تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تقييم أحوال الناس بين الحقيقة والظنون

  1. #1

    Exclamation تقييم أحوال الناس بين الحقيقة والظنون



    تقييم أحوال الناس: بين الحقيقة والظنون!

    مِن غرائبِ ما تَوَلَّدَ هذه الأيّام أْن يُرَى بعضُ المحسوبين على العلم -مِن المتصدرين للنصح والوعظ والتدريس والدعوة- يعيبون على بعض إخوانهم المشاركين لهم في كثير من الميادين أو على تلاميذهم = ما يرونه من أحوالهم الشخصية وأفكارهم المستقلة، التي تبدو في أنظارهم نوعاً من أعْراض (الانتكاس) الخطير الذي يصيب المتديّنين -كما يزعمون-!
    والحقيقة التي يجب توضيحها لهؤلاء ممن لا تزال على أبصارهم غشاوة: أنّ أحوال الناس متفاوتة ومواقفهم متباينة وتبنّيهم لبعض الأفكار وترجيحهم لبعض الآراء مختلِف بحسب المقدِّمات وبحسب التطور العلمي والنبوغ العقلي والإدراك الواقعي وبحسب البيئة المحيطة سابقاً ولاحقاً…
    ثم بعد إدراك هذا كله ودراسته دراسة واعية: يمكن للداعية والواعظ والمدرّس والناصح أن يشخّص ويقيّم ويَصِف؛ ليتمكن من علاج ما يراه من ظواهر سلبية، أو تعزيز ما يجده من ظواهر إيجابية -وقد غدا التعزيز عزيزاً!-.
    إنّ أهمية دراسة أحوال الناس وتتبُّع مراحل الأشخاص في أبواب الالتزام والدين والدعوة، تأتي من أهمية الدَّور الخطير الذي يمارسه الناصح، فإذا لم تتم هذه الدراسة على وجهها لن يكون التشخيص صحيحاً، ثم لا يكون النصح صواباً، بل الأدهى من ذلك أن هذا الناصح قد يكون هو الواهم المخطئ المعتدي على من يظن أنه يوجِّه إليهم نصحه أو ينقد أحوالهم وأفكارهم ويعيبها.
    والإشكال الأكبر حين يرصد هؤلاء أعمالاً معيّنة أو مسائل مخصوصة ليجعلوها مثالاً يُقاس عليه الناس وتوزن من خلاله أعمالهم وأحكامهم وترجيحاتهم! وهي لا تعدو أن تكون مسائل خلافية بين أهل العلم قديماً وحديثاً.
    وما هذا إلا نتيجة لنقصٍ في الفقه، وجمودٍ في الفكر، يؤديان إلى ضيقِ أفقٍ، وابتعادٍ عن الحكمة!

    ومن الأمثلة على ذلك -من أرض الواقع-: ما سمعته من أحدهم وقد رأى أحد الشيوخ الذين يرتادون مكتبة دينية معروفة في بلده، فقال: لا أراه على الجادة، فهو حليق!
    قال ذلك ولا يدري أنّ مَن يثق بهم مِن علماء بلده يعدّون هذا الشيخ من العلماء الذين لا يحبون التصدّر، وأن له ظروفه الخاصة أو ترجيحاته الشخصية في المسائل الدينية التي لا يعيها ذلك الشخص المدعي طلب العلم والمنصّب نفسه مقيّماً بل حاكماً على الناس!

    وآخَر يقول وقد رأى صورة أحد إخوانه من بلادٍ أخرى عبر الشابكة: إنه حليق لا يصلح أن يكون معنا ويتصدّر باسْم دعوتنا!
    ولم يعلم المسكين أن ذلك الشخص لا ينبت له من اللحية إلا ما قد رأى!

    وآخر يعيب على طالب علم مبتدئ كان قد نشأ وهو يقرأ ويسمع الأدلة على وجوب إعفاء اللحية فتبنّى قول القائلين بإعفائها مطلقاً وحرمة الأخذ منها فصار يدافع عن ذلك وينشره بين الناس، فلما تقدّم في الطلب وتبلورت شخصيته وصارت له نظراته الاجتهادية والنقدية في الفقه والحديث والتفسير واللغة، تبنّى قولاً يختلف قليلاً عما كان عليه، وصار يبيّنه ويشْرحه -قد يكون مخطئاً أو مصيباً ليس هذا بحثنا-، فاتهمه بعضُهم بالانتكاس الخفيّ، والهوى النفسي لأجل هذا التطور الفكري المبنيّ على الدليل وقواعد الاستدلال!! والله وحده العالم بما تخفي الصدور.

    جميلٌ أن يَنشر الدعاة والناصحون مواعظهم العامة في التذكيرِ بالإخلاص في القول والعمل، والتحذيرِ من تسلل الهوى إلى نفوسهم الأمارة ومن دواخل الشيطان وتزيينه لهم بأن ذلك نتيجةَ بحثٍ علميّ وترجيحٍ فقهيّ في مسألة مختلَف فيها، فإنّ هذا من الأبواب الخطيرة التي تزل فيها أقدام العلماء -فضلاً عن الطلبة-؛ لكن عندما يأتي بعض الناس لابساً ثياب الناصحين فيعمِّم القول فيمن انتقل من رأيٍ إلى آخر -ليس بمحضِ الهوى-، أو فيمن قال بمسائل معيّن،ة أو فعلَ أشياء محدّدة = بأنه مِن المنتكسين لأنها علامةٌ عليه، فهذا والله افْتئات وظلم؛ فيجدر بهم أن ينصحوا أنفسهم أولًا بالابتعاد عن هذا المسلك، وأن يتفقّهوا في دينهم وأحوال قلوبهم، ثم بعد ذلك يتجهوا إلى الكلام في أحوال الناس بحسب الطريقة التي تقدَّم ذِكرُها، ليصدُق عليهم وصف (النصح) ويشملهم لقب (طالب علم) -وهو أشرف الألقاب-.
    وكان عليهم -أيضاً-قبل ولوج وادي الحكم على الناس- أن يتذكّروا سِيَر علماء الأمة الذين تغيَّرتْ آراؤهم ونتائجُ اجتهاداتهم فكان ذلك لهم منقبة لا مذمة، وعلامة ثبات على الاجتهاد والتعلّم لا علامة انتكاس وجهل وتقليد.

    ولنذكّر أنفسنا جميعاً:
    - أن الفقيه الحق هو الذي يفقه أحوال الناس في واقعهم ومواقعهم.
    - وأن الدليل الصحيح هو الحاكم، لا الأغراض الشخصية.
    - وأننا موقوفون أمام الله -جل في علاه- فيحاسبنا على إطلاق الأحكام بغير علم!


    { وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾ } .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,559

    افتراضي

    بارك الله فيك، أحسنت التنبيه على الخلاف السائغ الذي يعذر به المخالف
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #3

    افتراضي

    وفيكم بارك الله أخي العزيز.
    وأسأل الله أن يجعلني وإخواني ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •