الأصل هو حمل ألفاظ الكتاب والسنة على حقائقها، فإن قوماً ركبوا ظهر المجاز فتوصلوا به إلى تأويل نصوص الوحي بوجه لا يجوز، فنفوا الأسماء وعطلوا الصفات، وشأن أهل السنة في ذلك هو إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسكتون عما سكت عنه الكتاب والسنة، ويسعنا ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال العلامة ابن القيم : "ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى يكون اتفاق من الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات-----------يقول ابن القيم ـ ـ في معرض حجاج مثبتي المجاز، كما في مختصر الصواعق المرسل: إنكم فرقتم أيضا بينهما (أي بين الحقيقة والمجاز) بأن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن، فالمدلول إن تبادر إلى الذهن عند الإطلاق كان حقيقة، وكان غير المتبادر مجازا، فإن الأسد إذا أطلق تبادر منه الحيوان المفترس دون الرجل الشجاع. فهذا الفرق مبني على دعوى باطلة وهي تجريد اللفظ عن القرائن بالكلية والنطق به وحده وحينئذ يتبادر منه الحقيقة عند التجرد. وهذا الفرض هو الذي أوقعكم في الوهم فإن اللفظ بدون القيد والتركيب بمنزلة الأصوات التي ينعق بها لا تفيد فائدة، وإنما يفيد تركيبه مع غيره تركيبا إسناديا يصح السكوت عليه، وحينئذ فإنه يتبادر منه عند كل تركيب بحسب ما قيد به فيتبادر منه في هذا التركيب ما لا يتبادر منه في هذا التركيب الأخير. اهـ.وعلى ذلك فقرينة أن الآذان لا تستوعب الأصابع تدل على أن حقيقة الأصابع المذكورة في الآية إنما هي أطرافها أي الأنامل، والنكتة البلاغية في ذلك هي الإشارة إلى أن إدخالهم لأناملهم كان على غير المعتاد، مبالغة في الفرار.
قال الشيخ ابن عثيمين: قيل: إن في الآية مجازاً من وجهين؛ الأول: أن الأصابع ليست كلها تجعل في الأذن. والثاني: أنه ليس كل الأصبع يدخل في الأذن. والتحقيق أنه ليس في الآية مجاز؛ أما الأول: فلأن "أصابع" جمع عائد على قوله تعالى: { يجعلون }، فيكون من باب توزيع الجمع على الجمع، أي يجعل كل واحد منهم أصبعه في أذنه. وأما الثاني: فلأن المخاطَب لا يمكن أن يفهم من جعْل الأصبع في الأذن أن جميع الأصبع تدخل في الأذن؛ وإذا كان لا يمكن ذلك امتنع أن تحمل الحقيقة على إدخال جميع الأصبع؛ بل الحقيقة أن ذلك إدخال بعض الأصبع؛ وحينئذ لا مجاز في الآية؛ على أن القول الراجح أنه لا مجاز في القرآن أصلاً؛ لأن معاني الآية تدرك بالسياق؛ وحقيقة الكلام ما دلّ عليه السياق، وإن استعملت الكلمات في غير أصلها. اهـ.
وقد ذكر الشيخ الشنقيطي ـ وهو من أشهر المعاصرين المانعين من المجاز ـ في رسالته منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز قاعدة نفيسة خرَّج بها الآيات التي احتج بها المجوزون لوقوع المجاز في القرآن، هي أن : كل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازا فهو عند من يقول بنفي المجاز أسلوب من أساليب اللغة العربية.[مركز الفتوى]-يقول بن القيم رحمه الله
فى الصواعق المرسلة
]
الفصل الرابع والعشرون في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان وهي
:
قولهم إن كلام الله وكلام رسوله أدلة لفظية لا تفيد علما ولا يحصل منها يقين
وقولهم إن آيات الصفات وأحاديث الصفات مجازات لا حقيقة لها
وقولهم إن أخبار رسول الله الصحيحة التي رواها العدول وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد العلم وغايتها أن تفيد الظن
وقولهم إذا تعارض العقل ونصوص الوحي أخذنا بالعقل ولم نلتفت إلى الوحي
فهذه الطواغيت الأربع هي التي فعلت بالإسلام ما فعلت وهي التي محت رسومه وأزالت معالمه وهدمت قواعده وأسقطت حرمة النصوص من القلوب ونهجت طريق الطعن فيها لكل زنديق وملحد فلا يحتج عليه المحتج بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله إلا لجأ إلى طاغوت من هذه الطواغيت واعتصم به واتخذه جنة يصد به عن سبيل الله والله تعالى بحوله وقوته ومنه وفضله قد كسر هذه الطواغيت طاغوتا طاغوتا على ألسنة خلفاء رسله وورثة أنبيائه فلم يزل أنصار الله ورسوله يصيحون بأهلها من أقطار الأرض ويرجمونهم بشهب الوحي وأدلة المعقول