اخوانى الكرام مهما اختلف الزمان وتنوعت الأحوال هذا أصل أصيل بيّنه الله جل وعلا في كتابه ودلت عليه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
فهذا الأصل يسميه أهل العلم الولاء والبراء؛ لأن أصل الإسلام الولاء للإيمان والبراء من الشرك، محبة الإيمان؛ محبة التوحيد، بغض الشرك وبغض الكفر ويتبع ذلك محبة المؤمنين، يتبع ذلك محبة المؤمنين وبغض المشركين، هذا مهما اختلف الزمان، فيبقى ما أخبر الله هو الحق قال جل وعلا وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ[النساء:45]، فلما كان القرآن قد انقضى تنزيله بقي خبره محكما في ذلك إلى قيام الساعة، الأعداء هم الأعداء، لا يمكن أن يكونوا أحبة في يوم ما؛ إذِ الله جل وعلا هو الذي أخبر بعداوة أولئك جميعاوَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[الأنفال:73]؛ يعني لا تتولوهم ولا تتخذوهم أولياء، لا تتخذوهم أنصارا، لا تتخذوهم أحبة، وإنما اتخذوا المؤمنين أحبة؛ لأن عقد الإيمان هو الذي جعل تلك الوَلاية بين المؤمنين أكمل ما تكون؛ لأنها في الله ولله وفي دين اللهورابطة الإسلام أقوى من كل رابطة، ورابطة الإيمان فوق كل رابطة، إذا تنوّعت الحرب على المسلمين أو على الإسلام فلنقل جميعا: إن ذلك أخبر الله جل وعلا به في كتابه، وإذا كان الأمر كذلك فليس مجالا للاجتهاد، ليس مجالا للتفكير، ليس مجالا للعقليات إنما هو خبر محكم أنّ كل مشرك بشركه عدو للإسلام وعدو لأهل الإسلام[ عداوة اهل الشرك]-------------------------يقول الشيخ محمد بن عبد الطيف بن عبد الرحمن رحم الله الجميع: (وقد قال تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلاَّ تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفساد كبير} [الأنفال/73]قال بعض العلماء الفضلاء:الفتنة في الأرض الشرك، والفساد الكبير اختلاط المسلم بالكافر [69]، والمُطيع بالعاصي، فعند ذلك يختل نظام الإسلام وتضمحل حقيقة التوحيد، ويحصل من الشر ما الله به عليم. فلا يستقيم الإسلام، ويقوم قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويرتفع علم الجهاد، إلاَّ بالحب في الله والبغض فيه، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، والآيات الدالة على ذلك، أكثر من أن تُحصر.-------------------------------------------------وأما الأحاديث، فأشهر من أن تُذكر، فمنها: حديث البراء بن عازب، رضي الله عنه، مرفوعاً ((أوثق عُرى الإيمان: الحب في الله، والبغض فيه)) .---------------- وفي (الصحيحين)،عن ابن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعاً ((المرء مع من أحب))-------------وعن أبي مسعود البدري، رضي الله عنه مرفوعاً: ((لا تصاحب إلاَّ مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلاَّ تقي)) -------------وعن علي رضي الله عنه، مرفوعاً ((لا يحب رجل قوماً إلاَّ حُشِر معهم)). ----------------------------------------------------------وعن أبن عباس رضي الله عنهما قال:من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تُنال ولاية الله بذلك [71]، ولن يجد عبد طعم الإيمان، ولو كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك، يعني حتى تكون محبته وموالاته لله، وبغضه ومعاداته لله؛ قال رضي الله عنه: وقد صارت عامة مؤاخاة الناس، على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا.------------------- فإذا كان هذا كلام ابن عباس، وهو في خير القرون، فما زاد الأمر بعده إلاَّ شدة، وبعداً عن الخير، كما قال صلى الله عليه وسلم:((لا يأتي على الناس زمان، إلاَّ والذي بعده شرٌ منه))--------------بل كانت موالاة الناس اليوم، ومحبتهم، ومعاشرتهم، على الكفر والشرك والمعاصي؛ فليحذر العبد كل الحذر من الانهماك مع أعداء الله، والانبساط معهم، وعدم الغلظة عليهم، أو أن يتخذهم بُطناء [72] وأصحاب ولآيات، ويستنصح منهم، فإن ذلك موجب لسخط الله ومقته. ---------------------قال القرطبي رحمه الله في تفسيره عند قوله تعالى:{لا تتخذوا بطانة من دونكم} [أل عمران/118]نهى الله عباده المؤمنين، أن يتخذوا من الكفار واليهود، وأهل الأهواء والبدع، أصحاباً وأصدقاء، يفاوضونهم في الرأي، ويسندون إليهم أمورهم؛ وعن الرُبيع {لا تتخذوا بطانة} لا تستدخلوا المنافقين، ولا تتولوهم من دون المؤمنين؛ ويُقال: كل من كان على خلاف مذهبك [73]، لا ينبغي لك أن تُخادنه، وتُعاشره وتركن إليه) [74].----------------------------------------------------------قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن-(قال العماد ابن كثير في تفسيره: قيل نزلت في أبي عبيده حين قتل أباه يوم بدر، {أو أبنائهم}، في الصديق يومئذٍ همَّ بقتل ابنه عبد الرحمن.{أو إخوانهم}، في مصعب بن عُمير قتل أخاه عُبيد بن عُمير، {أو عشيرتهم} في عمر قتل قريباً له يومئذٍ أيضاً، وحمزة وعلي وعُبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذٍ. قال: وفي قوله {رضي الله عنهم ورضوا عنه} [المائدة/119] سرٌّ بديع وهو أنهم لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله، عوضهم [76] الله بالرضا عنهم ورضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المُقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم، ونوَّه بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والآخرة، في مقابلة ما ذُكر عن أولئك من أنهم حزب الشيطان {ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} [المجادلة/19].

- وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى: (ولكن تأمل أرشدك الله تعالى قوله - أي ابن القيم - : وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلاَّ من عادى المشركين لله إلى آخره يتبين لك أن الإسلام لا يستقيم إلاَّ بمعاداة أهل هذا الشرك، فإن لم يعادهم فهو منهم وإن لم يفعله، والله أعلم) [75].------------------------------------------------------------------------------ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (وأنت يا من منَّ الله عليه بالإسلام، وعرف أن ما من إله إلاَّ الله؛ لا تظن أنك إذا قلت هذا هو الحق، وأنا تارك ما سِواه، لكن لا أتعرض للمشركين، ولا أقول فيهم شيئاً [78]، لا تظن: أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام، بل:لا بُدَّ من بُغضِهم، وبغض من يحبهم، ومسبتهم، ومعاداتهم [79]، كما قال أبوك إبراهيم، والذين معه: {إنَّا بُرءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة/4] وقال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة/256] وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل/36]. ولو يقول رجل: أنا أتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الحق، لكن: لا أتعرض اللاَّت، والعُزى، ولا أتعرض أبا جهل، وأمثاله، ما عليَّ منهم [80]؛ لم يصح إسلامه) [81].

- وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: (وأجمع العلماء سلفاً وخلفاً؛ من الصحابة والتابعين، والأئمة، وجميع أهل السنة: أن المرء لا يكون مسلماً إلاَّ بالتجرُّد من الشرك الأكبر، والبراءة منه وممن فعله [82]، وبُغضهم ومُعاداتهم بحسب الطاقة، والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله) [83].--------------------------------------------------------------------------------وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: (فالحُنفاء أهل التوحيد اعتزلوا هؤلاء المشركين، لأن الله أوجب على أهل التوحيد اعتزالهم [87]، وتكفيرهم، والبراءة منهم، كما قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: {واعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربي عسى ألاَّ أكون بدعاء ربي شقيا} إلى قوله:{فلما اعتزلهم [88]وما يعبدون من دون الله} [مريم/48 , 49]. وقال {إنا بُرءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة/4]. وقال عن أهل الكهف: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلاَّ الله فأؤو إلى الكهف} الآية [الكهف/16]. فلا يتم لأهل التوحيد توحيدهم، إلاَّ باعتزال أهل الشرك، وعداوتهم وتكفيرهم، فهم معتزلة بهذا الاعتبار، لأنهم اعتزلوا أهل الشرك، كما اعتزلهم الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام) [89]---------------------------------------------------------------روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:((قلت لعمر رضي الله عنه: لي كاتب نصراني، قال: ما لك قاتلك الله أما سمعت الله يقول: {يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} [المائدة/51] ؟ ألاَّ اتخذت حنيفاً ؟ قال: قال يا أمير المؤمنين، لي كتابه وله دينه ! قال لا أُكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أُعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم وقد أقصاهم الله)). لله درُك يا عمر ، وما أحسن شدتك على من خالف أمر الله، فتأمل ذلك وتأمل عصرنا، إذ لو أنكرت بشدة عمر لقام عليك دعاة العصر ، وقالوا أين الحكمة وأين المصلحة، فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله.------------------------------------------------------------إنّ المتأمل المتدبر الناظر في تاريخ الإسلام منذ بعثة النبي ( إلى يومنا هذا ليجد أمامه حقيقة واضحة لا مجادلة فيها ولا ارتياب، وهي أن أهل الشرك -الذين هم حزب الشيطان وجنود الشيطان- يتواصون ويتتابعون أولهم وآخرهم على السعي في إطفاء نور الله، وعلى السعي في بسط اليد واللسان في رد هذا الدين ، تارة ببسط الحرب باليد، وتارة ببسط الحرب بالمال، وتارة باللسان بما يُلقون من تشويهات وبما يشوّهون به الإسلام حتى لا يدخل فيه الدّاخلون وحتى لا يثبت عليه من اقتنع به واعتنقه----- يجب أن يكون هذا الاصل واضحا تمام الوضوح أمام المؤمنين في أعينهم وقلوبهم، حتى لا نحتاج معه إذا حَدثَ حدثٌ لا نحتاج إلى بيان ذلك تكرارا ومرارا؛ فإذا استمسكنا بهذا الأصل دائما كان ذلك معنا كالميزان والقِسطاس الذي لا يخفى، والذي لا يزلّ معه فهْم، ولا يختلط معه عقل وفكر، ولا يضل معه قلب مؤمن.---------------------------------------------------------------------اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك الذين يجاهدون في سبيلك لتكون كلمةُ الله هي العليا، اللهم أمدّهم بمدد من عندك، وانصرهم وقوهم وأعزهم فإنك أنت قوي عزيز.