قال العلامة المعلمي رحمه الله

الباعث للمتشكِّكين على إصرارهم على دعوى الشك أمور:
الأول - وهو عُمْدتهم -: أن فلسفتهم الحديثة كانت ردّ فعل لفلسفة اليونان وأتباعهم، كانت تلك تبالغ في التخيُّلات والتوهُّمات، فجاءت هذه تحصر العلم في المحسوسات، وقد انهدم هذا الأصل عند أساطينهم بما حدث فيهم من قضية الأرواح.
الثاني: أن فيها ردّ فعل للنصرانية المبدلة التي أفرطت في الخرافات والخُزَعبلات.
الثالث: أنهم وجدوا كتبهم الدينية فيها ما يُقْطَع بكذبه وبطلانه، ولا يحتمل تأويلًا.
الرابع: أن أوائلهم أرادوا تخليص قومهم من قيود ديانتهم، وعارضهم القسيسون والرُّهبان، فطال النزاع بينهم، فبالغ المتفلسفون [ص 34] في الطعن في الديانة وتسفيه المتمسكين بها إلى أن صوروهم بأقبح صور الجهل والجمود والحُمْق واعتقاد الخرافات، وطال ذلك ورَسَخ في النفوس، فصار المتمسِّك بالدين محتقرًا فيما بينهم، والطاعن في الديانة محمودًا بحرية الفكر، وغير ذلك، فيرى أحدهم أنه إذا عاد فاعترف بوجود الرب عُدَّ مُنْحطًّا رجعيًّا كما يقولون، ويكفي خصمَه أن يسقطَ سُمعته بقوله: نحن في عصر العلم والتجديد، وفلان يرجع بنا إلى خرافات القرون الجاهلية.
الخامس: أن القوم نشأوا على الإباحة والتهافت على الملاذّ الدنيوية، ومن شأن الدين أن يقيِّد صاحبه، أو ينغِّص عليه ملاذَّه بِتوقُّع العقوبة، فنفوسهم تنفر من ثبوت الدين، وتعاديه أشد العداوة.
السادس: أنه كما أن سليم البصر لا يرى في الظُّلمة، بل يحتاج إلى النور، فكذلك البصيرة تحتاج في إدراك ما يتعلق بالغيب إلى نور خاص، وهذا النور الخاص إنما يكون في التعليمات النبوية، وهم أبعد الناس عنها.
السابع: أنهم يَحدِسون أنه إذا كان هناك دين حق فهو الإسلام، ولكنهم ينفرون عن الإِسلام لأمور (1):
منها: العداوة المتوارثة فيهم للمسلمين.
ومنها: عداوة دولهم للإسلام، فهي لا تفتأ تنفِّر عنه بالطرق المختلفة.
ومنها: أنهم ينظرون إلى أحوال المسلمين في هذا الزمان.
ومنها: أنهم إنما ينظرون إلى العقيدة الإِسلامية بصورتها المشوَّهة في كتب القسيسين الذي استعربوا ووصفوا الإِسلام، فإن أمعنوا النظر نظروا في كتب المتفلسفين من المسلمين، فإن زادوا نظروا في بعض التراجم الناقصة للقرآن.
الثامن: أنهم مع أخذهم في دنياهم بل وفي علمهم بالظن والاحتياط، يأبون ما هو أوضح من ذلك في الدين، وبذلك كانوا مستكبرين عن قبول الحق، وقد قال الله تبارك وتعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146]

من كتاب يسر العقيدة ضمن اثار العلامة المعلمي ص 67-69