♦ ملخص السؤال:
سائل يسأل: هل مِن الممكن أن يبعثَ اللهُ للعبد العاصي علامات وإشارات للابتعاد عن معصية معينة؟

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل مِن الممكن أن يبعثَ اللهُ للعبد العاصي علامات وإشارات واضحةً للابتعاد عن معصية معينة؟ وهل هذا مِن علامات حبِّ الله للعبد؟


الجواب


الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:


فمِن رحمةِ الله بعبده ورعايته له أن يَقذفَ في قلبه نورًا، يُفرِّق به العبدُ بين الخطأ والصوابِ، ويُبصر به الحق بعد عماه عنه، ويَعرفه بعد جَهلِه به، ومِن ثَمَّ يتبعُه بعد إعراضه عنه، فيَمشي بنورِه بين الناس.


وما لحظتُه أيها الابنُ الكريم من نفسك وتُسمِّيه: إشارات، هو مِن علاماتِ حياة القلب، وضابطُ هذا نُفرته مِن القبائح وبُغضها، وعدم الالتفات إليها، بخلاف مَن مات قلبُه، فإنه لا يُفرِّق بين الحسَن والقبيح.


وقد بَيَّن العلامةُ ابنُ القيم في كتابه "إغاثة اللهفان مِن مصايد الشيطان" (1/ 21) ذلك فقال: "وكذلك إذا قَوي نورُه - يعني: القلبَ - وإشراقُه انكشفتْ له صورُ المعلومات وحقائقها على ما هي عليه، فاستبان حُسن الحسنِ بنوره، وأثره بحياته، وكذلك قُبح القبيح، وقد ذكَر سبحانه وتعالى هذين الأصلينِ في مواضعَ مِن كتابه؛ فقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، فجَمَع بين الرُّوح الذى يحصُل به الحياةُ، والنور الذي يحصُل به الإضاءةُ والإشراق، وأخبر أنَّ كتابه الذى أنزله على رسولِه صلى الله عليه وآله وسلم متضمِّن للأمرينِ؛ فهو روح تحيَا به القلوبُ، ونور تستضئ وتشرق به؛ كما قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]؛ أي: أوَمَنْ كان كافرًا ميتَ القلب، مَغمورًا في ظُلمة الجهل؛ فهديناه لرُشده، ووفقناه للإيمان، وجعلنا قلبه حيًّا بعد موته، مشرقًا مُستنيرًا بعد ظلمته".


فأحْسِن استقبالَ تلك الإشارات الدالة على سعة رحمة رب العالمين لعبده، الذي وسع كل شيء رحمةً وعلمًا، الرؤوف الرحيم، الذي أسبغ على عباده النعمةَ، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أنَّ رحمتَه تَغلِب عضبه، فهو أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأفرحُ بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامُه وشرابُه في الأرض المهلكة إذا وجدها، وأشكر للقليل مِن جميع خلقه، فمَن تقرَّب إليه بمثقال ذرة من الخير شكَرها وحمدها، إنَّ ربنا لغفور شكور، تعرَّفَ إلى عبادِه بأسمائه وأوصافه، وتحبَّب إليهم بحلْمِه وآلائه، ولم تَمْنَعْهُ مَعاصيهم بأن جاد عليهم بآلائه، ووعد مَن تاب إليه وأَحْسَنَ طاعته بمغفرة ذنوبه يوم لقائه، إن ربنا لغفور شكور.


واحذرْ سلمك الله من الغفلةِ عنها، أو عدم الإحسان فيها، حتى لا تُسْلَبَ منك، كما عليك أن تحسن الفرار إلى الله بالطاعات، والمداومة على الفرائض ونوافل الأعمال، فالسعادةُ كلها في طاعة الله، والأرباحُ كلها في معاملتِه، والمِحَن والبلايا كلها في معصيته ومخالفته، فليس للعبد أنفعُ مِن شُكره وتوبته، وأنصحك باقتناء كتاب: "مدارج السالكين".