[1]: قراءة في كتاب إصلاح المنطق لابن السكيتبسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه/ يوسف السناري
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد... فهذه قراءة في كتاب إصلاح المنطق لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت، أقوم فيها بالمقابلة بين أجود نشرات الكتاب كنشرة الشيخين أحمد شاكر وعبد السلام هارون، ونشرة الدكتور فخر الدين قباوة، وبعض النسخ الخطية التي قد وُفِّقت بالوقوف عليها ولم يقف عليهما أحد من الأشياخ، وقد وقفت على نسختين خطيتين برواية عالمين كبيرين:
الرواية الأولى: هي رواية الإمام الجواليقي، في مكتبة تشستربيتي، برقم (3263) وصورتها:
وفي مقدمة هذه النسخة إسناد للجواليقي يقول فيها الناسخ: «تلى» (ولعلها «أملى» والثانية هي التي أرجحها) الشيخ الإمام أبي منصور موهوب بن أحمد بن محمد الجواليقي...
وفي آخر هذه النسخة فهرس بالأبواب التي جاءت في الكتاب، صنعه مالك النسخة وهو: محمد بن خالد بن خليل الأزهري ... سنة 1318. فقال المالك كما جاء في خاتمة الكتاب: "على ظهر أول صحيفة منه خط إمام الأدب أبي منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي البغدادي اللغوي... وقد سمعه منه الشيخ الفاضل أبو علي فرج بن أحمد بن علي بن الأخوة قراءة تصحيح ...
وقد ذكر المالك أنه تحرى معرفة تاريخ نسخ هذه النسخة فلم يستطع الوقوف على تأريخ كتابتها فقال: والله أعلم في أي تاريخ كتب هذا الكتاب لأني تحريت آخره فلم أجد سنة كتابته ولا اسم كاتبه. إلى أن قال المالك: والظاهر أن هذا الكتاب بخط أبي علي فرج بن الأخوة كما يستدل من أوله، ومن كتابة الجواليقي على ظهر أول صحيفة منه، وعلى آخر صحيفة منه أيضا خط أبي زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي شيخ الجواليقي المتقدم الذكر".
[صورة ما كتبه المالك في طرة الكتاب]:
جزء من الفهرس الذي صنعه مالك النسخة:
والرواية الثانية: هي رواية أبي علي القالي، وقد جاء في صفحة العنوان: «سفر فيه جميع إصلاح المنطق، تأليف/ أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت رحمه الله/ رواية أبي علي إسماعيل بن القاسم البغداذي».
وهي نسخة قُرئتْ على أبي علي الشلوبين، عمر بن محمد بن عمر الأزدري (ت645هـ) وعليها خطه وإجازته!.
وفي صفحة العُلْوان ثبت سماع للإمام اللغوي الشلوبين بخط يده، جاء في آخره:
«وكتب/ عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأزدي، في شهر ذي الحجة من سنة تسع وعشرين وست مائة».
قال الزركلي في ترجمته: عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأَزْدي، أبو علي، الشلوبيني أو الشلوبين: من كبار العلماء بالنحو واللغة. مولده ووفاته بإشبيليّة. ينظر: الأعلام (5/62).
هل أملى ابن السكيت كتابه إصلاح المنطق أم ألفه ابتداء؟
أقول: إني قد وجدت في بعض نسخ إصلاح المنطق لابن السكيت الناسخَ يثبت عنوان الكتاب ثم يقول بعده: إملاء ابن السكيت وفي بعض النسخ الخطية يثبت الناسخ بعد العنوان: تأليف ابن السكيت، ويمكن الجمع بين هذا وذاك بأن يقال: إن أبا يوسف قد ألفه أولا ثم أملاه بعد ذلك، أو العكس أو يكون أحد الكلمتين خطأ من الناسخ.
[كتاب إصلاح المنطق أملاه ابن السكيت]:
[كتاب إصلاح المنطق تأليف ابن السكيت، برواية ثعلب]:
[سند كتاب إصلاح المنطق]:
قد وقفت على ثلاثة طرق كلهم قد رووا هذا الكتاب عن ابن السكيت وهم: عبد الله بن محمد بن رستم([1])، وأبو عصيدة: أحمد بن عبيد الله بن ناصح ، وبُنْدار بن عبد الحميد أبو عمر الكرخي.
ينظر: فهرس ابن عطية ص (103)، و (76)، وفهرسة ابن خير الإشبيلي ص (296) و(297)، برنامج الوادي آشي (309)، المعجم المفهرس (تجريد أسانيد الكتب) (1/411) وكنيته في الأخير [أبو حميد].
والطريق الثالث: قد جاء في كتاب شرح أبيات إصلاح المنطق للسيرافي ص (49) يقول: وفي النسخة التي رواها أبي رحمه الله عن ابن أبي الأزهر عن بُنْدارٍ عن يقوب.
وهذا الطريق جاءت عليه نسخة كوبريلي (ك) في إستانبول تحت رقم (1208) وتاريخها سنة 444، وجاء فيها: ... يقول السيرافي: قرأت على أبي بكر بن أبي الأزهر، وقابلت بأصله، قال: قرأت على بندار بن لُرَّة قال: [قرأت على أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت] قال: هذا باب فَعْل وفِعْل باختلاف المعنى. مقدمة تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة.
والنسخة المطبوعة التي نشرت هي رواية ابن رستم عن ابن السكيت، والثانية لا نعلم عنها شيئا، وأغلب الظن أنها كانت رواية أهل المغرب والأندلس.
وقد وجدت ابن رستم يروى عن غير ابن السكيت كما جاء ذلك في فهرسة ابن خير الإشبيلي فقد روى كتاب "الفرق" لأبي محمد ثابت بن عبد العزيز بن أبي ثابت. وأخذه عنه أيضا تلميذه القاسم بن بشار الأنباري.
وكذلك روى ابن رستم عن ثابت كتاب خلق الإنسان. ينظر: فهرسة ابن خير ص (323)، و (324).
أما الرواية الثانية: فهي عن: أحمد بن <عبيد الله> بن ناصح بن بلنجر، الدَّيْلمي، الكوفي النحوي أبو جعفر، ويقال: له: "أبو عصيدة". ويختصر في كتب التراجم [عبيد الله] فيقال: [عبيد]، أدَّب ولد المتوكل "المعتز" العباسي كابن السكيت.
من كتبه: كتاب المقصور والممدود، وكتاب المذكر والمؤنث، "عيون الأخبار والأشعار"، "الزيادات في معاني الشعر لابن السكيت في إصلاحه". (ت278 تقريبا).
ينظر ترجمته في: نزهة الألباء في طبقات الأدباء (1/158)، معجم الأدباء (1/479)، بغية الوعاة (1/333)، الأعلام (1/166)، ومعجم المؤلفين (1/308).
وأحمد بن عبيد بن ناصح هو الذي ملأ ابن الأنباري في شرحه على المفضليات النقل عنه فهو نظير أبي عكرمة الضبي، وكلاهما من مصادر ابن الأنباري في شرح المفضليات.
وإذا جاء في شرح المفضليات: أحمد" هكذا فهو يعني ابن ناصح وكثيرا ما يقول ابن الأنباري في شرح المفضليات: قال أحمد، كذا، و لم يقل أحمد في هذا البيت شيئا، ورواه أحمد. وهو يقصده.
وذكر في كتب التراجم أنه أخذ عن الأصمعي. ولم يذكر فيما ذكر من الأشياخ: ابنَ السكيت، فلتضفه أنت لهم في نسختك، فلقد أبنتَ لك صحة هذا الطريق.
وفي كتاب تهذيب للغة (14/151) للأزهري يقول: وأخبرني المنذري عن القاسم بن محمد الأنباري عن <أحمد بن عبيد بن ناصح> قال: كنا نألف مجلس أبي أيوب ابن أخت أبي الوزير، فقال لنا يوما، <وكان ابن السكيت حاضرا>. وذكر قصة.
وفي تاج العروس (15/229): قال أبو عامر: قال لي عبد المحسن: ورأيت أنا نسخة من كتاب الألفاظ رواية أحمد بن عبيد بن ناصح، لمحمد بن عزير السجستاني.
قلت: واللام التي في "محمد" للملك أي نسخة يملكها محمد بن عُزَيْر_ وعزيز تصحيف عنها_ لكتاب الألفاظ لابن السكيت، وقد صرح هنا برواية أحمد بن عبيد ناصح لكتاب الألفاظ لابن السكيت. فخذها فإنها غالية!
وإني قد وجدت في بعض مخطوطات إصلاح المنطق لابن السكيت زيادات قد أخلَّتْ بها بعض نسخ الكتاب، وزيادات أشك في نسبتها لابن السكيت، وأعتقد أنها من تصرف النساخ والطلبة حال الإملاء من الشيخ، وفصلها عن الكتاب يحتاج إلى جهد كبير، وبحث وتفتيش، وقد نبه على ذلك السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق وهذه الزيادات شيء منها في نسخة ابن الأنباري ومن أخذ عنه، وجزء منها في نسخة بندار بن عبد الحميد الكرخي ومن أخذ عنه .
يقول السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق ص (49): وقد زاد قومٌ، قُرئ عليهم هذا الكتاب، شواهد كثيرة لم يذكرها يعقوب، ولا أحد ممن روى عنه، وأكثر ما يقع ذلك في النسخ الخراسانية والجَبَليَّة، وفي النسخة التي رواها أبي رحمه الله عن ابن أبي الأزهر عن بندار عن يعقوب أبيات زادها بُنْدار في الكتاب ليست عن يعقوب، وهي يسيرة. انتهى كلامه.
وهو هنا يشير إلى زيادات شعرية استشهد بها الشيوخ حال الإملاء والشرح فزاد التلاميذ في النص كلاما لم يقله ابن السكيت، إنما أدخل حال الشرح والإملاء، ولم يشر هنا السيرافي إلى زيادات نثرية.
وقد أشار السيرافي بعد ذلك إلى وجود زيادة في رواية ابن الأنباري ص (50)، وطريق ابن الأنباري هو طريقنا، الذي أسنده إلى ابن رستم إلى ابن السكيت.
وقد وجدت الدكتور قباوة في نشرته لكتاب الإصلاح قد أحسن وأجاد عن نشرة دار المعارف، كما سأبين لك في هذه القراءة، وأظن أن نشرة الدكتور قباوة هي التي سيعول عليها المحققون والباحثون في قابل الأيام.
([1])هو عبد الله بن محمد بن رستم، أبو محمد، اللغوي، راوية ابن السكيت، من علماء اللغة في القرن الثالث الهجري، روى عن ابن السكيت كتاب "إصلاح المنطق"، و"الألفاظ"، وغير ذلك. وعنه أخذ القاسم بن محمد الأنباري كتاب "إصلاح المنطق". الذي حققه الشيخ أحمد شاكر وعبد السلام هارون في دار المعارف عن أصل قديم وجده في مكتبة مغمورة بالمنصورة. ولم يترجم له الزركلي في الأعلام، ولا كحالة في معجم المؤلفين، ومن ترجم لعالم فقد أحْياه وخلَّد ذكره!.