في نقاش مع بعض الأفاضل على إثر نقلي لكلام الشوكاني في مقدمة سيله الجرار الذي نقله عن القرافي، وهو: (مذهب مالك وجمهور العلماء وجوب الاجتهاد وإبطال التقليد، وادعى ابن حزم الإجماع على النهي عن التقليد، ورواه مالك وأبو حنيفة والشافعي، وروى المروزي عن الشافعي في أول مختصرة: أنه لم يزل ينهى عن تقليده وتقليد غيره).
فأجاب قائلًا: (ما نقله الشوكاني عن القرافي فيه مغالطة كبيرة، حيث أن تمام كلام القرافي فيه تفصيل مهم لم ينقله الشوكاني وهو يغير المعنى والحكم تماماً، حيث قال القرافي في بيانه لحكم الاجتهاد: "مذهب مالك وجمهور العلماء رضي الله عنهم وجوبه وإبطال التقليد لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وقد استثنى مالك رحمه الله من ذلك أربع عشرة صورة لأجل الضرورة. الأولى: قال ابن القصار: قال مالك: يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام كما يجب على المجتهدين الاجتهاد في أعيان الأدلة، وهو قول جمهور العلماء خلافاً لمعتزلة بغداد، الذخيرة للقرافي 1/140، ط دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط أولى، 1994 م، وينظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 337.
فقلت: (ما فهمته من كلام الشوكاني وهو أن الأصل الاجتهاد وعدم التقليد لمن تأهل لذلك، وتتمت الكلام الذي تفضلت بنقله يستثني بعض الصور منها العامي، ولا نعلم أحد أوجب على العوام التقليد لا الشوكاني ولا غيره).
ثم دار النقاش سجالًا إلى أن قلت: (وقال الشوكاني عند تعريفه للتقليد: (التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة. فيخرج العمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بالإجماع، ورجوع العامي إلى المفتي، ورجوع القاضي إلى شهادة العدول. فإنه قد قامت الحجة في ذلك. _إلى أن قال- (وأما رجوع العامي إلى قول المفتي فللإجماع على ذلك).
وانهيت كلامي: (ولا يخفى على علمكم اختلاف العلماء في حق العامي هل يجب عليه قبول قول المفتي بغير حجة؟ أو أنه يستفسر عن الحجة؟ وعلَّ الشوكاني أوجب القول الثاني، والله أعلم، وقد فصل في ذلك الخطيب حيث قال: (وأما الجواب عن تقليد العامي، فهو أن فرضه تقليد مَن هو مِن أهل الاجتهاد، وقال أبو علي الطبري: فرضه اتباع عالمه بشرط أن يكون عالمه مصيباً، كما يتبع عالمه بشرط أن لايكون مخالفا للنص. وقد قيل إن العامي يقلد أوثق المجتهدين في نفسه، ولايُكلف أكثر من ذلك لأنه لاسبيل له إلى معرفة الحق والوقوف على طريقه) (الفقيه والمتفقه) 2/65