تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: اللسان لَحْلُو يَرْضَعْ اللّبّة.. للشيخ اللغوي و الأديب الأريب محمد بو سلامة الجزائري

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    74

    افتراضي اللسان لَحْلُو يَرْضَعْ اللّبّة.. للشيخ اللغوي و الأديب الأريب محمد بو سلامة الجزائري

    (اللسان لَحْلُو يَرْضَعْ اللّبّة)
    للشيخ اللغوي و الأديب الأريب محمد بو سلامة الجزائري

    إن كل كلام لهج به أهل الأمصار العربية في هذا الزمان هو مأخوذ من كلام العرب إفردا و تركيبا و إنما أسقطوا الإعراب و ابتدؤوا بالساكن، و قد بان لك هذا في مقالة المباني، و تصرفوا في كثير من الكلمات بضروب من الحذف و الاختصار على غير سنن العرب و خذ ما شئت من التراكيب فإنك لا تعدم منها عربية و لقد كنت أذكر هذا في مجالس دروس النحو لطلاب العربة من أهل بلدنا و غيرهم فيعجبون لما أقول فأسألهم أن يرتجلوا ما شاءوا من المفردات و المركبات فتطاير الأمثلة من كلام العامة فما كان منها جليا فهو في غنية عن التبيين ، و ما كان منها مٌحرفا رددته إلى أصله فمن الأول: كنت في الدار و شربت الماء و نحوه كثير، و إنك إذا نطقت بهاتين الجملتين و نحوهما على طريقة أهل الوطن لا تفلي من الفروق بينها و بين النطق العربي إلا شيئا يسيرا، و لولا خشية الإطالة لأوبلت الصحيفة بوابل من الأشباه و النظائر تقنع القراء و تزجر الشك عن صاحب الاستقراء، و من هذا النوع قول حكيمنا: اللسان لحلو يرضع اللبة" فإنك لا تحتاج إلى كثير تغيير إذا نطقت بها على الوجه العربي، و لو ورد هذا عن العرب لما كان فيه ما يستنكر، و لقد ذهبت بنا الفِكَر في مذاهب الخيال حتى أنشدنا الحكمة على ألسنة شعراء العرب و سيأتي هذا في الكتاب، و ما الأدب إلا شيء امتزجت فيه الحقيقة و بالخيال.
    و من أمثلة هذا النوع الثاني و هو ما عراه التحريف قولنا مثلا ( شكون) أصله ( أيش يكون)، و لقد اختلف في عربية كلمة ( أيش) و على كل حال فهي مختصرة من قولهم: أي شيء؟ ز منه قولنا ( تاعي) و (تاعك) أصله ( متاعي) و ( متاعك) و مثل هذا كلمة ( راك) و (راني) و نحوهما مما تقتضيه التصاريف فإن أصلهما (أراني) و ( أراك) تقول: ( راك تكتب) أي أراك تكتب و قل هذا في كل ما تفرع من الضمائر و من هذا النوع ما لا يهتدى لأصله إلا بطول تأمل و منه كلمة ( لمسيد) فإنا نطلق هذا اللفظ على المدرسة و لقد كنت أتحير في وجه إطلاق هذه التسمية على المدرسة و ألتمس لها مخارج فلا أجد لها مخرجا رضيا إلى أن وقع في نفسي أن أصلها المسجد، و مما يُسهل فهم هذا هو أن تعلم أن المدرسة كانت قائمة في المسجد أو في مكان تابع للمسجد، فكان الطالب في جميع مراحله إذا ذهب إلى المدرسة قال إني ذاهب إلى المسجد و إذا أقبل قال كنت في المسجد و إذا سئل عنه قيل هو في المسجد فكانت هذه الكلمة كثيرة الدوران في ألسنة الناس و القاعدة أن كل ما كثر استعماله و كان مستثقلا طلبت له الخفة، و لست أقول إن كلمة المسجد ثقيلة و إنما أقول إننا لما طلبنا الخفة أكثر مما طلبت العرب خف كلامنا ثم نظروا فلم يجدوا بدا من الحذف ثم نظروا فلم يجدوا أولى بالحذف من الجيم فحذفوها و أعطوا حركتها و هي الكسرة لحرف السين ثم أشبعوا الكسرة فتولد عنها ياء سهلت النطق لأن التخفيف قد لا يحصل بمجرد الحذف، و الذي يعين على ما نحن فيه أن بعض أهل الجزائر مازالوا يطلقون لمسيد على المسجد و يصدِّقه أن أهل بلاد شنقيط مازالوا إلى هذا اليوم يطلقون لمسيد على المسجد و لا يقولون المسجد إلا في نادر الاستعمال و قد تصرح العرب بأصل الكلمة شذوذا فيستفاد من ذلك الشذوذ معرفة الأصل كقول الشاعر:
    لَعَمرك ما تدري متى أنت جائيٌ ........ و لكنَّ أقصى مدة العمر عاجل
    و لو نطق في سعة الأمر لما أظهر الرفع في قوله ( جائي) أنه منقوص و من شذوذهم تصريح شاعرهم بالخبر في قوله:
    لك العِزُ إن مولاك عزَّ و إن يَهن .... فأنت لدى بحبوحة الهُون كائن
    فكان حقه أن لا يصرح بكائن و إننا لنستظهر بمثل هذا على من زعم من النحاة أن الإخبار بالظروف و الجار و المجرور قسم برأسه. و مثل هذا كثير و قد أعرضت عنه لطوله.
    يتبع..

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    74

    افتراضي رد: اللسان لَحْلُو يَرْضَعْ اللّبّة.. للشيخ اللغوي و الأديب الأريب محمد بو سلامة الجز

    و إنما كنت أعمد لذكر هذا للطلاب ليعلموا أن لغة العرب قريبة المأخذ منهم و أن فصاحة العرب نائمة في عروقهم متى أيقظوها استيقظت.
    و إن الكلام عن صلة الدارجة بكلام العرب لقمين بأن يفرد بتأليف مشتمل على أبواب و يبوب فيه لغريب اللغة و أساليب العرب في كلام الناس، و للإمام البشير الإبراهيمي مؤلف في بعض ما ذكرنا و لم أطلع عليه و الظن أنه كتاب جليل فإن هذا الموضوع لا تخدي في فلاته إلا نجائب الإبراهيمي و مما أذكره هنا أن للعلامة الأديب ابن أبي شنب الجزائري كتابا في الأمثال الشعبية في الجزائر و تونس و قد فاتني أن أذكر هذا في كتاب المباني.
    و اعلم أن الكلام عن الدارجة لم يكن مقصودا لنفسه و إنما هو شيء نحدوا به العزائم و نوقظ به النائم و كان ذلك سبب اختيارنا للحكمة الشعبية، و فيما سلكناه ما يحبب إليك لغة العرب و لعلك قد وجدت بعض ما قصدناه، و للأستاذ الكبير أبي العباس أحمد بن الهاشمي الجزائري عناية باللغة الدارجة ذهبت به إلى أن كتب مقالا عجيبا نشر في جريدة البصائر عنوانه: " بعد غربة اللغة العربية أصبحنا نخشى على اللغة الدارجة"، و فيه يقول- و بقوله أقول-:" كأني بالقارىء و قد أخذ منه العجب مأخذه عندما سرى جريدة هي لسان حال علماء الجزائر تنتصر للغة العامية و تنشر للدعاية في الترغيب و الحث على صرف طرف من الاهتمام في تحصيله ، على رسلك أيها الأخ – إلى أن قال- لكن من نظر إلى المسألة نظرة بحث و تحقيق انكشف له في الحال ما بين الفصحى و العامية من كمال النسبة و عموم الاتصال و لا إخالني مجازفا إن قلت إن اللغة العامية عربية الأصل على نسبة ربما لا تقل عن سبعين بالمائة – و فيه يقول- و من جال في الأقطار الإسلامية و تتبع لهجات الحواضر و البوادي بهره ما يتخلل تلك اللهجات من المفردات و الأصول اللغوية، لذلك كان دأبي تقييد كل ما يلتقطه سمعي من مستملح العبارات و محاسن الأمثال" اهـ محل الغرض منه.
    و هو مقال فيه طول و لقد عظمت أبا العباس منذ أن قرأت مقالته و علمت أنه من نبلاء الأمة و لا أدري ماذا فعل الدهر بما كان يكتبه من مستملح العبارات و محاسن الأمثال.
    و قد طالت ذيول المقدمة و هذا أوان الشروع في المقصود، اعلم –علمك الله- أن لحكمتنا معنيين أحدهما قريب و الآخر بعيد، فالأول ما دلت عليه ظواهر الألفاظ و إنما سميته قريبا لأنه أول ما يسبق إلى الذهن و لوضوحه أعرضت عنه و لم يكن هذا المعنى أصيلا في نية الحكيم و إنما اتخذ منه قوسا يرمي عنها في مكان بعيد، و كان من مراميها أن النجاة قد تناط بحسن المنطق و حلاوة اللسان و يكثر ذكر هذه الحكمة في وصايا الآباء للأولاد و من المقامات التي تقال فيها مقام الملامة و العتاب لمن جلب على نفسه سوء بسوء منطقه و مرارة لسانه ليعلم أن الرجل يبلغ باللين ما لا يبلغ بالشدة و أن الملاينة تدرأ من الدواهي ما لا تدرؤه المخاشنة و قد ألان النبي صلى الله عليه وسلم الكلام لقوم اتقاء شرهم، و للسان مصارع قد وردتها الأبطال ، قال الشاعر:
    احفظ لسانك أيها الإنسان... لا يلدغنَّك إنه ثُعبان
    كم في المقابر من صريع لسانه... كانت تهاب لقاءه الشجعان
    و للسان موارد السوء يوم القيامة و العياذ بالله ، و في الحديث ( و هل يكب الناس على وجوههم – أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) و له آفات أفردت بالتأليف.
    و قد رمز الحكيم باللبة إلى كل شر و رمز بقوله يرضع إلى كل خير، فكان المعنى أن حلاوة اللسان تدرأ نك كل شر و تجلب لك كل خير، و لكلام الحكماء أنجاد و أغوار على ما فيه من الإيجاز، و كذلك ينبغي أن تكون الأمثال و الحكم من دواعي الرواية.
    و في قوله: ( اللسان لحلو) ضرب من المجاز و ذلك لأن الحلاوة إنما وضعت للأذواق الحسية فلما كانت النفوس تجد في طيب الكلام ما تجده الأذواق في العسل وصفوا ذلك الكلام بالحلاوة تشبيها له بالعسل.
    و إنه لما كانت النفوس تجد من المكروهات ما تجده الأذواق في العلقم وصفوا كل بالغ الكره بالمرارة و شبهوه بالعلقم قال عنترة:
    فإذا ظُلمت فإن ظُلمي بَاسل... مُرٌُّ مذاقه كطعم العلقم
    و لقد زعموا أن أصول الطعوم أربعة الحلاوة والمرارة و الحموضة و الملوحة و ما واها فهو مركب منها و لا أدري ما صحته و هو شيء جرنا إليه ذكر الأذواق.
    و فهم من تقييد اللسان بوصف لحلو على طريقة مفهوم المخالفة أن اللسان المر تنهشه اللبة و هكذا الأوصاف إذا ذكرت في الكلام فإنها إذا لم تفد تخصيص الموصوف بالحكم كان ذكرها عبثا تنزه عنه أقوال الحكماء إلا في موطن ليست حكمتنا منه، و هذه المسألة من مطالب أصول الفقه، فكان للحكمة وجهان منطوق يرغِّب و مفهوم يُرهِّب.
    و اعلم أن اللسان في أصل وضعه يطلق على الجارحة كما في قوله تعالى ( ألم نجعل له عينين و لسانا و شفتين) وقد يطلق على الكلام من باب تسمية الشيء باسم آلته و هو من ضروب المجاز عندهم، و بهذا المعنى جاء اللسان في قوله تعالى ( و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) الآية، و على كلا المعنيين تجري كلمة اللسان في كلامنا، و قد استعمل الحكيم اللسان أولا بمعنى الكلام و ذلك لأنه وصفه بالحلاوة و الأولى أن تكون من صفات الكلام لا من صفات آلته، و ذلك لأن النفوس إنما تجد و ذلك لأن النفوس إنما تجد مذاقة الكلام فتصفه بعد ذلك بالحلاوة أو المرارة ، و يوضحه أننا نصرح بهذا في محاوراتنا فنقول ( لكلام لحلو) و نقول ( كلامك حلو) فنطلق اللسان و نريد الكلام، و هذا شيء تعرفه العرب، لكن في قوله يرضع ضمير يعود على اللسان باعتبار الجارحة إذ لا يتَّأتى الرضاع إلا بها و لا يعقل حصوله من الكلام فالحلاوة وصف لائق بالكلام و الرضاع وصف لائق بآلة الكلام، فعلى هذا فإن الحكيم قد استعمل اللسان أولا بمعنى ثم أعاد الضمير عليه بمعنى آخر فإذا فهمت هذا فاعلم أن الذي جاء به حكيمنا يسميه أهل البيان بالاستخدام و هو أن يكون للفظ معنيان فيُستعمل أولا باعتبار معنى ثم يعاد عليه الضمير باعتبار المعنى الآخر و قد جعلوا منه قول الشاعر العربي:
    إذا نزل السماء بأرض قوم... رعيناه و إن كانوا غِضابا
    فمعنى السماء في الاستعمال الأول هو المطر و معناه عند عود الضمير عليه هو الكلأ، و لا يحضرني مثال من الدارجة إلا ما في هذه الحكمة فجعلتها مثلا، و حقها أن يمثل لها لا بها ، و لا أدري أخَطر هذا على قلب حكيمنا أم هو شيء تقوَّلناه عليه؟ و في كل حال فإن كلامه محتمل لما ذكرناه.


    يتبع ...

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •