الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
رب يسر وأعن .
أما بعد :
فإنني كنت قد تناقشت وأخي الفاضل الشيخ / أبو زياد محمود غانم، حول قول زوجت الصحابي ( هلال بن أمية ) للنبي ﷺ في قصة المتخلفين عن غزوة تبوك، فأمر النبي ﷺ الثلاثة باعتزال نسائهم، فأتت زوجت هلال قالت:« يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هِلَالًا شَيْخٌ ضَائِعٌ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ:«لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ» قَالَتْ: فَإِنَّهُ وَاللهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، ... الحديث » متفق عليه.
فذكر أخي الحبيب أبو زياد أن كلمتها هذه قد تكون جعلت شريك بن السمحاء يطمع فيها، ومن ثم كانت قضية اللعان بين هلال وزوجته .
فأجبته: بأن هذا الاحتمال بعيد لأن سورة النور نزلت سنة ست من الهجرة، وتبوك كانت سنة تسع من الهجرة .
فأجابني: بأنه قد يحتمل أن آية اللعان تأخر نزولها إلى بعد تبوك .
فاحتاج الأمر منا إلى بحث، فقمت بعمل بحث سريع فوجدت أن الخلاف في هذا المسألة كبير، وأن في الواقعة صحابيين آخرين غير هلال، وهما عويمر العجلاني، وعاصم بن عدي سيد بني عجلان، وأن العلماء قد اختلفوا فيمن نزلت فيه آية اللعان، وهل هي واقعة واحدة أم أكثر من واقعة؟
ثم وجدت تضارب في التواريخ، وتناقض في سرد الأحداث، حيث ذكر بعض أهل التوايخ والسير أن اللعان وقع لعويمر بعد قدومه من تبوك، وذكروا أن ذلك كان في شعبان سنة تسع، ثم وجدت أن أهل التواريخ والسير قد اتفقوا على أن مجيء النبي ﷺ من تبوك كان في رمضان.
ومن ثم عزمت مستعيناً بالله تعالى على بحث المسألة بحثاً وافياً من جميع جوانبه حتى تتضح الصورة بجلاء لعلي أوفق لبلوغ الصواب، فالله المستعان وعليه التكلان.
وسوف يكون بحثي من خلال النقاط التالية :
1- سرد الروايات الواردة في اللعان .
2- ذكر أقوال العلماء ومناقشة خلافهم في المسألة .
3- تحقيق سنة النزول، وسرد أحداث اللعان بحسب ما ترجح لي .
أولاً : سرد الروايات الواردة في اللعان .
اختلفت الروايات في اللعان بين ثلاثة من الصحابة هلال بن أمية، وعويمر العجلاني، وعاصم بن عدي ، سأذكرها كالتالي:
أولاً : ما ورد في «هلال بن أمية» :-
ترجمته : هو : الصحابي الجليل هلال بن أميّة بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف الأنصاريّ الواقفيّ. من الأوس .
شهد بدر وما بعدها، وتخلف عن تبوك، عاش بعد النبي ﷺ زماناً، تزوج ثلاثة نساء: خولة بنت عاصم وهى التي لاعنها، والفريعة بنت مالك بن الدخشم، ومليكة بنت عبد الله بن أبي بن سلول .
[ انظر: الطبقات لابن سعد 8/380 – 383 ، معرفة الصحابة لابي نعيم 5/3724 – 6/3314 ، أسد الغابة لابن الأثير 6/65 ، الاستيعاب لابن عبد البر 4/1542 ، الإصابة لابن حجر 6/428 ]
1 - أخرج الإمام أحمد في مسنده ( 2131 ) ط/ الرسالة: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَلُمْهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إِلَّا بِكْرًا، وَمَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ، فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ وَلَكِنِّي قَدْ تَعَجَّبْتُ أَنِّي لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعًا قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أَهِيجَهُ وَلَا أُحَرِّكَهُ، حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَوَاللَّهِ لَا آتِي بِهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ، قَالَ: فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا، حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عِشَاءً، فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَرَأَى بِعَيْنَيْهِ، وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ، فَلَمْ يَهِجْهُ، حَتَّى أَصْبَحَ، فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي عِشَاءً، فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا رَجُلًا، فَرَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ، وَسَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا جَاءَ بِهِ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: قَدِ ابْتُلِينَا بِمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، الْآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِي مِنْهَا مَخْرَجًا، فَقَالَ هِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَرَى مَا اشْتَدَّ عَلَيْكَ مِمَّا جِئْتُ بِهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ بِضَرْبِهِ إِذْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ عَرَفُوا ذَلِكَ فِي تَرَبُّدِ جِلْدِهِ يَعْنِي، فَأَمْسَكُوا عَنْهُ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الوَحْيِ، فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] الْآيَةَ كُلَّها، فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَبْشِرْ يَا هِلَالُ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» فَقَالَ هِلَالٌ: قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَاكَ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَرْسِلُوا إِلَيْهَا» فَأَرْسَلُوا إِلَيْهَا، فَجَاءَتْ، فَتَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِمَا، وَذَكَّرَهُمَا، وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا، فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ صَدَقْتُ عَلَيْهَا، فقالَتْ: كَذَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَاعِنُوا بَيْنَهُمَا» ، فَقِيلَ لِهِلَالٍ: اشْهَدْ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْخَامِسَةِ، قِيلَ: «يَا هِلَالُ، اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكَ الْعَذَابَ» فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا لَمْ يَجْلِدْنِي عَلَيْهَا، فَشَهِدَ فِي الْخَامِسَةِ: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ، ثُمَّ قِيلَ لَهَا: «اشْهَدِي أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ: إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ» فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قِيلَ لَهَا: «اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكِ الْعَذَابَ»، فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي، فَشَهِدَتْ فِي الْخَامِسَةِ: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَلَا تُرْمَى هِيَ بِهِ وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَضَى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا، وَقَالَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ، أُرَيْسِحَ، حَمْشَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِهِلَالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا، جُمَالِيًّا، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ ، فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ» فَجَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ، جَعْدًا، جُمَالِيًّا، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» قَالَ عِكْرِمَةُ: «فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ، وَكَانَ يُدْعَى لِأُمِّهِ وَمَا يُدْعَى لِأَبٍ». حديث صحيح .
وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا عباد بن منصور ففي حفظه ضعف ثم إنه مدلس كما ذكر الحافظ ابن حجر وقد عنعنه، فأما من جهة حفظ عباد فقد تابعه حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ...به. كما عند ابن أبي حاتم في التفسير ( 14156 )، وحماد، وأيوب هو السختياني كلاهما ثقة ثبت، وأما التدليس فقد صرح بالسماع عند الطيالسي وغيره، فصح بذلك الحديث .
وبإسناد أحمد أخرجه أبو داود ( 2256 )، والطيالسي ( 2789 )، وأبو يعلى ( 2740 )، والبيهقي ( 15292 ).
والمتابعة عند ابن أبي حاتم كما ذكر، والنسائي مختصراً في الكبرى ( 8169 )، والحاكم ( 2813 ) وقال: على هذا حديث على شرط البخاري ووافقه الذهبي، والبيهقي ( 15294).
وقد صححه ابن كثير في التفسير ( 6/16 ) قال: ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة.اهـ ثم ساق ما يلي من أحاديث.
وحسنه الشيخ شعيب الأنؤوط في تحقيقه على المسند وذكر المتابعات .
2 - وعند البخاري ( 4747 ): حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ، قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «البَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَقَالَ هِلاَلٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلاَلٌ فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ اليَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ، سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ»، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْلاَ مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ».
وبهذا الإسناد أخرجه أبو داود ( 2254 )، والترمذي ( 3179 )، وابن ماجه ( 2067 )، والطحاوي في المشكل ( 2962 )، والطبراني في الكبير ( 11883 )، والدراقطني ( 3712 )، والبيهقي ( 15291 )، وغيرهم .
3- وعند مسلم ( 1496 ): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَأَنَا أُرَى أَنَّ عِنْدَهُ مِنْهُ عِلْمًا، فَقَالَ: إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَلَاعَنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ»، قَالَ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ .
وبهذا الإسناد أخرجه النسائي ( 3468 )، أَخْبَرَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، ... ، وأحمد في مسنده ( 12450 )، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ...، وبسند أحمد، أبو يعلى ( 2825 )، وأبو عوانة ( 4705 )، وغيرهم، كلهم من حديث هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ...
4- وعند النسائي ( 3469 ): أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ هِلَالٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْلَمُ أَنِّي صَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْجَلْدِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَدَعَا هِلَالًا فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ دُعِيَتِ الْمَرْأَةُ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَقِّفُوهَا فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ»، فَتَلَكَّأَتْ حَتَّى مَا شَكَكْنَا أَنَّهَا سَتَعْتَرِفُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ عَلَى الْيَمِينِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «انْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ آدَمَ جَعْدًا رَبْعًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ»، فَجَاءَتْ بِهِ آدَمَ جَعْدًا رَبْعًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْلَا مَا سَبَقَ فِيهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ».
وبهذا الإسناد أخرجه أبو يعلى ( 2824 ) وصححه الشيخ/حسين سليم، وابن حبان في صحيحه ( 4451 ) وصححه الأرنؤوط، وصححه الشيخ الألباني في التعليقات الحسان ( 6/440 )، وابن حجر في إتحاف المهرة ( 2/282 ).
ثانياً : ما ورد في «عويمر العجلاني» :-
ترجمته : هو : هو الصحابي الجليل عويمر بْن الْحَارِث بْن زَيْد بن حارثة بن الجلد العجلاني، ويقال: عويمر بن أبيض العجلاني. زوجته هي : خولة بنت قيس .
[ انظر: أسد الغابة لابن الأثير 4/304 ، الاستيعاب لابن عبد البر 3/1226، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/41 ]
5- البخاري ( 4745 ): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عُوَيْمِرًا، أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلاَنَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَسَائِلَ، فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَرِهَ المَسَائِلَ وَعَابَهَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ القُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ»، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمُلاَعَنَة ِ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَلاَعَنَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا فَطَلَّقَهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي المُتَلاَعِنَيْ نِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ، أَدْعَجَ العَيْنَيْنِ، عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَلاَ أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلاَ أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا»، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ، فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ .
6 - أخرج أيضاً ( 5259 ): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُوَيْمِرًا العَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ، جَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَسْطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ المُتَلاَعِنَيْ نِ».
وبهذا الإسناد أخرجه مسلم ( 1492 )، والنسائي ( 3402 )، وأحمد ( 22851 )، ومالك في الموطأ ( 2/556 )، وغيرهم .
وله أسانيد أخرى كلها إلى الزهري عن سهل ... به مختصراً ومطولاً كما مر.
7 - وعند الطحاوي في المشكل ( 5141 ) : الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ، وَكَانَتْ حُبْلَى، فَقَالَ زَوْجُهَا: وَاللهِ مَا قَرَبْتُهَا مُنْذُ عَفَرْنَا النَّخْلَ، وَالْعَفْرُ: أَنْ يُسْقَى النَّخْلُ بَعْدَ أَنْ يُتْرَكَ مِنَ السَّقْيِ بَعْدَ الْإِبَارِ بِشَهْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « اللهُمَّ بَيِّنْ »، فَزَعَمُوا أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ كَانَ حَمْشَ الذِّرَاعَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ، أَصْهَبَ الشَّعْرَةِ، وَكَانَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ ابْنَ السَّحْمَاءِ، فَجَاءَتْ بِغُلَامٍ أَسْوَدَ أَجْلَى، جَعْدًا قَطَطًا، عَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ، خَدْلَ السَّاقَيْنِ " قَالَ الْقَاسِمُ: قَالَ ابْنُ شَدَّادِ بْنُ الْهَادِ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ؛ هَلْ هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا »؟، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا، وَلَكِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ كَانَتْ قَدْ أَعْلَنَتْ فِي الْإِسْلَامِ.
وبهذا الإسناد أخرجه الطبراني في الكبير ( 10710 )، والبيهقي ( 15350 )، وسعيد بن منصور ( 1563 ) وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال الحافظ: صدوق تغير حفظه، ولكن له متابعة.
8 - أخرج أحمد في مسنده ( 3106 ): حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ«لاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلانِيِّ وَامْرَأَتِهِ»، قَالَ: وَكَانَتْ حُبْلَى، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا قَرَبْتُهَا مُنْذُ عَفَرْنَا - قالَ: وَالْعَفْرُ: أَنْ يُسْقَى النَّخْلُ بَعْدَ أَنْ يُتْرَكَ مِنَ السَّقْيِ، بَعْدَ الْإِبَارِ بِشَهْرَيْنِ - قَالَ: وَكَانَ زَوْجُهَا حَمْشَ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْن ِ، أَصْهَبَ الشَّعَرَةِ، وَكَانَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ ابْنَ السَّحْمَاءِ، قَالَ: فَوَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ أَجْلَى جَعْدًا عَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا»؟ قَالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ قَدْ أَعْلَنَتْ فِي الْإِسْلامِ . قال الأرنؤوط : صحيح على شرط البخاري .
وعبد الرزاق ( 12453 ) نحوه .، والنسائي ( 3467 ) مختصراً جداً، وصححه الألباني وقال أصله عند البخاري .
ثالثاً : ما ورد في «عاصم بن عدي» :-
ترجمته : هو الصحابي الجليل عاصم بن عدى بن الجد بن العجلان العجلانى القضاعى الأنصارى ، أبو عبد الله ، و يقال أبو عمرو ، ويقال أبو عمر.
حليف الأنصار، وسيد بني عجلان، شهد أحد ولم يشهد بدرا ، واستعمله النبي ﷺ ، مات في خلافة معاوية .
[ انظر: تهذيب الكمال للمزي 12/507 ، الإصابة لابن حجر 3/463 ، معرفة الصحابة لأبي نعيم 4/2139 ، الاستيعاب لابن عبد البر 2/781 ]
9 - مسلم ( 1497 ): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، وَعِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيَّانِ ، واللَّفْظُ لِابْنِ رُمْح، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ التَّلَاعُنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبِطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا، آدَمَ، كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهُمَّ بَيِّنْ»، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ»؟، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ».
وبهذا الإسناد أخرجه البخاري ( 5310 )، والنسائي ( 3470 )، وسعيد بن منصور ( 1563 )، وأحمد ( 3360 )، وأبو عوانة ( 4708 ) وغيرهم .
10 - وعند أحمد ( 3449 ): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا، أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: مَا لِي عَهْدٌ بِأَهْلِي مُنْذُ عَفَارِ النَّخْلِ - أَوْ عِقَارِهِ، قَالَ: وَعَفَارُ النَّخْلِ أَوْ عِقَارُهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَبَّرُ، ثُمَّ تُعْفَرُ، أَوْ تُعْقَرُ، أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا تُسْقَى بَعْدَ الْإِبَارِ - قَالَ: فَوَجَدْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي، وَكَانَ زَوْجُهَا مُصْفَرًّا، حَمْشًا، سَبْطَ الشَّعْرِ، وَالَّذِي رُمِيَتْ بِهِ رَجُلٌ خَدْلٌ إِلَى السَّوَادِ، جَعْدٌ قَطَطٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ، اللَّهُمَّ بَيِّنْ» ثُمَّ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُشْبِهُ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ .
وبإسناده الطبراني في الكبير ( 10714 ) وصححه الشيخين/شاكر، والأرنؤوط.
هذا وقد وردت روايات عن ابن مسعود وابن عمر عند البخاري ومسلم وغيرهما قد أبهمت اسم الصحابي.
ثانياً : ذكر أقوال العلماء ومناقشة خلافهم في المسألة .
بناءًا على اختلاف الروايات كما تقدم سردها فقد اختلفت أقوال العلماء في سبب نزول آية اللعان على أربعة أقوال( ):
القول الأول : أن الآية نزلت بسبب عويمر العجلاني .
وهو قول جماعة من المفسرين والفقهاء وأصحاب التوايخ والسير، فمن المفسرين الكلبي والطبري، ومن الفقهاء الشافعي وابن أبي صفرة وابن بطال والبيهقي والقاضي عياض وابن العربي والقرطبي، ومن أصحاب السير ابن سيد الناس وابن الأثير وابن حبان وابن برهان وابن الجوزي .
وحجة هؤلاء ما يلي :
1 – كثرة ما روى أن رسول الله ﷺ لاعن بين العجلاني وامرأته .
2 - توقف النبي ﷺ عن الحكم فيها حتى أنزل الله فيها الآية ولو أنهما قضيتان لم يتوقف عن الحكم فيها، ولحكم في الثانية بما أنزل اللَّه في الأولى.
3 - أن الأحاديث خبر عن قصة واحدة لاتفاقهم على ذكر نزول الآية، والنزول يكون مرة واحدة واتفاقهم على أنه رماها وهي حامل وأن النبي ﷺ قال: إن جاءت به على نعت كذا فهو كذا وقلَّ أن يتفق جميع ذلك في قصتين مختلفتين.
4 - أن حديث سهل وإن لم يُسمِّ فيه المقذوف فإنه كان معروفاً بعينه ولهذا ذكر أوصافه.
5 - أن النبي ﷺ قال لعويمر: «قد أنزل اللَّه فيك وفي صاحبتك».
6 - أنه قد روى المغيرة بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن ابن عبَّاسٍ قال: لاعنَ بين العجلاني وامرأته وكان الذي رميت به ابن السحماء.
7 - أن عكرمة وهشاماً قد خالفا القاسم بن محمد وسهلاً وابن عمر في تسميتهما القاذف بهلال بن أُمية، ثم إن رواة حديث ابن عمر وسهل بن سعد أحفظ وأوثق ومع روايتهم رواية القاسم عن ابن عبَّاسٍ.
8 - أن هشام بن حسان قد غلط في الحديث ووهم.
9 - أن أهل الأخبار والسير كانوا يقولون: إن القضية في عويمر العجلاني.
القول الثاني: أن الآية نزلت بسبب هلال بن أمية .
اختار هذا الماوردي وعزاه إلى الأكثرين وابن الصباغ، ونسبه النووي إلى جمهور العلماء ومال إليه بعض الشافعية وذكره ابن حجر وابن عاشور احتمالاً.
قال ابن عطية : والمشهور أن نازلة هلال قبل . ( )
وحجتهم ما يلي:
1 - لما روى البخاري عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ، ومسلم عن هشام عن ابن سيرين
عن أنس.
2 - أن المقذوف في قصة هلال قد سمي بخلاف قصة عويمر.
3 - لما روي مسلم في قصة هلال «وكان أول رجل لاعنَ في الإسلام».
4 - أنه جاء في قصة هلال «فنزل جبريل».
القول الثالث: أن تكون الآية أُنزلت على النبي ﷺ مرتين.
ذكر هذا أبو العباس القرطبي احتمالاً.
وليس لصاحب هذا القول حجة إلا الخوف من توهم الرواة .
القول الرابع: أن تكون القصتان وقعتا في وقت واحد أو متقارب فسألا فنزلت الآية فيهما معاً.
ذكره ابن الصباغ والنووي والقرطبي احتمالا، واختاره ابن حجر وابن عاشور والشوكاني، والألوسي، ورجحه الزرقاني، وأبو شهبة ، ابن عثيمين، ومناع القطان، ومقبل بن هادي، ومصطفي العدوي، ومحمد بكر إسماعيل. ( )
والحجة فيه: اختلاف السياقين وخلو أحدهما مما وقع في الآخر، وما وقع بين القصتين من المغايرة.
وقد تكرر كلام ابن حجر في عدة مواضع من الفتح فقال مرة: (ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول).
وقال أيضاً: (ويحتمل أن النزول سبق بسب هلال، فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي ﷺ بالحكم، ولهذا قال في قصة هلال (فنزل جبريل) وفي قصة عويمر (قد أنزل اللَّه فيك) فيؤول قوله قد أنزل اللَّه فيك أي وفيمن كان مثلك).
وقال مرة: (ولا مانع أن يروي ابن عباس القصتين معًا، ويؤيد التعدد اختلاف السياقين وخلو أحدهما عما وقع في الآخر، وما وقع بين القصتين من المغايرة) اهـ.
وقال أيضاً: (وقد قدمت اختلاف أهل العلم في الراجح من ذلك وبينت كيفية الجمع بينهما بأن يكون هلال سأل أولاً، ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معا، وظهر لي الآن احتمال أن يكون عاصم سأل قبل النزول ثم جاء هلال بعده فنزلت عند سؤاله فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها: (إن الذي سألك عنه قد ابتليت به) فوجد الآية نزلت في شأن هلال فأعلمه ﷺ بأنها نزلت فيه، يعني أنها نزلت في كل من وقع له ذلك لأن ذلك لا يختص بهلال) اهـ. وقال أيضاً: (ولا يمتنع أن يتهم شريك بن سحماء بالمرأتين معاً) اهـ
المناقشة والترجيح:
أما القولين الأول والثاني فقد سلك أصحابهما مذهب الترجيح بين الروايات، وأما القولين الثالث والرابع فقد سلك أصحابهما مذهب الجمع بين الروايات.
ومن المعلوم أن المقرر عند الأصوليين أنه إذا صح النصان وأمكن الجمع فهو أولى من الترجيح إذ العمل بهما أولى من طرح أحدهما.
وبالنظر إلى أسانيد القصتين تبين لنا أن كلا القصتين قد وردت بأسانيد صحيحة، كما أن كلاهما وردت من عدة طرق نوردها كالتالي :
• أسانيد الرويات في قصة هلال بن أمية :
البخاري وغيره: بأسانيدهم، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ....
أحمد وغيره: بأسانيدهم، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ...
أحمد وغيره: بأسانيدهم، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، .
ابن أبي حاتم وغيره: عن شيوخهم قالوا ، حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ....
مسلم وغيره: بأسانيدهم ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، ....
• أسانيد الروايات في قصة عويمر :
مسلم وغيره: بأسانيدهم، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ....
البخاري وغيره: بأسانيدهم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، ....
البخاري وغيره: بأسانيدهم، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، ....
أحمد وغيره: بأسانيدهم، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، ....
البخاري وغيره: بأسانيدهم، عن ابْنُ جُرَيْجٍ، وفُلَيْحٌ، وابْنُ عُيَيْنَةَ، كلهم عن الزُّهْرِيُّ، ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، ....
وأبو داود وأحمد وغيرهما: بأسانيدهم، عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، ....
فمن هذه الأسانيد يتبين أن كلا الروايتين صحيحتين، وما زعمه أصحاب القول الأول من أن هشام قد وهم قد أجاب عنه الحافظ ابن حجر في الفتح ( 8/450 ) قال: وأما قول ابن العربي إن ذكر هلال دار على هشام بن حسان وكذا جزم عياض بأنه لم يقله غيره فمردود لأن هشام بن حسان لم ينفرد به فقد وافقه عباد بن منصور كما قدمته وكذا جرير بن حازم عن أيوب أخرجه الطبري وبن مردويه موصولا قال: لما قذف هلال بن أمية امرأته.اهـ
قلت: وهذا قد اتضح من سرد الأسانيد.
11 - وقد وقفت على شاهد لجزء من هذه القصة عند مسلم ( 1498 ): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «نَعَمْ»، قَالَ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ، إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي». وهو عند أبي داود، وأحمد، وغيرهما .
12 - وعند البخاري ( 7416 ) ومسلم ( 1499 ): حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللهُ الْمُرْسَلِينَ، مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الْجَنَّةَ».
فهذا والذي قبله يشهد لصدر قصة هلال، فتبين بذلك أنهما واقعتان، هذا من ناحية الأسانيد.
أما من ناحية المتون ففيها اختلاف في سياقهما نبينه على النحو التالي:
1 – اسم القاذف: في الأولى هلال بن أمية، وفي الثانية عويمر العجلاني.
2 – الذي رد على النبي ﷺ: في الأولى سعد بن عبادة، وفي الثانية عاصم بن عدي .
3 – سبب الواقعة: في الأولى ذكر نزول آية حد القذف، في الثانية لم يذكر.
4 – في الأولى تعرض هلال لحد القذف حيث قال النبي ﷺ: «البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ»، في الثانية لم يتعرض عويمر للحد حيث أجابه النبي ﷺ عقب قدومه إليه وفي ذلك دلالة على أن واقعة هلال أولاً، وأن عويمر جاء النبي ﷺ بعد نزول الآية.
5 – الحبل: في الأولي لم تذكر الرواية أنه امرأة هلال كانت حبلى، في الثانية ذكرت الروايات أن امرأة عويمر حبلى في شهرين أو أكثر.
6 – الدعاء: في الأولى أن هلال هو الذي رجى من الله البيان، وفي الثانية أن النبي ﷺ هو الذي سأل الله البيان.
7 – قول النبي ﷺ في امرأة هلال «لَوْلاَ مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ».، ولم يقل ذلك في امرأة عويمر.
كل ذلك دليل على اختلاف الواقعتين .
كما أن هناك اختلاف في بعض أوصاف القاذفين: في الأولى قال: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ، أُرَيْسِحَ، حَمْشَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِهِلَالٍ» «أَبْيَضَ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ»، وفي الثانية: «وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلاَ أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا».
توضيح وصف هلال:
أصيهب: أي أشقر وهو الذي يخالط بياضه حمرة.[ جامع الأصول لابن الأثير 10/721 ]
أريسح: هو خفيف لحم الفخذين. [ فتح الغفار 3/1539 ].
حمش الساقين: أي دَقِيقُهُمَا.[ النهاية لابن الأثير 1/440 ].
سبطاً: أي مسترسل الشعر سهل ليس فيه تكسر . [ شرح النووي على مسلم 2/227 ].
قضيء العينين: أي فاسد العينين بكثرة دمع أو حمرة أو غير. [ حاشية السندي على النسائي 6/172 ].
توضيح وصف عويمر :
أحيمر: أي أبيض اللون. [ فتح الباري 9/453 ].
الوحرة: دويبة تلزق بالأرض كالغطاءة، شبهه بها لقصره وحمرتها. [ شرح البخاري لابن الملقن 23/29 ].
يزيد ذلك وضوحاً الرواية عن أنس في هلال قال: «وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ». فدل على أنه كان أكثر من واقعة وخصوصاً أن أنس من الأنصار فهو أعلم بهم من غيره، يقوي ذلك أن الذي رميت به المرأة كان أخ البراء بن مالك لأمه، والبراء أخى أنس لأبيه. كما أن أنس كان يخدم النبي ﷺ فهو أقرب منه من غيره، وقد يكون شاهد الواقعتين .
بهذا يكون قد تبين لنا من خلال الأسانيد والمتون أنهما واقعتان.
أما ما ذهب إليه الفريق الثاني فدليله إلى جانب قول أنس أن أول من لاعن هو هلال، فقد ذكر بعض أصحاب السير والتوايخ أن واقعة عويمر كانت بعد غزوت تبوك – كما سيأتي تحقيقه وبيان خطأ ذلك -، فلعل هذا الذي دفعهم إلى القول أن قضية هلال هي سبب النزول.
ثالثاً: تحقيق سنة النزول، وسرد أحداث اللعان بحسب ما ترجح لدينا.
مما سبق تبين حدوث واقعتين أحدهما للصحابي هلال بن أمية، والأخرى لعويمر، وتبين لنا من خلال سياق الروايات في قصة هلال أنه لما نزلت آية حد القذف قال سعد بن عبادة ما قال ووقع لهلال ما وقع، على إثر ذلك نزلت آية اللعان.
وبتتبع أحداث السيرة النبوية وجد علاقة كبيرة بين حد القذف وحادثة الإفك، إذ أن النبي ﷺ أقام حد القذف على حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنه بنت جحش، رضى الله عن الجميع، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ النَّبِيُّ ﷺ، عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا، فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ أَمْرَ بِالرَّجُلَيْنِ ، وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ» أخرجه أصحاب السنن وحسنه الألباني والأرنؤوط .
وكان ذلك عقب رجوع النبي ﷺ من غزوة بني المصطلق حيث ذكر أصحاب السير أن النبي ﷺ غزا بني المصطلق وخرج إليهم يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة ست أو
خمس على خلاف بين المؤرخين( ) ورجع في نفس الشهر قبيل هلال رمضان.( )
تقول عائشة فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما: «وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ». ثم أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآيَاتِ، تقول عائشة رضى الله عنها: فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا}.
فأنت ترى أن آيات سورة النور متتابعة ومرتبة حسب أسباب النزول.
وبتتبع قصة عويمر العجلاني من خلال كتب التاريخ والسيرة تبين لي أن كثيرا من أصحاب التاريخ والسيرة أرخو لهذه الواقعة في شعبان سنة تسعة عقب قدومه ﷺ من تبوك، وإليك بعض أقوالهم:
ذكر ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ( 3/1226 ) وعزاه للطبري ولم أجده عنده، قال: لاعن رَسُول اللَّهِ ﷺ بينهما، وذلك فِي شعبان سنة تسعٍ من الهجرة، وَكَانَ قدم تبوك فوجدها حبلى، ثُمَّ قَالَ بعد ذَلِكَ: وعاش ذَلِكَ المولود سنتين ثُمَّ مات، وعاشت أمّه بعده يسيرا .
وذكره ابن سيد الناس في عيون الأثر ( 2/354 )، وابن جماعة في المختصر الكبير ( 1/67 – 68 )، وابن برهان في السيرة ( 3/207 )، والزرقاني في شرح المواهب ( 4/112 )،
الرحيق المختوم ( 1/403 )، شرح الخلاصة البهية ( 1/ 563 ).
والعجب أنه بتتع أحداث السيرة وجدت أن هؤلاء أنفسهم نقلوا كما نقل غيرهم من أهل السير والتاريخ أن قدوم النبي ﷺ من تبوك كان في رمضان سنة تسع، وإليك بيان ذلك:
ذكر ذلك ابن هشام في السيرة ( 2/537 ) قال: قال ابن إسحاق: وقدم رسول الله ﷺ المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف.
وذكره أيضاً ابن سعد في الطبقات ( 2/126 )، والطبري في التاريخ ( 3/111 )، ابن حزم في جوامع السيرة ( 1/203 )، البيهقي في الدلائل ( 5/293 )، السهيلي في الروض ( 7/412 )، ابن الجوزي في المنتظم ( 3/365 )، ابن الأثير في الكامل ( 2/150 )، ابن سيد الناس في عيون الأثر ( 2/281 )، ابن كثير في البداية والنهاية ( 5/35 )، ابن خلدون في التاريخ ( 2/469 )، ابن برهان في السيرة ( 3/302 )، الزرقاني في شرح الواهب ( 5/121 )، الرحيق المختوم ( 1/401 ).
فظهر لي من ذلك احتمالين، الأول: أن تكون واقعة هلال كانت عقب غزوة بني المصطلق سنة ست، وواقعة عويمر عقب عزوة تبوك سنة تسع، وهذا بعيد جداً ترفضه الروايات الصحيحة في قضية عويمر إذ أنه سأل عن الحكم وسأل له عاصم بن عدي وما بين الغزوتين ثلاثة سنوات يستحيل اختفاء الحكم فيها عليهما.
الاحتمال الثاني: وهو الراجح عندي أن يكون وقع عند ابن عبد البر تصحيف سنة ست بتسع فتبعه من ذكرنا من أهل السير، يرجح ذلك أن قدوم النبي من بني المصطلق كان في شعبان سنة ست.
وزاد هذا الاحتمال عندي أني لم أجد ذكر هذه الواقعة في أحداث السنة التاسعة عند أحد من المتقدمين كالواقدي وابن هشام وخليفة بن خياط والطبري وابن سعد وغيرهم من المحققين كابن حزم والبيهقي والذهبي وابن كثير وابن خلدون، غير ابن حبان البستي في السيرة ( 1/367 )، قال: ثم لا عن رسول الله ﷺ بين عويمر بن الحارث بن عجلان وهو الذي يقال له عاصم وبين امرأته بعد العصر في مسجد في شعبان. اهـ
ولم يذكر مستند التاريخ ثم إن كلامه فيه نكارة فعويمر غير عاصم كما ثبت ذلك بالروايات الصحيحة المتقدمة.
من خلال ما سبق من البحث ترجح لنا الآتي:
1 - أن الوارد في سبب نزول آية اللعان قضيتان أحدها: في هلال بن أمية الواقفي، والثانية: في عويمر بن أبيض العجلاني .
2 – أن المتهم في الواقعتين واحد وهو شريك بن سحماء لصحة الروايات بذلك واتحاد الوصف عليه في الواقعتين .
3 – أن القضيتان وقعتا عقب قدوم النبي ﷺ من بني المصطلق قبل نزول براءة أم المؤمنين عائشة في حادثة الإفك، وأنهما قريبتين جداً.
4 – أنه لا يصح إدراج قضية الملاعنة في أحداث السنة التاسعة .
5 – أن قضية هلال وقعت قبل عويمر كما صح النقل بذلك .
6 – كما تبين لي من خلال البحث اتفاق واختلاف في أسماء المرأتين، فزوجة هلال هي خولة بنت عاصم ، وزوجة عويمر هي خولة بنت قيس .
7 – تبين لي من خلال البحث أن لهلال بن أمية زوجتين غير خولة، وهن الفريعة بنت مالك بن الدخشم، ومليكة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات. ( )
8 – تبين لنا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون قضية هلال عقب تبوك ، ذلك أنه لم يذكر ذلك أحد من المؤرخين، وعلى احتمال أن ذكر عويمر خطأ في الاسم فلا يصح أيضاً إذ كل من أرخ لهذه القضية عقب تبوك ذكرها في شعبان وقد تقدم تحرير الخطأ في ذلك، وعلى فرض صحته فلا ينطبق على هلال لأن زوجته أتت النبي بعد أربعين يوماً تسأله خدمته، فتكون الواقعة بذلك في آخر شوال على فرض رجوع النبي في شعبان، وعلى فرض رجوع النبي في رمضان تكون الواقعة في ذي القعدة، وهذا لم يقوله أحد من المؤرخين أو أهل العلم، فتبين لنا وبجلاء استحالة وقوع ذلك لهلال في سنة تسع .
9 – اتضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن زوجت هلال التي أتت النبي ﷺ تستأذنه في خدمة زوجها، غير زوجته التي لاعنها .
ملحوظة: ذكر الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث كعب في التخلف أن اسم زوجت هلال هي خولة بنت عاصم حيث قال ( 8/121 ط/المعرفة): فجاءت امرأة هلال: هي خولة بنت عاصم.اهـ
وهذا خطأ منه رحمه الله تعالى إذا أنه ذكر في ( 1/314 ) قال: واسم امرأة عويمر التي لاعنها خولة بنت قيس ذكره مقاتل وفي رواية لسهل أبهم الرجل والمرأة وقد عين الرجل قبل وكذا في رواية بن عمر أبهمها وهما هذان وأما ما في رواية بن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته فاسمها خولة بنت عاصم والمرمي بها هو شريك بن سحماء بخلاف الأول.اهـ
10 – قال ابن حجر في الفتح ( 9/448 ): ذكر بن الكلبي أن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور وأن اسمها خولة وقال بن منده في كتاب الصحابة خولة بنت عاصم التي قذفها زوجها فلاعن النبي ﷺ بينهما لها ذكر ولا تعرف لها رواية وتبعه أبو نعيم ولم يذكرا سلفهما في ذلك وكأنه بن الكلبي وذكر مقاتل بن سليمان فيما حكاه القرطبي أنها خوله بنت قيس وذكر بن مردويه أنها بنت أخي عاصم فأخرج من طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عاصم بن عدي لما نزلت والذين يرمون المحصنات قال يا رسول الله أين لأحدنا أربعة شهداء فابتلي به في بنت أخيه وفي سنده مع إرساله ضعف واخرج بن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حيان قال لما سأل عاصم عن ذلك ابتلى به في أهل بيته فأتاه بن عمه تحته ابنة عمه رماها بابن عمه المرأة والزوج والحليل ثلاثتهم بنو عم عاصم وعن بن مردوية في مرسل بن أبي ليلى المذكور أن الرجل الذي رمى عويمر امرأته به هو شريك بن سحماء وهو يشهد لصحة هذه الرواية لأنه بن عم عويمر كما بينت نسبه في الباب الماضي وكذا في مرسل مقاتل بن حيان عند أبي حاتم فقال الزوج لعاصم يا بن عم أقسم بالله لقد رأيت شريك بن سحماء على بطنها وإنها لحبلى وما قربتها منذ أربعة أشهر وفي حديث عبد الله بن جعفر عند الدارقطني لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته فأنكر حملها الذي في بطنها وقال هو لابن سحماء ولا يمتنع أن يتهم شريك بن سحماء بالمرأتين معا .اهـ
فوقع عندي من هذا السياق احتمال أن تكون زوجة هلال هي خولة بنت عاصم بن عدي، وأنها بنت عم خولة بنت قيس زوجة عويمر، وأن المرأتين اتهمتا في ابن عمهما شريك بن سمحاء، وأنه ثم علاقة بين هذه الواقعة وقول النبي ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ»( ).
إلا أنني بتتع اسم خولة بنت عاصم في كتب التراجم والطبقات لم أقف على نسبها، ولم تذكر في أبناء عاصم . - والعلم عند الله -، أما خولة بنت قيس امرأة عويمر فقد ذكر في رواية مقاتل – كما ستأتي – أنها بنت قيس بن محصن وهو بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق ، وبنو عامر بن زريق أبناء عمومة بني عجلان، إذ الجميع يعود نسبهم إلى جشم بن الخزرج كما ذكره أهل الأنساب .
[ انظر: نسب معد واليمن 1/422، جمهرة أنساب العرب 1/358، الأنساب للسمعاني 10/54 ].
استدرك وتعقب :
وقفت للحافظ ابن حجر في الفتح (9| 447 ) على سياق رجح فيه أن الواقعة كانت سنة عشر قبل وفاة النبي ﷺ، فقال رحمه الله: قال سهل بن سعد شهدت المتلاعنين وأنا بن خمس عشرة سنة ووقع في نسخة أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سهل بن سعد قال توفي رسول الله ﷺ وأنا بن خمس عشرة سنة فهذا يدل على أن قصة اللعان كانت في السنة الأخيرة من زمان النبي ﷺ لكن جزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان بأن اللعان كان في شعبان سنة تسع وجزم به غير واحد من المتأخرين ووقع في حديث عبد الله بن جعفر عند الدارقطني أن قصة اللعان كانت بمنصرف النبي ﷺ من تبوك وهو قريب من قول الطبري ومن وافقه لكن في إسناده الواقدي فلا بد من تأويل أحد القولين فإن أمكن وإلا فطريق شعيب أصح ومما يوهن رواية الواقدي ما اتفق عليه أهل السير أن التوجه إلى تبوك كان في رجب وما ثبت في الصحيحين أن هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وفي قصته أن امرأته استأذنت له النبي ﷺ أن تخدمه فأذن لها بشرط أن لا يقربها فقالت إنه لا حراك به وفيه أن ذلك كان بعد أن مضى لهم أربعون يوما فكيف تقع قصة اللعان في الشهر الذي انصرفوا فيه من تبوك ويقع لهلال مع كونه فيما ذكر من الشغل بنفسه وهجران الناس له وغير ذلك وقد ثبت في حديث بن عباس أن آية اللعان نزلت في حقه وكذا عند مسلم من حديث أنس أنه أول من لاعن في الإسلام ووقع في رواية عباد بن منصور في حديث بن عباس عند أبي داود وأحمد حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فوجد عند أهله رجلا الحديث فهذا يدل على أن قصة اللعان تأخرت عن قصة تبوك والذي يظهر أن القصة كانت متأخرة ولعلها كانت في شعبان سنة عشر لا تسع وكانت الوفاة النبوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة باتفاق فيلتثم حينئذ مع حديث سهل بن سعد .اهـ
قلت : مدار ترجيح الحافظ ابن حجر على ما ورد عن سهل بن سعد وعمره عند وفاة النبي ﷺ . وهذا الترجيح هو الذي أوقع الحافظ رحمه الله في الخطأ السابق من أن الملاعنة هي خولة بنت عاصم زوجة هلال .
وفي تحقيق ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر – رحمه الله – نقول سهل هو : سَهْلُ بْنُ سعد بن مالك، أبو العباس الساعدي .
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: «اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، إِلا مَا ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبُخَارِيُّ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثمانٍ وَثَمَانِينَ».ا ـ [ تاريخ الإسلام 2/1112 ط/دار الغرب ].
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «اختلف في وقت وفاة سهل بن سعد. فقيل: توفي سنة ثمان وثمانين وهو ابن ست وتسعين سنة. وقيل: توفي سنة إحدى وتسعين، وقد بلغ مائة سنة»اهـ.
[ انظر : الاستيعاب لابن عبد البر 2/665 ط/دار الجيل، وتهذيب الكمال للمزي 12/18 ط/الرسالة ، أسد الغابة لابن الأثير 2/575 ، الوافي بالوفيات للصفدي 16/9 ، الإصابة الابن حجر 3/167 ].
وأما ما أورده الحافظ من قول َعنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:«شَهِدْتُ المُتَلاَعِنَيْ نِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ...». أخرجه البخاري ، من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري ... به. وأبي داود، من حديث يونس، عن الزهري ... به.
وأما ما ورد من أن سن سهل كان عمره خمسة عشر حين مات النبي ﷺ فجاء بعدة ألفاظ عن الزهري، نورها كالتالي:
ابْنَ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، وَقَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً .
مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ، قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وَسَمِعَ مِنْهُ .
أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ ، وَكَانَ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، حِينَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ .
وليس في هذه الروايات تصريح بأنه القائل سهل ، فقوله : وقد أدرك ...، وكان قد بلغ ...، وكان قد رأى .... الظاهر أنه من قول الزهري ، إلا رواية أبو اليمان ، وفيها قوله : وذكر أنه ... فالظاهر في هذه الرواية أن سهل ذكر ذلك، وذكره الباجي في الجرح والتعديل ( 3/1123 ) وفيه : وَزعم أَنه بن خمس عشرَة سنة ...
قلت : أبو اليمان ثقة ثبت إلا أنه قد تكلم بعض أهل العلم في رواية عن شعيب، فقال أبو زرعة وغيره: لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثاً واحدا، والباقي إجازة. وقد احتج به البخاري ومسلم على احتمال أن روايته عن شعيب إجازة .
وقد خالف غيره من الثقات في هذه الرواية، ففي القلب من هذه المخالفة شيء، إلى جانب أن سماع الزهري من سهل كان في آخر حياة سهل حيث أن العلماء اختلفوا في سماعه منه، فلعل سهل قد نسي السن عند وفاة النبي ﷺ أو قال بالتقريب .
وذلك أن المؤرخين اتفقوا على أن وفاة سهل كانت ما بين سنة 88 هـ أو 91 هـ ، وأنه على الأول كان عمره عند الوفاة 96 سنة، وعلى الثاني كان 100 سنة، فإذا طرحنا 88 من 96 يكون المتبقي 8 أضف إليها 10 سنوات من الهجرة إلى وفاة النبي ﷺ يكون سن سهل 18 سنة حين وفاة النبي ﷺ، وعلى التقدير الثاني : سن سهل 19 سنة .
والعجيب من ابن حجر – رحمه الله -: أنه نسب هذا القول للزهري بينما في الإصابة ترجم لسهل رضي الله عنه ( 3/167 ) ، وأكد ما نقله المؤرخين أنه مات سنة 91 عن 100 سنة، فقال: «قال الزّهريّ: مات النبيّ ﷺ وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصّحابة، مات سنة إحدى وتسعين. وقيل قبل ذلك. قال الواقديّ: عاش مائة سنة، وكذا قال أبو حاتم، وزاد أو أكثر، وقيل ستا وتسعين»اهـ.
ومما يؤكد ما نقله المؤرخين، وما رجحناه، ما أخرجه البخاري ( 4098 ) ومسلم ( 1804 ):
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الخَنْدَقِ، وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافنَا، ... الحديث .
والنبي ﷺ لم يجيز إلا ابن خمس عشرة سنة كما عند البخاري ومسلم من حديث ابن عمر، فإن النبي ﷺ لم يجيزه في أحد وكان عمره أربعة عشر سنة، وأجازه في الخندق وكان ابن خمس عشرة سنة.
وكانت الخندق في شوال سنة خمس على الصحيح .
ثم إن سهل شهد خيبر وكانت في المحرم سنة سبع .
فعند البخاري ( 2942 )، ومسلم ( 2406 ): عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ، يَقُولُ: يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ».
فصح بذلك سماع سهل من النبي ﷺ في خيبر، فهذا والذي قبله يدل على أن ما ذهب إليه أصحاب التاريخ والسير من أن سن سهل حين وفاة النبي ﷺ ما بين ثمان عشرة سنة إلى تسعة عشر سنة ، هو الصحيح.والله تعالى أعلم
وبناء على ما تقدم فإن كان سن سهل في الخندق خمسة عشر سنة، وكانت في شوال من سنة خمس، وشهد خيبر وكانت في المحرم سنة سبع، فيكون ما بين الغزوتين سنة وشهرين وبضعة أيام .
وإذا تقرر لدينا أن اللعان كان عقب غزوة بنى المصطلق وكانت في شعبان سنة ست، فيكون سن سهل عند اللعان خمس عشرة سنة وبضعة أشهر، فتلتئم بذلك الأخبار.
وعلى افتراض أن سهل شهد الحفر في الخندق ولم يشهد الواقعة، وأنه شهد المتلاعنين وعمره خمسة عشر، وأن اللعان في شعبان سنة ست فيكون سن سهل في غزوة خيبر خمس عشرة سنة وأربعة أشهر .
والذي دفع الحافظ ابن حجر لهذا الترجيح هو قول ابن عباس فيما أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما قال: «حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فوجد عند أهله رجلا ... الحديث». وما قرره المؤرخون من أن اللعان كان في شعبان سنة تسع .
وغفل - رحمه الله - عن أن الذي ذكره المؤرخون هو عويمر، وليس لهلال ذكر عند المأرخين .
كما أنه غفل عن مقدمة حديث ابن عباس الذي استشهد به، وفيه : لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ... الحديث.
فهذا يدل على أن واقعة لعان هلال كانت متعلقة بآية حد القذف، يزيد ذلك قول ابن عباس: « فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا، حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ ... الحديث ».
فقوله : فما لبثوا إلا يسيرا يشير إلى أن الواقعة قريبة من نزول آية حد القذف، وقد جلد النبي ﷺ أصحاب الإفك كما صح عند أصحاب السنن .
13 - يشهد لذلك ما أخرجه الطبراني في الأوسط ( 2797 ): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا، أَنْتَظِرُ حَتَّى أَجِيءَ بِأَرْبَعَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ» قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، وَلَوْ رَأَيْتُهُ لَعَاجَلْتُهُ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: «انْظُرُوا يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ، إِنَّ سَعْدًا لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَغْيَرُ مِنِّي».
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح، قلت : وشاهده عند البخاري ومسلم وقد تقدم.
فهذا يشهد لما ذهبنا إليه من أن أمر اللعان متعلق بنزول آية حد القذف، وأن ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر من أنه سنة عشر من الهجرة ضعيف جداً كما تقدم تحقيقه.
14 - ويشهد بأن الواقعتين قريبتين جداً، ما أخرجه ابن أبي حاتم موصولاً في التفسير( 14161 ): عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَى أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، قَدْ خَرَجَ الرَّجُلُ، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا أَيَّامًا، فَإِذَا ابْنُ عَمٍّ لِي مَعَهُ امْرَأَتُهُ، مَعَهَا ابْنٌ وَهِيَ تَقُولُ: مِنْكَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَيْسَ مِنِّي، فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ، قَالَ عَاصِمٌ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ، وَأَوَّلُ مَنِ ابْتُلِيَ بِهِ ». وهذا إسناده حسن .
15 - وأخرجه الطبري في التفسير مرسلاً ( 17/185 ط/ هجر ): عَنْ عَامِرٍ – أي الشعبي -، قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ: إِنْ أَنَا رَأَيْتُ فَتَكَلَّمْتُ جُلِدْتُ ثَمَانِينَ، وَإِنْ أَنَا سَكَتُّ سَكَتُّ عَلَى الْغَيْظِ قَالَ: فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] قَالَ: فَمَا لَبِثُوا إِلَّا جُمُعَةً، حَتَّى كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمَا. ورجاله ثقات.
قلت: فهذه الرواية تأكد ما قررناه ، ففي رواية ابن عباس، قال : « فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا، ...»، وفي هذه الرواية قال عاصم: «فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا أَيَّامًا، ...»، وذكر عامر الشعبي في مرسله : «فَمَا لَبِثُوا إِلَّا جُمُعَةً، ...».
فهذا يجعل عندنا قوة احتمال أن واقعة هلال كانت قبل واقعة عويمر بجمعة، يؤكد ذلك رواية ابن مسعود عند مسلم:« إِنَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْمَسْجِدِ، ...».
16 – يزيد ذلك وضوحاً ما ذكر مقاتل في تفسيره ( 5/144 ط/إحياء التراث)، والثعلبي في تفسير ( 7/70 )، قال: قال ابن عباس في سائر الروايات ومقاتل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} الآية، قرأها النبي ﷺ يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدي الأنصاري فقال: جعلني الله فداك إن رأى رجل منّا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين وسمّاه المسلمون فاسقا ولا تقبل شهادته أبدا، فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل قد فرغ من حاجته ومرّ؟ وكان لعاصم هذا ابن عم له يقال له عويمر وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس بن محصن فأتى عويمر عاصما فقال: لقد رأيت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة، فاسترجع عاصم وأتى رسول الله ﷺ في الجمعة الأخرى فقال: يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذي سألت في الجمعة الماضية في أهل بيتي! فقال رسول الله ﷺ: وما ذاك؟ قال: أخبرني عويمر ابن عمّي أنه رأى شريك ابن السحماء على بطن امرأته خولة، وكان عويمر وخولة شريك كلّهم بني عم عاصم، فدعا رسول الله ﷺ بهم جميعا فقال لعويمر: «اتق الله في زوجتك وخليلتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان»، فقال: يا رسول الله أقسم بالله إني رأيت شريكا على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإنها حبلى من غيري.
فقال رسول الله ﷺ للمرأة: «اتقي الله ولا تخبري إلّا بما صنعت» ، فقالت: يا رسول الله إنّ عويمرا رجل غيور، وإنه رآني وشريكا نطيل السمر ونتحدث فحملته الغيرة على ما قال.
فقال رسول الله ﷺ لشريك: «ما تقول» ؟ قال: ما تقوله المرأة، فأنزل الله سبحانه : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} الآية، فأمر رسول الله ﷺ حتى نودي: الصلاة جامعة، فصلّى العصر ثمّ قال لعويمر: قم فقام فقال: أشهد بالله إنّ خولة لزانية وإنّي لمن الصادقين، ثمّ قال في الرابعة: أشهد بالله إنّي ما قربتها منذ أربعة أشهر وإنّي لمن الصادقين ثمّ قال في الخامسة: لعنة الله على عويمر- يعني نفسه- إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ فيما قال.
وعند الواحدي في تفسيره ( 3/306 ) بسند ضعيف جداً: عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآيَةَ، قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ وَجَدْتُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي رَجُلا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا زَانِيَةُ، أَتَجْلِدُنِي بِمِائَتَيْ جَلْدَةٍ إِلَى أَنْ آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، قَدْ قَضَى الرَّجُلُ مِنْهَا حَاجَتَهُ، ثُمَّ مَضَى؟ ! قَالَ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ يَا عَاصِمُ بْنَ عَدِيٍّ»، ... فذكر الحديث .
والبيهقي في السنن ( 15351 ): عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الْآيَةَ قَالَ: فَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فَذَكَرَ قِصَّةَ سُؤَالِهِ فِي رَجُلٍ يَرَى رَجُلًا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِهِ يَزْنِي بِهَا ... الحديث».
وهذا والذي قبله ذكروا أن هلال ابن عم عاصم، وهو خطأ لمخالفته ما في الصحيح وضعف رواته، كما ذكره ابن حجر في الفتح .
ورواية عامر الشعبي تدل على أن الآية نزلت قبل مجيء عويمر إلى النبي ﷺ ، حيث قال : فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] قَالَ: فَمَا لَبِثُوا إِلَّا جُمُعَةً، حَتَّى كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ – أي من قوم عاصم - وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمَا .
ففيها أن واقعة عويمر كانت بعد نزول الآية بجمعة، فاتضح بذلك أن الآية نزلت في هلال ثم جاء عويمر بعدها، فقال النبي ﷺ : «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ القُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ»، ويؤكد ذلك رواية أنس : «إِنَّ أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ، ... ».
مما سبق يتأكد ما ذهبنا إليه من أنهما واقعتين، وأن سبب الابتلاء ما قاله سعد بن عبادة، وعاصم بن عدي، حين تلا النبي ﷺ آية حد القذف، فوقع ما ابتلى به هلال، وعويمر من قضية اللعان، وأن ما بين نزول آية حد القذف وآية الملاعنة قد يسير لا يتجاوز الجمعة.
وأنه لا يمكن بحال أن يكون اللعان قد وقع بعد جلد من جاء بالإفك إذ أن النبي ﷺ جلد من قذف السيدة عائشة - رضي الله عنها - كما ثبت ذلك في الصحيح عقب رجوعه من بتى المصطلق بأكثر من شهر .
وقد تقدم تحقيق التواريخ في ذلك، فلله الحمد والمنة.
سياق آيات سورة النور :
قال الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات ُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِي نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾.
سرد أحداث اللعان بحسب ما ترجح لنا( ) :-
لما رجع النبي ﷺ من عزوة بني المصطلق - وكانت في شعبان سنة ست - وتكلم من تكلم في عائشة رضى الله عنها، وتحدثوا بالإفك ، «وَقَدْ لَبِثَ ﷺ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ ».ثم أنزل الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4](1)(13)(14)(16) قرأها النبي ﷺ يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدي الأنصاري فقال: جعلني الله فداك إن رأى رجل منّا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين وسمّاه المسلمون فاسقا ولا تقبل شهادته أبدا، فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل قد فرغ من حاجته ومرّ؟ (16) ثُمَّ انْصَرَفَ(9) – و - قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟(1) لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ، (12) – أو قال-: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، وَلَوْ رَأَيْتُهُ لَعَاجَلْتُهُ بِالسَّيْفِ، (13) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَلُمْهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إِلَّا بِكْرًا، وَمَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ، فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ،(1) فَقَالَ ﷺ: « إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي»(11) - أو قال -: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ»(12) فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ وَلَكِنِّي قَدْ تَعَجَّبْتُ أَنِّي لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعًا قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أَهِيجَهُ وَلَا أُحَرِّكَهُ، حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَوَاللَّهِ لَا آتِي بِهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ، (1)قَالَ: فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا، حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عِشَاءً، فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَرَأَى بِعَيْنَيْهِ، وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ، فَلَمْ يَهِجْهُ، حَتَّى أَصْبَحَ، فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ،(1). قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ،(3) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي عِشَاءً، فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا رَجُلًا، فَرَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ، وَسَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا جَاءَ بِهِ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ،(1) فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «البَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ»(2). يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِرَارًا،(4) وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: قَدِ ابْتُلِينَا بِمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، الْآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِي مِنْهَا مَخْرَجًا، فَقَالَ هِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَرَى مَا اشْتَدَّ عَلَيْكَ مِمَّا جِئْتُ بِهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ،(1) وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْجَلْدِ،(4).
– ولما - قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ،(9) – قال عاصم -: فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا أَيَّامًا، فَإِذَا ابْنُ عَمٍّ لِي مَعَهُ امْرَأَتُهُ،(14) يقال لها خولة بنت قيس بن محصن (16) فَأَتَاهُ عُوَيْمِرًا، وَكَانَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ سَيِّدَ بَنِي عَجْلاَنَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ،(5) فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي،(9) فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ،(6). فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ، جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ، قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ، سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ،( ) فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ،(6). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ، اللَّهُمَّ بَيِّنْ»(10)- أو قال -: «اللهُمَّ افْتَحْ وَجَعَلَ يَدْعُو»( ). – وكان ذلك قبل أن يقضى في هلال -
فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ بِضَرْبِهِ – أي هلال - إِذْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ عَرَفُوا ذَلِكَ فِي تَرَبُّدِ جِلْدِهِ يَعْنِي، فَأَمْسَكُوا عَنْهُ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الوَحْيِ، فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] الْآيَةَ كُلَّها، فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَبْشِرْ يَا هِلَالُ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» فَقَالَ هِلَالٌ: قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَاكَ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَرْسِلُوا إِلَيْهَا» فَأَرْسَلُوا إِلَيْهَا، فَجَاءَتْ، فَتَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِمَا، وَذَكَّرَهُمَا، وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا، فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ صَدَقْتُ عَلَيْهَا، فقالَتْ: كَذَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَاعِنُوا بَيْنَهُمَا» ، فَقِيلَ لِهِلَالٍ: اشْهَدْ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْخَامِسَةِ، قِيلَ: «يَا هِلَالُ، اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكَ الْعَذَابَ» فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا لَمْ يَجْلِدْنِي عَلَيْهَا، فَشَهِدَ فِي الْخَامِسَةِ: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ، ثُمَّ قِيلَ لَهَا: «اشْهَدِي أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ: إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ» فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قِيلَ لَهَا: «اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكِ الْعَذَابَ»، فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي، فَشَهِدَتْ فِي الْخَامِسَةِ: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَلَا تُرْمَى هِيَ بِهِ وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَضَى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا، وَقَالَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ، أُرَيْسِحَ، حَمْشَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِهِلَالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا، جُمَالِيًّا، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ ، فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ» فَجَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ، جَعْدًا، جُمَالِيًّا، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ»(1) – أو قال -: «لَوْلَا مَا سَبَقَ فِيهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ»(4).
فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ، جَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَسْطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا»(6) فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمُلاَعَنَة ِ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَلاَعَنَهَا،(5) وَقَالَ: «اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»( )، وَكَانَتْ حُبْلَى، فَقَالَ زَوْجُهَا: وَاللهِ مَا قَرَبْتُهَا مُنْذُ عَفَرْنَا النَّخْلَ، وَالْعَفْرُ: أَنْ يُسْقَى النَّخْلُ بَعْدَ أَنْ يُتْرَكَ مِنَ السَّقْيِ بَعْدَ الْإِبَارِ بِشَهْرَيْنِ، قال: وَكَانَ زَوْجُهَا حَمْشَ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْن ِ، أَصْهَبَ الشَّعَرَةِ، وَكَانَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ ابْنَ السَّحْمَاءِ،(8) قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ(6). فَفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ»( ) ، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي المُتَلاَعِنَيْ نِ، (5) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي؟ قَالَ: «لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَاكَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا»( ).ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ، أَدْعَجَ العَيْنَيْنِ، عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَلاَ أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلاَ أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا»، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ.(5) فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ»؟، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ»(9).
بهذا السياق تلتئم الروايات في سبب نزول آية اللعان وما وقع من خلاف في روايات الصحابة رضوان الله عليهم لهذه الواقعة فكل منهم تحدث بما رأى أو سمع أو حفظ، وليس هناك تضارب أو تعارض لأنه لا يقال أن أحدهم قد شهد الأحداث كلها، إذ أن الظاهر من الروايات أن ذلك حدث على مدار يومين أو ثلاثة.
فأرجو من الله أن أكون قد وفقت في سرد الأحداث وربط الروايات بعضها ببعض.
وفي خاتمة البحث أتوجه إلى الله سبحانه بالشكر على توفيقه، كما أتقدم بالشكر لأخي الحبيب الفاضل /أبو زياد محمود غانم، على مناقشته المثمرة فلولاه ما تطرقنا إلى بحث هذا المسألة، فأسأل الله تعالى أن يجزه خير الجزاء، وأن يكتب له ثواب هذا العمل وزيادة.
كما أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالص لوجهه الكريم ولا يجعل فيه شيء لأحد غيره، وألا يجعل فيه حظاً للنفس أو الشيطان، هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو زلل فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه براء .
وصل اللهم على نبينا الكريم، والحمد لله رب العالمين .
كتبه
الفقير إلى الله / أبو عمار محمد بن عبد الستار