البشرى العاجلة بما ينفع المسلم فى الدار الآخرة
قال ابن أبى العز الحنفى في شرح " العقيدة الطحاوية " للإمام الطحاوي : والدليل علي انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح ....
والقرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفي ملكه لغير سعيه ، وبين الأمرين فرق لا يخفي فأخبر ـ تعالي ـ أنه لا يملك إلا سعيه ، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه ، فإن شاء أن يبذله لغيره ، وإن شاء أن يبقيه لنفسه كما في قوله ـ تعالي : " وأن ليس للإنسان إلا ما سعي " . النجم : 39 .
فان الثواب حق العامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يُمنع من ذلك كما لم يمنع من هبة ماله له في حياته وإبرائه له منه بعد وفاته ، وهو محض القياس . ( شرح العقيدة الطحاويه 453 : 455 ) .
و ينتفع الميت بأمور
1ـ قضاء الدين عنه من أي شخص ولياً كان أو غيره ، وأن القضاء يرفع العذاب عنه ؛ لأن أبا قتادة ـ رضي الله عنه ـ حين تعهد بقضاء الدينارين قال النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم : " الآن حين بردت عليه جلده "([1]) أي سبب رفع العذاب عنه بعد وفاء دينه ، فليحذر المدين من عدم الوفاء بسداد دينه ، حتى أن الشهيد يحبس بدينه عن الجنة .
2ـ قضاء النذر عنه صوما كان أو غيره ، مثل حج النذر ، أو اعتكاف النذر لحديث سعد بن عبادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أنه استفتي النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم في نذر كان علي أمه فتوفيت قبل أن تقضيه ، فأفتاه أن يقضيه عنها ، فكانت سنة بعده . ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، باب من مات و عليه نذر 11/592 ) .
3ـ الصدقة عنه : لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال للنبي – صلى الله عليه وآله سلم – إن أبي مات وترك مالا ، ولم يوص ، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال نعم .
4ـ الدعاء و الاستغفار له : إذا توافرت فيه شروط القبول ( لأن التوسع في الحرام والتغذي به من جمله موانع الإجابة ، وقد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعا من الإجابة أيضأ ، وكذلك ترك الواجبات كما قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 150 ) .
5ـ قال تعالي :{ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} الحشر : 10 .
و يقول النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه مَلَك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ، ولك بمثل ) رواه مسلم .
6ـ ما خلفه من آثار صالحة و صدقات جارية ، لقوله تبارك و تعالي : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } ( يــس12 ) و لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم : (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم .
و الحديث يتكلم عن انقطاع عمل الميت نفسه إلا من هذه الثلاثة ، ولم يتكلم عن عمل الغير للميت ، فتنبه لذلك ، فالفرق كبير .
7ـ ما يفعله الولد الصالح : " و يشمل الذكر و الأنثي " من الأعمال الصالحة ، فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء ، لأن الولد من سعيهما وكسبهما ، قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم : ( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه ) رواه أبو داود .
8- الحج و العمرة عنه : لقول النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم : " حج عن أبيك واعتمر ) رواه الترمذي عن أبي رزين العقيلي . صحيح الجامع رقم 3127 شريطة أن من يحج عن غيره أو يعتمر أن يكون قد حج عن نفسه واعتمر لقول النبي صلي الله عليه وآله سلم : ( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) صحيح الجامع رقم 3128 و لو أن الحاج مات وقد ترك واجباً من واجبات الحج فإنه يجب علي أوليائه أن يذبحوا عنه لأنه بمنزلة الدين الذي في ذمته ، ويوزع في الحرم .
9- قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن سنة في الإسلام سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) رواه مسلم .
10- الرباط في سبيل الله قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم : " كل ميت يختم علي عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه يُنمي له عمله يوم القيامة ويأمن فتنة القبر " رواه أبو داود ، وهذا من علامات حسن الخاتمة . ( أحكام الجنائز للشيخ الألباني ص 42 ) .
11 – إذا أكل إنسان أو حيوان أو طائر من غرس وزرع الميت .
قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم : ( من غرس غرسا لم يأكل منه آدمي ولا خَلْقٌ من خلق الله إلا كان صدقة ) رواه أحمد ، صحيح الجامع 6400 .
12ـ قال رسول الله – صلي الله عليه وآله وسلم – من غَسَّل مسلما فكتم عليه غفر له الله أربعين مرة ، ومن حفر له فأجَنَّهُ أجري عليه مسكن أسكنه إياه إلي يوم القيامة ، ومن كفَّنه كساه الله يوم القيامة من سندس و إستبرق ) رواه الحاكم و البيهقي . و في رواية الطبراني ( أربعين كبيرة ) أحكام الجنائز ص51 .
13ـ قضاء صلاه النذر عنه لما ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن امرأة سألته أن أمها جعلت علي نفسها صلاة بقباء فقال : صل عنها ، وقال ابن عباس – رضي الله عنهما – نحوه فتح الباري 11/592 .
14ـ قضاء صوم النذر عنه : قال ابن القيم – يُصام عنه – أي الميت – النذر دون الفرض الأصلي ، وهذا مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وغيره والمنصوص عن ابن عباس و عائشة – رضي الله عن الصحابة أجمعين . ( حاشية الروض المربع لابن قاسم 3 /44 – انتفاع الأموات من سعي الأحياء للشيخ عامر بن عبد الله فالح ) .
15ـ الأضحية عنه : جاء في فتاوي اللجنة الدائمة ( إذا ضحي الإنسان عن أبيه أو أمه الأموات فهو حسن ، وهذا يعتبر من أنواع الصدقة عن الميت ، والصدقة عنه مشروعه . ( فتاوي اللجنة 2 /522 ) .
ومعلوم أن النبي – صلي الله عليه وآله وسلم ـ ضحي عن أمته ، ومن أمته الأحياء والأموات ، كما في حديث الكبشين ، فدل ذلك علي وصول ثواب الأضحية للميت .
وقال شيخ الإسلام : و كذلك ينفعه الحج عنه والأضحية والعتق عنه والدعاء والاستغفار له بلا نزاع بين الأمة . ( مجموع الفتاوي 24/175 ) .
16- قال رسول الله – صلي الله عليه وآله وسلم – سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته من عَلَّمَ علما أو أجري نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بني مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته ) حسنه الشيخ الألباني – رحمه الله – في صحيح الجامع برقم 3602 . و في هذا الحديث بيان لفضل العلم و العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام .
والمراد بالعلم هنا : العلم النافع الذي يبصر الناس بدينهم ويعرفهم بربهم ومعبودهم ويهديهم إلي صراطه المستقيم ، العلم الذي يُعرِّف الهدي من الضلال والحق من الباطل والحلال من الحرام .
ومن أسهم في طباعة الكتب النافعة ونشر المؤلفات المفيدة وتوزيع الأشرطة العلمية والدعوية النافعة والاسطوانات الإسلامية والكتب النافعة فله حظ وافر من ذلك الأجر إن شاء الله (تعالي ) وكذلك من قام بعمل اشتراكات لطلبة العلم في المجلات الدينية ، مثل مجلة التوحيد ، والأزهر ، .....
- أو أجري نهرا : المراد شق جداول الماء من العيون والأنهار لكي تصل المياه إلي أماكن الناس و مزارعهم فيرتوي الناس وتسقي الزروع وتشرب الماشية ، ويلتحق بهذا العمل مد الماء عبر الأنابيب إلي أماكن الناس ، وكذلك وضع برادات الماء في طرقهم و مواطن حاجاتهم وأيضا توصيل المياه للفقراء والمحتاجين .
- أو حفر بئرا : فارتوي منه خَلْقٌ كثير وانتفع به كثيرون ، وفي الحديث : ( فنزل البئر فملأ خفه ماءً فسقي الكلب فشكر الله له فغفر له ، قالوا يا رسول الله – صلي الله عليه وآله سلم – وإن لنا في البهائم لأجراً ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر... ) متفق عليه ، فكيف بمن سقي إنسانا .
- أو غرس نخلا : ومن المعلوم أن النخل سيد الأشجار وأفضلها وأنفعها وأكثرها عائدة علي الناس ، فمن غرس نخلا و سَبَّلَ ثمره للمسلمين فإن أجره يستمر كلما طعم من ثمرة طاعم ، وكلما انتفع بنخله منتفع من إنسان أو حيوان ، وهكذا الشأن في غرس ما ينفع الناس من الأشجار . وإنما خص النخل بالذكر لفضله و تميزه .
- أو بني مسجدا : المساجد هي أحب البقاع إلي الله ، والتي أذن الله ـ جل وعلا ـ أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، وفيه تقام الصلاة ويتلي القران ويذكر فيه الله وينشر فيه العلم ويجتمع فيه المسلمون ، ولبانيه أجر في ذلك كله ، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم : ( من بني مسجدا يبتغي به وجه الله بني الله له بيتا في الجنة ) متفق عليه .
- أو ورث مصحفا : وتوريث المصاحف يكون بطباعتها أو شرائها ووقفها في المساجد ودور العلم حتي يستفيد منها المسلمون ، وتوزيعها علي من يقراها في المعاهد وأماكن تحفيظ القران الكريم ، ولواقفها أجر عظيم كلما تلا في ذلك المصحف تال ، وكلما تدبر فيه متدبر ، وكلما عمل بما فيه عامل .
- أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته : فلا بد من تربية الأبناء تربية صالحة ، وحسن تأديبهم ، والحرص علي تنشأتهم علي التقوي والصلاح حتى يكونوا أبناء بررة وأولاداً صالحين فيدعون لأبويهم بالخير و يسألون الله لهما الرحمة والمغفرة ، فإن هذا مما ينتفع به الميت في قبره .
فنسال الله تعالي أن يربي لنا أولادنا وأن يجعلهم بررة صالحين إنه ولي الصالحين .
- و في رواية أخري ( أو بيتا لابن السبيل بناه ) كما في صحيح الجامع برقم 2231 فيه فضل بناء الدور ووقفها لينتفع بها المسلمون ، سواء ابن السبيل أو طلاب العلم أو الأيتام أو الأرامل أو الفقراء والمساكين ، وكم فى هذا من الخير والإحسان ، أو تدبير المسكن لمن يحتاج الزواج ولا يجد مسكنا .
ـ وقد فسر جماعة من أهل العلم الصدقة الجارية بأنها الأوقاف ، وهي أن يُحبس الأصل وتُسَبَّل منفعته ، وجل الخصال المتقدمة داخله في الصدقة الجارية إن شاء الله تعالى .
17ـ إنتفاع الميت بالذكر : الذكر من تسبيح و تهليل و تحميد إذا أهدي للميت نفعه ذلك كما نص شيخ الاسلام ابن تميمة – رحمه الله – علي ذلك حين سئل عمن هلل سبعين ألف مرة وأهديت للميت ، فقال : إذا هلل الإنسان سبعين ألفاً أو أقل أو أكثر وأهديت للميت نفعه الله بذلك ، وقال أيضا يصل إلي الميت قراءة أهله وتسبيحهم وتكبيرهم وسائر ذكرهم لله ـ تعالي ـ إذا أهدوه إلي الميت وصل إليه ( مجموع الفتاوي 24/180 طبعة دار الوفاء ) .
18ـ قراءة القرآن الكريم : قال ابن أبي العز الحنفي : ذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف إلي وصولها ، والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها ، وقال أيضا : أما قراءة القرآن وإهدائها له تطوعا بغير أجرة فهذا يصل إليه ، وأما استئجار قوم يقرأون القرآن ويهدونه للميت فهذا لم يفعله أحد من السلف ، و لا أمر به أحد من أئمة الدين ، ولا رخص فيه ، والإستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف ، و إنما اختلفوا في جواز الاستئجار علي التعليم ونحوه مما فيه منفعة تصل إلي الغير . ( شرح العقيدة الطحاوية من 452 / 457 ) .
19ـ وقال ابن عثيمين حينما سئل عن حكم التلاوة لروح الميت فقال : الراجح أن الميت ينتفع بذلك ، وأنه يجوز للإنسان أن يقرأ بنية أنه لفلان أو فلانة من المسلمين ، سواء كان قريبا أم غير قريب ، لأنه ورد في جنس العبادات جواز صرفها للميت ، ولكن أفضل من هذا أن تدعو للميت ، وتجعل الأعمال الصالحة لنفسك ) . المجموع الثمين 2 / 115 .



([1]) أخرجه أحمد والحاكم ( أحكام الجنائز للشيخ الألباني ص 16 ) .