بسم الله الرحمن الرحيم :
حكم التسمية بــ : " عبد النبي " و" عبد الرسول " :
[ مختصر المنشور : إنَّ التَّسَمِّي بــ : " عبد النبي " أو " عبد الرسول " – إذا لم يُقْصَدْ به : معنى التعبيد للنبي أو عبادة النبي ، وإنما قُصِدَ معنى : الخدمة أو الطاعة أو المحبة أو النِّسْبَة - من قبيل المسائل المختلف فيها خلافًا سائغًا معتبرًا ، فالآراء الثلاثة – التحريم ، والكراهة ، والجواز - وجيهة ، بحيث لا يجوز الإنكار على المخالف ] .
التفصيل :
أقول – باختصارٍ - : اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة آراء :
الرأي الأول : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم – أغلب الحنفية ، وجمهور المالكية ، ومتقدمو الشافعية ، والحنابلة - من عدم جواز التسمية بـــ " عبد النبي " و" عبد الرسول " ، وحجتهم في ذلك ما يلي :
1- عن يزيد بن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هانىء بن يزيد - رضي الله عنه – قال : وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم فسمعهم يسمون : عبد الحجر ، فقال له : ما اسمك ؟ " فقال : عبد الحجر , فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما أنت عبد الله " .
2- الإجماع : قال ابن حزم - رحمه الله - في مراتب الإجماع : " اتفق المسلمون على أنَّه يحرم كل اسم معبد لغير الله تعالى من شمس أو وثن أو بشر أو غير ذلك " .
الرأي الثاني : ما ذهب إليه بعض المالكية ، ومتأخرو الشافعية من جواز التسمية بـــ " عبد النبي " و" عبد الرسول " ، وهو ما أفتت به دار الإفتاء المصرية ، وحجتهم في ذلك ما يلي :
1- قال تعالى : [ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) ] (النور) .
2- ما ثبت من قوله – صلى الله عليه وسلم - : " أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب " .
3- روى ابن السَّكن من طريق محمد بن عثمان بن حوشب عن أبيه عن جدِّه قال : لما أنْ أظهر اللَّه محمدا أرسلت إليه أربعين فارسا مع عبد شر ، فقدموا عليه بكتابي ، فقال له : " ما اسمك ؟ " قال : عبد شرٍّ ، قال : " بل أنت عبد خير " ، فبايعه على الإسلام ... .
4- ما ثبت من قوله – صلى الله عليه وسلم - : " تعس عبد الدنيار وعبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد القطيفة ... " .
5- ما رواه البيهقي في سُنَنِه : أنَّ امرأة ورثت مِن زوجها شِقْصًا ، فرُفِعَ ذلك إلى علي -رضي الله عنه – فقال : " هل غَشِيتَها ؟ " قال : لا ، قال : " لو كنتَ غَشِيتَها لرجمتُكَ بالحجارة " ، ثم قال : " هو عَبدُكِ ، إن شئتِ بِعْتِيهِ ، وإنْ شئتِ وَهَبْتِيه ، وإن شئتِ أَعتَقْتِيهِ وتَزَوَّجْتِيهِ " .
الرأي الثالث : ما ذهب إليه بعض الحنفية ، - من جواز التسمية بعبد النبي ، وحجتهم في ذلك : تعارضُ ظَاهِرِ الأدلةِ ، واحتمال التسمية " عبد النبي " لمعنيي التحريم والجواز ، أمَّا معنى التحريم : أن النبي – عليه الصلاة والسلام – شريك لله – سبحانه وتعالى- في كونه له عَبْدٌ ، أو أنَّه – صلى الله عليه وسلم – إلهٌ يُعْبَدُ ، وأمَّا معنى الجواز : خادم النبي أو مطيعه أو مُحِبُّه أو مجرد النسبة إليه – من العبودية أو العبديَّة وليس العبادة - ، وهذا التعارض والاحتمال في المعنى يثير شبهةً ، فَيُكْرَه التسمية بــ : " عبد النبي " ؛ خروجًا من الشبهة والخلاف .
مُنَاقَشَةٌ وبَيَانٌ :
1- اتفق أهل العلم على عدم جواز التسمية بــ " عبد النبي " و" عبد الرسول " إذا كان المقصود من ذلك : التعبيد للنبي أو الرسول ؛ إذ إنَّ صرف العبادة لا يكون إلا لله – سبحانه وتعالى - ، أمَّا إنْ كان المقصود أو المراد بالتسمية غير التعبيد - من الطاعة أوالخدمة أو المحبة أو مجرد النسبة - ، فإنَّ ذلك هو محلُّ الخلاف بين أهل العلم .
2- يُعَدُّ اختلاف أهل العلم في التسمية بــ " عبد عليٍّ " و" عبد الحسين " و" عبد المطلب " من قبيل الخلاف الضعيف غير السائغ ، والقول بالتحريم ظاهر في ذلك ، وإنَّما يقتصر الخلاف المعتبر في التسميةبــ " عبد النبي " و" عبد الرسول " و" عبد محمد النبي " .
3- يُنْظَرُ في التسمية بــ : " عبد النبي " و" عبد الرسول " من وجهين :
أولهما : التفريق بين أمرين : الأول : مطلق التسمي ، والثاني : التسمي المطلق ، فإنَّ مطلق التسمي وهو إطلاق الاسم على سبيل الحكاية أو الإخبار أو الوصف جائز ، ويُعَدُّ من هذا القبيل : ما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قوله : " أنا النبيُّ لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب " ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يقصد الإخبار بأنه ابن عبد المطلب ، وليس الحديث مسوقًا لبيان حكم التسمية بعبد المطلب .
أمَّا التسمي بذلك تسميةً مطلقة ، بحيث يصير اسم الإنسان الذي يعرف ويُنادى به " عبد النبي " أو " عبد الرسول " ، فإنَّه ينبغي التفريق – أيضًا - بين الحكم الشرعي والفتوى ، أمَّا من حيث الحكم الشرعي – المجرد عن الزمان والمكان والظروف والأحوال - فإنَّ الأدلة الواردة في الباب متعارضة ، ولكن الأدلة التي تُحَرِّمُ التسمي المطلق بــ " عبد النبي " أو " عبد الرسول " أقوى في الترجيح ؛ ويمكن حَمْلُ جميع الأدلة التي تبيح ذلك على الإخبار أو الوصف أو الحكاية ، وأمَّا من حيث الفتوى – التي يدخل فيها اعتبارات الزمان والمكان والظروف والأحوال - فإنَّه ينبغي أنْ نفهم أنَّ الصحابة كانوا قريبي عهدٍ بشركٍ ووثنيَّةٍ ، فكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُغْلِقُ هذا الباب الذي ضلَّ فيه قومه ، فمَنَعَ من كلِّ وسيلةٍ وذريعةٍ تؤدي إليه ، فلم يُجزْ – صلى الله عليه وسلم – التسمي بعبد شمس ، وعبد حجرٍ ... وغير ذلك ، مما يبعث جانب الوثنية المضِلَّة في قلوب هؤلاء قريبي العهد بالوثنية .
أمَّا – الآن – فإنَّ الأمر مختلفٌ – إلى حدٍّ بعيد – فإنَّ العقليَّة البشريَّة قد نضجت وتفتحت ، وصار يُسْتَبْعَدُ – عَقْلاً وعُرْفًا – أنْ يَعْبُدَ المسلمون غير الله – سبحانه وتعالى - ، أو يتوجهوا بالعبادة لغيره ، أو أنْ يقصدوا هذا المعنى ، باستثناء ما يُقْدِمُ عليه أراذل غلاة الصوفية – هداهم الله - ، وهذا أمرٌ معلوم في الشرع ، فقد أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أنْ يهدمَ الكعبة ، ويجعلها على أساس إبراهيم – عليه السلام - ، ولكنه خشي من حداثة إسلام قومه ، فقال لعائشة – رضي الله عنها - : " لولا أن قومك حديثوا عهد بالجاهلية لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين " قال : فلما ملك ابن الزبير هدمها ، وجعل لها بابين ، فعندما جاء عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما - ، وقد تولَّى أمر المسلمين – بعد ما يقرب من أربعة عقود - قام بهدم الكعبة ، ووضعها على أساس إبراهيم – عليه السلام - ، وكان ذلك بعد أنْ صار القوم بَعِيْدِي عهدٍ بالشرك والوثنية ، فلم يَخَفْ ابن الزبير على الناس من ذلك ، ففَعَلَ ما لم يفعله النبي – صلى الله عليه وسلم – لاختلاف أحوال الناس – عن ذي قبل - ، إنَّ شبهة الوقوع في الشرك أو الخوف على عقائد الناس منتفيةٌ في هذا الجانب ، لذلك لا يوجد مانع قويٌّ من جواز التسمي بــ : " عبد النبي " و" عبد الرسول " ، ولكن لا شكَّ أنَّ الأفضل عدم التسمي بــ : " عبد النبي " و" عبد الرسول " ؛ للشبهة الثابتة من خلاف أهل العلم من جهةٍ ، ومن المعنى المتبادر إلى الذهن – التعبيد للنبي أو الرسول - من جهةٍ أخرى .
ثانيهما : التفريق بين أنواعٍ ثلاثة من التسمية :
الأولى : التسمية التي تتضمن التعبيد لمن لا يُتَخَيَّلُ في الذهن عبادته من دون الله – سبحانه وتعالى - ، مثل التسمية بـــ : عبد الخير ، أو عبد السُّنَّة ، أو عبد العلم ... فهي تسميةٌ جائزةٌ ؛ لانتفاء معنى الشرك في ذلك ، ويُعَدُّ من ذلك القبيل : ما رُوِيَ عن ابن السَّكن من طريق محمد بن عثمان بن حوشب عن أبيه عن جدِّه قال : لما أنْ أظهر اللَّه محمدا أرسلت إليه أربعين فارسا مع عبد شر ، فقدموا عليه بكتابي ، فقال له : " ما اسمك ؟ " قال : عبد شرٍّ ، قال : " بل أنت عبد خير " .
الثانية : التسمية التي تتضمن التعبيد لمن يُتَخَيَّلُ عبادته من دون الله – سبحانه وتعالى - ، وليس هناك شبهةٌ في إرادة المعنى الآخر المقبول – أي : معنى الخدمة أو الطاعة - ، مثل التسمية بــــــ : عبد شمسٍ ، عبد المطلب ، عبد حجر ، عبد فلانٍ – غير النبي والرسول - ، فهذه التسمية محرَّمةٌ غير جائزة ، ومن ذلك القبيل : ما ثبت عن يزيد بن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هانىء بن يزيد - رضي الله عنه – قال : وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم فسمعهم يسمون : عبد الحجر ، فقال له : ما اسمك ؟ " فقال : عبد الحجر , فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما أنت عبد الله " .
الثالثة : التسمية التي تتضمن التعبيد لمن يُتَخَيَّلُ عبادته من دون الله – سبحانه وتعالى - ، وهناك شبهةٌ قويَّةٌ في إرادة المعنى الآخر المقبول – أي : معنى الخدمة أو الطاعة - ، مثل التسمية بــ : عبد النبي ، وعبد الرسول ، فهذه التسمية مكروهةٌ فقط ؛ لوجود الشبهة ، قال – صلى الله عليه وسلم - : " ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " .
وفي الختام : أرى أنَّ هذه المسألة – وهي التسمية بــ : " عبد النبي " أو " عبد الرسول " – إذا لم يُقْصَدْ بها : معنى التعبيد للنبي أو عبادة النبي ، وإنما قُصِدَ معنى : الخدمة أو الطاعة أو المحبة أو النسبة - من قبيل المسائل المختلف فيها خلافًا سائغًا معتبرًا ، فالآراء الثلاثة – التحريم ، والكراهة ، والجواز - وجيهةٌ ، بحيث لا يجوز الإنكار على المخالف .