة التي يحل تزويجها.

    قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: {نسبا وصهرا} أي: مناسبا ومصاهرا يناسب بعضه بعضا؛ لتبقية الإلفة وحفظ الأصل، وتصاهر بعضه بعضا لاستفادة الإلفة، وإنشاء النسل.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و «النسب والصهر» معنيان يعمان كل قربى تكون بين كل آدميين، ف «النسب» هو أن يجتمع إنسان مع آخر في أب أو في أم قرب ذلك أو بعد، و «الصهر» تواشج (1) المناكحة، فقرابة الزوجة هم الأختان (2)، وقرابة الزوج ثم الأحماء والأصهار يقع عاما لذلك كله.

    قال أبو السعود في تفسيره: {فجعله نسبا وصهرا} أي قسمه قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينتسب إليهم وذوات صهرا أي أناثا يصاهر بهن كقوله تعالى فجعل منه الزوجين الذكر والانثى.

    *قوله {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}:* ومن جملة قدرته أن جعل من نفس واحدة - وهي التي خلقها من ماء - قرابات؛ نسبا وصهرا، ولا يشبه أحد أحدا مع عظم كثرتهم.

    قال ابن كثير في تفسيره: (فجعله نسبا وصهرا)، فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهرا، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات. وكل ذلك من ماء مهين؛ ولهذا قال: (وكان ربك قديرا).

    ..........................
    (1): في المعجم الوسيط: وشَج*الشَّيءُ اشتبك وتداخل والتفّ :- وشَجت الأغصان ، - وشَجت الهمومُ في قلبه .*
    وشَج**قرابَتَه : شبَكَها ووصلها وربطها.

    (2): الخَتَن*: كل من كان من قِبَل المرأة كأبيها ،* وأخيها ، وكذلك ، وزوج البنت أو زوج الأخت والأنثى:*خَتَنَة ٌ.
    كذا في المعجم الوسيط.
    .................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  16. افتراضي

    ... *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث إِنّا وَجَدناهُ صابِرًا نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوّابٌ﴾ [ص: 44].

    *قوله {وَ}:* قلنا.

    *قوله {خُذ}:* يا أيوب. - عليه السلام -.

    *قوله {بِيَدِكَ}:* تأكيد.

    ونظيرتها قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ): بِأَيْدِيهِمْ: تأكيد. وإلا فمن المعلوم أن الكتابة تباشرها اليد لا غيرها؛ وهذا غالب البرية، اللهم إلا من يكتب بعضديه لعلة؛ لكن النادر لا اعتبار له؛ كما قال (وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ).

    ونظيرتها (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ): إذ لا يخر السقف إلا من أعلى.

    وأحمد الله الذي لا إله غيره؛ أن ألهمني ما ذكرته؛ قبل أن أطلع على ما قاله أرباب العلم.

    وإليك:

    قال*ابن كثير في تفسيره: {ولا*تخطه*بيمينك} *تأكيد*أيضا، وخرج مخرج الغالب، كقوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه}.

    قال الزمخشري في الكشاف: {يكتبون*الكتاب}*ا لمحرف*{بأيديهم}*ت أكيد، وهو من مجاز التأكيد، كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه: يا هذا كتبته بيمينك هذه.*

    قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: وقوله تعالى: {بأيديهم}*تأكيد*ك قولك: كتبته بيميني.

    قال أبو السعود في تفسيره: {بأيديهم}*تأكيد*ل دفع توهم المجاز كقولك كتبته بيميني.

    قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وقوله (بأيديهم)تأكيد*ل ن*الكتابة لا تكون إلا باليد، فهو مثل قوله (ولا طائر يطير بجناحيه) وقوله (يقولون بأفواههم) قال ابن السراج هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و*{من فوقهم}*تأكيد لجملة*{فخرّ عليهم السّقف}.

    انتهى.

    فمعنى قوله تعالى (وَخُذ بِيَدِكَ): وقلنا خذ بيدك.
    قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والطبري في تفسيره.

    *قوله {ضِغثًا}:* حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك.
    قاله النسفي في مدارك التنزيل.

    قال السمعاني في تفسيره: والضغث: كل ما يملأ الكف من خشب أو حشيش أو غيره.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني بالضغث القبضة الواحدة.

    قال الطبري في تفسيره: وهو ما يجمع من شيء مثل حزمة الرُّطْبة، وكملء الكفّ من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {ضِغثًا}: يعني باقة؛ أي حزمة عيدان مختلطة؛ مجموعة من عيدان كسنابل القمح؛ أي كانت تلك العيدان؛ تجمع في قبضة اليد ومنه قولهم " باقة ورد ".

    ومنه قول سلمة ابن الأكوع - رضي الله عنه - (كما في مسلم (1807) من حديث ابن عنه): " فأخذت سلاحهم، فجعلته ضغثا في يدي...". أي أخذ سلاح بعض المشركين فجعلها حزمة في يده.

    ومنه قوله تعالى (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ): أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ: أي مجموعة أحلام مختلطة؛ كاختلاط العيدان المختلفة الزرع، والنوع؛ وهي التي لا تأويل لها.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: حزم أخلاط من الأحلام.

    قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: قوله تعالي: {وخذ بيدك ضغثًا} الضغث: قبضةٌ من حشيشٍ أو ريحانٍ أو قضبانٍ. وفي التفسير: أن أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مئة سوطٍ، فأفتاه الله تعالي بأن يأخذ حزمة مئة فيضربها فيبر، علي ما أوضحناه في موضعه. وبذلك شبهت الأحلام المختلطة فقيل: {أضغاث أحلام}* أي أخلاطٌ مجتمعةٌ لا يدري ما تأويلها.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «أَضْغاثُ أَحْلامٍ» واحدها ضغث مكسور وهى ما لا تأويل لها من الرؤيا، أراه جماعات تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش، فيقال ضغث، أي ملء كفّ منه.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي: أخْلاط أحلام. مثل أضْغَاث النبات يجمعها الرجل فيكون فيها ضُرُوب مختلفة. والأحلام واحدها حُلُم.

    قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أضغاث أَحْلَام: [أخلاط أَحْلَام] مثل أضغاث الْحَشِيش يجمعها الْإِنْسَان فَتكون فِيهَا ضروب مُخْتَلفَة.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: الضغث: قبضة ريحان، أو حشيش أو قضبان، وجمعه: أضغاث. قال تعالى: وخذ بيدك ضغثا، وبه شبه الأحلام المختلطة التي لا يتبين حقائقها، قالوا أضغاث أحلام: حزم أخلاط من الأحلام.

    انتهى.

    فمعنى قوله تعالى (وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث): ضِغثًا: أي: باقة من كل شيء، من قضبان، من ريحان، من عيدان.
    قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

    *قوله {فَاضرِب بِهِ}:* من حلفت أن تضربه.

    قال الواحدي في الوجيز: {فاضرب به} امرأتك.

    السمعاني: يعني: فاضرب به امرأتك.

    *قوله {وَلا تَحنَث}:* في يمينك؛ بتركك الضرب. أي لا إثم ولا كفارة عليك بعدها.

    قال السمعاني في تفسيره: {ولا تحنث} أي: ولا تدع الضرب فتحنث.

    قال القرطبي في تفسيره: فأخذ شماريخ قدر مائة فضربها ضربة واحدة.

    قال البغوي في تفسيره: (فاضرب به ولا تحنث) في يمينك ، وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط ، فأمره الله أن يأخذ ضغثا يشتمل على مائة عود صغار ، ويضربها به ضربة واحدة.

    قال مقاتل بن سليمان: ولا تحنث يعني ولا تأثم في يمينك التي حلفت عليها.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {ولا تحنث}: لا تنقض يمينك التي حلفتها بضرب زوجتك.

    قلت ( عبدالرحيم): و يأتي " الحنث " في التنزيل يأتي على معنيين:

    الأول: الشرك: وسمي حنثا؛ لأن الله أخذ العهد على بني آدم ألا يشركوا به؛ فمن أشرك فقد حنث؛ وهذا أعظم الحنث.
    ومنه قوله تعالى (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ): قال ابن كثير في تفسيره: وهو الكفر بالله ، وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله .

    قال الكفوي في الكليات، والبغوي في تفسيره، وغيرهما:{الحنث العظيم} : الشرك.
    إلا أن البغوي قال: وهو الشرك .

    قال القرطبي في تفسيره: أي يقيمون على الشرك.

    قال النسفي في المدارك: أي على الذنب العظيم أو على الشرك لأنه نقض عهد الميثاق والحنيث نض العهد المؤكد باليمين أو الكفر بالبعث بدليل قوله وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لا يبعث الله من يموت.

    والثاني: الحنث في اليمين: أي الإثم المترتب على عدم الوفاء باليمين؛ وهو المعني بالآية التي نحن بصددها؛ (وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث).

    *قوله {إِنّا وَجَدناهُ}:* علمناه.
    قاله الزمخشري في الكشاف، والنسفي في المدارك، وصديق خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.

    *قوله {صابِرًا}:* أي على البلاء.
    قاله القرطبي في تفسيره.

    قال الطبري في تفسيره: يقول: إنا وجدنا أيوب صابرا على البلاء، لا يحمله البلاء على الخروج عن طاعة الله، والدخول في معصيته.

    *قوله {نِعمَ العَبدُ}:* هو أيوب - عليه السلام -.

    *قوله {إِنَّهُ أَوّابٌ}:* أَوّابٌ: رجاع إلى ربه. والأوب: الرجوع. يقال: آب من سفره: يعني رجع منه.

    قال الطبري في تفسيره: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) يقول: إنه* على طاعة الله مقبل, وإلى رضاه رجَّاع.

    ومنه قوله تعالى{وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي: المرجع. من "آبَ يؤُوب": إذا رجع.

    قال القرطبي في تفسيره: (نعم العبد إنه أواب ) أي تواب رجاع مطيع .

    قال السمعاني في تفسيره: أي رجاع إلى طاعة الله.

    قال أبو بكر الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس: وقال أهل اللغة: الأواب: الرجاع الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، من قولهم: قد آب يؤوب أوبا: إذا رجع. قال الله عز وجل: {لكل أواب حفيظ}.

    قال الأزدي في جمهرة اللغة: آبَ يؤوب أَوْباً وإياباً، إِذا رَجَعَ.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

    ..........................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  17. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَاقصِد في مَشيِكَ وَاغضُض مِن صَوتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ لَصَوتُ الحَميرِ﴾
    [لقمان: 19].

    *قوله {وَاقصِد في مَشيِك}:* أي توسط فيه . والقصد : ما بين الإسراع والبطء.
    قاله القرطبي في تفسيره.

    قال الجلال المحلي في الجلالين: توسط*فيه بين الدبيب والإسراع وعليك السكينة والوقار.

    وقال الطبري في تفسيره: يقول: وتواضع في مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر، ولا تستعجل، ولكن اتئد.

    *قوله {وَاغضُض مِن صَوتِك}:* واخفض من صوتك، فاجعله قصدا إذا تكلمت.
    قاله الطبري في تفسيره.

    قال البغوي في تفسيره: (واغضض من صوتك)*انقص من*صوتك.

    قال القرطبي في تفسيره: واغضض من صوتك أي انقص منه؛ أي لا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه؛ فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي. والمراد بذلك كله التواضع.

    قال ابن الهائم في التبيان في غريب القرآن: واغضض*من صوتك: انقص منه [زه] يقال: غض منه، إذا نقص منه.

    قال الألوسي في روح المعاني: أي انقص منه واقصر من قولك فلان يغض من فلان إذا قصر به وضع منه وحط من درجته. وفي البحر الغض رد طموح الشيء كالصوت والنظر.

    انتهى كلامه.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وَاغضُض): أي اخفض، وانقص؛ كف عن صوتك المرتفع.

    وأصل الغض: الخفض، والكف.

    قال الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: وأصل*الغض:*الكف؛ ومنه: غض الملامة: أي كف عن اللوم.

    قال في تهذيب اللغة: أي إخفض الصوت، ويقال؛ غض الطرف، أي: كف النظر.

    قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: " غضض " غض طرفه، أي خفضه. وغض*من صوته. وكل شئ كففته فقد غضضته، والأمرمنه في لغة أهل الحجاز اغضض. وفي التنزيل: {واغضض*من*صوتك}.

    قال الفَتَّنِي في مجمع بحار الأنوار: (واغضض*من صوتك): أي انقص*من*جهارته.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ): يَغُضُّونَ: يخفضون.
    قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

    زاد البقاعي: ويلينون.

    وقال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله، وأصل الغضّ: الكفّ في لين. ومنه: غضّ البصر، وهو كفه عن النظر، كما قال جرير:
    فَغُــضَّ الطَّـرْفَ إنَّـكَ مِـنْ نُمَـيْر
    فَــلا كَعْبــا بَلَغــتَ وَلا كِلابــا.

    ومنه (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ): يعني: * يكفوا* أبصارهم* ومن * صلة في الكلام.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال * الطبري في تفسيره: يقول: يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه.
    *
    *قوله {إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ لَصَوتُ الحَميرِ}:* إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ: أي أقبح الأصوات.
    قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

    قال*القرطبي في تفسيره: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير أي أقبحها وأوحشها.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    وسيأتي مزيد بحث عند تعرضنا لتأويل سورة لقمان. (إن شاء الله).
    .......................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  18. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [التوبة: 103].

    *قوله {خُذ}:* أي: اقبل.
    قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ): وَيَأْخُذُ الصَّدَقَات: أي يقبلها.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم.

    قال الألوسي في روح المعاني: أي*يقبلها قبول من*يأخذ*شيئا ليؤدي بدله فالأخذ هنا استعارة للقبول.

    ومنه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ): خذ: أي اقبل.

    قال الواحدي في الوجيز: {خذ*العفو}*اقبل*ا ميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم وقيل: هو أن يعفو عمن ظلمه ويصل من قطعه.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقال الجمهور في قوله*خذ*العفو*إن معناه*اقبل*من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف.

    قال القرطبي في تفسيره: أي*اقبل*من الناس ما عفا لك من أخلاقهم وتيسر، تقول: أخذت حقي عفوا صفوا، أي سهلا.*

    فائدة:

    قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وفي قوله:*{خذ}، دليل على أن الإمام هو الذي يتولى أخذ*الصدقات وينظر فيها.

    قلت (عبدالرحيم): قوله {خذ}:*فعل أمر وفاعله أنت. (1)؛ فظاهر الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه عام؛ يشمل الأئمة بعده؛ كما أخذ الخلفاء الراشدون الزكوات من المسلمين بعده - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا هو الأصل؛ أن الإمام من يتولى أخذ الصدقات.

    وهذه إشارة عابرة؛ وإلا فيجوز لصاحب الزكاة أن يؤدها بنفسه؛ ولولا الإطالة لبسطت القول في هذه المسألة (إن شاء الله)؛ لكن الحديث عن الأصل.

    وبدليل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا): والشاهد: " والعاملين عليها "؛ وهم السعاة، والجباة الذين نصبهم الإمام.

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة*
    يتولى*أخذها*وتفر قتها*الإمام ومن يلي من قبله، والدليل عليه أن الله تعالى جعل للعاملين سهما فيها، وذلك يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات، فدل هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات، وتأكد هذا النص بقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة...".

    انتهى.

    *قوله {مِنْ أَموالِهِم}:* يعني: من الذين قبلت توبتهم.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال أبو جعفر الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها.

    قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

    الأولى: قوله {خُذْ مِنْ أَموالِهِم}: مِنْ: بيانية، أو تبعيضية.

    فوجه الأول: أنه بيان للصنف المأخوذ؛ الذي بينه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فور فرض الزكاة في المدينة. ووجه الثاني: من بعض أموالهم؛ وهذا هو الواقع؛ لأنه لم يأخذ كل أموالهم.

    الثانية: قوله (خُذ مِن أَموالِهِم): ابتدائي وليس سببيا؛ والمعنى خذ من أموال المسلمين؛ ليس فقط الذين تابوا واعترفوا بذنوبهم.

    وهذا أجود من تخصيصه بشيء دون آخر؛ كمن قال: يعني الذين اعترفوا بذنوبهم.

    قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وقال جماعة*من*الفقهاء : المراد بهذه الآية الزكاة المفروضة. فقوله: على هذا*من*أموالهم*ه لجميع الأموال، والناس عام يراد به الخصوص في الأموال، إذ يخرج عنه الأموال التي لا زكاة فيها كالرباع والثياب. وفي المأخوذ*منهم كالعبيد، وصدقة*مطلق، فتصدق بأدنى شيء.*

    *قوله {صَدَقَةً}:* يعني الزكاة المفروضة. لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها. (2).

    وقد سبق - بحمد الله - بيان أن الصدقة في الشرع أعم من الصدقة التي من قبيل النفل، والتطوع.

    وقد سمى الله الزكوات المفروضات " صدقات "؛ فقال ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ).

    فمعنى قوله تعالى (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً): صَدَقَةً: يعني: الصدقة المفروضة.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال النحاس في إعراب القرآن: وهي الزكاة المفروضة.

    *قوله {تُطَهِّرُهُم}:* بها من آثام ذنوبهم، الذي من جملته الشح والبخل؛ الذي يحمل على ترك الواجب.

    وفي الحديث: فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ...» (3).

    ومنه قوله تعالى {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ}: وَأَطْهَرُ:* يعني تطهيرا لذنوبكم.

    قال البقاعي في نظم الدرر: {وأطهر} لأن الصدقة طهرة ونماء وزيادة في كل خير، ولذلك سميت زكاة {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} والتعبير بأفعل لأنهم مطهرون قبله بالإيمان.

    انتهى.

    فمعنى قوله تعالى {تُطَهِّرُهُم}: من دنس ذنوبهم.
    قاله الطبري في تفسيره.

    وقال السمرقندي في بحر العلوم: (تطهرهم)، يعني: تطهر أموالهم.

    *قوله {وَتُزَكّيهِم بها}:* تنمي أموالهم، ونفوسهم فترفعهم المنازل العالية.

    قال أبو حيان في البحر المحيط: والتزكية مبالغة في التطهر وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال.*

    قال الطبري في تفسيره: يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص.

    قال البغوي في تفسيره: وتزكيهم بها، أي: ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين. وقيل: تنمي أموالهم.

    وقال السمرقندي في البحر: وتزكيهم بها، يعني: تصلح بها أعمالهم.

    *قوله {وَصَلِّ عَلَيهِم}:* وادع لهم. والصلاة هنا بمعنى: الدعاء. ومنه " صلاة الجنازة " لأن كلها دعاء.

    وفي الحديث الذي رواه مسلم (1431).: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم، فليجب، فإن كان صائما، فليصل، وإن كان مفطرا، فليطعم». فقوله: " فليصل ": أي فليدعُ.

    ومنه قوله تعالى (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ): وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ: أي ودعوات الرسول.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وصلوات الرسول} دعاؤه.

    قال الطبري في تفسيره: (وصل عليهم)، يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والصلاة عليهم: الدعاء لهم.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وصل عليهم): فيه مشروعية الدعاء لمؤدي الزكاة؛ ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي أوفى قَالَ: كَانَ رَسُولُ*اللهِ*صَ لَّى*اللهُ*عَلَي ْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَالَ: «اللهُمَّ صَلِّ*عَلَيْهِم » فَأَتَاهُ*أَبِي أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللهُمَّ*صَلِّ* عَلَى*آلِ*أَبِي* َوْفَى».

    قلت: وفي وجوبه واستحبابه نزاع.

    قال السمعاني في تفسيره: وقد قال بعض أهل العلم: إنه يجب على الإمام أن يدعو للذي جاء بالصدقة. وقال بعضهم: يستحب، ولا يجب. وقال بعضهم: يجب في الفرض ويستحب في النفل. وقال بعضهم: يجب على الإمام أن يدعو للمعطي، ويستحب للفقير أن يدعو. ومنهم من قال: إن التمس المعطي أن يدعو له يجب؛ وإلا فلا يجب.

    قال النووي في شرحه لمسلم: هذا الدعاء وهو الصلاة امتثال لقول الله عز وجل :*{وصل عليهم}*ومذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أن*الدعاء لدافع الزكاة سنة مستحبة ليس بواجب.

    *قوله {إِنَّ صَلاتَكَ}:* يعني دعاءك واستغفارك.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قلت (عبدالرحيم): والصلاة في التنزيل لها عدة معان (4):

    الأول: الدعاء؛ كما في الآية التي نحن بصددها.

    الثاني: القراءة: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا): معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك.
    قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

    الثالث: بمعنى الدين: (قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ): أَصَلَاتُكَ: أي دينك.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم.

    الرابع: الصلوات الخمس: ومنه قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ): قال السيوطي في الجلالين: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات ": الصلاة الخمس بأدائها في أوقاتها.

    الخامس: الثناء: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ): صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ: ثناء من ربهم؛ لأن الله غاير بين الرحمة والصلاة.

    قال ابن كثير في تفسيره: أي ثناء*من*الله*علي م*ورحمة.

    الخامس: مواضع الصلاة؛ أي أماكن العبادة: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والبيَعُ بيَعُ النصارى، والصَّلَوَاتُ كنَائِسُ اليَهود، وهي بالعبرانية صَلُوتَا.

    قال السعدي في تفسيره: أي لهدمت هذه المعابد الكبار، لطوائف أهل الكتاب، معابد اليهود والنصارى، والمساجد للمسلمين.

    وقوله تعالى (على قول) : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ): لا تقربوا الصلاة: أي مواضع الصلاة؛ بدليل قوله " إلا عابري سبيل"، فذات الصلاة ليس بها عبور سبيل.

    قال الواحدي في الوجيز: {يا أيها الذين آمنوا*لا*تقربوا* لصلاة} أَي مواضع*الصَّلاة أي: المساجد.

    *قوله {سَكَنٌ لَهُم}:* سَكَنٌ: رحمة، وطمأنينة؛ تطمئن بها نفوسهم.

    قال الواحدي في البسيط: السكن في اللغة: ما سكنت إليه، فالمعنى: إن دعواتك مما تسكن إليه نفوسهم.

    قال السمرقندي: يعني: طمأنينة.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة.

    قال الطبري في تفسيره: (إن صلاتك سكن لهم)، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم

    قال النحاس في إعراب القرآن: إذا دعوت لهم حين يأتونك بصدقاتهم سكن ذلك قلوبهم وفرحوا وبادروا رغبة في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال السمعاني في تفسيره: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك سكن لهم، أي: سكون لهم، أي: دعاؤك سكن لهم وطمأنينة وتثبيت.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة:*{ إن صلواتك سكن لهم }*تعليل للأمر* بالصلاة عليهم بأن دعاءه سكن لهم، أي سبب سَكَن لهم، أي خير . فإطلاق السكن على هذا الدعاء مجاز مرسل.

    *قوله {وَاللَّهُ سَميعٌ}:* يسمع فيجيب الدعاء، وفيه صفة السمع لله - جل ذكره -.

    والحديث عن صفة " السمع " لله - جل ذكره - من ناحيتين:

    الأولى: أنه وسع سمعه الأصوات؛ يسمع كل شيء؛ ما أسر وأعلن. وهذا من مستلزمات الربوبية؛ إذ لا يكون ربا إلا إذا كان يسمع؛ لذا عاب إبراهيم على أبيه أن اتخذ ربا لا يسمع (يا أبت لما تعبد ما لا يسمع). وهذا بيّن.

    الثانية: أنه يسمع الدعاء بمعنى يجيب الدعاء. والعامة إذا دعوت قالوا: الله يسمع منك. أي يجيب. وإلا فالله يسمع؛ سواء استجاب لعبده، أم منع الإجابة لمانع ما.

    وليس الشأن أن يسمع الله دعواتك مجرد سماع؛ لأنه يسمع رغم أنفك؛ لكن الشأن أن يستجيب لك.

    ومنه قوله تعالى - على لسان إبراهيم عليه السلام - (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ): لَسَمِيعُ الدُّعَاء: أي لمجيب الدعاء.

    *قوله {عَليمٌ}:* فيه صفة العلم لله - جل ذكره -.

    ..........................

    (1): أنظر: إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.

    (2): أنظر: النكت والعيون للماوردي.

    (3): قال الألباني في صحيح أبي داود (حديث رقم: ١٤٢٧.): قلت: إسناده حسن، وحسنه ابن قد امة والنووي.

    (4): أنظر الكليات للكفوي.

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  19. افتراضي

    معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

    قوله تعالى
    ﴿أَلَم يَعلَموا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبادِهِ وَيَأخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾ [التوبة: 104].

    قوله {أَلَم يَعلَموا}: تقرير. يريد: حقيق أن يعلموا.

    قال الواحدي في البسيط: ومعنى صيغة الاستفهام هاهنا: التنبيه على ما يجب أن يعلموا.

    قال السمعاني في تفسيره: هو بمعنى الأمر؛ كأنه قال: اعلموا أن الله ه ويقبل التوبة عن عباده.

    قال ابن عطية في المحرر: وقوله تعالى {ألم يعلموا} تقرير، والمعنى حق لهم أن يعلموا.

    قوله {أَنَّ اللَّهَ}: بأن الله.

    قوله {هُوَ}: وحده.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله {هو} تأكيد لانفراد الله بهذه الأمور وتحقيق لذلك، لأنه لو قال إن
    الله يقبل التوبة لاحتمل، ذلك أن يكون قبول رسوله قبولا منه فبينت الآية أن ذلك مما لا يصل إليه نبي ولا ملك.

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: في هذا التخصيص هو أن قبول التوبة ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما إلى الله الذي هو يقبل التوبة تارة ويردها أخرى. فاقصدوا الله بها ووجهوها إليه، وقيل لهؤلاء التائبين اعملوا فإن عملكم لا يخفى على الله خيرا كان أو شرا.

    قال القرطبي في تفسيره: وقوله تعالى:" هو" تأكيد لانفراد الله سبح انه وتعالى بهذه الأمور. وتحقيق ذلك أنه لو قال: إن الله يقبل التوبة لاحتمل أن يكون قبول رسوله قبولا منه، فبينت الآية أن ذلك مما لا يصل إليه نبي ولا ملك.

    قوله {يَقبَلُ}: أي من شأنه أن يقبل.
    قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

    قوله {التَّوبَةَ}: إذا صحت.
    قاله النسفي في مدارك التنزيل.

    قوله {عَن عِبادِهِ}: عَن: بمعنى: من. والمعنى: يقبل التوبة من عباده.

    وإنما ناسب المقام " عن " لأن العاصي قبل التوبة فيه بعد عن ربه. كما تقول: جلس عن جانب أبيه: أي جلس مع شيء من البعد (1).

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى {عن عباده} ي بمعنى «من» ، وكثيرا ما يتوصل في موضع واحد بهذه وهذه، تقول لا صدقة إلا عن غنى ومن غنى، وفعل فلان ذلك من أشره وبطره وعن أشره وبطره.

    قوله {وَيَأخُذُ الصَّدَقات}: أي يقبلها.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، والبغوي في تفسيره، وبه قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والنحاس في معاني القرآن، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

    زاد نجم الدين: ويضاعف عليها.

    قال ابن كثير في تفسيره: هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منها. يحط الذنوب ويمحصها ويمحقها.

    زاد السمرقندي: ومعناه: وما منعهم عن التوبة والصدقة، فكيف لم يتوبوا ولم يتصدقوا؟ ألم يعل موا أن الله هو يق بل التوبة عن عباده والصدقة؟.

    قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وتصديق ذلك في كتاب الله: {هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} و {يمحق الله الرباوا ويربي الصدقات} ".

    قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى:" ويأخذ الصدقات" هذا نص صريح في أن الله تعالى هو الآخذ لها والمثيب عليها وأن الحق له عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة فإن توفي فعامله هو الواسط ة بعده، والله عز وجل حي لا يموت.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {ويأخذ الصدقات} ويقبلها إذا صارت عن خلوص النية وهو للتخصيص أي إن ذلك ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الله هو الذي يقبل التوبة وير دها فاقصدوه بها ووجهوها إليه.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (ويقبل الصدقات): جائز أن مراده الزكواة، أو الصدقات التي من قبيل النفل.

    قوله {وَ}: يعلموا.

    قوله {أَنَّ اللَّهَ}: الذي فتح باب التوبة.

    قوله {هُوَ}: هُوَ: أي وحده.
    قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب ألآيات.

    قوله {التَّوّابُ}: على عباده بقبول توبتهم.
    قاله السيوطي في الجلالين.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: كثير قبول التوبة.

    قوله {الرَّحيمُ}: بهم.
    قاله الجلال السيوطي في الجلالين.

    قال الشوكاني في فتح القدير: وفي صيغة المبالغة في التواب وفي الرحيم مع توسيط ضمير الفصل. والتأكيد من التبشير لعباده، والترغيب لهم، ما لا يخفى.

    قال القاسمي في محاسن التأويل: لطيفة:
    نقل ابن كثير عن الحافظ ابن عساكر عن حوشب قال: غزا الناس في زمن معاوية، وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية، فلما قفل الجيش ندم، وأتى الأمير، فأبى أن يقبلها منه، وقال: قد تفرق الناس، ولن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة، فجعل الرجل يأتي الصحابة، فيقولون له مثل ذلك. فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه، فأبى عليه، فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع، فمر بعبد الله ابن الشاعر السكسكي، فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره، فقال له: أو مطيعي أنت؟ فقال: نعم. فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل مني خمسك، فادفع إليه عشرين دينارا، وانظر إلى الثمانين الباقية، فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم، ففعل الرجل. فقال معاوية: لأن أكون أفتيت بها، أحب إلي من كل شيء أملكه. أحسن الرجل.انتهى.
    في هذه الرواية إثبات ولد لخالد، وفي ظنيأن صاحب (أسد الغابة) ذكر أنه لم يعقب، فليحقق.

    ..............................

    (1): أنظر: التفسير الكبير للرازي.

    .................

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

  20. افتراضي

    *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَآخَرونَ مُرجَونَ لِأَمرِ اللَّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُم وَإِمّا يَتوبُ عَلَيهِم وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ﴾
    [التوبة: 106].

    *قوله {وَ}:* عطف؛ على قوله تعالى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا).
    أفاده الطبري في تفسيره،والثعالب ي في الجواهر الحسان، وغيرهم.


    *قوله {آخَرونَ}:* من المتخلفين؛ يعني الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك؛ عصيانا لا نفاقا. وهم الذين تيب عليهم بعد.

    وهم: هلال بن أمية، ومرارة بن ربعيّ، وكعب بن مالك - رضي الله عنهم -؛ وهم الذين أنزل الله فيهم: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}:

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره:{وعلى الثلاثة} أي: وتاب على الذين خلفوا عن غزوة تبوك؛ وهم الذين أرجوا في الآية الأولى في قوله عز وجل: {وآخرون مرجون لأمر الله} وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة.

    قال الماوردي في النكت والعيون: {وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} وهم الثلاثة الباقون من العشرة المتأخرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك ولم يربطوا أنفسهم مع أبي لبابة، وهم هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.

    قال الطبري في تفسيره: ورفع قوله:*"آخرون "، عطفًا على قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: (وآخرون) من المتخلفين موقوفون إلى أن يظهر أمر الله فيهم.

    قال السعدي في تفسيره: أي‏: ‏{‏وَآخَرُونَ‏ }‏ من المخلفين مؤخرون.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمراد بهؤلاء من بقي من المخلَّفين لم يتب الله عليه ، وكان أمرهم موقوفاً إلى أن يقضي الله بما يشاء . وهؤلاء نفر ثلاثة ، هم : كعب بن مالك ، وهِلال بن أمية ، ومُرارة بن الربيع ، وثلاثتهم قد تخلفوا عن غزوة تبوك . ولم يكن تخلفهم نفاقاً ولا كراهية للجهاد ولكنهم شُغلوا عند خروج الجيش وهم يحسبون أنهم يلحقونه وانقضت الأيام وأيسوا من اللحاق .

    مسألة:

    فإن قلت ما الفرق بين المذكورين في الآية التي نحن بصدده (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ)، وبين قوله (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)؟

    اعلم أنه تعالى قسم المتخلفين عن الجهاد ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: المنافقون الذين مردوا على النفاق.

    القسم الثاني: التائبون وهم المرادون بقوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم وبين تعالى أنه قبل توبتهم.

    والقسم الثالث: الذين بقوا موقوفين وهم المذكورون في هذه الآية، والفرق بين القسم الثاني وبين هذا الثالث، أو أولئك سارعوا إلى التوبة وهؤلاء لم يسارعوا إليها.
    قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.

    *قوله {مُرجَونَ}:* أي مؤخرون. أخرهم الله ليقضي فيهم أمره.

    وأصله (مرجئون)؛ بالهمز؛ يقال: " أرجأت" أي أخرت، من التأخير. يعني مرجئون لأمر الله وقضائه، وحكمه؛ أي مؤخرون.

    والإرجاء : التأخير. ومنه سميت المرجئة؛ لتأخيرهم العمل عن الإيمان. ولأنهم لا يجزمون القول بمغفرة التائب ولكن يؤخرونها إلى مشيئة الله تعالى. (1).

    " والمرجئون "أي المؤخرون: هم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزاة تبوك؛ لا نفاقا وجحودا؛ فأرجأ الله أمرهم إلى أن صحت توبتهم، فتاب عليهم، وعفا عنهم.

    وفيه دليل بيّن أن الله يهمل العبد بعد الذنب لعله يحدث توبة؛ لذا يجب على العبد إن زل ووقع في الذنب أن يبادر بالتوبة على الفور؛ وهذا بحث طويل وفقه بالغ الأهمية يجب تفقهه؛ فما عذب أكثر أهل القبور إلا بسبب جهلهم هذا الباب؛ فقد لبس عليهم إبليس؛ ولقي أكثرهم ربهم من غير توبة؛ ظنا منهم أن الله لا يقبل توبتهم لتكرار الذنب - سلمني الله وإياكم -.

    أين هم من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي (لا ينطق عن الهوى)؛ في حديث من أعظم الأحاديث، وأرجاها للعبد؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن عبدا أصاب ذنبا - وربما قال*أذنب*ذنبا - فقال: رب*أذنبت - وربما قال: أصبت - فاغفر لي، فقال ربه: أعلم*عبديأن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا، أو*أذنب*ذنبا، فقال: رب*أذنبت - أو أصبت - آخر، فاغفره؟ فقال: أعلم*عبدي*أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم*أذنب*ذنبا، وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال: رب أصبت - أو قال*أذنبت - آخر، فاغفره لي، فقال: أعلم*عبدي*أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي*ثلاثا، فليعمل ما شاء ".

    انتهى.

    قال الفراء في معاني القرآن: (مرجون) يريد أرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وقرئ مرجئون بالهمز وتركه وهما لغتان ومعناه التأخير.

    فمعنى قوله تعالى (مُرجَونَ): أي مؤخرون.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والنحاس في معاني القران، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والماوردي في النكت والعيون، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وابن الهائم في التبيان، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في زاد المسير.

    زاد الماوردي: موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم.

    وزاد نجم الدين: محبوسون لما ينزل من أمره، وهم الثلاثة الذين خلّفوا هلال بن أميّة، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يقال أرجأت الأمر، إذا أخرته.

    قال القرطبي في تفسيره: والتقدير : ومنهم آخرون مرجون؛ من أرجأته أي أخرته. ومنه قيل: مرجئة؛ لأنهم أخروا العمل .

    قال الطبري في تفسيره: (وآخرون مرجون)، يعني: مُرْجئون لأمر الله وقضائه. يقال منه: " أرجأته أرجئه إرجاء وهو مرجَأ "، بالهمز وترك الهمز، وهما لغتان معناهما واحد.

    قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: وقال {وآخرون مرجون} لأنه من "أرجأت".

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ): أَرْجِهْ: أخر. يعني: أخر أمرهما حتى تبعث الشرط لتجمع السحرة. وحاشرين: جامعين.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: أي اخروا حبس أي أخر أمره ولا تعجل أو كأنه هم بقتله فقالوا أخر أمره واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق.

    ومنه (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ): تُرْجِي: أي تؤخر من تشاء من أزواجك، وتضم من تشاء منهن.

    فقوله (تُرْجِي): أي تؤخر.
    قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، وغيرهم.

    *قوله {لِأَمرِ اللَّهِ}:* لحكم الله، وقضائه فيهم بما يشاء.

    قال السمعاني في تفسيره: وأمر الله تعالى هنا: حكم الله.

    قال البغوي في تفسيره: (لِأَمرِ اللَّه) لحكم الله عز وجل فيهم ، وهم الثلاثة الذين تأتي قصتهم من بعد: كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع.

    قال الواحدي في الوجيز: {وآخرون مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} مُؤخَّرون ليقضي الله فيهم ما هو قاضٍ.

    *قوله {إِمّا يُعَذِّبُهُم}:* الله؛ جزاء ًعلى تخلفهم.

    قال الدعاس في إعراب القران: {يُعَذِّبُهُمْ} مضارع فاعله مستتر والهاء مفعوله والجملة خبر.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ} إن أصروا ولم يتوبوا.

    قال الطبري في تفسيره: فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه، فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (إِمّا يُعَذِّبُهُم): فيه مسألتان:

    الأولى: قوله (إِمّا): حرف من معانيه الشك؛ تقول: آتيك إما بكرة أو عشيا. والشك محال على الله؛ فالله يعلم أزلا أنه سيتوب عليهم أم لا؛ لذا ختم الآية بقوله (والله عليم حكيم): أي عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم فيما فعله من إرجائهم (2).

    لكنه تعالى يخاطب الناس بما يفهمونه؛ كما في قوله (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ): وليس ثم خلق أصغر، أو أكبر على الله من خلق؛ فالكل عنده سواء لتمام قدرته.

    لكنه تعالى ربنا يخاطب الناس بما يفهمون؛ وكأنه يقول: على فهمكم أيها الناس " خلق السماوات والأرض في النشأة الأولى، أكبر من خلقكم أول مرة؛ فإعادتكم يوم القيامة أيسر؛ وهذا في مفهومكم أنتم؛ يعني لا أعجز أن أعيدكم من عدم مرة أخرى"؟!.

    قال السمين الحلبي في الدر المصون: و «إما» هنا للشك بالنسبة إلى المخاطب، وإما للإبهام بالنسبة إلى أنه أبهم على المخاطبين.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (إما) لوقوع أحد الشيئين، والله عز وجل عالم بما يصير إليه أمرهم، إلا أن هذا للعباد، خوطبوا بما يعلمون، فالمعنى لكن أمرهم عندكم علي هذا في الخوف والرجاء.

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: لقائل أن يقول: إن كلمة «إما» و «إما» للشك، والله تعالى منزه عنه. وجوابه المراد منه ليكن أمرهم على الخوف والرجاء، فجعل أناس يقولون هلكوا إذا لم ينزل الله تعالى لهم عذرا، وآخرون يقولون عسى الله أن يغفر لهم.

    المسألة الثانية:

    قول الطبري في تفسيره: وأما قوله: (إما يعذبهم)، فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه، فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة.

    قلت: فيه أن الله تعالى هو الذي يوفق العبد للتوبة، والرجوع عن المعصية؛ فإذا كان ذلك كذلك فعلى العبد أن يلّحَ على ربه أن يتوب عليه، ويعصمه من الذنب؛ لأن العبد إذا هان على الله تركه، وإذا أراد به خيرا عصمه؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال ربه التوبة. والأحاديث في الباب كثيرة.

    ولذا قال الله:

    *{وَإِمّا يَتوبُ عَلَيهِم}:* بفضله.
    قاله الواحدي في الوجيز.

    قال الطبري في تفسيره: يقول: وإما يوفقهم للتوبة فيتوبوا من ذنوبهم، فيغفر لهم.

    قال ابن كثير في تفسيره: وقوله : ( إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ) أي : هم تحت عفو الله ، إن شاء فعل بهم هذا ، وإن شاء فعل بهم ذاك ، ولكن رحمته تغلب غضبه

    *قوله {وَ}:* هو.

    *قوله {اللَّهُ}:* الذي يوفق للتوبة، أو يحجز عنها.

    *قوله {عَليمٌ}:* والله ذو علم بأمرهم وما هم صائرون إليه من التوبة والمقام على الذنب.
    قاله الطبري في تفسيره.

    *قوله {حَكيمٌ}:* في الأمر عامة، وتوفيق من شاء إلى التوبة وحجزه من شاء عنها خاصة؛ فله الحكمة البالغة؛ التي لا يسمع العبد فيها إلا التسليم لسيده - عز وجل -.

    قال الطبري في تفسيره: في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه، لا يدخل حكمه خَلَلٌ.

    قال ابن كثير في تفسيره: وهو ( عليم حكيم ) أي : عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو ، حكيم في أفعاله وأقواله ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه .

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: والله عليم حكيم أي: عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم بما يفعله بهم.

    قال السعدي: ‏{حَكِيمٌ‏}‏ يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، فإن اقتضت حكمته أن يغفر لهم ويتوب عليهم غفر لهم وتاب عليهم، وإن اقتضت حكمته أن يخذلهم ولا يوفقهم للتوبة، فعل ذلك‏.‏

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {والله عليم حكيم} تذييل مناسب لإبهام أمرهم على الناس ، أي والله عليم بما يليق بهم من الأمرين ، محكم تقديره حين تتعلق به إرادته.

    انتهى.

    المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):

    ومن المُتخَلِّفين عن غزوة تبوك قوم آخرون لم يكن لهم عذر، فهؤلاء مُؤخَّرون لقضاء الله وحكمه فيهم، يحكم فيهم بما يشاء: إما أن يعذبهم إن لم يتوبوا إليه، وإما أن يتوب عليهم إن تابوا، والله عليم بمن يستحق عقابه، وبمن يستحق عفوه، حكيم في شرعه وتدبيره، وهؤلاء هم: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية.

    انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

    ..................
    (1) : انظر البسيط للواحدي.
    وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقرأ أبو عمرو وعاصم وأهل البصرة «مرجؤون» من أرجأ يرجىء بالهمز، واختلف عن عاصم، وهما لغتان، ومعناهما التأخير ومنه المرجئة لأنهم أخروا الأعمال أي أخروا حكمها ومرتبتها، وأنكر المبرد ترك الهمز في معنى التأخير وليس كما قال

    (2) قال الماوردي في النكت والعيون: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم فيما فعله من إرجائهم.
    .............................. .....

    كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •