بسم الله أبدأ في ذكر بعض الموضوعات والتحريرات الهامة
التي وردت في كتابي حادثة تعرض النبي للسحر
والغرض من وراء ذلك هو إظهار بعض الفوائد التي قد لا تظهر بسبب خصوصية عنوان الكتاب
ومناقشة بعض الإشكالات والأفكار الواردة فيه
الموضوع الثاني:



ص: 270
المبحث الثالث: تسلط الظالمين على الناس يكون بسبب ظلمهم

﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون﴾ [الأنعام: 129].
فهم محمد أمين شيخو من الآية أنه لا يقع ظلم على أحد إلا بسابق ظلم أو معصية منه
ثم اعتمد هذا الفهم في رد حادثة السحر قال: "وأنه طاهر لا يمكن لأحد أن يتسلط عليه
فلا خلل ولا خطأ وقع منه حتى يتسلط عليه أحد"([1]).
قلت: اختلفوا في دلالة الآية:
- فمنهم من قال إنها في الآخرة ودليلهم قوله تعالى قبلها:
﴿ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض﴾
الآية [الأنعام: 128].
والمعنى أنهم كما كانوا أولياء في الدنيا يستمتع بعضهم ببعض ويتبع بعضهم بعضا
فكذلك يعاقبهم الله في الآخرة فيحشر الإنس مع الشياطين وإن تبرأ بعضهم من بعض
جزاء بما كانوا كسبوه في الدنيا، أو يكل بعضهم إلى بعض يوم القيامة فلا يقدرون على تخليص بعضهم البعض.
- ومنهم من جعل الولاية في كل شيء
قال الطبري: " كما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجن والإنس أولياء بعض يستمتع بعضهم ببعض
كذلك نجعل بعضهم أولياء بعض في كل الأمور بما كانوا يكسبون من معاصي الله ويعملونه"([2]).
- وقال بعضهم بمعنى نسلط الظالمين بعضهم على بعض في الدنيا
وقد استخرجوا هذا المعنى من قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير الآية:
"ظالمي الجن وظالمي الإنس، وقرأ: ﴿ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين﴾ [الزخرف: 36]
قال: نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس"([3]).
وقريب من هذا المعنى نقل الأعمش في تفسير الآية: "سمعتهم يقولون: إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم"([4]).
ص: 271
قلت: كلام ابن زيد خاص قد أخطأ من عممه في كل الظلم أو عممه في كل العلاقات (كالعلاقة بين الإنس والإنس).
وقد أدى هذا الخطأ في التعميم إلى خطأ ثان إذ ظن بعضهم أن تسليط الظالمين بعضهم على بعض من كلام ابن زيد
وخطأ ثالث وهو حصر سبب عقوبة التسليط في الظلم السابق.
والمعنى الصحيح في التسليط أنه كغيره من المصائب ينزله الله بالعبد لغاية وغرض كالابتلاء
وإنزاله على العبد ليس فيه ظلم إذ هو بسابق ذنب، وليس كل ذنب موجبا للمصائب فإن الله يعفو عن كثير.
قال تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾ [الشورى: 30].
قال ابن القيم وغيره: "فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه"([5]).
وقال الزمخشري: "والآية مخصوصة بالمجرمين فأمّا من لا جرم له كالأنبياء والأطفال والمجانين
فهؤلاء إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره فللعوض الموفى والمصلحة"([6]).


([1]) حقيقة سيدنا محمد (ص: 39).
([2]) تفسير الطبري (ج9/559).
([3]) تفسير الطبري (ج9/559)، وقريب منه ما روي في تفسير الآية عن ابن عباس من طريق واه -الكلبي عن أبي صالح-
"إذا أراد بقوم خيراً ولى أمرهم خيارهم وإذا أراد بقوم شراً ولى أمرهم شرارهم" (البغوي: ج3/189).
([4]) حلية الأولياء (ج5/50)، ونسبه السيوطي في الدر (ج3/358 ن شاملة) إلى أبي الشيخ، والعجلوني في كشف الخفاء (ج2/51) إلى ابن أبي شيبة نقلا عن نجم الدين الغزي.
([5]) بدائع الفوائد (ج2/770).
([6]) تفسير الزمخشري (ج4/225-226).