جاء في المستدرك على مجموع الفتاوى ج1/126
فصل
(المشهور عند ( أهل السنة) القائلين بعدم تخليد الفاسق ورجاء الشفاعة له والرحمة أنه لا يحبط العمل إلا الكفر ؛ فإن نصوص القرآن تقتضي حبوط العمل بالكفر في مثل البقرة والمائدة والأنعام والزمر و(ق) وغير ذلك .وهذا لأن ما سوى الكفر من المعاصي يثبت معه أصل الإيمان ، ولا بد أن يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان. واما الكفر فينتفي معه الإيمان الذي لا يقبل العمل إلا به ، كما قال تعالى ( وَمن يَعْمل مِنَ الصَّالحاتِ من ذَكَر أو أنثى وهو مؤمن )[4/124] ( وَمَن أَرَادَ الأَخِرة وَسَعَى لَها سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤِمنٌ)[19/17] إلى نصوص متعددة يصف فيها بطلان عمل الكافر وتحريم الجنة عليه .
وأما ( المعتزلة) فإنهم يقولون بتخليد الفاسق الملي ، وأنه لا ينعم أبداً ، وأن من استحق العقاب لا يستحق ثوابا بحال ، ومن استحق الثواب لا يستحق العقاب ، فالتزموا لذلك أن تحبط جميع الأعمال الصالحة بالفسق ، كما تحبط الأعمال بالكفر .ثم أكثرهم يفسقون بالكبيرة .ومنهم من لايفسق إلا برجحان السيئات وهي التي تحبط الأعمال.وهذا أقرب .
قلت : الذي ينفي من الإحباط على أصول أهل السنة هو حبوط جميع الأعمال ؛ فإنه لا يحبط جميعها إلا بالكفر ، وأما الفسق فلا يحبط جميعها ؛ سواء فسر بالكبيرة ؛ أو برجحان السيئات ؛ لأنه لا بد أن يثاب على إيمانه فلم يحبط .
وأما حبوط بعضها وبطلانه إما بما يفسده بعد فراغه وإما لسيئات يقوم عقابها بثوابه ، فهذا حق دل عليه الكتاب والسنة كقوله :( لاَتُبطلوا صَدَقَتكُم بالمَنِّ والأَذَى)[2/264] فأخبر أن المن والأذى يبطل الصدقة كما أن الرياء المقترن بها يبطلها وإن كان كل منهما لا يبطل الإيمان بل يبطله ورود الكفر عليه أو اقتران النفاق به .
وقوله في الحديث الصحيح :( إن الذي تفوته صلاة العصر فقط حبط عمله ) وقول...1:( الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :(من كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض أو مال فليأته فليستحل منه قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار، وإنما فيه الحسنات والسيئات) ، وقوله :(ماتعدون المفلس فيكم ؟ قالوا : المفلس من ليس له درهم ولا دينار .قال : ليس ذلك بالمفلس ؛ وإنما المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيأتي وقد ضرب هذا ، وشتم هذا ، وأخذ مال هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإذا لم يبق له حسنة أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )
هنا انتهى الفصل .
والحقيقة أن الفصل لم ينتهي إلى هنا بل هناك تتمة لم ينتبه لها الجامع -رحمه الله - وهي موجودة في مجموع 69 بالمكتبة الظاهرية اللقطة 179 (ق أ168)
وتتمة الفصل كالآتي :( وهذا حكم العدل كما جاء في الحديث مرفوعا عن الله تعالى ما من عبد له عندي خير [ بياض في الأصل غير مكتوب ]
وذلك أن الحسنات والسيئات من الاعمال تقتضي الحسنات والسيئات من الجزاء والثواب والعقاب فإذا اجتمع الموجبان تقابلا فإذا كان مع العبد الإيمان لم يبدله إلا ضده وهو الكفر وإذا كان معه عمل صالح وله سيئات قابلت تلك الأعمال فيكون حبوط بعض الاعمال تارة بوجود مناف كالشر والأذى وتارة بفوات شرط متأخر كصلاة العصر ووجود المانع وفواث الشرط بعد فراغ العمل في الإحباط بمنزلة ما يكون قبل فراغه من وجود مانع كالكلام في الصلاة أو فوات شرط كالاحداث في الصلاة لكن هذا يبطل ذات العمل بحيث لا يكون قد عمل عملا تاما وذاك يبطل ثوابه بمنزلة من هدم ما بناه أو ضيع ما اكتسبه والأول بمنزلة من لم تتم تجارته وعمارته . فهذان يبطلان ثواث العمل المعين وأما السيئات المطلقة فتجيء من باب المقاتلة والمقاصة بمنزلة من كسب دراهم وعليه دين .
وهذا الذي ذكرناه في حبوط العصر العمل 2 من المؤمن لأجل ذلك من حبط عمله بالكفر قد يقال فيه إنما يحبط بمنزلة بطلانه بالكفر المقارن وذاك إنما يمنع ثوابه في الآخرة وإنما في الدنيا فإن الكافر يجزى بحسناته كما دل عليه الحديث الصحيح مع عموم القرآن ) أهـ هنا ينتهي الفصل تاماً
عبد الباسط بن عبد الرحمن لهويمل
----------
1- بياض في الأصل
2- لعله يقصد حبوط العمل بفوات صلاة العصر كما في الحديث .