بسم الله الرحمن الرحيم
كنت اليوم فى وليمة لاحد اصحابي فتكلم الحاضرون فى امور شتى و كان منها امر الجبر و الاختيار و القدر , فكتبت بعد ذلك مقالا صغيرا لانشره على مواقع التواصل , فاحببت ان اعرضه عليكم حتى تنبهونى الى ما قد يكون فيه من اخطاء و احسن الله الى امرئ اهدى الى عيوبي
هل الانسان مسير أم مخير ؟
يقول الله عز وجل (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ) و يقول تعالى (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) فبين سبحانه أن الناس مخيرين بين الايمان و الكفر و الضلاح و الفساد و الهداية و الضلال , و أن ثمود قد استحبوا بأرادتهم العمى على الهدى , كما أنه نسب أفعال العباد اليهم فقال ÷من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءاْمنون – ومن جاء بالسيئة فكبت و جوههم فى النار هل تجزون الا ما كنتم تعملون ) فبين أنها اعمالهم على الحقيقة و لهذا استحقوا العذاب و العقاب أو المغفرة و المثوبة .
فقد دل الشرع و العقل معا أن للانسان ارادة اختيارية يفعل بها الاشياء و لذا هو مسؤول عنها و عن نتائجها فان الانسان يختار بين الجد و الكسل و الصلاح و الفساد و الخير و الشر و هو يعى أنه قادر على عدم الفعل , ولذلك يفرق الناس بين ما يصدر من افعالهم على هصورة الاختيار و ما يكون بالاكراه و الاجبار و الخظأ و السهو .... ألخ
و لكن هذه المشيئة لا تخرج عن مشيئة الله عز وجل فقال تعالى ( انك لا تهدى من احببت و لكن الله يهدى من يشاء ) و كذا فى قوله ( ولو أننا نزلنا اليهم الملائكة و كلمهم الموتى و حشرنا عليهم كل شئ قبلا ما يكانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله و لكن أكثرهم يجهلون ) وقوله تعالى ( لمن شاء منكم أن يستقيم – وما تشاؤون الا أن يشاء الله رب العالمين ) وهذا معناه أن مشيئتهم لا تخرج عن مشيئة الله رب العالمين وهذا لا يعنى اجبارهم على الافعال و الاقول بل ما فعلوه هو من محض اختيارهم الذى وافق تقدير الله تعالى , لان الله عليم بكل شئ و ارادته و تقديره لا تخالف علمه فما علم أنه سيكونفلابد أن يكون و ما اراد أن يكون فلا بد أن يكونو علم الله و ارادته لا يتعارضان , فان الله علم منذ الازل انهم سيؤمنون أو سيكفرون فقدر لهم الايمان او الكفر لانهم لم يكن لهم الدرة على ذلك الا بمشيئة الله و اذنه , فيمان العباد و كفرهم هو من قدر الله و هو اختيار للعبد يحاسب عليه و لا يجوز رد احدهما بالاخر لانه لو سلب العبد حريته فى اختيار ما يفعله من الايمان و الكفر و الفساد و الصلاح يكون معناه أن الله يعذب العباد على ما لم يكن لهم اختيار فيه وهو بالتالى اعتقاد بظلم الله لعباده و قد قال تعالى ( ان الله لا يظلم الناس شيئا و لكن الناس أنفسهم يظلمون ) وقال تعالى ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا و ان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها و كفى بنا حاسبين ) فتعالى الله أن يحاسب احد على ما فعله كرها و قد قال تعالى ( من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره و قلبه مطمئن باليمان و لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله و لهم عذاب عظيم ) فبين سبحانه أنه لا يحاسب من أكره على الكفر فدل ذلك على ان من لم يكرهعليه فانه مختار لما فعل محاسب عليه مستحقا للعقوبة , فكيف يظن بأن الله قد أكره الكافرين على كفرهم و المؤمنين على ايمانهم
و كذلك لا يجوز رد الاخرى و هو القول بان افعال العباد خارجة عن مشيئة الله عز وجل و او ارادته و تدبيره , فيقال لهم ان هذا مخالف لما ذكرنا من الايات انفاو للايمان بالقضاء و القدر لانه لو كانت افعال العباد خارجة عن تدبير الله لصار اعتداء الانسان على اخيه ليس من قدر الله و اعظاؤه و اكرامه له ليس من قدر الله ؟؟ وقد قال تعالى ( و لنبلونكم بشئ من الجوع و نقص من الأموال و الانفس و الثمرات و بشر الصابرين – الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون) وقوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و الينا ترجعون ) فدل ذلك على ان ما يلحق الانسان من المصائب انما تكون من قدر الله تعالى و داخل فيها ما يفعله الناس ببعضهم من العدوان و القتل وهذ واضح فى قوله تعالى ( قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم باس بعض) قله (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و لكن اختلفوا فمنهم من ءامن و منهم من كفر و لو شاء الله ما اقتتلوا و لكن الله يفعل ما يريد ) وقوله (الا الذين يصلون الى قوم بينكم و بينهم ميثاق أو جاؤكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهو ولوشاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ... الاية ) وكذلك قوله ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض و لكن الله ذو فضل على العالمين ) فبين انه يدفع بعضهم ببعض بمشيئته حتى لا تفسد الارض فتبين من ذلك أن افعالهم الاختيارية داخلة فى تقدير الله و تدبيره و ليست خارجة عنه و الله تعالى يقول ( ما اصاب من مصيبة الا باذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه و الله بكل شئ عليم ) و كذلك ( أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم فى بروج مشيدة و ان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله و ان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء الفوم لا يكادون يفقهون حديثا) فكل ما اصاب العبد من خير او شر فانه من تقدير الله سواءا كان هذا الامر فيه فعل عبد اخر عليه كالعدوان او الاكرام او ليس فيه كالمصائب و الكوارث التى تحدث بلا تدخل بشرى
ولتوضيح الامر فننا نقول : لو ان رجلا تصدق على رجل بمال فان المتصدق يثاب على ما فعل اذا قصد به التقرب لله عز وجل و المتصدق عليه يحمد الله على النعمة التى جاءته بسبب هذا العبد فلو قلنا ان فعل التصدق الذى كان من هذا الرجل هو خارج عن مشيئة الله عز وجل , فما معنى الحمد لله اذن و ما معنى الايمان بان الله هو الرزاق العليم ؟؟ ولو قلنا ان هذا الفعل ليس اختياريا فلا معنى للثواب عليه اذن ولا معنى للتكليف الشرعى من امر او نهى ؟؟
ولاجل هذا نقول ان انكار حرية الفعل الاختيارى للعبد هو انكار لعدل الله و حكمته لانه بذلك يكون –حاشاه- ظالما يعاقب الناس على ما لا اختيار لهم فيه و غير حكيم لانه – حاشاه- انزل الشرائع و امر باتباعها و ليس بوسع احد ان يختار بين الاتباع و الامتناع
وكذلك لو قلنا بأن افعال العباد خارجة عن تقدير الله عز وجل و مشيئته يكون نفيا للايمان بالقضاء و القدر و أن ما يثيب العباد من باس بعضهم على بعض خارج عن ارادة الله و مشيئته –تعالى الله عن ذلك – و نفى لتدبيره للامر اذ انه يحدث فى ملكه ما هو خارج عن مشيئته ومن ثم فان كثيرا من المصائب تحدث بلا اذن منه – تعالى عن ذلك –
فكان الايمان بعدل الله و قضائه و قدره مقتضيا للقول بان الانسان مخير فىما سيحاسب عليه وهو بفعله الاختيارى لا يخرج عن مشيئة الله عز وجل
او كما قال بعضهم ( الانسان مخير فى حيز االتسير)