ملخص السؤال:
شابٌّ متزوج بينه وبين زوجته مشكلاتٌ كثيرة، ولا يريد الإنجاب خوفًا مِن الطلاق، حتى لا يربَّى ابنه بين والدين منفصلين.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا شابٌّ أبلُغ مِن العمر 31 سنة، عشتُ طوال حياتي بين أبوينِ مُنفصلينِ، وتزوجتُ منذ 3 سنين، لم يُنعم الله عليَّ بأولاد لسببٍ طبي، وباتت الطريقةُ الوحيدة للإنجاب هي عملية طفل الأنبوب، وزوجتي تُلحُّ عليَّ، لكني غير مرتاح للإنجاب، وأخبرتُها بذلك لكنها طلبت الطلاق!أواجه مشكلةً نفسيةً بسبب الإنجاب؛ وذلك لأن زوجتي إنسانة صعبة وعصبية،لديها استعداد للمشاكل كل يوم وكل ساعة، ولا تتقبَّل رفض أي طلَب مني، وتتعامل مع أمي معاملة سيئة.كل هذا يَجعلني أخاف مِن فكرة الإنجاب؛ فلا أتمنَّى لابني أن يعيشَ في كنف أبوين منفصلين.
هي الآن تَطْلُب الطلاق، فأخبروني هل أطلقها أو لا؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:فالذي يَظهر مِن رسالتك أخي الكريم أنك تَعيش أسيرًا لبعض مخاوفك وتجاربك القاسية، والموجودة في اللاوعي، والتي تَجعلك تأخُذ مواقفَ شديدةً في أمورٍ لا تحتمل التصلُّب في الرأي، فأنتَ خائفٌ مِن تَكرار ما حدَث معك، مِن كونك رُبِّيتَ بين أبوينِ منفصلينِ، ومِن أجل هذا ترفض فكرة الإنجاب، وزاد الأمر سوءًا توقُّعك للشر، وخوفك مِن وقوع مشكلات بين والدتك وزوجتك، وهذا مَسلكٌ خاطئ مُضِرٌّ بالإنسان في جميع شؤون الحياة، ولو سلكه الإنسانُ ما راوح مكانه في قليلٍ ولا كثيرٍ.وهل يُعقل أن يهدمَ الإنسان بيته لخوفه أن زوجته قد تتعامل مع أمه معاملةً سيئةً في غيابه أو حضوره، وقد حذَّرنا رسول الله من التشاؤم ونهى عنه، وتوقُّعُ الإنسان الشر في نفسه أو في زوجته نوعٌ مِن التشاؤم الذي هو سوء ظن بالله، وهو قسيم الفأل الحسن المطلوب شرعًا، والمُرغَّب فيه، والذي هو حُسن ظن بالله تعالى، ففي الصحيحين وغيرهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا طيرة وخيرها الفأل))، قيل: وما الفأل؟ قال: ((الكلمة الصالحة يَسمعها أحدكم))، وفي رواية: ((ويُعجبني الفأل الصالح الكلمة الحسنة)).وقارِنْ سلَّمك الله بين التفاؤُل بالخير وتوقُّع الشر فيما رواه البخاري وغيره، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخَل على أعرابي يعوده قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريضٍ يَعودُه قال: ((لا بأس، طهور إن شاء الله))، فقال له: ((لا بأس، طهور إن شاء الله))، قال: قُلْتَ: طهور؟! كلا، بل هي حمى تفور، أو تثور على شيخ كبيرٍ تُزيره القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فنعم إذًا)).قال الإمام ابن القيِّم في "تُحفة المودود بأحكام المولود" (ص: 123): "ومِن البلاء الحاصلِ بالقول قولُ الشيخ البائس الذي عاده النبيُّ صلى الله عليه وسلم فرأى عليه حمى، وذكر الحديث، ثم قال: وقد رأينا مِن هذا عبرًا فينا وفي غيرنا، والذي رأيناه كقطرة في بحر، وقد قال المؤمل الشاعر:
شَفَّ المُؤَمِّلَ يومَ النَّقْلةِ النظَرُ
ليتَ المُؤَمِّلَ لم يُخْلَقْ له البَصْرُ
فلم يلبثْ أنْ عمي!وفي جامع ابن وهبٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بغلامٍ، فقال: ((ما سميتم هذا؟))، قالوا: السائب، فقال: ((لا تسموه السائب، ولكن عبدالله))، قال: فغلبوا على اسمه، فلم يَمُتْ حتى ذهَب عقلُه!فحِفْظُ المنطق وتحيُّز الأسماء مِن توفيق الله للعبد، وقد أَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن تَمَنَّى أن يُحْسِنَ أمنيته، وقال: ((إنَّ أحدكم لا يدري ما يكتب له مِن أمنيته))؛ أي: ما يُقَدَّر له منها، وتكون أمنيته سببَ حصول ما تمناه أو بعضه، وقد بلغك أو رأيت أخبارَ كثير من المتمنين أصابَتْهم أمانيهم أو بعضها، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يَتَمَثَّل بهذا البيت:
احْذَرْ لِسانَكَ أَنْ يَقُولَ فتُبْتَلَى
إِنَّ البَلَاءَ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ
ولما نَزَلَ الحسين وأصحابه بكربلاء، سأل عن اسمها فقيل: كربلاء! فقال: كرب وبلاء.ولما وقفتْ حليمة السعديَّة على عبدالمطلب تسأله رضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها: مَنْ أنت؟! قالت: امرأة من بني سعد، قال: فما اسمك؟ قالتْ: حليمة، فقال: بخٍ بخٍ، سعد وحلم، هاتان خلتان فيهما غناء الدهر.وذكر سليمان بن أرقم عن عُبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس، قال: بَعَثَ ملِكُ الروم إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولًا، وقال: انظر أين تراه جالسًا، ومَن إلى جنبه، وانظُرْ إلى ما بين كتفَيْه، قال: فلما قَدِمَ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا على نَشَزٍ، واضعًا قدميه في الماء، عن يمينه أبو بكر، فلما رآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((تَحَوَّلْ فانظُرْ ما أُمِرْتَ به))، فنظر إلى الخاتم، ثم رجع إلى صاحبه، فأخبره الخبر، فقال: ليَعْلُونَّ أمرُه، وليَمْلِكنَّ ما تحت قدَمي، فتأوَّل بالنشز العلوَّ، وبالماء الحياة!وقال عوانة بن الحكم: لَمَّا دعا ابن الزبير إلى نفسه، قام عبدالله بن مطيع ليبايع، فقبض عبدُ الله بن الزبير يده، وقال لعبيد الله بن علي بن أبي طالب: قُمْ فبايِعْ، فقال عبيد الله: قُمْ يا مصعب فبايِعْ، فقام فبايَعَ، فقال الناس: أبى أن يُبايع ابن مطيع، وبايع مُصعبًا، ليَجِدَنَّ في أمرِه صُعوبة.وقال سلمة بنُ محارب: نزل الحجاج دير قُرة، ونزل عبد الرحمن بن الأشعث دير الجماجم، فقال الحجاج: استقرَّ الأمر في يدي، وتَجَمْجَم به أمره، والله لأَقتُلنَّه". ا. هـ.فتفاءَلْ بالخير تَجِدْهُ، واحذرْ توقُّع الشر وافتراضه، وهذه حقيقةٌ وليست كلماتٍ تُقال، وقانونٌ مؤثر مفادُه أن الأفكار الإيجابية تستدعي مواقف إيجابية، والأفكار السلبية تَستدعي مواقف سلبية.فارفُقْ بزوجتك، وتعامَلْ معها بمودةٍ ورحمةٍ، فالزواجُ سكنٌ وطمأنينة، وراحةٌ للعقل والقلب، والرجلُ هو ميزانُ مزاج البيت، وهو صمامُ الأمان، ومَن يقوده إلى شاطئ الأمان، فأشعِرْ زوجتك بكلِّ هذا تنصلح لك وتملك قلبها، ولا تَتَعَنَّت معها في أمر الإنجاب، فحاجةُ المرأة للولد فوق حاجة الرجل، ودَعْ عنك القلق القديم، وفوِّضْ أمرك إلى الله، وتَوَكَّلْ عليه، وأكثِرْ مِن العمل الصالح، فالأبناءُ يَنفعهم الله بصلاح الآباء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82]، فانْتَفَعَا بصلاح أبيهما، وليس مِن سعيهما، فالله سبحانه يُحبُّ أن يُطاع، ويُحب أن يُنعم ويُحسن ويَجود.
وفقك الله لكل خير، وأَصْلَحَ لك زوجك