بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السؤال: أبلغ من العمر خمسة عشر عاما، وأريد أن أشتري جهاز الجوال الذكي (الآيفون)، وقال والدي: أخشى أن يلهيك عن حفظ القرآن وعن طلب العلم وعن الدراسة، مع أنني وعدته بحفظ الوقت، فما رأيكم لابنكم المحب؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابة :
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد: فإن هذا المخترَع العجيب المعروف بالجوال الذكيِّ يصل مقتنيه بكثير من ميادين الشر والخير، دعِ الاتصال الهاتفي الذي هو المقصود الأول في الأصل. إذن فهذا الجهاز وسيلة توصل طالب الشر إلى شرور كثيرة مما تطفح به المواقع من الشبهات المضلة المزعزعة للإيمان، والمفسدة لعقيدة المسلم إلا من عصم الله، ومع الشبهات ما تحمله هذه المواقع من الشهوات المهيِّجة للغرائز البهيمية مما يفسد الأخلاق والسلوك، ويمسخ الطباع، ويغير الفطر، هذا؛ ومن المعلوم أن الإنسان قد ابتلي بثلاثة من الأعداء: النفس، والهوى، والشيطان؛ (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)، (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)، (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، فهذا المخترَع سلاحٌ أيُّ سلاح لهؤلاء الأعداء، وحزبُ الشيطان وجندُه الكفار قد وفَّروا بما أوتوا من قُدَر ومهاراتٍ تِقْنية وما تنطوي عليه ضمائرهم من خبث وشر، وفرَّوا في تلك المواقع الشبكية ما يمد الهوى والنفس الأمارة من المغريات، وما يمد الشيطانَ من الشبهات، فيا ويل من يقتني هذا الجهاز، ويتخذه مفتاحًا لتلك المواقع التي تموج فيها أنواع الفتن، فتن الشهوات وفتن الشبهات، ومما يزيد البلاء بهذا الجوال أنه خفيف الحمل سهل الاستعمال، فهو يصحب مقتنيه قائما ومضطجعا ومنفردا ومع الناس، فهو يقلب طرفه في شاشته في كل وقت لا يصبر عنه، فما الظن بالشاب العَزَب والفتاء الأيِّم ـ التي لم تتزوج ـ إذا أوى كل واحد منهما إلى فراشه، أو خلَى بمكانه، وتداعت عليه دواعي الغريزة، وأصبح يفكر فيما حُرم منه، ويفكر في بلاد الإباحية التي قد أُطلق فيها العِنان للشهوات، فلو كان له جناحان لطار بهما ليبلغ المنى هناك، وهيهات! لكن هنا باب قريبٌ يوصله إلى ما يتمنى سمعا ونظرا؛ إذ يرى في شاشة هذا الصاحب (الجوال) ما تشتهي نفسُه الأمارة من المشاهد الفاحشة التي لا يَشبع منها، ولا ينتهي عنها؛ مما تبثه القنوات وتُبرزه المواقع؛ لأن ما يشاهده أو يسمعه لا يقضي له وطرا، فيعيش المسكين مع الأماني الأثيمة، فيجتمع له زنى القلب بالأماني، وزنى الأُذن بالاستماع، وزنى العين بالنظر، قال صلى الله عليه وسلم: (العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرجُ أو يكذب)، لكنْ هذا مع القُدرة على الفعل ومباشرة المعصية، أما مع العجز عنها فلا يدري المبتلَى عن حاله لو قَدِر على ذلك، فمن يكون هذا الجوالُ ضجيعَه وجليسَه وسميرَه فلابد أن يُطوِّف به بين المواقع، ويجلب له من المقاطع والمشاهد ما تتوق له نفسه مما لا صبر له عنه ولا قدرة له عليه، فيبقى في الحسرات معذبا، وتبقى تلك المشاهد في مخيلته يتخيلها ويتذكرها لا بين حين وآخر، بل في كل أحيانه وأحواله، كأنها تملك عليه فكره، لشدة تعلق قلبه بها، وطغيان الهوى، فمن تكون هذه حاله أتراه يقيم صلاة؟ أو يتلو قرآنا؟ أو يلهج بذكر الله؟ بل أتراه يكون جادا في شؤونه العامة؛ في دراسته، في عمله، في دكانه، مؤديا لواجباته الوظيفية والأُسْرية، كلَّا، إلا ما شاء الله، فبان من هذا التوصيف أن هذا الجوال لمن أساء استعماله قرينُ سوء ومجلبةٌ لفساد عريض للإنسان في دينه ودنياه، فانظر لنفسك ـ أيها العاقل ـ ولا تكن أنت الجاني على نفسك، فاتق الله! وراقب ربك في جميع أحوالك، قائما وقاعدا، مضطجعا وسائرا، وتذكر أنك مسؤول عن وقتك وفراغك وشبابك ومالك، كما جاء في الحديث: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه)، وقال سبحانه: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).

وبعد هذا البيان، لعلك ـ أيها الشاب السائل ـ أدركت نصح والدك لك، وأن رأي والدك في ترك هذا الجهاز الجوال (الآيفون) خير من رأيك لنفسك، فارض برأي أبيك، واقبل نصحه تحظَ بالأجر وتنجح في أمورك كلها، وتحمد العاقبة. شرح الله صدرك، ويسر أمرك، وجعلك الله هاديا مهديًّا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أملاه:
عبد الرحمن بن ناصر البراك في ضحى الجمعة لست بقين من ذي الحجة لعام 1436هـ.