للكلمة شأن عظيم في الشريعة الإسلامية، فبكلمة التوحيد، وهي كلمة واحدة، يدخل غير المسلم في الإسلام، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه أبي طالب: “يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله”.
وبكلمة واحدة من سخط الله، يزل بها قائلها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب.
وبكلمة واحدة يخرج قائلها المسلم من دين الإسلام، إلى الكفر، كما قال تعالى: “يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم”.
وبكلمة واحدة يقولها من أعجب بنفسه وعبادته، واحتقر غيره من المذنبين، يحبط عمله، وتوبق تلك الكلمة دنياه وآخرته، وقد قال الله تعالى لمن قال لصاحبه المذنب، والله لا يغفر الله لك: “من ذا الذي يتألى على ألا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك”.
قال أبو هريرة “رضي الله عنه”: “قال كلمة أوبقت دنياه وآخرته”. كما أن الإنسان قد يقول كلمة من رضوان الله، لا يلقي بها بالا، يسعد بها سعادة لا يشقى بعدها أبدا، ويرفعه الله بها درجات، وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات”.
بكلمة واحدة تذاع، تحصل الفتن، والحروب والشرور، كما قيل: وإن الحرب أولها كلام.
وبكلمة واحدة من ناصح حكيم، يدرأ الشر، وتهدأ النفوس. ولهذا فإن المتعين على أهل التغريدات ووسائل التواصل الاجتماعي، وحملة الأقلام، ورجال الإعلام، ونحوهم، أن يتثبتوا فيما يكتبون، فما كل ما يسمعونه صحيحا، وما كل ما يقال: يقال في كل مكان، وما يفهمه قوم قد لا يستوعبه آخرون، “وما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة”.
ونشر ما يوغر الصدور، ويملأ القلوب حقدا، ويضخم الأخطاء، ويحجب الحسنات، ويسبب الإحباط والنظرة السوداوية المتشائمة، مخالف للهدي النبوي، وقد قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: “من قال هلك الناس فهو أهلكهم”، وقد كان عليه الصلاة والسلام: يعجبه الفأل.
وكثير من الانحرافات الفكرية التي وقع فيها بعض الشباب، إنما وقعت بسبب ضخ الكلمات، التي تطلق بلا خطام ولا زمام، فتسود المشهد أمام الشباب، ويتوهم أن كل شيء على غير ما يرام، وأنه لا خلاص إلا بدولة الخلافة المزعومة، فينساقون إلى ذلك الطعم القاتل، فإذا جاؤوها، فتحت لهم أبواب الشر، وصاروا وقودا لجهات معادية لا تريد بهم وبمجتمعهم خيرا، فخسروا هنالك دنياهم وآخرتهم، وذلك سببه ما يسمعونه أو يقرؤنه من كلمات خاطئة ظالمة.
ولذلك، فعلى الإنسان أن يتكلم بعلم وعدل، ومن فاته ذلك فحسبه السكوت، إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فالسلامة لا يعدلها شيء.
وأعظم كلمة وأنفعها، كلمة التوحيد، وهي جديرة بأن تبذل الجهود لبيانها، والدعوة إليها، وهي الكلمة الطيبة، التي مثلها الله بالشجرة الطيبة، لأن الكلمة الطيبة تثمر العلم النافع، والعمل الصالح، الذي هو الهدى، ودين الحق، والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع للبلاد والعباد، قال الله تعالى: “ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها”.
كما أن أخبث كلمة وأضرها، كلمة الكفر، وهي جديرة بأن تبذل الجهود، لبيان خطرها، والتحذير منها، وهي الكلمة الخبيثة، التي مثلها الله بالشجرة الخبيثة، لأن هذه الكلمة الخبيثة تحبط الأعمال، وتثمر خسارة الدنيا والآخرة، كما أن الشجرة الخبيثة لا نفع لها بحال، اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، فلا عرق نابتا، ولا فرع عاليا، ولا ثمرة زاكية. فلا خير فيها، ولا خير في كل كلام نهى الله عنه ورسوله. قال تعالى: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”. ومن المشاقة لأمر الله ورسوله، ألا ينتهي الإنسان عما نهاه الله ورسوله عنه، سواء بدعوى حرية التعبير، أو الرأي والرأي الآخر، أو غيرهما.
ذلك أن جملة: حرية التعبير والرأي، ليس على إطلاقها، فالعدوان على الدين والطعن فيه، والعدوان على الوطن وقادته، والعدوان والتجني على خلق الله، والتمضمض بأعراضهم، وإفساد ذات بينهم، ونحوها من الوظائف الإبليسية، ليست مجالا للتعبير، والرأي والرأي الآخر، ولهذا عندما قال قوم في غزوة تبوك، ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكبر بطونا، وأكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، وكان عذرهم أن هذا مجرد كلام، وخوض ولعب لقطع الطريق: جاء الحكم القاطع من رب العالمين: “لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم”. ليس في هذا رأي، ورأي آخر.
وهكذا، كل كلمة يرد فيها السفهاء النصوص الشرعية، الصحيحة الصريحة، لكونها لا تتلاءم مع بلادة أذهانهم وأفكارهم وعقولهم المنكوسة، هي كلمة سوء، يجب أن يحجر على قائلها، فإن الحجر لاستصلاح الأديان، أولى من الحجر لاستصلاح الأموال والأبدان.
كما أن إثارة الفتن، والدعوة لآراء وشبهات الخوارج بين الشباب وتحسينها ممنوع، وليست مجالا للرأي والرأي الآخر، ولهذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الخوارج بأنهم كلاب النار، وقال: “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد”، ولم يقل: لا بأس بالرأي والرأي الآخر، فكل رأي يتعارض مع ثوابت الدين والوطن، فهو مرفوض مهما كان قائله، لا يجوز قوله، فضلا عن قبوله، وما سوى ذلك فيمكن أن يقال فيه الرأي والرأي الآخر، ويتم عرضه بعدل وعلم، بقصد الوصول إلى الحق، وليس الجدل والانتصار، قال تعالى: “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا”.
————–
أحمد الرضيمان– صحيفة الوطن أونلاين



رابط الموضوع :
http://www.assakina.com/news/news1/91382.html#ixzz4FoTAxIo9