السؤال
أنا متزوج منذ ثلاثة عقود، من امرأةٍ تكبرني بسنةٍ واحدة، ذات أخلاقٍ وتربية؛ مما جعلني لا أعطي أهميةً لفارقِ السن، ولكن حدث أن ولدت قيصريًّا منذ زمن بعيد، فأصبحت تستعملُ جميعَ الطرقِ وخلق التعليلات للهروبِ من واجباتِها الزوجية.
في أولِ الأمر لم أتقبل هذا، ووصل بي الأمر إلى حد التفكير في الطَّلاق، خاصة بعدما تحدثتْ معي وأرادت إقناعي بأنَّ الرجلَ المستقيم هو الذي يجامعُ زوجتَه مرةً واحدة في الأسبوع، وخاصة ليلة الجمعة.
ونظرًا لحبي الشديد لأبنائي، قررتُ مجاراتها، وعدم الخوضِ في الموضوعِ مجددًا، وتركتُ لها الأمر، خاصة أني وجدتُ ضالَّتي خارجَ المنزل، غير أنني قررتُ الرجوعَ إلى الله، والابتعاد عن كلِّ مجون، لكن إذا أرادَ اللهُ واجتمعتُ بها، يساوِرُني الشيطانُ من جديد، خاصةً عندما تتثاءب أثناء الجماع؛ مما يشعرُني وكأني مع جماد، أو شخص مُكرهٍ لإعطائك شيئًا.
وحتى لا أرجع لما كنتُ عليه من مجون، وشرب لأمِّ الخبائث، أستغفرُ ربي، ولكني أُدَخِّن كثيرًا، الشيء الذي أثَّرَ على صحتي، وأنا لا أريدُ الطَّلاق.

الجواب

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فما ذكرتَهُ من عدمِ اهتمام زوجتك بالجماع، وكونها لا تعطيك حقَّك الشرعي، أمر مؤسفٌ ومؤلمٌ في آن واحد، ولكن لا تنسَ أن لتقدُّم السنِّ عاملاً أساسيًّا في قلةِ الرغبة الجنسية، ولِمَا تشعُر به من بعضِ الآلام عند الجماع؛ وذلك كما يقولُ الأطباءُ: لتوقُّفِ المبيض عن إنتاجِ هرمون "الأستروجين"، ونقص هذا الهرمون يؤدِّي لقلة إفرازات المهبل، وجفافه، وضمور جدار المهبل، وبالتالي الإحساس بألمٍ عند الجماع، والحل يسيرٌ؛ بعرضِها على طبيبةِ أمراض نساء؛ لتَصِفَ لها بعضَ العقاقير التي تساعدُ على تحسُّنِ الأداء، كما أنصحُك أن تجلسَ معها جِلسةَ مصارحة هادئة تحدِّدانِ فيها المشكلةَ التي قد تكونُ نفسية بحتة، نتيجة مشاكل في التنشئة، أو اعتقاد خاطئ، أو غير هذا.
وإن كنتَ تَجِدُ في نفْسك توقانًا للنِّساء أكثَرَ، ولا تكفيك زوجتُك، فتزوَّجْ بأخرى؛ ما دمتَ تتطَلَّعُ إلى النِّساء رغبةً وميلاً، وتخشَى مِن الوقوعِ في الحرام، وهذا الزَّواج ليس فيه ظُلم لزوجتك إذا التزمتَ بشروط التعدُّد؛ من العدل، ونحوه، وقد أحسنت بإبْعاد فكرة الطَّلاق عنك؛ لأنَّ الشرعَ الحنيف قد حافَظَ على تماسُكِ الأُسرة المسلِمة.
كما عليك بالتوبةِ النصوح، وكثرة الأعمال الصالحة؛ تكفيرًا لما اقترفته خارج منزل الزوجية، ولْتعلمْ - دائمًا - أن لذَّاتِ الدنيا تنقضي سريعًا، ونعيمها ناقصٌ، والنَّعيم الكامِل المقيم في جَنَّة الخُلد؛ فإنَّه لا بدَّ للرَّجلِ من زوجةٍ، ولن يجدَ امرأةً كامِلةً منعدمة العيوب، فعليكَ بالرِّضا بِما قسَمه اللهُ لكَ، تكُنْ أغْنى النَّاس؛ كما صحَّ عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
كما نُوصيكَ بغضِّ الطَّرف عمَّا لا يَحِلُّ لكَ، فإذا أعجبتْكَ امرأةٌ أجنبيَّةٌ، فتذكَّرْ مناتِنَها، وما هي عليه مِن معصيةِ الله تعالى.
قال ابن الجوزي في "صيد الخاطر": "ليسَ في الدُّنيا حقيقةً لذَّةٌ، فتفكَّرتُ فعلمتُ أنَّ النَّفسَ لا تقفُ عندَ حدٍّ، بل ترومُ من اللذَّاتِ ما لا مُنتهى له، كلَّما حصلَ لها غرضٌ بردَ عندَها، وطلبتْ سِواه، فيفْنَى العمرُ، ويضعفُ البدنُ، ويقعُ النَّقصُ، ويرِقُّ الجاه، ولا يحصُلُ المرادُ، وليس في الدُّنيا أبله ممَّن يطلبُ النِّهايةَ في لذَّات الدُّنيا، وليس في الدُّنيا على الحقيقةِ لذَّةٌ؛ إنَّما هي راحةٌ من مُؤلِمٍ.
فالسَّعيدُ من إذا حصَلتْ له امرأةٌ أو جارِيةٌ فمالَ إليها، ومالتْ إليه، وعلم سترَها ودينَها - أنْ يعقدَ الخنْصرَ على صُحبتِها، وأكثر أسبابِ دوامِ محبَّتِها ألاَّ يُطلِقَ بصرَه، فمتى أطلقَ بصرَه، أو أطْمَعَ نفسَه في غيرِها، فإنَّ الطَّمعَ في الجديد ينُغِّصُ الخلقَ، وينقصُ المُخالطةَ، ويسترُ عيوبَ الخارج، فتميل النَّفسُ إلى الُمشاهَدِ الغريبِ، ويتكدَّرُ العيشُ مع الحاضِرِ القريب؛ كما قالَ الشَّاعرُ:

وَالْمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا
فِي أَعْيُنِ الحُورِ مَوْقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ
يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ
لاَ مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ

أما الأسباب التي تعينُكَ على الخشوعِ في الصلاة فكثيرة، منها:
- كثرة التجاء العبدِ إلى الله - تعالى - وتضرُّعه إليه أن يرزقَه الخشوع.
- تدبُّر ما يقرأ من قرآن، وتعقُّل معنى ما يقولُ من أذكار.
- تذكر امتداح الله - تعالى - للخاشعين، وربط ذلك بفلاح المؤمنين بخشوعهم في صلاتهم؛ قال - تعالى -: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون : 1 ، 2].
- ملاحظة أنَّ الصَّلاةَ بدون الخشوعِ لا يحصل فاعلُها على ثمرةِ الصلاة، التي تتمثلُ في كفِّه عن الفحشاءِ والمنكر.
- العلم بأنَّ من لم يخشع في صلاتِه فقد فوَّت على نفسِه طعمَ لذة المناجاة لله - تعالى - التي هي ألذُّ ما يتلذَّذُ به المؤمن.
- عدم الاسترسال مع الخطرات، والاجتهاد في حضورِ الذِّهن، والفكر أثناء الصلاة.
- أن يستشعرَ أنه واقفٌ بين يدي الله - تعالى - والله - تعالى - مطَّلِعٌ على ما في سرِّه وعلنِه.
هذا؛ والسَّرَحان في الصلاةِ لا يبطلها؛ إذ الصلاة لا تبطل إلا بتركِ ركن - كالركوع أو السجود - عمدًا، أو بفعلِ ما يحرمُ فيها؛ من كلامٍ، أو أكلٍ، أو ضحِكٍ، أو عمل كثير.
ولا يفوتني أن أنبهَك إلى أنَّ التدخينَ محرمٌ شرعًا؛ لكونه خبيثًا، ومشتملاً على أضرارٍ كثيرة، ومفاسدَ عظيمةٍ، والله - عزَّ وجلَّ - إنما أباح لعبادِه الطيباتِ من المطاعم، والمشارب، وغير ذلك، وحرَّم عليهم كلَّ خبيث؛ قال - تعالى -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ [المائدة : 4]، ومعلوم لدى كلِّ عاقل أنَّ التدخينَ من جملةِ الخبائث؛ لكونه مشتملاً على موادَّ ضارَّةٍ.
قد ثبت طبيًّا في أبحاثٍ عالمية أنَّ التدخينَ يسبِّبُ أنواعًا عديدةً من السرطان؛ أهمها سرطان الرئة، وهو مرض نادر جدًّا بين غير المدخنين، ونسبة الإصابة به تزدادُ بازديادِ عدد السجائر المستهلكة، وازدياد مدة التدخين، وتقل هذه النسبةُ تدريجيًّا عند الإقلاعِ عن التدخين؛ مما يثبتُ العَلاقةَ المباشرة بين التدخينِ وسرطان الرئة.
ويسبب أيضًا سرطانَ الشفة، وسرطانات الفم، بما فيها اللسان، وسرطان الحنجرة، كما أنَّ هناك دراساتٍ تدل على أنَّ التدخين هو أحدُ مسبِّبات سرطان المريء والمثانة، والتدخينُ يسبب تقلصًا في شرايين القلب؛ مما يسببُ الذَّبحةَ القلبية؛ فالأبحاث الطبية قد أظهرت - بطريقةٍ غير قابلة للجدل - التأثيرَ السيئ للتدخين على القلبِ وشرايينه؛ إذ إنَّ مادة النيكوتين تذُوبُ في اللُّعاب، وتُمتَصُّ بواسطةِ الدم، وتسبب تقلصًا واضحًا في شرايين القلب، وباقي شرايين الجسم.
وقد قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾} [النساء : 29]، وقال: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة : 195].
وروى مالك في "موطئه" أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا ضرَرَ ولا ضِرارَ))، ومن القواعدِ المقرَّرةِ في الشرع: أنَّ الضرَرَ يُزال.
كما أنَّ التدخين مَهلكةٌ للمال، الذي جعله الله قيامًا للحياة، وسَيُسأل عنه يوم القيامة؛ روى الترمذي عن أبي برزة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسْأَلَ عن عمرِه: فيم أفناه؟ وعن علمِه: فيم فعل فيه؟ وعن مالِه: من أين اكتسبَه، وفيم أنفقَه؟ وعن جسمِه: فيم أبلاه؟))؛ رواه الترمذي.
ولا شكَّ أنَّ إنفاقَ المال في هذا الأمر يُعدُّ أمرًا محرَّمًا؛ لأنَّه في الحقيقةِ حَرْقٌ له.
وقد سُئِلَ العلامةُ الشيخ ابنُ باز - رحمه الله - عن حكمِ التدخين، فقال: "التدخين محرَّمٌ؛ لِمَا فيه من المضارِّ الكثيرة، وكل أنواعه محرمة، فالواجبُ على المسلم تركُهُ، والحذَرُ منه، وعدمُ مجالسة أهله".
فيجب عليك تركُ السجائر، والإقلاع عنها، والمبادرة إلى التَّوبة، والإنابة إلى الله، والنَّدم على هذه المعصية، والعزم على ألا يعود إليها أبدًا.
ولعله قد بان لك من هذا البسط أنَّ المرءَ يُعاقب على الإضرارِ بنفسِه.
نذكرك بقولِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ((من ترك شيئًا لله، عوَّضَهُ الله خيرًا منه))، واللهَ نسألُ أن يتوبَ عليك من تلك المعصية.