إلى من توجه خطاب الأئمة الأربعة الناهي عن تقليدهم، كقولهم: "لا تقلدني" و"إذا صح الحديث فهو مذهبي"؟
* ذكر العلامة ابن الوزير في "الروض الباسم" (1/208) قول الشافعي: "إن صح الحديث فاعملوا به ودعوا مذهبي"، فقال: "قول الشافعي هذا لا يجوز أن يوجه إلى المجتهدين لأنهم غير محتاجين إلى مثل هذا التعليم، وإنما وصى بهذا ملتزمي مذهبه إشفاقا منه - رضي الله عنه - على أصحابه ومتبعيه من الوقوع في العصبية له وتقديم قوله على ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
* قال العلامة صالح الفلاني في كتابه "إبقاظ همم أولي الأبصار" (ص 65): "قول أبي حنيفة ومحمد والشافعي، بأنه: "إذا خالف قولنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذوا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ونحوه، ليس في حق المجتهد لعدم احتياجه في ذلك إلى قولهم، فذاك في حق المقلد".
* قال العلامة الشوكاني في "إرشاد الفحول" (2/1091): "المذهب الثالث: التفصيل، وهو أنه (التقليد) يجب على العامي ويحرم على المجتهد. وبهذا قال كثير من أتباع الأئمة الأربعة. ولا يخفاك أنه إنما يعتبر في الخلاف أقوال المجتهدين، وهؤلاء هم مقلدون، فليس ممن يعتبر خلافه، ولا سيما وأئمتهم الأربعة يمنعونهم من تقليدهم وتقليد غيرهم. وقد تعسفوا، فحملوا كلام أئمتهم هؤلاء على أنهم أرادوا المجتهدين من الناس لا المقلدين. فيا لله العجب".
* قال العلامة تقي الدين السبكي في كتابه "معنى قول الإمام المطلبي" (ص 92-93):
"قال ابن الصلاح: "من وجد من الشافعيين حديثا يخالف مذهبه نظر فإن كملت آلات الإجتهاد فيه إما مطلقا وإما من ذلك الباب أوفى تلك المسألة على ما سبق بيانه كان له الإستقلال بالعمل بذلك الحديث، وإن لم تكمل إليه ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنه جوابا شافيا فلينظر هل عمل بذلك الحديث إمام مستقل؟ فإن وجد فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث عذرا في ترك مذهب إمامه في ذلك، والعلم عند الله تبارك وتعالى".
وسكت ابن الصلاح عن القسم الآخر وهو: أن لا يجد من يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث، وكأنه لأن ذلك إنما يكون حيث يكون إجماع، ولكن قد يعرض مع الاختلاف، وقد يعرض في مسألة لا نقل فيها عن غير الشافعي، فماذا يصنع؟ والأولى عندي اتباع الحديث وليفرض الإنسان نفسه بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سمع ذلك منه، أيسعه التأخر عن العمل به؟ لا والله. وكل أحد مكلف بحسب فهمه".