الحقُّ الَّذِي خَلَقَ اللُه مِنْ أَجْلِهِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالمُخَالَفَةُ بَيْنَ حُكْمِ الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ، فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ
{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدخان: 39].
{مَا خَلَقْنَاهُمَاإِلَّا بِالْحَقِّ} مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ إِلَّا بِالْحَقِّ الَّذِي لَا يَصْلُحُ التَّدْبِيرُ إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- التَّنْبِيهَ عَلَى صِحَّةِ الْبَعْثِ وَالْمُجَازَاةِ ..
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ نَخْلُقِ الْخَلْقَ عَبَثًا بِأَنْ نُحْدِثَهُمْ فَنُحْيِيهِمْ مَا أَرَدْنَا، ثُمَّ نُفْنِيهِمْ مِنْ غَيْرِ الِامْتِحَانِ بِالطَّاعَةِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَغَيْرِ مُجَازَاةِ الْمُطِيعِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْعَاصِي عَلَى الْمَعْصِيَةِ..
وَلَكِنْ خَلَقْنَا ذَلِكَ لِنَبْتَلِيَ مَنْ أَرَدْنَا امْتِحَانَهُ مِنْ خَلْقِنَا بِمَا شِئْنَا مِنَ امْتِحَانِهِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31]..
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} وَلَكِنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللهِ.. {لَا يَعْلَمُونَ} [الدخان: 39] أَنَّ اللهَ خَلَقَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَهُمْ لَا يَخَافُونَ عَلَى مَا يَأْتُونَ مِنْْ سَخَطِ اللهِ عُقُوبَةً، وَلَا يَرْجُونَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ فَعَلُوهُ ثَوَابًا لِتَكْذِيبِهِمْ بِالْمَعَادِ.{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الجاثية: 22].
{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، لَا لِمَا حَسِبَ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ بِاللهِ، مِنْ أَنَّهُ يَجْعَلُ مَنِ اجْتَرَحَ السَّيِّئَاتِ فَعَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ..
يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَلَمْ يَخْلُقِ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِلظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، وَلَكِنَّا خَلَقْنَاهُمَا لِلْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَمِنَ الْحَقِّ أَنْ نُخَالِفَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ..
{وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} وَلِيُثِيبُ اللهُ كُلَّ عَامِلٍ بِمَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ، الْمُحْسِنَ بِالْإِحْسَانِ، وَالْمُسِيءَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، لَا لِنَبْخَسَ الْمُحْسِنَ ثَوَابَ إِحْسَانِهِ، وَنَحْمِلَ عَلَيْهِ جُرْمَ غَيْرِهِ فَنُعَاقِبُهُ، أَوْ نَجْعَلَ لِلْمُسِيءِ ثَوَابَ إِحْسَانِ غَيْرِهِ فَنُكْرِمَهُ، وَلَكِنْ لِنَجْزِيَ كُلَّا بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ.. { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الجاثية:22]جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ.