قال الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال " 4 / 517 :
(10137) - أبو حيان التوحيدي.
على بن محمد بن العباس، نزيل نواحى فارس، صاحب زندقة وانحلال.
بقى إلى سنة أربعمائة.
قال جعفر بن يحيى الكحال: قال لى أبو نصر الشجرى: إنه سمع المالينى يقول: قرأت الرسالة - يعنى المنسوبة إلى أبى بكر وعمر مع أبى عبيدة إلى على رضى الله عنه على أبى حيان، وقال: هذه الرسالة عملتها ردا على الرافضة.
وسببه أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء وكانوا يغلون في حال علي ، فعملت هذه الرسالة.
قلت: فقد اعترف بوضعها، وقد نفاه الوزير المهلبى عن بغداد لسوء عقيدته.
وكان يتفلسف.
قال ابن الرماني في كتاب الفريدة: كان أبو حيان كذابا، قليل الدين والورع، مجاهرا بالبهت، تعرض لامور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل.
وقال الجوزى: كان زنديقا.
قلت: بقى إلى حدود الاربعمائة ببلاد فارس.اهــ

وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" 9 / 56 - بعد ذكر كلام الذهبي الآنف الذكر - :
وقرأت بخط القاضي عز الدين ابن جماعة أنه نقل من خط ابن العلاج أنه وقف لبعض العلماء على كلام يتعلق بهذه الرسالة ملخصه :
لم أزل أرى أبا حيان علي بن محمد التوحيدي معدودا في زمرة أهل الفضل موصوفا بالسداد في الجد والهزل حتى صنع رسالة منسوبة إلى أبي بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما أسلا بها عليا رضى الله تعالى عنه ، وقصد بذلك الطعن على الصدر الأول فنسب فيها أبا بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما الى أمر لو ثبت لاستحقا فوق ما يعتقده الامامية فيهما .
فأول ما يدل فيها على افتعاله في ذلك نسبته إلى أبي بكر أنشأ خطبة بليغة تملق فيها لأبي عبيدة ؛ ليحمل له رسالته إلى علي رضى الله تعالى عنه وغفل عن أن القوم كانوا بمعزل عن التملق ، ومنها قوله : ولعمري إنك أقرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة ولكنا أقرب اليه قربة ، والقرابة لحم ودم ، والقربة نفس وروح .
وهذا يشبه كلام الفلاسفة وسخافة هذه الألفاظ تغني عن تكلف الرد.

وقال فيها : إن عمر رضى الله تعالى عنه قال لعلي في ما خاطبه به :
إنك اعتزلت تنتظر وحيا من جهة الله وتتواكف مناجاة الملك .


وهذا الكلام لا يجوز نسبته إلى عمر رضى الله تعالى عنه ، فإنه ظاهر الافتعال الى غير ذلك مما تضمنته الرسالة من عدم الجزالة التي تعرف من طراز كلام السلف .

وقال ابن النجار في "الذيل" : كان أبو حيان التوحيدي فاضلا لغويا نحويا شاعرا له مصنفات حسنة و، كان فقيرا صابرا متدينا حسن العقيدة ، سمع أبا بكر الشافعي وأبا سعيد السيرافي والقاضي أبا الفرج المعافى وأبا الحسين بن شمعون وغيرهم.
ومن شعره :
قل لبدر الدجى وبحر السماحة ** والذي راحتاه للناس راحة
ما تركت الحضور سهوا ولكن ** أنت بحر ولست أدري السباحة

وقال أبو سعد المطرز : سمعت فارس بن بكران الشيرازي يقول : وكان من أصحاب أبي حيان التوحيدي قال : لما احتضر أبو حيان كان بين يديه جماعة فقالوا : اذكروا الله فإن هذا مقام خوف وكل يسعى لهذه الساعة وجعلوا يذكرونه ويعظونه فرفع رأسه إليهم وقال : كأني اقدم على جندي أو شرطي إنما اقدم على رب غفور وقضى .
ورأيت في ترجمة نصر بن عبد العزيز الشيرازي : أنه كان تفرد عن أبي حيان التوحيدي بنكت عجيبة.
ولقد ذكر في الفقهاء الشافعية وحكى عنه الرافعي في مسألة الربا في الزعفران أنه حكى عن أبي حامد المروزي أنه لا يجري فيه الربا وهو كثير النقل في تحقيقاته عن أبي حامد للمسائل الفقهية وغيرها.
قلت : وقد وقف على مثال الوزيرين لأبي حيان التوحيدي ، والمراد بهما أبو الفضل بن العميد وأبو القاسم بن عباد وذكر ان سبب تصنيفها أنه وفد على بن عباد فاتخذه ناسخا وأنه خيب أمله بعد مدة مقامه عنده نحوا من أربع سنين ورحل عنه خائبا فما استنكرته من كلامه في هذا الكتاب أنه حكى عن المأمون أنه قال لأبي العتاهية :
إذا قال الله لعبده : لما لم تطعني ما يجيب قال : يقول : لو وفقتني لاطعتك . قال : فيقول : لو اطعتني وفقتك فيقول العبد : أيكون اليه العبد لسبه وما مطالب الرب معدا ووقفت له على رسالة في تقريظ الجاحظ أفرط في مدحه فيها وقال في كتاب الوزيرين : كان الجاحظ واحد الدنيا وقال في بن العميد وابن عباد : قد قلت فيهما : كانا بالسياسة عالمين ولأولياء نعمهما ناصحين إلى أن قال : فأراهما تنبئا لنزل الوحي عليهما وتجدد بهما الشرع وسقط لمكانهما الاختلاف ، واستمر في هذا المعنى ، وهو ذاك على قلة برمته وعلى أقدامه على إطلاق ما لا يليق ، ورأيت له تصانيفه تحريفات منها :
أنه قال في الحديث المشهور : " حبب إلي من دنياكم ثلاث جزم سر ماء ثلاث .
لكن لم يتفرد بذلك وقال في حديث : " لي الواجد ظلمة يحل عرضه وعقوبته" وزاد : لفظ " ظلمة " ولم ينفرد بها أيضا وذكر في كتاب الوزيرين أنه فارق بن عباد سنة سبعين وثلاث مائة راجعا إلى بغداد بغير زاد ولا راحلة ولم يعطني في مدة ثلاث سنين درهما واحدا ولا ما قيمته درهم واحد قال فلما وقع في هذا أخذت اتلافى ذلك بصدق القول في سوء الثناء والبادي أظلم وقرأت في كتاب فلك المعاني للشريف أبي يعلى ما نصه كان أبو حيان التوحيدي من شيراز وهو شيخ الصوفية واديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء وامام البلغاء وزاهدهم ومحسنهم ثم قال سيدي الشيخ الامام أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف على الشيرازي أنشدنا أبو حيان التوحيدي بشيراز بعد عوده من بغداد فذكر شعر من انشاد ثعلب اهــ

وقال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا - كما في مجموعة الرسائل النجدية :
[تضمين الشيخ للكلام المنسوب إلى أبي بكر الصديق]
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الأخ زيد بن محمد وبعد: فقد بلغني عنك من نوادر الكواثر وكوارث الحوادث 1 . لم أجد إلا تلكؤ وشماس، وتهمهم ونفاس 2 إذ لا فكرة ثاقبة، ولا روية كاسبة، ولا طريقة صائبة، وكرهت أن يتمادى بك الأمر 1 وتبدو العورة فتنفرج ذات البين، ويصير ذلك دربة لجاهل مغرور، أو عاقل ذى دهاء وفجور، أو صاحب سلامة ضعيف العنان، خوار الجنان، وكنت فيما مضى ظهيرا لي على دفع ركضة الشيطان، وتفنيد رسالة ابن عجلان، وكنت أتيامن ناصيتك، وأستبين الخير بين عارضيك 2. وقد كنت من العلوم والمذاكرة بالمكان المحوط، والمحل المغبوط، ولم تزل بحمد الله للمؤمنين أخا ولإخوانك ردءا. وهذا الحدثان العظيم ما بعده من خطر مخوف، أو صلاح معروف ، ولا أظن جرحه يندمل بمسبرك، ولا إخال حيته تموت برقيتك، فقد وقع اليأس، وأعضل البأس ، واحتيج إلى النظر فيما يصلح نفسك وخاصتك، وتفوز منه بإرشاد جنانك ، والأخذ بناصيتك، والله أسأل تمام ذلك لي ولك ، وتطلبه على يدي ويديك، والله كالئ وناصر وهاد ومبصر لكل من لاذ بجنابه ، ووقف سائلا ببابه ، وبه الحول والتوفيق.
واعلم أن البحر مغرقة، والبر مفرقة 1، والجو أكلف والليل أغلف، والسماء جلواء، والأرض صلعاء، والصعود متعذر، والهبوط متعسر، والحق رؤوف عطوف، والباطل شنوف عنوف، والعجب قادحة الشر، والضغن رائد البوار، والتعريض شجار الفتنة، والفرقة تعرف العداوة، وهذا الشيطان متكئ على شماله، متحبل بيمينه فاتح حضنيه لأهله، ينتظر بهم الشتات والفرقة. ويدب بين الأمة بالشحناء والعداوة، عنادا لله ولرسوله ولدينه، تأليبا وتأنيبا 2 يوسوس بالفجور، ويدلي بالغرور، ويزين بالزور، ويمني أهل الشرور، ويوحي إلى أوليائه بالباطل، دأبا له منذ كان، وعادة له منذ أهانه الله تعالى في سابق الأزمان، لا ينجو منه إلا من آثر الآجل، وغض الطرف عن العاجل، ووطئ هامة عدو الله وعدو الدين بالأشد فالأشد، والأجد بالأجد، وقد أرشدك والله من آوى ضالتك، وصافاك من أحيا مودتك بعتابك، وأراد الخير بك من آثر البقيا معك. ما هذا الذي تسول لك نفسك، وينبو به قلبك، 3 ويلتوي عليه رأيك
ويتخاوص له1 طرفك، ويتردد معه نفسك، ويكثر عنده حلك وترحالك، ويتلون به رأيك وحقالك؟ ولم تبح به لإخوانك ونصحائك، وخاصتك وأعوانك، ولم تنبذ إليهم على سوى، ولم تملك ما تجده من الغيظ والجوى، أعجمة بعد إفصاح؟ أتلبس بعد إيضاح؟ أدين غير دين الله؟ أخلق غير خلق الله؟ أهدي غير هدي محمد؟ أمثلك يمشي لإخوته الضراء، وتدب إليهم منه الحمراء؟ أمثلك يضيق به الفضاء، وتنكسف في عينيه القمراء؟ ما هذا القعقعة بالشنان؟ وما هذه الوعوعة باللسان؟

•---------------------------------•
1 هاهنا بياض في الأصل. وأقول أنا محمد رشيد رضا المشرف على تصحيح هذه الرسائل: إن الشيخ عبد اللطيف -رحمه الله وتولانا وإياه بلطفه- قد أكثر الأخذ والتضمين في هذه الرسالة من رسالة أبي بكر الصديق وعمر إلى علي -رضي الله عنهم- في شأن المبايعة وهي من أبلغ الكلام على صناعة متقنة فيها، والمحدثون يقولون: إنها موضوعة وضعها أبو حيان التوحيدي كما في الميزان ولسان الميزان. وفيما وجده جامع الرسائل منها تحريف كثير ولعل سبب أخذ الشيخ عبد اللطيف ما أخذ منها أنه كان مطابقا لحالهم مع المرسلة إليه ونحن نرجع كل شيء إلى أصله مع تفسير بعض غريبه.
2 أصله أن أبا عبيدة قال: بلغ أبا بكر -رضي الله عنه- عن علي -رضي الله عنه- تلكؤ وشماس وتهمهم ونفاس، والتلكؤ التأخير والشماس النفار، والتهمهم الهمهمة وهو الكلام غير البين، والنفاس المنافسة، ولا يصح أن يكون أول الجملة هنا "لم أجد" لأنه يقتضي نصب المستثنى بأن يقول: إلا تلكؤا وشماسا إلخ.
1 الأصل من كلام أبي عبيدة متصلا بما قبله، وأصله: وكره أن يتمادى الحال وتبدو العدا-أو العورة- وما بعده سواء إلى قوله: خوار الجنانوالسجعتان بعده للشيخ عبد اللطيف.
2 قوله: وكنت أتيامن ناصيتك إلخ أصله من كلام أبي بكر لأبي عبيدة: ما أيمن ناصيتك، وأبين الخير بين عارضيك، ولقد كنت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمكان المحوط، والمحل المغبوط… إلى أن قال له: قد أردتك لأمر ما بعده خطرولا خوف وصلاحه معروف، فإن لم يندمل جرحه بمسبرك، ولم تستجب حيته لرقيتك، فقد وقع اليأس، وأعضل البأس، واحتيج بعد ذلك إلى ما هو أمرُّ وأعلق، وأعسر منه وأغلق، والله أسأل تمامه بك، ونظامه على يديك اهـ وقد تصرف الشيخ في هذا التضمين بما يناسب الحال وزاد عليه قوله: والله كالئ وناصر إلخ.
1 في الرواية: ويتخاوص دونه، ومعنى تخاوص: غض من بصره، وحدق نظره إلى الشيء كمن يقوّم سهما أو ينظر إلى الشمس. وفي الرواية هنا : ويسري فيه ظعنك ، ويتردد معه نفسك، وتكثر معه صعداؤك. وليس فيها: ويكثر معه حلك، وترحالك، فهذا وما بعده إلى قوله: الغيظ والجوى من كلام الشيخ عبد اللطيف -رحمه الله تعالى-.