خوف نبينا (صلى الله عليه وسلم) من النار وحذر وأنذر، وتوعد وحذر، وكان (صلى الله عليه وسلم) شديد الإنذار شديد التحذير من النار.
وقف (صلى الله عليه وسلم) على منبره فجعل ينادي ويقول:
"أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار..."
وعلا صوته (صلى الله عليه وسلم) حتى سمعه أهل السوق جميعا، وحتى وقعت خليصة كانت على كتفيه (صلى الله عليه وسلم)، فوقعت عند رجليه من شدة تأثره وانفعاله بما يقول عليه الصلاة والسلام.


ألا فلنُشعر القلوب بشيء من أحوالها،ولنذكّر النفوس بشيء من أهوالها، عسى قسوة من قلوبنا تلين، وغفلة من نفوسنا تُفيق .
فإن سألت عن النار ؟
فقد سألت عن دار مهولة، وعذابشديد.
إن سألت عن حرّها وعن قعرها و حميمها و زقومها وأصفادها وأغلالها وعذابهاوأهوالها وحال أهلها؟
فما ظنك بحر نار أوقد عليها آلف عام حتى أحمرت.
ثم أوقد عليها آلف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها آلف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة.
ما ظننا بحرنار نارنا هذه التي نوقدها جزء واحد من سبعين جزء من نارالآخرة.


فما ظننا بقعر نار يلقى الحجر العظيم من شفيرها فيهوي فيها سبعين سنة لا يدرك قعرها،

يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيان حال طعام أهل النار:
"لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم."

ينشأ الله لأهل النار سحابة سوداء مظلمة ،فيقال لهم يا أهل النار أي شيء تطلبون ؟
فيقولون الشراب،فيستسقون
فتمطرهمتلك السحابة السوداء أغلالا تزيد في أغلالهم، وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمرا يتلهب عليهم

فما ظنك بعذاب دار أهون أهلها عذابا من كـان له نعلان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحداًأشد منه عذابا، وإنه لأهونهم

ما ظنك حتى قاموا على أقدامهم خمسين آلف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة،انقطعت أعناقهم عطشا، واحترقت أكبادهم جوعا
ثم أنصرف بهم بعد ذلك إلى النار، فيسقون من عين آنية قد أذى حرها وأشتد نضجها
فلو رأيتهم وقد أسكنوا دارا ضيقت الأرجاء،مظلمة المسالك، مبهمة المهالك
قد شدت أقدامهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي
يسحبون فيها على وجوههم مغلولين

النار من فوقهم، النار من تحتهم، النار عن أيمانهم، النار عن شمائلهم


فغطائهم من نار وطعامهم من نار، وشرابهم من نار ولباسهم من نار، ومهادهم من نار
فهم بين مقطعات النيران و سرابيل القطران وضرب المقامع ، وجر السلاسل يتجلجلون في أوديتها، ويتحطمون في دركاتها، ويضطربون بين غواشيها
تغلي بهم كغلي القدور وهم يهتفون بالويل ويدعون بالثبور


يتفجر الصديد من أفواههم، وتتقطع من العطش وتسيل على الخدود عيونهم وأهدابهم
كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ

أمانيهم فيها الهلاك ومالهم من أسرها فكاك

ما حال دار أماني أهلها إذا تمنوا فيها أن يموتوا ؟
كيف بك إذا رأيتهم وقد أسودت وجوههم فهي أشد سوادا من الحمم
وعميت أبصارهم، و أبكمت ألسنتهم، وقصمت ظهورهم، ومزقت جلودهم، وغلت أيديهم إلى أعناقهم، وجمع بين نواصيهم وأقدامهم، يمشون على النار بوجوههم ويطئون حسك الحديد بـأحداقهم أقطارها
ينادون من أكنافها ويصيحون " يا مالك قد أثقلنا الحديد، يا مالك قد حق علينا الوعيد، يا مالك قد نضجت منا الجلود,"

فيجيبهم بعد ألف عام بأشد وأقسى خطاب وأغلظ جواب

"قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ "
فينادونا ربهم وقد أشتد بكائهم وعلا صياحهم وارتفع صراخهم
"قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ( 106 ) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ"


فلا يجيبهم الجبار جل جلاله إلا بعد سنين، فيجيبه بتوبيخ أشد من العذاب
"قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِي
فعند ذلك أطبقت عليهم النار وغلقت فيئس القوم بعد تلك الكلمة أيما إياس، فتزداد حسراتهم وتنقطع أصواتهم فلا يسمع إلا الأنين والزفير والشهيق والبكاء
يبكون على تضييع أوقات الشباب.
ويتأسفون أسفا أعظم من المصاب.
ولكن هيهات هيهات، ذهب العمل وجاء العقاب.

يساق إلى نار الجحيم مسربلا سرابيل قطران لباسا محرقا
إذا شربوا منها الصديد رأيتهم يذوبون من حرالصديد تمزقا
ويزيدهم عذابهم شدة، وحسرتهم حسرة تذكرهم ماذا فاتهم بدخول النار
لقد فاتهم دخول الجنان، ورؤية وجه الرحمن، ورضوان رب الأرض والسماء جل جلاله
ويزيد حسرتهم حسرة، وألمهم ألما أن هذا العذاب الأليم والهوان المقيم ثمن اشتروه للذة فانية، وشهوة ذاهبة، لقد باعوا جنة عرضها السماوات والأرض بثمن بخس دراهم معدودة
بشهوات تمتعوا بها في الدنيا ثم ذهبت

ثم لقوا عذابا طويلا، وهوان مقيما
فعياذا بالله من نار هذه حالها.وعياذا بالله من عمل هذه عاقبته.
اللهم إنه لا طاقة لنا بعقابك، ولا صبر لناعلى عذابك.
اللهم فأجرنا وأعتقنا من نارك. -[منقول]