فرق بين التمذهب للدراسة وبين التمذهب للتعبد والديانة، فلا يستقيم وصف أي من المذاهب الأربعة بأنه الأصح على وجه العموم، وإنما يمكن إطلاق ذلك في بعض الجزئيات والمسائل بحسب الدليل، فنقول ـ مثلًا: إن المسألة الفلانية الأصح فيها مذهب مالك أو الشافعي... وهكذا.
يقول الطوفي في شرح مختصر الروضة: (مَنْ نَفَى التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ: لَا يَصِحُّ تَرْجِيحَ مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ عَلَى مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ آخَرَ لِمَا ذَكَرَ، وَمَنْ أَثْبَتَ التَّرْجِيحَ بَيْنَهُمَا، أَثْبَتَهُ بِاعْتِبَارِ مَسَائِلِهَا الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إِذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْحَدَثِ طَهُورٌ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِهَا أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي إِجْزَاءِ الْبَعِيرِ عَنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَنَحْوهَا مِنَ الْمَسَائِلِ أَرْجَحُ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي طَهَارَةِ الْأَعْيَانِ بِالِاسْتِحَالَ ةِ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ الْقَابِلَةِ لِلرُّجْحَانِ وَالْمَرْجُوحِي َّةِ). اهـ
وجاء في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران: (فَلَا يُقَال مَذْهَب الشَّافِعِي مثلا أرجح من مَذْهَب أبي حنيفَة أَو غَيرهمَا أَو بِالْعَكْسِ لَكِن هَذَا بِاعْتِبَار مَجْمُوع مَذْهَب على مَجْمُوع مَذْهَب آخر وَأما من حَيْثُ الْأَدِلَّة على الْمسَائِل فالترجيح ثَابت). اهـ
وكلام الأئمة في ذم التعصب المباعد عن الدليل لا يحصى ولا ينحصر، وقد ظهرت نبتة تدعوا للعودة للتدين بالمذهب دون الحيد عنه، بل وتذم من فعل غير ذلك حتى وصل الحال ببعضهم بوصفه آراء الشيخ الألباني: (شذوذات الألباني)، فما قولكم بارك الله فيكم؟