السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 18 عامًا، دائمًا تحصل لي مشكلات ومضايقات من أسرتي، وخصوصًا أُختي الصغرى، فهي دائمًا تتعمَّد إيذائي ومضايقتي بالكلام، وأنا لا أردُّ عليها؛ خوفًا من حدوث مشكلة، أو أن تَمرض أمي، حتى إنها دائمًا تَصرخ في أمي، وتدعو على أبي بالخلاص منه! ليس هذا محور موضوعي؛ فأنا تعوَّدت على أساليبها ومضايقاتها، وغضبها مني دون أي سببٍ، ويكفي عدم رضا أمي عنها.
الموضوع: أنني لَم أعد أتحمَّل قربي منها، دائمًا أتركها؛ لأنني لا أريد أن يرتفعَ الضغط عند والدتي، ويكون هذا بسببنا، لقد دعوتُ الله وشكوتُ إليه حالي، ودعوته أن يرزقني الزوج الصالح، وما هي إلاَّ أيام حتى أقَمْنا وليمةً لزواج أخي، أخبرتني أختي أنني خُطِبت، ولكن بعد الوليمة، عَلِمتُ أن أخوات العريس لا يُريدونني، ولكنَّ الأم أصرَّت أن تخطب من منزلنا، فاختارَتني، وهذا كله بفضْلِ ربي، أنا لاحظْتُ تصرُّفاتهم غير اللائقة معي، وكنت أتساءل؛ لأني لَم أكن أعرف السبب، كما أنني آخر مَن يعلم، أنا بصراحة أعرف والدَيَّ؛ فهم لا يأخذان أيَّ إذنٍ منَّا، وكلُّ ما يفعلانه يظنان أنه الصواب.
المشكلة الآن أنني لا أعرف عن هذا الشخص الذي خطَبني أيَّ شيءٍ، حتى مَقَر عمله وسكنه، حاوَلْت أن أُفاتح أمي في الموضوع، ولكنَّها تُحاول أن تُغلقه بطرقٍ شتَّى، فهي لا تريد أن أتحدَّث في هذا الموضوع، عِلمًا بأنَّ الموافقة من والدَيَّ، ولا أعلم سببَ كلِّ هذا، ولِمَ لا تريد أن أُفاتحها في الموضوع؟!
والمشكلة العظمى أنني أشعر بالحياء الشديد جدًّا جدًّا، لدرجة أنني لا أستطيع البتة أن أُفاتح إخوتي في الموضوع، زواجي بعد سنة دون ملكة أو حتى شَبْكة، وأنا أُريد أن أعرف عن هذا الشخص أسلوبه وعمله؛ لأنني أرى من الجنون أن أتزوَّج شخصًا لا أعلم عنه شيئًا، وأعلم أنني مُجبرة؛ لأن والدَيَّ لن يسمعا كلامي، فأنا لا أعلم - حقيقةً - شيئًا.
صديقتي قالت لي أن أُكَلِّمه على الإيميل كأنني شخصٌ آخر، وأعرف عنه الأشياء الأساسية وطريقته، فهل عليَّ إثمٌ لو فعلتُ ذلك؟ علمًا بأن نيَّتي هي التعرُّف عليه وعلى شخصيَّته، طالَما أنه لن تكون هناك شَبْكة أو شيء من هذا القبيل، وأنا أحتاج أن أعرِفَه.

أرجوكم، هل نيَّتي عليها إثمٌ؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالإسلام قد أعطى المرأة حقًّا في اختيار زوجها، وجعَل رضاها شرطًا في صحَّة الزواج، ومنَع الآباء من سَلْب ذلك الحقِّ، وإجبارِ بناتهنَّ على الزواج بمَن لا ترغب فيه؛ فالأب يُعين ابنته على حُسن الاختيار المناسب، كذلك يستطيع - بما أوتي من تجاربَ حياتيَّة - النظرَ في مصْلحة ابنته، وحُقُوقها المادية، وغيرها مما تُبتَذلُ المرأة بمباشرتها، وكذلك يوجِّه عاطفتَها، ولكنَّ كلَّ هذا لا يجعله يستأثِر بالاختيار دونها، وفي هذا ما فيه من مخالفة نَهْي النبي - صلى الله عليه وسلم - للأولياء؛ ((لا تُنكح الأيِّمُ حتى تُستَأمر، ولا تُنكح البِكر حتى تُستأذَن))، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: ((أن تَسْكُت))؛ متفق عليه.
وفي "الصحيحين" عن عائشة قالت: قلتُ: يا رسول الله، يُستَأمر النساء في أبضاعهنَّ؟ قال: ((نَعَم))، قلت: فإنَّ البِكر تُستأمر فتستحيي، فتَسْكُت، قال: ((سكاتُها إذنُها))، وهو دليل على تحريم إجبار الأب لابنته البِكر على النكاح، وغيره من الأولياء بالأَوْلَى؛ كما قال الصنعاني في "سُبُل السلام".
وروى مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكر تُستأذَن في نفسِها، وإذنُها صُماتُها))، وفي رواية: ((الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكرُ يَستأذِنُها أبوها في نفسها، وإذنُها صُماتُها))، وروى أحمد أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أشيروا على النساء في أنفسِهنَّ))؛ وصحَّحه الألباني.
بل قد ورَد في السُّنة المُشرَّفة ما يدل صراحةً على بُطلان عَقْد نكاح المُجبَرة، وأنها تُخيَّر؛ فعن بُريدة بن الحَصيب، عن أبيه - رضي الله عنهما - قال: جاءتْ فتاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالتْ: "إن أبي زوَّجني ابن أخيه؛ ليرفع بي خسيستَه، قال: فجعَل الأمر إليها، فقالتْ: قد أجزْتُ ما صنَع أبي، ولكن أردتُ أن تعلمَ النساء أنْ ليس إلى الآباء من الأمر شيءٌ"؛ رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه.
وروى البخاري عن خَنساء بنت خِذَام الأنصارية أنَّ أباها زوَّجها وهي ثيِّبٌ، فكَرِهَتْ ذلك، فأتتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((فردَّ نكاحَه))؛ أي: فسَخَه، وفرَّق بينهما.
ورواه النسائي عن جابر: أن رجلاً زوَّج ابنته وهي بِكْرٌ من غير أمْرها, فأتتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ففرَّق بينهما))، وعن ابن عباس أنَّ جارية بِكْرًا أتتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنَّ أبي زوَّجني - وهي كارهة - ((فردَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نكاحَها))؛ رواه الترمذي، وابن ماجه، وصحَّحه الألباني.
فالعلةُ التي أبْطَل النبي - صلى الله عليه وسلم - النكاح من أجْلها في هذه الأحاديث، وعلَّق عليها التخيير: هي كراهتُها للزوج، وهو حكمٌ عام لعموم علَّته، فأينما وُجِدَت الكراهة، يَثبت التخيير للمرأة.
وأيضًا، فإن عدم أخْذ رأي الفتاة في الزواج يعدُّ حَجْرًا عليها، وهو مخالِفٌ لقواعد الشرع الصحيح والعقل الصريح، ومعلوم أنَّ مناطَ الحَجْر هو الصِّغر، أو الجنون، أو السَّفَه، وأنتِ بالغة، عاقلة، رشيد، فلا يجوز لأبيك التصرُّف في نفسك، وتَزويجك دون أخْذ رأيك.
أيضًا، فقد أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينظر كلٌّ من الرجل والمرأة للآخر عند الخِطبة؛ فعن أبى هريرة أن رجلاً خطَب امرأةً، فقال - يعني النبي، صلى الله عليه وسلم - : ((انظُرْ إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا))؛ رواه أحمد وغيره.
وبيَّن - صلى الله عليه وسلم - الحِكمة من ذلك؛ كما في حديث المُغيرة بن شُعبة أنه خَطَب امرأةً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((انظُر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤْدَمَ بينكما))، ولا فارقَ بين الرجل والمرأة في ذلك.
قال الشيخ العثيمين في "مجموع فتاواه": "مِنْ حُسن التنظيم الإسلامي ودِقَّته في شَرْع الأحكام: أن جعَل للعقود شروطًا بها، وتتحدَّد فيها صلاحيتها للنفوذ والاستمرار، فكلُّ عقدٍ من العقود له شروطٌ لا يتمُّ إلاَّ بها، وهذا دليلٌ واضحٌ على إحكام الشريعة وإتقانها، وأنَّها جاءتْ مِنْ لدُن حكيمٍ خبيرٍ، يعلم ما يَصلُح للخَلْق، ويُشَرِّع لهم ما يَصلُحُ به دينُهم ودنياهم؛ حتى لا تكونَ الأمورُ فوضى لا حُدُودَ لها.

ومن بين تلك العقود عقد النكاح؛ فعقد النكاح له شروطٌ، منها:
رضا الزوجين: فلا يصح إجبار الرجل على نكاح مَن لا يريد، ولا إجبار المرأة على نكاح مَن لا تريد؛ فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تزويج المرأة دون رضاها؛ سواء أكانت بكرًا أم ثيِّبًا، إلاَّ أن الثيِّب لا بُدَّ من نُطقها بالرضا، وأمَّا البِكرُ فيَكفي في ذلك سكوتُها؛ لأنها تَستحيي من التصريح بالرضا.
وإذا امْتَنَعت عن الزواج، فلا يجوز أن يُجبرَها عليه أحدٌ، ولو كان أباها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((والبكر يَستأْذنُها أبوها))، ولا إثم على الأب إذا لَم يزوِّجها في هذه الحال؛ لأنها هي التي امْتَنَعتْ، ولكن عليه أن يحافظَ عليها ويَصونها، وإذا خطَبها شخصان، وقالت: أريد هذا، وقال وليُّها: تزوَّجي الآخر، زُوِّجت بِمَن تُريد هي، إذا كان كُفْئًا لها، أما إذا كان غيرَ كفْءٍ، فلولِّيها أن يَمنعها من زواجها به، ولا إثْمَ عليه في هذه الحال".
فكوني قويةً في إبداء رأيك، كما فعَلَت خَنساء بنت خِذَام الأنصارية، وهذا لا ينافي الحياء ولا الأدب كما قد يُظَنُّ، وأطْلِعي والدَيْكِ على تلك الأدلة.
أما مشورة صديقتك، فإيَّاك أن تَفعليها؛ ففضلاً عمَّا فيها من كذبٍ وخديعة، فهي أيضًا ليست الطريقة القويمة لمعرفة شريك الحياة، ولا تُعطي النتيجة الصحيحة، بل غالبًا ما يَكتنفها الغَرر وعدم الصِّدق، فاحْذَري أن تقعي في مثل هذا، كما أُوصيك بالاستخارة، وكثرة التضرُّع إلى الله أن يُقَدِّر لك الخيرَ حيث كان.




http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz4N8vDZRjY