لعلّ الله أن يتجاوز عنّا
نحن الآن فى أوضاع معيشية صعبة، وأغلب الناس فى الثُلث الأخير من الشهر يقفون شبه عاجزين عن كيفية تدبير النفقات المالية لأنفسهم ولذويهم، وبالتالى نجد الهموم تتكاثر والتوتر يزداد ومشاكل البيوت تتفاقم حتى أن بعضها يتحول إلى عراك يومى بسبب تكرار المطالب مع قلّة الموارد!
وعندما أجلس مع بعض أصحاب الدخول الجيدة فإنهم يشتكون لى من كثرة الرسائل والمكالمات التليفونية والتى تطالبهم بمبلغ ما من باب السلف إلى أول الشهر بما لا طاقة لهم به!
حتى أن أحدهم قال : لقد أصبحت فى حرجٍ شديد عندما يتصل بى صاحب فاقة وعوز ثم لا أُلبى له طلبه حيث سبقه كثيرون ولم أتأخرعنهم، لكن لم يعد معى شيء أعطيه لهم، فلقد نفذ الاحتياطى الذى أضعه فى البيت للظروف الخاصة!
ومن هنا أُذكِّر أهل المعروف وهم كُثُر والحمد لله بأن يحتسبوا الأجر عند الله فى مثل هذه الأيام الصعبة بأن يتذكروا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " كان الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه " فمن أراد الفوز فى الدنيا فليكن معيناً للمحتاج واقفاً بجواره يستر عورته ولا يجعل يد هذا المحتاج تخرج من مكانها لتسأل الناس وتريق ماء وجهها لأن لديه عائلة تحتاج إلى مصروفات وأعباء كبيرة، وعليه أن يتذكّر كذلك أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا، وأن صنائع المعروف تقى مصارع السوء وأن صباح كل يوم ينزل ملكان يقول أحدهما اللهم اعط منفقاً خلفا وأعط ممسكاً تلفا.
وفى نفس الوقت أذكّر كل من له دين عند أحد أن يرفق به وأن يصبر على المُعسرين فى هذه الأيام فلو عَلِم ما أعد الله له لطابت نفسه وسكنت روحه ولينتظر يوم القيامة لحظات السعادة الحقيقية نظير ما فعل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان رجل يدائن الناس فكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسرا تجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا قال : فلقي الله فتجاوز عنه " متفق عليه
فانظر رعاك الله أن من تجاوز عن جنيهات أو ريالات أو دولارات أو دراهم وكان هذا لوجه الله الكريم فإن ذنوبه الكثيره وأفعاله الدنيئة وتقصيره الكبير قد يصير مغموراً أمام هذا التصرف الإيمانى العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ومن تمام الفائدة أُحب أن اُذكِّر نفسى وإياكم بأن كثرة الهم وانتشار الفقر يحتاج منا إلى الصدق فى العودة إلى من بيده أبواب الرزق والسّكن والطمأنينة، فعلينا أن نسعى إلى رد الحقوق ورفع المظالم التى نستطيعها وفوراً وأن نطلب المسامحة ممن بغينا عليهم أو اقتطعنا منهم شيئاً ليس من حقنا، وأن نستعين على حاجتنا للمال فى الثُلث الأخير من الشهر بالثلث الأخير من الليل قياماً وركوعاً وسجوداً ودعاءً ، وأن نتذكّر أنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رُفع إلا بتوبة، وأن ندرك جيداً أن مع العسر يسرا وذلك إذا لجأنا لمن بيده ملكوت كل شيء وتوكلنا على الحى الذى لا يموت، فحينها لا تنتظر إلا كل خير.
محمد سعد الأزهري