تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: حسن التوحيد وقبح الشرك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي حسن التوحيد وقبح الشرك

    حسن التوحيد وقبح الشرك --قال ابن القيم رحمه الله ---هذه المسألة اختلف فيها الناس فقالت طائفة يجب بالعقل ويعاقب على تركه والسمع مقرر لما وجب بالعقل مؤكد له فجعلوا وجوبه والعقاب على تركه ثابتين بالعقل والسمع مبين ومقرر للوجوب والعقاب وهذا قول المعتزلة ومن وافقهم من أتباع الأئمة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين وقالت طائفة لا يثبت بالعقل لا هذا ولا هذا بل لا يجب بالعقل فيها شيء وإنما الوجوب بالشرع ولذلك لا يستحق العقاب على تركه وهذا قول الأشعرية ومن وافقهم على نفي التحسين والتقبيح والقولان لأصحاب أحمد والشافعي وأبي حنيفة والحق أن وجوبه ثابت بالعقل والسمع والقرآن على هذا يدل فإنه يذكر الأدلة والبراهين العقلية على التوحيد ويبين حسنه وقبح الشرك عقلا وفطرة ويأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك ولهذا ضرب الله سبحانه الأمثال وهي الأدلة العقلية وخاطب العباد بذلك خطاب من استقر في عقولهم وفطرهم حسن التوحيد ووجوبه وقبح الشرك وذمه والقرآن مملوء بالبراهين العقلية الدالة على ذلككقوله {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} وقوله. {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}--وفوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}إلى أضعاف ذلك من براهين التوحيد العقلية التي أرشد إليها القرآن ونبه عليها ولكن ههنا أمر آخروهو أن العقاب على ترك هذا الواجب يتأخر إلى حين ورود الشرع كما دل عليه قوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وقوله {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} وقوله{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} وقوله{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} فهذا يدل على أنهم ظالمون قبل إرسال الرسل وأنه لا يهلكهم بهذا الظلم قبل إقامة الحجة عليهم فالآية رد على الطائفتين معا من يقول إنه لا يثبت الظلم والقبح إلابالسمع ومن يقول إنهم معذبون على ظلمهم بدون السمع فالقرآن يبطل قول هؤلاء وقول هؤلاء كما قال تعالى{وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فأخبر أن ما قدمت أيديهم قبل إرسال الرسل سبب لإصابتهم بالمصيبة ولكن لم يفعل سبحانه ذلك قبل إرسال الرسول الذي يقيم به حجته عليهم كما قال تعالى {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
    عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وقال تعالى{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} وقوله {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} إلى قوله {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} وهذا في القرآن كثير يخبر أن الحجة إنما قامت عليهم بكتابه ورسوله كما نبههم بما في عقولهم وفطرهم من حسن التوحيد والشكر وقبح الشرك والكفر

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    وقد ذكرنا هذه المسألة مستوفاة في كتاب مفتاح دار السعادة وذكرنا هناك نحوا من ستين وجها تبطل قول من نفى القبح العقلي وزعم أنه ليس في الأفعال ما يقتضي حسنها ولا قبحها وأنه يجوز أن يأمر الله بعين ما نهى عنه وينهى عن عين ما أمر به وأن ذلك جائز عليه وإنما الفرق بين المأمور والمنهي بمجرد الأمر والنهي لا بحسن هذا وقبح هذا وأنه لو نهى عن التوحيد والإيمان والشكر لكان قبيحا ولو أمر بالشرك والكفر والظلم والفواحش لكان حسنا وبينا أن هذا القول مخالف للعقول والفطر والقرآن والسنة والمقصود الكلام على قول الشيخ ويجب بالسمع وأن الصواب وجوبه بالسمع والعقل وإن اختلفت جهة الإيجاب فالعقل يوجبه بمعنى اقتضائه لفعله وذمه على تركه وتقبيحه لضده والسمع يوجبه بهذا المعنى ويزيد إثبات العقاب على تركه والإخبار عن مقت الرب تعالى لتاركه وبغضه له وهذا قد يعلم بالعقل فإنه إذا تقرر قبح الشيء وفحشه بالعقل وعلم ثبوت كمال الرب جل جلاله بالعقل أيضا اقتضى
    ثبوت هذين الأمرين علم العقل بمقت الرب تعالى لمرتكبهوأما تفاصيل العقاب وما يوجبه مقت الرب منه فإنما يعلم بالسمع.
    واعلم أنه إن لم يكن حسن التوحيد وقبح الشرك معلوما بالعقل مستقرا في الفطر فلا وثوق بشيء من قضايا العقل فإن هذه القضية من أجل القضايا البديهيات وأوضح ما ركب الله في العقول والفطر ولهذا يقول سبحانه عقيب تقرير ذلك افلا تعقلون أفلا تذكرون وينفي العقل عن أهل الشرك ويخبر عنهم بأنهم يعترفون في النار أنهم لم يكونوا يسمعون ولا يعقلون وأنهم خرجوا عن موجب السمع والعقل وأخبر عنهم أنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون وأخبر عنهم إن سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم لم تغن عنهم شيئاوهذا إنما يكون في حق من خرج عن موجب العقل الصريح والفطرة الصحيحة ولو لم يكن في صريح العقل ما يدل على ذلك لم يكن في قوله تعالى انظروا واعتبروا وسيروا في الأرض فانظروا فائدة فإنهم يقولون عقولنا لا تدل على ذلك وإنما هو مجرد إخبارك فما هذا النظر والتفكر والاعتبار والسير في الأرض وما هذه الأمثال المضروبة والأقيسة العقلية والشواهد العيانية أفليس في ذلك أظهر دليل على حسن التوحيد والشكر وقبح الشرك والكفر مستقر في العقول والفطرمعلوم لمن كان له قلب حي وعقل سليم وفطرة صحيحة قال تعالى {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وقال تعالى{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} وقال تعالى{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} وقال تعالى {ذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون} وقال تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    ومن بعض الأدلة العقلية ما أبقاه الله تعالى من آثار عقوبات أهل الشرك وآثار ديارهم وما حل بهم وما أبقاه من نصر أهل التوحيد وإعزازهم وجعل العاقبة لهم قال تعالى {وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} وقال في ثمود {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} وقال في قوم لوط {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال تعالى{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِ ينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} وقال تعالى في قوم لوط {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} وهو سبحانه يذكر في سورة الشعراء ما أوقع بالمشركين من أنواع العقوبات ويذكر إنجاءه لأهل التوحيد ثم يقول إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم فيذكر شرك هؤلاء الذين استحقوا به الهلاك وتوحيد هؤلاء الذين استحقوا به النجاة ثم يخبر أن في ذلك آية وبرهانا للمؤمنين ثم يذكر مصدر ذلك كله وأنه عن أسمائه وصفاته فصدور هذا الإهلاك عن عزته وذلك الإنجاء عن رحمته ثم يقرر في آخر السورة نبوة رسوله بالأدلة العقلية أحسن تقرير ويجيب عن شبه المكذبين له أحسن جواب وكذلك تقريره للمعاد بالأدلة العقلية والحسية فضرب الأمثال والأقيسة فدلالة القرآن سمعية عقلية.[مدارج السالكين]

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مذاهب الناس في تقبيح الشرك قبل الرسالة:

    والجمهور من السلف والخلف على أن ما كانوا فيه قبل مجيء الرسول من الشرك والجاهلية كان سيئا قبيحا وكان شرا لكن لا يستحقون العذاب إلا بعد مجيء الرسول ولهذا كان للناس في الشرك والظلم والكذب والفواحش ونحو ذلك ثلاثة أقوال:



    قيل إن قبحها معلوم بالعقل وأنهم يستحقون العذاب على ذلك في الآخرة وإن لم يأتهم الرسول كما يقوله المعتزلة، وقيل لاقبح ولاحسن ولاشر فيهما قبل الخطاب كما تقوله الأشعرية ومن وافقهم وقيل إن ذلك سئ وشر وقبيح قبل مجيء الرسول لكن العقوبة إنما تستحق بمجيء الرسول وعلى هذا عامة السلف وأكثر المسلمين وعليه يدل الكتاب والسنة فإن فيهما بيان أن ما عليه الكفار هو شر وقبيح وسئ قبل الرسل وإن كانوا لا يستحقون العقوبة إلا بالرسل) -الفتاوى المجلد -21 - ص677 -


    ويقول شيخ الايلام بن تيمية] أن اسم المشرك يثبت عند أهل السنة قبل الرسالة و لا يثبت عند الأشاعرة:
    فَصْلٌ: وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْن ِ: عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ وَطَاغِينَ وَمُفْسِدِينَ؛ لِقَوْلِهِ: {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى} وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} وَقَوْلِهِ: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ ظَالِمٌ وَطَاغٍ وَمُفْسِدٌ هُوَ وَقَوْمُهُ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ ذَمِّ الْأَفْعَالِ؛ وَالذَّمُّ إنَّمَا. يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ الْقَبِيحَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَكُونُ قَبِيحَةً مَذْمُومَةً قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ إلَّا بَعْدَ إتْيَانِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.



    وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ هُودَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُفْتَرُونَ} فَجَعَلَهُمْ مُفْتَرِينَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ يُخَالِفُونَهُ؛ لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ وَيُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَهْلِ وَالْجَاهِلِيَّ ةِ يُقَالُ: جَاهِلِيَّةً وَجَاهِلًا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ وَأَمَّا التَّعْذِيبُ فَلَا. وَالتَّوَلِّي عَنْ الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الرَّسُولِ مِثْلَ قَوْلِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ. {فَكَذَّبَ وَعَصَى} كَانَ هَذَا بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى. {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} {فَكَذَّبَ وَعَصَى} وَقَالَ: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} الفتاوى المجلد-20 - ص 38 [ ... -------

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    بعض الاحكام المتعلقة بهذا البحث--يقول الشيخ صالح ال الشيخ-- أحكام الدنيا بحسب الظاهر، وأحكام الآخرة بحسب الباطن والظاهر، والعباد ليس عليهم إلا الظاهر وربنا جل وعلا يتولى السرائر، فإذا أظهرت طائفة كفرا أو معين كفرا فإنه يكفره العالم إذا قامت الشروط وانتفت الموانع يكفره بعينه، ومن قام به الكفر أو قام به الشرك سواء كان معذورا أو غير معذور، يعني لم تقم عليه الحجة فهو كافر ومشرك ظاهرا؛ فإذاً: من قام به الشرك فهو مشرك، لأن كل مولود ولد على الفطرة، والله تعالى أقام الدلائل على وحدانيته في الأنفس وفي الآفاق، وهذه الدلائل حجة على المرء في أنه لا يعذر في أحكام الدنيا بارتكاب الكفر والشرك، ونعني بأحكام الدنيا ما يتعلق بالمكلف من حيث علاقته بهذا الذي قام به هذا الشيء، من جهة الإستغفار له والأضحية عنه ونحو ذلك، أما الأشياء التي مرجعها إلى الإمام مثل استحلال الدم والمال والقتال ونحو ذلك، فهذه إنما تكون بعد الإعذار وقيام الحجة،

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    فهناك شيء متعلق بالمكلف من حيث هو وهناك شيء متعلق بالإمام، فإذاً صار عندنا أشياء متعلقة بالظاهر وأخرى متعلقة بالباطن، الباطن [يقصد هنا الظاهر وليس الباطن] يتبعه بعض أحكام الدنيا كالقتال ونحو ذلك بعد إقامة الحجة، والباطن يتبعه الأحكام الأخروية لقوله عز وجل " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "
    لهذا أجمع أهل العلم على أن أهل الفترة كفار مشركون لا يوصفون بإسلام، ولا يقال عنهم بأنهم ليسوا بكفار، وليسوا بمشركين، بل هم كفار مشركون لأنهم قام بهم الكفر والشرك وحالهم يوم القيامة من جهة التعذيب هذا على التفصيل المعروف عندكم في الخلاف في أهل الفترة؛ والتحقيق فيه أن الله جل وعلا يبعث لهم رسولا في عرصات يوم القيامة فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار؛ فمن قام به الشرك فهو مشرك، ومن قام به الكفر فهو كافر، والتكفير إنما هو لأهل العلم،

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    ، الحكم بالشرك أخف من الحكم بالكفر، ويقال مثلا هؤلاء عبدة القبور أو الذين ستغيثون بغير الله يقال هؤلاء مشركون خرافيون وإذا قيل أنهم كفار هو صحيح باعتبار الظاهر ولكن لا تترتب عليهم أحكام الكفر كاملة، أحكام المرتد كاملة، وأهل العلم اختلفوا هل يعاملون معاملة المرتد أم معاملة الكافر الأصلي إذا كانوا نشؤوا في ذلك ولم يكن تمت من يبين لهم على خلاف بينهم في ذلك؛ المقصود من هذا تحرير أصل المسألة، وهو أن الكفر عند أهل السنة والجماعة يكون بالاعتقاد، إما بخلو القلب مما اعتقده من الإيمان أو باعتقاد شيء يناقضه، وبالعمل بخلوه من العمل أصلا لم يعمل خيرا قط، فاته جنس العمل، لم يعمل وإنما اكتفى بالشهادة قولا واعتقادا ولم يعمل جنس العمل فهذا يسلب عنه، أو عمل عملا مضاد لأصل الإيمان وكذلك القول قال أو ترك القول؛ هذه مسألة لا شك أنها مهمة، والأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أوضحوا ذلك وبينوه، وفي كلام أئمة الدعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب – رحمه الله – وتلامذته وأبناؤه ما يكفي ويشفي ........

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    الصواب وجوبه بالسمع والعقل وإن اختلفت جهة الإيجاب فالعقل يوجبه بمعنى اقتضائه لفعله وذمه على تركه وتقبيحه لضده والسمع يوجبه بهذا المعنى ويزيد إثبات العقاب على تركه والإخبار عن مقت الرب تعالى لتاركه وبغضه له وهذا قد يعلم بالعقل فإنه إذا تقرر قبح الشيء وفحشه بالعقل وعلم ثبوت كمال الرب جل جلاله بالعقل أيضا اقتضى
    ثبوت هذين الأمرين علم العقل بمقت الرب تعالى لمرتكبه وأما تفاصيل العقاب وما يوجبه مقت الرب منه فإنما يعلم بالسمع.
    بارك الله فيك اخي الكريم
    ابن القيم رحمه يقول ان اثبات العقاب قد يعلم بالعقل و رد ذلك الى امرين
    - قبح الشرك و فحشه
    - ثبوت كمال الرب جل و علا

    فهذا يقتضي اثبات العقاب دون تفاصيله

    سؤال /
    لو ان احدا الزمنا بهذا بان نثبت العقاب دون تفاصيله قبل ورود الشرع
    لان قبح الشرك مستقر في الفطر و العقول قبل ورود الشرع و كمال الرب عز وجل كذلك

    فيلزم كل من يقر بقبح الشرك و كمال الرب ان يثبت العقاب دون تفاصيله قبل ورود الشرع ؟

    و هذا الكلام و لو على ما فصله ابن القيم يدل على ان اثبات العقاب بدون تفاصيله قبل ورود الشرع هو مقتضى كمال الرب و حكمته
    فلو لم يكن مستحقا قبل ورود الشرع لما كان اثباته حكمة و من مقتضى الكمال
    بل نفيه يكون هو الاليق بحكمة الرب و كماله .

    و من جهة اخرى /

    ان العقاب المتكلم عليه هو ما كان قبل ورود الشرع .
    فلو لم يكن العقاب ثابت الا بورود الشرع . لما ثبت قبل الشرع عقاب يدرك بالعقل الصريح
    لان ما اثبته العقل الصريح نفاه على قولنا النص الصحيح . و يكون العقاب قبل الشرع منفي عقلا و شرعا
    فاما ان يلزم من حكمة الله و كماله العقاب قبل الشرع ( و قد اخبر ابن القيم ان العقل قد يدرك ذلك دون تفاصيله )
    و اما ان يلزم من حكمة الله عز وجل و كماله عدم العقاب قبل الشرع .
    اما ان نثبت الاثنين و نرجعهما الى الكمال و الحكمة
    فلم يظهر لي من هذا الا التناقض

    و الله اعلم

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك اخي الكريم
    ابن القيم رحمه يقول ان اثبات العقاب قد يعلم بالعقل و رد ذلك الى امرين
    - قبح الشرك و فحشه
    - ثبوت كمال الرب جل و علا

    فهذا يقتضي اثبات العقاب دون تفاصيله

    سؤال /
    لو ان احدا الزمنا بهذا بان نثبت العقاب دون تفاصيله قبل ورود الشرع
    لان قبح الشرك مستقر في الفطر و العقول قبل ورود الشرع و كمال الرب عز وجل كذلك

    فيلزم كل من يقر بقبح الشرك و كمال الرب ان يثبت العقاب دون تفاصيله قبل ورود الشرع ؟

    و هذا الكلام و لو على ما فصله ابن القيم يدل على ان اثبات العقاب بدون تفاصيله قبل ورود الشرع هو مقتضى كمال الرب و حكمته
    فلو لم يكن مستحقا قبل ورود الشرع لما كان اثباته حكمة و من مقتضى الكمال
    بل نفيه يكون هو الاليق بحكمة الرب و كماله .

    و من جهة اخرة /

    ان العقاب المتكلم عليه هو ما كان قبل ورود الشرع .
    فلو لم يكن العقاب ثابت الا بورود الشرع . لما ثبت قبل الشرع عقاب يدرك بالعقل الصريح
    لان ما اثبته العقل الصريح نفاه على قولنا النص الصحيح . و يكون العقاب قبل الشرع منفي عقلا و شرعا
    فاما ان يلزم من حكمة الله و كماله العقاب قبل الشرع ( و قد اخبر ابن القيم ان العقل قد يدرك ذلك دون تفاصيله )
    و اما ان يلزم من حكمة الله عز وجل و كماله عدم العقاب قبل الشرع .
    اما ان نثبت الاثنين و نرجعهما الى الكمال و الحكمة
    فلم يظهر لي من هذا الا التناقض

    و الله اعلم
    اخى الكريم علم العقل بثبوت العقاب لا يوجب العذاب - لأن العقاب لا يتعلق بما تدركه العقول كما قال ابن القيم لاختلاف جهة الايجاب -فمتعلق العقاب هو كما قال جل وعلا : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/ 15 .
    وقال عز وجل : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) التوبة/ 115 . هذا هو ما يتعلق به العذاب -هو قيام الحجة--اما مجرد علم العقل فلا يترتب عليه العقاب كما قال ابن القيم- أن العقاب على ترك هذا الواجب يتأخر إلى حين ورود الشرع كما دل عليه قوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وقوله {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} وقوله{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} وقوله{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} فهذا يدل على أنهم ظالمون قبل إرسال الرسل وأنه لا يهلكهم بهذا الظلم قبل إقامة الحجة عليهم فالآية رد على الطائفتين معا من يقول إنه لا يثبت الظلم والقبح إلابالسمع ومن يقول إنهم معذبون على ظلمهم بدون السمع فالقرآن يبطل قول هؤلاء وقول هؤلاء كما قال تعالى{وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فأخبر أن ما قدمت أيديهم قبل إرسال الرسل سبب لإصابتهم بالمصيبة ولكن لم يفعل سبحانه ذلك قبل إرسال الرسول الذي يقيم به حجته عليهم كما قال تعالى {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
    عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وقال تعالى{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} وقوله {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} إلى قوله {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} وهذا في القرآن كثير يخبر أن الحجة إنما قامت عليهم بكتابه ورسوله كما نبههم بما في عقولهم وفطرهم من حسن التوحيد والشكر وقبح الشرك والكفر-------------------------فدقق جيدا اخى الكريم الطيبونى فى كلام ابن القيم لا تجد فيه اى تعارض حيث قال-
    فأخبر أن ما قدمت أيديهم قبل إرسال الرسل سبب لإصابتهم بالمصيبة ولكن لم يفعل سبحانه ذلك قبل إرسال الرسول-----فابن القيم رحمه الله يقول عن هذا العلم الذى قد يدركه العقل- أن ما قدمت أيديهم قبل ارسال الرسل[سبب لإصابتهم بالمصيبة] --فقد يدرك العقل هذا السبب يدرك ان ما قدمت يداه [سبب لإصابتهم بالمصيبة] ولكن الله سبحانه وتعالى لا يعذبه بهذا الادراك لكمال عدله -ولذلك قال ابن القيم - ولكن الله سبحانه وتعالىلم يفعل ذلك قبل إرسال الرسول
    فقولك
    فلم يظهر لي من هذا الا التناقض
    لا تناقض بفضل الله فى كلام ابن القيم رحمه الله لان ابن القيم قال[وهذا قد يعلم بالعقل] على وجه الاحتمال لأن العقول وإن دلت على ذلك فتلك الدلاله على وجه الاحتمال ولا بد من تفصيل ما يجب لله على عباده من حقوق وواجبات ،وما يتصف به من صفات الكمال ، وبيان ما يضاد ذلك الحال فالعقول لاتهدي لتفصيل ذلك -وايضا بعد الحجج والبراهين العقلية والمواثيق والايات الافاقية والفطرة التى فطر الله عليها العباد التى توجب بطلان الشرك تأتى الحجة التى توجب العذاب وذلك عن طريق الرسل الكرام-لذلك يقول ابن القيم-فإنهم يقولون عقولنا لا تدل على ذلك وإنما هو مجرد إخبارك فما هذا النظر والتفكر والاعتبار والسير في الأرض وما هذه الأمثال المضروبة والأقيسة العقلية والشواهد العيانية أفليس في ذلك أظهر دليل على حسن التوحيد والشكر وقبح الشرك والكفر مستقر في العقول والفطرمعلوم لمن كان له قلب حي وعقل سليم وفطرة صحيحة قال تعالى {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وقال تعالى{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} وقال تعالى{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} وقال تعالى {ذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون} وقال تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}------فعلم العقل بثبوت العقاب لا يوجب هذا العقاب الذى علمه واثبته - وانما الذى يوجبه هو الرسل لذلك قال ابن القيم وان اختلفت جهة الايجاب

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي

    طيب
    من ادرك حسن التوحيد و قبح الشرك قبل بلوغ دعوة الرسول اليه
    و ادرك على العموم عقاب الله عز وجل على الشرك و الظلم و العدوان
    و مع ذلك عدل بعبادة ربه فاشرك به الاصنام و ركب ما يبغضه تعالى من الفاحشة و العدوان
    فانتهك الحرمة و هو يعلم ان ذلك مما يعاقب عليه الحكيم الخبير

    على قولنا لا يعاقب على ذلك لعدم بعثة الرسول ؟

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    طيب
    من ادرك حسن التوحيد و قبح الشرك قبل بلوغ دعوة الرسول اليه
    و ادرك على العموم عقاب الله عز وجل على الشرك و الظلم و العدوان
    و مع ذلك عدل بعبادة ربه فاشرك به الاصنام و ركب ما يبغضه تعالى من الفاحشة و العدوان
    فانتهك الحرمة و هو يعلم ان ذلك مما يعاقب عليه الحكيم الخبير

    على قولنا لا يعاقب على ذلك لعدم بعثة الرسول ؟
    سبق اخى الكريم ان وضحنا مرارا فى كلام ابن القيم رحمه الله أن العذاب يستحق بشيئين، أحدهما : الإعراض عن الحجة وعدم إرادته لها ولموجبها، الثاني : العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها . فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد، وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا هو الذي نفى الله التعذيب عليه حتى تقوم حجته بالرسل . ------- نعم لا بد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان في الوجود، فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه، فهم قسمان أحدهما مريد للهدى مؤثر له محب له غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم مرشد، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة، الثاني : مُعْرض لا إرادة له ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه فالأول يقول : يا رب لو أعلم لك دينا خيرا مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي، والثاني : راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق فالأول كمن طلب الدين في الفترة فلم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزا وجهلا، والثاني كمن لم يطلبه بل مات على شركه ولو كان طلبه لعجز عنه، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض ---------اما قولك اخى الكريم
    على قولنا لا يعاقب على ذلك لعدم بعثة الرسول ؟
    الصحيح ان تقول على قوله تعالى لا يعاقب على ذلك لعدم بعثة الرسول -قال جل وعلا وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فإنه قال فيها : حتى نبعث رسولا ، ولم يقل حتى نخلق عقولا------------------------
    اما قولك
    و مع ذلك عدل بعبادة ربه
    ابن القيم رحمه الله يتكلم عمن عدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزا وجهلا فهذا هو الذى حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة ----------------- ---- فعليك بالتفصيل والتبيين فالـ --- إطلاق والإجمال دون بيان
    قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ --- أذهان والآراء كل زمان

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    May 2021
    المشاركات
    17

    افتراضي رد: حسن التوحيد وقبح الشرك

    قال بن تيمية رحمه الله: (فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ..)
    سؤال: اسم المشرك ثبت قبل الرسالة، الثبوت المقصود به هنا ثبوت بالنص الشرعي وليس ثابت بالفطرة والعقل؟ فالواجب على المسلم اعتقاد ان من فعل الشرك مشرك ولو لم تقم الحجة، ودل على ذلك النص الشرعي فقط واما الفطرة العقل فلا .
    ارجو توضيح ان كان هناك خطأ في كلامي.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حسن التوحيد وقبح الشرك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي بن حاج زيد مشاهدة المشاركة
    قال بن تيمية رحمه الله: (فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ..)
    سؤال: اسم المشرك ثبت قبل الرسالة، الثبوت المقصود به هنا ثبوت بالنص الشرعي وليس ثابت بالفطرة والعقل؟ فالواجب على المسلم اعتقاد ان من فعل الشرك مشرك ولو لم تقم الحجة، ودل على ذلك النص الشرعي فقط واما الفطرة العقل فلا .
    ارجو توضيح ان كان هناك خطأ في كلامي.
    نعم هذا الكلام خطأ وجوابه فى هذا البحث
    ذهبت المعتزلة إلى القول بالتحسين والتقبيح العقلي،:

    ذهبوا إلى إثبات الحسن والقبح بالعقل وجعلوا حسن الأفعال وقبحها للعقل فقط .

    قالوا :إن حسن الأشياء وقبحها صفتان ذاتيتان في الأشياء، والفعل حسن أو قبيح، إما لذاته، وإما لصفة من صفاته اللازمة له، وإما لوجوه واعتبارات أخرى ولذا قالوا بإمكان إدراكها بالعقل.

    أما الشرع فجعلوه كاشف ومبين لتلك الصفات فقط .

    ونتيجة لذلك جعلوا استحقاق الثواب والعقاب على مجرد معرفة العقل حسن الأفعال وقبحها ولو لم تبعث الرسل .

    وإليك ذكر طرف من أقوالهم الكاشفة لحقيقة مذهبهم في ذلك :
    - قال ابن المرتضي : إنما يقبح الشيء لوقوعه على وجه من كونه ظلما أو كذبا أو مفسدة، إذ متى علمناه كذلك علمنا قبحه، وإن جهلنا ما جهلنا، ومتى لا فلا، وإن علمنا ما علمنا

    - قال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في كتابه :(شرح الأصول الخمسة ):(قد ذكرنا أن وجوب المصلحة وقبح المفسدة متقرران في العقل .

    - وقال في كتابه :(المغني في أبواب التوحيد ):(إن في الأفعال الحسنة ما يعلم من حاله أن فاعله يستحق المدح بفعله

    - وقال : قد بينا بطلان قول المجبرة الذين يقولون إن بالعقل لا يعرف الفرق بين القبيح والحسن، وإن ذلك موقوف على الأمر والنهي بوجوه كثيرة، فليس لأحد أن يقول :إنما يحتاج إلى السمع ليفصل العاقل بين الواجب والقبيح

    - وقال في نفس الكتاب في تعريف القبيح : إنه ما إذا وقع على وجه من حق العالم بوقوعه كذلك من جهته، المخلي بينه وبينه، أن يستحق الذم إذا لم يمنع منه مانع، وهذا مستمر في كل قبيح ...
    وقال كذلك مقررا أن الشرع مجرد كاشف عن أشياء معلومة مسبقا بالعقل وأن العقل هو الذي يوجبها وليس الشرع، قال
    :(
    واعلم أن النهي الوارد عن الله عز وجل يكشف عن قبح القبيح، لا أنه يوجب قبحه، وكذلك الأمر يكشف عن حسنه، لا أنه يوجب حسنه

    وقال : إنا لو علمنا بالعقل أن الصلاة مصلحة لنا لزمت كلزومها إذا عرفنا ذلك من حالها شرعا، لأنا إذا علمنا بالعقل ما نعلمه بدليل السمع بعينه فيجب كون الفعل لازما

    وقال أبو هذيل العلاف :
    يجب على المكلف أن يعرف الله بالدليل من غير خاطر، وإن قصر في المعرفة استوجب العقاب أبدا، ويعلم حسن الحسن وقبح القبيح، فيجب عليه الإقدام على الحسن كالصدق والعدل، والإعراض عن القبيح كالكذب والفجور .

    وقال الشهرستاني عن المعتزلة :(وقال أهل العدل -المعتزلة المعارف كلها معقولة بالعقل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع، والحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح .
    وجمهور الماتريدية قد قالوا كما قالت المعتزلة، إلا أنهم خالفوهم في إيجابهم على الله تعالى فعل الصلاح والأصلح، لعباده، ووجوب الرزق والثواب على الطاعة، وفي غيرها من المسائل


    مما ينبه له أن المعتزلة يرون -كغيرهم -أن بعض الأشياء إنما يعلم حسنها أو قبحها بالشرع، ولا يدرك العقل حسنها ولا قبحها، ضرورة ولا نظرا، وإن كان في الجملة يعلم حسن كل ما أمر به الشرع، ويدرك الحسن إجمالا، ويعلم قبح الأشياء التي نهى عنها الشرع، ويدرك القبح إجمالا، ومن تلك الأشياء :
    تفاصيل العبادات التي لا يدرك العقل حكمتها، وذلك كحسن كون صلاة المغرب ثلاث ركعات، والفجر ركعتين، وقبح تحري الصلاة وقت النهي، وحسن صيام آخر يوم من رمضان، وقبح صيام أول يوم من شوال، ونحو ذلك مما لا يدركه العقل ابتداءً، ومن ذلك :إلزام العاقلة الدية، يقول القاضي عبد الجبار : كما ورد الشرع في إلزام العاقلة الدية، ولم يقع منها إتلاف، وهذا مما لا مدخل له في التكاليف العقلية، وإن كانت مجوزة لورود السمع به
    فهم يرون أن بعض تفاصيل الحسن والقبح لا تدرك بالعقل، وإنما بينها الشرع، ولذلك أوجبوا على الله بعثة الرسل .
    يقول القاضي عبد الجبار مقررا هذا المعنى
    لما لم يمكنا أن نعلم عقلا أن هذا الفعل مصلحة وذلك مفسدة، بعث الله إلينا الرسل ليعرفونا ذلك من حال هذه الأفعال، فيكونوا قد جاءوا بتقرير ما قد ركبه الله تعالى في عقولنا، وتفصيل ما قد تقرر فيها

    وقع خلاف بين المعتزلة في مسألة قبح الأفعال وحسنها، هل هو لذاته أم لصفة من صفاته اللازمة له :

    فمدرسة البصرة، وعلى رأسهم (أبو هاشم الجبائي والقاضي عبد الجبار :يرون أن الفعل الحسن والقبيح إنما كان ذلك لوجوه واعتبارات وأوصاف إضافية وقع الفعل عليها .

    اما مدرسة بغداد :فترى أن الحسن والقبح إنما هو لذات الفعل .

    وقال بعضهم : أن الحسن والقبح إنما هو لصفة حقيقية توجب ذلك

    مناقشة قول المعتزلة في التحسين والتقبيح .

    مما سبق من تقرير مذهب المعتزلة،
    نجد أنهم أصابوا من جهة وأخطأوا من من جهة أخرى
    :

    أصابوا :بقولهم إن لتلك الأفعال حسنا وقبحا ذاتيا يمكن إدراكه بالعقل .

    وأخطأوا : في إيجابهم على الله تعالى أشياء بمحض عقولهم . بل أوجبوا على الله أشياء مخالفة للصحيح الصريح من نصوص الكتاب والسنة، ورود الشرع .

    وثانيا : في أنهم رتبوا التكليف والعقاب والثواب على ذلك، حتى لو كان قبل الرسالة

    فيجاب عليهم :

    أن إيجابهم العقلي على الله باطل، لأنه يلزم أن يكون هناك موجب فوق الله أوجب علي شيئا، ولا موجب عليه سبحانه، كما يلزم عيه ألا يكون سبحانه فاعلا مختارا، وهو باطل

    وقولهم هذا فيه تشبيه لله بخلقه، فهم يوجبون على الله ما يوجبونه على العبد، ويحرمون عليه من جنس ما يحرمونه على العبد، وهذا أمر باطل، فالله تعالى كما أنه ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، فكذلك ليس كمثله شيء في أفعاله، وكيف يقاس تعالى بخلقه ونحن نرى كثيرا من الأفعال تقبح من العبد وهي حسنة منه تعالى لحكم يعلمها سبحانه، كإيلام الأطفال والحيوان

    أما ما أوجبه الله تعالى على نفسه فهو حق لا مرية فيه، فالله تعالى يجب عليه ما أوجبه على نفسه، ويحرم عليه ما حرمه على نفسه، فهو الذي كتب على نفسه الرحمة، وأحق على نفسه نصر المؤمنين، وثواب المطيعين، وحرم على نفسه الظلم .
    قال تعالى:"كتب ربكم على نفسه الرحمه"

    وقال : " وكان حقا علينا نصر المؤمنين" .

    وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا

    .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه فهذا قول القدرية، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه ،وأنه ما شاء كان وما شاء لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئا ،ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب قال : إنه كتب على نفسه الرحمة، وحرم الظلم على نفسه، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئا كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، فهو الخالق لهم وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسر لهم الإيمان والعمل الصالح، ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على المستأجر فهو جاهل في ذلك

    وأما الجواب على خطأهم الثاني في أنهم رتبوا الإيجاب والثواب والتحريم والعقاب على التحسين والتقبيح العقلي ولو لم يرد به الشرع،
    فيقال
    :
    إنه
    لا تلازم بين هذين الأمرين، فالأفعال في نفسها حسنة وقبيحة،
    لكن لا يترتب
    عليها الثواب والعقاب إلا بالأمر والنهي،
    وقبل العقاب لا يكون قبيحا موجبا
    للعقاب مع قبحه في نفسه،
    بل هو في غاية القبح، والله تعالى لا يعاقب عليه
    إلا بعد إرسال الرسل،
    فالكذب والسرقة والزنا كلها قبيحة في ذاتها، لكن
    العقاب عليها مشروط بالشرع

    فترتيب العقاب على فعل القبيح أو ترك الواجب مشروط بالسمع، وانتفاء العقاب عند انتفاء السمع من انتفاء المشروط لانتفاء شرطه، لا من انتفاء المسبب لانتفاء سببه، فإن سببه قائم ومقتضيه موجود، إلا أنه لم يتم لتوقفه على شرطه، وعلى هذا فكونه متعلقا للثواب والعقاب والمدح والذم عقلي، وإن كان وقوع العذاب موقوف على شرط وهو ورود السمع

    ويلزم على قول المعتزلة أن الحجة تقوم بدون الرسل، وهذا باطل .

    وقد دل القران على عدم التلازم بين التحسين العقلي والثواب، ولا بين التقبيح العقلي والعقاب، وأن الله تعالى لا يعاقب إلا بإرسال الرسل، وأن الفعل نفسه حسن أو قبيح، قال تعالى :
    "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"

    فدلت الآية على أن العذاب لا يكون إلا ببعثة الرسل، وهو دليل على أن العقاب لا يثبت إلا بالشرع .
    "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ"

    فدلت الآية –كسابقتها -على أنه لا يثبت العقاب إلا بالشرع، فالخزنة لم يسألوهم عن مخالفتهم العقل، بل سألوهم عن مخالفتهم للنذير .

    مذهب الأشاعرة في التحسين والتقبيح .

    المبحث الأول :تقرير مذهبهم

    ذهب الأشاعرة إلى القول بالتحسين والتقبيح الشرعيين لا العقليين :

    فقالوا
    :
    إنه لا يجب على الله شيء من قبل العقل، ولا يجب على العباد شيء قبل ورود السمع .

    وقالوا
    :
    إن الحسن والقبح الذي يتعلق به المدح والثواب، و الذم والعقاب، إنما يدرك بالشرع فحسب، وليست الأشياء في ذاتها حسنة ولا قبيحة بل توصف بذلك باعتبارات غير حقيقية .

    فهم ذهبوا إلى أن الحسن والقبح في الأشياء اعتباري ونسبي، أي :أنه ليس صفة لازمة وذاتية في الشيء، وإنما يعرف حسن الأشياء وقبحها باعتبارات إضافية .
    قال الآمدي في سياق تقريره لمذهب الأشاعرة :
    إن الحسن والقبح ليس وصفا ذاتيا للحسن والقبيح،
    ولا أن ذلك مما يدرك بضرورة
    العقل ونظره،
    بل إطلاق لفظ الحسن والقبح عندهم باعتبارات غير حقيقية، بل
    إضافية، يمكن تغيرها وتبدلها بالنظر إلى الأشخاص والأزمان والأحوال

    ويقول الجويني :
    العقل لا يدل على حسن شيء ولا قبحه، وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع، وموجب السمع،
    وأصل القول في ذلك أن الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة
    لازمة له،
    وكذلك القول فيما يقبح، وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي
    له في جملة أحكام صفات النفس، فإذا ثبت أن الحسن والقبح عند أهل الحق لا يرجعان إلى جنس وصفة نفس
    فالمعنى بالحسن
    :ما ورد الشرع بالثناء على فاعله،
    والمراد بالقبيح
    :ما ورد الشرع بذم فاعله

    يقول الإيجي :
    ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها،
    وليس ذلك عائدا إلى أمر حقيقي في الفعل
    يكشف عنه الشرع،
    بل الشرع هو المثبت له والمبين،
    ولو عكس القضية فحسن ما
    قبحه وقبح ما حسنه، لم يكن ممتنعا، وانقلب الأمر

    فعلى هذا قد يأمر الله بالشرك والكفر والقتل والزنا فتكون حسنة، وقد ينهى عن التوحيد والصدق والإحسان فتكون قبيحة .

    ومما يدل على فساد قولهم أنهم قد أجازوا على الله فعل أشياء يتنزه عنها الرب تعالى، ولا يصح أن تنسب إليه، كتعذيب عباده المخلصين، وتنعيم عدائه الكافرين .

    :مناقشة قول الأشاعرة في التحسين والتقبيح .

    ما ذهب إليه الأشاعرة من نفي حسن الأفعال وقبحها وتعطيل العقل عن معرفة ذلك، قد خالفوا به صحيح المنقول وصريح المعقول :

    ا - فمخالفتهم لصحيح المنقول
    :
    ففي القران آيات كثيرة تدل على أن الحسن والقبح ثابت للأشياء في ذاتها،

    قال تعالى:"يَأْمُرُه ُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ"

    ووجه الدلالة :الآية صريحة في ن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها،
    فالمعروف الذي يأمر به الله ما
    تعرفه وتقر به العقول السليمة، والفطر المستقيمة،
    والمنكر الذي نهاهم عنه
    هو ما تنكره العقول والفطر السليمة، وتقر بقبحه،
    ولو لم يمن للأشياء حسن
    وقبح لذاتها،
    وإنما كان ذلك من قبل الشارع وأن ما أمر به الحسن وما نهى
    عنه هو القبيح
    لكان معنى الآية
    : يأمرهم بما يأمرهم به، وينهاهم عما ينهاهم عنه وهذا لا يقوله عاقل فضلا عن رب العالمين .

    وقال تعالى أيضا :
    ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فدلت الآية على أن الحلال كان طيبا قبل حله، وأن الخبيث كان خبيثا قبل تحريمه , فلو كان الحلال والخبيث إنما عرفا بالتحليل والتحريم لكان معنى الآية يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم وهذا لا يليق بنظم كلام الله تعالى .

    نعم :الطيب إذا أحل من الشارع فقد اكتسب طيبا آخر إلى طيبه، فصار طيبا من الوجهين،
    وكذلك القبيح إذا نهى الشارع عنه اكتسب قبحا إلى قبحه، فصار قبيحا من الوجهين معا .

    وقال تعالى:
    "وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً"
    فدلت الآية على أن الزنى إنما تعلق به النهي لكونه قبيحا وفاحشة،

    وهذا الوصف ثابت له قبل النهي عنه،
    ولو لم يكن قبيحا وفاحشة في نفسه لكان
    معنى الآية :
    ولا تقربوا الزنى فإنه منهي عنه، وهذا من تعليل الشيء بنفسه وهو باطل .

    أن هذه الأدلة تدخل في الأدلة التي سبقت في ثبات الحكمة والتعليل في أفعاله سبحانه،
    فنفي الأشاعرة للحكمة والتعليل نتج عنه قولهم بنفي الحسن
    والقبح العقلي .

    قال تعالى
    :
    أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون
    فأخبر
    سبحانه أن الحق لو اتبع أهواء العباد فجاء شرع الله ودينه بأهوائهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن،
    ومعلوم أن عند النفاة يجوز أن يرد شرع الله
    ودينه بأهواء العباد،
    وأنه لا فرق في نفس الأمر بين ما ورد به وبين ما
    تقتضيه أهواؤهم إلا مجرد الأمر،
    وإنه لو ورد بأهوائهم جاز وكان تعبدا
    ودينا،
    وهذه مخالفة صريحة للقرآن،
    وإنه من المحال أن يتبع الحق أهوائهم
    ،وأن أهواءهم مشتملة على قبح عظيم لو ورد الشرع به لفسد العالم أعلاه وأسفله وما بين ذلك،
    ومعلوم أن هذا الفساد إنما يكون لقبح خلاف ما شرعه
    الله وأمر به ومنافاته لصلاح العالم علويه وسفليه،
    وإن خراب العالم وفساده
    لازم لحصوله ولشرعه،
    وأن كمال حكمة الله وكمال علمه ورحمته وربوبيته يأبى
    ذلك ويمنع منه،
    ومن يقول
    : الجميع في نفس الأمر سواء يجوز ورود التعبد بكل شيء، سواء كان من مقتضى أهوائهم أو خلافها

    وأما مخالفتهم لصريح المعقول فيما ذهبوا إليه من نفي الحسن والقبح الذاتي للأفعال،
    وتعطيل العقل عن معرفة ذلك
    ففيه جمع بين الأمور المختلفة
    الممتنعة عند ذوي العقول الصريحة والفطر المستقيمة،
    فإذا كان العقل ليس له
    دخل في معرفة حسن الأفعال وقبحها،
    فإن ذلك يستلزم أن تكون الأفعال الحسنة
    والقبيحة في حقه متساوية كالصدق والكذب والعدل والظلم والكرم والبخل والبر والفجور، وحكم الضدين بهذه العبارة يكون باطلا لا يقول به من له أدنى مسكة من علم وإيمان وعقل

    قال تعالى:
    "أَمْ
    نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِين َ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ"

    وقال جل وعلا :
    "أًمْ
    حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ"

    قال ابن القيم :
    فدل على أن هذا حكم سيء قبيح ينزه الله عنه ولم ينكره سبحانه من جهة أنه أخبر بأنه لا يكون، وإنما أنكره من جهة قبحه في نفسه، وإنه حكم سيء يتعالى ويتنزه عنه لمنافاته لحكمته وغناه وكماله ووقوع أفعاله كلها على السداد
    والصواب والحكمة، فلا يليق به أن يجعل البر كالفاجر ولا المحسن كالمسيء ولا المؤمن كالمفسد في الأرض، فدل على أن هذا قبيح في نفسه تعالى الله عن فعله

    ومن قال :إن الأفعال ليس فيها صفات تقتضي الحسن والقبح لذاتها
    فهو بمنزلة قوله :ليس في الأجسام صفات تقتضي التسخين، والتبريد، والإشباع ، والإرواء ، فسلب صفات الأعيان المقتضية للآثار كسلب صفات الأفعال المقتضية للآثار

    وكذلك يقال
    :
    إن حسن الصدق وقبح الكذب أمر يدركه العقلاء، وهو مركوز في الفطر، والقول بأن الكذب قد يحسن أحيانا كما لو رتب عليه عصمة مسلم من القتل ظلما غير مسلَّم، فتخلف القبح عن الكذب لفوات شرط، أو لقيام مانع، يقتضي مصلحة راجحة على الصدق، لا تخرجه عن كونه قبيحا لذاته، ومن ذلك أن الله حرم الميتة والدم ولحم الخنزير للمفسدة في تناولها وهي ناشئة من ذوات هذه المحرمات، وتخلف التحريم عنها عند الضرورة لا يوجب أن تكون ذاتها غير مقتضية للمفسدة التي حرمت لأجلها، فهذا الكذب متضمن عصمة المسلم

    مذهب أهل السنة والجماعة في التحسين والتقبيح

    أن أهل السنة والجماعة هم أسعد المذاهب بالأدلة
    التي نظر كل فريق
    من الفريقين الآخرين إلى طرف منها وأهملوا طرفا،
    وحكَّموا عقولهم الفاسدة
    على الشرع حينا،
    واطرحوا العقل وأتوا بما يسخر منه البشر في أحيان أخر
    .

    فوافق أهلُ السنة المعتزلة في قولهم :
    إن للأفعال حسنا وقبحا ذاتيين يمكن إدراكه بالعقل،


    وخالفوهم حين قالوا بترتب التكليف والعقاب على ذلك الحكم العقلي،

    وكذلك خالفوهم حين أوجبوا على الله ما حسنته عقولهم وحرموا عليه ما قبحته عقولهم .

    وخالف أهلُ السنة الأشاعرة
    في زعمهم ن تلك الأفعال لم تثبت لها صفة الحسن والقبح
    إلا بخطاب الشرع، وأنها في ذاتها ليست حسنة ولا قبيحة،

    ووافقوهم في قولهم بأن التكليف والعقاب موقوف على خطاب الشرع، وفي إثباتهم للحسن والقبح الشرعيين .

    فمذهب أهل السنة :

    إثبات حسن بعض الأفعال وقبحها بالعقل والشرع، ولا يلزم أن يدركها جميعا، لأن منها ما قد يخفي على بعض العقول،و الشرع زاد حسن الأفعال الحسنة بالعقل حسنا، وزاد القبيحة قبحا .
    الثواب على فعل الأفعال الحسنة، والعقاب على فعل الأفعال القبيحة إنما هو من قبل الشارع، فلا يجب على المكلف شيء قبل ورود الشرع .

    قال ابن القيم رحمه الله
    :
    وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه،
    وأنه لا يعذب
    الله عليه إلا بعد إقامة الحجة بالرسالة،
    وهذه النكتة هي التي فاتت
    المعتزلة والكلابية كليهما،
    فاستطالت كل طائفة منهما على الأخرى لعدم جمعهما بين هذين الأمرين،

    فاستطالت الكلابية على المعتزلة
    بإثباتهم العذاب قبل إرسال الرسل،
    وترتيبهم العقاب على مجرد القبح العقلي، وأحسنوا في رد ذلك عليهم،
    واستطالت المعتزلة عليهم في إنكارهم الحسن والقبح العقليين جملة،
    وجعلهم
    انتفاء العذاب قبل البعثة دليلا على انتفاء القبح واستواء الأفعال في أنفسها، وأحسنوا في رد هذا عليهم،
    فكل طائفة استطالت على الأخرى بسبب
    إنكارها الصواب
    ،
    وأما من سلك هذا المسلك الذي سلكناه فلا سبيل لواحدة من
    الطائفتين إلى رد قوله،
    ولا الظفر عليه أصلا فانه موافق لكل طائفة على ما
    معها من الحق مقرر له مخالف في باطلها منكر له

    وقال :
    والحق الذي لا يجد التناقض إليه السبيل أنه لا تلازم بينهما أي بين الحسن والقبح الذاتي المدرك بالعقل، وترتب الثواب والعقاب عليهما

    وأن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة كما أنها نافعة وضاره،
    والفرق بينهما كالفرق
    بين المطعومات والمشمومات والمرئيات ،ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي،
    وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحا موجبا للعقاب مع
    قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح،
    والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال
    الرسل،
    فالسجود للشيطان والأوثان والكذب والزنا والظلم والفواحش كلها
    قبيحة في ذاتها والعقاب عليها مشروط بالشرع

    وبين شيخ الإسلام أنواع الحسن والقبح في الأفعال فقال :

    قد ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من الشرائع ثلاثة أنواع :

    أحدها : أن يكون الفعل مشتملا على مصلحة أو مفسدة و لو لم يرد الشرع بذلك
    كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم، و الظلم يشتمل على فسادهم، فهذا النوع هو حسن و قبيح و قد يعلم بالعقل و الشرع قبح ذلك، لا أنه أثبت للفعل صفة لم تكن، لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقبا في الآخرة إذا لم يرد شرع بذلك، و هذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين و التقبيح، فإنهم قالوا إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة و لو لم يبعث إليهم رسولا، و هذا خلاف النص .. النوع الثاني :أن الشارع إذا أمر بشىء صار حسنا و إذا نهى عن شيء صار قبيحا و إكتسب الفعل صفة الحسن و القبح بخطاب الشارع
    و النوع الثالث : أن يأمر الشارع بشىء ليمتحن العبد هل يطيعه أم يعصيه و لا يكون المراد فعل المأمور به، كما أمر إبراهيم بذبح إبنه، فلما أسلما و تله للجبين حصل المقصود ففداه بالذبح ...فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به .

    و هذا النوع و الذي قبله لم يفهمه المعتزلة و زعمت أن الحسن و القبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع
    و الأشعرية إدعوا أن جميع الشريعة من قسم الإمتحان، و أن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع و لا بالشرع
    و أما الحكماء و الجمهور فأثبتوا الأقسام الثلاثة و هو الصواب

    فتبين بهذا أن المصلحة تنشأ من الفعل المأمور به تارة ومن الأمر تارة ومنهما تارة ومن العزم المجرد تارة [منقول]

    الثبوت المقصود به هنا ثبوت بالنص الشرعي وليس ثابت بالفطرة والعقل؟ فالواجب على المسلم اعتقاد ان من فعل الشرك مشرك ولو لم تقم الحجة، ودل على ذلك النص الشرعي فقط واما الفطرة العقل فلا .
    من خلال ما سبق يتبين أن هذا قول الاشاعرة حذو القذه بالقذه

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حسن التوحيد وقبح الشرك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    فتبين بهذا أن المصلحة تنشأ من الفعل المأمور به تارة ومن الأمر تارة ومنهما تارة ومن العزم المجرد تارة [منقول]
    قال الامام ابن القيم رحمه الله
    أن مصلحة المأمور تنشأ من الفعل تارة ومن الأمر تارة أخرى فرب فعل لم يكن منشأ لمصلحة المكلف فلما أمر به صار منشأ لمصلحة بالأمر ولو توسطوا هذا التوسط وسلكوا هذا المسلك
    وقالوا إن المصلحة تنشأ من الفعل المأمور به تارة ومن الأمر تارة
    ومنهما تارة ومن العزم المجرد تارة لانتصفوا من خصومهم
    فمثال الأول
    الصدق والعفة والإحسان والعدل فإن مصالحها ناشئة منها
    ومثال الثاني
    التجرد في الإحرام والتطهر بالتراب والسعي بين الصفى والمروة ورمي الجمار ونحو ذلك فإن هذه الأفعال لو تجردت عن الأمر لم تكن منشأ لمصلحة فلما أمر بها نشأت مصلحتها من نفس الأمر
    ومثال الثالث
    الصوم والصلاة والحج وإقامة الحدود وأكثر الأحكام الشرعية
    فإن مصلحتها ناشئة من الفعل والأمر معا فالفعل يتضمن مصلحة والأمر بها يتضمن مصلحة أخرى
    فالمصلحة فيها من وجهين
    ومثال الرابع
    أمر الله تعالى خليله إبراهيم بذبح ولده فإن المصلحة إنما نشأت من عزمه على المأمور به لا من نفس الفعل
    وكذلك أمره نبيه صلى الله عليه و سلم ليلة الإسراء بخمسين صلاة
    فلما حصرتم المصلحة في الفعل وحده تسلط عليكم خصومكم بأنواع المناقضات والإلزامات
    قالوا
    وقد أصاب النفاة حيث
    قالوا إن الحجة إنما تقوم على العباد بالرسالة وإن الله لا يعذبهم قبل البعثة
    ولكنهم نقضوا الأصل ولم يطردوه حيث جوزوا تعذيب من لم تقم عليه الحجة أصلا من الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه الدعوة وأخطؤا في تسويتهم بين الأفعال التي خالف الله بينها فجعل بعضها حسنا وبعضها قبيحا وركب في العقول والفطر التفرقة بينهما كما ركب في الحواس التفرقة بين الحلو والحامض والمر والعذب والسخن والبارد والضار والنافع
    فزعم النفاة أنه لا فرق في نفس الأمر أصلا بين فعل وفعل في الحسن والقبح
    وإنما يعود الفرق إلى عادة مجردة أو وهم أو خيال أو مجرد الأمر والنهى
    وسلبوا الأفعال حتى خواصها التي جعلها الله عليها من الحسن والقبح
    فخالفوا الفطر والعقول
    وسلطوا عليهم خصومهم بأنواع الإلزامات والمناقضات الشنيعة جدا ولم يجدوا إلى ردها سبيلا إلا بالعناء وجحدوا الضرورة وأصابوا في نفيهم الإيجاب والتحريم على الله الذي أثبتته القدرية من المعتزلة

    ووضعوا على الله شريعة بعقولهم قادتهم إلى مالا قبل لهم به من اللوازم الباطلة
    وأخطأوا في نفيهم عنه إيجاب ما أوجبه على نفسه وتحريم ما حرمه على نفسه بمقتضى حكمته وعدله وعزته وعلمه
    وأخطاوا أيضا في نفسهم حكمته تعالى في خلقه وأمره
    وأنه لا يفعل شيئا لشيء ولا يأمر بشيء لشيء
    وفي إنكارهم الأسباب
    والقوى التي أودعها الله في الأعيان والأعمال وجعلهم كل لام دخلت في القرآن لتعليل أفعاله وأوامره لام عاقبة وكل باء دخلت لربط السبب بسببه باء مصاحبة
    فنفوا الحكم والغايات المطلوبة في أوامره وأفعاله
    وردوها إلى العلم والقدرة فجعلوا مطابقة المعلوم للعلم ووقوع المقدور على وفق القدرة هو الحكمة ومعلوم أن وقوع المقدور بالقدرة ومطابقة المعلوم للعلم عين الحكمة والغايات المطلوبة من الفعل وتعلق القدرة بمقدورها والعلم بمعلومة اعم من كون المعلوم والمقدور مشتملا على حكمة ومصلحة أو مجردا عن ذلك والأعم لا يشعر بالأخص ولا يستلزمه
    وهل هذا في الحقيقة الا نفي للحكمة وإثبات لأمر آخر وأخطاوا في تسويتهم بين المحبة والمشيئة وأن كل ما شاءه الله من الأفعال والأعيان فقد أحبه ورضيتة وما لم يشأه نقد كرهه وأبغضه فمحبته مشيئته وإرادته العامة وكراهته وبغضه عدم مشيئته وإرادته فلزمهم من ذلك أن يكون إبليس محبوبا له وفرعون وهامان وجميع الشياطين والكفار بل أن يكون الكفر والفسوق والظلم والعدوان الواقعة في العالم محبوبة له مرضية وأن يكون الإيمان والهدى ووفاء العهد والبر التي لم توجد من الناس مكروهة مسخوطة له مكروهة ممقوتة عنده فسووا بين الأفعال التي فاوت الله بينها وسووا بين المشيئة المتعلقة بتكوينها وإيجادها والمحبة المتعلقة بالرضى بها وأخيارها وهذا مما استطال به عليهم خصومهم كما استطالوا هم عليهم حيث أخرجوها عن مشيئة الله وإرادته العامة ونفوا تعلق قدرته وخلقه بها
    فاستطال كل من الفريقين على الآخر بسبب ما معهم من الباطل
    وهدى الله أهل السنة الذين هم وسط في المقالات والنحل لما اختلف الفريقان فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم
    فالقدرية حجروا على الله وألزموه شريعة حرموا عليه الخروج عنها
    وخصومهم من الجبرية جوزوا عليه كل فعل ممكن يتنزه عنه سبحانه إذ لا يليق بغناه وحمده وكماله ما نزه نفسه عنه وحمد نفسه بأنه لا يفعله
    فالطائفتان متقابلتان غاية التقابل
    والقدرية أثبتوا له حكمة وغاية مطلوبة من افعاله على حسب ما أثبتوه لخلقه والجبرية نفوا والقدرية أثبتوا له حكمته اللائقة به التي لا يشابهه فيها أحد والقدرية قالت أنه لا يريد من عباده طاعتهم وإيمانهم وأنه لا يسأل ذلك منهم والجبرية قالت أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان ويرضاه من فاعله والقدرية قالت أنه يجب عليه سبحانه أن يفعل بكل شخص ما هو الأصلح له والجبرية قالت
    أنه يجوز أن يعذب أولياءه وأهل طاعته ومن لم يطعه قط وينعم أعداءه ومن كفر به
    وأشرك ولا فرق عنده بين هذا وهذا فليعجب العاقل من هذا التقابل والتباعد الذي يزعم كل فريق أن قولهم هو محض العقل وما خالفه باطل بصريح العقل
    وكذلك القدرية قالت
    أنه ألقى إلى عباده زمام الاختيار وفوض إليهم المشيئة والإرادة وأنه لم يخص أحدا منهم دون أحد بتوفيق ولا لطف ولا هداية بل ساوى بينهم في مقدوره ولو قدر أن يهدى أحدا ولم يهده كان بخلا وأنه لا يهدى أحدا ولا يضله إلا بمعنى البيان والإرشاد وأما خلق الهدى والضلال فهو إليهم ليس إليه وقالت الجبرية أنه سبحانه أجبر عباده على أفعالهم بل قالوا أن أفعالهم هي نفس أفعاله ولا فعل لهم في الحقيقة ولا قدرة ولا اختيار ولا مشيئة وإنما يعذبهم على ما فعله هو لا على ما فعلوه ونسبة أفعالهم إليه كحركات الأشجار والمياه والجمادات فالقدرية سلبوه قدرته على أفعال العباد ومشيئته لها والجبرية جعلوا أفعال العباد نفس أفعاله وأنهم ليسوا فاعلين لها في الحقيقة ولا قادرين عليها فالقدرية سلبته كمال ملكه والجبرية سلبته كمال حكمته والطائفتان سلبته كمال حمده
    وأهل السنة الوسط
    أثبتوا كمال الملك والحمد والحكمة فوصفوه بالقدرة التامة على كل شيء من الأعيان وأفعال العباد وغيرهم وأثبتوا له الحكمة التامة في جميع خلقه وأمره واثبتوا له الحمد كله في جميع ما خلقه وأمر به ونزهوه عن دخوله تحت شريعة يضعها العباد بآرائهم كما نزهوه عما نزه نفسه عنه مما لا يليق به فاستولوا على محاسن المذاهب وتجنبوا أرداها ففازوا بالقدح المعلى وغيرهم طاف على أبواب المذاهب ففاز باخس المطالب والهدى هدى يختص به من يشاء من عباده [مفتاح دار السعادة]http://islamport.com/w/qym/Web/3198/364.htm

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    May 2021
    المشاركات
    17

    افتراضي رد: حسن التوحيد وقبح الشرك

    حسن التوحيد وقبح الشرك مستقر في العقول والفطر معلوم لمن كان له قلب حي وعقل سليم وفطرة صحيحة وكذلك اسم المشرك ثابت قبل الرسالة مستقر في العقول والفطر.
    سؤال: مقصود ابن تيمية باسم المشرك ثابت قبل الحجة الرسالة المسمى وحقيقة المشرك اليس كذلك ؟

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حسن التوحيد وقبح الشرك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي بن حاج زيد مشاهدة المشاركة
    حسن التوحيد وقبح الشرك مستقر في العقول والفطر معلوم لمن كان له قلب حي وعقل سليم وفطرة صحيحة وكذلك اسم المشرك ثابت قبل الرسالة مستقر في العقول والفطر.
    سؤال: مقصود ابن تيمية باسم المشرك ثابت قبل الحجة الرسالة المسمى وحقيقة المشرك اليس كذلك ؟
    نعم بارك الله فيك- ثبوت الاسم والمسمى وقيام حقيقة الشرك بفاعله
    فالشرك من صناعة المشرك
    و الكفر من صناعة الكافر
    يقول تعالى : ﴿ أتعبدون ما تنحتون ﴾
    وهل الشرك إلا صناعة المشرك وهل يتصور وجوده إلا بفاعليه؟

    وهذا كلام أخى الفاضل ابن امارة فى غاية التحقيق والتدقيق والبيان -
    فيه ما يروى الغليل ويشفى العليل مع سجع جميل يوازن بين الكلمات له أثر حسن فى نفس القارئ بعيدا عن التكلف
    قال أخى الفاضل ابن أمارة
    ان ما يعنينا في باب الاسماء
    ان كل فعل يترتب عليه اسم يأخذه فاعله وذا امر مستقر ، ولا يحتاج في تقريره الي كثير بحث وطول نظر ، فهو يتفق عليه كافة البشر ، فالذي يشرب وهذا هو الفعل فإسمه الذي ياخذه شارب كما مر ، وكذلك الذي يصوم صائم والذي يقتل قاتل والذي يقر بذلك فهو مقر ، اي ان الفعل يستلزم الحاق اسم الفاعل لفاعله وينزل عليه ولا مفر ، كما لا يفر بحر من نزول المطر ، او تفر ارض من ظل الشجر ، فيدور اسم الفاعل مع الفعل كما تدور الشمس والقمر ، ولا يستعقل لا عقلا ولا شرعا هنا اعتبار الشروط او الموانع والعذر ، وذلك في انزال اسم الفاعل علي الفاعل اذا باشر الفعل فتدبر
    فلا يقال للشارب انه لا يسمي شاربا حتي يعلم ان فعله هذا شرب ، او حتي يقر ان الذي بيده هذا مشروب ، فبمجرد الشرب نحن نسميه شاربا وان لم يترتب علي فعله هذا اي اثر ، ولا يقال للذي ينام لا يسمي نائما حتي يقصد النوم ، او انه يعذر ولا يأخذ اسم النائم لانه مريض او مرهق او يجهل ان فعله هذا نوم ، فالاعذار لا علاقة لا بالاسماء ولا تعتبر ، اما الاحكام التي تترتب علي هذا الفعل هي التي يعتبر فيها العذر ، بل ويعتبر فيها الشروط والموانع كلها وكذا المصلحة والضرر ، وهذا في الاحكام لا في الاسماء والفرق بينهما واضح ومستظهر ، فالذي يسرق سارق والذي يزني زاني والذي يقتل قاتل ، ولكن لانحكم علي السارق بقطع اليد ولا علي الزاني بالرجم او الجلد ولا علي القاتل بالقصاص والقتل ، حتي تتحقق الشروط وتنتفي الموانع ويعتبر هنا العذر والمصلحة والضرر
    فائدة : قولنا ان الشروط والموانع لا تعتبر في انزال اسم الفاعل علي الفاعل اذا باشر الفعل ، لا نقصد الضوابط او الشروط التي نتحقق بها من وقوع الفعل ، فهي لنتحقق أصدر الفعل من الفاعل ام لا ، او تم هذا الفل ام لا ، وليست لنزول اسم الفاعل عليه وفرق بينهما ، فهي حتي لا نظنه فعل وهو لم يفعل ، فقد يرفع الاناء علي فمه ولم يشرب ، فلا ينزل عليه اسم شارب لعدم تحقق فعل الشرب ، وذلك دفعا لداهية العموم والظنون ، فلا يعتبر بقول اظن انه شرب او انه كان مجاورا لقوم يشربون ، فإذا تحققنا وتبينا فلا مناص من انه شارب ، بلا شروط تتحق ولا موانع تنتفي ، ولا اعذار في انزال الاسم تاتي تعارض ، ولنا في ذلك الحكم علي الظاهر ، فلم يكلفنا الله الا بالظاهر وهو يتولي السرائر ،
    والبيان علي ذلك انك مثلا اذا اتهمت رجلا بالقتل وقلت له انك قاتل ، فاول ما يتبادر اليه اذا اراد ان ينفي التهمة عن نفسه ان ينفي الفعل ، فيقول لا لم اقتل ، لانه يعلم انه اذا نفي الفعل اي القتل فقد رفع عنه الاسم فلا يقال قاتل ، واذا ثبت الفعل فقد نزل الاسم عليه وهو قاتل ، ومن يقول لا لست قاتلا فهو يريد نفي الفعل وهو القتل ، ولا هناك ابدا من يقول اني قتلت ولست قاتلا فيثبت الفعل وينفي اسم الفاعل ، فإما ان تنفي الفعل واما ان تثبت اسم الفاعل ، وعكس ذلك من اثبات الفعل ونفي اسم الفاعل ضرب من الهذيان فافهم هذا
    والدليل علي ذلك من التنزيل ، قوله سبحانه ايتها العير انكم لسارقون ، فلما اتهموا بالسرقة سعوا لنفي الفعل لعلمهم ان الفعل اذا انتفي فلا يثبت الاسم واذا ثبت الفعل فقد وقع الاسم ، فقالوا والله ماجئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين ، فنفوا الفعل قبل الاسم فتدبر
    وعلي ما سبق من تقرير وبيان ، فالذي يشرك في عبادة الله يقع عليه اسم الشرك وليس حكمه بلا نكران ، فهو مشرك ولكن لا يأخذ حكم الشرك والمشركين الا بعد بلوغ الحجة والبرهان ، واعتبار الشروط والموانع والمصالح الراجحة الحسان ، وسنوضح باذن الله الكلام علي الحجة والبلوغ بعد الكلام علي الاسماء والاحكام ، ولكن قبل الانتقال الاحكام ومزيد البيان ، يبقي لطيفة هامة في باب الاسماء لاتترك ابدا ولا بها يستهان
    وهي ان هناك من الاسماء ضدان ، وهناك من الاسماء نقيضان ، فمثلا كالابيض والاسود فهما ضدان ، فهما لا يجتمعان ، فلا يوصف شيئ ان لونه ابيض اسود ، ولكن قد يرتفعان ، فيكون الشئ مثلا لونه اي لون أخر من الالوان
    اما النقيضان ، فكاليل والنهار فهما لا يجتمعان ، فلا يكون اليل والنهار في وقت واحد ، ولا يرتفعان فإما ليل وأما نهار فلا بد من وجود منهما واحد
    فالضدان لا يجتمعان وقد يرتفعان ، والنقيضان لا يجتمعان ولكن ايضا لا يرتفعان ، والمشترك بين الضدين والنقيضين انهما لا يجتمعان في اسم واحد
    كل هذا لنصل الي العلاقة بين الاسلام والشرك ، فإني رأيت فيها خلط كثير ومعترك ، فمن قائل لا يضر المسلم الجاهل الشرك ، وهذه والله كلمة عظيمة في دين الله واتحرج من قولي فرية او افك ، افصار دين الاسلام بلا اصل مصون ، ولا حدود له ولا مضمون ، حتي يختلط علينا مع الشرك او نظن ان امر الشرك في الاسلام يهون ، فالتوحيد يا اخوة في الاسلام هو الركن المركون ، والاصل المصون ، ولا اله الا الله مع الشرك الاكبر لا تجتمع فهو ينقضها فلا تبقي ولا تكون ، والشرك يزيل اسم الاسلام واثباتهما معا في باب الاسماء ضرب من الجنون ، فالمشرك لا يعبد الله بنص قل يا ايها الكافرون ، لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد ، افصار المشرك والذي لا يعبد الله مسلما ونحن المخطئون ، ام ان الموحدين والمشركين في دين الله متساوون ، فما لكم كيف تحكمون ، ام لكم كتاب غير كتابنا اليه تحتكمون فانا لله وانا اليه راجعون
    والمراد ان الاسلام والشرك اما نقيضان علي قول ، واما ضدان علي قول ، فضدان لانهما لا يجتمعان فلا هناك مسلم مشرك ولا مشرك مسلم كما لا هناك اسود ابيض ولا ساخن بارد ، ولكن قد يرتفعان فيكون هناك يهودي او نصراني او مجوسي
    وعلي القول الثاني ان اليهود والنصاري والمجوس مشركون اذن فالاسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ايضا ، فلا هناك ابدا مسلم مشرك ولا مشرك مسلم ، كما لا يجتمع ابدا ليل ونهار ، ولا هناك عاقل مجنون ، او امر مبتدع مسنون ، وعلي كلا القولين ، فاسم الشرك لا يجتمع مع اسم الاسلام ، فاهم هذا يا طالب الحق جيدا فإذا نزل احدهما زال الاخر ، واذا وجد احدهما فلا وجود للاخر فتدبر
    ولي علي ذلك مستشهَد بقوله تعالي ما كان ابراهيم يهوديا ولانصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين
    فالله سبحانه في هذه الاية نفي ثلاثة اسماء اوصاف وجعلها في كفة وهي اليهودية والنصرانية والشرك وفي الكفة الاخري اثبت حنيفا مسلما
    فبعد ثبوت هذه الاسماء ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم فكما لا يصح ان يقال مسلم يهودي او مسلم نصراني فكذلك لا يصح ان نقول مسلم مشرك او مشرك مسلم فكل ذلك في كفة والحنيف المسلم في كفة وان كان الاخير هذا اظهر ، لعدم تقيده ببعثة النبي فتدبر
    فمما سبق يتبين ان الذي يعذر من وقع في الشرك اخطأ في امرين في باب الاسماء ، وليسا هينين ورب السماء
    الاول عدم انزال اسم مشرك علي فاعل الشرك
    الثاني انه انزل عليه اسما مضادا لما يفعله ، فالذي يمشي لا نسميه واقفا ، والذي ينام لا نسميه متيقظا والذي يصمت لا نسميه متكلما والذي يشرك لا نسميه ابدا مسلما فتنبه فلا اسلام بلا توحيد ولا توحيد بلا اسلام
    واخيرا هنا اقول ان اخراج مسلم موحد من دين الاسلام بلا حق امر عظيم في غاية النكران ، وذنب به لا يستهان ، حتي وفي باب الاسماء ولو ، فالفاعل ادخل نفسه في دائرة اما او ، وذلك كما في الحديث وقد علق النبي الحكم علي مجرد القول ، فقال أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه
    وكما نشنع في اخراج المسلم من الاسلام، كذلك نشنع وبنفس الحدة علي ادخال المشرك في الاسلام ، فكلاهما خطأ خطير في حق لا اله الا الله ، فالاول اخطأ في النفي لا اله ، والثاني اخطأ في الاثبات الا الله ، الاول اخطأ في فمن يكفر بالطاغوت ، فاخرج من الاسلام من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله والثاني اخطأ في ويؤمن بالله فادخل في الاسلام من يؤمن بالطاغوت ويؤمن بالله ، واقول ذلك تذكيرا وحتي لا يظن ظان ، كما هو منتشر وظاهر للعيان ، ان الثاني اوهون بكثير من الاول ، فادخال الشرك في الاسلام هدم للاصل ، وتصدير بان الاسلام ومشرعه سبحانه راض بهذا الفعل ، ويكفي هذا ردا علي من يذيع في الناس هذا الفهم ، كما ان المشرك ينشر في المسلمين شركه ويعم البلاء ، كما انه يضر باصل الولاء والبراء ، ويكفي النظر في حال امة المسلمين اليوم ذكرا للعقلاء
    باب الاحكام
    واما ما يعنينا هنا في باب الاحكام ، وما اريد ان ايسره علي الافهام ، فإني بفضل الله لي فيه تفصيل عزيز ميسور ، لفاعل الشرك والحكم الذي معه يدور ، وهو جامع وفي جملة محصور ، وفيه شرحة عدة نقاط سأوقفك عليها هي منبع هذا الخلاف المذكور ، فهو حقيق علي ان لا يمر عليه مرور الكرام او بذهن مشغول منثور ، وسبحان الذي صرف الباطل بما يدمغه وجعل الظلمات والنور
    ووفقا لهذا التفصيل يصير الحكم حكمين وفقا لحالتين وذلك في الدارين
    والحكمان هما المتعلق بالاسم والمتعلق بالفعل
    والحالتان هما بلوغ الحجة وعدم بلوغ الحجة
    والداران هما الدنيا والاخرة
    فاما الحكمان اللذان هما حكم متعلق بتغير الاسم ، وحكم متعلق بإقتراف الفعل ، فنقول
    اما المتعلق بتغير الاسم ، فهي الاحكام المترتبة علي زوال اسم وثبوت اسم ، فعصير العنب طالما اسمه عصير فحكمه انه حلال مستطاب ، فإذا انقلب خمرا واخذ اسم الخمر وثبت عليه تغير حكمه الي حرام بعد الانقلاب ، وهذه لا يعتبر فيها الشروط ولا الموانع والاعذار ، لانها متعلقة بالاسماء ، والشروط والموانع في الاسماء ليس له اعتبار ، فالمقيم اذا تغير اسمه الي مسافر تغيرت احكامه ، وننبه ثانية علي ما سبق بيانه ، ان الشروط والضوابط تعتبر في الفعل اي السفر ، لنتحقق هل الفعل يسمي سفرا ، ومتي يكون سفرا ، وهل يعتبر سفرا ، فإذا ثبت الفعل لا شروط في كون صاحبه مسافرا ، وشروط الصلاة مثلا هي لبيان صحة فعل الصلاة ، لا لصحة اطلاق اسم مصلي علي من باشر الصلاة ، فهي تخص الافعال لا اسماء الافعال ، فاليهودي والنصراني صلاته باطلة واسمه مصلي ، وفي الحديث اذهب فصلي فانك لم تصلي ، فنفي النبي صلى الله عليه وسلم عنه الفعل لا الاسم فتدبر ما يقال ، فالشروط والموانع تعتبر في الافعال وبيان صحة الافعال ، وليس في تنزيل اسماء الافعال علي من باشروا الافعال
    والذي نعنيه هنا انه بمجرد فعل الشرك زال اسم الاسلام عن المرء ونزل عليه اسم الشرك ، فهو مشرك يأخد احكاما متعلقة باسم الشرك ، وذلك بعد التحقق من مباشرة الشرك ، بلا ظنون ولا عموم تعتبر هنالك ، فاليقين لايزول بالشك ، والفعل لا يثبت عليك بفعل المجاورين لك ، وان كنا نقول بأن اجتناب الفاعلين هو الاولي منك ، ولكنا هنا لسنا بصدد التفصيل في امر الاجتناب ذلك
    واما هذه الاحكام السابق ذكرها والمتعلقة بالاسم ، فهي كعدم الصلاة خلفه ، وعدم الاكل من ذبيحته ، وعدم الترحم عليه بعد موته ، وكعدم تزويجه او الزواج منه ، ومحل بسطها في كتب الفقه ، فالكلام هناك مفصلا تجده ، وما يخصنا هنا انها تقع عليه بمجرد تغير الاسم ، اذ انها متعلقة بالاسم
    اما النوع الثاني من الاحكام فهي الاحكام المتعلقة بإقتراف الفعل ، فهي النتائج او الحدود او العقوبة ، التي ترتبت علي مباشرة ما هو محذور فعله ، وذلك لوضوح ضرره ومفسدته ، وتعدي به الفاعل سواء علي حقوق الناس ، او علي حقوق رب الناس
    وهذا هي التي لاينبغي ابدا انزالها علي الفاعل ، الا بعد اعتبار الشروط والموانع وبلوغ الحجة ، فهي ليست في شئ من المسميات بالمرة ، بل هي احكام تنفذ وحدود وعقوبات معلومة ، فهي كأي احكام متعلقة بفعل ، فالشروط والموانع فيها لاتترك ولا تهمل ، والمصالح والمفاسد هنا ايضا تفعل
    وهذه الاحكام تنقسم الي حكم القول وحكم الفعل او احكام قولية واحكام فعلية او النطق بالحكم وتنفيذ الحكم
    وحكم القول او النطق بالحكم اوالاحكام القولية وهي ما اصطلح عليه باسم التفسيق والتبديع والتكفير ، او ما في معناها من الاقوال ، كقولهم فارق الايمان او خرج من الاسلام او يخرج من الملة ، او يقتل ردة ، فهي اقوال تطلق باللسان ، وتخرج مخرج الاحكام ، ويقر قائلها ان مقترف الاثم ، ثبت في حقة الحكم ، وبات مستحقا لإقامة الحد ، فهي العقوبة والحد ولكن بالقول ، وهي تسبق العقوبة لمن يملك تنفيذها ، او هي العقوبة نفسها لمن لا يملك انزالها
    اما حكم الفعل او تنفيذ الحكم او الاحكام الفعلية ، هي العقوبة بالفعل والعمل ، وليست مجرد القول ، اي هي انزال الحد ، سواء قتل او رجم او جلد ، والذي شرعه رب السموات والارض ، علي مقترف هذا الاثم ، والفرق بينهما ان الاول حكم بالقول والثاني حكم بالفعل
    وعليه فالزاني مثلا حكمه القولي التفسيق والفعلي الجلد او الرجم ، وصاحب البدعة حكمه القولي التبديع والفعلي حسب بدعته من تعذير او قتل ، والمشرك المرتد حكمه القولي التكفير والفعلي هو القتل
    وعليه فالتفسيق والتبديع والتكفير هي احكام قولية ، والرجم والتعذير والقتل احكام فعلية ، وننبه هنا ان الشروط والموانع وبلوغ الحجة معتبرة في الاثنين ، لان كلاهما احكام ويزيد في القولية اعتبار مبدأ العموم والتعين ، علي قول من قال به من علماء المسلمين ، ولا يعتبر ذلك في الاحكام الفعلية اي تنفيذ الحكم اذ ان الحدود لا تقام الا علي معينين ، فيقال حكما قوليا من فعل كذا يكفر ويقتل ردة ، واذا فعله فاعل لا ينزل عليه ايا من الاحكام القولية ، ومن ثم ولا الفعلية ، حتي ينظر في بلوغ الحجة ، والشروط المتحققة والموانع المنتفية
    والذي يهمنا هنا وسبب تفريقي بين الاحكام القولية والفعلية ، ان تعلم ان التفسيق والتبديع والتكفير هي احكام وان كانت احكاما قولية ، فليست من باب الاسماء من شيء في كلام اهل العلم ، وخاصة المتأخرين منهم ، لذياع هذا الاصطلاح بينهم ، وان الفسق والبدعة والكفر هو حكم ، كمثل القتل وقطع اليد والرجم ، وبما ان مسألتنا خاصة في الشرك الاكبر ، وليست في البدعة والكبائر فتنبه لذلك وتذكر، ان اسم الشرك حكمه القولي الكفر او ان المشرك حكمه القولي التكفير ، وهذا هو المصطلح عليه في الاخير ، وهذه اول نقطة في محل النزاع والخلاف ، وسيظهر لك تأثيرها وجليا وذلك لمريد الانصاف
    كما انه يفهمك كلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب ، والذي افتري عليهم الناس كثيرا في هذا الباب ، فمن قال ان قولهم متناقض ، ومن قال بنسخ قول لقول آخر ، ومن قال بالرجوع عن فتاويهم ، ومن اصابته الحيرة بعد جمع اقوالهم ، ومن جمع بين اقوالهم بجمع لا يقوم ولا يستقر ، ولا يستعقل ولا يستطرد ولا يعتبر ، فجمع مبني علي الافتراض والاحتمال وغايته ترقيع وجهات النظر ، لا شك ان هذا جمع مهزوم سيولي الدبر ، والعجب ان الطرفين يستدلون باقوالهم ، فيظن الظان ان الامر خلافي بينهم ، او انه غير صريح في كتبهم ، والامر غير كل ذلك علي التمام ، لو انه فرق بين انزال الاسماء وانزال الاحكام ، فكم زلت في هذا الباب راسخة الاقدام ، وسابقة الافهام ، وجمع من طلبة العلم ، واهل العلم ، ولا حول ولا قوة الا بالله
    وبيان ذلك ان العالم اذا تكلم عن فاعل الشرك وقال انه لايكفر حتي ....، او قال لا يمكن تكفيره الا ..... ، او قال انا لا نكفر ثم ذكر امورا من امور الشرك
    يظن القارئ ان هذا من باب الاسماء ، اي ان الفاعل حتي يُنبه ويُعرف لا يأخذ اسم الكفر ، فهو اذن مازال مسلما علي هذا الظن وهذا الفكر ، والحق ان هذا لا يمس باب الاسماء في شيء ، بل هو من باب الاحكام ، والمعني انه لا يحكم بكفره حكما قوليا ، وبالتالي بقتله حكما عمليا حتي يتحقق ما يشترطه العالم ، وما قال احد البتة ، علي فاعل الشرك انه لا يسمي مشركا حتي .... ، لان ذلك ليس من باب الاسماء ، بل من باب الاحكام ، فالكفر هنا حكم ، وليس اسم
    وليس معني انه لا يحكم بكفره انه يسميه مسلما فتنبه ، وما قال احد ذلك قط ، لانه يعلق الحكم وليس الاسم ، فهو عنده مشرك وتعليق حكم التكفير علي المعينين ، للشك في بلوغ الحجة وعدم اليقين ، ليس معناه ان العالم يؤسلم المشركين ، ويجعلهم من جملة المسلمين ، وهم في اوحال الشرك واقعين ، ونسبة ذلك لاجلاء العلماء امر مهين ، وذلك نتيجة عدم استيعاب الكلام ، وانزال الاسماء بدلا من الاحكام ، كيف وهم انفسهم يوضحون كما هو عنهم ثابت ، ان الشرك لا يقف علي بعثة الرسل فقبلهم اسم الشرك ثابت ، وفي فتاويهم او قد يكون في نفس الفتوي ، يقول هو مشرك ثم يقول لا يمكن تكفيره حتي ..... ، فكيف يعقل من كلامه انه مسلم واني ذلك واني ، فالكفر هو الحكم لمن عقل وتدبر وتفهم وتأني
    وبذلك يتبين ان لا خلاف بينهما ، فضلا ان يكون تناقض في كلام احدهما ، فاذا انزلت ما بيناه في باب الاسماء والاحكام علي كلامهما ، فلن تجد اي التباس ، فهذا الباب هو الاساس ، فاسم الشرك يثبت ، والحكم هو الذي يتعلق ، علي بلوغ الحجة مرة ، وعلي الشروط والموانع بعدها اخري ، ويدخل فيه العموم والتعين ، والتثبت في بلوغ الحجة واليقين ، وكل ذلك في الاحكام لا في الاسماء ، وذلك هو الفهم السليم والحق المبين
    واما الكلام علي الحالتين بلوغ الحجة وعدم بلوغ الحجة وتأثير ذلك علي احكام الدارين فاقول
    يختلف الحكم علي المشرك وفقا لهاتين الحالتين ، وفي الحكم عليه ايضا في الدارين ، وننبه انه الذي يختلف هو الحكم وليس الاسم ، فاسم الشرك ثابت عليه في الحالين
    فقبل بلوغ الحجة ، اسمه مشرك وحكمه في الدنيا حكم اهل الفترة ، ويمتحن هذا المشرك في الاخرة ، فمصيره بعد امتحان الله له اما الي نار واما الي جنة
    اما بعد بلوغ الحجة ، اسمه مشرك وحكمه في الدنيا حكم المشركين المعرضين ، وفي الاخرة ان لم يتب في حياته فهو في جهنم مع الخالدين
    هذا وفي حالة عدم تدخل اي من الموحدين في الامر ، فهذا حكم الله عليهم بينهم وبين الله ومع عدم وجود الموحدين فيما مر ، اما اذا تدخل موحد وصار وليا في الامر ، فله ان يدعوهم ، ويمهلهم ويترفق بهم ، ويوضح ويبين لهم ، وذلك قبل قتلهم او قتالهم وحربهم
    وهذا من باب الدعوة لمن يقاتلهم ، او من باب الاستتابة لمن يقدر عليهم ، او عند الشك في بلوغ الحجة لهم ، فإنه عند عدم التيقن من بلوغ الحجة فيجب البيان والدعوة ، ومع التيقن الاستتابة ، وليس هذا من باب انهم مسلمون ، او موحدون فهم كما بينا مشركون
    ومما سبق لك يتبين ان امر بلوغ الحجة هو امر عظيم ، لظهورالمشركين قصيم ، ولحالهم بالنسبة لنا قسيم ، فيقسم ويفرق حالهم لنا وفي امرهم نستبين ، فنميز بين مدعين ومفترين ، مدعي يدعى ان لو جاءته حجة وهدي لكان اهدي المهتدين ، وبين مفتري انشغل بالحياة الدنيا عن الاخرة ، وانصرف طواعية عن الحجة والهدي ، فكان من المهلكين
    ونحن ان نقول ان مفرق الحكم علي المشركين هو بلوغ الحجة ، فلا نقصد ان تهمل وتترك الشروط والموانع البتة ، فالشروط والموانع وبعد بلوغ الحجة تأخذ في الاعتبار ، ولكن هل الجهل والتقليد والتأول بعد بلوغ الحجة يعدون من الموانع والاعذار ، ولبيان ذلك نقول
    ان المشرك الجاهل او المقلد او المتأول اولذي لايعلم ولا يخطر بباله انه هذا شرك ، وان كان هذا هو الجاهل ولكن لكثرة استخدام هذا النوع من الكلام ، او الذي يظن ان هذا هو الاسلام وان كان هذا هو المتاؤل ولكن ايضا لكثرة الاستخدام ، او الذي يتبع علماء بلدته وان كان هذا هو المقلد ولكن ايضا لكثرة الاستخدام ، كل أولئك بعد بلوغ الحجة قد زادت علي صفاتهم القديمة ، وهي الجهل والتقليد والتأويل صفة جديدة ، فاثرت في اعتبار الصفات القديمة وان كانت لم تمحها ولكن اثرت في الاعتبار بها والاعتداد ، وهذه الصفة الجديدة هي صفة الاعراض ، فقبل بلوغ الحجة هو مشرك جاهل او مقلد او متأول ، وبعد البلوغ هو مشرك جاهل معرض اومشرك مقلد معرض او مشرك متأول معرض
    وهذه في محل النزاع والخلاف هي النقطة الثانية ،فتدبرها فهي سهلة ميسورة وغير معقدة ، فلاشك عند اي عاقل ان هناك صفات جديدة محدثة ، اذا نزلت علي صفات قديمة مثبتة ، ياخذ ويعتبر بالصفة الجديدة فقط في الحكم ، والصفات القديمة موجودة ومعترف بها ولكن لا يعتبر بها في الاصل
    ومثال ذلك قولنا عصير حلو الطعم ولكن سام ، فالسمية نزلت علي صفة انه حلو الطعم ، فأوقفت العمل والاخذ بها ، وصار السام هو الصفة المعتبرة في الحكم
    وكذلك قولنا كافر محارب مستأمن فالحكم صار لصفة مستأمن ، لا لصفة الكافر المحارب
    وكذلك قولنا في الاضحية كبش كثير اللحم اعور
    فانت كما تري ان صفة حلو الطعم للعصير والمحارب للكافر وكثير اللحم للكبش ، لم ترتفع عنهم ولم تمح ، فالصفات القديمة ثابتة ، ولكن اخذنا في الحكم بالصفة الجديدة وان كانت مستحدثة
    وعليه فبعد بلوغ الحجة ، نحن نقر بالصفات القديمة ، فنقر انه جاهل او مقلد او متأول او كل ما سبق ، ولكن والحجة قد بلغته فلم يعتد بما سبق ، فهو المعرض عنها وعن الاخذ بها وتعلمها والتدبر فيها ، فعدم اثبات صفة الاعراض له خطأ بين ، وعدم الاعتبار بها في الحكم هو الشطط المبين
    لان من اعتد بالصفات القديمة التي في فاعل الشرك واعتبرها في الحكم ، واهمل الصفة الجديدة التي هي مناط الحكم ، بل وجعله مسلما وغير مؤاخذ وعذره ، فهو الذي لا يأخذ بصفة السمية في العصير الحلو ويأمر بشربه ، ولا ياخذ بصفة الاستئمان مع الكافر المحارب ويأمر بقتله ، ولا ياخذ بصفة العوران في الكبش ويأمر بالاضحية بة ، والامثلة علي ذلك لا تحصي وعليه ومع وجود الحجة فقد خالف عاذر المشرك بجهله وتقليده وتأويله المنقول شرعا والمعلوم عقلا فتدبر
    وننبه اننا نقول في هذا الذي وقع في الشرك مشركا ونسميه مشركا فهو مشرك بمجرد فعل الشرك ، وليس بعد بلوغ الحجة نسميه مشركا فهو مشرك قبل الحجة وبعدها ، ولكننا نتكلم هنا عن حكمه وليس اسمه ، وهل هو مؤاخذ ام معذور فتنبه
    وللعاذر الذي عذر المشرك هذا مخرجان ، الاول ان يثبت ان هذا المشرك ليس معرضا بالمرة ، وهيهات ذلك بعد بلوغ الحجة ، فهي متاحة ظاهرة معلومة موجودة ، ويتأكد ذلك اذ يعمل بها غيره ،وايضا اذ لم تبلغه حجة ، فهو مشرك اسما وليس مسلما، اذ صدر منه الشرك وفعله ، والمخرج الثاني ان يثبت انه ليس مشركا اصالة ولم يفعل الشرك ، ونأمل ذلك ونرجوا الا يقع مسلم في امر من امور الشرك ، ولكن والحال هذا وقد تبين وقوعه في الشرك وتبين بلوغ الحجة فليس لك او لي الا ان ننزل علي حكم الله وكتاب الله موجود بين ايدينا وهو ملئ بالحكم علي المعرضين بالكفر ، وان سبب جهلهم هو اعراضهم ولم يعذرهم بالجهل ، الم تقرأ عليكم هذه الاية من قبل ، بل اكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ، فاثبت الله ان جهلهم بسبب اعراضهم ، والله يقول وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ، ويقول والذين كفروا عما أنذروا معرضون ، ويقول فاعرض اكثرهم فهم لا يؤمنون ، ويقول وقد آتيناك من لدنا ذكرا من اعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه ، ويقول ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمي ، وغير ذلك كثير كثير
    فهذا حكم الله فيهم ، ونحن نحكم فيهم بحكم الله في حياتهم ومماتهم ، ولكن مع تدخلنا في امرهم فلنا دعواهم او استتابتهم ، والمعني انه لو عاش هذا المشرك علي شركه وقد بلغته الحجة ثم مات ولم يتب ، فنحكم له بالكفر في الدنيا والنار في الاخرة ، والايات والادلة علي هذا كثيرة ، اما اذا تتدخلنا في امره وقت حياته ، فلنا دعواه فان ابي الا الشرك قتلناه او قاتلناه ، وهذا من باب الدعوة وليس من باب التوقف في الحكم ، فبعد بلوغ الحجة ثبت الحكم كما انه بعد فعل الشرك ثبت الاسم ، ولكن لا يمنع بعد ثبوت الاسم والحكم الدعوة والاستتابه لامكانية رجوعهم وتوبتهم ولعلهم ، اما اذا شك الذي له الامر في بلوغ الحجة الي بعضهم ، فيجب ان يتوقف في الحكم عليهم وذلك في الحكم وليس الاسم ، فهم مشركون وليسوا مسلمين فيبلغهم ويدعوهم ، او يتأكد من وصول الحجة اليهم ، ثم ينزل علي من ابي منهم بعد ذلك احكامهم ، ولله الحمد المنة
    ويبقي هنا في باب بلوغ الحجة ان نعرف ما الذي تقوم به الحجة علي الناس ، والفرق بين بلوغ الحجة وفهم الحجة ، فهذه نقطة ثالثة في اصل الخلاف ، ومعترك واضح يزيد الاختلاف
    ولاشك ان المعتبر في بلوغ الحجة هو القرآن لقوله تعالي لانذركم به ومن بلغ ، وقوله حتي يسمع كلام الله ، وقوله هذا بيان للناس ، وقوله هذا بلاغ للناس ولينذروا به ، وقوله قل فلله الحجة البالغة ، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة ، فمن اعرض عنه وعن تلاوته ودراسته وتعلمه ، ووقع في الشرك فلا يلومن الا نفسه فمن الذي منعه ، والله يقول
    وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ
    افبعد هذا البيان من الله بيان ، فتدبروا انتم يا من تعذرون من وقع في الشرك كلام الله اذ كانوا هم لا يتدبرونه
    فلكي لا يعتذر احد عندما يقع منه الهلاك والشرك ، ويقولون ما انزل الله علينا كتاب فقد انزل علي من قبلنا ، او يقولون لو انه انزل علينا كتاب لكنا الاهدي ، فانزل الله الكتاب لكي لا يعتذرون بعدم وجود كتاب ، وانظر لقوله فمن اظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ، وصدف عنها اي اعرض عنها ، ثم قوله سنجزي الذين يصدفون اي يعرضون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون ، فاولا ذكر سبحانه المكذب والمعرض ، ثم خص سبحانه المعرض بالعذاب ولم يذكر المكذب ، لانه ولاخلاف في المكذبين ، فأراد سبحانه ان يقطع الخلاف في المعرضين ، ثم نري اليوم من يجادل عن المشركين المعرضين ، ويشيع ان المسألة خلافية بين علماء المسلمين ، فاي خلاف وبين ايدينا وايديكم كتاب رب العالمين ، وانا لله وانا اليه راجعون
    وعليه فمن بلغه كلام الله فقد بلغته الحجة ، بل ومن سمع بوجود كتاب لله اسمه القرآن ، او رسول لله اسمه محمد او دين لله اسمه الاسلام ، ولم يسع في معرفة ما قاله الله في كتابه او ما بينه رسوله او ما جاء به دينه ، وعاش ولم يحرك ساكنا ، وعلي ما هو عليه من الضلال والشرك ظل عاكفا ، ثم مات كان من اهل النار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع بي ، فعلق الحكم بالنارعلي مجرد السماع فتدبر ، فالله لم يخلق العباد الا ليعبدوه ويوحدوه ولا يشركوا به شيئاً ، ولو خسروا في سبيل ذلك كل ملاذ الحياة الدنيا ، فأني بعد ذلك يعذرون ، والله يقول ياعبادي الذين أمنوا ان ارضي واسعة فأياي فاعبدون
    اما فهم الحجة فالفهم بمعني الاستيعاب والفقه والاقتناع فلا شك ان كل ذلك شيء زائد عن السمع ، بل وزائد عن العلم ، فالله يقول ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ، والمعني ان الحكم والعلم كانا عند سليمان وداود عليهما السلام ، وفي هذه الواقعة زاد الله سليمان الفهم ، فالفهم شيء زائد عن العلم وعن السمع ، والله لم يشترط اصالة العلم في اعتبار الحجة ، والذي هو بمعني اعتبار الحجة ، ومعرفة حقيقتها ، والاعتراف بكونها حجة ، فلم يشترط سوي البلوغ والسمع ، فالله يقول حتي يسمع كلام الله ، والنبي قال والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني : أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ، فالحكم متعلق علي السماع والبلاغ ، فليس علي العلم ، ومن باب اولي فليس علي الفهم
    ولا ادري لما يصدر اصحاب الاعذار دائما ان الجاهل كالمجنون ، ويصورونه وكأنه غير مكلف وغير مأمور ، بلي وربي فهو المكلف بالنظر والبحث والعلم ، وتلاوة كتاب الله بتدبر وفهم ، وكتاب الله للذكر والفهم متيسر ، ولا يلومن الا نفسه ان هو قصر ، والامر ليس متوقفا علي غني او فقر ، او فقه زائد او قليل او تقشف او تحضر ، فالله اخرجنا جميعنا من بطون امهاتنا لا نعلم ، وحثنا وامرنا علي التعلم ، وكم تري من قبور ويعكف عليها كثير من الاغنياء ، وينحرون لصاحب القبر ويذبحون وهم في غاية السخاء ، وكم تري من فقير متقشف قائم بتوحيد ربه ولا يقع في شرك ولا شئ من هذا الغباء ، فجميعنا مخلوقون لتوحيد ربنا ومكلفون به ، بل ولم نخلق الا له ، طالما عقولنا في صدورنا ، وارواحنا في اجسادنا ، وجاءنا سن البلوغ فَبَلَغنا ، وأتانا رسول فبَلَّغنا ، وفينا كتاب ربنا ، وامر التوحيد في الاسلام ظاهر معروف ، وفي شريعة محمد صلى الله عليه وسلم واضح معلوم ، فاني ذلك العذر ، والجهل اذن من كسب اليد ، وكما اقول في بعض ابيات لي
    علم اليهود ومن تنصر بعدهم بل عابد النيران ذاك تفتنا
    علموا جميعا ان تلك شريعة لمحمد والجهل يصبح عذرنا
    وقد كنت اتحاور مع احد منهم ، ممن يحكمون عواطفهم واهوائهم ، وكأن امر الدين والتشريع بأيدينا ، فحاورته في مسألتنا هذه وقتا ، اوضح له ان الجاهل مكلف وعليه البحث والتعلم ثم انصرفنا ، فارسل الي كيف تطلب من عجوز في سن السبعين والثمانين بل والتسعين البحث والتعلم ، وهي لا حول لها ولا قوة ، كيف تُؤاخذ مثل هذه ، فقلت له لا ابدا فمثل هذه تُعذر ولا تُؤاخذ ولكن بشرطين ، اما ان تكون خرجت من بطن امها وهي في سن السبعين والثمانين ، واما ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم بعث لنا وهي في هذا السن الطعين ، واما وقد بعث النبي في زمن جدها العاشر او العشرين ، وهي خرجت من بطن امها كمثلنا وتدرجت في العمر والسنين ، فمن العشر الي الخمسة عشر الي العشرين والخمس وعشرين ، ثم جاء الثلاثون والاربعون والخمسون والستون ، فهي مقصرة منذ ستين عاما ونحن في الاخير المخطئون ، وهي غير مؤاخذة ولا مكلفة طيلة هذه السنين ، انا لله وانا اليه راجعون
    فمثل هؤلاء الذين يحكمون عواطفهم واهوائهم في الدين ، وكأن الذي انزل هذه الاحكام ليس هو ارحم الراحمين ، وما الفرق اذن بين مشركة وبين نصرانية ويهودية قد بلغتا مائة وعشرين ، اذا كان عامل السن هو الحكم في الحالتين ، ونحن وان كنا نترفق بهم ، ونأخذ بأيديهم ونعينهم ، بل ونخدمهم ونبرهم ونتبسم في وجوههم ، افكل ذلك معناه انهم مسلمين ، وان نغير احكام الله فيهم
    فتحكيم العواطف في احكام الله امر وخيم ، وكم اتبعه اناس فاخرجهم من الملة والدين ، حين حكموا عواطفهم فاستثقلوا عقوبة الزاني مثلا والرجم ، وتدرج بهم الشيطان وطرائقه معلومة لاهل النظر والعلم ، حتي قالوا في الرجم فعل شنيع وتطرف وتشدد ، وليس هناك ذنب يستحق هذا الحد ، فتعاطفوا مع الزناة في اول الامر ، حتي وصل الحال الان انهم يدافعون عنهم ، ولا يجدون في فعلهم هذا اي تحرج ، واخشي ان يدخل العاذر من نفس بابهم ، ويخرج من نفس المخرج ، فيصل به الحال الي ان يدافع عن الشرك والمشركين ، وطرق الشيطان معلومة للمستبصرين
    ولقد ارسلت الي محاوري هذا الذي حكيت لكم قصته قصيدة طويلة ، لما علمت انه ممن يقلد في العذر شيوخه كما يقلدهم في كثير من المعتقدات ، واذكر منها هنا هذه الابيات ، لتناسبها مع مقامنا هذا فقلت له
    ضَلِيلُ اللَيلِ إنْ يَصْبِرْ لَيُبْصِرْ بِنُورِ الشَمْسِ يَكْفِيه انْتِظَارُ
    وأمَّا مَن يَضِلُّ وَفِي نَهَارٍ يَدُومُ ضَلَالُه أبداً يَحَارُ
    فَلَو أشْيَاخُكم لَيلٌ مُضِلٌّ فَأنْتم بَعْدَ لَيلِهم النَهَارُ
    وَلَو أشْيَاخُكم دَهَنَتْ دِثَاراً فَأنْتم لِلمُدَاهَنةِ الشِعَارُ
    وَلَو أشْيَاخُكم شَرَّاً أمِيتَتْ فَأنْتم شَرُّكم فَسَيُسْتَطَارُ
    إذَا أشْيَاخُكم رَكَنَتْ لِشِرْكٍ فَأنْتم بَعْدُ لِلشِرْكِ المَنَارُ
    وَمُلتَبِساً بِشِرْكٍ يَعْذُرُونَهْ فَأنْتم بَعْدُ لِلإشْرَاكِ دَارُ
    تُآوِيهِ وَتَحْمِيهِ وَحَتْمَاً مَتَى يَحْدُثْ فَذَا لَكُم ادْكَارُ
    وَسَوفَ رِمَاحُكم تَنْحَازُ عَنْهم لِصَدْرِ مُوَحِّدٍ وَسَتُسْتَدَارُ
    فَأصْلُ أصُولِ مِلَّتِنا بَرَاءٌ وَأصْلُ أصُولِكم ذَاكَ اعْتِذَارُ
    وَإنِّي قَد نَصَحْتُ وَذَاكَ نُصْحِي وَقَدْ يَقْسُو المُنَاصِحُ أو يُثَارُ
    وَيَبْقَى مِنْكَ للهِ اطْرَاحٌ وَبَينَ يَدَيه يُنْهَمَلُ الوُقَارُ
    فَرَاجِ مُهَادِيَ السُبُلَ افْتِقَاراً لَعَلَّ لَكَ الظَلَامَ هُدَىً يُنَارُ
    تَضَرَّعْ فِي الدُعَاءِ كَمَا مُلِحٍّ يُبَاكِي اللهَ و الحَالُ اضْطِرَارُ
    يُذَمُّ الفَرُّ فِي حَالٍ وحَالٍ أمَا للهِ يُمْتَدَحُ الفِرَارُ
    اما الحين فننتقل الي الحديث عن الدليل ، فنتحض ونقيم ، وذلك بكلام يسير ، وفي ملخص حتي لا نطيل ، فنتحض ادلة الخصوم ، اذ انها صراحة للاستدلال لا ترقي ، وهي في الاصل حجة عليهم ودليل علي صحة قولنا ، ثم نقيم جملة من ادلتنا ، وبلمحة سريعة ايضا كما اسلفنا ، فيكفي اللبيب اشارة او ايماء ، والظمآن يكفيه قليل الماء ، والمجادل المكابر لن تكفيه ادلة من الارض الي السماء
    واعلم اخي الكريم ان الخلاف منحصر في امرين ، الاول عدم انزال اسم الشرك علي المرء قبل بلوغ الحجة ، الثاني عدم انزال حكم الشرك علي المرء بعد بلوغ الحجة ، اذ يشترطون فهم الحجة ورفع الجهل ورد التأويل ، فبعد البيان والتفهيم ، اذ هو اصر فياخذ حكم المشركين ، فلا يأخذ الحكم عندهم الا المعاندين ، بحجة الجهل في الحالتين
    اما استدلالهم بقوله تعالي وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا
    فليس فيه حجة علي مذهبهم قبل بلوغ الحجة ولا بعد بلوغ الحجة
    فالله لم يقل وما كنا نسمي مشركين حتي نبعث رسولا ، فبطل استدلالهم به قبل بلوغ الحجة
    والله لم يقل وما كنا معذبين المعاندين حتي نبعث رسولا فبطل استدلالهم به بعد بلوغ الحجة
    ثم نقول لهم كلمة رسول في هذه الاية بالمعني اللغوي ام المعني الشرعي ، ولا شك انه بالمعني الشرعي ، اي انه الرسول بين الله وخلقه ، فبطل القياس في هذه الاية ، وفي كل الايات الاخري التي يستدلون بها ، ومن يستدل بها فكأنه يزعم اننا مازلنا لم يبعث الله الينا رسولا ، واننا في زمن الفترة ، اذ لا علم هناك ولا حجة ، فلا ادري ما هذا الدليل واين ذلك الاستدلال الحق ، ام انه تحبير علي الورق ، فهذا الثلاثة ردود تجدها دحضا لكل ادلتهم ، فإما انها ليس في انزال الاسماء بل في الاحكام ، ولو كانت في الاحكام وانزال العقوبة فلا تستثني الجاهلين وتخص المعاندين ، واما انهم يستدلون بأن الحجة لاتقوم الا بالرسل والكتب بالارسال والانزال ، وسبحان الله علي هذا الاستدلال ، وقد بعث الله لنا افضل رسله ، ولا رسول يأتي بعده ، وقد بين رسولنا اتم البيان وبلغ رسالته ، واقر الله ذلك كله ، واكمل الدين والبيان وارتضي الله لنا ذلك بقبضه صلى الله عليه وسلم وموته ، ام ان الله قبضه وما اكمل ولا بين رسولنا شريعته ؟ ، بل وانزل الله علينا خير كتبه ، واقام الله فيه حجته ، وقال فيه هذا بلاغ للناس ، وقال هذا بيان للناس ولينذروا به ، وليعلموا انما هو اله واحد وليتذكر اولوا الالباب ، وهم جعلونا بمنزلة من لم يرسل اليهم رسول ولم ينزل عليهم كتاب ، فسبحان الملك الحق الفتاح الوهاب
    اما استدلالهم بقوله
    وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ) . وقوله : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقوله : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) وقوله : ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون )
    فاقول هداكم الله ، فالرسول هنا بالمعني الشرعي ، وقد جاءنا الرسول ، فعلام ايها الناس كل هذا الالتباس ، ففي الاية الاولي هي في الاحكام والعقوبه وليس الاسماء ، وقد جاءنا رسول يتلو علينا الايات ، والمشركون هم الظالمون ، فالله يقول ان الشرك لظلم عظيم
    والايه الثانية فهي حجة عليهم في انه لا حجة للناس علي الله بعد الرسل ، وانزالها علينا ضرب من التلبيس والهذيان وضرب من الجدل
    والاية الثالثة فقد جاءنا رسول وبين لنا اتم البيان ، وهي حجة عليكم في ان الله بعد الرسل يضل من يشاء وليس كلهم من المغضوب عليهم فهناك مغضوب عليهم وهناك ضالون ، ولو علمتم الفرق بينهما لعلمتم كيف استدللنا بها عليكم
    والاية الرابعة ففحواها اننا الي الان لم يبن الله لنا كيف نتقي ، وان امر التوحيد والشرك الي الان امر علينا خفي ، افلا يتدبر من يستدل بهذا ، ولو شيئا يسيرا ، فالله يقول حتي يبين لهم ولم يقل حتي يتبين لهم ، افلا هناك فرق بين المعنيين

    اما استدلالهم بقوله تعالي وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون . أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين . أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة
    فنقول انا لله وانا اليه راجعون ، وهذا هو زمان قلب الحقائق والموازين ، فيعمد الناس علي ما يحجهم فيجعلونه حجة لهم ، واني هذا ، وكيف اصبح هكذا
    فالاية واضحة وضوح الشمس في نهارها ، تكاد ان تسقط علي رؤوس المستدلين بها ، ليتنبهوا او يتعقلوا ، فالاية دامغة لمن يقول بالعذر في وجود كتاب ربنا ، ودامغة ان الكتاب بينة ، واستكمال الاية كما أسلفنا ، دامغ علي انهم معرضون ، والمعرضون مؤاخذون ، فانا لله وانا اليه راجعون
    واما استدلالهم بالاحاديث ، فهي اما غير واضحة علي قولهم او انها حجة لنا علي انكار مذهبهم
    واما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني : أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار
    فهذه من النوع الثاني الذي هو حجة لنا ان لا يشترط البيان ولا التبين ولا التحقق والتفهم فالحكم معلق علي السماع مجرد السماع ، ويؤيده قوله تعالي حتي يسمع كلام الله فالحكم علي السماع ولم يقل ربنا حتي يتبين او يفهم كلام الله او انه حتي قال حتي يعلم كلام الله فتنبه
    واما استدلالهم بحديث الذي أمر بتحريق نفسه بعد موته ، وهي للحق اقوي استدلالاتهم ولكن لو كانت في المسألة التي نتكلم فيها ؟
    فالمسألة في عذر المشرك والحديث في الكفر وليس الشرك ، فكل شرك كفر وليس كل كفر شرك ، والكلام هنا في الاسماء علي فاعل الشرك جاهلا ، لا علي جاهل الصفة موحدا ، فقد جاء في بعض الالفاظ انه من اهل التوحيد ، والكلام هنا في الاحكام علي ما بعد بلوغ الحجة ، لا علي زمن الفترة ، وان لم يصح هذا ولا هذا ، فغاية الامر انه لم يرد في الحديث انه مشرك فالرجل معه مطلق الايمان لا الايمان المطلق وهذا القدر ينجي من عذاب الله ، والمشرك نقض مطلق الايمان فأني له النجاة ، فتدبر
    واما الحين فنلخص بحثنا ، ونقيم فيه ادلتنا ، فنقول
    التلخيص
    اولا ان لا شروط ولا موانع في انزال اسم الفاعل علي الفاعل اذا باشر الفعل
    وادلة ذاك من القرآن والسنة لكثرتها لا تحصي ، ولكن يكفي ما اذكره لك منها
    فمن القرآن قوله تعالي
    عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ، وقوله تعالي سئل سائل ، وقوله فان احصن ..... فعليهن نصف ما علي المحصنات وقوله قال قائل منهم كم لبثتم وقوله سآوي الي جبل يعصمني ....قال لا عاصم ، وقوله وشهد شاهد من اهلها ، وقوله ولا تبغي الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين ، وقوله يوم يدعو الداعي ، وقوله اشتروا الضلالة ....وما كانوا مهتدين ، وقوله وان يستعتبوا فما هم من المعتبين ، وقوله فلا تنفعهم شفاعة الشافعين ، وقوله وتصدق علينا ان الله يجزي المتصدقين ، وقوله ادخلي النار مع الداخلين وقوله ليبلغ فاه وما ه. ببالغه ، وقوله اعملوا انا عاملون وانتظروا انا منتظرون
    ومن السنة حديث لايزني الزاني ....ولا يسرق السارق ، وحديث الا طارق يطرق بخير ، وحديث اذا اقتتل المسلمان .....فالقاتل والمقتول في النار
    فكل ذلك وغيرها ادلة علي انزال اسم الفاعل علي الفاعل بمجرد الفعل
    ثانيا ان الاسلام والشرك الاكبر لا يجتمعان
    والادلة علي ذلك
    قوله تعالي وا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
    وقد مر الكلام عليه في الاسماء
    وقوله تعالي ان الدين عند الله الاسلام ، كيف يفهم اذا اجتمع الاسلام مع الشرك الاكبر ، مع قوله ان الشرك لظلم عظيم وقوله ان الله برئ من المشركين ، انما المشركين نجس ، ان الله لا يغفر ان يشرك به ، وقوله الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ، فكل ذلك لا يجتمع
    وايضا لا نفهم معني كثير من احاديث النبي صلي الله عليه وسلم فضلا علي ان نأخذ منها احكاما
    منها حديث انا برئ من كل مسلم يقيم بين اظهر المشركين ، فإذا كانا لا يقيمان في مكان واحد فكيف يجتمعان في شخص واحد ، فهذا الحديث سيكون لغوا ليس له معني ، وكحديث البطاقه ، ومثل ذلك كثير ولا نريد ان نطيل
    https://majles.alukah.net/t183205/
    -
    اجابة الاخ السائل ، في عذر المشرك الجاهل

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •