تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الاستغاثة بالمخلوقين

  1. #1

    افتراضي الاستغاثة بالمخلوقين

    اعلم علمني الله وإياك , أن الاستغاثة هي طلب الغوث , أي الانقاذ من الشدة والهلاك , وهذا إنما يكون وقت الاضطرار , فهي وإن كانت من جنس الدعاء , دعاء المسألة , إلا أنها أخص من حيث إبداء العجز وإظهار الحاجة والافتقار إلى الباري عز وجل , وهذا هو لبّ العبادة ومخها ,فإنها كمال الحب مع كمال الذل , قال الله تعالى : "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه " , وقال تعالى :" أمّن يجيبُ المضطر إذا دعاه ويكشف السُّوء" , والدعاء بقسميه عبادة بنص الكتاب العزيز والسنة المطهرة , ولا تكون العبادة إلا لله , قال تعالى :" وقال ربكم ادعوني استجب لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " , وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" الدعاء هو العبادة " , ثم قرأ : "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم " , رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة , فمن دعا غير الله فقد عبده , كما أن من استغاث بغيره فقد عبده من باب أولى , فإنه إذا كان الدعاء وهو أعم , عبادة , فكيف بهذا النوع منه وهو أخص ؟ , أما إن قال قائل إني لا أعتبره عبادة , فالجواب أنه لا عبرة بقولك , إذ الحجة في تسمية الشرع لا في تسمية غيره , وليس هذا مما يلجأ فيه العرف , وفي كتاب الله تعالى دليل على أن ما يعتبره الناس لا ينفعهم في المعاذير إذا خالف الشرع , فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذ اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله كما في سورة التوبة , قال تعالى :" اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله " , فسره بما في حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه -وهو اتباعهم في التحليل والتحريم , والمتخذون لم يكونوا يعتبرونهم كذلك , وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل .
    وقد ذهب بعضهم إلى أن الاستغاثة بالمخلوقات من جنس التوسل , وحيث كان التوسل بالنبي جائزاً عنده , فالاستغاثة مثله , وهذا لا يصح , فإن جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم غير مسلم , وأقل مايقال فيه إنه مختلف فيه , وظواهر نصوص القرآن والسنة بضميمة تفسير السلف وعملهم تأباه , ثم رعاية مبدأ سدّ الذرائع , قال الله تعالى :"وابتغوا إليه الوسيلة ", وقال تعالى :"أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة " , فإن الوسيلة هي مايتوصل به إلى تحصيل المقصود , والمراد الذي يتوصل إليه هنا هو مرضاة الله , بفعل الطاعات , من الواجات والمندوبات , والأصل فيها جملة وتفصيلاً المنع .
    والجار والمجرور في الآيتين متعلق بالفعل قبله فيفيد الحصر , وليس متعلقاً بالوسيلة بعده , أي تقربوا إليه وحده , ففي ذلك إحالة على القربات المعروفة في الدين , وكما أمر بالتقرب إليه وحده ,أخبر أن هذا شأن عباده الصالحين الصالحين الذين يدعوهم المشركون , ومع هذا قال بعضهم بالتوسل بالنبي ثم لم يقفوا عند هذا وحده , بعد أن وجدوا في حديث الأعمى الذي رواه الترمذي , وهو حسن , ما يقوي شبهتهم , بل ألحقوا به التوسل بالأولياء وغيرهم , وهذا كقياسهم على التبرك بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وشعره وغير ذلك التبرك بغيره , وهو خلاف الصواب لعدم فعل السلف .
    ثم إنهم لم يقتصروا على هذا التوسل الذي زعموه جائزاً , بل طردوه وجعلوا الاستغاثة وغيرها من جنسه , وما هي منه بسبيل , ثم أطلقوا على بعض الناس اسم الغوث والمغيث , ووصلوا إلى درجة اعتبار بعض الناس يتصرفون في الكون , ولو لم يكونوا يعتقدون فيهم ذلك ما سألوهم أموراً لا قدرة لهم عليها وهم أحياء , فكيف وهم أموات ؟ , وهذه الأسماء كالغوث والمغيث ليست معانيها إلا لله , فإنه هو غياث المستغيثين .
    وليعلم أن التوسل والاستغاثة متغايران لا مترادفان خلاف الأصل , حتى إن بعض علماء العربية أنكره رأساً , واللغة في هذا المقام هي الفيصل ,إن لم يكن ثمة حقيقة شرعية للكلمتين ,ولأن الاستغاثة كما تقدم من جملة الدعاء , بل هي أخص فلا يجوز صرفها للمخلوق حسب التفصيل المذكور , وقد جاء النهي عن ذلك في الحديث :" وإنما يستغاث بالله " , وهذه صيغة حصر .
    ولم يعرف عن الأولين التوسل بذات النبي , بل بطباعتهم له , وبدعائه لهم , ولذلك توسلوا بدعاء عمه العباس -رضي الله عنه - بعد وفاته , وأخيراً فإن المنع من الاستغاثة ليس من باب سدّ الذرائع , كما اعتبره بعضهم ,ثم ذهب يرد ذلك بقوله إن من منعها بهذه الحجة كم منع من غرس شجرة العنب بحجة أنه يصنع منها الخمر , والصواب أنها ممنوعة لذاتها لأنها ما تقدم عبادة والأصل فيها المنع , بخلاف التوسل , فإنه لحماية حمى التوحيد كما في نهيه عن قرن اسمه باسم الله في ذكر المشيئة .

    والله أعلم

  2. #2

    افتراضي رد: الاستغاثة بالمخلوقين

    ومع الأسف فإن كثيراً من الناس يعتقدون أن للأولياء تصرفاً في الكون وأنهم حماة للمنطقة التي هم فيها , فإذا دخل الشخص تلك المنطقة ناداهم بقوله : يارجال البلاد , يستغيث بهم ويستجير بحماهم , وكثير من الناس ينادونهم عند القيام استعانة بهم , وهم يحلفون بهم , وبعضهم يخاف من عواقب الحلف بهم أكثر مما يخاف إذا حلف بالله كاذباً , ولذلك يقيمون لهم ما يسمى بالوعدة كل عام , وقد يكررونها في العام الواحد , ويسمونها باسم الميّت , فيقال وعدة سيدي فلان ( بكسر السين ) , وكثيراً ما يشدون الرحال إلى قبره ليقيموها عنده , وربما لعبوا بالخيل عند القبر التي جعل الشارع زيارتها لتذكر الآخرة , فحولوها هم للعب والمرح والفرح , ويقع التنافس الشديد بين القبائل في ذلك , كل تسعى في تكريم جدّها , واسترضائه , ومع ذلك يجدون ممن يحسبونهم علماء من يزين لهم صنيعهم , ويقول إنه إطعام للطعام , ولقاء بين الناس فيه خير كثير , وربما قال لهم إن الوعدة من الوعد , وكان الأجدر به أن يقول إنها من الوعيد .
    واقرأ قول صاحب الثغر الجماني الذي يقول عن محمد بن عمر بن عثمان المغراوي الهواري( ومغراوة إحدى قبائل مجموعة زناتة البربرية التي كان معظمها بالمغرب الأوسط , وهوارة إحدى تلك الطوائف كانوا ينتشرون إبان الفتح الاسلامي بمناطق إفريقيا ( تونس الآن ) ).
    وهو بصدد ذكر استرداد المسلمين لمدينة وهران :
    إذ تم وقت غضب الهواري || سقى ضريحه السحاب الساري
    ومراده من ذلك الاشارة إلى حكاية ذكرها وأقرها , وهي أن بعض الناس قتلوا ابن الهواري فغضب , فباع وهران للنصارى (!!) , واستثنى أنها لا ترجع إلا بعد ثلاثمائة عام , فلما انتهى وقت غضبه عادت وهران داراً للإسلام .
    وأعجب من ذلك أن يجهد صاحب الثغر الجماني نفسه في بيان صدق هذه الأسطورة , باستغراقها ثلاثة قرون , فيستعمل التقريب بجبر كسر الأعداد في تصويب هذه المزاعم !!, قال ,,, وكذلك كان الأمر ةالحمد لله (!!) , فإنها أخذت من المسلمين سنة أربع وعشرة وتسعمائة - كما تقدم - وهاهي قد رجعت لهم سنة ست ومائتين وألف , ومجموع ما بقيت بأيديهم ثلاث مائة سنة غير سبعة , وما قرب من الشيئ يعطى حكمه ,,, " ( الثغر الجماني ص 488 ).
    فلا حول ولا قوة إلا بالله , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
    وقال الدكتور أبو القاسم سعد الله : إن دعاء أحمد بن يوسف على الزيانيين عندما آذوه , يذكر بدعاء الهواري على وهران , وقد حكى قصة دعائه فقال : ومن الحكايات التي تروى أن الشيخ محمد الهواري قد نقم على أهلها فرفع حمايته عنها , ودعا عليها بالسقوط في أيدي الكفار فكان الحال كذلك , وقد ذكر رفع بعض الأولياء ماسماه بحمايتهم لمناطق فكان مآلها السقوط في أيدي الغزاة و فلا حول ولا قوة إلا بالله .
    على أننا لو شككنا في صحة هذه الحكايات , وقلنا بأن الأتباع الجهلة قد اختلقوها , فماذا نقول في ناقليها ورواتها ؟ .
    وحسبنا الله ونعم الوكيل .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: الاستغاثة بالمخلوقين

    بارك الله فيك - أخي عبد القادر - ونفع بكتاباتك في المنتدى ...

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: الاستغاثة بالمخلوقين

    بارك الله فيك ..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •