تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: شباب في مواكب العائدين الى الله

  1. #1

    افتراضي شباب في مواكب العائدين الى الله

    " شباب في مواكب العائدين إلى الله "
    لعل من المعلوم من الحياة بالضرورة أن حياة الإنسان حلقات متتابعة ومراحل متفاوتة من القوة والضعف والمرض والعافية فضلاً عن الغنى والفقر والعلم والجهل ، وهذه الأحوال والأعراض التي تدور وتتعاقب على بدن الإنسان وجسده تنسحب كذلك على روحه وإرادته ، لأن النفس البشرية تعتريها الأغيار بوازع من داخلها وتأثير مما حولها ، ومرحلة الشباب والمراهقة من أشد المراحل وأسرعها تأثراً بهذا التأرجح والتقلب السلوكي والإيماني ، فترى الشاب أحياناً نقي الفطرة مسدد الخطوة مستقيم الضمير والخاطر ، ثم لا تلبث أن تراه منتكس السلوك مترنح العزيمة خائر الإرادة ، قد تراجع صوت ضميره وأمست ناصيته كالعاني في قبضة الغرائز الهائجة لا يرى نفسه قادراً على الفكاك منها .
    شباب في قبضة الخطيئة
    إن الشاب قد يلم بخطأ عارض أو خطيئة غير مرصودة فتراه من حداثته فيها باكي الليل والنهار محترق الفؤاد كسيف البال يتمنى لو مات قبل هذا و كان نسياً منسياً ، ثم لا تلبث سابقته تلك في عالم الخطيئة تستتدرجه ليصبح ضيفاً دائماً بساحتها ونزيلاً مقيماً عليها فتتولى نفسه المهزومة كبر الاستدراج فتناجيه قائلة :
    أنت شاب وللشباب عنفوانه كما أن للخطيئة بريقها ورونقها ، وطريق الاستقامة ليس هذا أوانه !!
    عش سنك ولا تغالب نفسك وانتظر زمناً يسيراً وستكون من بعده ولياً من الصالحين !!
    ثق في نفسك : سيستقيم حالك وينصلح أمرك ولا تسيء الظن بنفسك ولا تكثر عليها اللوم والتثريب !!
    غيرك مقمح إلى ذقنه في مراتع الخطيئة وأوحالها فشتان بينك وبينه ، أنت أفضل بل أنت أرجى منه حالاً، وهكذا تسول له نفسه وتخادعه بالأماني الكذاب والكلمات العذاب ، فتبقيه حائراً تائهاً كأنه في بحار تئن فيها الرياح ضاع فيها المجداف و الملاح .
    من روائع الإسلام في طب النفوس
    عالج الإسلام الصراعات النفسية التي تقطع بكثير من الشباب وتأكل أكبادهم بفهم عميق لطبائع النفوس وبصيرة واسعة لأمثل الأساليب الدعوية وأجداها تأثيرا ، لذا كان موصول قوله إليهم منصباً على هذا النداء الرقيق :
    أيها الشباب : لستم وحدكم في هذا النزال فلا تتهيبوا الخروج منه ، إن الخلاص مجرب سبقكم إليه مجاهدون ورفقاء سلاح في ذات المرحلة ، فلا تستصعبوا على أنفسكم بلوغ الغاية لوعورة الطريق أو بعد الشقة ، ولتقلبوا صحائف السنة المطهرة ومروياتها المشرفة ولتطالعوا المشاهد الصادقة في أبواب التوبة ومواقف المنيبين إلى الله فكم من قاتل متمرس في القتل رده إلى ربه عظة مباغته أو كلمة حالمة ، وكم من راتع في الفحش سئم طريقه واستنكف الإيغال فيه فراح يرنو ببصره نحو الطهر والعفاف وباع أحلاس متعه القديمة وطعوم شهواته الزائفة فغادرها إلى غير عودة وهجرها غير آسف عليها ، بل كم من كافر شارد عن ربه جاحد لأنعمه توقف لحظة وتذكر فجأة أنه يسير في غير الطريق الصحيح ، وأنه يعبد من لا يستحق ويدعو من لايجيب ، وأن صاحب النعمة الكبرى عليه ما يزال يغذوه بأنعمه ويرعاه ويكلؤه في ليله ونهاره وإن جحده أو غفل عنه ، فإذا هو يستبشع فعله الخاسر وإجرامه البائس ، وعندئذ وأمام مئات وألوف من هذه المشاهد لمواكب العائدين إلى الله تعالى يصح النداء الجهير للبشرية جمعاء .
    أيها الشباب : لئن كانت الذنوب قد أفقدتكم الثقة في أنفسكم والإيمان في إمكاناتكم وعزائمكم فإننا على يقين أن بقايا الفطرة فيكم وأثارة الإيمان عندكم ستنتشلكم ولو بعد حين مما أنتم عليه ، فلا يزال فيكم بقية من خير والأمل معقود عليها أن تكون رافد العود ومكمن العافية وذلك من نحو قول نبي الله شعيباً لقومه يستميلهم ويتلطف بهم ( إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيط )
    أيها التائهون في دياجير الخطايا ومتاهات الذنوب : اقتحموا العقبة التي اقتحمها رجال قبلكم وخلصوا رقابكم كما خلصوا رقابهم ، ولعل هذا التحفيز الهاديء بدا واضحاً في مثل قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) فكأن الله تعالى يقول لهم : لا تتهيبوا التكاليف لمشقة ظاهرة فيها فقد قام بها رجال قبلكم فكونوا رجالاً مثلهم ، وهو أسلوب رائد في الترقي بالنفس الإنسانية وتحفيز قواها الكامنة .
    من مشاهد العودة إلى الله :
    بينما جمع من الصحابة الكرام في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم يأخذون عنه ويقتدون به إذ وقف عليه شاب قد جاء بغير هذه الوجهة الشريفة ، وفي غير استحياء أو مواربة راح يطلب من مقام النبوة الترخص في كبيرة الزنا ، وبينما جاء الفتى في غفلة من ضمير ه وغيبة من عقله فلم يستوعب خطورة ما صرح به وكشف عنه :
    وبينما جاء مجترأً طالباً استحلال الحرام ! وفي ذلك سقوط وانتكاس واضح للفطرة !!
    وبينما طاوعته نفسه فراح يطلبه من الأمين على وحي السماء صلى الله عليه وسلم أسوأ مطلب !! فبئس الطالب وسحقاً لذاك المطلوب، لقد بات إثمه مركباً إذ جاهر به وطلبه على مرأى ومسمع من الصحابة الأخيار إن هذا بحق لشيء عجاب !!
    الأمر الذي حفزهم رضي الله عنهم لينالوا منه لولا تدارك المصطفى صلى الله عليه وسلم الموقف وتفهمه الأبعاد الخفية وراء ذلك المطلب الأشر : إنه شاب والشباب طاقة وشعلة من الهوى .
    كما أنه ربما كان أسير بيئة لم تعنه على النكاح المباح فراح يطلبه في السفاح .
    فهدأ النبي صلى الله عليه وسلم ثائرتهم ثم أقبل على الشاب المغبون دون توبيخ أو تسفيه قائلاً :
    أيها الشاب ادن مني . فدنا . وفي هذا تقريب للمسافات وتهيئة لاستقبال النصح .
    وبدأت الرحمة النبوية تنشر ظلالها على هذا الشاب المسكين لترد عنه لفح الإثم الحارق وزمهرير الغواية المهلك ، فبدأ يسأله صلى الله عليه وسلم ويقرره عن مدى صواب هذا الذي جاء من أجله وصلاحيته ليكون سلوكاً عاماً في البشر ، فواجهه بما لم يفكر فيه من قبل أو يخطر له على بال : لقد جعل فطرته النقيه وعفاف منبته تواجه غرائزه الجامحة وتفكيره الشرود .
    : أيها الشاب : أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداءك . قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم .
    قال أفتحبه لابنتك قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك . قال ولا الناس يحبونه لبناتهم
    قال أفتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداءك . قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم
    قال أفتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم
    قال أفتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداءك . قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم "
    ثم مسح صلى الله عليه وسلم بكفه الشريف على صدر الفتى ودعا له بخير فخرج الفتى ليتحدث بنعمة الله عليه إذ دخل الحضرة النبوية المشرفة وما في قلبه شيء أحب إليه من الزنا وها قد خرج من عند أرحم الخلق به وأحناهم عليه وما في قلبه شيء أبغض إليه من الزنا .
    لقد خرجت موعظة النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه بالشاب من دائرة الحلال والحرام ، واستحقاق ذلك الشاب المجترئ للجنة والنار ، ليحدثه بالمنطق الهاديء والنصح اللين ويدعوه إلى الفطرة المستقيمة فكان هذا الموقف الفذ نبراساً لكل شاب يريد أن يلتحق بمواكب العائدين إلى الله.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    "عالج الإسلام الصراعات النفسية التي تقطع بكثير من الشباب وتأكل أكبادهم بفهم عميق لطبائع النفوس وبصيرة واسعة لأمثل الأساليب الدعوية وأجداها تأثيرا"

    بارك الله فيكم
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    لا يصلح النفوس إلا ما ورد عن خالقها
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •