أربابٌ مِن دُونِ الله
مِن ثوابتِ هذا الدين وقواعده ومعناه، أنَّ التحليلَ والتحريمَ لا يكون إلا لله، فهو الذي خلق وأَوجَد من العدَم، رازقُ العربِ والعَجم، انهالت عليهم نعمهُ تَتَرا، وأنزلَ إليهم شرائعه ُلتكونَ منهاجاً حَبِرا، قبِلَ مَن قَبِل وأعرضَ مَن أَعرضَ وابتغى كُفرا.
قال الله عزوجل: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (سورةآل عمران/64).
قال ابن منظور في لسان العرب ( 1/399 ): الرَّبُّ يُطْلَق في اللغة على المالكِ والسَّيِّدِ والمُدَبِّر والمُرَبِّي والقَيِّمِ والمُنْعِمِ.
ولا يُطلَق غيرَ مُضافٍ إِلاّ على اللّه عزّ وجلّ وإِذا أُطْلِق على غيرِه أُضِيفَ فقيلَ ربُّ كذا.
قال القرطبيُ رحمه الله في تفسيره ( 4/105 ):قوله تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } معناه أنهم أنزلوهم منزلة ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرمه الله ولم يحله الله.
قوله تعالى : { فإن تولوا } أي أعرضوا عما دُعُوا إليه فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون أي متصفون بدين الإسلام منقادون لأحكامه معترفون بما لله علينا في ذلك من المنن والإنعام غير متخذين أحدا ربا لا عيسى ولا عزير ولا الملائكة لأنهم بشر مثلنا محدث كحدوثنا ولا نقبل من الرهبان شيئا بتحريمهم علينا ما لم يحرمه الله علينا فنكون قد اتخذناهم أربابا.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى ( تفسير القرآن العظيم 2/55 ): هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومن جرى مجراهم.
{ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا } أي: لا وَثَنا، ولا صنما، ولا صليبا ولا طاغوتا، ولا نارًا، ولا شيئًا بل نُفْرِدُ العبادة لله وحده لا شريك له.
وهذه دعوة جميع الرسل، قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [ الانبياء : 25 ] [وقال تعالى] { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [ النحل : 36 ] .
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله ( أحكام القرآن ): وقوله تعالى: (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) أي: لا يتبعه في تحليل شيء ولا تحريمه إلا فيما حلله الله أو حرمه. وهو نظير قوله تعالى ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم ).
. . . إلى أن قال رحمه الله:
وإنما وصفهم الله تعالى بأنهم اتخذوهم أربابا لأنهم أنزلوهم منزلة ربهم وخالقهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرمه ا لله ولم يحلله ولا يستحق أحد أن يطاع بمثله إلا الله تعالى الذي هو خالقهم والمكلفون كلهم متساوون في لزوم عبادة الله واتباع أمره وتوجيه العبادة إليه دون غيره.