بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ففي هذا الليلة المباركة، وفي هذا المكان المبارك نلتقي مع إخوة أعزاء فضلاء، يجمعنا بهم الدين والعلم ونية الخير إن شاء الله تعالى. نسأل الله –جل وعلا- أن لا يحرمنا الأجور المرتبة على مثل هذا الاجتماع.
عنوان الدرس في إطار قول الله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} الموضوع في غاية الأهمية وجدير بالعناية.
يقول الله -جل وعلا- بعد أن أقسم أحد عشر قسماً: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [(1-2) سورة الشمس] إلى أن قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] أحد عشر قسماً، ولله -جل وعلا- أن يقسم بما شاء من مخلوقاته لكن ليس للمخلوق أن يقسم بغير الله -جل وعلا- و((من حلف بغير الله فقد أشرك)) لكن الله -جل وعلا- يقسم بما شاء من مخلوقاته بياناً لشأن هذا المقسم به.
هذه الأقسام وهذه الأيمان الأحد عشر عقبها -جل وعلا- بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] والضمير يعود على النفس، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [(7) سورة الشمس] يعود على النفس فجواب القسم عند جمع من أهل العلم، بل جواب هذه الأقسام الأحد عشر في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، والعادة أن جواب القسم يقترن باللام، والعادة والمطرد في لغة العرب أن جواب القسم يقترن باللام، وأهل العلم خرجوا هذا على أنه لطول الفصل، طول الفصل أغنى عن وجود هذه اللام، فجواب هذه الأقسام {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} ونازع في هذا بعض أهل العلم، ممن له عناية باللغة، كالزمخشري مثلاً، وهذا ليس له أثر، وهذا ليس لعقيدته في هذا أثر وإلا فهو معتزلي.
أقول: جواب هذه الأقسام في هذه السورة العظيمة التي سمعناها من الإمام وفقه الله، قول الله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] عند كثير من المفسرين، وأجابوا عن كون الجواب لم يقترن باللام كما هو الأصل وإلا فالأصل لقد أفلح، قالوا: طول الفصل يغني عن هذه اللام، وخالف الزمخشري فقال: إن قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] ليس هو جواب القسم، وإنما جواب القسم ما يفهم من قول الله -جل وعلا-: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ} [(14) سورة الشمس] وحينئذ يكون الجواب: والشمس وضحاها إلى نهاية الأقسام الأحد عشر ليدمدمن الله على أهل مكة بشركهم، كما دمدم على قوم صالح ثمود، والجواب هذا مفهوم من سياق قصة الناقة، وقتل قوم صالح لها، ومعاقبتهم بالدمدمة، لكن أهل العلم يولون التزكية، تزكية النفس عناية فائقة، كما جاء في هذه السورة في قول الله -جل وعلا- {قَدْ أَفْلَحَ} [(9) سورة الشمس] والفلاح هو الظفر والفوز بالخير التام في الدنيا والآخرة، ويقول أهل العلم: إنه لا يوجد كلمة يمكن أن يعبر بها بما يجمع خير الدنيا والآخرة مثل كلمة أفلح والفلاح والمفلح، إذا تقرر هذا فتزكية النفس مطلوبة، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] زكاها يعود الضمير على النفس، وفاعل زكّى من أهل العلم من يرى أنه ضمير يعود إلى الله -جل وعلا-، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [(7) سورة الشمس] فالذي سواها هو الله -جل وعلا-، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] الله -جل وعلا-، فعلى هذا يكون المفلح من زكى الله نفسه بهدايته إلى الطريق المستقيم، ومن أهل العلم ولعل هذا هو القول الأكثر أن الضمير يعود على صاحب النفس، فيكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه، من زكى نفسه، كيف يكون الفلاح لمن زكى نفسه والله -جل وعلا- يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم]؟ {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] المفلح من زكى نفسه، والله -عز وجل- نهى عن تزكية النفس، وأهل العلم يحثون على تزكية النفوس من آية سورة الشمس، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] يحثون على تزكية النفوس، وتكلموا وأفاضوا، لا سيما مثل ابن القيم وابن رجب وغيرهما من أئمة التحقيق هذا الموضوع في غاية الأهمية عندهم، يحثون على تزكية النفس عملاً بهذه الآية، فماذا عن قول الله -جل وعلا-: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم]، {بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء} [(49) سورة النساء]، لا تزكوا أنفسكم يعني لا تمدحوها، لا تمدحوا أنفسكم؛ لأن التزكية هي الثناء والمدح، ومنه تزكية الرواة والشهود، يعني مدحهم، والثناء عليهم بما يستحقون به قبول شهادتهم، وقبول روايتهم، فالشاهد لا بد له من تزكية، لا بد له من يزكيه ممن يعرفه معرفة باطنة، والراوي لا بد له من يزكيه، يقول أهل العلم:
.............................. ومن
وصحح اكتفاؤهم بالواحد
|
|
زكاه عدلان فعدل مؤتمن
جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهد
ج
|
الشاهد لا بد له من اثنين، لكن هناك من استفاض فضله، ونبغ في الناس ذكره، لا يحتاج إلى تزكية، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن
|
|
تزكيةٍ كمالك نجم السنن
ج
|
يعني هل إذا جاء شاهد مثل مالك، أو راوي في سند من أسانيد الحديث نبحث عنه في كتاب الرجال؟ ماذا قالوا عنه؟ ما نحتاج إلى هذا، الاستفاضة والشهرة تكفي في مثل هذا، لكن من جهلت عدالته الباطنة لا بد له من الخبرة، لا بد من أن يشهد له ذو خبرة، المقصود أن معنى التزكية المنهي عنها هي مدح النفس، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم] النفس تتشرف وتشرأب إلى المدح، فإن وجد من غيرها فرحت به، وإن لم يوجد بعض الناس لا يصبر، إذا لم يمدح مدح نفسه، وهذا من الضعة بمكان عظيم؛ لأن الناس ينفرون من تزكية النفس، الواحد إذا مدح نفسه نفر الناس عنه، ومع ذلك يقدم بعض الناس بكل صفاقة يمدح نفسه، ويثني عليها، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم] قد يحتاج الإنسان إلى ذكر بعض محاسنه، لاسيما إذا ظُلم، ابن عمر -رضي الله عنهما- لما وصف بالعي قال: "كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟!" ويحتاجون للمدح أحياناً في مقابلة الذم بغير حق، دفاعاً عن النفس، لا لذات النفس، ولا لحظ النفس، إنما ليقبل ما يصدر عن هذه النفس، لو أن عالماً ذُم على الجميع أن يدافع عنه، يدافع عن عرضه، لكن عليه أيضاً أن يبين ما يبطل هذا الذم، ولو كان في فحواه ما يقتضي المدح، {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] فمثل هذا لا يدخل في النهي، بعض الناس يحب أن يمدح ويزكى ويثنى عليه، فإن كانت محبته للثناء عليه بما ليس فيه، وما لم يفعله فهو مذموم قولاً واحداً، {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} [(188) سورة آل عمران] أما إذا مدح إذا كان يحب أن يمدح ويثنى عليه بفعله فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يطرد، ويقول: حب الثناء مذموم على كل حال، ومنهم من يفهم من آية آل عمران أنه لا يدخل في الذم، وعلى كل حال مدح النفس، ومحبة الثناء والمدح خدش في الإخلاص، وقد تقضي عليه، ولذا يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين يقينك وعلمك أنه لا أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال له الأعرابي: "أعطني يا محمد، فإن مدحي زين، وذمي شين" قال: ((ذاك الله)) ما في هناك أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-، ومع الأسف أنه في حال المسلمين الآن على كافة المستويات الفرح بالمدح من الكبير أو الصغير، من الشريف أو الوضيع، فضلاً عن أن يقال لفلان من الناس: إن الملك ذكرك البارحة وأثنى عليك، أو الوزير الفلاني أو الأمير، يمكن ما ينام بعد هذه المدحة فرحاً، مع أنه جاء في الحديث الصحيح: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)) من الذي يذكر؟ الله -جل وعلا-، الذي ينفع مدحه ويضر ذمه، ((ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) فعليكم بالذكر، اذكروا الله يذكركم، هذا بالنسبة لمدح النفس وتزكيتها المنهي عنه.
نأتي إلى التزكية الممدوحة في قوله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] وقلنا: إن الفاعل ضمير يعود إلى الله -جل وعلا- من زكى الله نفسه، أو يعود إلى المخلوق الذي سعى في تزكية نفسه، وبذل الأسباب في تزكية النفس، والتزكية: هي التطهير، التطهير والتنمية والزيادة فيما يقرب إلى الله -جل وعلا- بواسطة العلم النافع والعمل الصالح، بهذا تكون التزكية، اشتراط العلم للتزكية؛ لأن الجاهل قد يجتهد في تزكية نفسه فلا يصيب لجهله، والذي لا يعمل عملاً صالحاً، أو يعمل عملاً غير صالح، هذا لا يستفيد، ولا بد من العلم النافع مع الإخلاص لله -جل وعلا-، والاعتماد كلياً على نصوص الوحيين، فهما السبيل إلى تحصيل العلم النافع، ويتبع ذلك ما يعين على فهم نصوص الوحيين مما كتبه أهل العلم أهل التحقيق من العلماء في فهم الكتاب والسنة، العمل الصالح الذي يتحقق فيه الشرطان: الإخلاص لله -جل وعلا-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [(5) سورة البينة] والمتابعة للنبي-عليه الصلاة والسلام-، المتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا تزكية ولا زكاة للنفس إلا عن طريق الرسل، لا يمكن أن يجتهد الإنسان ليوجد سبيل لتزكية نفسه من غير طريق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، عند بعض الطرقية وبعض الصوفية عندهم طرق يربون بها المريدين، لا يعتمدون فيها على نصوص الكتاب والسنة، فمثلاً شيخ طريقة جاءه مريد وقت صلاة الجمعة، فحان وقت الصلاة ولم يخرجا إلى المسجد، فلما نوقش وعوتب، قال: فقهاؤكم يقولون: إذا خشي الإنسان على ضياع ماله يترك الجمعة والجماعة، وأنا أخشى على ضياع قلب هذا المريد، هل في هذا اتباع للرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ ومن ترك ثلاث جمع طبع الله على قلبه، وأهل العلم يقولون: إن ترك الجمعة من باب تيسير العسرى، النار نسأل الله العافية، على كل حال لا بد من العلم النافع والعمل الصالح، طيب عوام المسلمين ما نصيبهم من هذه التزكية؟ نصيبهم وفرضهم سؤال أهل العلم، ما الطريقة؟ ما الوسيلة؟ يناقش ويسأل أهل العلم فيدلونه على الطريق، ممن لم يتيسر له طلب العلم بنفسه وشغلته الشواغل، أو لم يتذكر، أو لم يلتفت إلى العلم إلا بعد كبر سنه، والله -جل وعلا- يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] تتم التزكية بالعلم النافع، بنصوص الكتاب والسنة، العمل الصالح، بعمل القلب، عمل الجوارح، عمل اللسان، الذي تحققت فيه الشروط، شروط القبول: الإخلاص والمتابعة، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [(2) سورة الملك] يقول الفضيل بن عياض: "أحسن عملاً: أخلصه وأصوبه" قيل: يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: "إن العمل إذا لم يكن خالصاً لله -جل وعلا- لم يقبل، وإذا لم يكن صواباً على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقبل"، فهذان الشرطان لا بد منهما في كل عبادة، وعلى رأس هذه العبادات الإيمان بالله -جل وعلا- بشروطه المذكورة في حديث جبريل، لا بد من الإيمان، ولا بد من تحقيق التوحيد، لا بد من تحقيق التوحيد، وتنقية التوحيد من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، لا بد من هذا؛ ليتم الأمن في الدنيا والآخرة؛ ليتحقق الأمن في الدنيا والآخرة، {وَلَيُبَدِّلَن َهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور]، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] فلا بد من تحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته من شوائب
الشرك والبدع والمعاصي، وكل ما يخص التوحيد، ولا بد من أن يكون الإيمان كاملاً، أو يقرب من الكمال بقدر الاستطاعة، فيحرص على أن يؤمن بالله -جل وعلا-، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ويحقق الإيمان من خلال هذه الأركان الستة، ولا يأتي بما يضعف هذا الإيمان، بل يأتي بما يقوي الإيمان في القلب، وهي الأعمال الصالحة، الأعمال الصالحة هي التي تقوي الإيمان بالقلب، وهي التي تزكي النفس، والذي يضعف الإيمان بالقلب لا شك أنه هو المعاصي، وعلى رأسها الشرك، الذي يقضي على الإيمان بالكلية {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] مما يقوي الإيمان النظر في آيات الله الكونية والشرعية، النظر في آيات الله الكونية والشرعية، وأيضاً الأعمال الصالحة، وترك المعاصي، ففعل المأمورات، وترك المحظورات مما يقوي الإيمان في القلب، التزكية بالإيمان الخالص لله -جل وعلا- بالتوحيد المحقق على ضوء ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والبعد عن ما يخدش هذا الإيمان وهذا التوحيد من بدع ومعاصي، التزكية تكون بهذا مع الأعمال الصالحة التي أوجبها الله -جل وعلا- على عباده، كالصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] و((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينها إذا اجتنبت الكبائر)) فهذه الصلاة إذا أديت على الوجه المطلوب، وأقيمت على ضوء ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبهذا يندفع سؤال يلقيه كثير من الناس، يقول نرى الشخص يصلي، يصلي وهو مواظب على الصلاة، لكنه مع ذلك صلاته ما نهته عن فحشاء ولا منكر، يزاول منكرات، ويترك واجبات، نقول: هذه الصلاة ليست هي الصلاة التي يمتثل فيها قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وهذه الصلاة إن كفرت نفسها كما قال شيخ الإسلام يكفي؛ لأن من المصلين من يخرج بدون أجر، ومنهم من يخرج بعشر الأجر، ومنهم من يخرج من الأجر بالخمس أو الربع أو النصف، ومنهم من يخرج بأكثر من ذلك، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن العبد لا بد أن يبذل، لا بد أن يري الله من نفسه خيراً، ويصدق في بذله، وإذا علم الله -جل وعلا- منه صدق النية أعانه، وإلا فكثير من الناس يقول: حاولنا جاهدين أن نخلص في صلاتنا ونستحضر ونخشع، لكن لم نستطع، الإنسان يدخل المسجد ويخرج منه كأنه قد دخل أي مكان فيه اجتماع كقصر أفراح أو مدرسة أو ما أشبه ذلك، لا فرق، ويخرج من صلاته كما دخل، ويرجع إلى ما كان يزاوله قبل صلاته، نقول: هذه الصلاة لا بد فيها من مراجعة النفس، تراجع نفسك ما الخلل الذي تطرق إلى صلاتك، بحيث لم تترتب عليه آثارها؟ قد يقول قائل: صلوات الناس بهذه الكيفية صحيحة وإلا باطلة؟ الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] والذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر يزاول المنكرات، يترك واجبات هذا ليس من المتقين، والحصر في القبول إنما هو من المتقين، فهل يقال: بأن الفساق تجب عليهم إعادة صلواتهم؟ ما قال بهذا أحد من أهل العلم، فصلواتهم صحيحة، لكن القبول المرتب على هذه الصلاة، ونفي القبول بالنسبة للمتقي القبول ونفيه عن غيره؛ لأن الأسلوب أسلوب حصر {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفهومه أن الفساق لا يتقبل الله منهم، والمراد بهذا نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، ليخرج منها بغير شيء، أو بالعشر أو بأقل أو أكثر، فينتبه الإنسان لمثل هذا الأمر، بعض الناس يقول: حاولت هذا شيء نجده من أنفسنا، يحاول الإنسان أن يستحضر، يحاول والشيطان ينازعه في صلاته، فلا يستطيع أن يتغلب على الشيطان؛ لأسباب بدت منه هو، هو زاول أشياء حالت دونه ودون تحقيق هذا الإقبال على الله -جلا وعلا-، تجده يحضر إلى المسجد من مكان فيه شبهة، أو ينظر إلى أمور لا يجوز النظر إليها، أو يتكلم في أشياء لا يجوز الكلام فيها، فعلى الإنسان أن يحفظ نفسه، وهذه من أعظم وسائل التزكية، يحفظ نفسه من فضول الكلام، من فضول النظر، من فضول الأكل، من فضول الخلطة، من إيش؟ من فضول الكلام، ومع الأسف أن وظيفة كثير من الناس الآن القيل والقال، لاسيما بعد وجود هذه الفتن، التي ماجت بالناس وماجوا بها، تجد مجالسهم معمورة بقال فلان وذكر فلان، وحلل فلان، والإذاعة الفلانية قالت كذا، والقناة قالت كذا، فضول، هذا إذا سلم من المحرم، تجده فاكهته الكلام في الناس، فلان كذا وفلان كذا وفلان قصير وفلان طويل فلان أسمر فلان أبيض، ويقدح في فلان وعلان لأدنى مناسبة، وتجد لسانه على كتفه كما يقال، يقع في كافة الناس، أخيارهم وغير الأخيار، وتجد مثل هذا النوع -وهذا أمر مجرب- الذي وظيفته القيل والقال لا يستطيع أن يملك لسانه في المواطن التي جاء الحث فيها على حفظ اللسان، وتجده لا يطيق الجلوس مع الأخيار الذين يحفظون أنفسهم من القيل والقال، تجد أثقل مجلس عنده شخص فيه عنده تحري بحيث يحسب حسابه لو تكلم في شخص قال له هذا الشخص المتحري: اتق الله ترى هذه غيبة، والغيبة محرمة، هذه ثقيلة على النفس، فتجده يكره الأخيار من أجل هذا، وينبسط لمن على شاكلته ممن وظيفته القيل والقال، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) الحج أربعة أيام، يعني في وقتها ما يزيد عن أربعة أيام، ومع ذلك لا يستطيع من هذا ديدنه أن يحفظ نفسه هذه الأيام الأربعة، ما يستطيع ولا يوفق؛ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء، أيام الرخاء ما تعرف على الله ليعرف في الشدة، وتجد من هذا شأنه وهذا ديدنه ترد عليه المواسم العشر الأواخر من رمضان، وعشر ذي الحجة، ويوم عرفة، والمواسم الفاضلة التي تضاعف فيها الأجور، ويريد أن يحفظ نفسه، ويجتمع قلبه على كتاب الله -جل وعلا- مثلاً، ثم بعد ذلك لا يستطيع، لا يستطيع، يفتح المصحف تجده يترك مصالحه في بلده ويأتي إلى أقدس البقاع، ويجلس من صلاة العصر إلى غروب الشمس ينتظر الإفطار في المسجد الحرام، وبيده المصحف ثم بعد ذلك ينظر في المصحف دقيقتين، ثلاث، خمس، ثم يلتفت يميناً وشمالاً عله أن يجد أحد قادم ولا رايح ولا غادي ممن يعرفه ليتحدث معه كما كان ذلك ديدنه في حال الرخاء، التفت يميناً وشمالاً ثم بعد ذلك فتح المصحف ثانية وهكذا، فإن لم يجد أحد ذهب هو يبحث عن الناس، فمثل هذا لا يعان على اغتنام هذه الأوقات، وإذا قيل له: إن السلف يختمون كل ليلة في العشر الأواخر، قال: هذا خيال، ما يمكن، مستحيل، كيف؟ لأنه يقيس الناس على نفسه، فعلينا أن نحرص على حسم هذه المادة، وألا نتكلم إلا بعد محاسبة للنفس، هل هذه الكلمة أو هذا الكلام ينفعني يوم القيامة حين ألقى الله -جل وعلا- أو يضرني؟ إن كان ينفع فأقدم، وإن كان يضر فأحجم، وإن كان لا هذا ولا هذا، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ويدخل في الكلام الكتابة، يعني بعض الناس مغرم بالكتابة، ويكتب كثير، فلا تكتب إلا ما ينفعك يوم القيامة.
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ
ج
|
|
يسرك في القيامة أن تراه
ج
ج
ج
|
فهذه فضول الكلام لا بد من حسمها، فضول النظر، النظر والبصر نعمة من نعم الله -جلا وعلا- لا يعرفها إلا من فقدها، نعمة، لكنها إذا استغلت بما لا يرضي الله -جل وعلا- صارت نقمة، صارت نقمة، وهذه النعم لا بد من شكرها، واستعمالها فيما يرضي الله -جل وعلا-، عنده بصر يستعمله في قراءة القرآن، يستعمله في قراءة العلم، يستعمله في مصالحه في دنياه، التي يتخذ منها طريقاً وسبيلاً إلى الجنة، لكن إن استعمله فيما حرم الله عليهم كالنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، سواء كان ذلك نظراً مباشراً، أو بواسطة آلات أو قنوات، أو صور أو مجلات، أو ما أشبه ذلك، كل هذا كل هذا يحرم عليه النظر فيه، فهذه النعمة انقلبت بالنسبة له نقمة، نسأل الله العافية، وأيضاً السمع من أعظم النعم من نعم المولى -جل وعلا- على الإنسان، بل فضله جمهور أهل العلم على البصر، فإذا كان السمع بهذه المثابة فلا بد أن يؤدى شكر هذه النعمة، فلا يصنع فيه إلا ما يرضي الله -جل وعلا-، والحذر الحذر من سماع ما يحرم سماعه، والآن الأبواب مفتوحة لرؤية وسماع ما يحرم إلى الشرك الأكبر، دخل في بيوت الناس وعامتهم، قنوات السحر الآن تشاهد في بيوت عوام المسلمين، وتسمع، والله المستعان، شر مستطير لا بد من أن يقف المسلم منه وقفة حازمة، ويقي نفسه، ومن ولاه الله عليه {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(6) سورة التحريم] لا بد من هذا، ثم إذا تيسر له أن يتعدى هذا النفع خارج بيته إلى جاره إلى أخيه إلى قريبه إلى الأمة بكاملها فلا يحرم نفسه؛ لأن هذا الغزو خطير جداً، يعني عاش الناس مدة، سنوات، وقد غزو في قعر بيوتهم بالشهوات، القنوات الماجنة غزت بلاد المسلمين بالشهوات، ثم بعد ذلك بالشبهات التي تزلزل العقائد، ثم بعد ذلك بالشرك الأكبر، نسأل الله السلامة والعافية، كيف يزكي نفسه من أتاح الفرصة لمن ولاه الله عليه بمشاهدة هذه الأمور، والنفس تنازع مادام هذا موجود فالصراع قوي، وشخص سكن في شقة في بلد ما فيها القنوات كلها فأراد أن ينظر إلى الأخبار بحث عن المجد ما استطاع أن يصل إليها، فوجد في أخبار الجزيرة فإذا التي تلقي الأخبار امرأة، جاء بالشرشف -الغطاء غطاء النوم- وغطا به الآلة؛ لئلا يرى المرأة، هذا أول مرة، المرة الثانية نازعته نفسه إلى أن كشف الغطاء، فمن العصمة أن لا يقدر الإنسان على هذه الأمور، من العصمة أن يحسم الإنسان مادة هذه الأمور بالكلية، ويستغني بما ينفعه، أما أن يجعل هذه الأمور في متناول يده ويد من ولاه الله عليه ممن لا يدرك المصلحة، كثير من النساء لا يدركن المصلحة، كثير من البنين والبنات لا يدركون المصلحة من المفسدة، ثم بعد ذلك يلوم القناة، أو يلوم من تسبب في هذا، هو أنت المتسبب.
ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له
|
|
إياك إياك أن تبتل بالماء
|