الإيمان بالملائكة (قصة للأشبال)
أحمد الجوهري عبد الجواد




قصص أشبال الإيمان

(6) الإيمان بالملائكة



لَمْ أَنَمْ تلكَ الليلةَ، لقد كانت ليلةً سعيدةً جدًّا، حتى إنَّ عينيَّ لم تُسلماني إلى النومِ، وظللت طَوالَها ساهرًا.
وكيف أنام؟!
لقد كنتُ أدورُ برأسِي ذات اليمين وذات الشمال، وأهزُّ ذيلي بقوَّة حتى أنتبهَ ولا يأخذني النوم!

لقد اختار صاحبي "أُسيد بن حُضير" رضي الله عنه أن يجلسَ هذه الليلةَ قريبًا من مربطِي ويقرأ القرآنَ، فكنتُ أُنصِتُ لقراءتِه وأستمع، لم نكن وحدَنا، بل كان معه ابنُه يحيى، لكن سرعان ما أخذت يحيى سِنةٌ من النوم فنام، وبقيتُ أنا وأسيد بن حضير رضي الله عنه، هو يقرأ في كتاب الله وأنا أسمعه، قرأ مرةً من سورة البقرة، ومرة من سورة الكهف، ومن سور غيرهما.

وفي أثناءِ قراءته يا أصدقائي حدث شيء عجيب، فقد لمحت ببصري سحابةً أتت فوق رؤوسنا وكانت تقترب منَّا، والحق أقول لكم: لقد خِفت منها، فلم أكن أعلم ما هي، خشيت على نفسي وقلقت أن يكون مكروهًا يصيبني، ولأجل هذا أخذت أشدُّ الحبل الذي ربطني به صاحبي أُسيدٌ، ولما لم أستطع أخذت أتحرَّك حركة شديدة من جهة إلى أخرى وأنا خائف!

كانت حركتي تجذِبُ نظر صاحبي، فيتوقَّف عن القراءة، وكنت ساعتها ألمح هذه السحابة تبتعد، فكنت أهدأ وأسكن في مكاني ولا أتحرَّك، فيعود أسيد إلى القراءة مرة ثانية، فتقترب السحابة!
وتكرَّر هذا الأمر مرَّاتٍ عديدة، وكنت في كلِّ مرة أتحرَّك حركةً أشدَّ؛ لأنَّ السحابة كانت تقترب منِّي أكثر فأكثر.

وهنا انتبه أسيد رضي الله عنه إلى أنَّ يحيى إلى جوارنا، وأنه ليس بعيدًا عنِّي بمسافة كبيرة، فخشيَ عليه من حركتي، فربما أثناء اضطرابي وفزعي أقع عليه أو أضربه برِجلي، فيحدث له مكروه.
ولهذا قام أسيد مسرعًا إلى يحيى؛ فحمله وذهب ليضعه في فراشه في المنزل.

ذهب أسيد إلى المنزل ووضع ابنه الرضيع يحيى في فراشه لينام، وفي خروجه من المنزل وعودته إلى مكانه رأى تلك السحابة، لقد كانت لا تزال قريبة، وكانت تبتعد شيئًا فشيئًا.
ما شاءَ الله، يا لجمالها، لقد كانت بيضاء تشعُّ نورًا، منظرها جميل، يُدخل السرور على النفس ويشرح الصدر، وكانت بها مصابيح مثل النجوم تضيء من حولها، كيف لم أنتبه لهذا كلِّه وقتما رأيتها في المرَّات السابقة؟ لقد تملَّكني الخوف والفزع، حتى إنِّي لم أبصر ذلك كلَّه!

بعد قليل من الوقت سمعنا صوت المؤذن لصلاة الفجر:
الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمدًا رسول الله
أشهد أن محمدًا رسول الله
حي على الصلاة
حي على الصلاة
حي على الفلاح
حي على الفلاح
الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله.

توضَّأ سيِّدي أسيدٌ رضي الله عنه وخرج إلى المسجد للصلاة مع نبينا صلى الله عليه وسلَّم، وبعد الصلاة جاء فرحًا مسرورًا باديةً عليه السعادةُ، لقد جمع أهله وأخذ يحدِّثهم بما جرى في تلك الليلة، وقال لهم بأنَّه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بذلك، ففرح الرسول واستبشَر وعرَّفه بأنَّ هذه السحابة كانت تحمل مجموعة كريمة من الملائكة، وأنهم كانوا يستمعون القرآن حين كان يقرؤه، فلما انتهى من القراءة، انصرَفوا، ولو أنَّه بقي يقرأ القرآن حتى الصباح لظلوا موجودين ولم ينصرفوا.

لقد كانت فرحة أهل البيت كلِّهم عظيمةً بهذا الخبر الجميل.
وأما أنا، فقد كنت أعظمهم فرحًا، فقد شاء الله تعالى أن أحضر هذا الحدث الجليل، وأن أستمعَ لتلاوة القرآنِ تلك الليلة، وأرى هذه السَّحابة والمصابيح التي كانت تحوطه بالنور والضياء؛ لأنها تحمل ملائكة الرحمن عليهم الصلاة والسلام.

إنَّ الملائكة يا أصدقائي يسكنون في السماء، ويكلِّفهم الله تعالى بمهامَّ يؤدُّونها، وهم يطيعون اللهَ، وينفِّذون أوامرَه ولا يعصونه أبدًا، وهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتزوَّجون، هكذا خلقهم الله تعالى.
ومن هؤلاء الملائكة: جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن على نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم، ومنهم ميكائيل وإسرافيل، ومنهم الملائكة الذين يسجِّلون على العبد أعمالَه، وغيرهم عليهم الصلاة والسلام.


فوائد:

نستفيد من هذه القصة أن:
الملائكة خَلْقٌ من خلق الله، خَلَقَهَم الله من نور.
الملائكة يطيعون الله، ويحبُّون من أطاعه.
أنا أؤمن بالملائكة، وأحبهم وأستحيي أن يرَوني على معصية أو يسجِّلوا عليَّ أنِّي أعصِي الله.